قراءة في رسالة المؤتمر الخامس (3)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قراءة في رسالة المؤتمر الخامس (3)


بقلم: وليد شلبي

مقدمة

يتحدث الإمام الشهيد في هذا المحور الهام من الرسالة عن بعض خصائص دعوة الإخوان المسلمين واستعرضها سريعًا ولعل ما يلفت الانتباه هو تفصيل الإمام- يرحمه الله- في خاصية التدرج أكثر من الخصائص الست الأخرى، ولعل في هذا دعوة واضحة وصريحة لمنهج الجماعة وتدرجه وعدم تعجله.

ووضح الإمام في البداية البيئة التي نشأت فيها الدعوة في الإسماعيلية والجو العام المحيط بها من خلاف فقهي وانقسام وتفرق حول بعض النقاط الفرعية.

وعلى المستوى الوطني صراع قوي من أجل تحرير الوطن بين المجاهدين والمقاومين في القنال وبين الاحتلال الإنجليزي.

وهنا نتوقف عند الجملة التي بدأ بها الإمام هذا المحور حين قال "لعل من صنع الله لدعوة الإخوان المسلمين أن تنبت بالإسماعيلية..."، فهو هنا يتحدث عن إرادة الله؛ فالله سبحانه وتعالى حاضر في ذهنه متمثلاً في ضميره، وفي كل خطوة من خطواته، ويرجع الفضل له في كل وقت وحين، فالله هو صاحب الفضل والمنة واليد العليا على الدعوة وتطورها ونمائها. وهكذا ينبغي أن يكون الداعية متصلاً بالله مرتكنًا إلى حماه في كل وقت وحين.

وهذا هو التصور الإيماني الصحيح.. فالله هو الذي يصنع ويدبر، وهذه اليد لا تدفع بنفسها، ويؤكد هذا التصور في بقية رسائله بل وخطواته كلها، فهو الله حاضر في تصوره، وهو الذي ينصر ويوفق لا مجهودات الداعية مهما عظمت. ثم تحدث الإمام عن سبع خصائص تميز دعوة الإخوان وهي:

(1) البعد عن مواطن الخلاف.

(2) البعد عن هيمنة الأعيان والكبراء.

(3) البعد عن الأحزاب والهيئات.

(4) العناية بالتكوين والتدرج في الخطوات.

(5) إيثار الناحية العملية الإنتاجية على الدعاية والإعلانات.

(6) وشدة الإقبال من الشباب.

(7) وسرعة الانتشار في القرى والمدن.

1- البعد عن مواطن الخلاف

تحدث الإمام هنا عن نقطتين هامتين: الأولى ضرورة الخلاف وكونه سنةً كونيةً لا يمكن إغفالها وضرورة التعامل والتعايش معها وعدم التصادم معها، وذكر أمثلة من الصحابة والتابعين. والنقطة الثانية هي حديثه عن مكمن الخطورة في الخلاف وهو التعصب للرأي والحجر على عقول الناس وآرائهم. إن الحجر على العقول والآراء هو مكمن الخطورة على أي عمل ويحمل في طياته عوامل انهياره؛ لذا قرنه الإمام بالتعصب للرأي. ولعل في هذه الخاصية تمييز لأصحاب الفكرة والرسالة الذين يهدفون إلى وحدة الأمة وعودة مجدها التليد وهذا ما جمع الناس على فكرة الإخوان وأقنعتهم بها "وهذه النظرة إلى الأمور الخلافية جمعت القلوب المتفرقة على الفكرة الواحدة".

لذا وجب علينا أن تتسع قلوبنا وعقولنا للرأي المخالف ونحتويه ونتناقش معه ونوظفه بدلاً من كبته ومقاومته. وهذا واجب جماعة قال عنها الإمام "وكانت هذه النظرة ضرورية لجماعة تريد أن تنشر فكرة في بلد لم تهدأ بعد فيه ثائرة الخلاف على أمور لا معنى للجدل ولا للخلاف فيها".

