الفرق بين المراجعتين لصفحة: «عندما يحكم الطغاة»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
 
سطر ٢٬٧٤٢: سطر ٢٬٧٤٢:
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]
[[تصنيف:1/10/2011]]

المراجعة الحالية بتاريخ ٢١:٤٧، ٣٠ سبتمبر ٢٠١١

عندما يحكم الطغاة

بقلم: علي جريشة

هذا الكتاب ..

قسمه الأول : رسائل .. اخترقت حديده الظالمين .

وقسمه الثانى : رسائل .. حققت فيها بعض جرائم الحاكمين .

وقسمه الثالث : وثائق .. قدمتها للقضاء ومن بعده للتاريخ .

  • وهو محاولة نضعها أولا أمام الراشدين .. علهم يؤمنون إن القصاص حق للفرد واجب على الدولة .. بغيره لا تنتظم الحياة " ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب "
  • ونضعها ثانيا أمام المسئولين .. لنحملهم أمام الله , والتاريخ بقاء المجرمين .. بغير عقاب .
  • ونضعها أخيرا أمام الأمة .. لتعلم .. أنها تخسر كل شيء .. عندما تترك الأمانة للخائنين ..

( عندما يحكم المجرمون .. )

المؤلف يوليو 1975

القسم الأول : رسائل اخترقت حديد الظالمين

شربة الماء

عذابى ليس قاصرا على الضرب بالسياط .

ولا قاصرا على تلك الجروح تنزف من جسمي .

ولا قاصرا على تلك الوحدة القاسية أعيشها بين جدران مظلمة .

إن هنالك لونا من العذاب قاسيا شديدا .

هو العطش الشديد .. الذى أعانيه ..

نحن فى أغسطس ...

الحر شديد ...

والزنزانة مغلقة تزيد الحر قسوة .

والجراح تنزف .. تزيد قسوة العطش .

والماء .. لا نكاد نراه ..

اشتد بى العطش حتى أحسست أنى اقترب من الموت عطشا والدماء تنزف منى ...

سمعت أصوات رش ماء فى السجن ...

طرقت الباب بشدة .. اطلب الماء ...

رد على السجان بسباب مقذع ...

قلت له أنا أولى بالماء من الأرض يا كلاب .

دعوت الله ...

واستجاب لى الدعاء ... سمعت صوتا خافتا من أسفل الباب .

قال لفى سأحضر لك ماء ...

إنه سجين من العساكر الذين يرتكبون مخالفات داخل الجيش , فيحبسون فى السجن الحربى , لكنهم أكثر منا حرية .. إذ يؤذن لهم فى التنقل بين السجن للنظافة ... لكنهم خائفون جدا .. يبدو أن الأوامر عليهم شديدة ألا يقتربوا منا

فتح الباب ...

ومعه كوز من الماء ...

يداى لا أستطيع رفعهما إلى فمى من شدة التعذيب .

سقانى بيده الماء ...

لن أنسى له هذا الجميل ..

أغسطس سنة 1965

لماذا ... من روسيا ... ؟

علمنا أن الزعيم أعلن عن القبض على الإخوان المسلمين .. فى موسكو ..

وأنه أعلن فى الوقت نفسه أنه فى هذه المرة لن يعفوا ولن يرحم ..

وماذا يملك المذكور .. من رحمة الله ... ؟

أولا يعلم أن "مايفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها " ... ؟

ثم لماذا من روسيا ... ؟

لماذا كان الإعلان من روسيا .. والقبض كان من قبلها بأيام طويلة ...

أهو خطب لود الكفر والكافرين ؟

أهو إثبات لعدائه للإسلام والمسلمين ؟

لماذا من روسيا ؟

وهو يعلم أنها الدولة الثانية التى اعترفت بإسرائيل .

وهو يعلم أنها حتى اليوم تمد إسرائيل بأخطر من السلاح .. تمدها بالرجال والعلماء ... تمدها بالنبض والحياة .. وما يفعل السلاح بغير رجال , وما يفعل الحديد بغير عقول ؟

لماذا من روسيا ... ؟

وهو يعلم أن زعيمهم كارل ماركس كان يهوديا ... ؟

لماذا من روسيا .. ؟

وهو يعلم ماذا فعلت روسيا بالإسلام والمسلمين ...

كيف تناقض عندها عدد المسلمين وهم في كل بلد يزيدون ...

كيف حوربوا .. وكيف أبيدوا ... من الأقاليم التي اغتصبتها روسيا من الإسلام والمسلمين .. فيما وراء البحر الأسود ؟

وكيف امتلأت بهم سهول سيبريا وثلوجها ليموتوا تحت وطأة النفي والجوع والجليد ... ؟

لماذا من روسيا ... ؟

أهو خطب لود الكفر والكافرين .

أم إثبات لعدائه للإسلام والمسلمين .. ؟

15 سبتمبر 1965

محيي العشماوي ..

عرفته مذ كنت وكيلا للنيابة بالسويس ..

كان ضابا بالقوات المسلحة برتبة ملازم أول ...

لكن شخصيته قوية .. وفيه طموح .. أحسه شديدا فى بعض الأحيان ...

وهو متدين ...

وإن كان يخلط عملا صالحا وآخر سيئا ... عسى الله أن يتوب عليه ...

انتقلت وكيلا للنيابة بالقاهرة .

وانتقل هو إلى البوليس الحربى واستطاع بشخصيته وطموحه أن يكون أركان حرب البوليس الحربى .

ثم استطاع أن ينتقل بعد ذلك إلى المباحث العسكرية .

اقترحت عليه دراسة الحقوق واستجاب طموحه للاقتراح وتنقل بين سنواتها حتى حصل على الليسانس ..

ذهبت إليه فى الإسماعيلية قبيل اعتقالي لما علمت بالقبض على أحد أصدقائي بمعرفة المباحث العسكرية .. لكنى لم أجده هناك .. ولم أكن أتصور .. أنه هنا ...

هنا فى السجن الحربى ...

كان اكتشاف وجوده فى السجن الحربى صدمة لى ..

واقترن لقاؤه بى ... بلقطة غريبة ..

كان الجلاد حسن كفافي قد نزع عنى ملابسى فيما عدا السروال وكان ذلك فى حضور رئيسه العميد سعد عبد الكريم زغلول .

دخل الرائد محيي العشماوي ووجدنى واقفا عاريا .. وبيد حسن كفافي سوط , وبجواره العميد سعد زغلول .

فقال فى صوت عال :

على .

قلت : نعم .

فأمسك بجلبابى الأبيض الملطخ بالدماء فى عصبية وقال لقائده العميد فى صوت مرتفع .

عن إذنك يا أفندم وأعطاني الجلباب لألبسه .

انسحب حسن كفافي .. وأغلب الظن أنه ذهب إلى حجرة شمس بدران ثم استدعى محيي العشماوي .. وانسحب العميد سعد زغلول .

ثم حضر محيي العشماوي ليقول لى :

أنا الذى سأحقق معك , ومعى كارت بلانش لتعود إلى منزلك الليلة .

ولكن بشرط :

أن تقول لنا شيئا عن :

كمال الغر – مدير الرقابة الإدارية .

وفؤاد علام – ضابط المباحث العامة .

قلت له :

أنا يا محيى تطلب منى ذلك ..

لا ... لن يكون ...

وانتقلت سريعا لأعاتبه فى مرارة :

كيف قبلت أت تكون فى هذا المكان ؟ .. كيف قبلت أن تشارك فى هذه الآثام ؟

قال : المهم تطل أنت بس قول لنا كلمتين ...

قلت له ... لا يا محيى ... مش ممكن.

ودخل حسن كفافي وأنا أقول له .. لا يا محيى .

وكان بين محيى وحسن كفافي شىء من عدم التفاهم فقال حسن كفافي :

محيى .. حاف كده .

وكان نداء الضابط باسمه بغير ألقاب جريمة .

وانسحب حسن كفافي .. وأغلب الظن أنه راح ينقل ذلك إلى شمس بدران ...

واستدعى محيي العشماوي .

وانتهى دوره فى التحقيق معى ...

وبعد فترة قصيرة لم أره فى السجن الحربى ...

الحمد لله .. ربما كان اكتشاف معرفتى به إنقاذا له من الإستمرار فى المشاركة فى هذه الآثام .

لكنى سمعت بعد ذلك من أخى الضابط سيد أحمد أنه هو الذى ذهب للقبض عليه فى 2 سبتمبر .

وأنه وهو داخل إلى السجن الحربى لمزنى ... وقال لسيد أحمد – ستعرف عدوك من حبيبك .

قولوا لمحيي العشماوي .

أخوف ما أخافه عليه نفسه ..

طموحه ...

29 سبتمبر سنة 1965

أضل من الأنعام ...

ما يحدث هنا .. أعجز عن وصفه ..

لأنه أغرب من الخيال ..

كان القدماء من الطغاة ينكلون بخصومهم .. لكنى لم أسمع أنه كان يؤتى بزوجة الخصم وأطفاله .. ليعذبوا أمامه ..

هذا ... حدث ...

شوهدت السيدة زينب الغزالى معلقة من رجليها , وتهوى عليها سياط الرجال .

شوهد ابن صغير لأحد الإخوان يعذب ليعترف أبوه .

شوهدت بنات أحد الإخوان وزوجته .. يهددن فى أعراضهن حتى يعترف الأب .

وحدث ذلك التهديد لى لكن لا أدرى لم لم يحضروا زوجتى بعد أن أخذوا اسمها وعنوانها .

شوهد الطاغوت ونائبه يشهدان من داخل غرفة حمزة البسيونى تعذيب المعذبين .

سبحانك ربى ..

نحن المعذبين لا نحتمل رؤية صور الآخرين يعذبون .

بعض المعذبين لم يحتمل ما يراه حوله وأصيب بالصرع .

لكن الطاغوت يجد سعادة فى عذاب المعذبين ..

إنه إنسان غريب ...

بل لا يصح أن نقول عنه إنه إنسان ...

إن بعض الحيوانات تترفع عن تعذيب فريستها , صدقت يا رب " أولئك كالأنعام بل هم أضل " ...

أكتوبر سنة 1965

رؤيا ... ونكتة .

الزبانية يصرون أن أعترف

وبرغم العذاب .. لا أعترف

كثرت جراحى .. وزاد نزيفها .

ويصر المجرمون على ضربى فوق الجراح ...

السوط فى حد ذاته أليم .. وهو فوق الجرح أليم .. أليم .. أليم ...

عدت لزنزانتى ...

جراحى .. تنزف دما غزيرا ..

قلبى ينزف ألما وحسرة ..

هل أستجيب لما يطلبون ؟

أن أذكر لهم أسماء التنظيم ...

داخل الجيش ...

وداخل البوليس ...

وداخل المباحث ...

وأعترف أنى المسئول عن هؤلاء جميعا ...

أأدخل الأبرياء إلى هذا الجحيم ؟

سبحانك يا ربى ...

طاقتى تكاد تنتهى .

لم أعد أحتمل العذاب بعد هذا الوقت الطويل ...

سبحانك يا ربى ... هل أستجيب للمجرمين .

هل اصدق ما قاله محيى عشماوي لى ...

إذا اعترفت على فلان وفلان .. فستخرج الليلة ...

وارتسمت أمام ناظري آية كريمة ." يعدهم ويمنيهم .. وما يعدهم الشيطان إلا غرورا "

وزاد آلام نفسى .

وكرهت لنفسى .. أن أنقذها على أنقاض الآخرين .

وانفجرت فى البكاء وأنا أدعو ... ربى .

وأخذتنى سنة من النوم وأنا جالس اسند رأسي إلى حائط الزنزانة الخشن ..

ورأيت والدى ... صورته من خلفى يميل على فى حنان ويقول " أطمئن يا على .. ربنا حينجيك من تهمة الأجهزة " ...

واستيقظت فرحا .

وطلبونى فى المكاتب ,, وتوقعت التعذيب .

وسألنى حسن كفافي فى حضور قائده سعد زغلول عبد الكريم :

كنت حتضم مين للتنظيم غير محيي العشماوي (زميلهم ) .

قلت له :

سيادتك وعاصم العتر .

قلتها على سبيل النكتة .. وفهمها سعد زغلول فضحك كثيرا واشتد غيظ حسن كفافي وقال مدافعا عن نفسه :

أنت تعرفنى ؟

قلت له نعم .

قال شفتنى قبل كده ؟

قلت له نعم .

قال أين ؟

قلت فى عابدين .. في مكتبك .. وجلست معك .

وكانت هذه كافية للقبض عليه لولا أنه هو الخصم وهو الحكم .

وصدقنى الله الرؤيا .. وامتنع كفافى بعد ذلك عن سؤالي عن الأجهزة التابعة لى فى الجيش والبوليس والمباحث .

نوفمبر سنة 1965 .

