الفرق بين المراجعتين لصفحة: «فتنة أحمد السكري»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سطر ١٢٣: سطر ١٢٣:
'''المادة الثانية:''' أن ينشأ صندوق يسمى صندوق [[الجهاد]] يضع فيه الوفد خمسين ألف جنيه أو عشرين ألف على الأقل وتضع كل هيئة من الهيئات التي تقبل الوحدة مبلغا بنسبة ماليتها وليكن أمين الصندوق من [[الوفد]] نفسه لأننا سنحتاج المال في المقاومة ضد الاحتلال,ولقد قدم الأستاذ [[أحمد حسين]] للجنة اقتراحا بمثل ذلك , كما ذكر الدكتور [[إبراهيم حسن]] .  
'''المادة الثانية:''' أن ينشأ صندوق يسمى صندوق [[الجهاد]] يضع فيه الوفد خمسين ألف جنيه أو عشرين ألف على الأقل وتضع كل هيئة من الهيئات التي تقبل الوحدة مبلغا بنسبة ماليتها وليكن أمين الصندوق من [[الوفد]] نفسه لأننا سنحتاج المال في المقاومة ضد الاحتلال,ولقد قدم الأستاذ [[أحمد حسين]] للجنة اقتراحا بمثل ذلك , كما ذكر الدكتور [[إبراهيم حسن]] .  


ولقد استطاع سراج الدين من استقطاب [[أحمد السكري]] بصفة داخل اللجنة,وحصل منه على تقارير سرية [[للإخوان]], ونشرها في صحف الوفد, فجمع الأستاذ [[البنا]] [[الهيئة التأسيسية]] , وعرض الأمر عليهم وتبين أن الأستاذ [[السكري]] هو المتسبب في ذلك, فطالبته الهيئة بكتابة مقال يكذب ما ورد في الصحف الوفدية, غير أن [[أحمد السكري|السكريرفض]] ذلك, وأخذ في الهجوم على [[الاخوان|الجماعة]] من خل الجريدة صوت الأمة فقررت [[الهيئة التأسيسية]] في 27 نوفمبر [[1947]] فصل الأستاذ [[أحمد السكري|السكري]] من [[الإخوان|الجماعة]] ، ولقد ذكر الأستاذ [[أحمد السكري|السكريأن]] الأستاذ [[البنا]] أغرق [[الإخوان|الجماعة]] في الحزبية, وكون اللجنة السياسية وتأرجح ب[[الإخوان|الجماعة]] بين الأحزاب لكن الناظر في تاريخ [[الإخوان]] يجد أن سياسته ثابتة منذ نشأتها, وحدد لها الأستاذ [[البنا]] مبادئها وأهدافها , ونأى بها عن الحزبية,واعترض على [[الأحزاب]] والحكومات التي تعاملت مع المحتل الإنجليزي,وقد نظر إلى أبعاد الأمر, فكان يتعاون مع كل القوى التي تخدم الحركة الوطنية, وتجارب الاحتلال, ولم يكن [[الإخوان]] يوما من الأيام تابعين لقوى بعينها ، بل كانوا يؤيدون الحكومة التي تطالب بخروج المحتل, وكان ممكنا محاربتها إذا هادنت وخضعت للإنجليز . ولقد كان هدف الأستاذ [[البنا]] من تكوين [[الهيئة السياسية]] ، والتي كانت ضمن أعضائها وهيب دوس ولويس فانوس أن تبحث في الشئون السياسية والاقتصادية والقانونية, وكان ذلك بناء على قرار [[مكتب الإرشاد]] الذي قرر تأليف لجنة استشارية بحتة من الشخصيات التي تتوفر فيها الكفاءة والخبرة والسمعة الطيبة ، وقد حضر اجتماعات هذه اللجنة الدكتور [[إبراهيم حسن]] . ولم يكن اتصال الأستاذ [[البنا]] بالأحزاب إلا لتوحيد الأهداف حول المطالبة بخروج المحتل.  
ولقد استطاع سراج الدين من استقطاب [[أحمد السكري]] بصفة داخل اللجنة,وحصل منه على تقارير سرية [[للإخوان]], ونشرها في صحف الوفد, فجمع الأستاذ [[البنا]] [[الهيئة التأسيسية]] , وعرض الأمر عليهم وتبين أن الأستاذ [[السكري]] هو المتسبب في ذلك, فطالبته الهيئة بكتابة مقال يكذب ما ورد في الصحف الوفدية, غير أن [[أحمد السكري|السكري]] رفض ذلك, وأخذ في الهجوم على [[الاخوان|الجماعة]] من خل الجريدة صوت الأمة فقررت [[الهيئة التأسيسية]] في 27 نوفمبر [[1947]] فصل الأستاذ [[أحمد السكري|السكري]] من [[الإخوان|الجماعة]] ، ولقد ذكر الأستاذ [[أحمد السكري|السكري]] أن الأستاذ [[البنا]] أغرق [[الإخوان|الجماعة]] في الحزبية, وكون اللجنة السياسية وتأرجح ب[[الإخوان|الجماعة]] بين الأحزاب لكن الناظر في تاريخ [[الإخوان]] يجد أن سياسته ثابتة منذ نشأتها, وحدد لها الأستاذ [[البنا]] مبادئها وأهدافها , ونأى بها عن الحزبية,واعترض على [[الأحزاب]] والحكومات التي تعاملت مع المحتل الإنجليزي,وقد نظر إلى أبعاد الأمر, فكان يتعاون مع كل القوى التي تخدم الحركة الوطنية, وتجارب الاحتلال, ولم يكن [[الإخوان]] يوما من الأيام تابعين لقوى بعينها ، بل كانوا يؤيدون الحكومة التي تطالب بخروج المحتل, وكان ممكنا محاربتها إذا هادنت وخضعت للإنجليز . ولقد كان هدف الأستاذ [[البنا]] من تكوين [[الهيئة السياسية]] ، والتي كانت ضمن أعضائها وهيب دوس ولويس فانوس أن تبحث في الشئون السياسية والاقتصادية والقانونية, وكان ذلك بناء على قرار [[مكتب الإرشاد]] الذي قرر تأليف لجنة استشارية بحتة من الشخصيات التي تتوفر فيها الكفاءة والخبرة والسمعة الطيبة ، وقد حضر اجتماعات هذه اللجنة الدكتور [[إبراهيم حسن]] . ولم يكن اتصال الأستاذ [[البنا]] بالأحزاب إلا لتوحيد الأهداف حول المطالبة بخروج المحتل.  