2- البعد عن هيمنة الكبراء والأعيان

حدد الإمام في هذه الميزة بُعد الدعوة منذ نشأتها الأولى عن أي سلطان خارجي وأن أعمالها وقراراتها نابعة من فهمها لصحيح الإسلام ولأهدافها المستمدة والمتسقة مع المبادئ والقيم الإسلامية. وقد ذكر الإمام في ذلك أنه أراد أن يحمي الدعوة من التميع وعدم استغلالها من قبل بعض المنتفعين لتحقيق أهدافهم الخاصة ويبعدوها عن وجهتها الأساسية "ولأننا معشر القائمين بدعوة الإخوان تعمدنا هذا، لأول عهد الدعوة بالظهور: حتى لا يطمس لونها الصافي لون آخر من ألوان الدعوات التي يروج لها هؤلاء الكبراء.. وحتى لا يحاول أحد منهم أن يستغلها أو يوجهها في غير الغاية التي تقصد إليها...".

3- البعد عن الهيئات والأحزاب

ونظرًا لما يميز دعوة الإخوان من إتباعها لمنهج التجميع لا التفريق، ولما كان سائدًا في هذه الفترة الزمنية من حرب شعواء بين الأحزاب والقوى السياسية لأغراض ومنافع شخصية بحتة وتناسى الجميع المصلحة العليا للوطن وقضاياه ذكر الإمام في هذه الخاصية البعد عن الهيئات والأحزاب حتى لا تحيد الدعوة عن خطوطها المرسومة لها وفقًا لنهج الإسلام القويم. "وأما البعد عن الاتصال بالأحزاب والهيئات فلما كان ولا يزال بين هذه الهيئات من التنافر والتناحر الذي لا يتفق مع أخوة الإسلام، ودعوة الإسلام عامة تجمع ولا تفرق ولا ينهض بها ولا يعمل لها إلا من تجرد من كل ألوانه وصار لله خالصًا..".

4- التدرج في الخطوات

استفاض الإمام رحمه الله في شرح هذه الخاصية وتوضيحها، نظرًا لأهميتها ولعدم تعجل الثمار قبل نضجها ولترسيخ هذا المفهوم في النفوس وتجذيره لأنه من أهم خصائص هذه الدعوة. ولقد أثبتت التجارب والأحداث أن التعجل وعدم التدرج قد جلب على العمل الإسلامي الكثيرَ من المحن والصعاب وضره أكثر مما أفاده.

لذا كان اهتمام الإخوان على التربية والدرج فيها كأحد أهم وسائلهم للتغيير المتدرج وغير المتعجل.

يقول رحمه الله في هذا الصدد: "يجب أن تكون دعامة النهضة (التربية) فتربى الأمة أولاً وتفهم حقوقها تمامًا وتتعلم الوسائل التي تنال بها هذه الحقوق والأمة التي تريد النهوض عليها أن تحيل الوطن إلى مدرسة كبيرة أساتذتها الزعماء والمصلحون، وطلبتها كل المواطنين، وعلومها الحقوق والواجبات أو قل الوسائل والغايات" هذا الأسلوب الأمثل الذي تتربى به الأمة وهذا المنهج هو الذي سلكه الأستاذ الإمام البنا، تربية الأمة بالقدوة والأسوة ومن أجل ذلك أيضًا يجب أن ينظم أمران مهمان هما المنهج والزعامة. فالزعيم زعيم تربى، لا من زعمته الحوادث وأتت بهم الضرورات، والتربية التي تولد الزعامة الحقيقية هي التي تنتج فقهًا لا تفرز شعورًا. بمعنى أن التربية التي تفرز شعورًا فقط، عند أول مواجهة للعقبات والمحن أو الشدة واللأواء يبدو التبرم والضجر عن تحمل المسئولية، لأنه الشعور فقط، عاطفة ونزوة عابرة، حماسة فائرة فبمجرد الصدمة في الشدة يبدو الضجر من تحمل المسئولية ومن تحمل الواجب.

ولكن لا شك في أن الغاية الأخيرة أو النتيجة الكاملة لا تظهر إلا بعد عموم الدعاية وكثرة الأنصار، ومتانة التكوين.