وا أسفاه على نيابة أمن الدولة :

كيف قبلوا على أنفسهم هذه المهانة .. ؟

كيف قبلوا أن يجروا تحقيقاتهم داخل السجن الحربى ؟

وداخل خيام من التى يسكنها العساكر .. بينما ضباط المباحث العسكرية يجلسون داخل حجرات مكيفة الهواء ؟

وأخيرا على مقربة من ساحة التعذيب .. حيث تتصاعد الآهات والأنات والبكاء والعويل , وفحيح الأفاعي ونياح الكلاب ؟

كيف قبلوا ذلك ... على أنفسهم وعلى كرامتهم ... ؟

ثم كيف قبلوا ذلك المنهج من التحقيق الخالي من كل عدالة ... ؟

كيف قبلوا أن يهدروا إثبات إصابات المتهمين ... التي تشهد على أن اعترافاتهم تمت تحت الإكراه البدني الشديد ؟

لم أكن أنتظر مجاملة من أعضاء النيابة , لكنى انتظرت فقط الحيدة التي يتطلبها القانون وتتطلبها تقاليد القضاء العريقة ...

وقلت هذا أقل وفاء لمتهم ... من أعضاء النيابة ومن سلك القضاء .

لكن ما وجدته كان عجبا ...

حسن جمعه – رئيس النيابة .. فزع حين أنكرت النيابة , وتضايق حين قلت إن التقرير المكتوب بخطى فقط مشيرا بذلك إلى إنكاري ما جاء به من وقائع وأخيرا سبني حين أنكرت صلتي بالتنظيم أو معرفتي به وحين حاولت تبرير سبب الإدعاء بذلك .. سبني ... وقال لى أنت كذاب .. سب زميله وهو جريح .. بل مثخن بالجراح .

ورفض أن يثبت ما سبى من جراح وهى كثيرة و وكثيرة .

وهذه هى الرجولة وهذه هى الأمانة .. وتلك .

هى التقاليد العريقة التي توارثناها .

وتساقطت الدموع منى .. ساخنة ولو استطعت أن أبكى بدل الدموع دما .. لبكيت ...

أسفا على مصر ...

ورجالات مصر ...

أسفا على القضاء .. أسفا على النيابة ..

ديسمبر سنة 1965

وا حسرتاه .. على نيابة أمن الدولة :

كتبت إليكم مهزلة النيابة ..

حين قبلت على نفسها أن تجرى التحقيق داخل السجن الحربى قريبا من ساحة التعذيب ...

حيث تصم سمعها وتعمى بصرها عن جرائم هى أشد مما تحقق فيه .

واليوم عرفت عجبا .. اشد ... وأنكي .

النيابة شريكة فى هذه الجرائم ... شريكة بالتحريض .. وبالاتفاق ...

لست بحاجة إلى القول بأنها شريكة بالسكوت .. فيما تعارف عليه الفقه والقضاء بالجريمة السلبية أو الجريمة بالترك .

إنها انتقلت من مرحلة السكوت والسلبية على هذه الجرائم ... إلى مرحلة الإشتراك والايجابية فى هذه الجرائم ...

حسين لبيب وكيل النيابة ... استدعى الصاغ رياض أحد زبانية التعذيب ... ليقول له إن هذا المتهم أنكر اعترافه المكتوب أمام المباحث ..

وليطلب إليه التصرف .

ويستدعى كل المقبوض عليهم من محافظة المتهم ممن يسمونهم بتنظيم الشرقية ويزحفون على بطونهم على الأرض والسياط تلهب ظهورهم ...

ويعودون بعد ذلك إلى الإعتراف أمام السيد وكيل النيابة المحترم الذى أقسم أن يؤدى أعمال وظيفته بالذمة والصدق .

واحسرتها على النيابة .

صار منها .. جلادون .

وعندما يحكم المجرمون .. فلا عجب أن تكون نيابتهم من الجلادين .

يناير سنة 1966 .

رسالة ...

جلاله الملك فيصل ...

لئن كان ولاؤه للكفر والكافرين .. فلا تحزن أن كان ولاؤك للاسلام والمسلمين ...

لئن رمالك بفحش القول وبذىء الحديث .. فاصدع لأمر ربك " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ... "

لئن كان يستظل بجيشه وسلطانه .. فاسمع لوعد الله " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون "

جلالة الملك فيصل...

وأنت تعلم رسالة الحاكم المسلم فى بلد مسلم ...

إنه يقيم أمة مسلمة ... ويقيم عليها دولة مسلمة وللآمة المسلمة صفات .

وللدولة المسلمة سمات ...

وفى الجزيرة العربية ... كانت الأمة المسلمة الأولى .

وغريمك ... يخشى أن تعود ...

وواجبك .. أن تعود ...

بهذا تغيظ عدو الله ... وعدوك

يناير سنة 1966

أختاه

هذى يمينى ...

وتلك يمينك ...

نرد عن الحق بغى الطغاة
نقيم على الحق حكم الإله
نسبحه فى الدجى ساجدين
ونبنى مع النور صرح الحياه
نقيم العدالة .. نبغى الهداية
نحمى الحدود .. نقيم الصلاة
برغم المشانق رغم الطغاة
برغم السجون برغم البغاه
بغم السياط برغم الدماء
برغم العذاب سنحيا الحياه
سيرتفع النور فوق الدحى
وفوق الضلال وفوق الطغاة
ونحيا على الحق حتى الممات
ونرجو بذاك رضاء الإله
فيارب هذى جموع الدعاة
وتلك جموع البغاة الطغاة
ويارب هذا نداء الهدى
وذاك نداء الرجيم دعاه
فيا أخت هيا نلبى النداء
ونحيا مع الصالحين الهداه
بجنات عدن تلذ العيون
وتهوى النفوس وتعنو الجباه
وأنهار تجرى على الجانبين
وطير وحور وعز وجاه
خلود خلود بغير فراق
بغير شقاء بغير طغاه
ورضوان ربك فوق النعيم
وفوق الخلود لقاء الإله

فبراير سنة 1966

أى ليلى ...

أى ليلى ...

ماذا تنتظرن بعد أن اقتحم الأوغاد عليكم بيوتكم فى هدأة الليل وغسق الظلام ؟

ماذا تنتظرون بعد أن انتزعوا أزواجكم من بين أحضانكم أشد مما يفعل الأعداء بأسرى الأعداء ؟

ماذا تنتظرن بعد أن صرتن أرامل ... وأزواجكم أحياء أموات ؟

ماذا تنتظرن بعد أن حالوا بينكن وبين كل وسيلة شريفة للرزق ؟ ...

كأنما يدعونكن إلى الإنحراف

أى ليلى ...

ماذا تنتظرن ... ؟

ماذا تنتظرن بعد أن صارت مصر سجنا كبيرا... لا يستطيع صغير ولا كبير فيه أن يرفع صوته .. ؟

ماذا تنتظرن بعد أن سيقت بلاد بأكملها إلى السجن الحربى ... عقابا لا على نخوتها .. بعد أن رفضت أن تسلم للأوغاد سيدة أرادوا أن يأخذونها رهينة يسلم زوجها نفسه .

ماذا تنتظرن بعد أن أدخلوا كرداسة إلى السجن الحربى لأنها حمت زوجة الأخ سيد نزيلى أن تقع فريسة فى يد الذئاب ؟

ماذا تنتظرن بعد أن أدخلوا بعدها كمشيش داخل السجن الحربى بحجة أنها تعاطفت مع الأقطاع .. وعذبوا رجالها حتى اعترفوا بما لم يقترفوا ... وحتى يكتب أحدهم اعترافا بجريمة قتل وهو داخل السجن ؟؟؟

مذا تنتظرن بعد أن امتد طغيانهم خارج الحدود ... وفوق الحدود .. فقبضوا على مجلس وزراء دولة أخرى هى اليمن .. وها هم معنا .. داخل الزنازين ... يصرخون ويندبون

أى ليلى ماذا تنتظرن ؟؟

والنظام كله .. يحارب الله ورسوله .

يحارب كل فضيلة .. ويشجع كل رذيلة ...

يحارب كل عقيدة .. ويسمح بالحرية للكفر والإلحاد .

يحارب شريعة الله ... ويأخذ ما كل شريعة بابا فى الميثاق .

أى ليلى .. ماذا تنتظرن ؟؟

أن يفعل بكن ما فعل بسمية أول شهيدة فى الإسلام حين طعنت فى موضع عفتها بحربة أبى جهل ...

ليلى .. أبو جهل بينكم .. يمسك بالحرية ... ويوشك أن يفعل ما فعله جده من قبل ...

ليلى ... هل تستسلمن ؟؟؟

مارس سنة 1966

يوم فى الحربى :

يومنا .. هنا طويل .. أطول مما تتصورون ..

ونهارنا أطول من ليلنا .. وفى التعبير الإستعمارى بالنسبة للسجين أو المظلوم أن ليله أطول من نهاره .

لكن زبانية جهنم استطاعوا أن يقلبوا الآية وأن يجعلوا نهارنا أضعاف ليلنا ...

فنهارنا يبدأ الساعة الثالثة صباحا قبل الفجر بساعة أو ساعتين حين تفتح أبواب الزنازين , وننزل فى طوابير نحمل معنا القصارى يحمل واحد من كل زنزانة القصرية الكاوتش التى يقضى فيها الحاجة بالليل ..

وهنا لفتة إنسانية .. أو إيمانية .. أن الجميع هنا يتسابقون لحمل القصرية إيثارا لإخوانهم .. وعلى العكس عند الطعام الشحيح يتثاقلون فى الطعام حتى يترك كل منهم لأخيه نصيبا أوفر .. صور من الإيثار تعيد إلى الأذهان صورا من العهد الأول لصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم .

وينزل حملة القصارى فى طابور .. ويطيب للعسكرى المكلف بالمهمة زغلول أو على الأسمر أن يأمر حملة القصارى بالطواف بها حول الفناء سبع مرات أو عشرات مرات , أغلبها هرولة وبعضها جريا .. ووراءهم الكرابيج ..

ثم يمارسون هواية لطيفة .. حين يجربون عسكريتهم فى إصدار الأوامر إلى حملة القصارى شيل القصرية ,حط القصرية وتتابع الأوامر سريعة .. حتى يتلخبط حملة القصارى فيحملون حين يصدر الأمر بالإنزال وينزلون حين يصدر الأمر بالحمل .. فيستحقون بذلك العقاب جلدا بالسياط ..

وتستمر مهزلة ذلك العرض العسكرى بالقصارى ساعة أو بعض ساعة .. ثم يؤذن لهم فى التفريغ ... ومطلوب من الواحد أن يفرغ ما فى القصرية ويغسلها فى أقل من دقيقة , وإلا تعرض للعقاب جلدا بالسياط ..

وبعد ذلك ينادى على بقية من لم يحضروا .. ويسمح للواحد بدخول الدورة لمدة نصف دقيقة أو أقل .. مطلوب منه فيها أن يقضى حاجته عن اليوم والليلة .. وإذا تأخر دخل عليه العسكرى داخل دورة المياه بالسوط ليخرجه بالقوة ..

ثم يأتى بعد ذلك تقسيمنا إلى فريقين : فريق لكنس فناء السجن بالأيدى .. وفريق لمسح أفاريز السجن بالماء ... وفى الشتاء يستحب الماء البارد الذى تتجمد معه الأطراف ..

ويصاحب كل فريق فريق من العسكر حاملوا السياط .. يلهبون الظهور بسبب وبغير سبب ويعدون الأوامر التى يتلخبط فيها أى إنسان ثم يعاقبونك على عدم فهم الأوامر ..

وتستمر هذه العملية حتى الساعة السابعة صباحا ..

حين يصفر الأمباشى لجمع السجن كله ليقف فى طوابير وأكثر الأوقات نقف انتباه بغير حركة قدم ولا يد لمدة ساعة أو أكثر من ساعة ... وإذا صدر من أحد إيماءة أو حركة فإن حزاءه عليها الجلد لانعدام الضبط والربط العسكريين عنده .. بل إنهم يعلمون ما تخفى الصدورفكثيرا ما يسأل الواحد منهم : أنت بتضحك ليه يا واد انت وترد نافيا الضحك , فيرد عليك بذكاء الأريب وفهم الفقيه وعلم المطلع على بواطن الأمور :

أنت كنت ناوى تضحك وتحاول جاهدا أن تفهمه أن الله لا يحاسب هذه الأمة على ما حدثت به نفسها .. لكن عبثا .. فإن حسابهم أشد من حساب الله سبحانه وتعالى ...

وفى الساعة الثامنة .. يصرخ أحد العساكر الواقفين على باب السجن انتباه .. فإذا ب صفوت الروبي منتفخ الأوداج ... حتى لتظنه فى رتبة أعلى من رتبة اللواء .. وهو باشجاويش وكان عند حضورنا مجرد شاويش وينتظر أن يرقى إلى صول , وبعد أن يأخذ التمام من أقدم أمباشى يعطى إشارة التحرك ... فتتحرك الكتائب المؤمنة فى جرى يسير فى مقدمته أقوى شباب العساكر وأشدهم على الرحمن عتيا .. ويتبدلون حين يتعب بعضهم .. وذلك ليحتفظوا للطابور بخطوة سريعة جدا ... ويستمر الطابور ساعة كاملة .. قد يتساقط فيها البعض من شدة الإعياء فتلاحقهم الكرابيج وتلهبهم حتى تضطرهم إلى العودة إلى الجرى لا فرق بين طاعن فى السن أو مريض .