ولقد علقت [[جريدة أخبار اليوم]] على ذلك فقالت: وأخيرا رأى [[حزب الوفد]] أن خير طريق لتحطيم [[الإخوان]] هو تمزيقهم من الداخل, وتولى السكرتير العام هذه المهمة فنجح فيها نجاحا كبيرا فقد استطاع بفضل اتصاله بالأستاذ [[أحمد السكري]] وكيل الجمعية أن يحدث انقساما فى [[الإخوان]], وحصل السكرتير العام على تقارير سرية [[للإخوان]] نشرها في صحف [[الوفد]].  
ولقد علقت [[جريدة أخبار اليوم]] على ذلك فقالت: وأخيرا رأى [[حزب الوفد]] أن خير طريق لتحطيم [[الإخوان]] هو تمزيقهم من الداخل, وتولى السكرتير العام هذه المهمة فنجح فيها نجاحا كبيرا فقد استطاع بفضل اتصاله بالأستاذ [[أحمد السكري]] وكيل الجمعية أن يحدث انقساما فى [[الإخوان]], وحصل السكرتير العام على تقارير سرية [[للإخوان]] نشرها في صحف [[الوفد]].


== أثر هذه الفتنة على الدعوة  ==
== أثر هذه الفتنة على الدعوة  ==

مراجعة ١٢:٢٢، ١٨ أغسطس ٢٠١٠

"فتنة أحمد السكري"


"انشقاق الأستاذ أحمد السكري الوكيل العام للإخوان المسلمين عن الإخوان سنة 1947م .. الأسباب والأثر"

إعداد: موقع إخوان ويكي


السمات الشخصية للأستاذ أحمد السكري

حقيقة إن كل إنسان لايخلو من سلبيات وعيوب ،ومن يحاول إصلاح نفسه يعمل على التغلب على سلبياته وعيوبه بالمجاهدة وإصلاح النفس ،وقد دعانا القرآن الكريم فى كثير من الآيات إلى إصلاح النفس ؛ فيقول تعالى:" وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَ(8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) (سورة الشمس)".وأيضا ") وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)" (سورة النازعات) .

وأما من أتبع نفس هواها ،فسرعان ما يظهر على سلوكه وأفعاله ،وغالبا مايرفضها المجتمع وتصبح مآخذا عليه ويبتعدون عنه. وإذا ظهر من أفراد الإخوان تصرفات بعيدة عن الإسلام و سلوك مرفوض ،فإن الإخوان سرعان مايحاولون معالجته بالرفق واللين ،فإن أى إنسان كما أسلفنا لا يخلو من أخطاء ، فإن رجع إلى رشده فبها ونعمة ،أما من أتبع نفسه هواها ولم يستجب ،فإن الإخوان لايملكون إلا اتخاذ موقف منه،فيتم إجراء تحقيق معه بناءً علىالمخالفات المنسوبة إليه، وفى ضوء القرار الذى تصدره لجنة التحقيق يتم تحديد موقف الإخوان منه ويراجع هو أيضا نفسه.

ومن هنا ينبغى أن نشير إلى بعض الصفات الشخصية غير المرغوب فيها التى ظهرت من الأستاذ أحمد السكري ، وهى ليست تجريحا فى شخصه ، ولكنها تضىء لنا جوانب الموضوع الذى نحن بصدده والذى ترك أثره على تاريخ الإخوان، وخاصة أن الأحداث انتهت وأصبح الموضوع فى ذمة التاريخ كى نحاول تحليل الأحداث وإعطاء صورة عن خلفيات تلك الأزمة التى واجهت الإخوان ، خاصة وأن الأستاذ السكري توفى إلى رحمة الله سنة 1991م ، ومن أهم تلك المآخذ الشخصية :

1)حب الظهور والزعامة:

وقد بدا ذلك فى بعض المواقف ،منها: أن الأستاذ السكري مع تطور وتوسع وزيادة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين, شعر بأنه هو المحرك السياسى لهذا الجماعة, وأن الإمام البنا هو الأب الروحى لهذه الجماعة, فعمل على أن يتصدر فى الاحتفالات والمؤتمرات والاتفاقيات ، وشعر بأنه المرشد العام الحقيقى للإخوان , فعمل على الاستئثار بهذه الزعامة وتحدى الأستاذ البنا وتمرد عليه كمرشد(5).


وبداية هذا التحول عند الأستاذ أحمد السكري , عندما أقام الإخوان المسلمين حفل تكريم للنواب بسرآى آل لطف الله بالجزيرة(6), وكان الأستاذ السكري مشرفا على هذا الحفل, وقدحضره ممثلين عن الأحزاب المصرية المختلفة والهيئات, فظهر الأستاذ السكري أثناء تقديم الخطباء يتملق بعضهم, , كما كان يؤثر بعض الناس بالتقديم ويحول بين غيرهم وبين المنصة, فظهر بمظهر المتصدر الأمر، فكان مصدر استياء كثير من الضيوف وRTENOTITLE الحاضرين لهذا الحفل(7).ومع تطور الأحداث حدثت مشكلات بسبب محاولة السكري تصدر المجالس وتهميش إخوانه القائمين على العمل معه, وكان الإمام البنا يقف على هذه المشكلات, ويعز عليه اتخاذ أى قرار للعشرة الطويلة التي بينه وبين الأستاذ السكري, وراجيا من الله أن يصلح حاله .

2) استغلال الدعوة فى أغراض شخصية:

واتضح ذلك فى تقربه من رجال السلطة والنفوذ ،ففى عام 1939 وأثناء عودة على ماهر رئيس وزارء مصر من مؤتمر المائدة المستديرة, والذى عقد فى لندن لدراسة القضية الفلسطينية, استقبله الإخوان بهتافاتهم , غير أن الأستاذ السكري هتف بحياة على ماهر, فكان ذلك مصدر استياء بعض الإخوان (8). وقد أقرهم الإمام البنا على ذلك, بأنه خطأ فردى وليس ذلك منهج ومبادىء الجماعة. وأُخذ عليه تودده وتقربه من بعض الشخصيات المهمة فى الدولة بما يتنافى مع مكانته فى الدعوة, وبما يتعارض مع مبادىء الدعوة كما أن بداية التقارب بين الأستاذ السكري والوفد كانت بعد زيارة فؤاد سراج الدين وبعض الوزارء الوافدين للمركز العام فى 16 مايو 1943,إذ أراد الأستاذ السكري الاندماج فى الوفد لكى يتثنى للإخوان المشاركة فى الانتخابات والحكم بشكل كبير(9) كانت هذه بدايات بروز هذه الفتنة التي أدت لتدافع الأحداث حتى تم فصل الأستاذ السكري.

