قالب:الشكر وأثره فى حياة المسلم
" الشكر وأثره فى حياة المسلم " تعريف الشكر لما كان الشكر له منزلة في حياة المسلم فقد عرفه العلماء بتعريفات متقاربة. قال العلامة أبن القيم رحمه الله وهو يعرف الشكر :" قيل : حده :الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع . وقيل : الثناء على المحسن بذكر إحسانه . وقيل : هو عكوف القلب على محبة المنعم والجوارح على طاعته وجريان اللسان بذكره والثناء عليه. وقيل : هو مشاهدة المنة وحفظ الحرمة . وما ألطف ما قال حمدون القصار : شكر النعمة أن ترى نفسك فيها طفيليا. وقال أبو عثمان : الشكر معرفة العجز عن الشكر. وقيل : الشكر إضافة النعم إلى موليها بنعت الاستكانة له.
1- الشكر بالقلب :والشكر لله سبحانه على نعمة التوحيد وغيرها من النعم من أعظم الواجبات وأفضل القربات ، وهو يكون بقلبك محبة لله وتعظيما له ومحبة فيه وموالاة فيه . . شوقا إلى لقائه وجناته . ومن الشكر بالقلب لله أيضا محبة المؤمنين والمرسلين وتصديقهم فيما جاءوا به ولا سيما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة ، كما قال سبحانه : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) ومن الشكر بالقلب أيضا أن تعتقد جازما أن العبادة حق لله وحده ولا يستحقها أحد سواه . ومن الشكر لله بالقلب الخوف من الله ورجاؤه ومحبته حبا يحملك على أداء حقه وترك معصيته وأن تدعو إلى سبيله وتستقيم على ذلك . ومن ذلك الإخلاص له والإكثار من التسبيح والتحميد والتكبير . ومن الشكر بالقلب الإخلاص لله ومحبته والخوف منه ورجاؤه كما تقدم والشكر لله سبب للمزيد من النعم كما قال سبحانه : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) ومعنى تأذن : يعني أعلم عباده بذلك وأخبرهم أنهم إن شكروا زادهم وإن كفروا فعذابه شديد ، ومن عذابه أن يسلبهم النعمة ، ويعاجلهم بالعقوبة فيجعل بعد الصحة المرض وبعد الخصب الجدب وبعد الأمن الخوف وبعد الإسلام الكفر بالله عز وجل وبعد الطاعة المعصية . 2- ومن الشكر أيضا الثناء باللسان وتكرار النطق بنعم الله والتحدث بها والثناء على الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن الشكر يكون باللسان والقلب والعمل. وهكذا شكر ما شرع الله من الأقوال يكون باللسان . 3- وهناك نوع ثالث وهو الشكر بالعمل . . . بعمل الجوارح والقلب؛ ومن عمل الجوارح أداء الفرائض والمحافظة عليها كالصلاة والصيام والزكاة وحج بيت الله الحرام والجهاد في سبيل الله بالنفس والمال كما قال تعالى: { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } الآية . فمن شكر الله عز وجل أن تستقيم على أمره وتحافظ على شكره حتى يزيدك من نعمه ، فإذا أبيت إلا كفران نعمه ومعصية أمره فإنك تتعرض بذلك لعذابه وغضبه ، وعذابه أنواع؛ بعضه في الدنيا وبعضه في الآخرة .
ومقام الشكر جامع لجميع مقامات الإيمان ولذلك كان أرفعها وأعلاها وهو فوق الرضا وهو يتضمن الصبر من غير عكس ويتضمن التوكل والإنابة والحب والإخبات والخشوع والرجاء فجميع المقامات مندرجة فيه لا يستحق صاحبه اسمه على الإطلاق إلا باستجماع المقامات له ولهذا كان الإيمان نصفين نصف صبر ونصف شكر والصبر داخل في الشكر فرجع الإيمان كله شكرا والشاكرون هم أقل العباد كما قال تعالى ( وقليل من عبادي الشكور ) قال صاحب المنازل : الشكر : اسم لمعرفة النعمة لأنها السبيل إلى معرفة المنعم ولهذا سمى الله تعالى الإسلام والإيمان في القرآن : شكرا فمعرفة النعمة : ركن من أركان الشكر لا أنها جملة الشكر كما تقدم : أنه الاعتراف بها والثناء عليه بها والخضوع له ومحبته والعمل بما يرضيه فيها لكن لما كان معرفتها ركن الشكر الأعظم الذي يستحيل وجود الشكر بدونه : جعل أحدهما اسما للآخر قوله : لأنه السبيل إلى معرفة المنعم يعني أنه إذا عرف النعمة توصل بمعرفتها إلى معرفة المنعم بها وهذا من جهة معرفة