الفرق بين المراجعتين لصفحة: «فريدة بدران»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
 
(١٠ مراجعات متوسطة بواسطة ٥ مستخدمين غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
فريدة بدران..... عطاء من البداية حتى النهاية
'''<center><font color="blue"><font size=5>فريدة بدران</font></font></center>'''
بقلم: مريم السيد هنداوي
[[ملف:فريدة-بدران.gif|تصغير]]
كان القرن العشرون من أغنى فترات تاريخ الدعوة الإسلامية؛ حيث اجتمع فيه عدد هائل من جهابذة علماء الدين والمصلحين وصار من الصعب على المؤرخين أن يتفقوا على مجدد هذا القرن، كما كان ذلك واضحًا في القرون السابقة. ولا يمر عام واحد دون احتفال بذكرى ميلاد أو وفاة عالم أو مصلح، تلقى فيه المحاضرات والقصائد في تعديد مناقبه والإشادة بدوره، والتنويه بفضله، وقد حظت بعض النساء المسلمات بهذا الفضل فسطرن لأنفسهن كتبًا من المعاني الحية التي لم تمت بموتهن، بل ظلت شجرة وارفة الظلال، فأينعت فروعًا وثمارًا تستفيد بها الأجيال.


لقد كانت فريد بدران أحد هذه الأوراق اليانعة، القابعة فى حى المنيل تعمل على العمل من أجل الاسلام وتربية الأجيال.
== فريدة بدران ..... عطاء من البداية حتى النهاية ==


فمنذ أن تخطو بقدمك داخل المنزل تشعر بروح الجهاد ترفرف على جنباته، فعندما توجهت لزيارتها كنت اشعر بلهفة لرؤية إمرأة تكبدت هذه المصاعب وتحملت كل ذلك احتسابا لله رب العالمين، وعملت على إخراج نشىء يعمل للإسلام  
[[ملف:الحاجة-فريدة-بدران.jpg|تصغير|<center>الحاجة [[فريدة بدران]]</center>]]
 
 
كان القرن العشرون من أغنى فترات تاريخ الدعوة الإسلامية؛ حيث اجتمع فيه عدد هائل من جهابذة علماء الدين والمصلحين وصار من الصعب على المؤرخين أن يتفقوا على مجدد هذا القرن، كما كان ذلك واضحًا في القرون السابقة.
 
ولا يمر عام واحد دون احتفال بذكرى ميلاد أو وفاة عالم أو مصلح، تلقى فيه المحاضرات والقصائد في تعديد مناقبه والإشادة بدوره، والتنويه بفضله، وقد حظت بعض النساء المسلمات بهذا الفضل فسطرن لأنفسهن كتبًا من المعاني الحية التي لم تمت بموتهن، بل ظلت شجرة وارفة الظلال، فأينعت فروعًا وثمارًا تستفيد بها الأجيال.
 
لقد كانت فريد بدران أحد هذه الأوراق اليانعة، القابعة فى حى المنيل تعمل على العمل من أجل [[الإسلام]] وتربية الأجيال.
 
فمنذ أن تخطو بقدمك داخل المنزل تشعر بروح [[الجهاد]] ترفرف على جنباته، فعندما توجهت لزيارتها كنت أشعر بلهفة لرؤية امرأة تكبدت هذه المصاعب وتحملت كل ذلك احتسابا لله رب العالمين، وعملت على إخراج نشأ يعمل [[الإسلام|للإسلام]]


== النشأة ==
== النشأة ==


فريدة صلاح الدين بدران من النساء اللواتي تخرَّجن في مدرسة الشهيد "حسن البنا"، وكانت تمتاز بنبل المشاعر، ورقة العاطفة، ورهافة الحس، ولا تعرف الخضوع في القول، ولا تقبل الضيم والذل، بل هي شجاعة ثابتة، وشامخة كالجبال، ومجاهدة، قدمت النموذج الطيب في الجد وقوة الإرادة والهمة العالية، وكانت لا تستحيي من الحق، وهي من ذوات العقل والدين، وقد أعطت المثل في حسن التبعُّل والتحبب والعشرة مع زوجها، وكانت تشد من عزم أبنائها عند الأزمات والابتلاءات التي لحقت بأبيهم عدة مرات، إدراكًا منها أن الواجب يحتم عليها أن تجاهد بما في وسعها وطاقتها، من أجل دعوة الإسلام، ورفع رايته، ونصرة الحق، حتى يكون الدين كله لله.
فريدة صلاح الدين بدران من النساء اللواتي تخرَّجن في مدرسة الشهيد '''"[[حسن البنا]]"'''، وكانت تمتاز بنبل المشاعر، ورقة العاطفة، ورهافة الحس، ولا تعرف الخضوع في القول، ولا تقبل الضيم والذل، بل هي شجاعة ثابتة، وشامخة كالجبال، ومجاهدة، قدمت النموذج الطيب في الجد وقوة الإرادة والهمة العالية؛


ولدت فريدة بدران في 15/5/1938م في شارع الشيخ ريحان بعابدين -ولكن أصل العائلة كان من المنيل، في أسرة عرفت الالتزام بشرع الله, وطبقت تعاليم الإسلام الصحيح, فكان الأب أحد رجال الإخوان المسلمين المخلصين العاملين لدين الله,حيث تعرف على دعوة الإخوان المسلمين من خلال شعبة المنيل، وأصبح من رجالها المخلصين لها, التقى بالإمام البنا من خلال أعمال شعبة المنيل المتعددة، والتي كان الإمام البنا يحرص على حضورها، كما كان والدها يمتلك حديقة واسعة في منزله، وقد أقيم فيه أحد أفراح الإخوان وشرفه الإمام البنا بالحضور، وكان كثيرًا ما يتردد على المركز العام بالحلمية الجديدة، وكان يقطن أسفل منهم الشيخ أحمد الريدي -وهو أحد علماء الإخوان وكان أحد الكتاب البارزين في صحف الإخوان المسلمين في الأربعينيات.
وكانت لا تستحيي من الحق، وهي من ذوات العقل والدين، وقد أعطت المثل في حسن التبعُّل والتحبب والعشرة مع زوجها، وكانت تشد من عزم أبنائها عند الأزمات والابتلاءات التي لحقت بأبيهم عدة مرات، إدراكًا منها أن الواجب يحتم عليها أن تجاهد بما في وسعها وطاقتها، من أجل دعوة [[الإسلام]]، ورفع رايته، ونصرة الحق، حتى يكون الدين كله لله.
 
ولدت فريدة بدران في 15/5/[[1938]]م في شارع الشيخ ريحان بعابدين ولكن أصل العائلة كان من المنيل، في أسرة عرفت الالتزام بشرع الله, وطبقت تعاليم [[الإسلام]] الصحيح, فكان الأب أحد رجال [[الإخوان المسلمين]] المخلصين العاملين لدين الله.
 
حيث تعرف على دعوة [[الإخوان المسلمين]] من خلال شعبة المنيل، وأصبح من رجالها المخلصين لها, التقى ب[[الإمام البنا]] من خلال أعمال شعبة المنيل المتعددة، والتي كان [[الإمام البنا]] يحرص على حضورها، كما كان والدها يمتلك حديقة واسعة في منزله، وقد أقيم فيه أحد أفراح [[الإخوان]] وشرفه [[الإمام البنا]] بالحضور، وكان كثيرًا ما يتردد على [[المركز العام]] بالحلمية الجديدة، وكان يقطن أسفل منهم الشيخ [[أحمد الريدي]] وهو أحد علماء [[الإخوان]] وكان أحد الكتاب البارزين في صحف [[الإخوان المسلمين]] في الأربعينيات.


في هذا الجو المليء بمعاني التربية نشأت الحاجة فريدة, فكانت منذ صغرها تحافظ على أعمال الشعبة مع أبيها من إفطارات ومؤتمرات ورحلات خاصة قبل أن تزدحم منطقة المنيل, وكان والدها يحرص على اصطحابها معه لصلاة الفجر بمسجد السنية, فكان له أثره في تشكيل شخصيتها.  
في هذا الجو المليء بمعاني التربية نشأت الحاجة فريدة, فكانت منذ صغرها تحافظ على أعمال الشعبة مع أبيها من إفطارات ومؤتمرات ورحلات خاصة قبل أن تزدحم منطقة المنيل, وكان والدها يحرص على اصطحابها معه لصلاة الفجر بمسجد السنية, فكان له أثره في تشكيل شخصيتها.  


كانت والدتها شخصية مدبرة جدًّا, تستطيع أن تقرأ الأحداث وتتعامل مع الحياة حسب طاقة بيتها، فلم تجهد زوجها فيما لا يطيق، فاكتسبت الحاجة فريدة هذه الصفة، وكانت ملازمة لها في فترات حياتها، خاصة الفترات التي غاب فيها الزوج في غياهب السجون, كما لم تكن وحيدة أبويها، بل كان لها ثلاثة من الإخوة وثلاثة من الأخوات, كانت لهم فيما بعد في مقام الأم، خاصة أنها كانت كبراهم, ومع كل ذلك كانت محبة للتعليم ومتفوقة فيه؛ فعندما ظهرت هذه الدلائل عليها ألحقها أبوها بالمدرسة، فتفوقت وظلت به حتى الصف الثاني الثانوي حيث كانت السنة التي تزوجت فيها.
كانت والدتها شخصية مدبرة جدًّا, تستطيع أن تقرأ الأحداث وتتعامل مع الحياة حسب طاقة بيتها، فلم تجهد زوجها فيما لا يطيق، فاكتسبت الحاجة فريدة هذه الصفة، وكانت ملازمة لها في فترات حياتها، خاصة الفترات التي غاب فيها الزوج في غياهب السجون.
 
