قبلة على وجنتي جنرال شرطة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قبلة على وجنتي جنرال شرطة



عندما كنا معتصمين في نادي القضاة إبان محاكمة زميلنا هشام البسطويسي ومحمود مكي وكان الأمن المركزي يتمركز بأعداد هائلة تفوق الوصف والحاجة في مظهر لاستعراض القوة الغاشمة من الحكومة على هذا الشعب المقهور وأثناء انتقالنا من النادي إلى مبنى دار القضاء العالي حيث تجرى المحاكمة سيراً على الأقدام شاهدت اثنين من رجال الشرطة برتبة لواء يقومان بتنظيم صفوف عساكر الأمن المركزي ومراقبة حركة السير في الطريق وعجبت لذلك كثيراً أن يقوم اثنان من كبار رجال الشرطة بهذا العمل البسيط الذي يمكن أن تقوم به رتبة صغيرة في الشرطة وليس أكبر وأعلى رتبة فيها والتي اعتدنا منها أن تقوم في الماضي بالتخطيط والمتابعة عن طريق الهاتف دون انتقال إلى مواقع الأحداث وتولى ذلك بنفسها ، وعندما شاهدت هذا المنظر الذي لم يعجبني صحت بصوت عال يسمعه الجميع ( يا خسارة الرتب ، هل هانت رتب الشرطة إلى الحد الذي يقف فيه لواء شرطة لتنظيم العسكر في الطريق ) ، وهنا اقترب مني أحد اللواءين وهمس في أذني ( بارك الله فيكم وأعانكم على ما أنتم فيه ونصركم ) ، ولم أشعر بنفسي عندما سمعت هذا الحديث الهامس في أذني من لواء الشرطة حتى قمت بطبع قبلة على وجنتيه وبعد أن فعلت ذلك شعرت بندم شديد فأنا أعلم متابعة أجهزة الإعلام لي وإمكان تصوير هذا المنظر وما يمكن أن يلحق هذا الرجل من أذى بسبب هاتين القبلتين المشئومتين لأن رجال الشرطة هم أضعف فئة في السلطة التنفيذية ، يمكن أن يطاح بهم في لحظة دون أبداء الأسباب ، هم الأقوياء في مواجهتنا بناء على طلب الحكومة وليس بإرادتهم ، الضعفاء في مواجهتها مثل العصى الخاصة بك التي يمكن أن تكسرها وترميها في قارعة الطريق عندما تشعر أنك لست في حاجة إليها أو أنها قد أدت المهمة التي تحملها من أجلها أو أنهـا أصبحت عبئاً عليـك ، هكذا بكـل بساطـة دون تفكير أو عناء أو شفقة ، عادت هذه القصة إلى ذاكرتي كأحد ذكريات أيام الاعتصام في نادي القضاة بعد أن قرأت تحقيق ( الشرفاء من ضباط الشرطة شريحة مهمة في معركة تغيير النظام ) المنشور في جريدة الدستور الأسبوعي يوم الأربعاء 11 / 4 / 2007 لأني أشعر دائماً أن الشرطة جزء من شعب مصر غير منفصل عنه يعيشون آلامه وأحزانه ومشاكله ، إلا أن طبيعة عمليهم تحتم عليهم أحياناً الظهور بغير مظهرهم الحقيقي ، فهم بحكم طبيعة عملهم يد السلطة التي تمسك بالعصى لتضرب بها والمفروض أن يكون هذا الضرب لمن يستحقه وعند الحاجة إليه ومن يقرأ تعليمات الشرطة في هذه الأحوال يعلم تماماً أن الضرب آخر وسيلة يجب أن تلجأ إليها الشرطة لحفظ الأمن والنظام المهمة الأولى لها ، إلا أن بعضهم يستسهل الضرب باعتباره وسيلة سهلة وناجحة تنهي المشاكل في أسرع وقت ممكن ، وقد يكون هذا صحيحاً مثلاً في حالة محاولة فض اشتباك أو مشاجرة يمكن أن تتطور إذا استمرت طويلاً وما ينجم عن ذلك من إصابات بشرية وإتلاف للأموال والممتلكات ، ولكن يكون ذلك خطأ كبيراً في حالة محاولة فض مظاهرة سليمة أو تجمع غير خطر على الأمن فإن استعمال القوة في هذه الحالة يكون تجاوزاً غير مبرر وتصرفاً لا تحمد عقباه إذ قد يؤدي إلى تطور المظاهرة السلمية إلى اشتباك بين الشرطة والشعب وإتلاف ممتلكات الشرطة والتي هي ممتلكات الشعب وكثيراً ما يحدث هذا فضلاً عن الإصابات البشرية في الطرفين .