وتحدث الإمام عقب ذلك عن الصبر والمثابرة في سبيل نشر الفكرة والاهتمام بها "ولا زلنا ندعو، وسنظل كذلك، حتى لا يكون هناك فرد واحد لم تصله دعوة الإخوان المسلمين على حقيقتها الناصعة، وعلى وجهها الصحيح، ويأبى الله إلا أن يتم نوره".

وتحدث الإمام بعد ذلك عن تعدد الوسائل وتنوعها وعدم قصرها على وسيلة واحدة وذكر الهدف من كل وسيلة:

1-الكتائب: ويراد بها تقوية الصف بالتعارف، وتمازج النفوس والأرواح ومقاومة العادات والمألوفات، والمران على حسن الصلة بالله تبارك وتعالى، واستمداد النصر منه، وهذا هو معهد التربية الروحية للإخوان المسلمين.

2-الفرق للكشافة والجوالة والألعاب الرياضية: ويراد بها تقوية الصف بتنمية جسوم الإخوان، وتعويدهم الطاعة والنظام والأخلاق الرياضية الفاضلة، وإعدادهم للجندية الصحيحة التي يفرضها الإسلام على كل مسلم، وهذا هو معهد التربية الجسمية للإخوان المسلمين.

3-درس التعاليم في الكتائب أو في أندية الإخوان المسلمين: ويراد بها تقوية الصف بتنمية أفكار الإخوان وعقولهم بدراسة جامعة لأهم ما يلزم الأخ المسلم معرفته لدينه ودنياه، وهذا هو معهد التربية العلمية والفكرية للإخوان المسلمين.. بعد أن نطمئن على موقفنا من هذه الخطوة نخطو إن شاء الله الخطوة الثالثة، وهي الخطوة العملية التي تظهر بعدها الثمار الكاملة لدعوة الإخوان المسلمين"، وبهذه الخطوات نجد التركيز على التربية بكل أنواعها الروحية والعلمية والفكرية والجسمية.

وتحت عنوان "مصارحة" يقول الإمام كلمته المعبرة التي تُجمل الموضوع والتي ما زالت تُحفظ عنه في الصبر وعدم التعجل: "أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم: اسمعوها مني كلمةً عاليةً داويةً من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده. ولست مخالفًا هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول، أجل قد تكون طريقًا طويلةً ولكن ليس هناك غيرها. إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلي غيرها من الدعوات.

ومن صبر معي حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك علي الله، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين: إما النصر والسيادة، وإما الشهادة والسعادة.

ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد".

وعندما قال الإمام البنا: (إنكم لم تكلفوا نتائج الأعمال، ولكن كلفكم الله صدق التوجه وحسن الاستعداد، ونحن بعد ذلك إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين، وإما مصيبون فلنا أجر الفائزين المصيبين)، أراد أن يلفت الانتباه إلى أهمية مشروع قيام الدولة.

لأن البعض يتصور استسهال عملية الخطأ، أمر عادي وأننا غير مكلفين بنتائج الأعمال، وأن يكون عندنا النية فحسب.

والفهم الحقيقي لهذه الكلمات التي ذكرها الإمام أننا يجب ألا نخطو خطوة بدون هدف. فالارتجالية والعشوائية تؤدي إلى الضياع والهلكة. ومن كلماته رحمه الله: "لن نبذل بغير حاجة، ولن نضحي بغير ربح، ولن نخطو بغير هدف، ولن نجرح دون إصلاح، رائدنا المصلحة وكفى".

متي تكون خطوتنا التنفيذية؟

"نحن هنا في مؤتمر أعتبره مؤتمرًا عائليًّا يضم أسرة الإخوان المسلمين، وأريد أن أكون معكم صريحًا للغاية فلم تعد تنفعنا إلا المصارحة: إن ميدان القول غير ميدان الخيال وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ".

لقد أوضح الإمام هنا حقيقة الميادين الدعوية والفرق بين من يصلح لكل ميدان وضرورة إعداد أنفسنا لميدان الجهاد الحق وضرورة الانتباه حتى لا تضيع الجهود هباء.

وضرورة إيثار الجانب العملي على القولي وتوطين النفس على تحمل المشاق الدعوية على الطريق.

"وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا، ولكن قليلاً من هذا الكثير يثبت عند العمل وكثير من هذا القليل يستطيع أن يعمل، ولكن قليلاً منهم يقدر على حمل أعباء الجهاد الشاق والعمل المضني".

هذا ما ذكره الإمام بعد ذلك في قوله "إن رجل القول غير رجل العمل ورجل العمل غير رجل الجهاد ورجل الجهاد فقط غير رجل الجهاد المنتج الحكيم، الذي يؤدي إلى أعظم الربح بأقل التضحيات".

ويلفت الإمام الانتباه بعد ذلك لبعد هام لا ينبغي أن يضيع من الداعية ألا وهو الاعتماد على معية الله وعدم إغفالها أبدًا "وهؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الأنصار قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف إن لم تتداركهم عناية الله، وفي قصة طالوت بيان لما أقول".

وانتقل بعد ذلك للحديث عن مواصفات الكتيبة المؤمنة التي ينشدها الإمام ليحقق بها الآمال: "وفي الوقت الذي يكون فيه منكم- معشر الإخوان المسلمين- ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسيًّا وروحيًّا بالإيمان والعقيدة وفكريًّا بالعلم والثقافة وجسميًّا بالتدريب والرياضة في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار وأقتحم بكم عنان السماء.

وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله القائل: (ولن يغلب اثنا عشر ألفًا من قلة)".

5- إيثار الناحية العملية

ذكر الإمام ثلاثة أسباب لإيثار الإخوان للناحية العملية في حركتهم وحددها في "مخافة أن تشوب هذه الأعمال شوائب الرياء، نفور الإخوان الطبيعي من اعتماد الناس على الدعايات الكاذبة، خشية الإخوان من معاجلة الدعوة بخصومة حادة أو صداقة ضارة ينتج عن كليهما تعويق السير أو تعطيل عن الغاية".

وحدد الإمام- يرحمه الله- الضوابط الإعلامية الحاكمة للدعاة للإعلان عن أعمالهم، فهي ليست للمباهاة والتفاضل ولكن للتسابق للخيرات ولندل بها على الخير "أن تبينوا للناس غايتكم ووسيلتكم وحدود فكرتكم ومنهاج أعمالكم وأن تعلنوا هذه الأعمال على الناس لا للمباهاة بها ولكن للإرشاد إلى ما فيها من نفع للأمة وخير لأبنائها، واحرصوا على أن تكونوا صادقين لا تتجاوزون الحقيقة، وأن تكون دعايتكم في حدود الأدب الكامل والخلق الفاضل والحرص التام على جمع القلوب وتأليف الأرواح واستشعروا كلما ظهرت دعوتكم أن الفضل في ذلك كله لله: (بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات: من الآية17 )".

6- إقبال الشباب على الدعوة

ركز الإمام- يرحمه الله- في هذا المحور على أهمية الاهتمام بالشباب كونها أخصب المنابت الدعوية وربط مدى نجاح هذه الطاقات بمدى ارتباطها بالله سبحانه وتعالي.

فمتى تفاعل الشباب مع القضية واقتنع بها واخلص لها وأخلص وجهته لله سبحانه وتعالي ستتحقق أروع النتائج بإذن الله "فليس غريبًا عليه أن يعتبر دعوة الإخوان المسلمين دعوته وأن يعد غايتها غايته، وأن تمتلئ الصفوف الإخوانية والأندية الإخوانية بشبابه الناهض وعلمائه الفضلاء ومدرسيه ووعاظه، وأن يكون لهم جميعًا أكبر الأثر في نشر الدعوة وتأييدها والمناداة بها في كل مكان..".

ولعل من حسن اعتماد الإمام على فضل الله وعدم نسبه للفضل له وللدعوة وإنما ربطه بالله صاحب الفضل والمنة كان واضحًا حين تحدث عن هداية الكثير من الشباب فأرجع ذلك إلى الله وليس للجهود البشرية "وإن كثيرًا من الشباب كان ضالاً فهداه الله وكان حائرًا فأرشده الله، وكانت المعصية له عادة فوفقه الله إلى الطاعة، وكان لا يعرف له غاية من الحياة فوضحت أمامه الغاية، (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) (النور: من الآية35 ).

