فاطمة بنت الخطاب.. الداعية بصدقها إلى الإسلام!!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فاطمة بنت الخطاب.. الداعية بصدقها إلى الإسلام!!

مقدمة

تولت إقناع عمر بالإسلام واستعانت بعلمها بالفقه لكي يقرأ القرآن.. فتحت بيتها لاستقبال مجالس الدعوة والقرآن برغم تعرضها للأذى.. وأثبتت قدرة المرأة على الدعوة إلى الله وتلقي العلم والفقه مع الرجال.

صحابية جليلة، كانت شديدة الإيمان بالله تعالى، وشديدة الاعتزاز بالإسلام، طاهرة القلب، راجحة العقل، نقية الفطرة، من السابقات إلى الإسلام، أسلمت قديمًا مع زوجها قبل إسلام أخيها عمر رضي الله عنه، بل كانت سببًا في إسلامه، وبايعت الرسول- صلى الله عليه وسلم- فكانت من أوائل المبايِعات.. إنها فاطمة بنت الخطاب رضي الله تعالى عنها.


اسمها ونسبها

هي فاطمة بنت الخطاب بن نفيل بن عبد العزَّى القرشية العدوية، ولقبها أميمة، وكنيتها أم جميل، وأمها حنتمة بنت هاشم بن المغيرة القرشية المخزومية، وهي أخت أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- وزوجة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وقيل إنها ولدت له ابنه عبد الرحمن.


صبر يزلزل الكفر

عُرِف عمر بن الخطاب بعداوته تجاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل إسلامه، فقد خرج في يومٍ من الأيام قبل إسلامه متوشِّحًا سيفه، عازمًا على قتل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلقيه نعيم بن عبد الله، ورأى ما عليه من حال، فقال: أين تعمد يا عمر؟! قال: أريد أن أقتل محمدًا، قال: كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلَتْ محمدًا؟ فقال عمر: ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي كنت عليه!! قال: أفلا أدلُّك على العجب يا عمر!! إن أختك وختنك قد أسلما وتركا دينك الذي أنْت عليه.

فلما سمع عمر ذلك غضب أشدَّ الغضب، واتجه مسرعًا إلى بيت أخته فاطمة- رضي الله عنها- فعندما دنا من بيتها سمع همهمةً، فقد كان خباب يقرأ على فاطمة وزوجها سعيد- رضي الله عنهما- سورة "طه"، فلما سمعوا صوت عمر خفت فاطمة- رضي الله عنها- الصحيفة، وتوارى خبَّاب في البيت، فدخل وسألها عن تلك الهمهمة، فأخبرَته أنه حديث دار بينهم.

فقال عمر: فلعلكما قد صبوتما، وتابعتما محمدًا على دينه!! فقال له صهره سعيد: يا عمر، أرأيت إن كان الحق في غير دينك!! عندها لم يتمالك عمر نفسه فوثب على سعيد فوطئه، ثم أتت فاطمةُ مسرعةً، محاوِلةً الذَّود عن زوجها، ولكن عمر ضربها بيده ضربةً أسالت الدم من وجهها، بعدها قالت فاطمة- رضي الله عنها- يا عمر، إن الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، فعندما رأى عمر ما قد فعله بأخته ندم وأسف على ذلك، وطلب منها أن تعطيه تلك الصحيفة، فقالت له فاطمة- رضي الله عنها- وقد طمعت في أن يسلم: "إنك رجل نجس، ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل"، فقام ففعل ثم أخذ الكتاب فقرأ فيه: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿طَهَ* مَا أَنْزلْنَا علَيْكَ القُرْآنَ لِتشْقَى* إلاَّ تَذكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى* تَنَْزِيلاً مِمَّنْ خلَقَ الأَرْضَ وَالسَّموَاتِ العُلَى* الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى..﴾ (طه:1-5)، فقال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه!! دلوني على محمد"، فلما سمعه خباب خرج من مخبئه مسرعًا إلى عمر وبشَّره وتمنى أن تكون فيه دعوة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذ قال: "اللهم أعزَّ الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام".. وذهب عمر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأسلم.

كان ذلك الموقف أحد أروع المواقف الإسلامية في تاريخ الحياة الإسلامية، وفيه يعود الفضل لفاطمة بنت الخطاب- رضي الله عنها- وثباتها على دينها، ودعوتها الصادقة لأخيها، الذي كانت البلاد بأجمعها تخاف من بطشه في جاهليته، لكنها لم تخشَه قط، بل أصرت على موقفها، وكانت سببًا في إسلامه- رضي الله عنه- وبذلك تحققت فيه دعوة رسول الله- صلى الله عليه وسلم.


بيوت الدعاة

هكذا كان يلتقي المسلمون وقت التخفِّي والخوف من بطش قريش، فقد اتخذوا بيوتهم قبلةً، والأسرة من الزوج والزوجة وأخ لهما في الله يجتمعون ويقرأون، ويعلِّم بعضهم بعضًا، ويعبدون ربهم، وبرغم هذا، ولحكمةٍ يعلمها الله، يتوصل إليهم أهل البطش، ويقتحمون عليهم بيوتهم، ويوقِعون بهم، وفي هذه القصة ظهر لنا من لطف الله الخفيِّ أن ما وقع لهم من الترويع والتعذيب كانت ثمرته إسلام عمر- رضي الله عنه.

