قانونية الإخوان المسلمين (الحلقة الأولى)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قانونية الإخوان المسلمين (الحلقة الأولى)


تأسيس الجماعة

مركز الدراسات التاريخية


مقدمة

بعدما اجتمع لحسن البنا نفر كثر، وعندما عاد الإمام الشهيد من إجازة نصف العام في مساء أول فبراير عام 1928م وبينما هو يرتقي سلم المحطة ليعبر إلى الجهة الأخرى حيث توجد المدينة حان وقت العشاء، فرفع صوته بالأذان وكانت هذه مفاجأة لم يألفها أحد، وتناقل الناس هذا الأمر، وتحدثوا عن هذا الشاب الجريء الذي لا يبالي بالأجانب ولا يحسب لهم حسابًا وكان ذلك أول نفير لبدء الدعوة في الإسماعيلية. (1)

وفي مارس من نفس العام زاره عدد من الشباب الذين تتلمذوا على يده، يطلبون منه العمل والانتشار، يقول الأستاذ البنا في ذلك:

زارني بالمنزل أولئك الإخوة الستة:
حافظ عبد الحميد "نجار بالحي الإفرنجي"، أحمد الحصري "حلاق بشارع الجامع بالإسماعيلية"، فؤاد إبراهيم "مكوجي بالحي الإفرنجي"، عبد الرحمن حسب الله "سائق بشركة القنال"، إسماعيل عز "جنايني بشركة القنال"، زكي المغربي "عجلاتي بشارع السوق بالإسماعيلية"، وهم من الذين تأثروا بالدروس والمحاضرات التي كنت ألقيها، وجلسوا يتحدثون إليَّ وفي صوتهم قوة، وفي عيونهم بريق، وعلى وجوههم سنا الإيمان والعزم؛
قالوا: لقد سمعنا ووعينا، وتأثرنا ولا ندري ما الطريقة العملية إلى عزة الإسلام وخير المسلمين، ولقد سئمنا هذه الحياة:حياة الذلة والقيود، وها أنت ترى أن العرب والمسلمين في هذا البلد لا حظ لهم من منزلة أو كرامة، وأنهم لا يعدون مرتبة الأجراء التابعين لهؤلاء الأجانب، ونحن لا نملك إلا هذه الدماء تجري حارة بالعزة في عروقنا؛
وهذه الأرواح تسري مشرقة بالإيمان والكرامة مع أنفسنا، وهذه الدراهم القليلة، من قوت أبنائنا، ولا نستطيع أن ندرك الطريق إلى العمل كما تدرك، أو نتعرف السبيل إلى خدمة الوطن والدين والأمة كما تعرف؛
وكل الذي نريده الآن أن نقدم لك ما نملك لنبرأ من التبعة بين يدي الله، وتكون أنت المسئول بين يديه عنا وعما يجب أن نعمل، وإن جماعة تعاهد الله مخلصة على أن تحيا لدينه، وتموت في سبيله، لا تبتغي بذلك إلا وجهه، لجديرة أن تنتصر، وإن قل عددها وضعفت عدتها".
كان لهذا القول المخلص أثره في نفسي، ولم أستطع أن أتنصل من حمل ما حملت، وهو ما أدعو إليه وما أعمل له، وما أحاول جمع الناس عليه، فقلت لهم في تأثر عميق: "شكر الله لكم وبارك هذه النية الصالحة، ووفقنا إلى عمل صالح، يرضي الله وينفع الناس، وعلينا العمل وعلى الله النجاح، فلنبايع الله على أن نكون لدعوة الإسلام جندًا، وفيها حياة الوطن وعزة الأمة". وكانت بيعة.وكان قسمًا أن نحيا إخوانًا نعمل للإسلام ونجاهد في سبيله.

وقال قائلهم: بم نسمي أنفسنا؟ وهل نكون جمعية، أو ناديًا، أو طريقة، أو نقابة، حتى نأخذ الشكل الرسمي؟ فقلت: لا هذا، ولا ذاك، دعونا من الشكليات، ومن الرسميات، وليكن أول اجتماعنا وأساسه: الفكرة والمعنويات والعمليات، نحن إخوة في خدمة الإسلام، فنحن إذن "الإخوان المسلمون".