وكثيرا ما يحضر اللواء حمزة البسيوني راكبا حصانه المطهم مستشعرا أنه قائد حربى عظيم ... ليتفقد قوات المساجين وهى تجرى , كثيرا ما يعلق " الأولاد زى ما هم ما تعبوش أنتو بتريحوهم يا صفوت " ؟

وكثيرا ما يستعرض صفوت فتوته فيجرى مع أول الطابور فاتحا الخطوة , لكنه لا يلبث أن يدور دورتين أو ثلاثا ثم يلهث ويترك الطابور لغيره من شبابا العساكر ..

وينتهى الطابور بعد ساعة نعود بعدها منهوكى القوى .. ليؤذن لنا فى إفطار عبارة عن ماء فول به بعض حبات من الفول وبه كثير من السوس ... ولا نحس بشىء مما فيه فنأخذ الفول وحده نغمس به الخبز , أما الماء فنضع فيه لباب الخبز ليكون منه فتة ... ومع ذلك فإن الطعام لا يعوض ذلك الإنهاك بل لا يسد رمق الجوع ..

وما أن ننتهى من الإفطار أو قبل الإنتهاء منه حتى يكون التصفيرجمعا للطابور ... وكأنما يخشون ألا ندرك عدوا على الأبواب وتعود طاحونة الطوابير لتستمر إلى الظهيرة , ثم تكون دقائق الغذاء من النوع نفسه , ثم يكون التصفير للطابور من بعد الغذاء وحتى مغرب الشمس مع ما يتخلل ذلك من تأديب وتهذيب وإصلاح ... كل ذلك طبعا بالكرابيج .

أما التكدير العام وهو الذى يحدث حين يسطو جائع منا على حقه من الخبز أو الإدام المسروق .. فهو يختلف من وقت لآخر .. أقله الجرى فى طابور أو طابورين زيادة , ومن أمثلته الصلب تحت الشمس الحارقة ساعة أو ساعتين بغير حراك .. حت لقد سقط أحدنا مرة على أنفه كقطعة خشب دون أن يدرى وكسر أنفه .

كذلك من أمثلة الزحف على الطين , وكثيرا ما يستحبون السير فوق ظهور الزاحفين ورءوسهم بنعالهم الغليظة .

أرأيتم ساعات عمل فى العالم كله أطول من هذه الساعات ؟

با أرأيتم ساعات تدريب فى أية فرقة فى أقوى جيش فى مستوى هذا التدريب .. طولا وعنفا ؟ من الثالثة صباحا حتى السابعة مساء .. ست عشرة ساعة من 24 ساعة .. من الإنهاك والتعذب والتنكيل ..

لنا بمشيئة الله ... الجنة ...

ولهم بإذن الله ... جهنم .

أبريل سنة 1966

أماه .. لا تراعى ..

أماه .. لا تراعى .

إن خلا مكانى .. فمكانى فى القلب أكرم وأقرب للخلود .

أماه .. لا تراعى إن تنكر بعيد أو قريب .. فالله أقرب إلينا من حبل الوريد .

أماه .. لا تراعى أن تكلم السفهاء عنى .. فمن قبل قال أمثالهم عن رسول الله ساحر أو مجنون .

وقالوا من قبل لنوح " .. وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين " . وقالوا لشعيب : " ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز " . وقالوا ليوسف " إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل , فأسرها يوسف فى نفسه ولم يبدها لهم " , فلما رأوه بعد ذلك على عرش مصر " قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين "

أماه .. دعيهم يقولون .. فإنما يهتكون أنفسهم .. ليكشفوا حقيقتها ... خسيسة حقيرة للناظرين .

دعيهم يقولون واصدعى لأمر الله " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين "

دعيهم يقولون .. وقولى " سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين "

أماه ... لا يغرنك الزيف والزرو " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فلا الأض "

أماه .. أنتم أكبر من استكبارهم , وأعلى بإذن الله من تعاليمهم " ولا تعنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين "

أمام .. فى سبيل الله .. ما لاقيت ..

وفى سبيل الله ما تلاقين ..

يونيو سنة 1966

من قتل إسماعيل الفيومي ؟ ؟

إسماعيل الفيومي

شاب متزوج وعنده أولاد , من أفراد الحرس الجمهورى .

جاء ذكر اسمه على لسان علي عشماوي .

قال إنه طلب إليه أن يقتل عبد الناصر إذا قبض على علي عشماوي .

وأنكر إسماعيل الفيومي التهمة .

وتعرض لتعذيب وحشى شهده صديقه عبد الحميد عفيفي .

وظل على إنكاره .

ثم نقل إلى زنزانته بين الحياة والموت .

وفى الليل أطفئت الأنوار كالعادة .

وفتحت زنزانته ...

وحمل فى بطانية ..

إلى خارج السجن ..

حيث دفن مع غيره من الشهداء.

ولم يستحوا ..

وضعوه فى قائمة المتهمين .

وكتبوا أمامه هارب

وحوكم فى قضيتنا ..

حقا ..

لقد هرب من وحشية الطغاة .. إلى رحمة الله ..

أكتوبر سنة 1966 .

.. إلى رحمة الله ...

يا إلهى ..

ما فعل هؤلاء العراة .. صفر الوجوه .. هزل الأجسام .. ؟

ما فعل هذا القطاع بل هذا القطيع من قوى الشعب العاملة .. ؟

ماذا فعل هؤلاء الفلاحون الذين جاعوا ليطعموا مصر ..

وعروا ليكسوها ... وهزلت أجسامهم ليغذوا شريانها كل يوم بدم جديد .. ؟؟

يا إلهى ... ماذا فعل هؤلاء البائسون .. حتى يساقوا إلى الحجيم ..؟

ماذا فعل أهل كمشيش ...؟

وماذا فعل من قبلهم أهل كرداسة .. ؟

قرية بأكملها .. هنا ..

ومن قبل جاءت .. قرية بأكملها .. كذلك ..

ونفس الشىء ... حبس ... وتجويع .. وضرب باليساط وإهدار للكرامة .. بل للإنسانية ..

.. ونعيب على الإنجليز مأساة دنشواى ..

يا إلهى ...

أسمع أنينهم كل يوم .. حين اصعد إلى الدور الثالث مع فرقة التنظيف لمسح البلاط .. وأسمع طلباتهم ..

متواضعة .. كسر من الخبز .. فردة شراب تقيه صقيع الزنزانة .. ثم أسمع بكاء وتساؤلا ..

هل الله موجود ..

أما زال موجودا مع وجود جمال عبد الناصر ؟

سبحانك ربى ..

فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا ..

أمرت بتنظيف حجرة أحدهم .. فوجدته شبحا ذاويا فى ركن الحجرة .. لصدره أزيز .. ومن فمه فهقات ..

وجدته يكاد يعجز عن الكلام ..

أشار لى إلى فمه .. إنه لم يأكل ..

رحت فاقتطعت من أفواه الجوعى من الإخوان .. رغيفا .. وقطعة جبن .. وأحضرتها له .. وتركته ..

وفى اليوم التالى اقتربت أثناء التنظيف من زنزانته فوجدتها خالية ..

وعرفت أنه انتقل إلى رحمة الله .

.. وهنا تصدق الكلمة كل الصدق .. فالموت للمسجون هنا رحمة .. وأى رحمة .

نوفمبر سنة 1966

من عجائب الطغيان .

أماه :

الطغيان فقد عقله ..

تجاوز .. كل الحدود .. حتى حدود الوطن ..

صار يؤدب أبناء الدول الأخرى .. بل حكام الدول الأخرى .

كان تأديبه مقصورا من قبل على سوط اللسان ..

تطاولا على أقدار .. أسياده .. من الأشراف ..

واليوم تأديبه يمتد إلى الإعتداء على حرياتهم وحرماتهم ..

أماه :

هل تصدقين ؟

قبضوا على وزراء اليمن .. وأودعوهم معنا السجن الحربى .. حيث يشغلون أحد أضلاع الدور الأرضى .. من بينهم الفريق حسن العمري , وأحمد السيد نعمان , ويحيى المتوكل وزير الداخلية , ومحمد الحجي وزير العدل ..

إن الدهشة .. أصابت بعضهم بالصدمة .. فتحولت عندهم إلى لوثة .. بعضهم يهذى ...

كيف يقبض علينا ونحبس فى دولة أخرى ..

قالوا إنهم حضروا لإجراء مباحثات .. وفوجئوا بنقلهم إلى السجن الحربى ..

قال بعضهم إن الرئيس .. سبهم بالأم بعبارة نابية أعف عن ذكرها ..

طال انتظار أهلهم لهم .. فحضر بعضهم إلى القاهرة يسأل عن عائلة فقالوا لهم إنهم فى ضيافة الدولة المصرية لإجراء مباحثات .

فقالوا : المباحثات تأخذ كل هذا الوقت ..

فردوا عليهم : إنها مباحثات معقدة ..

فطلبوا رؤيتهم ..

ونقل المطلوب وأظنه الفريق العمرى بعد أن نبهوا عليه .

نقل إلى قصر الضيافة .. ودخل عليه أهله .. ومعه من يرصد كلماته وحركاته ..

ولم يقل لأهله غير إنه فى ضيافة الدولة .

وصدق ..

لكن ليتهم عرفوا مكان الضيافة .. الذى لم يعرفه بعد أرقى شعب فى العالم ولا أحطه .

إننا نشهد كل يوم .. هنا .. عجائب الطغيان .. .

ديسمبر سنة 1966

مع الحق

عفاف ...

... وصلتنى رسالتك على فترة من الشوق .. وكانت المرة الأولى فى حياتى أن تبكينى رسالة .. حين بلغت كلماتك عن نصر الله .. ثم مقارنتك الكريمة بين سيد شباب الجنة رضوان الله عليه ومن كانوا معه ..

ونمت ليالى لا أدرى كيف أكتب لك .. حتى صحوت ذات ليلة قبل الفجر بساعتين ومعان تتزاحم فى خاطرى وتندفع خارجة فى ألفاظ متسلسلة فعمدت والدنيا ظلام من حولى إلى قرطاس وقلم .. وبرغم الظلام سجلت هذه الكلمات :

مع الحق ..

على ألحانه الحلوة تصحو الأمانى وتتراقص الآمال ..

وعلى حدائه الحبيب يسير الراكب ثابت الخطى محدد الغايات ..

وعلى شعاعه المضىء يتحدد الطريق .. فحجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .

مع الحق ..

نجد حلاوته فى القلوب , ونعرف مكانه فى حنايا الصدور ..

أغلى من العمر , وأحلى من الحياة .

مع الحق ..

والحق يعلو على البشر , ويعلو به البشر , ولكن لا يعلو عليه بشر ..

مع الحق ...

به حياة الروح , وفى سبيله ذهاب الروح .. ليبقى أشم من الرواسى , وأخلد ما على الأرض .

مع الحق ...

وللحق العاقبة , طال عمر الباطل أو قصر .

" قل إن ربى يقذف بالحق علام الغيوب , قل جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد" .

" بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق " .

" بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون "

يناير سنة 1967 .

لم يعرضون عن النور ... ؟

الأخت عفاف ...

والنور الذى أضاء السموات والأرض ..

النور الذى أضاء القلوب وأضاء العقول ..

النور الذى شرف به هذا الشهر الكريم ..

لم يعرضون عنه .. ؟

لم جعلوه وراء ظهورهم ... ؟

كأنما يصرون أن يعيشوا حياتهم ظلاما .. ظلاما .. بغير نور .

" قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم "

لا أفهم كيف يصر إنسان على أن يطفىء نور الكهرباء ليقرأ على نور ثقاب ؟

لا أفهم لم يصر إنسان على أن يترك الطريق الممهد ليغرز فى الوحل والطين ؟

لا أفهم لم يترك الحديقة الفيحاء ويفضل عليها المستنقع النتن الآسن ؟

الله كرم رمضان من أجل القرآن والرسول قال فى القرآن " فيه نبأ من قبلكم , وخبر من بعدكم , وحكم ما بينكم .. من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله " ..

والبعض يصرون على أن يحولوه إلى ألحان تتردد بغير فهم يطربون لها ويتمايلون ويتصايحون .

والبعض يحوله إلى تمائم تحفظ فى الجيوب وليس فى القلوب ولا على الجوارح منها شىء ..

والبعض الآخر يتعطف عليه فيسمح لها بجانب من الحياة ضئيل .. ليترك بقية الحياة تسرح فيها المردة والشياطين .

ويقف المؤمن حائرا .

أجهل ذاك .. أم كبر ..