كما لم تكن وحيدة أبويها، بل كان لها ثلاثة من الإخوة وثلاث من الأخوات, كانت لهم فيما بعد في مقام الأم، خاصة أنها كانت كبراهم, ومع كل ذلك كانت محبة للتعليم ومتفوقة فيه؛ فعندما ظهرت هذه الدلائل عليها ألحقها أبوها بالمدرسة، فتفوقت وظلت به حتى الصف الثاني الثانوي حيث كانت السنة التي تزوجت فيها.


== زواج كريم ==
== زواج كريم ==


ظلت الحاجة فريدة تسير في التعليم بخطى راسخة حتى بلغت الصف الثاني الثانوي، وهى السنة التي تزوجت فيها من الأستاذ حسن أحمد إبراهيم الجمل -والذي ولد في 6/10/1930 في حي المنيل, ولم يكمل تعليمه، وعمل في محل والده بالفراشة, كان من أول المشاركين في حرب فلسطين، وكان عمره آنذاك 17عاما, ثم كان أحد فرسان حلبة المعارك في القنال 1951م, تعرف على الإخوان عام 1942, فكان نعم الجندي لها، واعتقل عام 1949 وهو على جبهة المعركة مع كل إخوانه المجاهدين، ثم اعتقل قبل حادثة المنشية عام 1954 بقليل، وخرج بعد عامين, ثم أعيد ااعتقاله عام 1965، وظل في السجون ما يقرب من ثلاث سنوات، وقد رشح نفسه في البرلمان المصري عام 1979 أمام مصطفى كامل مراد -وهو زعيم حزب الأحراروفاز فيها، ثم فاز في انتخابات 1984م عندما تحالف الإخوان مع الوفد، ثم انتخابات 1987م بتحالف الإخوان مع حزب العمل، ومن الغريب أن هذا البطل المجاهد، ورجل الخير والإحسان، تلاحقه سلطات الأمن، وتعتقله في أكتوبر سنة 1990م مع الكثير من القيادات الشعبية والنقابية والجامعية والطلابية بتهمة "التحرك من أجل القضية الفلسطينية، والإساءة إلى دولة صديقة" (إسرائيل)!!
ظلت الحاجة فريدة تسير في التعليم بخطى راسخة حتى بلغت الصف الثاني الثانوي، وهى السنة التي تزوجت فيها من الأستاذ [[حسن الجمل|حسن أحمد إبراهيم الجمل]] والذي ولد في 6/10/[[1930]] في حي المنيل, ولم يكمل تعليمه، وعمل في محل والده بالفراشة  
 
كان من أول المشاركين في حرب [[فلسطين]]، وكان عمره آنذاك 17عاما ثم كان أحد فرسان حلبة المعارك في القنال [[1951]]م تعرف على [[الإخوان]] عام [[1942]] فكان نعم الجندي لها، واعتقل عام [[1949]] وهو على جبهة المعركة مع كل إخوانه المجاهدين، ثم اعتقل قبل [[حادثة المنشية]] عام [[1954]] بقليل، وخرج بعد عامين.
 
ثم أعيد اعتقاله عام [[1965]]، وظل في السجون ما يقرب من ثلاث سنوات، وقد رشح نفسه في البرلمان المصري عام [[1979]] أمام مصطفى كامل مراد وهو زعيم [[حزب الأحرار]] وفاز فيها، ثم فاز في انتخابات [[1984]]م عندما تحالف [[الإخوان]] ]مع الوفد، ثم انتخابات [[1987]]م بتحالف [[الإخوان]] مع [[حزب العمل]]، ومن الغريب أن هذا البطل المجاهد، ورجل الخير والإحسان، تلاحقه سلطات الأمن، وتعتقله في [[أكتوبر]] سنة [[1990]]م مع الكثير من القيادات الشعبية والنقابية والجامعية والطلابية بتهمة '''"التحرك من أجل القضية الفلسطينية، والإساءة إلى دولة صديقة"''' '''(إسرائيل'''!!


اعتقل عام 1995 وأحيل مع إخوانه للمحاكمة العسكرية، والتي حكمت عليه بثلاث سنوات أجرى خلالها عملية القلب المفتوح، وبعد خروجه بشهور عام 1998 فاضت روحه لبارئها.
اعتقل عام [[1995]] وأحيل مع إخوانه للمحاكمة العسكرية، والتي حكمت عليه بثلاث سنوات أجرى خلالها عملية القلب المفتوح، وبعد خروجه بشهور عام [[1998]] فاضت روحه لبارئها.


تقول الحاجة فريدة: "كان حسن الجمل جارًا لنا , وكنت أسمع عنه من الجيران؛ حيث كنت أسمع الزغاريد وأشاهد توزيع الشربات وذلك عند عودته من حرب فلسطين وحرب القنال, وكنت في ذلك الوقت فتاة صغيرة, توطدت صلته بوالدي حيث كانا الاثنين من إخوان شعبة المنيل, فكان حسن يقول لوالدي: كفاية على البنت تعليم لحد كدة, لكني كنت أحب التعليم, وكان حسن يقضي وقتًا كبيرًا فى خدمة الدعوة والخروج للمعارك، فقال أهله: لازم حسن يتزوج علشان يعقل ولا يذهب للحرب, وأخذوا يعددوا له البنات, فقال زوج أخته: لماذا تذهبون بعيدًا؟ ما هي بنت صلاح بدران موجودة, وأخذ الجيران يتناقلون أن حسن يريد الزواج من فريدة، فسمع والدي هذا الكلام, فقابله وذكر له ما سمع، فرد عليه: والله ما أثرت أي شيء! ما هي إلا أحاديث بين أهلي، وإن كنت أرغب في فريدة, فوافق والدي، لكني رفضت خوفًا على التعليم، غير أنهم قالوا لي: حسن سيتركك تكملين تعليمك, لكني كنت خائفة من الزواج, وتم الزفاف بعد شهرين من الخطوبة في 13/10/1952, فوجدته نعم الزوج".
'''تقول الحاجة فريدة:'''


وتذكر الحاجة فاطمة عبد الهادي: "أنه يوم زفاف الأخت فريدة جمعت بعض أخواتها واتجهنا لإدخال السرور على العروس، فأنشدن لها حتى جاء زوجها فاصحبها".
:"كان [[حسن الجمل]] جارًا لنا , وكنت أسمع عنه من الجيران؛ حيث كنت أسمع الزغاريد وأشاهد توزيع الشربات وذلك عند عودته من حرب [[فلسطين]] وحرب القنال وكنت في ذلك الوقت فتاة صغيرة, توطدت صلته بوالدي حيث كانا الاثنين من إخوان شعبة المنيل.


رزقها الله الذرية فأحسنت الأم تربيتهم، فخرجوا وهم يدركون طبيعة الطريق، فساروا على نهج أبيهم, فقد رزقها الله بابنها البكر ياسر في 28/8/1954م، حيث ولد يوم اعتقال والده، ثم أسامة والذي ولد في 1/4/1957, ثم خالد في 2/2/1960م، ثم هشام في 17/3/1962م، ثم دعاء في 2/10/1979م، وهي زوجة حسن ابن الشيخ عبد الخالق الشريف، وقد كانت أمهم المعين الذين شربوا منه الفضيلة والأخلاق على طول حياتهم ووقت غياب والدهم.
'''فكان حسن يقول لوالدي:''' كفاية على البنت تعليم لحد كدة, لكني كنت أحب التعليم, وكان حسن يقضي وقتًا كبيرًا فى خدمة الدعوة والخروج للمعارك، فقال أهله: لازم حسن يتزوج علشان يعقل ولا يذهب للحرب, وأخذوا يعددوا له البنات؛


لقد تاجر حسن الجمل وزوجته مع الله، فربحت التجارة، وتاجر مع الناس فكسب قلوبهم، حيث أسهم في إنشاء العديد من الجمعيات الخيرية، ودور الحضانة والمدارس، والمشاغل، ودور الأيتام.  
فقال زوج أخته: لماذا تذهبون بعيدًا؟ ما هي بنت [[صلاح بدران]] موجودة, وأخذ الجيران يتناقلون أن حسن يريد الزواج من فريدة، فسمع والدي هذا الكلام, فقابله وذكر له ما سمع، فرد عليه: والله ما أثرت أي شيء! ما هي إلا أحاديث بين أهلي، وإن كنت أرغب في فريدة, فوافق والدي، لكني رفضت خوفًا على التعليم، غير أنهم قالوا لي: حسن سيتركك تكملين تعليمك, لكني كنت خائفة من الزواج, وتم الزفاف بعد شهرين من الخطوبة في 13/10/[[1952]], فوجدته نعم الزوج".
 
'''وتذكر الحاجة [[فاطمة عبد الهادي]]: '''
 
:"أنه يوم زفاف الأخت فريدة جمعت بعض أخواتها واتجهنا لإدخال السرور على العروس، فأنشدن لها حتى جاء زوجها فاصطحبها".
 
رزقها الله الذرية فأحسنت الأم تربيتهم، فخرجوا وهم يدركون طبيعة الطريق، فساروا على نهج أبيهم, فقد رزقها الله بابنها البكر ياسر في 28/8/[[1954]]م، حيث ولد يوم اعتقال والده، ثم أسامة والذي ولد في 1/4/[[1957]], ثم خالد في 2/2/[[1960]]م، ثم هشام في 17/3/[[1962]]م، ثم دعاء في 2/10/[[1979]]م، وهي زوجة حسن ابن الشيخ [[عبد الخالق الشريف]]، وقد كانت أمهم المعين الذين شربوا منه الفضيلة والأخلاق على طول حياتهم ووقت غياب والدهم.
 
لقد تاجر [[حسن الجمل]] وزوجته مع الله، فربحت التجارة، وتاجر مع الناس فكسب قلوبهم، حيث أسهم في إنشاء العديد من الجمعيات الخيرية، ودور الحضانة والمدارس، والمشاغل، ودور الأيتام.


