فرض الأجندات يهدد المصالح ولا يحقق الاستقرار

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فرض الأجندات يهدد المصالح ولا يحقق الاستقرار

بقلم:الإستاذ محمد مهدي عاكف

فرض الأجندات يهدد المصالح ولا يحقق الاستقرار

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين
رسائل.gif

على ذكر المشاريع الأمريكية والأوروبية تجاه المنطقة العربية والإسلامية تبرز سماتٌ رئيسةٌ تكشف عن طبيعة المناخ الذي تتشكل في إطاره هذه المشاريع؛ حيث انحسار بنية النظام الدولي، وخضوعها لهيمنة طرف واحد، بينما العلاقة بين الدول الإسلامية ضعيفة أو متنافرة.

ورغم مرور فترة على طرح المشاريع الأمريكية والأوروبية لإجراء تحول سياسي في منطقة "الشرق الأوسط" ما زالت هذه المشاريع يشوبها الكثير من التناقضات الداخلية، فهي وإن كانت تهدف لإحداث انتقال تجاه الحرية السياسية على نحو يحقق ويتسق مع الأجندة الأمريكية إلا أنها لم تستقر بعدُ على وسيلة فعَّالة لتحقيق ما تدعيه من أهداف؛ فإن تحقيق الحرية للشعوب لا يكون من خلال التدخل العسكري وإهدار حقوق الإنسان.

وتناولت المشاريع أو الأجندة الأمريكية والأوروبية كافة القضايا المرتبطة بالشئون الإنسانية، بدايةً من شئون الحكم، وانتهاءً بالثقافة والتعليم، وتُطرح هذه القضايا بشكل لا يعكس مصالح وحاجات الدول والشعوب المسلمة، بقدر ما يحقق مصالح الولايات المتحدة وأوروبا؛ حتى إنه يمكن القول بأن هذه المشروعات تعيد إنتاج مفهوم الغزو الاحتلالي في إطار جديد، يمكن اعتباره امتدادًا لحقبة الاحتلال والغزو العسكري التي بدأت في منتصف القرن التاسع عشر.

فهذه المشروعات وإن كانت لا تعتمد الغزو العسكري وسيلةً أساسيةً في فرض الأجندة الأمريكية والأوروبية، فإن كافة المظاهر الأخرى وآليات تنفيذ هذه الأجندة تُعدُّ متكافئةً ومتطابقةً مع طبيعة الغزو أو التدخل العسكري، بل هي أخطر منه؛ إذ إنها تصبو إلى إجراء عملية تغيير شاملة في المجتمع، تجعله جزءًا من الهوية الغربية.

وقد أدت عملية فرض الأجندة الأمريكية والأوروبية على العالم الإسلامي إلى حدوث حالات عدم استقرار، سواءٌ على مستوى النظام الدولي نتيجة الهيمنة الأمريكية أو على مستوى العالم الإسلامي؛ نتيجة التدخل العسكري في الشئون الداخلية للدول المسلمة.

فعلى مستوى النظام الدولي نشهد خلافاتٍ حادةً ومساوماتٍ حول جعل الأمم المتحدة منظمةً دولية، تعبر بعدالة عن طموحات وأماني الشعوب، وتكون أداةً لحفظ السلم والأمن، ولا تكون أداةً في يد بعض القوى لإرهاب الآخرين.

أما على مستوى العالم الإسلامي فإن ثمة حالاتٍ تشير إلى أن التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية أنتج حالة عدم استقرار سياسي، كما ولَّد مطالباتٍ بالانفصال، وفي بعض الحالات دفع باتجاه حدوث حرب أهلية، كما يحدث في فلسطين ، وتوضح هذه النماذج المساوئ المباشرة للتدخل الأجنبي.

وفي بعض الحالات قد يساعد التدخل الأجنبي في حدوث استقرار سياسي، إلا أن هذا الاستقرار يُخفي وراءَه العديد من المشكلات، وهو إن حدَثَ على المدى القصير فإنه في المدى الأبعد يؤدي لحدوث أزماتٍ أكثرَ حدةً.