أم الأمران معا .. أم الأمران جميعا .. ؟

ويعيش مرارة أعراض قومه .. وهم أعزاء على نفسه أحباء إلى قلبه .. يود لو يفتديهم بالعزيز ليخرجهم من الظلمات إلى النور , من الشقاء إلى السعادة , من الحيرة والضيق إلى الراحة والطمأنينة .

" الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله , ألا بذكر الله تطمئن القلوب "

وحين يشتد بهم الأعراض ..

لا يملك غير أن يردد ما ردده أخ له من قبل

" ويا قوم مالى أدعوكم إلى النجاة وتدعوننى إلى النار " .. حتى يبلغ قوله :

" فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد "

مارس سنة 1967

ولسوف يعطيك ربك فترضى

إن وراء إرادة الله حكما كثيرة .. بعضها نعلمها , وبعضها يـتأخر علمنا بها , وبعضها لا نعلمها أولا ولا آخر

ولقد التقى الخضر بموسى عليه السلام , وخرق السفينة وقتل الغلام , وبنى الجدار فى بلد رفض أن يستضيفهم ...

وما كان نبى الله يعلم من حكمة تلك التصرفات شيئا ..

وعلمه إياها العبد الصالح .

قال له: إن السفينة كانت لمساكين يعملون فى البحر , وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا , فأراد العبد الصالح أن يعيبها حتى لا يأخذها الملك .

وأما لغلام فى سن لا يحاسب فيه على شىء فكانت رحمة بالغلام .. وكان رحمة بالوالدين حتى لا يرهقهما .. ثم .. أبدلهما ربهما بخير منه .. قيل إنهما رزقا بنبى

وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين بالمدينة , وكان أبوهما صالحا وأوشك الجدار أن ينقض وتحته لليتيمين كنز , فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك .

بم يعقب العبد الصالح ؟

" وما فعلته عن أمرى .. ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا "

أختاه ..

ما غضب ربك وما قلى , ولسوف يعطيك تقى ورضا , وما عند الله – بعد – خير وأبقى .

أختاه .. أملنا فى الله ورجاؤنا فيه

وبثنا وحزننا إليه نزجيه

وهو من قبل ومن بعد حسبنا ونعم الوكيل

قد قالها من قبل قوم فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم .

أختاه ..

الله يقلب الليل على النهار ويقلب النهار على الليل .

الله يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى .

الله رب الكون ورب الأيام ورب الناس .

" وتلك الأيام نداولها بين الناس "

ورضوان ربط فوق النعيم .

وفوق الخلود لقاء الإله .

فهيا يا أختاه

هذى يمينى وتلك يمينك

نرد عن الحق بغى الطغاة
نقيم على الحق شرع الإله

أبريل سنة 1967

هل تظنين .. ؟

هل تظنين ..

هلى تظنين أن الذين حاربوا الله سوف ينتصرون ؟

هل تظنين أن الذين ألغوا المحاكم الشرعية بغية أى تظهر التحاكم إلى الشريعة الإسلامية سوف ينتصرون هل تظنين أن الذين طوروا الأزهر ليخرج عن رسالته ولتميع مادته .. سوف ينتصرون ؟

هل تظنين ...؟

أن الذين حاربوا أولياء الله سوف ينتصرون ؟

أن الذين حاربوا أولياء الله سوف ينتصرون ؟

أن الذين قتلوا يوسف طلعت وعبد القادرعودة ومحمود عبد اللطيف وسائر إخوانهم فى سنة 1954 .

والذين قتلوا سيد قطب ومحمد هواش وعبد الفتاح إسماعيل وسائر إخوانهم فى سنة 1965 .

والذين قتلوا المئات تحت سياط التعذب .

أن هؤلاء .. ينتصرون ؟

هل تظنين ..؟

أن الذين قتلوا المسلمين فى اليمن , بالقنابل الحارقة , وبالغازات السامة ..

وانتهكوا الأعراض واستباحوا الحرمات .

أن هؤلاء .. ينتصرون .

هل تظنين ...

أن الذين قتلوا المسلمين فى جزيرة آبا .

أن هؤلاء ينتصرون ؟

وفى مقدمتهم زعيمهم المهدى

هل تظنين ...

أن الذين أعطوا ولاءهم لروسيا الكافرة ولأنصارها من الكافرين أن هؤلاء ينتصرون ؟

مايو سنة 1967

أفى وجوههم .. بقية من دم ؟

أفى وجوههم بقية من دم .. ؟

لو صح أنهم اجتهدوا فأخطئوا .. ؟

وكيف أخطئوا أن يصدروا فى كل مرة أمر انسحاب ؟

وكيف لجيش أن يحارب بظهره وهو يجرى ؟

ولماذا فى كل مرة .. يضرب الطيران على الأرض .. ؟

ولماذا تجمع كل القادة فى مكان واحد لاستقبال المشير .. بينما غارات العدو تنهال على كل المواقع ؟

وإذا صح ما قاله زعيمهم من أنه كان يتوقع يوم القتال .. فماذا أعد له .. ؟

ماذا أعد الزعيم الذى ليس خرعا مثل أيدن ؟

ماذا أعد من خطة .. غير الإنسحاب ؟

وكيف بقى بعد أن فشل .. إن صح أن ما حدث منه هو مجرد الفشل .

.. كيف بقى بعد أن صرح بنفسه أنه المسئول عن الهزيمة ؟

كيف بقى بعد أن استعرضت إسرائيل أسلحة جيشه التى غنمتها سليمة لأنها لم تستعمل فى حرب .. طوال ثمانى ساعات ؟؟

كيف بقى .. ؟

وكيف بقى فى وجهه دم ؟

ثم كيف تبجح .. فسمى الهزيمة نكسة بل اعتبر أن إسرائيل لم تنتصر لأنها لم تستطع زحزحته عن كرسيه ..

.. وأخيرا تبجح فأطلق العساكر لابسة الجلاليب , ومعهم رجاله السريون فى الإتحاد الإشتراكى تنادى ببقاء القتلة السفاحين .. على أعناق هذا الشعب وعلى صدوره .

كيف تبجح .. كل ذلك التبجح .. ؟

الأمر فى رأيى .. ليس أمر تبجح

إنه أبعد من ذلك ..

إننى اشم فيه رائحة الخيانة .

وسوف يثبت التاريخ ..

يونية سنة 1967

إليك .. يا عز ..

إليك يا عز

وإلى كل مؤمنة تضع قدميها على طريق الله .. تطاردها غمزات الساخرين وهمزات الشياطين , وتظللها رحمة الله ,وتؤيدها روح القدس , وتحمل كتاب الله " يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام , ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه إلى صراط مستقيم "

إليك يا عز

وإلى كل مؤمنة .. راغبة إلى الله .. راغبة فيما عند الله " وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون "

إليك يا عز

وإلى كل مؤمنة .. خلاصة من فكرى وعصارة من قلبى

وإن الرائد لا يكذب أهله و والله لوكذبت الناس جميعا ما كذبتكم.

إن أمركن – أيتها الحبيبات – يعز علينا .. ونحن نرى أعداء اله وأعداء دينه يعبثون بكن .. يريدونكن .. سلعة رخيصة .. تعرض بثمن أو بغير ثمن فى الحانات والمراقص والمواخير ..

.. وأخيرا فى الشوارع والجامعات

يريدونكن سلعة رخيصة .. ونحن نريدكن جواهر غالية .. يراق دونها الدم .. دفاعا عنها .. عن شرفها .. عن عرضها .. عن سموها ورفعتها .

فأى الفريقين أحق بالثقة والاطمئنان ؟

أيتها الأخوات الحبيبات

قرأت أثرا يقول " تنقض عرى الإسلام عروة عروة أولها الحكم وآخرها الصلاة .. "

وتساءلت .. هل تحقق هذا الأثر ؟

ووجدت الجواب بالإيجاب

وتساءلت كيف تم ذلك ؟

ووجدت الجواب : أما العروة الأولى وهى الحكم .. فقد جردت من أجلها حروب صليبية بلغت فى طولها مئات السنين .. لكنها فشلت فى القضاء على العروة الأولى حكم الإسلام .

ودلهم ذكاؤهم على وسيلة أنجح وفى الوقت نفسه أقل تكلفة صنعوا لهم العملاء من الداخل ليحققوا ما عجزوا عن تحقيقه من الخارج .

وكان كمال أتاتورك أحد هؤلاء العملاء .. الذين تم صنعهم بإضفاء البطولة عليه .. حين انسحبت جيوشهم أمام جيشه وهلل لها مثل شوقى .

الله أكبر كم فى الفتح من عجب – يا خالد الترك جدد خالد العرب .

فلما تمت صناعة البطل .. دفع الثمن .. ثمن أعطوه له من حكم تركيا .. ودفع الثمن غاليا .. من مجد هذه الأمة وعزتها بل من شرفها من إجراءات دفعت مثل شوقى إلى ربط مأساة ضياع تركيا بمأساة ضياع الأندلس فقال فى كلمات باكية دامية

يا أخت أندلس عليك سلام
هوت الخلافة عنك والإسلام
طوى الهلال عن السماء
فليتها طويت وعم العالمين ظلام
خفت الأذان فما عليك موحد
يسعى ولا الجمع الحسان تقام

وتكررت مسرحيات البطولة فى أماكن أخرى , وتكررت محاولات صنع الأبطال والزعماء ليؤدوا مثل دور كمال أتاتورك , أو قريبا من دوره ..

بصورة قد تتكرر , وقد تتغير وإن بقى جوهرها وبقى هدفها ..

وبعد أن تم القضاء على العروة الأولى .. فكروا فى العروة الثانية وفكروا فى أن يختاروا لها البطل ويصنعوه ...

يوليو سنة 1967

من البطل .. ؟

ترى من كان البطل لنقض عروة الإسلام الثانية ..

كان البطل هذه المرة .. هو المرأة

وتمت صناعة البطل بطريقة جديدة .. فجروا ما أسموه قضية تحرير المرأة

مع الحق ..

وكان ذلك عملا بتوصية أصدرها مؤتمر للتبشير فى سنة 1906 فى القاهرة كأحد أسباب ثلاثة تبعد المسلمين عن دينهم

وخدعوا المرأة بلفظ التحرير ولفظ الحرية غرورها بزخرف القول .. ليخفوا ما تحت ذلك من خيانة لدينها وإسلامها ووطنها

وسار هذا الخط الثانى .. مع الخط الأول ووطنها

وسار هذا الخط الثانى .. مع الخط الأول السابق .

ففى سنة 1920 وبعد التوصية بأربع عشرة سنة نزل الجنرال غورو وهو فرنسى لاحتلال سوريا ولبنان , كان مع البواخرالمسلحة والحاملة للذخيرة تحمل سلاحا من نوع جديد . سلاحا يفتك بما لا تفتك به الأسلحة السابقة .. كانت الباخرة الأخرى تحمل مومسات فسأل سائل القائد العسكرى .. ولم قدوم هؤلاء وأنت قادم لاحتلال عسكرى .. فأجاب فى ذكاء :

إن القوة وأثرها قد تزول .. أما أثر هؤلاء فلن يزول .

وصدق وهو الكذوب .. فلا يزال شرقنا الإسلامى فى بيروت والقاهرة ودمشق يعانى أثر غزو المومسات وفى بلاد إسلامية شقيقة وقريبة .. كان كل هم الإنقلابات التى أحيط قيامها بهالات من التمجيد المصطنع ..

كان أول همها .. تحرير المرأة

ومساواتها بالرجل ..

وهكذا يزين شياطين الإنس والجن ..

يوحون زخرف القول غرورا .. فيقولون لكن .. مدنية وحضارة وتحرر .. الخ .

ثم تصغى إليه أفئدة ..

وبعد الإصغاء .. يدخل إلى القلب الرضا

وبعد الرضا تكون الجريمة تكون الفارقة .

" ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة .. وليرضوه .. وليقترفوا ما هم مقترفون "

أرأيت كيف تتعاون الشياطين على إفساد كن , تهتيككن .. لتكون معول فى أيديهم لهدم الإسلام .. ؟

أرأيت لهدم الإسلام .. ؟

أرأيت يا عز ؟

ثم أرأيت يا كل مسلمة ..

ترى ماذا ينتظرن ؟

يوليو سنة 1967

ليلى أتطيقين ؟

ليلى ..

أطقت فراق زوجك واحتسبت

وأطقت حرب الرزق الخسيسة واحتسبت

وأطقت حرمان أطفالك .. واحتسبت ..

لكن كيف تطيقين .

كيف تطيقين .. فراق الأمة لمثلها وقيمتها .

كيف تطيقين .. حرب دينك وإسلامك .

كيف تطيقين .. حرمان الفضيلة والأخلاق .. بعد حرمان الرزق وحرمان اللقاء ؟

ثم كيف تطيقين ..