وإنا لنعتبر ذلك من علامات التوفيق ونلمس كل يوم تقدمًا جديدًا في هذا الباب يدعونا إلى: الأمل القوي والمثابرة ومضاعفة الجهود (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران: من الآية 126)".

7- سرعة الانتشار في القرى والمدن

وتحدث الإمام في هذا المحور عن سرعة الانتشار في القرى والمدن والعجيب أنه عندما بدا الحديث بدأه بتوصيف الواقع المرير والبئيس الذي كانت تحياه مصر، ولكنه خلص منه إلى نقطة هامة ومحورية وهي استثمار العقبات وهذا هو واجب الدعاة، ضرورة التغلب على العقبات وتوظيفها واستثمارها، وعدم الركون إليها والتسليم لها "وأما سرعة انتشار الدعوة في القرى والمدن فقد قدمت لكم أن الدعوة نشأت في الإسماعيلية، وترعرعت في جوها الصافي ودرجت على رمالها الممتدة الجميلة.

يغذيها وينميها ما ترى ما ترى كل صباح ومساء من مظاهر الاحتلال الأجنبي والاستئثار الأوربي بخير هذا البلد. والمصري غريب بين كل هذه الأجواء في بلده محروم وغيره ينعم بخير وطنه ذليل، والأجنبي يعتز بما يغتصبه من موارد رزقه".

وذكر الإمام بعد ذلك بعض الأسباب التي دعت عموم الناس إلى الانضمام إلى دعوة الإخوان "إيمانًا بفكرتهم، وإيثارًا للعمل مع الجماعة، وزهادةً في الألقاب والأسماء، واحتقارًا لهذه الأنانية الفردية التي أفسدت علينا كل عمل".

فكانت النتيجة الحتمية لهذه الخصائص أن "انتشرت شعب الإخوان بسرعة فائقة في جميع نواحي القطر المصري من أسوان إلى الإسكندرية إلى رشيد إلى بورسعيد إلى السويس إلى طنطا، إلى الفيوم إلى بني سويف، إلى المنيا، إلى أسيوط، إلى جرجا، إلى قنا، وفيما بين ذلك من المراكز والقرى، ولم تقف عند هذه الحدود المصرية بل تجاوزتها إلى القسم الجنوبي من الوطن الغالي، إلى السودان المفدى، ثم إلى بقية أجزاء الوطن الإسلامي العزيز: سوريا بأقسامها شرقًا، والمغرب بأقسامه غربًا، ثم إلى غير ذلك من بقية بلادنا الإسلامية المباركة".

ويختم الإمام يرحمه الله هذا المحور بالإجابة على السؤال الذي يثار بين الحين والحين حول مصادر تمويل الجماعة "وإن كثيرًا من الناس ليتساءل: ومن أين يقوم الإخوان المسلمون بنفقات هذه الدعوة، وهي نفقات كثيرة تُعجز الأغنياء فضلاً عن الفقراء؟ ألا فليعلم هؤلاء وليعلم غيرهم أن الإخوان المسلمين لا يبخلون على دعوتهم يومًا من الأيام بقوت أولادهم وعصارة دمائهم وثمن ضرورياتهم، فضلاً عن كمالياتهم والفائض من نفقاتهم...".

وأنهم يوم أن حملوا هذا العبء عرفوا جيدًا أنها دعوة لا ترضى بأقل من الدم والمال، فخرجوا عن ذلك كله لله وفقهوا معنى قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ) (التوبة: من الآية 111)، فقبلوا البيع وقدموا البضاعة عن رضا وطيب نفس، معتقدين أن الفضل كله لله، فاستغنوا بما في أيديهم عما في أيدي الناس، ومنحهم الله البركة في القليل فأنتج الكثير".

وبهذا يضع الإمام الشهيد يرحمه الله قاعدة عظيمة فطالما أننا سنعتمد على أنفسنا فيجب أن تكون تربيتنا على هذا المستوى النفسي الصالح الذي يميز مبادئنا في نفوسنا.


المصدر