دستور العراق يتأرجح بين طوائفه

ومع التدخل الأجنبي في العراق ظهرت نزعاتٌ نحو الانفصال، ففي ظل تمسُّك الأكراد بفيدرالية أقرب إلى الانفصال، وتمسُّك الشيعة بإقامة دولة دينية يكون للمرجعية فيها الكلمة الأخيرة، وتمسُّك العرب السنة بالهوية العربية للدولة.. يدور الجدل بين مكونات العراق وطوائفه المختلفة؛ حيث لكل منها مصالح ومخاوف وطموحات وتوجسات.

فهذه القضايا الثلاث تعكس حالة الاستقطاب السياسي والطائفي الذي انطلق محمومًا ومدفوعًا بشجون الماضي منذ سقوط نظام صدام حسين ، وتتقاطع خيوطها حول بنود الدستور العراقي الجاري كتابته الآن.

وفي ظل الخلاف الدائر حول هوية الدولة تبرز مشكلتان مهمتان

أولاهما: مشكلة اللغة الرسمية؛ حيث يتمسك الأكراد بالنص الحالي الوارد في قانون إدارة الدولة، والذي يعامل اللغتين العربية والكردية كلغتين رسميتين في سائر العراق، في حين يطالب العرب بأن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية في سائر العراق، وتكون اللغة الكردية إلى جانبها لغةً رسميةً في إقليم كردستان ولدى الحكومة الاتحادية.

أما المشكلة الثانية: فهي الخاصة بذكر مكونات الشعب العراقي، فمع الإجماع على ذكر الصفة الرئيسة للقوميتين العربية والكردية هناك اختلافٌ حول ذكر أيٍّ من القوميات الأخرى من عدمه، وحول صفة هذه القوميات في حال وصْف القوميتين (العربية والكردية) بأنهما أساسيتان.

في مسألة الدين هناك اتفاقٌ إلى حد كبير بين الشيعة والسنة العرب على الصيغة الحالية، وهي أن الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو المصدر الأساسي للتشريع، ولا يجوز سَنُّ قانونٍ يتعارض مع ثوابته وأحكامه، وأن يصون الدستور الهويةَ الإسلامية لغالبية الشعب العراقي بأكثريتَيه الشيعية والسنية، والمعارضة الأساسية لهذا النص تأتي من قِبل الأكراد؛ حيث طالبوا بإبراز الطابع العلماني للدولة، إضافةً إلى بعض القوى والأحزاب العلمانية الشيعية والسنية، وتسعى هذه القوى إلى جعل الإسلام مصدرًا من مصادر التشريع، تقف على قدم المساواة معه باقي المصادر القانونية الأخرى.

أما المسالة الأكثر تعقيدًا فهي مسألة الفيدرالية، فرغم عدم ترحيب العرب السنة بها إلا أن السعي الكردي نجح في جعل الخلاف حولها ينتقل من الخلاف حول المبدأ إلى الخلاف حول التفاصيل، وقد جرَّ الموقف الكردي من الفيدرالية الشيعة إلى الدعوة لإقامة فيدرالية شيعية في الجنوب.

وحيث إن المشهد منفتح على كل الاحتمالات في المستقبل فإن بعض الأطراف (خاصةً الأكراد) تسعى لكي يتم في الدستور إثبات المقدمات التشريعية والقانونية والاقتصادية التي تسمح لها مستقبلاً- حال تغير الظروف الدولية- بتحقيق الانفصال.

ورغم أن قوات الاحتلال لا تشارك بشكل مباشر في عملية صياغة الدستور العراقي إلا أن الولايات المتحدة تعلن دومًا أنها لن تقبل بدستور عراقي يؤدي إلى إقامة دولة إسلامية، سواءٌ على النحو الإيراني أو النموذج الطالباني، وأكدت أكثر من مرة على مراعاة حقوق الأقليات والمرأة، وأن ينص الدستور على اعتبارها واحترامها بما يكفل المساواة، ويشكل وجود الاحتلال عاملاً مهمًّا يؤثر بشكل رئيسٍ على تفاعلات عملية كتابة الدستور العراقي.

فالواقع السياسي ودلالته- الذي أفرزه الاحتلال- هو الذي ساهم إلى حد كبير في خروج مارد الطائفية من قمقمه، ورتب بالتالي بمطالب متضاربة لطوائف وعرقيات متعددة؛ ما جعل المشهد يبدو وكأن المطلوب هو عراق ضعيف منكفئ على مشاكله الداخلية وتنافساته العرقية بشكل يجعله بعيدًا عن المشاركة الفاعلة في مواجهة التحديات التي تتعرض لها الأمة العربية الإسلامية الآن.