كيف تطيقين .. أكبر قوة ضاربة فى الشرق الأوسط .. تخر راكعة ذليلة أمام إسرائيل بالمزعومة ؟

كيف تطيقين .. تمثيلية التنحى .. ثم الإعادة ..

ليلى ..

كيف تطيقين كل هذا الهوان .. ؟

أغسطس سنة 1967

حرب خسيسة ..

دمعت عيناى لقصتها .

أمام جامعية لطفلتين .. هرب زوجها الطيار .. وتنكر لها أهلها بإيعاز من الظالمين , وراحت تطرق أبوب العيش الشريف , وشرطوا عليها أن تطلب الطلاق من زوجها ..

ورفضت ..

وكانت حرب أرزق الخسيسة ..

لا وظائف ..

والبلد ليس فيها سوى الوظائف ..

المخابز نفسها .. صارت قطاعا عاما ..

أين تجد لقمة العيش الشريف ؟

تحية لها .. صامتة صامدة

تحية لها .. شريفة عالية

تحية لها .. صابرة محتسبة

ولسوف يجزى الله الصابرين .

سبتمبر سنة 1967

إن خان .. فلن أخون

إنه يشغل منصبا كبيرا

وصل إليه على أشلاء المستضعفين ..

ونسى ماضيه ..

ونسى تاريخه ..

ونسى كان يشرئب بقامته الطويلة .. ليكون مع الصادقين

لكنه أخلد إلى الأرض .

ولتبع هواه .

وخاف بطش الطاغوت

أقرئى له إن شئت خطابه لى منذ عشر سنين , وما زلت أحتفظ به , اقرئى كلماته رغم أنه ليس من صانعى الكلمات .

بل اقرئى له نبضات قلبه تقول فى نهاية خطابه لى :

" وختاما يا .. أقول لك إن الرياح ما زالت تئن متوجعة من آلام هذه الوحدة .. فما بالك يا صديقى بأولئك أنصاف الآدميين .. أأفعل ما .. أم أنصت إلى حديثك النابض الذى قلت فيه يا .. إن أهلك وإخوانك وأمتك فى هذا الوطن فى حاجة إليك .

أخى على – ليس لدى الآن إلا أن ابكى وأستلهم الله عز وجل فى إرشاده والآن أترك لك ما تبقى فأنت أقرب منى للعلى القدير , وهو أكثر استجابة لدعواتك , فلتسجد لله متضرعا وتطلب منه أن يرحم آلامهم وآمالهم ليرحم ذويهم الذين لا يعلمون إلا أنهم استشهدوا فى سبيل الله والوطن .

وتقولون ...

لقد فعل .. وفعل .

وأقول ..

إن خان .. فلن أخون .

يناير سنة 1968

تذوقى الإيمان

صغيرتى العزيزة عزة ..

أرأيت إلى الشمس كيف تطلع فى المشرق وتغيب فى المغرب لا تتخلف يوما ولا تتأخر ساعة .. ؟

أرأيت إلى ألأرض تدور معلقة فى الفضاء وسط كون هائل ومعها عدد كبير من الكواكب ؟

أرأيت إلى كل ذرة فى كل جماد .. يدور فيها الالكترون حول النواة دوران الكواكب حول الشمس ؟

ثم أرأيت إلى دورة الدم فى الجسم يدفعه القلب .. لا تقل عن روعة دورة الكواكب حول الشمس ؟

" سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق "

وكما جعل الله لكل كوكب مدرارا يدور فيه إن خرج عليه تحطم أو احترق , فكذلك جعل للإنسان مدارا واسعا راحبا يدور فيه إن خرج عليه تحطم أو احترق .. تحطم وقلبا وإن بقى قالبا , واحترق روحا وإن بقى جسدا من هنا كان النظام الذى وضعه خالق الإنسان للإنسان ليسير عليه ..

وبينه فى كتابه وفى سنة رسوله .. منهاجا كاملا للحياة غير مقصور على الصلاة والصيام .

تذوقى الإيمان يا عز بالالتزام بذلك المنهج الكامل ..

واجعلى غايتك الله فى كل عمل وفى كل خطوة , بل وفى كل خطرة ولتجتمع الدنيا بعد ذلك كلها عليك .. فلن تستطيع أن تسلبك حلاوة الإيمان .. لأن إيمانك فى قلبك , وقلبك بين أصابع الرحمن .. لا يملك إنس ولا جن أن يحوله .

ولتجتمع الدنيا بعد ذلك كلها عليك .. فلن يضروك بشىء لم يكتبه الله عليك , ولن ينفعوك بشىء لم يكتبه الله لك .

عيشى مع الله ..

واجعلى حياتك لله ..

واجعلى مماتك كذلك لله ..

والله رب الدنيا ورب الآخرة .

" يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم .. "

فبراير سنة 1968

أين الذين حاربوا اليهود .. ؟

جلالة الملك فيصل ..

أكتب إليك والعدو الصهيونى يحتل جزءا من أرضنا العزيزة , بل جزءا من أرض الإسلام الغالية .. فى فلسطين ومصر وسوريا والأردن .. ويستعد لو استطاع أن يحقق حلمه فى دخول الأرض المقدسة فى مكة والمدينة .. ليشفى أحقادا قديمة .. حين أحلى عن أرض الإسلام وطرد منها ..

وتسمع ونسمع من الحاكمين هنا .. أنهم يريدون تحرير الأرض المحتلة وترتفع الشعارات .. عالية .. لكنها زائفة .. زيف ما بنوا من قبل ويمدون اليد طالبين العون والإحسان , ومن قبل امتدت أيديهم وألسنتهم بالسوء .. ونحن وأنت أرفع بفضل الله من أن نشمت .. فذاك خلقهم وليس خلقنا .. ونحن وأنت أكرم من أن نذكرهم بما امتدت به ألسنتهم وأيديهم من قبل من سوء .

لكنا نود أن نقول لهم .. كيف شعار تحرير الأرض من اليهود . والذين حاربوا اليهود من قبل حربا حقيقية وهزمزهم يبادون ويسحقون على أيديهم فى ظلمات السجون .

الذين حاربوا اليهود فى سنة 1948 أدخلوهم السجون فى سنة 1966 كذلك قبل العدوان بسنة واحدة .. ولا يزالون حتى اليوم فى السجون رغم الدعاوى العريضة فى جمع الشمل للوقوف أمام الزحف اليهودى الغادر

جلالة الملك فيصل ..

لن نقول لك .. قل لهم – وهم اليوم على استعداد للواضع للإستماع منك – أقيموا دولة الإسلام فى أرضكم ينصركم الله على عدوه وعدوكم .. فإنهم أبعد الناس عن هذا الهدف .. إن لم يكونوا من أعدائه الألداء ..

لكننا نقول لك .. قل لهم .. باسم الإسلام الذى ترفعون شعاره عندما تهزمون .. ارفعوا القيد عن دعائه .. امنحوا دعاة الإسلام الحرية , التى منحتموها لدعاة الإلحاد والشيوعية والإباحية

قم قل لهم .. بلغة العقل .. إن كان لا يزال فيهم بقية منه

إن الحجر والقيد بل والقهر لا يقضى على عقيدة , ولا يقبر فكرة لكنه قد يهيل عليها التراب ,و تظل من تحته جمرا متوقدا .. فإذا هبت الريح .. عاشوا فى الظلام وتحت الظلام .. يعانون ظلما هو عند الله ظلمات

جلالة الملك ..

ليس ضجرا من سجن .. ولا شكوى من ظلم .. وإن كان لنا ذلك .. لكنه بلاغ ..

وليتذكر أولو ا الألباب ..

مارس سنة 1968

مصير الباطل ..

زوجتى ..

إن الأحداث تزيدك صفاء وصقلا .. وإن الحق ليزهو على الباطل ويزهقه .. وليمضى الباطل فى غروره .. حتى يزهقه الله بعد ما قصمه ..

وإذا كان بعض الناس أمام انتعاش الباطل .. يركعون أو .. يستسلمون أو تغرهم المظاهر .. فيقولون ما قاله أخ لهم من قبل لما خرج عليهم قارون فى زينته " قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون إنه لذو حظ عظيم "

فإن العقلين والفاقهين .. يعلمون أنه انتعاش فارغ أو علو بغير أساس , ويبصرون نور الفجر رغم حلكة الظلام ..

" وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير .. لمن آمن وعمل صالحا .. ولا يلقاها إلا الصابرون .. "

فلمن كانت العاقبة ؟

" فخسفنا به وبداره الأرض ؟ ..

و"أصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا .. ويكأنه لا يفلح الكافرون "

والعاقبة الآخرة ؟؟

" تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين "

مثلان ..

انتقل ابراهيم عليه السلام وزوجه ورضيعها .. إلى واد غير ذى زرع .. ولم يترك لهما غير دعاء " ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم .. ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون "

ومضى إبراهيم .. لأمر ربه .. وسألته زوجته .. الله أمرك بهذا ؟ فلما أجاب بالإيجاب قالت .. إذن لن يضيعنا الله ..

والله عند حسن ظن عبده به .. عطش رضيعها .. واشتد به العطش وهرولت بين الصفا والمروة .. لكن الماء تفجر تحت قدم رضيعها وهو يعبث بالرمل من شدة العطش .. وكانت بئر زمزم القائمة حتى اليوم .. شفاء لما شربت له ..

وتتابعت بعد ذلك الثمرات .. وهوت الأفئدة إلى ذلك المكان وتحقق بذلك .. ظن هاجر وأملها ربها .. كما تحقق دعاء إبراهيم ..

وعلى الجانب الآخر .. عاد إبراهيم عليه السلام بعد زمن .. ليسأل عن ابنه إسماعيل ولم يجده ووجد زوجة إسماعيل فسألها عن حالها فشكت له – فى ضجر – مرارة الحياة .. فقال لها : إذا جاءك إسماعيل فقولى له :

أبوك يطلب إليك أن تغير عتبة دارك .. فلما جاء إسماعيل وقصت عليه ما كان قال لها ..

أنت العتبة الحقى بأهلك ..

فارق كبير بين الرضا والضجر ..

فارق كبير فى أصالة الإنسان .. ثم العاقبة عند الله ..

مايو سنة 1968

لم نيأس .. فكيف تيأسون ؟

عزة ..

أعجبنى منك ذلك الإحساس المرهف عن الحلال ليعيش فيه , الراغب عن الحرام وعما يغضب الخالق الكريم .

لكن لم تعجبنى منك تلك النظرة القاتمة للحياة ..

صحيح أن الدنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة .. لكن ذلك لا يعنى أن نتركها لغيرنا من الأبالسة والشياطين , لكنه يعنى ألا تكون فى قلوبنا وإن كانت فى أيدينا .. أن تكون وسيلة لا غاية .. طريقا لا منتهى .. "

وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا "

عزة ..

إن غلبة الظلام وطوله .. لا يعنى أن الفجر الغى بقرار جمهورى وإن غلبة الطين على سطح الأرض .. لا يعنى أنها لا تحوى معادن نفيسة .. بل إن من الطين نفسه .. عناصر نفيسة ..

كذلك لا تعنى غلبة الباطل .. أن الحق فى إجازة لأجل غير مسمى , أو أن الحق قد أحيل إلى التقاعد .. لكنه يعنى أن الصراع قائم .. وأن تلك سنة الله فى خلقه " كذلك يضرب الله الحق على الباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض "

فلا تبتأسى يا عز بما ترين من ظلام وضلال .. ولتكن لك أسوة فى ذلك الشيخ الطاعن الضرير .. الذى فقد أحب أبنائه إليه يوسف .. وحزن عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم , وفقد من بعد يوسف أخاه الآخر .. لكنه وسط ظلمات الحزن واليأس يقول لأبنائه " يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرين "

عزة ..

برغم السجن .. والتعذيب .. والتنكيل ..

وبرغم كل أعوان الخسة التى تشمئز منها كل نفس لم نيأس .. بفضل الله .

فكيف تيأسون ؟

يونية سنة 1968

ليس بالعقل وحده ..

يا عز .. ليس الإنسان عقلا فحسب ..

إن مع العقل روحا وجسدا ..

وإذا كان لجسد لا يحيا بغير غذاء ..

فكذلك الروح لا تحيا بغير غذاء ..

وكذلك العقل لا يحيا بغير غذاء ..

وكذلك الجسد فى طعامه وشرابه وضروراته ..

وحياة الروح فى صلة باله تحيا بها وتشرق ..

وحياة العقل فى التفكير والتدبر .. فيما يقرأ بين يديه ومن حوله وترجيح جانب على جانب .. ظلم لهذه الجانب , يفقد الإنسان التوازن , ويفقد النفس السلام ..

لذا كان قول الرسول عليه الصلاة والسلام " فأعط كل ذى حق حقه "

بعد أن أقر أبا الدرداء على قوله لأخيه سليمان .

" إن لبدنك عليك حقا وإن لربك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا .. "

وكان قول الله " قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون " ..