كونها نعمة لا من أي جهة عرفها بها ومتى عرف المنعم أحبه وجد في طلبه فإن من عرف الله أحبه لا محالة ومن عرف الدنيا أبغضها لا محالة ، وعلى هذا : يكون قوله : الشكر اسم لمعرفة النعمة مستلزما لمعرفة المنعم ومعرفته تستلزم محبته ومحبته تستلزم شكره فيكون قد ذكر بعض أقسام الشكر باللفظ ونبه على سائرها باللزوم وهذا من أحسن اختصاره وكمال معرفته وتصوره قدس الله روحه قال : ومعاني الشكر ثلاثة أشياء : معرفة النعمة ثم قبول النعمة ثم الثناء بها وهو أيضا من سبل العامة أما معرفتها : فهو إحضارها في الذهن ومشاهدتها وتمييزها فمعرفتها : تحصيلها ذهنا كما حصلت له خارجا إذ كثير من الناس تحسن إليه وهو لا يدري فلا يصح من هذا الشكر قوله : ثم قبول النعمة درجات الشكر فصل قال : وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى : الشكر على المحاب : وهذا شكر تشاركت فيه المسلمون واليهود والنصارى والمجوس ومن سعة رحمة الباري سبحانه : أن عده شكرا ووعد عليه الزيادة وأوجب فيه المثوبة إذا علمت حقيقة الشكر وأن جزء حقيقته : الاستعانة بنعم المنعم على طاعته ومرضاته : علمت اختصاص أهل الإسلام بهذه الدرجة وأن حقيقة الشكر على المحاب ليست لغيرهم نعم لغيرهم منها بعض أركانها وأجزائها كالاعتراف بالنعمة والثناء على المنعم بها فإن جميع الخلق في نعم الله وكل من أقر بالله ربا وتفرده بالخلق والإحسان فإنه يضيف نعمته إليه لكن الشأن في تمام حقيقة الشكر وهو الاستعانة بها على مرضاته وقد كتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية رضي الله عنه إن أقل ما يجب للمنعم على من أنعم عليه : أن لا يجعل ما أنعم عليه سبيلا إلى معصيته . وقد عرف مراد الشيخ وهو أن هذا الشكر مشترك وهو الاعتراف بنعمه سبحانه والثناء عليه بها والإحسان إلى خلقه منها وهذا بلا شك يوجب حفظها عليهم والمزيد منها فهذا الجزء من الشكر مشترك وقد تكون ثمرته في الدنيا بعاجل الثواب وفي الآخرة : بتخفيف العقاب فإن النار دركات في العقوبة مختلفة ، قال : الدرجة الثانية : الشكر في المكاره وهذا ممن تستوي عنده الحالات : إظهارا للرضا وممن يميز بين الأحوال : لكظم الغيظ وستر الشكوى ورعاية الأدب وسلوك مسلك العلم وهذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة، يعني أن الشكر على المكاره : أشد وأصعب من الشكر على المحاب ولهذا كان فوقه في الدرجة ولا يكون إلا من أحد رجلين : إما رجل لا يميز بين الحالات بل يستوي عنده المكروه والمحبوب فشكر هذا: إظهار منه للرضا بما نزل به وهذا مقام الرضا. الرجل الثاني : من يميز بين الأحوال فهو لا يحب المكروه ولا يرضى بنزوله به فإذا نزل به مكروه شكر الله تعالى عليه فكان شكره كظما للغيظ الذي أصابه وسترا للشكوى ورعاية منه للأدب وسلوكا لمسلك العلم فإن العلم والأدب يأمران بشكر الله على السراء والضراء فهو يسلك بهذا الشكر مسلك العلم لأنه شاكر لله شكر من رضي بقضائه كحال الذي قبله فالذي قبله أرفع منه وإنما كان هذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة : لأنه قابل المكاره التي يقابلها أكثر الناس بالجزع والسخط وأوساطهم بالصبر وخاصتهم بالرضا فقابلها هو بأعلى من ذلك كله وهو الشكر فكان أسبقهم دخولا إلى الجنة وأول من يدعى منهم إليها وقسم أهل هذه الدرجة إلى قسمين : سابقين ومقربين بحسب انقسامهم إلى من يستوي عنده الحالات من المكروه والمحبوب فلا يؤثر أحدهما على الآخر بل قد فني بإيثاره ما يرضى له به ربه عما يرضاه هو لنفسه وإلى من يؤثر المحبوب ولكن إذا نزل به المكروه قابله بالشكر. قال : الدرجة الثالثة : أن لا يشهد العبد إلا المنعم فإذا شهد المنعم عبودية : استعظم منه النعمة وإذا شهده حبا : استحلى منه الشدة وإذا شهده تفريدا لم يشهد منه نعمة ولا شدة ،هذه الدرجة يستغرق صاحبها بشهود المنعم عن النعمة فلا يتسع شهوده للمنعم ولغيره
|