و لذلك يقول الدكتور الطاهر مكى (10) فى مقاله عن حسن البنا بعنوان :"صورة بعيدة عن السياسة :حسن البنا كما عرفته" :

"اثنان نفر منهما قلبى :رأيت أحمد السكري وكيل الإخوان ،ورئيس تحرير الجريدة اليومية فلم ترتح نفسى له دون تعامل معه ،وقد كتب يومهافى صدر الصحيفة أنه استقال من وظيفته ليتفرغ لشئون الدعوة ويعطيها والصحيفة كل وقته ،وكان ذلك صحيحا فى جانب منه ،أما الجانب الآخر فهو ترك وظيفة فى الدرجة السابعة، ومرتبها يومها لايعدو عشرة جنيهات ،وأخذ راتبا فى صحيفة الإخوان يبلغ مائة وخمسين جنيها وهو الراتب الذى كانت تدفعه كبريات الصحف يومها لرؤساء تحريرها ،وهم موظفون مهنيون لايزعمون أنهم أصحاب دعوة ولامتفرغون لها ،وساعتها أحسست أن فى الأمر خداعا لآلاف البسطاء من الإخوان الذين أسهموا فى جريدة ليس غايتها الربح ،وواقعا لن تربح شيئا،وإنما أرادوا سلاحا فى النضال من أجل مايؤمنون به ،وتمنيت يومها لو اكتفى بما يعينه على مواجهة مطالب العيش،وخصوصا وأن الحياة كانت سهلة ميسرة ،وأن راتب الوظيفة التى تركها كان بسيطا ومحدودا .كذلك نفر قلبى من "أ.ح"بعد لقائين......" (11)

ولعل شهادة الدكتور الطاهر مكي لها أهميتها خاصة أنه لا ينتمى إلى الإخوان ،ولكنه كتب شهادته وانطباعه الخاص بكل صدق ، والتى أسفرت عنها الأحداث فيما بعد وكان نهايتها خروجه من الجماعة.

وتلك العيوب الشخصية التى طغت على شخصية الأستاذ أحمد السكري تركت أثرها على الأحداث، وهى تتنافى تماما مع مبادىء وأصول دعوة الإخوان التى تدعو إلى التجرد والإخلاص لله والبعد عن الرياء ، من هنا فلن يمكث طويلا أى إنسان فى دعوة الإخوان يحب أن يُرى مكانه ؛فسرعان ما تسير به الأحداث لتدفع به إلى خارج الجماعة ،ليبقى الصف نقيا دون نظر إلى الشخص ومكانته كائنا من كان ،ولعل من أكبر الأمراض الخبيثة التى يبتلى بها الناس أن يستغل الإنسان عمله فى أغراضه الشخصية ،فما بالنا إذا كان يستغل الدعوة التى آمن بها والمفترض أن يقدم ماله ويضحى بنفسه دون أن ينال من ذلك فائدة شخصية ، لكن الأمور تسير بقدر الله فقد أدت تلك العيوب الشخصية إلى نفور الإخوان من تلك الطباع التى سيطرت عليه ،وتفاقم الأمر إلى حدوث أزمة بينه وبين بعض الإخوان تطلب الأمر تدخل الهيئة التأسيسة للإخوان لمناقشة الخلاف ، وقد فوجىء الإخوان فى إحدى الأيام بصدور مجلة الإخوان المسلمين الإسبوعية تحوى بين طياتها خبرا مثيرا وهو تكوين لجنة للتحقيق مع الأستاذ أحمد السكري الوكيل العام لRTENOTITLE والأستاذ كمال عبدالنبي والدكتور إبراهيم حسن ووقف عضويتهم فى الهيئة التأسيسية حتى ينتهي التحقيق( 2 ).

واجتمعت الهيئة التأسيسية في يوم الخميس 2 من ربيع الآخر سنة 1366هـ الموافق 13 من مارس 1947م لمناقشة أمور داخلية في الجماعة، وقررت ما يأتي:-

ثانيًا: توجيه اللوم إلى الأستاذ أحمد السكري على خلافه مع بعض الإخوان ومطالبته بتصفية ما في نفوسهم.

ولعل ذلك دافع لينبه الأستاذ السكري إلى خطورة وضعه وخطأ أسلوبه ويدعوه إلى معالجة تلك الأخطاء ،لكن للأسف الشديد لم يأبه بذلك واستمر على أسلوبه واعوجاجه دون تغيير، تُرى هل يقف الإخوان مكتوفى الأيدى إزاء تلك الانحرافات ويتغاضون عنها ؟! أم أنهم ينبغى أن يتخذوا موقفا إزاء تلك المخالفات التى تؤثر لا ريب على الدعوة ،وربما يكون القرار قاسيا ،لكنه ضرورى لعلاج هذه الأزمة .

انشقاق الأستاذ أحمد السكري

الإمام-الشهيد-حسن-البنا-والأستاذ-أحمد-السكري-يتفقد-جريدة-الإخوان.jpg

وكانت من أشد الانشقاقات التي حدثت هي انشقاق الأستاذ أحمد السكري, حيث كان نائب المرشد العام ووكيل الجماعة. وتعتبر المحن والابتلاءات من طبيعة الدعوات, حتى يمحص الصف الداخلي من كل ما يشوبه حتى يصبح نقيا, ولقد تعرضت دعوة الإخوان المسلمين منذ نشأتها لما تتعرض له الدعوات من اضطهاد وفتن وانشقاقات, وتلك حقيقة يحاول أعداء الإصلاح تجاهلها، وهي أن دعوة الإخوان المسلمين تتمثل فى أفراد وهؤلاء الأفراد بشر يصيبون ويخطئون, لكن الأمر المهم هي أن دعوة الإخوان تقوم على وحدة المنهج التي يتبعونه وهو منهج القرآن الكريم والسنة المطهرة. ولم تكن تلك الفتنة الوحيدة التي واجهتها الجماعة، فهناك كثير من الانشقاقات التي انتهت بخروج بعض الإخوان من الجماعة من قبل، ومن ذلك على سبيل المثال:

ففى عام 1937م اعترض بعض الإخوان على مسلك الحركة إزاء بعض القضايا، وكان لهم وجهة نظر مخالفة تمام المخالفة لمنهج الإخوان, وهم الأستاذ محمد عزت حسني وحمد رفعت وصديق أمين وحسن السيد عثمان؛ حيث رأوا أن تتعامل الدعوة بالشدة مع الحكومة والنساء اللائي يخرجن سافرات بدلاً من اللين والدعوة بالحسنى, وأن يتوجه عدد من الإخوان للمشاركة فى الجهاد فى فلسطين, غير أن الأمور لم تكن تسير بهذه الطريقة، خاصةً أن الدعوة فى مرحلة التعريف بها, وأن الأمور لا تؤخذ بالشدة فى كل الأحيان, فما كان من هؤلاء النفر إلا أن أعلنوا عصيانهم وابتعدوا عن الجماعة, وكان من نتائج هذه الفتنة أن خرج هؤلاء الإخوان ومعهم مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية (14).