وجاءت بغتة.. وذهبت مثلاً.. وولدت أول تشكيلة للإخوان المسلمين من هؤلاء الستة: حول هذه الفكرة، على هذه الصورة وبهذه التسمية". (2)

أحد الستة يحكي

ويضيف الأستاذ عبد الرحمن حسب الله (أحد الستة الذين بايعوا) فيقول:

"في هذا الوقت كنت أحد ستة من الشباب كانوا يحضرون دروس الأستاذ البنا، وأخذت من نفوسنا كل مأخذ، مما جعلنا نقبل عليه بعد انتهاء أحد الدروس مصافحين ومعجبين ومستفسرين منه: من هو؟ وأين يعمل؟ وأين يقطن؟ وهل يمكن أن يسمح لنا بزيارة خاصة نتحدث فيها في شأن هذا البلد المحروم من معرفة الإسلام؟
فتهلل وجهه سرورًا وبشرًا واصطحبنا معه إلى حيث يقطن وهناك كانت جلسة ربانية، وأسئلة وأجوبة شرح فيها مهمة المسلم في الحياة وما هو المطلوب منه أمام الله، وما الواجب عليه أن يعمله فاقتنعنا كل الاقتناع، وتهيأت نفوسنا واستعدت لمواصلة اللقاء والاستزادة من المعرفة بواقع الإسلام والمسلمين، وكان رحمه الله يتحدث بتأثر عجيب وكانت دموعه تسيل على لحيته..
وهنا كان الوقت يقترب من منتصف الليل، فقال قبل أن ننصرف: يجب أن نتعارف وبدأ بنفسه "أخوكم في الله" الفقير إلى الله تعالى حسن أحمد عبد الرحمن البنا من مواليد المحمودية بحيرة عام 1906 وتخرجت في كلية دار العلوم وأعمل مدرسًا بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية وأرجو الله تعالى أن يعينني على أن أعمل شيئًا لهذا الدين الحنيف، وبدأ كل منا يعرّف نفسه..
وبعد أن انتهينا من التعارف قال: الآن وقد علمتم ما وصل إليه حال المسلمين من ضعف وذل واستعباد واستعمار وما ذلك إلا لبعدهم عن الدين وعدم تمسكهم بمبادئه..
وقد علمتم أن مهمة المسلم الحق في هذه الحياة أن يكون داعيًا إلى الله (وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) "آل عمران: 104" وما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الدعوة الإسلامية إلا في مثل سنكم أو أقل أو أكثر بقليل، فهل تعاهدونني على أن نكون أخوة في الله، وأن نعمل لهذا الدين الحنيف، فسررنا لذلك كثيرًا، ومددنا أيدينا للمبايعة، فوضع أيدينا فوق يده
ثم قال: رددوا معي: نستغفر الله العظيم "ثلاثًا" تبنا إلى الله، وعزمنا على أن لا نعصي الله أبدًا، نعاهد الله تعالى على أن نكون إخوة في الله، وأن نعمل معًا لهذا الدين الحنيف، والله على ما نقول وكيل، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) "الفتح: 10".

ثم تصافحنا مصافحة حارة واختار الإمام البنا لنا اسم "الإخوان المسلمون" وكنا بفضل الله نواة تلك الجماعة المباركة، واختتمنا الاجتماع. (3)

تاريخ التأسيس

اختلف بعض الكتاب في تاريخ تأسيس الجماعة، وتابع البعض ما ذكره الإمام البنا في مذكرات الدعوة والداعية دون تحقيق.

يقول الأستاذ جمعة أمين:

ذكر الإمام الشهيد تاريخ التأسيس فقال:
"في ذي القعدة 1347هـ مارس سنة 1928م فيما أذكر" ولم يفطن البعض إلى اختلاف التاريخين، الهجري والميلادي، ومن فطن رجح أحدهما على الآخر ودلل على ترجيحه، فيقول الدكتور يوسف القرضاوي إن الغالبية من الإخوان ومعهم غالبية أعضاء مكتب الإرشاد يرون أن سنة 1928م هي السنة الأصح، ويرى البعض الآخر ومعهم الدكتور يوسف القرضاوي أن سنة 1929م هي الأصح؛
لأنها توافق سنة 1347هـ؛ ولأن الإمام البنا كان حريصًا على استخدام التاريخ الهجري وتثبيته في وعي الإخوان، لذلك ذكره منفردًا في أكثر من موضع، ورجح كتاب الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية أن تأسيس الجماعة كان في يناير "كانون الثاني" من سنة 1929م؛

واستندوا في ذلك إلى الدكتور رفعت السعيد ورسالة ماجستير للباحثة آمال محمد كامل بيومي، ولأقوال الإمام الشهيد في رسائله، وأن الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيس الجماعة كان في يناير 1939م، كما أن المؤتمر السادس عام 1941م قد أشار إلى انقضاء اثني عشر عامًا على تأسيس الجماعة.

وبالرجوع إلى كتاب د. رفعت السعيد وجدناه أثبت هذا التاريخ على لسان الباحثة آمال بيومي، وقال بأن الأهرام نشرت صورة للمؤسسين في 4يناير 1929م.

