في جمهورية الخوف

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مظاهر التواجد الأمني

هذه رسالة كاشفة تحتاج دلالاتها إلى وقفة، بعث بها أحد القراء قائلا:

«أبلغ سيادتكم أنني انضممت إلى المجموعة الراغبة في التغيير، المؤيدة للدكتور محمد البرادعي. وسجلت بياناتي كاملة وصحيحة على النموذج المعد لذلك داخل موقع التغيير على الإنترنت.

لكني بعد ذلك بدأت أشعر بالخوف من الملاحقة الأمنية، حيث إنني رب أسرة ولا أريد أي مشكلات لأسرتي، وليس لديّ أي وسيلة تمكّنني من الاتصال بأي شخص عند اللزوم. لا رقم هاتف ولا عنوان لبريد إلكتروني.

لقد وقَّعت على البنود السبعة، التي وردت على موقع التغيير عن اقتناع كافٍ بها، وليس لديّ أي ندم على ذلك، لكنني كتبت إليك راجيا نصيحتي، بما يبدد الخوف الذي أشعر به، ويعيد إليّ الاطمئنان على مصير أسرتي».

مشاعر الخوف هذه انتابت آخرين التقيتهم وسمعت مبرراتهم، ولا أعرف ما إذا كانت بذرة ذلك الخوف قد تسرّبت إلى النفوس بعد حادث الاعتداء على طبيب الفيوم، الذي تعرض لما تعرض له بسبب تأييده للدكتور البرادعي، أم أنها سابقة على ذلك، ولكن لأننا نعيش في مصر ونعرف أجواءها جيدا، فإننا ندرك أن خوف أي مواطن من الملاحقة الأمنية إذا ما عبر عن رأي مخالف أو مناهض للحكومة هو الأصل عند كل المنخرطين في العمل السياسي.

كما أنني لا أشك في أن نشر خبر الاعتداء على طبيب الفيوم قد حرّك بذرة الخوف الكامنة لدى الجميع، لكن ما أثار انتباهي في رسالة صاحبنا أنه رجل عادي جدا، وليس ناشطا سياسيا، ولكنه غير راضٍ عن الأوضاع العامة ـ وربما أوضاعه الخاصة أيضا ـ شأنه في ذلك شأن الأغلبية الساحقة من المصريين، وكل ما فعله أنه أدرج اسمه ضمن الراغبين في التغيير، لكن مجرد الإفصاح عن موقفه أصبح يؤرقه. وإذا صح ذلك فهو يعني أن دائرة الخوف في المجتمع في اتساع مستمر، وأنها شملت حتى المواطنين العاديين المعنيين بالشأن العام، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان عنواني «جمهورية الخوف» في العراق وجمهورية «أوشينيا» في قصة الكاتب الأيرلندي جورج أورويل، حيث كل مواطن يشعر بأنه مراقَب، إن لم يكن هناك من يتتبعه ويرصد كلماته، فهناك رقيب آخر كامن في داخله.

ليس خافيا أن المواطن المثالي من وجهة نظر الحكومة أصبح واحدا من اثنين: إما شخص مؤيد للحكومة ومصفق للحزب الوطني، أو منكفئ على ذاته ومشغول ببيته وأكل عيشه، لا علاقة له بأي قضية عامة، وإذا كان لابد له أن يخرج عن هذه الدائرة، فينبغي ألا تتجاوز اهتماماته حدود تشجيع المنتخب القومي ومتابعة مباريات دوري كرة القدم.

صحيح أن البعض رفعوا شعار مصر أولا، الأمر الذي فُهم على أنه دعوة إلى العزلة وإدارة الظهر لما يحدث في العالمين العربي والإسلامي، إلا أن تنزيل ذلك الشعار على المواطن العادي يطالبه بما هو أكثر، إذ يدعونه لأن يدرك أنه لكي يظل في أمان، فينبغي أن يكون الشعار الذي يهتدي به هو: الرئيس وابنه أولا والحزب الوطني ثانيا.

أراد مني صاحب الرسالة أن أطمئنه. وعندي في هذا الصدد ثلاث كلمات:

الأولى أن مجرد تسجيل اسمه لن يعرضه في الأغلب للمساءلة الأمنية، لكن هذه المساءلة قد تحدث إذا تجاوز حدود التسجيل، وتحوّل إلى ناشط في الشارع،

الثانية أن أي موقف شريف يتبناه المرء في مصر له ثمنه، وأحيانا يكون ذلك الموقف مجرد أن يكون المرء مستقلا وليس فقط معارضا، والبلاد التي انتزعت حريتها في العالم لم تحقق ذلك بالمجان، ولكنها دفعت ثمنا باهظا لقاء ذلك، من ثم فأحلام هذا البلد لن تتحقق إلا إذا كان أبناؤها على استعداد للتضحية ودفع ثمن طموحاتهم،

الثالثة أن فريق د.البرادعي يتعين عليه أن يخصص مكتبا للاتصال، له عنوان معلوم للجميع، يتولى مساندة الذين قد يتعرضون للضغوط أو المضايقات، حتى يطمئن كل واحد منهم إلى أنه ليس وحيدا، وأن ظهره مؤمَّن بدرجة أو بأخرى، حتى إشعار آخر على الأقل.