ولم ينته الأمر عند ذلك, بل انشق عدد من الإخوان بعد ذلك بسبب حماستهم الشديدة وتعصبهم لآرائهم, واستعجالهم الخطوات, ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا إثارة الشبهات حول قائد الدعوة ورجالها, فتم فصلهم بناءً على طلبهم, كما أنهم استأثروا بمجلة النذير لأنفسهم وكونوا جماعة شباب محمد(15).

ولم يكن ذلك الانشقاق هو الأخير، فقد حدث أيضًا سنة 1953م، فخرج الشيخ أحمد حسن الباقوري من الإخوان لقبوله الوزارة فى الوقت الذى رفض فيه الإخوان الاشتراك فيها. واستمر خروج بعض قيادات الإخوان منها لخلافات حتى وقتنا الحاضر ولا يضر ذلك الإخوان شيئًا؛ لأنهم ارتضوا لأنفسهم نظام ومبادىء يسيرون عليها ، وبها ارتضى كل من يحب أن ينضم إلى الإخوان دون إكراه ، لكنه إذا أراد أن يخرج على تلك المبادىء بعض الأفراد، فلا يعقل أن تستجيب الجماعة إلى أهواء أفراد ها ، وتصبح فى مهب الريح تطيح بها أوهن العواصف ، لذلك فإن من يريد أن يخرج من الجماعة لمواقف معينة أو رأي شخصي فهو وما يحب، ويُكن له الإخوان كل الاحترام.

أسباب فصل الأستاذ أحمد السكري

شن السكري هجوما فى مقاله فى صوت الأمة والكتلة بتاريخ 11/10/1947م, ذكر فيه أنه عرف أن الأستاذ البنا له اتصالات ببعض الشخصيات الأجنبية والمصرية, وأنه نسى من ذكر له ذلك , أضف إلى ذلك أن الأستاذ البنا طالبه فى رد على خطابه باسم من أطلعه على ذلك فلم يستطع تقديم مايفيد ذلك(16) كما أن الأستاذ السكري اتهم الأستاذ البنا بالاستبداد فى اتخاذ القرار و فصله دون الرجوع للهيئة التأسيسية, غير أن الأستاذ البنا رد على ذلك, حيث ذكر أن الهيئة التأسيسية انعقدت مرتين إحداهما بتاريخ 13 مارس 1947, وكان ذلك للمحاكمة,وظل انعقادها ما يقرب من ستة وثلاثين ساعة كامله, وتحدث فيها الأستاذ السكري نحو ستة ساعات, وبعدها جدد البيعة للأستاذ البنا, والثانية بتاريخ 9 يوليو ،1947 وقررت الهيئة توجيه اللوم للأستاذ السكري. كما فى الاتهام الذى جاء فى خطاب الأستاذ السكريوذكر فيه أنه عرف بالصدفة أن الإمام البنا له اتصالات ببعض الشخصيات الأجنبية والمصرية وأنه عرف من أحدهم ذلك فى7 فبراير 1947, واندهش الإمام البنا لذلك من السبب الذى دفع الأستاذ أحمد السكري إلى إخفاء تلك المعلومات عن الإخوان وعن الهيئة التأسيسية طيلة هذا الوقت بالرغم من انعقادها فى 13 مارس1947 فى اجتماعها الأول ثم اجتماعها ثانية بعد هذا الجتماع بأربعة شهور.

وتعجب أيضا من إخفاءه لتلك المعلومات الخطيرة كل هذا الوقت بالرغم من انعقاد مكتب الإرشاد كل أسبوع واعتبر هذا الصمت وهذا الكتمان خيانة للدعوة وللهيئة(17).

غير أن هذه الأسباب لم تكن كل الأسباب بل ذكرت إحدى صحف الوفد عدة أسباب أخرى لم تكشفها صحف ولا نشرات الإخوان حتى لا تقطع الود مع الأستاذ السكري وكان من هذه الأسباب:

1- أن الأستاذ أحمد السكري كان يتجسس على مخاطبات ومكالمات الأستاذ البنا الخارجية والداخلية, وظهر ذلك أثناء التحقيق حيث قدم عامل التليفون تقريرا عن ذلك أثبت فيه أن الأستاذ السكري كلفه بذلك.

2- أخذه مبالغ من جهات مختلفة باسم جمعية الإخوان المسلمين, ولم يوصلها للجمعية.

هذا وقد أصدر المركز العام نشرة إخبارية تم توضيح فيها الأسباب التي دعت لفصل الأستاذ أحمد السكري, وذكر فيها أن ضمن هذه الأسباب :

1- التمرد حيث كانت أكثر تصرفاته سلسلة من التمرد على قرارات مكتب الإرشاد والهيئة.

2- بث الفتنة , حيث عمد إلى صحف الوفد وأذاع أخبار خاطئة كاذبة وحقائق محرفة عن المرشد العام وسياسة الإخوان, وأنه صاحب هذه الدعوة ، لكنه آثر الأستاذ البنا بها.

3- الاتصالات الضارة بمن ينوئون الدعوة ويريدون بها السوء, وإعطاؤه معلومات للصحف الوفدية كاذبة كخبر اللجنة السياسية ،وهى فكرة عرضت على بعض الشخصيات لتكوين لجنة استشارية فقهية قانونية .

ولقد استطاع فؤاد سراج الدين من استقطاب أحمد السكري بصفة داخل اللجنة,وحصل منه على تقارير سرية للإخوان, ونشرها في صحف الوفد, فجمع الأستاذ البنا الهيئة التأسيسية, وعرض الأمر عليهم وتبين أن الأستاذ أحمد السكري هو المتسبب في ذلك, فطالبته الهيئة بكتابة مقال يكذب ما ورد في الصحف الوفدية , غير أن أحمد السكريرفض ذلك, وأخذ في الهجوم على الجماعة من خل الجريدة صوت الأمة .