إصلاح الأمم المتحدة

ظلت "الأمم المتحدة" ومنذ إنشائها خاضعةً لتأثير ونفوذ القوى الدولية الكبرى، وقد تعرضت المنظمة الدولية لأزماتٍ سياسيةٍ كادت تؤدي لانهيار تجربة مهمة في التنظيم الدولي المعاصر.

وبينما كانت "الأمم المتحدة" تقع تحت تأثير عدة دول أثناء فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية نجدها وقد وقعت تحت هيمنة "الولايات المتحدة" منذ انتهاء حقبة "الحرب الباردة"، صاحَب هذه الفترة تزايد الدعوات لسيادة النموذج التحرري (الليبرالي) كحلٍ أخير لنهضة البشرية.

ومنذ بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي حدث تداخل شديد بين "الولايات المتحدة" والأمم المتحدة"؛ بحيث أصبحت "الأمم المتحدة" واحدةً من المنابر الرئيسية لإعلان وتبنِّي السياسات والمواقف الأمريكية، وفي بعض الحالات تطابقت مواقف كل منهما؛ مما أضعف إلى حد كبير دور "الأمم المتحدة" كمعبِّر عن آمال وطموحات الشعوب.

وقد برزت في الفترة الأخيرة مطالبات بإصلاح نظام "الأمم المتحدة"؛ بحيث تكون المنظمة إطارًا عادلاً تتبلور فيه المصالح المشتركة والخاصة، للشعوب، والأمم، والدول، وبحيث تكون نظامًا يؤسس للقواعد العالمية الدولية، ويحترم الخصوصية الحضارية.

إن زيادة عدد المشاركين في صناعة القرار الدولي هو أمرٌ مطلوب، كما أن إيجاد نقطة توازن بين "الجمعية العامة" و"مجلس الأمن" يبث في "الأمم المتحدة" الحيوية والفاعلية، غير أن إصرار دول محدودة على الهيمنة على صناعة القرار الدولي لا يحقق المساواة المرجوَّة لكل أعضاء "الأمم المتحدة"، وهنا تصبح المنظمات الإقليمية بديلاً مطروحًا ومقبولاً.

تطورات مهمة في السودان

خلال السنوات الأخيرة بُذلت جهود من أبناء السودان، وأطراف أخرى- إقليمية ودولية- لبدء حوار حول سبل حل الأزمة السياسية الممتدة، وقد توصل هذا الحوار- عبر عدة جولات تفاوض- لاتفاقات سياسية تضع إطارًا لإعادة بناء الدولة السودانية وفْق أسس يرتضيها ويقبل بها أبناء السودان بكافة تياراتهم وانتماءاتهم السياسية، وهذا التطور السياسي مرغوب فيه، كما هو مأمول منه المساهمة في إحداث انتقال سياسي آمن يحقق وحدة السودان ويوفر حقوقًا متساويةً للكافة، ويفرض التزاماتٍ عادلةً لا تجير على طرف.

وقد دعمت دول أوروبية وأمريكية بعض الأطراف السودانية، وقُدِّم الدعم في أشكال معونات غذائية ودعم سياسي وعسكري، إلى جانب مِنح تعليمية وتدريبية، وذلك في إطار مشاريع تثبت عناصر الخلاف بين السودانيين، وتنمِّي المَيل نحو الانفصال، وقد تركت هذه السياسات آثارًا لا يُستهان بتأثيرها السلبي على توجهات السودانيين نحو خيار وحدة البلاد، وتشمل الآثار أقاليم الجنوب، والغرب، والشرق، والشمال على السواء.

ورغم حدوث تقدم ملموس في وضع أُطر الحل السياسي الشامل في السودان لا تزال هناك بعض المخاطر التي قد تجهض العمل السياسي الجاد الذي بدأ منذ سنوات قليلة، وهذه المخاطر هي:

- إصرار بعض الأطراف علي استبعاد واستثناء بعض المكونات الأساسية لهوية السودان في تشكيلها الثقافي والحضاري، فهذا الاستثناء يعد اختزالاً لمقومات وجود الدولة، فإن استبعاد أيٍّ من المقومات الثلاث؛ العروبي، أو الإفريقي أو الإسلامي يخلق أزمة اندماج وطني تولِّد مشاكل جديدة.