وهذه القصة تثبت لنا مشاركة المرأة في الدعوة إلى الله، برغم تعرضها للأذى، وأنها كانت تتعلم العلم والفقه مع الرجال، بل إن فاطمة بنت الخطاب- رضي الله عنها- هي التي تولت إقناع عمر بالإسلام، وإنها على علم بالفقه، حيث تعلم نجاسة الكفار، فلم تقبل أن يمس عمر القرآن قبل أن يغتسل.

كما تعطينا هذه القصة أثرُ وقع الظلم على القلة المستضعفة، حتى إنهم لا يجدون ملجأً إلا إلى الله، فهذا قدوة الدعاة إلى الله محمد- صلى الله عليه وسلم- يدعو الله أن يعزَّ الإسلام بأحد رجلين من الأقوياء، برغم ما كان يقع منهما من عداوة للمسلمين، يدعو الله لهما بالهداية، ولم يدْعُ عليهما بالهلاك، فاستجاب الله تعالى دعاء رسوله- صلى الله عليه وسلم.


الحرص والحذر

رُوِي عن عائشة- رضي الله عنها- أن أبا بكر- رضي الله عنه- ألحَّ على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الظهور أمام المشركين، حتى ظهر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتفرق المسلمون في نواحي المسجد، كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيبًا، فكان أول خطيب دعا إلى الله ورسوله، فثار المشركون على أبي بكر، وضربوه ضربًا شديدًا حتى ما يُعرَف وجهُه من أنفه، وجاءت بنو تيم (أهل وعشيرة أبي بكر) فأجْلَت المشركين عن أبي بكر، وحَمَلت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله وهم لا يَشُكُّون في موته، وقالوا لأمه: انظري أن تطعميه شيئًا أو تسقيه إياه، فلما خَلَت به وسألته عن حاله، جعل يقول: ما فعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم؟! فقالت: والله ما لي علم بصاحبك، فقال: اذهبي إلى فاطمة بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت فاطمة فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله، فقالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أذهب معك إلى ابنك، قالت: نعم، فمضَت معها حتى وجدت أبا بكر صريعًا دنفًا (أي أشرف على الموت)، فدنت فاطمة منه وأعلنت بالصياح، قائلةً: والله إن قومًا نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله منهم، قال: فما فعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم؟! قالت: هذه أمُّك تسمع، قال: لا شيءَ عليكَ منها، قالت: سالِمٌ صالحٌ.


استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان

هذه فاطمة بنت الخطاب- رضي الله عنها- تذهب إليها أمُّ أبي بكر لتسألَها بأمر أبي بكر عن رسول الله، فتَردُّ عليها بحرص وحذر: ما أعرف أبا بكر ولا محمدَ بن عبد الله، وفي الوقت نفسه تحتال لتُخبِر بنفسها أبَا بكر من جهة، ولتطمئن عليه من جهة أخرى، فتقول لأمه: "وإن كنت تحبين أذهب معك إلى ابنك"، فلما رأت أبا بكر أعلنت بالصياح كأنها لم تكن تعرف ما حلَّ به؛ إمعانًا منها في التغطية على أمرهما.


إحدى الرَّائدات

إن هذه الفترة من تاريخ الدعوة التي يطلق عليها أهل السيرة "سِرِِّية الدعوة" كان المسلمون فيها يستخفون بدينهم، ويُعَذَّبون ويُضطَّهَدون، وكانوا يتخذون من دار الأرقم مأوًى يلتقون فيه بالنبي- صلى الله عليه وسلم- كما كانوا يتعبَّدون فيه أو في شعاب مكة، بعيدًا عن أنظار المشركين في مجموعات أو فُرادى.

وكان قد أسلم من النساء في تلك الفترة ثلاث عشرة امرأة، هن: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت الخطاب، وأم أيمن بركة، وسمية أم عمار بن ياسر، وأسماء بنت أبي بكر، وأم الفضل بنت الحارث امرأة العباس، وأسماء بنت عميس، وأسماء بنت سلامة، وفاطمة بنت المجلَّل، وفكيهة بنت يسار، ورملة بنت عوف، وأميمة بنت خلف، وبجلة بنت هناءة، رضي الله عنهن جميعًا.

لقد احتاجت تلك الفترة إلى الحذَر الشديد، كما شاركت النساء مع الرجال في تحمل أعباء هذه المرحلة، فكُنَّ أهلاً للقيام بالأعباء، وتحمُّل المسئوليات العظيمة، والتضحيات الجسيمة، مثلهن مثل الرجال، سواءً بسواءٍ.

مما قيل فيها من الشعر

الحمد لله ذي المن الذي وجبت

له علينا أياد ما لها غير

وقد بدأنا فكذبنا فقال لنا

صدق الحديث نبي عنده الخبر

وقد ظلمت ابنة الخطاب ثم هدى

ربي عشية قالوا: قد صبا عمر

وقد ندمت على ما كان من زلل

بظلمها حين تتلى عندها السور

لما دعت ربها ذا العرش جاهدة

والدمع من عينها عجلان يبتدر

أيقنت أن الذي تدعوه خالقها

فكاد تسبقني من عبرة درر

فقلت: أشهد أن الله خالقنا

وأن أحمد فينا اليوم مشتهر

نبي صدق أتى بالحق من ثقة

وفيُّ الأمانة ما في عوده خور

المصادر والمراجع

• دور المرأة في حمل الدعوة- محمد حسين عيسى.

• موسوعة الحديث الشريف CD، شركة حرف.