وقبلها مباشرة " أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه "

وفيما تقرأين .. تجدين كتابا عظاما : كتبوا عن الإسلام .. لكنها كتابات عقلية بحتة .. ومن ثم كان فيها من الجفاف ما فيها .. لأنها فقدت إشراقة الروح وضياءها " ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور "

ولا يغنى العقل عن الروح .

كما لا تغنى الروح عن العقل .

فلابد أن يمتزج هذا بذاك .. ليكون الخلق سويا .. كما شاءه الخالق الكريم سبحانه وتعالى ..

يولية سنة 1968

إيمان .. وزواج ..

إن المؤمن – يا عز – جيل راسخ .

تعصف الريح وتقصف .. تكون من حوله الزلازل والبراكين .. وهو ثابت .. ثابت .. لا يريم ..

وهو ما يتحقق إن توافرت مع الإيمان أبرز خصائصه .. رجولة وصدق ولذلك كان قول الله :

" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .. فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر .. وما بدلوا تبديلا "

ونماذج الإيمان من الرسول وصحبه .. ثم ممن قبلهم من كان يمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه .. ثم ممن تبعهم من رأينا فى ساحات العذاب التى نصبها القرن العشرين

إن المسلمة فى أمر زوجها إن لم تكن صاحبة الكلمة الأولى فهى بالتأكيد صاحبة الكلمة الأخيرة , وما يملك ولى أن يكره مسلمة على زواج من لا ترضى , لذا كان أمر الرسول عليه الصلاة والسلام " الثيب تستأمر , والبكر تسـتأذن , وإذنها صماتها " أى صمتها وسكوتها فلابد إذن من الرضا الصريح أو الرضا الضمنى ..

بيد أن المسلمة فى اختيارها لا ينبغى أن تنساق وراء المظاهر الخادعة وإنما تهتم بالأصل والجوهر إذا جاءكم ذو الدين فزوجوه , " إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير " وذو الدين وحده الأمين على زوجته " إذا أحبها أكرمها , وإن كرهها لم يظلمها "

ولا ينبغى أن يقوم الزواج أو الإختيار .. على النزوة الطارئة , أو الكلمة الخادعة , أو المشاعر الكاذبة .. لا ينبغى أن يقوم على لقاء النوافذ أو الشوارع أو النوادى .. فإن ذلك بناء على غير أصل .. لا يلبث أن ينقض ويزول ونحن أعرف الناس بالمرأة وأحن عليها .

وكيف لا .. ؟

وديننا يعلمنا أن نكرمها أما حين يعلمنا أن " الجنة تحت أقدام الأمهات "

ويعلمنا أن نكرمها زوجة حين يعلمنا أنها خير ما يكنز المرء , وحين تكون من رسولنا آخر وصاياه ويعلمنا أن نكرمها بنتا وأختا حين يجعل إحسان تربيتها وقاء لنا من النار.. ؟

أفعندهم مثل ما عندنا .. ؟

أم هى الشعارات والأكاذيب تطلق من غير واقع .. بل مع واقع أليم .. ؟

أغسطس سنة 1968

هذا .. حال الأمة ..

هذا أيها الوالد الكريم – حال الأمة ..

انسلاخ من دينها وإيمانها .. فى اعتقادها , وخلقها , وعاداتها , وثقافتها , ومعاملاتها .. على مستوى الفرد والأسرة , والمجتمع , والدولة ..

أورثها ذلة على يد أذل الأمة .. إسرائيل

وأورثها ضيقا وفقرا .. وقد كانت من قبل أغنى الأمم " وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون "

فهل إذا قلنا للناس : إننا نريد لكم انتشالا من هذه الحمأة الوبيئة , وطهرا من هذا لرجس , وذاك الهوان .. كان ذلك منا انحرافا وخروجا ؟

وهل إذا قلنا للناس .. عودوا إلى دينكم كما أنزله ربكم .. كان هذا منا منكرا من القول وزورا ؟

هل إذا حملناهم إلى طريق الجنة .. كنا العصاة الداعين إلى النار " ويا قوم مالى أدعوكم إلى النجاة وتدعوننى إلى النار تدعوننى لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لى به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ..

غدا أو بعد غد ..

تشرق شمس الحق ..

برغم الخيانة التى أسلمت فلسطين وجولان وسيناء

برغم الطواغيت الذين رفضوا شرع الله

برغم المستضعفين الذين رضوا .. الذلة والهوان وحكم الطاغوت

" وإن جندنا لهم الغالبون " , " وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون "

سبتمبر سنة 1968

أماه .. أنا غرس يمينك

أماه .. أنا غرس يمينك ..

حملتنى تسعة شهور وهنا على وهن

وأرضعتنى سنتين .. تمام الرضاعة

وسهرت إلى جوارى الأيام والليالى

ثم علمتنى الكثير ..

أماه .. أنا غرس يمينك .

أقف حيث أقف أتأبى على ذلك البغى المتعالى وذلك الطغيان المتكبر ..

أقف حيث أقف رافضا الركوع أو السجود لغير خالقى ورازقى ومن بيده ناصيتى .

أقف حيث أقف أشترى رضا الناس برضا الله وأشترى نعيم الآخرة بنعيم الدنيا

أنا يا أماه غرس يمينك ..

أحس أنى أعيش الحرية التى تقررت يوم شهدنا أن لا اله إلا الله ..

وأسقطنا بذلك كل عبودية لغير الله من بشر أو حجر

ديسمبر سنة 1968

القسم الثانى : رسائل حققت فيها بعض جرائم الحاكمين

تساؤلات كثيرة

بنى ..

هذه الرسائل لك ..

لتقرأها بعد عشر سنوات إن شاء الله .

لتعرف .. كيف كانت تحكم .. مصر

صديقى ..

أصحيح أنه غير تاريخ ميلاده ليتمكن من دخول الكلية الحربية ؟

قد يقال .. إنها أمور شكلية

لكن لها دلالات عميقة

لقد رفض الإمام البخارى أن يأخذ حديثا عن أحد الرواة لأنه لما سعى إليه وجده يمنى جمله الشارد بحجارة جمعها فى حجره .. وقال إن الذى يكذب على بعيره ليس ببعيد أن يكذب على الله وتساءلت أهناك رابط بين هذه الأكاذيب وبين أكاذيب سمعنا بها :

هزيمة سنة 1956 قال عنها إنها نصر .

تسليم شرم الشيخ والسماح بمرور السفن الإسرائيلية أخفاه عن الناس عشر سنين منذ سنة 1956 وحتى سنة 1967 .

عار سنة 1967 سماه نكسة .

وفى الداخل قضايا الإخوان سنة 1954 وقضاياهم سنة 1965 وما بينها من قضايا شابها التزوير والتزييف

تساؤلات كثيرة ..

عن أصله .. لو عرفها فرويد لكان له رأى آخر .. لكنا نمسك عن ذلك .. فليس ذلك من خلق المؤمنين ..

يناير سنة 1969

وفاء الطغاة ..

أمى ..

سمعته يحكى بنفسه هذه القصة :

قال : إنه حين فكر فى دخول الكلية الحربية , وعرف أنه لا تأخذ إلا أولاد الذوات – وهو ليس منهم – لجأ مع والده إلى أحد الباشوات , فأحسن الباشا استقبالهم , ولم يكتف بإعطائهم بطاقة توصية – كالعادة فى ذلك الحين – بل أبدى استعداده للذهاب معهم للتوصية فى الكلية و وحين هم بركوب السيارة وقع فى خطأ كبير .

أخذ والده إلى جواره فى المقعد الخلفى , وأشار إليه أن يجلس إلى جوار السائق ..

ولما صدر قانون الإصلاح الزراعى كان أول ما فعله أن سأل هل سلم الباشا أراضيه وأعطى تعليماته إن تلكأ فى التسليم أن يقبضوا عليه ويضعوه فى السجن .

نسى أن الله جعله سبب دخوله الكلية الحربية .

نسى أن الرجل انتقل معهم ولم يكتف بمجرد توصية كتابية .

نسى أن الرجل كرم أباه وأخذه إلى جواره .

وتذكر له أنه طلب إليه – وهو التلميذ الصغير – أن يجلس إلى جوار السائق .

لماذا يتأفف الإشتراكى الكبير من أن يجلس مع قائد السيارة .. ؟

لماذا يعدها إهانة .. ؟

ولكن لا عجب ..

إنه وفاء الطغاة ..

وقد ضرب له أمثلة عملية أخرى .

فهنا صلاح شادي .. الذى قرأ معه عبد الناصر الفاتحة أن يحكم بالقرآن .

والشيخ محمد الأودن .. الذى حلف عنده علة المصحف أن يحكم بالقرآن اعتقله معنا فى سنه 1965 ورغم أنه فى الثمانين من عمره فقد كان يمضى الشهور يبيت مع الكلاب .

ومحمود عبد اللطيف .. المستشار بوزراة الأوقاف .. كان يأويه إذا ضاق به المنزل .. لفق له قضية وسجنه ..

وآخر زملائه وأقوى أصدقائه .. عبد الحكيم عامر.. اعتقله فى بيته وقال إنه انتحر .. والراجح أنه قتل ولا عجب .

لا عجب ..

فإنه وفاء الطغاة ..

يناير سنة 1969

صناعة الزعيم ..

زوجتى ..

السياسة عجب ..

ظاهرها غير باطنها ..

ولقد أصبحت صناعة الزعيم فنا .. تمارسه الدول الكبرى .. بطرق عديدة .

تذكرت ما حدث عندما أريد إلغاء الخلافة الإسلامية .. من صناعة الزعيم مصطفى كمال أتاتورك الذى سموه الغازى بعد أن انسحبت أمامه الجيوش الأجنبية من أراضى تركيا ليظهر بمظهر البطل المنتصر المغوار ..

وفعلا ..

وكان الثمن سريعا .. إلغاء الخلافة الإسلامية .

وتذكرت ما حدث عندنا سنة 1956 .. من انسحاب جيوش الدول الثلاثة بعد احتلالها لسيناء وبور سعيد ..

وما صاحب ذلك من موجات إعلامية .. تظهر صاحبنا بمظهر البطل المنتصر المغوار .

وربطت بين ذلك وبين أشياء سمعتها .

صلته ب" وليم كليلاند " ضابط الإتصال السياسى بالسفارة الأمريكية دون علم اللواء محمد نجيب , ودور محمد حسنين هيكل فى هذه الإتصالات وصلته كذلك ب" كيرمت روزفلت " نائب رئيس المخابرات الأمريكية , والذى قال فى تقرير له إلى وزير الخارجية الأمريكية كسبنا لاعبا جديدا فى الحلقة وأنه يتمتع بالصفات المطلوبة وتشجيعه له على صفقة السلاح مع السوفيت قائلا له أنه دون شك ستجعل منك قائد عظيما , تشجيعهم له للذهاب إلى باندونج باعتبار أن الفرصة قد حانت ليثبت أقدامه على الصعيد الدولى .

علاقته القوية بجوزيف بروز تيتو رئيس يوغسلافيا , وهو الذى يرتبط مع أمريكا برباط قوى .

ما كتبه محمد حسنين هيكل منذ حوالى عام من أن ضرب جماعة دينية متطرفة كان استجابة لطلب أو رغبة الولايات المتحدة الأمريكية .

ما نشره تقرير جونسون من أنه لا سبيل إلى تحويل مجرى نهرى الأردن مع وجود جماعات متطرفة .

ما قيل عن اتصالات علي صبري بالسفارة الأمريكية , وقبل من أن قانون الإصلاح الزراعى جاء من السفارة الأمريكية , وقبل ذلك دور السفير الأمريكى فى اقناع فاروق بالتنازل عن العرش ومغادرة البلاد المصرية وأخيرا خطاب قرأه البعض منا جاء فيه : أن الولايات المتحدة تساند الثورة حتى تعهدت بالقضاء على المتعصبين

فبراير سنة 1969 .

نقض البيعة , وخان العهد ..

أمى ..

قالوا عنه .. إنه كان من الإخوان المسلمين ..

وينفى الإخوان المسلمون ذلك بشدة , ويقولون إنه إذا كان قد اقترب من الإخوان فترة فأغلب الظن أنه كان جسا لنبضهم أو تجسسا عليهم .

وعرضا للوقائع المجردة عرفت :

1- اتصاله بالإخوان كان حوالى سنة 1946 مع ستة آخرين منهم عبد الحكيم عامر وكان ذلك عن طريق الصاغ محمود لبيب , الذى صحبهم لإعطاء البيعة لمندوب الإمام الشهيد , لكن الطاغوت كان الوحيد الذى اعترض على عدم حضور الإمام بنفسه .. ومع ذلك أعطى البيعة .

2- بعد عودته من فلسطين أعلن نقض البيعة بحجة أن حسن البنا قد مات , ومع ذلك أبقى على صلات فردية ببعض الإخوان .