==  بين الصفوف المؤمنة ==
==  بين الصفوف المؤمنة ==
   
   
لم تكن فريدة بدران بعيدة عن هذه الصفوف؛ فقد نشأت منذ نعومة أظافرها في بيت أحد رجال هذه الدعوة, بل كان بيتهم مكانًا لزيارة الإمام البنا, وكان أبوها يحرص على اصطحابها معه في صلاة الفجر بالمسجد، وعندما كبرت كانت حريصة على تلقي العلوم التي تجعلها تخدم دينها به, وازداد ارتباطها بالدعوة بعد زواجها؛ حيث حرص زوجها على اصطحابها إلى المركز العام, وهناك تقابلت مع الأستاذة فاطمة عبد الهادي، وأمال عشماوى، واللاتي احتوينها بين صفوف المؤمنات، وكانت الأستاذة فاطمة لها بمثابة الأم والمعلمة؛ حيث كانتا ينتمين لشعبة واحدة، وهى شعبة المنيل، وكان مقرها آخر شارع المنيل، وكانت تقطن أسفلها وفاء حسن البنا مع زوجها سعيد رمضان، وكان يأتي لهذه الشعبة كثير من علماء الإخوان يعلمونهن أمور دينهن أمثال الشيخ سيد سابق ومحمود الجوهري, فازداد تعلقها بالدعوة والعمل لها، فكانت تحرص على حضور الأعمال في الشعبة الرئيسية للأخوات في شارع البستان الفاضل بالمبتديان, ونشطت وسط الأخوات تدعو وتربي, وبالرغم من تجاوزها السادسة والسبعين إلا أنها ما زالت وسط الأخوات تعمل وتدعو وتربي.
لم تكن فريدة بدران بعيدة عن هذه الصفوف؛ فقد نشأت منذ نعومة أظافرها في بيت أحد رجال هذه الدعوة, بل كان بيتهم مكانًا لزيارة [[الإمام البنا]] وكان أبوها يحرص على اصطحابها معه في صلاة الفجر بالمسجد، وعندما كبرت كانت حريصة على تلقي العلوم التي تجعلها تخدم دينها به؛
 
وازداد ارتباطها بالدعوة بعد زواجها؛ حيث حرص زوجها على اصطحابها إلى [[المركز العام]] وهناك تقابلت مع الأستاذة [[فاطمة عبد الهادي]]، و[[آمال العشماوي]]، واللاتي احتوينها بين صفوف المؤمنات، وكانت الأستاذة فاطمة لها بمثابة الأم والمعلمة؛  
 
حيث كانتا ينتمين لشعبة واحدة، وهى شعبة المنيل، وكان مقرها آخر شارع المنيل، وكانت تقطن أسفلها [[وفاء حسن البنا]] مع زوجها [[سعيد رمضان]]، وكان يأتي لهذه الشعبة كثير من علماء [[الإخوان]] يعلمونهن أمور دينهن أمثال الشيخ [[سيد سابق]] و[[محمود الجوهري]].
 
فازداد تعلقها بالدعوة والعمل لها، فكانت تحرص على حضور الأعمال في الشعبة الرئيسية للأخوات في شارع البستان الفاضل بالمبتديان, ونشطت وسط الأخوات تدعو وتربي, وبالرغم من تجاوزها السادسة والسبعين إلا أنها ما زالت وسط الأخوات تعمل وتدعو وتربي.


== محن وتاريخ حي ==
== محن وتاريخ حي ==


عرفت المحن طريق قلبها منذ صغرها, لكنها ما كادت تصطدم بمحنة إلا وتذكرت قول الله عز وجل: (يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [سورة البقرة]، فصقلت هذه المحن قلبها، وأعطتها الثقة في الله ونصره وحب طاعته, وكانت أول محنة تواجهها بهذا القلب هي اعتقال أبيها في محنة 1949م، وكان موظفًا في وزارة التجارة والصناعة، فعندما ظهرت بوادر الأزمة نقله أخوه -والذي كان يعمل وكيل وزارة- إلى مصنع في الدراسة ليكون بعيدًا عن الاعتقال، غير أنه اعتقل ورحل لمعتقل العامرية، وفصل من عمله, ثم خرج بعدما أقال الملك وزارة إبراهيم عبد الهادي, وانقضى العهد الملكي، وجاءت الثورة، والتي شارك الإخوان في إنجاحها غير أن رجالها بعد فترة قلبوا لهم ظهر المجن واضطهدوهم, وازدادت الأزمة عليها خاصة بعد زواجها من شخصية معروفة في الأوساط الإخوانية ولا يجهلها أحد من الناس بنشاطه الدءوب وعمله المستمر في الشعبة, وما كاد عام 1954م يحل حتى تأزمت الأمور بين بعض رجال الثورة أمثال عبد الناصر وجمال سالم وزكريا محيي الدين وبين زعيمها محمد نجيب والإخوان، حيث عمل الضباط على إبعاد وتنحية محمد نجيب عن  قيادة البلاد، فاندلعت في البلاد مظاهرات مارس 1954، وظهرت فيها قوة الإخوان، وعاد محمد نجيب للحكم لكن كانت النية مبيتة من قبل بعض ضباط الثورة للإحاطة به والتنكيل بالإخوان, وسافر المرشد العام للإخوان المسلمين المستشار حسن الهضيبي في جولة للسعودية وسوريا ولبنان, وأثناء تواجده هناك أعلن رفض الإخوان لمعاهدة الجلاء، والتي كانت تشتمل على بعض النصوص المجحفة لحق مصر, وأثناء عودته منعته السلطات من الخروج من المطار فتجمع الإخوان وأخرجوه في احتفال مهيب بالسيارات، وعلى إثرها بدأت الاعتقالات في صفوف الإخوان.
'''عرفت المحن طريق قلبها منذ صغرها, لكنها ما كادت تصطدم بمحنة إلا وتذكرت قول الله عز وجل:'''


وفى 28/8/1954م أعدت شعبة المنيل نفسها لاستقبال المجاهد حسن دوح لخطبة الجمعة، وأثناء الخطبة التي ألهبت المشاعر وحركت الحمية فى نفوس الناس, طوقت المباحث العامة المكان، وأطلقت الرصاص، فأصيب والدها بعدة إصابات، لكنه استطاع الهروب والوصول للبيت, أما الزوج فنال قسطًا من الضربات التي أدت لجرحه، فتوجه بعد المظاهرة للصيدلية لتضميد الجراح غير أنه اعتقل بداخلها, وظل في السجن حتى حادثة المنشية، ولم تعرف مكانه، فأخذت تسأل عنه في كل مكان، دون أن يرشدها على مكانه أحد حتى علمت أنه محبوس في سجن القلعة -وكان سجنًا بعيدًا عن العمران موحشًا-  فكانت تذهب من الصباح حتى آخر النهار لزيارته، أو تتحسس أخباره لكن دون فائدة، وكان ابنها ياسر ما زال صغيرًا فلم تجد ما تطعمه به في هذا المكان، فأخذ ينبش في الأرض حتى وجد كسرة من الخبز قديمة، فأخذ يأكلها ويتقوت بها، فقالت لها إحدى السيدات الموجودات أمام السجن: "سيكتب التاريخ أن ابنك أكل من فتات محمد على".
:'''(يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)''' (سورة البقرة).  


وبعد وقوع حادثة المنشية اعتقل والدها، وقدم الوالد والزوج للمحاكمة، فحكمت على الوالد بخمسة أعوام مع إيقاف التنفيذ، وعلى الزوج بعشرة أعوام مع إيقاف التنفيذ, غير أنهم لم يخرجوا من المعتقل إلا مع إخوانهم في 1956م, وكانت قد أنجبت مولوها الأول فعملت على رعايته ورعاية أسرة زوجها، وأثناء الاعتقال كان يتكفل بمصاريفها أبو الزوج, كما كان الجهاز المالي الذي كونه الإخوان بعد محنة 1954م يقوم بإرسال اثني عشر جنيهًا لها, كما كانت تقوم برعاية أمها وإخوتها, وكانت تتفقد بعض بيوت الإخوان.
فصقلت هذه المحن قلبها، وأعطتها الثقة في الله ونصره وحب طاعته, وكانت أول محنة تواجهها بهذا القلب هي اعتقال أبيها في محنة [[1949]]م، وكان موظفًا في وزارة التجارة والصناعة، فعندما ظهرت بوادر الأزمة نقله أخوه والذي كان يعمل وكيل وزارة إلى مصنع في الدراسة ليكون بعيدًا عن الاعتقال؛
وما كاد الزوج والوالد يخرجان حتى شددت عليهم الرقابة من قبل المباحث، وكانت بين الحين والآخر تعتقل الزوج لفترات بسيطة, ورغم هذا لم ينس حسن الجمل دعوته أو إخوانه؛ فكان يعمل في نطاق شعبته, كما اجتهد في العمل مع والده في محل الفراشة, وما بين المحنتين عمل على مساعدة زوجته في تربية أبنائهم تربية إسلامية.


ومرت السنون عسيرة وما كاد شهر أغسطس 1965 يحل حتى كانت سجون عبد الناصر قد فتحت أبوابها، وابتلعت في باطنها آلافًا من شباب الدعوة, حينما أعلن عبد الناصر من فوق منبر الكرملين اعتقال كل من سبق اعتقاله, وامتلأت السجون واعتقل زوجها وأبوها ولم يعرفوا أين ذهبوا, وبدأت رحلة البحث عنه, حتى عرفوا أنهم في السجن الحربي وما فيه من جحيم، ولم يسمح لعائلات الإخوان بزيارة أبنائهم إلا بعد أن حدثت نكسة يونيو 1967م, فكانت أول زيارة لها إلى زوجها فى سجن مزرعة طرة.
غير أنه اعتقل ورحل لمعتقل العامرية، وفصل من عمله ثم خرج بعدما أقال الملك وزارة [[إبراهيم عبد الهادي]] وانقضى العهد الملكي، وجاءت [[ثورة 23 يوليو 1952|الثورة]]، والتي شارك [[الإخوان]] في إنجاحها غير أن رجالها بعد فترة قلبوا لهم ظهر المجن واضطهدوهم.