وإزاء الاتهامات التى اتهم بها الأستاذ السكري فقد عقدت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين اجتماعها العادى الدورى الثالث يوم الخميس 14 من المحرم 1366هـ, الموافق 27 نوفمبر 1947م, وكان من قراراتها:

الموافقة التامة على قرار المرشد العام بإعفاء الإخوان محمد عبدالسميع الغنيمي أفندي وسالم غيث أفندي وأحمد السكري أفندي من عضوية الجماعة بناءً على تفويض الهيئة السابقة لفضيلته ، ولما تعرفه الهيئة من تصرفات الأستاذ احمد السكري قبل الإعفاء وبعده فإنها تقرر بالإجماع اعتباره ناقضًا للعهد حانثًا باليمين خارجًا على الجماعة مُحاربًا للدعوة، وكذلك كل من اتصل به أو ناصره.(18)

رد فعل السكري إزاء قرار الفصل

13-الأستاذ-أحمد-السكري.jpg

وعلى إثر هذا القرار انقلب الأستاذ السكري على الجماعة ومرشدها وأخذ يهاجم المرشد العام وفتحت له جريدة صوت الأمة ذراعها للهجوم على المرشد العام وبث الفرقة وسط الإخوان ومحاولة زعزعة الثقة بين أفراد الإخوان وقيادتها , وقد ذكر خلال صفحات الجريدة الأسباب التي رأى أنها سبب فصله, فذكر أن من هذه الأسباب:

1ـ استبداد الإمام البنا بالأمر وأنه انتزع من أعضاء الهيئة التأسيسية يوم 9 يوليو 1947م تفويضا يعطى له الحق فى إقصاء من يشاء وفصل من يشاء .

2ـ تأرجح الإمام البنا بين الأحزاب السياسية, ومحاولته استعطاف الأحزاب للعمل مع الإخوان, وليس ذلك فحسب ، بل دخول بعض العناصر الانتهازية المأجورة فى صفوف الإخوان بايعاز من رجال السياسة .

3- الإغراق فى السياسة الحزبية, وتكوين اللجنة السياسية, وإغراق الجماعة فى هذه السياسة, ومهادنة صدقى باشا, وسماع كلام الإخوان الانتهازيين, وتملق الإمام البنا للوفد فترة حكمهم من 1942 - 1944.(19)

4- الإتصال ببعض الشخصيات الأجنبية والمصرية فى أغسطس 1940 حيث التقى مع الجنرال كلايتون والمستر هيوردن فى دار الجمعية القديمة( 20), كما أنه تقاضى أموالا من الإنجليز .

5- استيلاء الإمام البنا على مبلغ يزيد عن ثلاثة آلاف جنيه من الأموال التي تجمعها الإخوان باسم الدفاع عن فلسطين .

6- تستر الإمام البنا على فضائح صهره عبد الحكيم عابدين, حيث اتهمه الإخوان بدخوله لبيوتهم دون وجودهم .

7- أن الأستاذ أحمد السكري هو الذى أنشىء جمعية الإخوان المسلمين, وأن الإمام البنا افتتح فرع لها فى الإسماعيلية غير أن الأستاذ السكري لمح في حسن البنا ذكاءً بعد تكوين الجمعية الحصافية بالمحمودية فاختاره سكرتيرا لهذه الجمعية(1 ). وقد ردد بعض خصوم الإخوان تلك الافتراءات، فيشير فؤاد علام فى كتابه (الإخوان وأنا )إلى أن السكري هو الذى أنشأ جماعة الإخوان المسلمين سنة 1920م وأن البنا انتزعها منه ، وهذا الكلام ينطوى على تجاهل للحقائق ،فالجمعية المشار إليها هى الجمعية الحصافية التى كان السكري رئيسا لها والبنا سكرتيرا .

8- تملق الأستاذ البنا للأحبار والرهبان والمطارنة, وقبول مبالغ مالية من التاجر الإسكندراني اليهودى حايم دره(22) .

9- طلب الأستاذ البنا من الوفد أن يدفع له خمسين ألف جنيه للإخوان لكى يستمر التعاون بينهما.

كانت هذه هي الأسباب التي رأى الأستاذ أحمد السكري أنها سبب فصله, كما أنه ساق بعض التهم التي اقترفها الأستاذ البنا, والتي استوجبت توجه الأستاذ السكري له بالنصح والإرشاد,مما كان ذلك دافعا لفصله من الإخوان المسلمين.

وبعد أن استعرضنا الأسباب والتهم التي وجهها الأستاذ السكري للأستاذ البنا نقدم الأسباب التي رأها الأستاذ البنا والهيئة التأسيسية سببا لفصل الأستاذ أحمد السكري.

ولقد ذكر الأستاذ أحمد السكري أن الأستاذ البنا أغرق الجماعة في الحزبية, وكون اللجنة السياسية وتأرجح بالجماعة بين الأحزاب ، لكن الناظر في تاريخ الإخوان يجد أن سياسته ثابتة منذ نشأتها, وحدد لها الأستاذ البنا مبادئها وأهدافها , ونأى بها عن الحزبية,واعترض على الأحزاب والحكومات التي تعاملت مع الانجليز.

ولقد علقت جريدة أخبار اليوم على ذلك فقالت:" وأخيرا رأى حزب الوفد أن خير طريق لتحطيم الإخوان هو تمزيقهم من الداخل, وتولى السكرتير العام هذه المهمة فنجح فيها نجاحا كبيرا فقد استطاع بفضل اتصاله بالأستاذ أحمد السكري وكيل الجمعية أن يحدث انقساما فى الإخوان, وحصل السكرتير العام على تقارير سرية للإخوان نشرها في صحف الوفد.ولقد أجرت جريدة الكتلة حوارا مع الأستاذ السكري حول حقيقة الخلاف وصدور قرار بوقفه وزملائه , فذكر أن الأستاذ المرشد استند إلى المادة 18 من قانون الجماعةفى هذا الإيقاف, وأن ما يشاع في الصحف الآن هو مجرد دعاية مغرضة وأراجيف باطلة يهدف مروجوها إلى إشعال نار الفتنة , وأن الأستاذ البنا هو أخي فضلا عن أنه رئيس لهذه الدعوة, ولن أرفع في وجهه سيف العدوان حرصا على أخوتنا ودعوتنا(23).