3- ليلة الإنقلاب اتصل بأحد الإخوان , طالبا تأييد الإخوان وحراستهم للمنشآت العامة قال المرشد العام المرحوم حسن الهضيبي أنه لا يعرفهم , فقال له أحد الإخوان إنهم أقسموا على الحكم بالقرآن , أمر المرشد العام بحراسة المنشآت وبالإستعداد لوقف زحف الإنجليز إذا تركوا إلى القاهرة .

4- كانت الحركة قد اكتفت بطلبات إصلاحية فأشار المرشد بطرد الملك , وأخذ بمشورته وحاصرت قصر الملك قوات بقيادة أحد الضباط من الإخوان , وتم طرد الملك .

5- فى اليوم السابع للحركة انتقل المرشد العام إلى القاهرة , وتم أول لقاء بينه وبين الطاغوت ,. وجلسا على كنبة واحدة , سأله المرشد هل ستحكمون بالقرآن , فنفى ذلك , فقال المرشد ألم تعط عهدا على ذلك .. فأنكر .. فأعطاه المرشد ظهره ..

مارس سنة 1969

قصة الهضيبى مع الإنجليز :

بنيتى ..

كنت طالبا بكلية الحقوق جامعة القاهرة حين جاء شهر يناير الذى يحتفل فيه الإخوان كل عام بذكرى شهدائهم على ضفاف القنال عمر شاهين , وأحمد المنيسي , ولاحظت فى اليوم السابق على الإحتفال أن أحد المنتمين إلى هيئة التحرير , وكان من قبل منتميا إلى الجبهة المتحدة التى كانت تضم كل العناصر الحزبية داخل الجامعة من غير الإخوان المسلمين .. راح ذلك الشخص يمر على المدرجات ليعلن أن هيئة التحرير ستحتفل غدا بذكرى عمر شاهين , وأحمد المنيسي .. وتساءل الطلبة .. إن عمر شاهين وأحمد المنيسي رحمهما الله من شهداء الإخوان , وليسوا من شهداء هيئة التحرير .. فما لها ولهم ؟ .

وفى صباح اليوم التالى المبكر كانت جموع الإخوان من الطلبة تملأ حرم الجامعة وتقيم كردونا قويا بين باب الجامعة وبين المنصة التى أعدتها هيئة التحرير من اليوم السابق , وبدا أن ترتيب هيئة التحرير قد فشل وأن الإخوان قد سيطروا على الموقف , وفى الساعة التاسعة حضر إلى الإحتفال الأخ حسن دوح ومعه زعيم فدائيان إسلام فى إيران نواب صفوى وبدأ المؤتمر .. وبعد قليل شوهدت منظمات التحرير تتوافد على حرم الجامعة فى تشكيل شبه عسكرى وبعدها شوهدت سيارة جيب عليها ضابط مخابرات عامة وفيها سياط " كرابيج " سودانية ومسدسات , ووقف الضابط على السيارة وأطلق الرصاص من مسدسه فى اتجاه التجمع الطلابى , فتصدى له أحد الطلبة الإخوان الذى استطاع بحركة يابانية أن يسقطه من فوق سيارته وأن ينزع المسدس من يده وانطلقت عناصر منظمات التحرير بسياطها وسط الحشد الطلابى .. فما كان من الإخوان إلا أن انتزعوا السلك الشائك ليدافعوا عن أنفسهم ويدفعوا ذلك الإعتداء , وانتهت المعركة المصطنعة بعد حوالى عشر دقائق . وتصاعدت الهتافات إلى القتال يا هيئة التغرير – وقيل إن بعض ضباط الصف الثانى من أمثال الطحاوى كانوا فى الجامعة ينتظرون نتيجة المعركة فلما أسفرت عن هزيمة هيئة التحرير.. اختفوا وفروا هاربين ..

وفى اليوم التالى فوجئت وفوجىء الجميع بالعناوين الرئيسية للصحف تشير إلى الإخوان قاموا بعمليات شغب داخل الجامعة , ثم أشارت إلى القبض على المرشد العام للإخوان المسلمين لأنه أجرى اتصالات بالإنجليز من خلف ظهر الثورة ..

ولما كان الجزء الأول غير صحيح لأنى شاهدت تماما عكسه فقد بقى فى نفسى شىء حتى التقيت بالذين عاشوا هذه الأحداث وعاصروها وسألتهم عن حكاية المرشد مع الإنجليز .

واتفقت شهادة أكثر من واحد على الصورة التالية :

اتصلت السفارة البريطانية بالمركز العام للإخوان المسلمين تطلب موعدا للقاء بين مستر إيفانز مستشار السفارة وبين المرشد العام للإخوان المسلمين وذلك لمعرفة رأى الإخوان حول جلاء الإنجليز .

ولما كانت الحكومة المصرية تجرى محادثات مع الإنجليز حول هذه الأمر , فقد أمر المرشد العام بالإتصال بجمال عبد الناصر لسؤاله حول قبوله هذا اللقاء أو رفضه ورجب جمال عبد الناصر بإتمام اللقاء وطلب أن يتشدد الإخوان فى مطالبهم مع الإنجليز حتى إذا جلسوا هم معهم بدوا أكثر تساهلا. وثم اللقاء .. وحرر به محضر .. وأرسل إلى جمال عبد الناصر .

ومع ذلك زعم أنه لم يكن على علم باللقاء مسبقا ولا بما جرى فيه لاحقا .. أماه .. هذا الضلال يحكم مصر .

أبريل سنة 1969

عبد الناصر يطلب مقابلة المرشد

حكى لى أحد الذين قابلوا عبد الناصر .. بعد اعتقاله المرشد وحوالى خمسمائة من الإخوان ..

قال : إن عبد الناصر قال لهم إن واحدا من السفارة البريطانية اتصل به يوم الحركة وقال له إن مرشد الإخوان يريد أن يكون رئيس دولة ..

قالوا له .. وهذا سبب القبض .. ؟

قالوا إنه اتصل بالإنجليز من خلف ظهره .

قالوا له .. ألم يتصل بك أولا .. ثم ألم تحبذ اللقاء ثانيا ثم ألم يخبرك بتفاصيل اللقاء ثالثا .. فأنكر ذلك .

ثم قال لهم .. إنه مستاء من هتاف الإخوان الله أكبر ولله الحمد فى كل مكان يذهبون إليه ..

فأفهموه أن الإخوان لم يتعودوا الهتاف بحياة شخص , وأن هذا الهتاف هو منهم ترحيبا بهم ..

وبعد أخذ ورد .. قال لهم : لابد من عزل المرشد , وأنه إذا لم يعزله الإخوان فإنه سوف يعزله بالقوة .

فرد عليه أحد الإخوان وكان يحمل مسدسه : إذا مست شعرة من الهضيبى .. فإن من يجرؤ على ذلك قتلته بمسدسى ..

.. وتطورت الأحداث الداخلية تطورا سريعا .. إندلعت المظاهرات فى الجامعات وفى المدارس , وحدثت تحركات داخل القوات المسلحة إثر قرار تنحية اللواء محمد نجيب ..

وبعد حوالى شهرين من القبض على الإخوان اضطر جمال عبد الناصر إلى الإفراج عنهم , واتصل بأحد الإخوان ليخبره بالقرار وليطلب إليه أن تتاح له زيارة المرشد بهد خروجه للتهنئة .. وذهب الأخ إلى السجن الحربى , وأبلغ المرشد قرار الإفراج مقرونا بطلب الزيارة .. فرد المرشد .

أمال مين اللى جبنا هنا .. ؟

وبعد وصول المرشد إلى منزله وصل جمال عبد الناصر مع صلاح سالم لزيارة المرشد .. واستقبلهما المرشد لكنه ظل طوال الزيارة صامتا .. وفى نهاية الزيارة ودعهما عند باب الحجرة ومعهما أحد الإخوان ..

فطلب إليه جمال عبد الناصر أن يرد له المرشد الزيارة .

فقال له الأخ : إن مكتب الإرشاد سيجتمع مع المرشد وقد يطول الإجتماع فرد عبد الناصر .. أنا منتظر لن أنام .

وبدا على المرشد عدم الإرتياح لهذا الطلب لكن الأعضاء ألحوا عليه .. فقال إذن أزوره مع من زارنى ..

ومنهم سماحة مفتى فلسطين الحاج أمين الحسينى , وفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر .. ثم السيد رئيس الجمهورية اللواء محمد نجيب .

ولما زاروا عبد الناصر طلب من المرشد الوساطة بينه وبين محمد نجيب لكن المرشد قال له :

.. إن معكم الملك سعود فيه الكفاية ومع ذلك فإذا اقتضى الأمر وجودى فلا مانع ..

مايو سنة 1969

مقدمات لحادث المنشية :

كان القبض الأول .. والفشل فى استمراره .. هو المقدمة الحقيقية لحادث المنشية , وكان رد الفعل الذى حدث بعده من انفجار المظاهرات هاتفة بسقوط جمال .. ومظاهرة عابدين الضخمة فى مارس سنة 1954 نذيرا بأن الحاقد لن يسكت .

وبدأ الخلاف بعد الإفراج عن الإخوان حول الشروط الواردة فى المعاهدة مع الإنجليز وعلة وجه التحديد الشرط الذى يجيز للإنجليز العودة إلى القتال بعد جلائهم إذا حدث اعتداء على تركيا .

وانطلاقا من المسئولية الوطنية إزاء هذا الشرط الجائر , نزلت بعض المنشورات تهاجم المعاهدة المصرية الإنجليزية المقترحة .

وسافرالأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين فى جولة خارج مصر .. زار فيها سوريا فاستقبلته أشد حرارة من استقبالها لرؤساء الدول , وبويع من الإخوان المسلمين فى سوريا , كما بويع من سائر الإخوان فى سائر البلاد ..

وأصدر المرشد العام بعض تصريحات ينتقد فيها المعاهدة المقترحة ..

وعند عودته من الخارج طلب الإخوان من وزير الداخلية البكباشى جمال عبد الناصر الإذن فى مقابلة المرشد بمظاهرة فى المطار فرفض , وشاع أن الحكومة تنوى اعتقاله كما شاع أنها تنوى الإعتداء عليه عند عودته .

وتوجه بعض الأفراد من الإخوان فى سيارات خاصة لمقابلة المرشد ..

ولما وصلت الطائرة لاحظ الإخوان وجود حكمدار القاهرة مع قوة من رجال الشرطة , فتقدم إليه أخ يطلب إليه فتح الباب ليخرج المرشد فتلكأ الحكمدار فنادى الأخ أخا آخر وقال له :

إذا لم يفتح الباب فى ظرف خمس دقائق فانسفه , فطلب الحكمدار الإتصال بوزير الداخلية فرفض الأخ , فاضطر إلى فتح الباب فخرج المرشد تتقدمه سيارة وتتبعه سيارات وهى تهتف طوال الطريق فى أغرب مظاهرة بالسيارات الملاكى الله أكبر ولله الحمد .

وفى المركز العام أعلن المتحدث مبايعة المرشد العام مرشدا عاما للاخون المسلمين فى العالم .

وفى مرة ثانية أعلن المرشد أن الرقيب بلغت به الجرأة أن طلب حذف آية فى مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية .

وفى سؤال عن إشاعة قال إنه يتوقع أكثر من ذلك .

واختفى المرشد العام واختفى معه كبار الإخوان مع إشاعة بأن الحكومة تنوى الإعتداء عليهم .

يونية سنة 1969

ذكريات حول حادث المنشية :

شاء القدر أن أسمعه .

وإن لم يشأ أن أشهده .

كانت المناسبة للخطابة مفتعلة فيما أذكر وفيما أظن .

وسمعت صوته هادرا .. يتحدث عن نفسه وهو صبى , وهو شاب , وكيف سار فى المظاهرات وهتف بسقوط الإنجليز ..

فجأة سمعت شيئا ظننته نوعا من حبكة الإخراج ..

سمعت طلقات .. وسمعته يقول : امسكوه

ثم سمعته هادرا .. ينادى .. أيها الرجال فليبق كل منكم فى مكانه , ويكررها عدة مرات ..

ثم يقول : أنا لست جبانا

ويقول : أنا فلان خلقت فيكم الكرامة , العزة ..

وعجبت لشجاعته .. يتحدث رغم إطلاق النار .. شجاعة زيادة تتفق مع قوله أنا لست جبانا ..

وبعد الحادث بفترة بسيطة انطلقت أغانى الزعيم وهى فترة لا تكفى للتأليف ولا لتلحين , ولا المران على الأداء ..

وعاد الزعيم فى اليوم التالى إلى القاهرة فى قطار توقف فى محطات كثيرة .. ليحيى الشعب الزعيم وليعلن استنكاره للحادث , وليعطى للزعيم التبرير ليفعل ما يريد أو ما انطوت عليه نيته وعزيمته .

وانطلق أفراد بقيادة أحد أعضاء هيئة التحرير إلى المركز العام للإخوان المسلمين بالحلمية وأحرقوا ما فيه من كتب بما فيها القرآن الكريم ..

وفى الصحف توقفت أمام بعض الأخبار البسيطة .