لقد اشتدت المحنة عليها عام 1965؛ فبعد اعتقال زوجها وأبيها لم يتحمل والد الزوج فراق ابنه حيث كان شديد التعلق به فمات بعد شهرين من اعتقال ابنه حزنًا عليه، ففقدت مصدرا هامًّا للرعاية، وأخذت تكابد الحياة, وتعمل على تربية أبنائها ورعاية أسر الإخوان في حي المنيل حتى أفرج عن زوجها مع من خرج عام 1968م.
وازدادت الأزمة عليها خاصة بعد زواجها من شخصية معروفة في الأوساط الإخوانية ولا يجهلها أحد من الناس بنشاطه الدءوب وعمله المستمر في الشعبة, وما كاد عام [[1954]]م يحل حتى تأزمت الأمور بين بعض رجال [[ثورة 23 يوليو 1952|الثورة]] أمثال [[عبد الناصر]] و[[جمال سالم]] و[[زكريا محيي الدين]] وبين زعيمها [[محمد نجيب]] و[[الإخوان]]؛


وعقب خروجه من السجن، شرع في العمل الخيري في أوساط الناس، وبخاصة الفقراء والأرامل واليتامى، فساهم مع إخوانه في إنشاء العديد من الجمعيات الخيرية، ودور الحضانة، والمدارس، والمشاغل، ودور الأيتام، والمساجد، ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، والمستشفيات، وتيسير الزواج للشباب، وتقديم العون للمرضى، حتى وصفته جريدة الجمهورية القاهرية بالرجل الذي لا ينام إلا أربع ساعات، ويقضي باقي أوقاته بين الناس.
حيث عمل الضباط على إبعاد وتنحية [[محمد نجيب]] عن  قيادة البلاد، فاندلعت في البلاد مظاهرات [[مارس]] [[1954]]، وظهرت فيها قوة [[الإخوان]]، وعاد [[محمد نجيب]] للحكم لكن كانت النية مبيتة من قبل بعض ضباط [[ثورة 23 يوليو 1952|الثورة]] للإحاطة به والتنكيل ب[[الإخوان]]


ما كاد عهد عبد الناصر ينقضي حتى استشعر الناس ببعض الحرية غير أنها كانت حرية زائفة, ففي أكتوبر 1990 وبعد هذا العمر اختطف زوجها من وسطها لمدة أسبوعين مع كثير من السياسيين لرفضهم مؤتمر مدريد بين عرفات واليهود.
وسافر [[المرشد العام]] [[للإخوان المسلمين]] المستشار [[حسن الهضيبي]] في جولة [[السعودية|للسعودية]] و[[سوريا]] و[[لبنان]], وأثناء تواجده هناك أعلن رفض [[الإخوان]] لمعاهدة الجلاء، والتي كانت تشتمل على بعض النصوص المجحفة لحق [[مصر]], وأثناء عودته منعته السلطات من الخروج من المطار فتجمع [[الإخوان]] وأخرجوه في احتفال مهيب بالسيارات، وعلى إثرها بدأت الاعتقالات في صفوف [[الإخوان]].  


ومع تقدم السن أبت يد الظالمين إلا أن تختطف الزوج مرة أخرى من بين زوجته وأبنائه، ففي يوليو 1995 تم  القبض عليه مع لفيف من إخوانه، وأصدر مبارك قرارًا بإحالتهم للمحاكمة العسكرية، والتي قضت بحبسه ثلاث سنوات، وخلالها أصيب بأزمة قلبية، وأجريت له جراحة لتغيير بعض شرايين القلب في القصر العيني، ثم أجريت له جراحة البروستاتا بعدها بأيام. يوم إجراء عملية القلب، طلب الأطباء أن يتقدم أربعة من أسرة المريض ليتبرعوا بالدم، فتقدم مئات المتطوعين ـ معظمهم من النساء ـ من دائرة المنيل ليمتلئ بهم المستشفى في شكل مظاهرة للتبرع بالدم لمجاهد بذل حياته في خدمة دينه ووطنه وقد كان مقيدًا في سريره بالكلابشات.
وفى 28/8/[[1954]]م أعدت شعبة المنيل نفسها لاستقبال المجاهد [[حسن دوح]] لخطبة الجمعة، وأثناء الخطبة التي ألهبت المشاعر وحركت الحمية فى نفوس الناس, طوقت المباحث العامة المكان، وأطلقت الرصاص، فأصيب والدها بعدة إصابات، لكنه استطاع الهروب والوصول للبيت؛


وأثناء قضائه فترة السجن تم زواج ابنتها دعاء لحسن ابن الشيخ عبد الخالق الشريف، والذي كان محبوسًا مع والدها أيضًا, وبعد خروج زوجها من المعتقل بشهرين توفي في 28/9/ 1998م، ومع هذه المحن الشديدة وتقدم السن لم تترك طريق الدعوة، بل ما زالت تحاضر وتعطي لأبناء الدعوة تجربة حياة.
أما الزوج فنال قسطًا من الضربات التي أدت لجرحه، فتوجه بعد المظاهرة للصيدلية لتضميد الجراح غير أنه اعتقل بداخلها وظل في السجن حتى [[حادثة المنشية]]، ولم تعرف مكانه، فأخذت تسأل عنه في كل مكان، دون أن يرشدها على مكانه أحد حتى علمت أنه محبوس في سجن القلعة وكان سجنًا بعيدًا عن العمران موحشًا 
 
فكانت تذهب من الصباح حتى آخر النهار لزيارته، أو تتحسس أخباره لكن دون فائدة، وكان ابنها ياسر ما زال صغيرًا فلم تجد ما تطعمه به في هذا المكان، فأخذ ينبش في الأرض حتى وجد كسرة من الخبز قديمة، فأخذ يأكلها ويتقوت بها، فقالت لها إحدى السيدات الموجودات أمام السجن: '''"سيكتب التاريخ أن ابنك أكل من فتات محمد على"'''.
 
وبعد وقوع [[حادثة المنشية]] اعتقل والدها، وقدم الوالد والزوج للمحاكمة، فحكمت على الوالد بخمسة أعوام مع إيقاف التنفيذ، وعلى الزوج بعشرة أعوام مع إيقاف التنفيذ, غير أنهم لم يخرجوا من المعتقل إلا مع إخوانهم في [[1956]]م
 
وكانت قد أنجبت مولودها الأول فعملت على رعايته ورعاية أسرة زوجها، وأثناء الاعتقال كان يتكفل بمصاريفها أبو الزوج كما كان الجهاز المالي الذي كونه [[الإخوان]] بعد محنة [[1954]]م يقوم بإرسال اثني عشر جنيهًا لها كما كانت تقوم برعاية أمها وإخوتها وكانت تتفقد بعض بيوت [[الإخوان]].
 
وما كاد الزوج والوالد يخرجان حتى شددت عليهم الرقابة من قبل المباحث، وكانت بين الحين والآخر تعتقل الزوج لفترات بسيطة, ورغم هذا لم ينس [[حسن الجمل]] دعوته أو إخوانه؛ فكان يعمل في نطاق شعبته, كما اجتهد في العمل مع والده في محل الفراشة, وما بين المحنتين عمل على مساعدة زوجته في تربية أبنائهم تربية إسلامية.
 
ومرت السنون عسيرة وما كاد شهر [[أغسطس]] [[1965]] يحل حتى كانت سجون [[عبد الناصر]] قد فتحت أبوابها، وابتلعت في باطنها آلافًا من شباب الدعوة, حينما أعلن [[عبد الناصر]] من فوق منبر الكرملين اعتقال كل من سبق اعتقاله؛
 
وامتلأت السجون واعتقل زوجها وأبوها ولم يعرفوا أين ذهبوا وبدأت رحلة البحث عنه حتى عرفوا أنهم في السجن الحربي وما فيه من جحيم، ولم يسمح لعائلات [[الإخوان]] بزيارة أبنائهم إلا بعد أن حدثت نكسة [[يونيو]] [[1967]]م, فكانت أول زيارة لها إلى زوجها فى سجن مزرعة طرة.
 
لقد اشتدت المحنة عليها عام [[1965]]؛ فبعد اعتقال زوجها وأبيها لم يتحمل والد الزوج فراق ابنه حيث كان شديد التعلق به فمات بعد شهرين من اعتقال ابنه حزنًا عليه، ففقدت مصدرا هامًّا للرعاية، وأخذت تكابد الحياة, وتعمل على تربية أبنائها ورعاية أسر [[الإخوان]] في حي المنيل حتى أفرج عن زوجها مع من خرج عام [[1968]]م.
 
وعقب خروجه من السجن، شرع في العمل الخيري في أوساط الناس، وبخاصة الفقراء والأرامل واليتامى، فساهم مع إخوانه في إنشاء العديد من الجمعيات الخيرية، ودور الحضانة، والمدارس، والمشاغل، ودور الأيتام، والمساجد، ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، والمستشفيات، وتيسير الزواج للشباب، وتقديم العون للمرضى، حتى وصفته [[جريدة الجمهورية]] القاهرية بالرجل الذي لا ينام إلا أربع ساعات، ويقضي باقي أوقاته بين الناس.
 
ما كاد عهد [[عبد الناصر]] ينقضي حتى استشعر الناس ببعض الحرية غير أنها كانت حرية زائفة, ففي [[أكتوبر]] [[1990]] وبعد هذا العمر اختطف زوجها من وسطها لمدة أسبوعين مع كثير من السياسيين لرفضهم مؤتمر مدريد بين عرفات و[[اليهود]].
 
ومع تقدم السن أبت يد الظالمين إلا أن تختطف الزوج مرة أخرى من بين زوجته وأبنائه، ففي [[يوليو]] [[1995]] تم  القبض عليه مع لفيف من إخوانه، وأصدر [[محمد حسني مبارك|مبارك]] قرارًا بإحالتهم للمحاكمة العسكرية، والتي قضت بحبسه ثلاث سنوات، وخلالها أصيب بأزمة قلبية، وأجريت له جراحة لتغيير بعض شرايين القلب في القصر العيني، ثم أجريت له جراحة البروستاتا بعدها بأيام.
 