كانت هذه هي تداعيات الفتنة والتي خرج على إثرها الأستاذ أحمد السكري والدكتور إبراهيم حسن وكيلا الجماعة, كما خرج فيها الأستاذمصطفي نعينع – مندوب قسم نشر الدعوة في المركز العام – والأستاذ محمد عبدالسميع الغنيمة والأستاذ سالم غيث عضو الهيئة التأسيسية, كما خرج كلا من الأستاذ كمال عبدالنبي وأمين مرعى رئيس المكتب التنفيذي بالإسكندرية, كما قدم الأستاذ حسين عبد الرازق استقالته, وكان ذلك قبل انعقاد المحاكمة و قد عاد الأستاذ أحمد السكري فاسترد استقالته موضحا أن الأمر كان عنده مشوش ومحرف .

افتراءات السكري فى ميزان النقد

حقيقة إن كثيرا ممن خرجوا من الإخوان لم يتجرءوا عليها ويجرحوا فيها وفى مؤسسها ويسوقوا التهم والأكاذيب مثلما فعل السكري ، ولا نقول أبدا إن الإخوان لا يخطئون ،ولكن إذا سيقت الأخطاء بالأدلة ،فإن ذلك أحرى لمناقشتها فى ضوء الظروف التى أحاطت بالموضوع ،أما أن تساق الاتهامات بلا دليل ،فهذا كذب وافتراء ، خاصة ممن تربوا فى ظل هذه الدعوة وكان من دعاتها.

لقد ذكر الأستاذ أحمد السكري فى سياق التهم التي دعت الأستاذ البنا لفصله أنه كان على اتصال ببعض الجهات الأجنبية والمصرية, وإذا عدنا بالحدث من سياق المقالات التي كتبها الأستاذ السكري نجد أن الإنجليز فى بداية الأربعينات, وقت أن كانت ألمانيا مكتسحة الحرب العالمية الثانية , حاول الجنرال كلايتون ومعاونيه أن يحايدوا الإخوان حتى يأمنوا ظهورهم وقت مواجهة الألمان إذا حاولوا دخول مصر, فذكر الأستاذ السكري أن الجنرال كلايتون ومعه المستشرق المستر (هيورث دن) جاءا إلى دار الجمعية القديمة لمقابلة الأستاذ البنا فى 25 أغسطس 1940م, غير أن الأستاذ البنا أحالهم إلىّ بصفتى وكيله , وزارانى أكثر من مرة فى بيتى, وعرضا مبالغ مالية كبيرة لمساعدة الجمعية يوم 14 نوفمبر 1940م فى منزلى ، فرددت عليه : أحب أن تعلما أولا أن هذه الوسيلة لجذب الناس وهي شراؤهم بالمال ورشوتهم هي وسيلة بالية, وأن الذى يمد يده ليأخذ منكم فإنه يمد يده لعدوكم ،كذلك وقد أطلع الأستاذ البنا على كل ذلك كلمة كلمة. وذكر الأستاذ السكري أيضا فى مقال آخر أن الإنجليز أعيتهم الحيل لرشوة الإخوان , وأن الجنرال كلايتون والدكتور هيورث والميجر جودوين وغيرهم من رجال الدعاية والمخابرات, تحدثوا إلى فضيلة الأستاذ البنا, وكم ترددوا على منزل أحمد السكري وكم حاولوا مرات ومرات ومرات أن يمدوا أيديهم بالمال الوفير بعشرات الألوف من الجنيهات, ولا شك أنهم قد دونوا فى تقاريرهم كيف صرفهم الأستاذ البنا عنه صرفا لا رجوع بعده, وكيف ألقى عليهم أحمد السكري يوم17 نوفمبر 1941 فى منزله درسا لن ينسوه أبدا . وكان ذلك دليلا لتفنيد هذه التهمة.

ذكر الأستاذ السكري من ضمن الأسباب هي انقلاب الإمام البنا والإخوان على الوفد بعد خروج الوفد من الحكم ، وطلب مبلغ خمسين ألف جنيه يدفعها الوفد للإخوان ،فإن ذلك يتضارب مع المعلومات التي ذكرها الدكتور إبراهيم حسن في هذا الصدد والتي تفند هذه التهمة, فقد تكونت لجنة اتصال بين الإخوان والوفد وقت أن كان الأستاذ المرشد في رحلة الحج عام 1946م وقد حضر هذه اللجنة من الإخوان الأستاذ أحمد السكري والدكتور إبراهيم حسن وكيلا الجماعة, وكانا يران ضرورة التصاق الدعوة بالوفد في هذه المرحلة, وكان الوفد آنذاك في الحكم ،وكان الوفد يهدف أن تكون حركة الإخوان تابعة له حتى لا تقوم بجانبه هيئة قوية . لكن عندما عاد الأستاذ البنا من رحلة الحج وجد أمامه موضوع لجنة الاتصال,و ما هي إلا وسيلة للوفد للعودة إلى الحكم, وأن الوفد دعا الهيئات المعارضة للاتحاد معه لإسقاط حكومة صدقي فقط دون العمل لمصلحة البلاد فرأى الإمام البنا أن ينأى الإخوان عن ذلك, فانزعج الإخوان المتصلين بالوفد من ذلك, كما أنهم انزعجوا من تقديم إخوة آخرين عليهم. غير أن الأستاذ البنا اجتمع مع الدكتور إبراهيم, ووافقت اللجنة بناء على تجمع هذا القدر من المعارضة فى هذه اللجنة وطالب الدكتور إبراهيم بكتابة اتفاق مع الوفد ويوقعون عليه ويتكون من مادتين .

المادة الأولى: ألا يعود الوفد إلى مفاوضة الإنجليز إلا بعد أن يسلموا بحق مصر في الجلاء عن الوادي كله وبوحدته.

المادة الثانية: أن ينشأ صندوق يسمى صندوق الجهاد يضع فيه الوفد خمسين ألف جنيه أو عشرين ألف على الأقل وتضع كل هيئة من الهيئات التي تقبل الوحدة مبلغا بنسبة ماليتها وليكن أمين الصندوق من الوفد نفسه لأننا سنحتاج المال في المقاومة ضد الاحتلال,ولقد قدم الأستاذ أحمد حسين للجنة اقتراحا بمثل ذلك , كما ذكر الدكتور إبراهيم حسن .