وما أحب أن أنبه له دائماً أن فض المظاهرات السلمية في مصر ومنع التجمعات التي لا ترضى عنها الحكومة هو عمل من أعمال السيادة لا تقو م به الشرطة بإرادتها الحرة فالشرطة هي وقود هذه المعركة وتكره أن تلقى بنفسها فيها ولكنه الإكراه على العمل لأن من يمتنع عن القيام به يمكن أن يطاح به في لحظة ، ولذلك أعتقد أن الكثير من ضباط الشرطة وأفرادها غير سعداء بهذه التعديلات الدستورية التي تعطي لهم سلطات استثنائية في القبض والضبط والتفتيش والمراقبة لأنهم عند تنفيذها سيتعرضون من الشرفاء في الوطن وهم أغلبية الشعب إلى الاستنكار والاحتقار وأحياناً المقاومة ، نظام الحكم جعلنا نتحدث عن الشرطة لا كجهاز أعد أصلاً لحماية أمن وراحة المواطنين ولكن كجهاز أعد لقمعهم والقضاء على حريتهم وحماية الحاكم الظالم الذي يتسلط عليهم ، في حين أنهم آباؤنا وأبناؤنا وأخوتنا وأقاربنا وجيراننا يعيشون بيننـا ويعانون مثلنا ممـا نعانـي منه وإن كـان مظهرهم بحكـم وظائفهم يضعهم فـي موقف لا يحسدون عليه يجعلهم أحياناً يلعنون اليوم الذي فكروا فيه في الالتحاق بكلية الشرطة ويسخرون من أنفسهم يوم سعادتهم وسعادة أهاليهم بالالتحاق بها .

أنا لا أدافع عن الشرطة لأن فيهم من أحبه واحترمه وعمل معي بعض الوقت ولمست فيه ما ألمسه في كل إنسان شريف في هذا الوطن من خلق شريف وطبع طيب وكثير منهم يعاني من نظرة الناس إليه في كره وجفاء من جراء الأعمال غير الطيبة التي يقوم بها بعض زملاؤه ممن باعوا أنفسهم للشيطان ، وهم موجودن في كل مجال وليس في الشرطة فقط ، الكثير منهم يعاني من ذلك .

أعرف أكثر من فتاة رفضت الاقتران بضابط شرطة رغم محاولة إقناعهم أن أخلاقه سامية وبعيد عن الأعمال غير القانونية التي يقوم بها البعض من زملائه ولكنهن يرفضن بشدة معللات هذا الرفض بأنهن يخجلن أن يقلن أمام زميلاتهن وصديقاتهن أنهن سيرتبطن بضابط شرطة وأنهن بحاجة إلى مذكرة إيضاحية عن أخلاق الضابط لكي يقنعن الآخرين بهذا الارتباط وبدلاً من سماع كلمة مبروك يسمعن عبارة نرجوا أن يكون ذلك صحيحاً ، فهل هذا أمر سهل على أفراد الشرطة الذين هم أبناء هذا الشعب الطيب .

التعذيب والاعتقال والتجاوزات التي تحدث من الشرطة في مصر نوعان نوع يحدث في بعض أقسام الشرطة في الجرائم الجنائية وفي الحقيقة أن هذا يلقى آذان صاغية سواء من كبار المسئولين في الشرطة أو من النيابة العامة ويتم التحقيق فيها وإن كان من الصعب إثبات بعضها لأنه لا يوجد شهود من خارج الشرطة أو داخلها يمكن أن تؤيد هذا الاتهام ، أما النوع الثاني والمهم من التعذيب فهو التعذيب الذي يحدث للمتهمين أو المعتقلين السياسيين وهو نوع من التعذيب تتفنن فيه الشرطة وتبتكر له الأساليب وتستورد له المعدات اللازمة لذلك مهما كانت تكاليفها بل وترسل له البعثات إلى الخارج لتعلم فنونه وتتعاون فيه مع أجهزة التعذيب العالمية ، ويقوم به جهاز معين في الشرطة لا يخضع لأي رقابة قانونية أو واقعية يمارسه في اطمئنان تام من المسئولين لأنه في الحقيقة لا يمارسه لحساب نفسه ولكن لحساب الحاكم الذي يأمره به ، يتفنن فيه ويبدع ويكافأ بقدر هذا الإبداع وبقدر ما ينتزع من اعترافات باطلة وغير حقيقية وقد سمعت طرقه في هذا الشأن ( أن أثرياً عثر على تمثال أثناء الحفر للبحث عن آثار وقد حار العلماء في معرفة العصر الذي صنع فيه هذا التمثال فتقدم إليهم أحد رجال المباحث ممن يجيدون التعذيب وطلب منهم ترك هذا الأمر إليه وعندما اختلى بالتمثال بعض الوقت عاد وقال لهم أنه صنع في عهد كذا فقالوا له كيف عرفت هذا قال لهم لقد اعترف التمثال بذلك ) وهكذا يتندر الناس من هذا التعذيب حيث أعيتهم الحيل في التخلص منه ، هذا التعذيب لا يسأل عنه رجال الشرطة وحدهم ولكن يسأل عليه من أمر به وهو الحاكم الذي ينتقم من خصومه السياسيين ، حقاً أنه لا طاعة لمخلوق في مخالفة القانون ولكن لا يجب أن نعاقب العصي بكسرها ونترك اليد التي تمسك بها إذ أن اليد ستتناول غيرها في الحال ويصبح كسر العصى لا فائدة منه ، وهذا النوع من التعذيب والاعتقال والتعدي لا يمكن أن يختفي إلا إذا اختفى نظام الحكم الذي أمر به وما دام هذا النظام قائماً فلا فائدة من الحديث عن منعه ، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بإرادة شعبية تطالب بحقوقها ولا تفرط فيها وليعلم الصامتون منا أنهم ليسوا ببعيدين عن الاعتقال أو التعذيب أو الفصل التعسفي ، كلنا في مركب واحد ومعرضون لذات الخطر وإذا لم نهب جميعاً لمنعه غرقنا جميعاً وضاع الوطن كله ولا حول ولا قوة إلا بالله .