يوم إجراء عملية القلب، طلب الأطباء أن يتقدم أربعة من أسرة المريض ليتبرعوا بالدم، فتقدم مئات المتطوعين معظمهم من النساء من دائرة المنيل ليمتلئ بهم المستشفى في شكل مظاهرة للتبرع بالدم لمجاهد بذل حياته في خدمة دينه ووطنه وقد كان مقيدًا في سريره بالكلابشات.
 
وأثناء قضائه فترة السجن تم زواج ابنتها دعاء لحسن ابن الشيخ [[عبد الخالق الشريف]]، والذي كان محبوسًا مع والدها أيضًا, وبعد خروج زوجها من المعتقل بشهرين توفي في 28/9/ [[1998]]م، ومع هذه المحن الشديدة وتقدم السن لم تترك طريق الدعوة، بل ما زالت تحاضر وتعطي لأبناء الدعوة تجربة حياة.


== همة عالية ==
== همة عالية ==


منذ أن تعرفت على دعوة الإخوان لم تكل ولم تمل من العمل لله, فحملت على عاتقها العمل وسط الأخوات, فكانت تربي الناس في المساجد، والأخوات في اللقاءات الدعوية، وظلت على ذلك حتى الآن.
منذ أن تعرفت على دعوة [[الإخوان]] لم تكل ولم تمل من العمل لله, فحملت على عاتقها العمل وسط الأخوات, فكانت تربي الناس في المساجد، والأخوات في اللقاءات الدعوية، وظلت على ذلك حتى الآن.
 
لكنه لم يكد عقد السبعينيات ينقضي حتى كان ينتظرها عمل ضخم, وحادث هام؛ ففي عام [[1979]]م تقدم زوجها بترشيح نفسه في انتخابات [[مجلس الشعب]] عن دائرة [[مصر]] القديمة، ولم يتقدم سواه من [[الإخوان]]، وتحول بيتها إلى خلية من النحل كانت هي ملكته.
 
حيث ظلت تستقبل الإخوة والأهالي، وظل بيتها مفتوحًا على مدار 24 ساعة لفرز وتوزيع الأصوات وأماكن اللجان، ويوم الانتخابات كانت إحدى الفوارس حيث كانت مندوبة في لجنة مدرسة عمرو بن العاص، وأثناء ذلك دخل أحد رجال الأمن وقال: إن حسن الجمل ذبح عند كوبري الملك الصالح؛
 
فما تحركت من مكانها لثقتها في نصر الله، ولأنها كانت على ثغرة لا تريد أن تؤتى من قبلها، وعندما حاولوا تزوير الانتخابات أبت ذلك، واحتضنت الصندوق وقالت: اذبحوني قبل أن يحدث ذلك، وبعد إغلاق الصناديق ذهبت لبيتها مسرعة لتجهيز الطعام للمرابطين في أماكن الفرز؛
 
وحاولت الحكومة تزوير النتيجة لكنها لم تستطع، وكان قاضي اللجنة العامة مسيحيًّا فعندما رأى ما يحدث قال: '''"الرجل ده على حق، وأنا سأقف معه حتى آخر لحظة"'''، وظلت النتيجة محتجبة لمدة ثلاثة أيام حتى عجزت الحكومة عن فعل شيء، فأعلنت فوز حسن الجمل وتحول شارع المنيل لمهرجان للاحتفال بفوز الجمل.


لكنه لم يكد عقد السبعينيات ينقضي حتى كان ينتظرها عمل ضخم, وحادث هام؛ ففي عام 1979م تقدم زوجها بترشيح نفسه في انتخابات مجلس الشعب عن دائرة مصر القديمة، ولم يتقدم سواه من الإخوان، وتحول بيتها إلى خلية من النحل كانت هي ملكته, حيث ظلت تستقبل الإخوة والأهالي، وظل بيتها مفتوحًا على مدار 24 ساعة لفرز وتوزيع الأصوات وأماكن اللجان، ويوم الانتخابات كانت إحدى الفوارس حيث كانت مندوبة في لجنة مدرسة عمرو بن العاص، وأثناء ذلك دخل أحد رجال الأمن وقال: إن حسن الجمل ذبح عند كوبري الملك الصالح، فما تحركت من مكانها لثقتها في نصر الله، ولأنها كانت على ثغرة لا تريد أن تؤتى من قبلها، وعندما حاولوا تزوير الانتخابات أبت ذلك، واحتضنت الصندوق وقالت: اذبحوني قبل أن يحدث ذلك، وبعد إغلاق الصناديق ذهبت لبيتها مسرعة لتجهيز الطعام للمرابطين في أماكن الفرز، وحاولت الحكومة تزوير النتيجة لكنها لم تستطع، وكان قاضي اللجنة العامة مسيحيًّا فعندما رأى ما يحدث قال: "الرجل ده على حق، وأنا سأقف معه حتى آخر لحظة"، وظلت النتيجة محتجبة لمدة ثلاثة أيام حتى عجزت الحكومة عن فعل شيء، فأعلنت فوز حسن الجمل وتحول شارع المنيل لمهرجان للاحتفال بفوز الجمل.
وعندما دخل البرلمان وحتى خروجه لم يزد في بيتها شيء، بل لم تغلق بابها في وجه سائل أو زائر، وكانت بمثابة سكرتيرة خاصة لزوجها تنظم شئونه، وظل زوجها في البرلمان من عام [[1979]]م حتى عام [[1990]]م، فما أصابها غرور أو كبر، بل كانت مثالاً للمرأة  الصالحة, وفرغت نفسها لرعاية زوجها وتربية أخواتها في الشعبة.


وعندما دخل البرلمان وحتى خروجه لم يزد في بيتها شيء، بل لم تغلق بابها في وجه سائل أو زائر، وكانت بمثابة سكرتيرة خاصة لزوجها تنظم شئونه، وظل زوجها في البرلمان من عام 1979م حتى عام 1990م، فما أصابها غرور أو كبر، بل كانت مثالاً للمرأة  الصالحة, وفرغت نفسها لرعاية زوجها وتربية أخواتها في الشعبة.
'''ومن أقوال زوجها:'''


ومن أقوال زوجها: إن نواب الإخوان المسلمين في البرلمان يبذلون جهداً فوق الطاقة، فنحن ننادي الحكومة ونطالبها بتطبيق قوانين الشريعة، ونتقدم بطلبات إحاطة كثيرة، وأسئلة واستجوابات للوصول إلى ما نريد من مصالح الشعب، ونرفض القوانين التي تعرض علينا وتخالف الشريعة الإسلامية، وسبق أن اتفقنا في موضوع قانون الأحوال الشخصية الذي أقره مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، فقد وفقنا في ذلك والحمد لله، كما تقدمنا بثلاثة عشر قانوناً من قوانين الشريعة الإسلامية إلى البرلمان.
:إن نواب [[الإخوان المسلمين]] في البرلمان يبذلون جهداً فوق الطاقة، فنحن ننادي الحكومة ونطالبها بتطبيق قوانين الشريعة، ونتقدم بطلبات إحاطة كثيرة، وأسئلة واستجوابات للوصول إلى ما نريد من مصالح الشعب، ونرفض القوانين التي تعرض علينا وتخالف الشريعة الإسلامية، وسبق أن اتفقنا في موضوع قانون الأحوال الشخصية الذي أقره مجمع البحوث الإسلامية ب[[الأزهر الشريف]]، فقد وفقنا في ذلك والحمد لله، كما تقدمنا بثلاثة عشر قانوناً من قوانين الشريعة الإسلامية إلى البرلمان.
   
   
إنني لا أشك أن قوى الشر كلها مجتمعة على ضرب الإسلام والمسلمين في مصر، وفي مقدمتها نوادي الروتاري والليونز ومؤسسة بيلان الأمريكية، والشيوعيون والعلمانيون، ومن ورائهم الماسونية العالمية، وهي اليد الخفية التي تتحرك في مصر بشكل كبير لضرب الإسلام، لأن هؤلاء الأعداء يدركون أن مصر هي قلعة الإسلام في العالم العربي والإسلامي، وأن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية تعمل بدأب على محاولة الإيقاع بالحركة الإسلامية، وتشويه صورتها، لافتعال أحداث ونسبتها إلى التيار الإسلامي، فلنكن على حذر مما يدبره الأعداء".
:إنني لا أشك أن قوى الشر كلها مجتمعة على ضرب [[الإسلام]] والمسلمين في [[مصر]]، وفي مقدمتها نوادي الروتاري والليونز ومؤسسة بيلان الأمريكية، والشيوعيون والعلمانيون، ومن ورائهم الماسونية العالمية، وهي اليد الخفية التي تتحرك في [[مصر]] بشكل كبير لضرب [[الإسلام]]، لأن هؤلاء الأعداء يدركون أن [[مصر]] هي قلعة [[الإسلام]] في العالم العربي والإسلامي، وأن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية تعمل بدأب على محاولة الإيقاع بالحركة الإسلامية، وتشويه صورتها، لافتعال أحداث ونسبتها إلى التيار الإسلامي، فلنكن على حذر مما يدبره الأعداء".


وعندما اعتقل زوجها في 1995م حل الدكتور عبد الحميد الغزالي مكانه للترشح في الدائرة، فكانت مثالاً للجندي المطيع لقائده, وكانت تجوب المنطقة تدعو لانتخاب الدكتور عبد الحميد، إلا أن الأمن هدده ومن معه مما اضطره للانسحاب تحت هذه الضغوط.
وعندما اعتقل زوجها في [[1995]]م حل الدكتور [[عبد الحميد الغزالي]] مكانه للترشح في الدائرة، فكانت مثالاً للجندي المطيع لقائده, وكانت تجوب المنطقة تدعو لانتخاب الدكتور عبد الحميد، إلا أن الأمن هدده ومن معه مما اضطره للانسحاب تحت هذه الضغوط.


