فى الذكرى الرابعة للإمام الشهيد .. الرئيس محمد نجيب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محمد نجيب .. رئيس الجمهورية

كتب تحت عنوان : "فى الذكرى الرابعة ل الإمام الشهيد"

أيها المواطنون :

من الناس من يعيش لنفسه، لا يفكر إلا فيها، ولا يعمل إلا لها، فإذا مات لم يأبه به أحد، ولم يحس بحرارة فقده مواطن، ومن الناس من يعيش لأمته واهبًا لها حياته حاضرًا فيها آماله، مضحيًا فى سبيلها بكل عزيز غال، وهؤلاء إذا ماتوا خلت منهم العيون وامتلأت بذكرهم القلوب، و الإمام الشهيد حسن البنا أحد أولئك الذين لا يُدرِك البِلَى ذكراهم، ولا يرقى النسيان إلى منازلهم؛ لأنه - رحمه الله - لم يعش فى نفسه بل عاش فى الناس، ولم يعمل لصوالحه الخاصة، بل عمل للصالح العام.

لقد كان حسن البنا صاحب عقيدة أخذت بزمام نفسه، وملكت عليه منافذ حسه، فعاش من أجلها أشق عيشة وأقساها، ومات فى سبيلها أشرف ميتة وأسماها، وكان - رحمه الله - يؤمن بأن الدين هو الكفيل بإيجاد الأخلاق القومية فى نفوس أبناء الوطن العزيز، وهو الوسيلة إلى حمل النفوس على الفداء والبذل من أجل الكرامة والحرية والعدل، وهى المعانى التى يأمر بها الدين ويريد إعلاء قدرها وتثبيت دعائمها بين الناس أجمعين.

ومن أجل ذلك راح - رحمه الله - يطوف بالقرى ويؤم المدن ويجالس الكبير والصغير، ويناقش العالم والجاهل ويربط مواطنيه بعضهم ببعض، حتى تمكن من إنشاء جيل من الشباب المؤمن بوطنه ودينه إيمانًا يدفعه إلى العمل، ويدعوه إلى البذل، ويحمله على استقبال الموت باسم الثغر، رضى النفس، مكتفيًا بما عند الله من ثواب آجل عمّا فى الدنيا من نفع عاجل.

ولست أنسى ما حييت هذا الشباب المؤمن القوى فى معارك فلسطين، يقتحم على العدو أقوى الحصون، ويسلك إلى قتاله أعصى السبل، ويتربص بقواته وجحافله كل طريق، ويحتمل فى ذلك من المشاكل والصعاب ما لا يستطيع احتمالَه إلا من امتلأت نفسه بالخالق، ووجد قلبُه حلاوة الإيمان.

ولقد كان حسن البنا على قوة دينه وشدة إيمانه يتحدث عن الإسلام فى أفق واسع وفهم سمح كريم، حتى انتفع به العالم والجاهل، وكسب لدين الله أنصارًا كانوا أبعد ما يكونون عن الدين.

وكان الجميع يحبونه أخلص الحب، ويحترمونه أشد الاحترام؛ ولذلك لم تكن الفجيعة فيه فجيعة حياته ولا فجيعة طائفة، ولكنها كانت فجيعة أمة، بل أمم غزا قلوبها، وجمع على الأخوة أرواحها.

وكان - رحمه الله - حربًا عوانًا على الفساد والانحلال، على قدر ما كان حربًا على الاحتلال.

وكان سلاحه الذى يحارب به ذا ثلاث شعب: الأولى: مكانة فى نفوس الناس لا يبلغها غيره، والثانية: بيان رائع قوى يحرك ويوجه ويثير، والثالثة: قدرة على التجميع والتنظيم لم يصل إليها إلا الأقلون ممن تصدروا قيادة الأمم.

وقد أدرك أعداؤه وأعداء الوطن أن هذا السلاح فى يده، لا يُفلُّ حديده ولا يَبلى جديده، ثم هو سلاح لا يقاوم سلطانه، ولا يدنو من الهزيمة ميدانه؛ لذلك أجمع المجرمون أمرهم على قتله وحيدًا لا حارس له، وأعزل لا سلاح معه، وكانت القوة التى دبرت قتله ونفذته وأشرفت عليه هى القوة التى يلوذ بها الخائف فتمنحه الطمأنينة والأمن، ويحتمى بها المطارد لتسبغ عليه ظلال السكينة والسلام.

وقد ظن المجرمون الأنذال أن عين الله نائمة لا ترى، وأن يده مغلولة لا تبطش، وأن قدرته عاجزة لا تنال، وساء ما ظنوا، فإن الله يمهل ولا يهمل، وإن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

"وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ".

وكان اغتيال حسن البنا و عبد القادر طاهر ومن إليهما من أبناء مصر العزيزة هو الشعلة التى أوقدت النار فى صدور المخلصين فأنقذوا البلاد من الظلم والطغيان، وطهروها من الفساد والانحلال، ثم آلوا على أنفسهم أن يضحوا فى سبيلها بكل أثير عندهم عزيز عليهم، حتى تتحرر من الذل والاحتلال.

وما ضاع دم أسلم إلى المجد أمة، ولا مات ميت أعطى بلاده الحياة "وَلاَ تَقُولُوا لِمَن يُّقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ".

المصدر : الأهرام بتاريخ 28جمادى الأولى 1372هـ / 13 فبراير 1953 م.