- وجود تعدد في منابر التفاوض، وهذا الوضع يكرس الحلول الجزئية، ولا يوفر إطارًا عامًّا يشمل جميع السودانيين، فمع تعدد منابر التفاوض؛ في "نيفاشا" و "أبوجا" و "أسمرة" و "القاهرة" تتعدد المرجعيات، وتُغمط حقوق بعض الأطراف السودانية في المشاركة في وضع أسس وقواعد النظام السياسي السوداني بما يرسخ ويدعم وحدة البلاد.

- ارتهان الاتفاق والمفاوضات لإدارة خارجية في مرحلتي الإعداد والتنفيذ، واستمرار هذه الحالة لا يحقق المصلحة الوطنية، بقدر ما يحقق أهداف الأطراف الخارجية الماثلة في السيطرة السياسية ونزف الثروات، فعلى السودانيين أن يأخذوا أمرهم بأيديهم، ويشرعوا في بناء مرحلة الاستقلال على أسس وطنية تقوم على الثقة فيما بينهم.

ونعتبر أن الحوار الدائر بين السودانيين في الداخل يمثل فرصةً ملائمةً لتجاوز العقبات المحتملة، كما هو آلية فعالة لجمع الشمل دون هدر أو إهمال.

معالجات ساخنة على الملف الفلسطيني

وعلى المستوى الفلسطيني يظهر التدخل الدولي غير المتوازن في كل التفاصيل والدقائق بشكل يهدد مصلحة الفلسطينيين، من خلال تصفية بعض القضايا المهمة في الملف الفلسطيني، وهي قضايا طالما كافح الفلسطينيون من أجلها.

فهناك إصرار على حرمان الفلسطينيين من حق الدفاع الشرعي عن النفس والأرض، فإن التآمر الدولي لنزع سلاح المقاومة يصبُّ في خانة التفريط بالحقوق، كما يمثل إعانةً دوليةً لمغتصبي الأرض، والمصادرين لحق الحياة.

مقاوم فلسطيني

إن الدعوة لنزع سلاح المقاومة يعبر بدقة عن ازدواج المعايير، فبينما توفّر التسهيلات للمعتدين يحاصر أصحاب الحقوق وتصادَر إرادتُهم ومقدراتُهم، كما تصادر حياتهم أيضًا.

وكان من المأمول أن يعبر الشعب الفلسطيني عن إرادته وخياراته في انتخابات حرة تشارك فيها كل فصائله، غير أن بعض الأطراف الدولية سعت بكل جد واجتهاد لعرقلة تيار المقاومة الرئيسي (حماس) وعزله عن التطورات السياسية في الملف الفلسطيني؛ بحيث تكون مساهمته غير مؤثرة، فقد دعمت تأجيل الانتخابات التشريعية، كما عملت في الوقت ذاته على زيادة حدة الخلاف بين السلطة الوطنية الفلسطينية، وحركة المقاومة الإسلامية حماس، ليس فقط بغرض إضعاف "حماس"، ولكن إخراجها من العملية السياسية إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

أما فيما يتعلق بملف اللاجئين فإن ثمة محاولاتٍ محمومةً لتجنب إثارة هذه القضية في الترتيبات الحالية والمقبلة، على أن يتم تسوية هذه القضية في إطار إقليمي لا يولِّد توتراتٍ تضر بالمصالح الأمريكية والأوروبية.

إلى الحكام المسلمين

قد تحقق هذه المشاريع مصالحَ للشعوب المسلمة والحكام في المدى القصير، غير أنها على المدى الطويل لا يؤمل أن تحقق مصالح حيوية ومهمة، وعلى عاتق الحكام تقع مسئولية الحفاظ على مقدرات الشعوب والأمة الإسلامية، فإن حجم المخاطر الناجمة عن التدخل الأجنبي تتطلب إمعان النظر في التعامل مع المشاريع الدولية المطروحة تجاه المنطقة بكفاءة، وإبداع نظرة جديدة تتضمن وضع إطار لعلاقات إيجابية ومستقرة بين الحكام والمحكومين، هذه العلاقة تكون بدايةً لمشروع نهضة وطنية يشارك فيها الجميع.

ولله الأمر.. من قبل ومن بعد، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.