وبعد حياة حافلة بالبذل والعطاء والجهاد والصبر والثبات، لقي المربي الفاضل الأستاذ حسن الجمل ربه، فجر الأربعاء 9 جمادى الأخرة سنة 1419ه 30-9-1998م، وقد شارك في تشييعه عدة آلاف، وعلى رأسهم الأستاذ مصطفى مشهور، وصُلي عليه في مسجد الباشا بحي المنيل بالقاهرة، عقب صلاة الظهر، ودفن إلى جوار مرشدي الإخوان المسلمين: عمر التلمساني، ومحمد حامد أبوالنصر، وكان عمره يناهز الثامنة والستين،  وقد حزنت لفراق زوجها لكنها صبرت واحتسبت.
وبعد حياة حافلة بالبذل والعطاء و[[الجهاد]] والصبر والثبات، لقي المربي الفاضل الأستاذ [[حسن الجمل]] ربه، فجر الأربعاء 9 جمادى الأخرة سنة 1419ه 30-9-[[1998]]م، وقد شارك في تشييعه عدة آلاف، وعلى رأسهم الأستاذ [[مصطفى مشهور]]، وصُلي عليه في مسجد الباشا بحي المنيل ب[[القاهرة]]، عقب صلاة الظهر، ودفن إلى جوار مرشدي [[الإخوان المسلمين]]: [[عمر التلمساني]]، و[[محمد حامد أبوالنصر]]، وكان عمره يناهز الثامنة والستين،  وقد حزنت لفراق زوجها لكنها صبرت واحتسبت.


إن فريدة بدران والتي بدأت حياتها في بيت الدعوة, وظلت تعمل وسط الدعوة بما مر بها من أحداث جسام,
إن فريدة بدران والتي بدأت حياتها في بيت الدعوة, وظلت تعمل وسط الدعوة بما مر بها من أحداث جسام, هي الآن ما زالت تعطي لدعوتها ومسجدها وحيها من وقتها ونفسها, ولم تتأخر يومًا عن عملها وسط أخواتها بالرغم من تجاوزها السادسة والسبعين ربيعًا، نسأل الله أن يثيبها خيرًا ويثبتنا وإياها على طريق الدعوة.  
هي الآن ما زالت تعطي لدعوتها ومسجدها وحيها من وقتها ونفسها, ولم تتأخر يومًا عن عملها وسط أخواتها بالرغم من تجاوزها السادسة والسبعين ربيعًا، نسأل الله أن يثيبها خيرًا ويثبتنا وإياها على طريق الدعوة.  


== الهوامش ==
== الهوامش ==


 
:#حوار أجراه الأستاذ [[عبده مصطفى دسوقي]] مع الحاجة فريدة بدران يوم 7/9/[[2007]]م.
1-حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الحاجة فريدة بدران يوم 7/9/2007م.
:#[[بدر محمد بدر]]: [[حسن الجمل الوفاء والعطاء]], دار التوزيع والنشر الإسلامية, 1419هـ-[[1999]]
2-بدر محمد بدر: حسن الجمل الوفاء والعطاء, دار التوزيع والنشر الإسلامية, 1419هـ-1999
:#حديث مع الحاجة [[فاطمة عبد الهادي]] أجراه الأستاذ [[عبده مصطفى دسوقي]] يوم 25/9/[[2007]]م.
3-حديث مع الحاجة فاطمة عبد الهادي أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي يوم 25/9/2007م.
:#[[عبد المنعم عبد الرؤوف]]:[[أرغمت فاروق على التنازل عن العرش]]، الزهراء للإعلام العربي، الطبعة الأولى، 1408هـ [[1988]]م.
4-عبد المنعم عبد الرءوف: أرغمت فاروق على التنازل عن العرش، الزهراء للإعلام العربي، الطبعة الأولى، 1408هـ- 1988م.




[[تصنيف:أعلام الحركة الإسلامية]]
[[تصنيف:أعلام الحركة الإسلامية]]
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]
[[تصنيف:أعلام من مصر]]
[[تصنيف:أعلام القاهرة]]
[[تصنيف:المقالة الجيدة]]
[[تصنيف:مقالة جيدة أعلام]]

المراجعة الحالية بتاريخ ١٠:٥٥، ١١ فبراير ٢٠١٤

فريدة بدران

فريدة بدران ..... عطاء من البداية حتى النهاية


كان القرن العشرون من أغنى فترات تاريخ الدعوة الإسلامية؛ حيث اجتمع فيه عدد هائل من جهابذة علماء الدين والمصلحين وصار من الصعب على المؤرخين أن يتفقوا على مجدد هذا القرن، كما كان ذلك واضحًا في القرون السابقة.

ولا يمر عام واحد دون احتفال بذكرى ميلاد أو وفاة عالم أو مصلح، تلقى فيه المحاضرات والقصائد في تعديد مناقبه والإشادة بدوره، والتنويه بفضله، وقد حظت بعض النساء المسلمات بهذا الفضل فسطرن لأنفسهن كتبًا من المعاني الحية التي لم تمت بموتهن، بل ظلت شجرة وارفة الظلال، فأينعت فروعًا وثمارًا تستفيد بها الأجيال.

لقد كانت فريد بدران أحد هذه الأوراق اليانعة، القابعة فى حى المنيل تعمل على العمل من أجل الإسلام وتربية الأجيال.

فمنذ أن تخطو بقدمك داخل المنزل تشعر بروح الجهاد ترفرف على جنباته، فعندما توجهت لزيارتها كنت أشعر بلهفة لرؤية امرأة تكبدت هذه المصاعب وتحملت كل ذلك احتسابا لله رب العالمين، وعملت على إخراج نشأ يعمل للإسلام

النشأة

فريدة صلاح الدين بدران من النساء اللواتي تخرَّجن في مدرسة الشهيد "حسن البنا"، وكانت تمتاز بنبل المشاعر، ورقة العاطفة، ورهافة الحس، ولا تعرف الخضوع في القول، ولا تقبل الضيم والذل، بل هي شجاعة ثابتة، وشامخة كالجبال، ومجاهدة، قدمت النموذج الطيب في الجد وقوة الإرادة والهمة العالية؛

وكانت لا تستحيي من الحق، وهي من ذوات العقل والدين، وقد أعطت المثل في حسن التبعُّل والتحبب والعشرة مع زوجها، وكانت تشد من عزم أبنائها عند الأزمات والابتلاءات التي لحقت بأبيهم عدة مرات، إدراكًا منها أن الواجب يحتم عليها أن تجاهد بما في وسعها وطاقتها، من أجل دعوة الإسلام، ورفع رايته، ونصرة الحق، حتى يكون الدين كله لله.

ولدت فريدة بدران في 15/5/1938م في شارع الشيخ ريحان بعابدين ولكن أصل العائلة كان من المنيل، في أسرة عرفت الالتزام بشرع الله, وطبقت تعاليم الإسلام الصحيح, فكان الأب أحد رجال الإخوان المسلمين المخلصين العاملين لدين الله.

حيث تعرف على دعوة الإخوان المسلمين من خلال شعبة المنيل، وأصبح من رجالها المخلصين لها, التقى بالإمام البنا من خلال أعمال شعبة المنيل المتعددة، والتي كان الإمام البنا يحرص على حضورها، كما كان والدها يمتلك حديقة واسعة في منزله، وقد أقيم فيه أحد أفراح الإخوان وشرفه الإمام البنا بالحضور، وكان كثيرًا ما يتردد على المركز العام بالحلمية الجديدة، وكان يقطن أسفل منهم الشيخ أحمد الريدي وهو أحد علماء الإخوان وكان أحد الكتاب البارزين في صحف الإخوان المسلمين في الأربعينيات.

في هذا الجو المليء بمعاني التربية نشأت الحاجة فريدة, فكانت منذ صغرها تحافظ على أعمال الشعبة مع أبيها من إفطارات ومؤتمرات ورحلات خاصة قبل أن تزدحم منطقة المنيل, وكان والدها يحرص على اصطحابها معه لصلاة الفجر بمسجد السنية, فكان له أثره في تشكيل شخصيتها.

كانت والدتها شخصية مدبرة جدًّا, تستطيع أن تقرأ الأحداث وتتعامل مع الحياة حسب طاقة بيتها، فلم تجهد زوجها فيما لا يطيق، فاكتسبت الحاجة فريدة هذه الصفة، وكانت ملازمة لها في فترات حياتها، خاصة الفترات التي غاب فيها الزوج في غياهب السجون.

كما لم تكن وحيدة أبويها، بل كان لها ثلاثة من الإخوة وثلاث من الأخوات, كانت لهم فيما بعد في مقام الأم، خاصة أنها كانت كبراهم, ومع كل ذلك كانت محبة للتعليم ومتفوقة فيه؛ فعندما ظهرت هذه الدلائل عليها ألحقها أبوها بالمدرسة، فتفوقت وظلت به حتى الصف الثاني الثانوي حيث كانت السنة التي تزوجت فيها.

زواج كريم

ظلت الحاجة فريدة تسير في التعليم بخطى راسخة حتى بلغت الصف الثاني الثانوي، وهى السنة التي تزوجت فيها من الأستاذ حسن أحمد إبراهيم الجمل والذي ولد في 6/10/1930 في حي المنيل, ولم يكمل تعليمه، وعمل في محل والده بالفراشة

كان من أول المشاركين في حرب فلسطين، وكان عمره آنذاك 17عاما ثم كان أحد فرسان حلبة المعارك في القنال 1951م تعرف على الإخوان عام 1942 فكان نعم الجندي لها، واعتقل عام 1949 وهو على جبهة المعركة مع كل إخوانه المجاهدين، ثم اعتقل قبل حادثة المنشية عام 1954 بقليل، وخرج بعد عامين.