وبالرجوع إلى رسالة الماجستير المذكورة للباحثة آمال بيومي وجدنا ما نصه:

"عكف البنا منذ منتصف عام 1927م وأوائل 1928م على دراسة الناس والأوضاع دراسة دقيقة، ومعرفة عوامل التأثير في هذا المجتمع الجديد، وأدرك أن عوامل التأثير فيه تكمن في العلماء، شيوخ الطرق، الأعيان ثم الأندية، وبدأ بذلك يوطد الصلات بهم، وكون بالفعل من بعضهم نواة أول جماعة للإخوان المسلمون..
وقد نشرت لهم الأهرام صورة بدون تعليق تضم اثنى عشر عضوًا في يناير عام 1928م، وكون فروعًا أخرى للجماعة، بإرسال مندوبين من المقربين له في كل من أسيوط وشربين ثم بالقاهرة بعد أن اختار مقرًا لها بمنزل في شارع القصر العيني، ثم ناديًا خاصًا أيضًا.. كذلك أسس فرع للجماعة في نجع حمادي وفي بنها في نفس العام".

واستندت الباحثة فيما أوردت إلى جريدة الأهرام في التواريخ التالية على الترتيب (4 يناير 1928م الصفحة الثانية، 4فبراير 1928، 22 مارس 1928م) .

ولما كانت هذه التواريخ تخالف ما هو ثابت في مراجع الإخوان المختلفة عن فتح الشعب، فقمنا بالرجوع إلى الأهرام في تلك التواريخ، ووجدنا أن هذه الأخبار كلها مثبتة، ولكنها لا تخص الإخوان المسلمين بل تتحدث جميعها عن جمعية الشبان المسلمين، وقد وقعت الباحثة في ذلك الخطأ وتابعها الدكتور رفعت السعيد.

وعلى ذلك فإن سبب الاختلاف في تاريخ النشأة هو اختلاف التاريخ الميلادي عن التاريخ الهجري في مذكرات الإمام الشهيد، فهما إذن تاريخان:

الأول: مارس سنة 1928م الموافق رمضان وشوال 1346هـ.
الثاني: ذو القعدة 1347هـ الموافق أبريل ومايو 1929م.

وقد أوصلنا تتبع الأحداث وتدقيقها إلى افتراض وجود تاريخ للتأسيس الفعلي للجماعة، وهو المشهور باجتماع الإمام البنا مع العمال الستة في الإسماعيلية وتاريخ آخر للتسجيل الرسمي للجمعية.

ويؤكد أن تاريخ التأسيس الفعلي للجماعة هو التاريخ الأول ما ذكره الإمام البنا في مذكراته عن عدد الإخوان في نهاية العام الدراسي الأول 19271928م، حيث وصل تعدادهم إلى سبعين أخًا أو أكثر قليلاً ومن غير المعقول أن يتحدث الإمام الشهيد عن عدد الإخوان قبل التأسيس الفعلي للجماعة.

ويؤكد أن تاريخ التسجيل الرسمي للجمعية هو التاريخ الثاني عدة أمور منها:

  1. أن الإمام الشهيد تحدث عن شراء الجمعية لقطعة الأرض اللازمة لإنشاء مشروع المسجد والدار قبيل الإجازة الصيفية للعام الدراسي الثاني 19281929م وذكر أن الشيخ محمد حسين الزملوط، والحاج حسين الصولي وقعا على عقد البيع بتفويض رسمي من الجمعية "التي كانت حينذاك قد تشكلت بوضع الجمعيات القانونية..".
  2. أن الجمعية كانت تعقد اجتماعًا لمجلس إدارتها مرة في أول كل شهر عربي في الأحوال العادية، فإذا كان محضر اجتماع مجلس الإدارة رقم (23) كان في 31 مارس 1931م، ومحضر الاجتماع رقم (24) كان في 19 أبريل 1931م فإن تاريخ الاجتماع الأول "رقم 1" الذي يلي التسجيل الرسمي للجمعية، كان في أبريل أو مايو 1929م الموافق ذو القعدة 1347هـ.

وعلى ذلك فما كتبه الإمام البنا عن تاريخ تأسيس الجماعة ذكر تاريخين مختلفين، أحدهما التاريخ الفعلي، والثاني هو تاريخ إشهار الجماعة رسميًا، هو نوع من السهو البشري الذي يقع فيه من يكتب مذكراته بعد وقوع أحداثها بمدة تزيد عن ثماني عشرة سنة، حيث إن المرجح أن المذكرات كتبت في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي.

وبعد تأسيس الجمعية رسميًا تولى الإمام البنا رئاسة مجلس إدارتها، وتولى الشيخ محمد حسين الزملوط أمانة الصندوق فيها. (4)

المصادر

  1. حديث للأستاذ عبد الرحمن حسب الله لواء الإسلام صـ 58،59 ذي القعدة 1408هـ يونيو 1987م.
  2. حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية صـ 83.
  3. مجلة لواء الإسلام السنة 42 مرجع سابق ص15.
  4. أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين: مرجع سابق.