ولقد استطاع سراج الدين من استقطاب أحمد السكري بصفة داخل اللجنة,وحصل منه على تقارير سرية للإخوان, ونشرها في صحف الوفد, فجمع الأستاذ البنا الهيئة التأسيسية , وعرض الأمر عليهم وتبين أن الأستاذ السكري هو المتسبب في ذلك, فطالبته الهيئة بكتابة مقال يكذب ما ورد في الصحف الوفدية, غير أن السكري رفض ذلك, وأخذ في الهجوم على الجماعة من خل الجريدة صوت الأمة فقررت الهيئة التأسيسية في 27 نوفمبر 1947 فصل الأستاذ السكري من الجماعة ، ولقد ذكر الأستاذ السكري أن الأستاذ البنا أغرق الجماعة في الحزبية, وكون اللجنة السياسية وتأرجح بالجماعة بين الأحزاب لكن الناظر في تاريخ الإخوان يجد أن سياسته ثابتة منذ نشأتها, وحدد لها الأستاذ البنا مبادئها وأهدافها , ونأى بها عن الحزبية,واعترض على الأحزاب والحكومات التي تعاملت مع المحتل الإنجليزي,وقد نظر إلى أبعاد الأمر, فكان يتعاون مع كل القوى التي تخدم الحركة الوطنية, وتجارب الاحتلال, ولم يكن الإخوان يوما من الأيام تابعين لقوى بعينها ، بل كانوا يؤيدون الحكومة التي تطالب بخروج المحتل, وكان ممكنا محاربتها إذا هادنت وخضعت للإنجليز . ولقد كان هدف الأستاذ البنا من تكوين الهيئة السياسية ، والتي كانت ضمن أعضائها وهيب دوس ولويس فانوس أن تبحث في الشئون السياسية والاقتصادية والقانونية, وكان ذلك بناء على قرار مكتب الإرشاد الذي قرر تأليف لجنة استشارية بحتة من الشخصيات التي تتوفر فيها الكفاءة والخبرة والسمعة الطيبة ، وقد حضر اجتماعات هذه اللجنة الدكتور إبراهيم حسن . ولم يكن اتصال الأستاذ البنا بالأحزاب إلا لتوحيد الأهداف حول المطالبة بخروج المحتل.

ولقد علقت جريدة أخبار اليوم على ذلك فقالت: وأخيرا رأى حزب الوفد أن خير طريق لتحطيم الإخوان هو تمزيقهم من الداخل, وتولى السكرتير العام هذه المهمة فنجح فيها نجاحا كبيرا فقد استطاع بفضل اتصاله بالأستاذ أحمد السكري وكيل الجمعية أن يحدث انقساما فى الإخوان, وحصل السكرتير العام على تقارير سرية للإخوان نشرها في صحف الوفد.

أثر هذه الفتنة على الدعوة

يعتبر هذا الانشقاق من أكبر الانشقاقات التي حدثت في الجماعة لكن الله يهدى من يشاء ويضل من يشاء فبعد فصل هؤلاء الإخوة, استغل خصوم الإخوان ماحدث من فصل السكريورفاقه، للنيل من الإخوان وإشاعة الفرقة بين صفوفهم ،ونشرت جريدة (صوت الأمة)الوفدية استقالات وهمية من الإخوان وأنهم يؤيدون الأستاذ أحمد السكري حتى كذبها الإخوان الذين نشرت أسماؤهم.

واتجه السكريورفاقه إلى جريدة (صوت الأمة) التي فتحت لهم ذراعيها ليكيلوا للدعوة ومرشدها التهم والافتراءات, ومحاولة لتمزيق الصف الداخلي, فكتب الأستاذ السكري عددا كبير من المقالات بعنوان"كيف انزلق الشيخ البنا بدعوة الإخوان" في محاولة لتشويه صورته وزعزعت الثقة فيه, غير أنها سرعان ما تخلى الوفد عن السكري, وانشغل الإخوان والشعب فى قضية فلسطين وحربها مع اليهود عام 1948, فأصبح الأستاذ أحمد السكري في طي النسيان.

ولم يقف الإمام البنا مكتوف اليدين حول تجاوزات صحف الوفد فأرسل رسالة وعيد لمصطفى باشا النحاس يحذره مما تقوله صحف الوفد حول التشهير والهجوم على الإخوان المسلمين, وأن عناصر من الشيوعيين قد سيطروا على مجريات الأمور داخل الوفد وأنهم يريدون إحداث فرقة بين الوفد والإخوان, وأنهم متغلغلون فى صحيفة (صوت الأمة) و(الطليعة الوفدية) و(الحوادث )ويجب على رفعته التصدي لهذه العناصر التي لا يكون ولاؤها إلا لروسيا .

وقد تنبه النحاس باشا لذلك حتى أن السكريقدم عريضة له يتهم فيها المرشد العام للإخوان بأنه استولى لحسابه على مبلغ يزيد عن ثلاثة آلاف جنيه من الأموال التي يجمعها الإخوان باسم الدفاع عن فلسطين، فأشار عليه النحاس بعدم إثارة هذه المسألة رغبة في الأخذ بسياسة مهادنة الإخوان .

ولم ينس الإمام البنا فضل الصحبة والعشرة الطويلة مع الأستاذ أحمد السكري فأرسل رسالة للإخوان عبر جريدة الإخوان اليومية يوصيهم فيها بعدم التعرض لشخص الأستاذ أحمد السكري أو النيل منه والقضاء على كل إشاعة . وذكر الأستاذ محمود رخا من أن الأخ عبدالجواد بركات من إخوان دمنهور وكان يعمل ميكانيكي, وكان الأستاذ السكري قد ذهب إليه لإصلاح سيارته ومعه أحد أصحابه ووقفا الاثنين يتجاذبان أطراف الحديث وتفوها بكلام لا يليق في حق الأستاذ البنا وسمعهما الأخ عبد الجواد وبعد الانتهاء من تصليح السيارة رفض الأخ عبد الجواد أخذ قيمة التصليح قائلا: " لقد أوصانا الإمام البنا بك خيرا, وقال لا تنسوا جهاد الرجل معنا عشرين عاما" فذهل الأستاذ السكريوغادر المكان .

وتلخيصا مما سبق حول الأسباب نرى أن الإخوان انقسموا فريقين: أحدهما ضد الوفد ويرأسه الأستاذ البنا، والآخر مع الوفد ويرأسه الأستاذ السكري, غير أن إقالة الوزارة الوفدية في أكتوبر 1944م كانت ضربة قاصمة وحّدت الهدف بين الوفد والإخوان , فعملا على مهاجمة المفاوضات بين صدقي والإنجليز، لأن الوفد لم يكن مشتركا فيها, وهاجمها الإخوان لأنهم ضد المفاوضات إطلاقا, وتكونت لجنة الاتصال, لكن بعد رجوع الأستاذ البنا من رحلة الحج ورأى ما يحدث من الوفديين وهدفهم من الهجوم على الحكومات القائمة, كما رأى ما يفعله الوفديين في الإخوان في كل مكان, مما اضطر الأستاذ البنا للوقوف على الحياد في علاقته مع الحكومة ويعمل بما يتفق مع منهج الجماعة ، فكان ذلك دافعا للصحف الوفد في مهاجمة الأستاذ البنا والإخوان, ودافعا لإحداث هذه الفتنة مع النفر الذين كانوا يريدون الاندماج مع الوفد والسير في ركابه .