ثم أعيد اعتقاله عام 1965، وظل في السجون ما يقرب من ثلاث سنوات، وقد رشح نفسه في البرلمان المصري عام 1979 أمام مصطفى كامل مراد وهو زعيم حزب الأحرار وفاز فيها، ثم فاز في انتخابات 1984م عندما تحالف الإخوان ]مع الوفد، ثم انتخابات 1987م بتحالف الإخوان مع حزب العمل، ومن الغريب أن هذا البطل المجاهد، ورجل الخير والإحسان، تلاحقه سلطات الأمن، وتعتقله في أكتوبر سنة 1990م مع الكثير من القيادات الشعبية والنقابية والجامعية والطلابية بتهمة "التحرك من أجل القضية الفلسطينية، والإساءة إلى دولة صديقة" (إسرائيل!!

اعتقل عام 1995 وأحيل مع إخوانه للمحاكمة العسكرية، والتي حكمت عليه بثلاث سنوات أجرى خلالها عملية القلب المفتوح، وبعد خروجه بشهور عام 1998 فاضت روحه لبارئها.

تقول الحاجة فريدة:

"كان حسن الجمل جارًا لنا , وكنت أسمع عنه من الجيران؛ حيث كنت أسمع الزغاريد وأشاهد توزيع الشربات وذلك عند عودته من حرب فلسطين وحرب القنال وكنت في ذلك الوقت فتاة صغيرة, توطدت صلته بوالدي حيث كانا الاثنين من إخوان شعبة المنيل.

فكان حسن يقول لوالدي: كفاية على البنت تعليم لحد كدة, لكني كنت أحب التعليم, وكان حسن يقضي وقتًا كبيرًا فى خدمة الدعوة والخروج للمعارك، فقال أهله: لازم حسن يتزوج علشان يعقل ولا يذهب للحرب, وأخذوا يعددوا له البنات؛

فقال زوج أخته: لماذا تذهبون بعيدًا؟ ما هي بنت صلاح بدران موجودة, وأخذ الجيران يتناقلون أن حسن يريد الزواج من فريدة، فسمع والدي هذا الكلام, فقابله وذكر له ما سمع، فرد عليه: والله ما أثرت أي شيء! ما هي إلا أحاديث بين أهلي، وإن كنت أرغب في فريدة, فوافق والدي، لكني رفضت خوفًا على التعليم، غير أنهم قالوا لي: حسن سيتركك تكملين تعليمك, لكني كنت خائفة من الزواج, وتم الزفاف بعد شهرين من الخطوبة في 13/10/1952, فوجدته نعم الزوج".

وتذكر الحاجة فاطمة عبد الهادي:

"أنه يوم زفاف الأخت فريدة جمعت بعض أخواتها واتجهنا لإدخال السرور على العروس، فأنشدن لها حتى جاء زوجها فاصطحبها".

رزقها الله الذرية فأحسنت الأم تربيتهم، فخرجوا وهم يدركون طبيعة الطريق، فساروا على نهج أبيهم, فقد رزقها الله بابنها البكر ياسر في 28/8/1954م، حيث ولد يوم اعتقال والده، ثم أسامة والذي ولد في 1/4/1957, ثم خالد في 2/2/1960م، ثم هشام في 17/3/1962م، ثم دعاء في 2/10/1979م، وهي زوجة حسن ابن الشيخ عبد الخالق الشريف، وقد كانت أمهم المعين الذين شربوا منه الفضيلة والأخلاق على طول حياتهم ووقت غياب والدهم.

لقد تاجر حسن الجمل وزوجته مع الله، فربحت التجارة، وتاجر مع الناس فكسب قلوبهم، حيث أسهم في إنشاء العديد من الجمعيات الخيرية، ودور الحضانة والمدارس، والمشاغل، ودور الأيتام.

بين الصفوف المؤمنة

لم تكن فريدة بدران بعيدة عن هذه الصفوف؛ فقد نشأت منذ نعومة أظافرها في بيت أحد رجال هذه الدعوة, بل كان بيتهم مكانًا لزيارة الإمام البنا وكان أبوها يحرص على اصطحابها معه في صلاة الفجر بالمسجد، وعندما كبرت كانت حريصة على تلقي العلوم التي تجعلها تخدم دينها به؛

وازداد ارتباطها بالدعوة بعد زواجها؛ حيث حرص زوجها على اصطحابها إلى المركز العام وهناك تقابلت مع الأستاذة فاطمة عبد الهادي، وآمال العشماوي، واللاتي احتوينها بين صفوف المؤمنات، وكانت الأستاذة فاطمة لها بمثابة الأم والمعلمة؛

حيث كانتا ينتمين لشعبة واحدة، وهى شعبة المنيل، وكان مقرها آخر شارع المنيل، وكانت تقطن أسفلها وفاء حسن البنا مع زوجها سعيد رمضان، وكان يأتي لهذه الشعبة كثير من علماء الإخوان يعلمونهن أمور دينهن أمثال الشيخ سيد سابق ومحمود الجوهري.

فازداد تعلقها بالدعوة والعمل لها، فكانت تحرص على حضور الأعمال في الشعبة الرئيسية للأخوات في شارع البستان الفاضل بالمبتديان, ونشطت وسط الأخوات تدعو وتربي, وبالرغم من تجاوزها السادسة والسبعين إلا أنها ما زالت وسط الأخوات تعمل وتدعو وتربي.

محن وتاريخ حي

عرفت المحن طريق قلبها منذ صغرها, لكنها ما كادت تصطدم بمحنة إلا وتذكرت قول الله عز وجل:

(يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (سورة البقرة).

فصقلت هذه المحن قلبها، وأعطتها الثقة في الله ونصره وحب طاعته, وكانت أول محنة تواجهها بهذا القلب هي اعتقال أبيها في محنة 1949م، وكان موظفًا في وزارة التجارة والصناعة، فعندما ظهرت بوادر الأزمة نقله أخوه والذي كان يعمل وكيل وزارة إلى مصنع في الدراسة ليكون بعيدًا عن الاعتقال؛

غير أنه اعتقل ورحل لمعتقل العامرية، وفصل من عمله ثم خرج بعدما أقال الملك وزارة إبراهيم عبد الهادي وانقضى العهد الملكي، وجاءت الثورة، والتي شارك الإخوان في إنجاحها غير أن رجالها بعد فترة قلبوا لهم ظهر المجن واضطهدوهم.

وازدادت الأزمة عليها خاصة بعد زواجها من شخصية معروفة في الأوساط الإخوانية ولا يجهلها أحد من الناس بنشاطه الدءوب وعمله المستمر في الشعبة, وما كاد عام 1954م يحل حتى تأزمت الأمور بين بعض رجال الثورة أمثال عبد الناصر وجمال سالم وزكريا محيي الدين وبين زعيمها محمد نجيب والإخوان؛

حيث عمل الضباط على إبعاد وتنحية محمد نجيب عن قيادة البلاد، فاندلعت في البلاد مظاهرات مارس 1954، وظهرت فيها قوة الإخوان، وعاد محمد نجيب للحكم لكن كانت النية مبيتة من قبل بعض ضباط الثورة للإحاطة به والتنكيل بالإخوان

وسافر المرشد العام للإخوان المسلمين المستشار حسن الهضيبي في جولة للسعودية وسوريا ولبنان, وأثناء تواجده هناك أعلن رفض الإخوان لمعاهدة الجلاء، والتي كانت تشتمل على بعض النصوص المجحفة لحق مصر, وأثناء عودته منعته السلطات من الخروج من المطار فتجمع الإخوان وأخرجوه في احتفال مهيب بالسيارات، وعلى إثرها بدأت الاعتقالات في صفوف الإخوان.

وفى 28/8/1954م أعدت شعبة المنيل نفسها لاستقبال المجاهد حسن دوح لخطبة الجمعة، وأثناء الخطبة التي ألهبت المشاعر وحركت الحمية فى نفوس الناس, طوقت المباحث العامة المكان، وأطلقت الرصاص، فأصيب والدها بعدة إصابات، لكنه استطاع الهروب والوصول للبيت؛

أما الزوج فنال قسطًا من الضربات التي أدت لجرحه، فتوجه بعد المظاهرة للصيدلية لتضميد الجراح غير أنه اعتقل بداخلها وظل في السجن حتى حادثة المنشية، ولم تعرف مكانه، فأخذت تسأل عنه في كل مكان، دون أن يرشدها على مكانه أحد حتى علمت أنه محبوس في سجن القلعة وكان سجنًا بعيدًا عن العمران موحشًا

فكانت تذهب من الصباح حتى آخر النهار لزيارته، أو تتحسس أخباره لكن دون فائدة، وكان ابنها ياسر ما زال صغيرًا فلم تجد ما تطعمه به في هذا المكان، فأخذ ينبش في الأرض حتى وجد كسرة من الخبز قديمة، فأخذ يأكلها ويتقوت بها، فقالت لها إحدى السيدات الموجودات أمام السجن: "سيكتب التاريخ أن ابنك أكل من فتات محمد على".

وبعد وقوع حادثة المنشية اعتقل والدها، وقدم الوالد والزوج للمحاكمة، فحكمت على الوالد بخمسة أعوام مع إيقاف التنفيذ، وعلى الزوج بعشرة أعوام مع إيقاف التنفيذ, غير أنهم لم يخرجوا من المعتقل إلا مع إخوانهم في 1956م

وكانت قد أنجبت مولودها الأول فعملت على رعايته ورعاية أسرة زوجها، وأثناء الاعتقال كان يتكفل بمصاريفها أبو الزوج كما كان الجهاز المالي الذي كونه الإخوان بعد محنة 1954م يقوم بإرسال اثني عشر جنيهًا لها كما كانت تقوم برعاية أمها وإخوتها وكانت تتفقد بعض بيوت الإخوان.

وما كاد الزوج والوالد يخرجان حتى شددت عليهم الرقابة من قبل المباحث، وكانت بين الحين والآخر تعتقل الزوج لفترات بسيطة, ورغم هذا لم ينس حسن الجمل دعوته أو إخوانه؛ فكان يعمل في نطاق شعبته, كما اجتهد في العمل مع والده في محل الفراشة, وما بين المحنتين عمل على مساعدة زوجته في تربية أبنائهم تربية إسلامية.

ومرت السنون عسيرة وما كاد شهر أغسطس 1965 يحل حتى كانت سجون عبد الناصر قد فتحت أبوابها، وابتلعت في باطنها آلافًا من شباب الدعوة, حينما أعلن عبد الناصر من فوق منبر الكرملين اعتقال كل من سبق اعتقاله؛

وامتلأت السجون واعتقل زوجها وأبوها ولم يعرفوا أين ذهبوا وبدأت رحلة البحث عنه حتى عرفوا أنهم في السجن الحربي وما فيه من جحيم، ولم يسمح لعائلات الإخوان بزيارة أبنائهم إلا بعد أن حدثت نكسة يونيو 1967م, فكانت أول زيارة لها إلى زوجها فى سجن مزرعة طرة.

لقد اشتدت المحنة عليها عام 1965؛ فبعد اعتقال زوجها وأبيها لم يتحمل والد الزوج فراق ابنه حيث كان شديد التعلق به فمات بعد شهرين من اعتقال ابنه حزنًا عليه، ففقدت مصدرا هامًّا للرعاية، وأخذت تكابد الحياة, وتعمل على تربية أبنائها ورعاية أسر الإخوان في حي المنيل حتى أفرج عن زوجها مع من خرج عام 1968م.

وعقب خروجه من السجن، شرع في العمل الخيري في أوساط الناس، وبخاصة الفقراء والأرامل واليتامى، فساهم مع إخوانه في إنشاء العديد من الجمعيات الخيرية، ودور الحضانة، والمدارس، والمشاغل، ودور الأيتام، والمساجد، ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، والمستشفيات، وتيسير الزواج للشباب، وتقديم العون للمرضى، حتى وصفته جريدة الجمهورية القاهرية بالرجل الذي لا ينام إلا أربع ساعات، ويقضي باقي أوقاته بين الناس.

ما كاد عهد عبد الناصر ينقضي حتى استشعر الناس ببعض الحرية غير أنها كانت حرية زائفة, ففي أكتوبر 1990 وبعد هذا العمر اختطف زوجها من وسطها لمدة أسبوعين مع كثير من السياسيين لرفضهم مؤتمر مدريد بين عرفات واليهود.

ومع تقدم السن أبت يد الظالمين إلا أن تختطف الزوج مرة أخرى من بين زوجته وأبنائه، ففي يوليو 1995 تم القبض عليه مع لفيف من إخوانه، وأصدر مبارك قرارًا بإحالتهم للمحاكمة العسكرية، والتي قضت بحبسه ثلاث سنوات، وخلالها أصيب بأزمة قلبية، وأجريت له جراحة لتغيير بعض شرايين القلب في القصر العيني، ثم أجريت له جراحة البروستاتا بعدها بأيام.

يوم إجراء عملية القلب، طلب الأطباء أن يتقدم أربعة من أسرة المريض ليتبرعوا بالدم، فتقدم مئات المتطوعين معظمهم من النساء من دائرة المنيل ليمتلئ بهم المستشفى في شكل مظاهرة للتبرع بالدم لمجاهد بذل حياته في خدمة دينه ووطنه وقد كان مقيدًا في سريره بالكلابشات.

وأثناء قضائه فترة السجن تم زواج ابنتها دعاء لحسن ابن الشيخ عبد الخالق الشريف، والذي كان محبوسًا مع والدها أيضًا, وبعد خروج زوجها من المعتقل بشهرين توفي في 28/9/ 1998م، ومع هذه المحن الشديدة وتقدم السن لم تترك طريق الدعوة، بل ما زالت تحاضر وتعطي لأبناء الدعوة تجربة حياة.

همة عالية

منذ أن تعرفت على دعوة الإخوان لم تكل ولم تمل من العمل لله, فحملت على عاتقها العمل وسط الأخوات, فكانت تربي الناس في المساجد، والأخوات في اللقاءات الدعوية، وظلت على ذلك حتى الآن.

لكنه لم يكد عقد السبعينيات ينقضي حتى كان ينتظرها عمل ضخم, وحادث هام؛ ففي عام 1979م تقدم زوجها بترشيح نفسه في انتخابات مجلس الشعب عن دائرة مصر القديمة، ولم يتقدم سواه من الإخوان، وتحول بيتها إلى خلية من النحل كانت هي ملكته.

حيث ظلت تستقبل الإخوة والأهالي، وظل بيتها مفتوحًا على مدار 24 ساعة لفرز وتوزيع الأصوات وأماكن اللجان، ويوم الانتخابات كانت إحدى الفوارس حيث كانت مندوبة في لجنة مدرسة عمرو بن العاص، وأثناء ذلك دخل أحد رجال الأمن وقال: إن حسن الجمل ذبح عند كوبري الملك الصالح؛

فما تحركت من مكانها لثقتها في نصر الله، ولأنها كانت على ثغرة لا تريد أن تؤتى من قبلها، وعندما حاولوا تزوير الانتخابات أبت ذلك، واحتضنت الصندوق وقالت: اذبحوني قبل أن يحدث ذلك، وبعد إغلاق الصناديق ذهبت لبيتها مسرعة لتجهيز الطعام للمرابطين في أماكن الفرز؛

وحاولت الحكومة تزوير النتيجة لكنها لم تستطع، وكان قاضي اللجنة العامة مسيحيًّا فعندما رأى ما يحدث قال: "الرجل ده على حق، وأنا سأقف معه حتى آخر لحظة"، وظلت النتيجة محتجبة لمدة ثلاثة أيام حتى عجزت الحكومة عن فعل شيء، فأعلنت فوز حسن الجمل وتحول شارع المنيل لمهرجان للاحتفال بفوز الجمل.

وعندما دخل البرلمان وحتى خروجه لم يزد في بيتها شيء، بل لم تغلق بابها في وجه سائل أو زائر، وكانت بمثابة سكرتيرة خاصة لزوجها تنظم شئونه، وظل زوجها في البرلمان من عام 1979م حتى عام 1990م، فما أصابها غرور أو كبر، بل كانت مثالاً للمرأة الصالحة, وفرغت نفسها لرعاية زوجها وتربية أخواتها في الشعبة.

ومن أقوال زوجها:

إن نواب الإخوان المسلمين في البرلمان يبذلون جهداً فوق الطاقة، فنحن ننادي الحكومة ونطالبها بتطبيق قوانين الشريعة، ونتقدم بطلبات إحاطة كثيرة، وأسئلة واستجوابات للوصول إلى ما نريد من مصالح الشعب، ونرفض القوانين التي تعرض علينا وتخالف الشريعة الإسلامية، وسبق أن اتفقنا في موضوع قانون الأحوال الشخصية الذي أقره مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، فقد وفقنا في ذلك والحمد لله، كما تقدمنا بثلاثة عشر قانوناً من قوانين الشريعة الإسلامية إلى البرلمان.
إنني لا أشك أن قوى الشر كلها مجتمعة على ضرب الإسلام والمسلمين في مصر، وفي مقدمتها نوادي الروتاري والليونز ومؤسسة بيلان الأمريكية، والشيوعيون والعلمانيون، ومن ورائهم الماسونية العالمية، وهي اليد الخفية التي تتحرك في مصر بشكل كبير لضرب الإسلام، لأن هؤلاء الأعداء يدركون أن مصر هي قلعة الإسلام في العالم العربي والإسلامي، وأن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية تعمل بدأب على محاولة الإيقاع بالحركة الإسلامية، وتشويه صورتها، لافتعال أحداث ونسبتها إلى التيار الإسلامي، فلنكن على حذر مما يدبره الأعداء".

وعندما اعتقل زوجها في 1995م حل الدكتور عبد الحميد الغزالي مكانه للترشح في الدائرة، فكانت مثالاً للجندي المطيع لقائده, وكانت تجوب المنطقة تدعو لانتخاب الدكتور عبد الحميد، إلا أن الأمن هدده ومن معه مما اضطره للانسحاب تحت هذه الضغوط.

وبعد حياة حافلة بالبذل والعطاء والجهاد والصبر والثبات، لقي المربي الفاضل الأستاذ حسن الجمل ربه، فجر الأربعاء 9 جمادى الأخرة سنة 1419ه 30-9-1998م، وقد شارك في تشييعه عدة آلاف، وعلى رأسهم الأستاذ مصطفى مشهور، وصُلي عليه في مسجد الباشا بحي المنيل بالقاهرة، عقب صلاة الظهر، ودفن إلى جوار مرشدي الإخوان المسلمين: عمر التلمساني، ومحمد حامد أبوالنصر، وكان عمره يناهز الثامنة والستين، وقد حزنت لفراق زوجها لكنها صبرت واحتسبت.

إن فريدة بدران والتي بدأت حياتها في بيت الدعوة, وظلت تعمل وسط الدعوة بما مر بها من أحداث جسام, هي الآن ما زالت تعطي لدعوتها ومسجدها وحيها من وقتها ونفسها, ولم تتأخر يومًا عن عملها وسط أخواتها بالرغم من تجاوزها السادسة والسبعين ربيعًا، نسأل الله أن يثيبها خيرًا ويثبتنا وإياها على طريق الدعوة.

الهوامش

  1. حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الحاجة فريدة بدران يوم 7/9/2007م.
  2. بدر محمد بدر: حسن الجمل الوفاء والعطاء, دار التوزيع والنشر الإسلامية, 1419هـ-1999
  3. حديث مع الحاجة فاطمة عبد الهادي أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي يوم 25/9/2007م.
  4. عبد المنعم عبد الرؤوف:أرغمت فاروق على التنازل عن العرش، الزهراء للإعلام العربي، الطبعة الأولى، 1408هـ 1988م.