وبعد أن خرج الأستاذ أحمد السكري من الجماعة كون جمعية أطلق عليها جمعية الإخوان المجاهدون الأحرار، واتخذ لها مقرا في ميدان الخديوي إسماعيل . غير أن الجمعية لم تدم كثيرا, فانضم السكريلجماعة مصر الفتاة بعد أن يئس من تأييد الوفد المصري له تأييدا إيجابيا, وقد قدمه الأستاذ أحمد حسين رئيس الحزب إلى أعضاء الحزب على أن يكون وكيلا له, فعمل السكريعلى توتر العلاقة بين الإخوان المسلمين ومصر الفتاة .

وظل هجوم الصحف الوفدية على الإخوان حتى اندلعت حرب فلسطين فى 15 مايو 1948 وكانت تنشر استقالات كثير من الشعب والتي بها إخوان هذه الشعب فى الصحف ،غير أن هذه الأسماء وهمية وليست موجودة في هذه الشعب كما حدث مع سكرتير شعبة كفر الدوار الأستاذ على الكومى, والتي ذكرت صوت الأمة أن الأستاذ محمد عبدالقادر سكرتير شعبة كفر الدوار بعث باستقالته, فكتب الأستاذ الكومي تكذيب ذلك وأن الاسم وهمي .

وظل الأستاذ السكري يهاجم الإخوان ومرشدهم عبر صوت الأمة, حتى في أحلك الظروف وأثناء وجود الإخوان فى حرب فلسطين هاجمهم وسخر منهم وأنهم لا يقدرون على محاربة اليهود .

غير أن هذه النبرة بدأت تخف خاصة بعد تخلى الوفد عن أحمد السكري, وانشغل الإخوان بالحرب وانشغل المجتمع بظروف وطبيعة حرب فلسطين, وتوارى السكري خلف الستار فلم يكن له أي دور يذكر بعد ذلك حتى توفى في 27 مارس 1991م.


الخلاصة

عاش البنا والسكري فى بداية حياتهما تجمع بينهما عاطفة الأخوة حتى إن أشد ما يشق على أحدهم أن يبتعد عن الآخر ،وعندما أسس البنا الجماعة سنة 1928م فى تصنيف:إخوان الإسماعيلية كون الجماعة شعبة فى المحمودية وكان رئيسا لها. أصبح السكري وكيلا للإخوان وترك له البنا الأمور الإدارية ليتفرغ هو لشئون الدعوة ، وقد تعرض للاعتقال مع البنا سنة 1941م ،غير أن الصفات الشخصية ممثلة فى حب الظهور والزعامة وإيثار المصلحة الشخصية على الدعوة ،إضافة إلى تمرده على المرشد...وغير ذلك .مما دفع الإخوان لاتخاذ موقف منه ،فاجتمعت الهيئة التأسسية للإخوان فى 27/11/1947م وقررت بالإجماع فصل أحمد السكري من الجماعة واعتباره ناكثا للبيعة. وقد دفع ذلك السكري إلى الهجوم على الجماعة ومرشدها على صفحات جريدة ( صوت الأمة ) الوفدية ، وقد رد البنا على ما أورد السكري من أكاذيب ثم طويت صفحة أحمد السكري من الإخوان ولم يعلم عنه شئيا حتى توفى رحمه الله سنة 1991م.(25)

المراجع

(1)حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية , دار التوزيع والنشر الإسلامية،ص20ومابعدها.

(2)السابق ص50- 52.

(3)جمعة أمين عبد العزيز : أوراق من تاريخ الإخوان ص151ـ141.

(4)جمعة أمين عبد العزيز : المرجع السابق, ص250.

(5)ميتشيل: ترجمة عبدالسلام رضوان, ط1، مكتبة مدبولى, ،1977 ص116.

(6)حسن البنا : مذكرات الدعوة والداعية, ص272ـ271.

(7)محمود عبد الحليم : الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ، دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع, 1999م ، ج1,ص375.

(8)مجلة النذير العدد سنة(2) 25 شعبان 1358هـ الموافق 10 أكتوبر 1939م ،ص10

(9)ميتشيل: الإخوان المسلمون ، ص177:116

(10)أستاذ الأدب فى كلية دار العلوم ، جامعة القاهرة ،ناقد وباحث فى الأدب الأندلسى ومترجم ومحقق ،ولد فى قنا بصعيد مصر سنة1924م التقى بالإمام البنا فى قنا وهو فى بداية الشباب، وشهد تنقلاته وسمع عن قرب أحاديثه مع الناس وتعرف على بعض قيادات الجماعة الذين نزلوا قنا،حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الأدب سنة 1992م ،وله العديد من الدراسات الأدبية.

(11)جمعة أمين : قالوا عن الإمام البنا،دار التوزيع والنشر الإسلامية1424ه/2003م، ص361 ـ362.

(12)الإخوان المسلمين الإسبوعية العدد 141 سنةالخامسة، 8 ربيع الثانى 1366هـ, 1 مارس 1947 ص5.

(13)الكتلة 6/3/1947 ص4.

(14)للمزيد ر اجع أوراق من تاريخ الإخوان ج2 ص392

(15)للمزيد راجع جمعة أمين عبد العزيز المرجع السابق ج2 ص68، وكذلك ج4 ، ط1, ص203 .

(16)جريدة الإخوان المسلمين اليومية العدد 442 .

(17)راجع أوراق فى تاريخ الإخوان ،الكتاب الثامن.

(18)الإخوان المسلمون اليومية العدد 484 ، السنة الثانية، 17 محرم 1367هـ / 30 نوفمبر 1947– ص2 ص 14.

(19)صوت الأمة 16/11/1947ص1.

(20)المصدر السابق 12/11/1947ص3.

(21) المصدر السابق24/11/1947ص3.

(22)عباس السيسي : مواقف في الدعوة والتربية, الطبعة الأولى, دار التوزيع والنشر الإسلامية 2001م ،ص165ـ164.


موضوعات ذات صلة