- خبر قال إن الزعيم كان فى جيبه قلم حبر أحمر (أحمر بالذات ) , وأن هذا القلم انكسر أو انفتح ساعة الحادث , وأنه رسم بقعة حمراء على صدر الزعيم , فظنها الناس بقعة من الدم لا من الحبر , وازداد حماسهم والزعيم يهدر رغم الجرح فى قلبه ..

يا لروعة الإخراج ..

- خبر آخر بأن المسدس الذى استعمل فى الحادث لم يعثر عليه لحظة الحادث رغم القبض على الجانى لحظتها , لكنه عثر عليه بعد ذلك , وأن بوابا هو الذى عثر عليه , وأصر على أن يحمله من الأسكندرية إلى القاهرة سيرا على الأقدام وأنه قام بتسليمه فى القاهرة .

خيال فى الإخراج ..

.. وإغراق فى الخيال

أغسطس سنة 1969

حقيقة حادث المنشية ..

تواردت الخواطر السابقة .. كأنها شريط اسمعه لتوى أو أراه .. وتمنيت لو عرفت حقيقة الحادث .. وسألت الذين عايشوا ذلك الحادث .. والذين يفترض علمهم بكل صغيرة وكبيرة فيه .

لم يشك أحد فى إخلاص المرحوم الشهيد محمود عبد اللطيف السمكرى الذى قيل إنه مرتكب الحادث , بل إن صورته تكاد تكون أمامى وهى مشوهة بإصابات ظاهرة وحديث له فى إحدى المجلات عن الإسلام وأعداء الإسلام يدل على عمق تفكيره وسلامة فقهه .

ومن ناحية فإن الجميع أجمع على أن الحادث ليس من تدبير الإخوان , ولا كان فى خطتهم .. بعد أن اختفوا خوفا من الإعتداء المدبر ضدهم ..

وأكد لى أحد كبار الإخوان أن المرشد العام لم يأمر باغتيال جمال عبد الناصر .. وأن مثل هذا الحادث الهام لا يتصور وقوعه دون أمره , أى اجتهادا من فرد ..

بل لقد قال لى إنه سمع المرشد يوما فى حزم أنا برىء من دم جمال عبد الناصر وقال لى أخ آخر : إنه صح أن هناك خطة الاغتيال عبد الناصر بالأسكندرية , لكان إخوان الأسكندرية هم المكلفون بها لعلهم بالمنطقة وظروفها , أو على الأقل لكانوا شركاء .. أو على أضعف الإيمان لكانوا على علم بها ..

لكن ايا من هذه الدرجات الثلاث لم يتحقق ..

سبحانك ربى .

ترى ما هى الحقيقة ؟

ربما كشفت عنها الأيام .. قريبا .. أقرب مما تتصور .

لكن شيئا فى نفسى يتردد .

يربط بين ما حدث لجمال عبد الناصر , وما افتعله من قبل مصطفى كمال أتاتورك ومن قبله نابليون .. وكثير من الحكام العسكريين .. ليبرروا البطش بخصومهم ..

وقانا الله شر الجميع ..

أكتوبر سنة 1969

هذا السفه ..

يحكم مصر .. ؟

أصحيح أن مصر خسرت فى حربها الفاشلة سنة 1967 40 ألف مليون دولار ؟

وهل صحيح أنها خسرت فى اليمن قبل ذلك 10 آلاف مليون دولار , غير عطائها الذهبى الذى كانت تقطعه قطعا وتلقى به على القبائل علها تؤيد دولة الطغيان ؟

أصحيح أن صناديق مليئة بالذهب والمجوهرات .. تناهز الثلاثين جمعت من القصور المصادرة .. ثم اختفت ؟

أين ديون بريطانيا التى دفعتها لمصر والتى قدرت أول الثورة بحوالى 400 مليون جنيه ؟

أين رصيد مصر لدى البنك الدولي ؟

اين أموال الملك السابق فاروق التى صودرت ؟

أين أموال أسرته كذلك ؟ أين أموال الإقطاعيين التى صودرت ؟

أين خيرات مصر فى بطن الأرض وفى ظهرها ؟

أين ... ؟

ثم أين ... ؟

وإلى متى .. يحكم هذا السفه مصر ؟

ديسمبر سنة 1969

هذا الإجرام يحكم مصر .. ( حادث طرة ):

( حادث طرة )

سجناء ...

عزل ... يقتلون داخل الزنازين ...

هذا ما لم أسمع به .. فى العالم كله .

إلا فى مصر ..

الزمان .. يونية 1957

المكان .. ليمان طره ..

المتهم الأول .. الصادر عنه الأمر فى رئاسة الجمهورية

المتهم الثانى .. زكريا محيي الدين – وزير الداخلية

المتهم الثالث .. اللواء سعد والي – مدير الليمان

ثم متهمون آخرون .. منهم : الضابط عبد اللطيف رشدي , الضابط عبد العال سلومة .

الوقائع :

أحس الإخوان بوادر المذبحة الفريدة فى التاريخ – كان عددهم 180 – حين أحسوا تفرقة ظالمة بينهم وبين سائر المسجونين .

أحسوا أنهم يعاملون أقل من المجرمين

بل أقل من جواسيس إسرائيل

روبير نسيم , فيكتور ليفى , لوتز .. الخ

وأقل بكثير من مثل زوج الممثلة زوزو ماضى ..

الإخوان يقطعون حجارة الجبل فى وهج الشمس وبرد الشتاء وأولئك المرهفون لا يقطعون الإخوان على ظهورهم لأتفه الأسباب .. وأولئك يدللون .

الإخوان لا يسمح لهم بطعام من بيوتهم , وأولئك يحمل طعامهم الضابط لا العساكر

وكان احتيار المنفذ اختيارا رائعا ..

إنه اللواء سعد والي وقد قيل فى شخصيته الكثير .. والذى أمسك عنه عفة اللسان و ومنعا من أن أقع تحت حد من الحدود .

وأحس الإخوان النية المبيتة فذهب إلى اللواء المذكور ثلاثة يطلبون إليه الحضور إلى العنبر لسماع شكوى الإخوان .

ولم يلبث اللواء وزادت الشكوك .. فأرسل كل واحد من الإخوان شكوى مكتوبة بطلب حضور النيابة للتحقيق لأنه يخشى على حياته , وهذا حق للمسجون .

فأمر اللواء بنقل الثلاثة الذين خاطبوه قبل ذلك , نقلهم إلى التأديب وحضر فى جمع من ضباطه بعد أن قام بتوزيع عساكر الكتيبة المسلحين فوق الدور الذى يسكن به الإخوان . وكان العنبر مغلقا ..

فأمر اللواء بفتح زنزانتين , وأخرج من فيهم , وأمر بربطهم فى حبل واحد كقطيع من الحيوان وكان العنبر مغلقا ..

وانفلت أخ من القطيع ليفتح بقية الزنازين بعد أن تحول التوجس فى نفسه إلى يقين وفتحت ثمان وأربعون غرفة يسكنها الإخوان .. وشاهدوا الجند شاكى السلاح .. فوق رؤوسهم فى الدور الرابع .

وبدأ إطلاق النار ..

فدخل الإخوان الزنازين يجتمعون بها .

لكن الضباط الشجعان . . ووراءهم الجنود .. اقتحموا عليهم الزنازين ولما احتمى بعضهم بإغلاق الباب أطلقوا عليهم النيران من الشراعات ومن الفتحات .

وسالت الدماء غزيرة .. غزيرة واختلطت أصوات الرصاص .. بأصوات التكبير .. ومعها .. حسبنا الله ونعم الوكيل ..

وانتهت المعركة بعد أربعين دقيقة..

وأسفرت عن :

21 قتيلا من الإخوان

21 جريحا من الإخوان

12 حالة جنون من الإخوان

إصابة عسكريين بإصابات طفيفة فى أصابعهما وكان القتلى والجرحى يجرون على ظهورهم ورؤسهم ترتطم بالحجارة وحديد السلالم ..

وحضر المحققون وشوهد صلاح الشتاوى داخل الليمان يوم الحادث وأمر مدير الليمان بعض المساجين بنقل قطع من الحديد إلى مكان الحادث ليدلل على أن ثمة تمردا كان بين الإخوان , لكن أحد المحققين نصحه أن ينتزع من مواسير دورة المياه لتكون أقرب للتصديق فى حصول الإخوان عليها ..

وأشرف النائب العام على التحقيق .

ثم حفظ ..

رغم قتل 21 سجينا .

وجرح 21 سجينا .

وجنون 12 سجينا .

حفظ التحقيق ..

وحفظ الله النيابة ..

وحفظ الله الملك ..

أبريل سنة 1970

هذا الإجرام يحكم مصر .. مقتل شاب داخل الليمان:

مات المهندس الشاب .. فاروق المنشاوي

وكان من خيرة الشباب .. خلقا وأدبا وعلما ..

وكان قتله .. داخل سجنه .. بل داخل زنزانته ..

مهزلة ..

قتله .. مسجون سوابق ..

قتله بمطواة كان يخفيها ..بطعنات فى ظهره ..

وكان السبب الذى قيل أضحوكة قالوا إنه رفض أن يعطى المسجون سيجارة فقتله .

ولم يلفظ الأخ الروح لتوه .. لقد ظل بالمستشفى ست ساعات كان يمكن إسعافه فيها .. لكن تباطؤا عمديا وضح فى عدم إسعافه ولفظ المنشاوى الروح بعد ست ساعات ينزف فيها مات فى مذبحة تشبه مذبحة طره .

مات ليشهد دمه أن :

هذا الإجرام .. يحكم مصر ..

يولية سنة 1970

اللهم ...لا شماتة ..

اللهم .. لا شماتة ..

لكنه ظن أنه لن يموت ..

اللهم لا شماتة .. لكنه كان يدعى بعض صفاتك ..

فقال يوما إنه القادر ..

اللهم لا شماتة .. لكنه كان أعتى على الله من فرعون .

فقد كان فرعون يقبل أن يناقش .. ولم يكن يقبل من أحد مناقشة .

لقد قال فيه على الطنطاوى قاضى قضاة دمشق :

لقد طلبت لقاءك .. وانتظرت واحدا وعشرين يوما دون أن أتلقى جوابا حتى ظننت أنه لا يصل إليك إلا ملك الموت بإذن الله ..

سبحانك يا رب ..

أنت القائل .. " ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا "

وكم صد عن سبيل الله ..

كم قتل ؟

على أعواد المشانق أو تحت سياط التعذيب وآلاته ؟

كم قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس ؟ .. أمثال عبد القادر عودة , وسيد قطب ومن استشهدوا معهم

كم خرب .. ؟

كم خرب الأخلاق .. فراح المنكر معروفا والمعروف منكرا .

كم خرب الإقتصاد .. فعادت مصرأم الدنيا أفقر بلاد العالم ..

كم خرب فى السياسة .. حتى عادى كل العرب .. بل كل العالم عدا الكفرة من السوفيت .

كم خرب الدين ..

وحربه لكل المتدينين بغير اقتصار على طائفة الإخوان دليل على ذلك

" ألا لعنة الله على الظالمين , الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا . "

أكتوبر سنة 1970

تأبين ..

أعده مسجون .. لما ضغط عليه مأمور السجن أن يتحدث إلى المسجونين فى ذكرى الأربعين لوفاته .

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين .

أما بعد :

فإن الله قد أعد الجنة للمؤمنين , وأعد النار للكافرين والفاسقين والظالمين .

ولقد مات زعيمكم ..

ومات من قبله بأربعة عشر قرنا زعيم هذه الأمة وقائدها محمد بن عبد الله فالتاعت الأمة لموته حتى أن عمر بن الخطاب قال من قال إن محمدا قد مات قتلته بسيفى , فوقف الصديق أبو بكر يعلم الناس ويعلم الأمة كلها على مدار التاريخ درس الإيمان الخالد ويقول " من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت "

ولقد سمعتم الكثير عن زعيمكم لكن هناك جانبا لم تسمعوه هو العذاب الذى عاش فيه لقد كان فى قلبه مرض , وكان فى جسمه مرض .

ومات بمرض قلبه ومات بمرض جسمه .

ثم قال فى نهاية كلمته :

فليطمئن الذين يحبونه أنهم لابد محشورون معه فقد ورد الأثر يحشر المرء مع من أحب " ..

نوفمبر سنة 1970

ذلك التأميم ..

ذلك التأميم .. ماذا جنيتم منه .

ها هو فى عامه الثامن أو التاسع .. والناس منه حبالى ..

الناحية الإدارية ساءت حتى بلغت ما اصطلح عليه ب "التسيب "

الناحية الإنتاجية ساءت حتى تناقصت قدرة كل وحدة إنتاجية إلى النصف أو الربع .

الأرباح قلت .. حتى خفت .. ثم اختفت

بل أصبحت الوحدات تحقق خسارة .. ويطلب منها التزوير فى ميزانياتها ..

زادت البطالة المقنعة فى ذلك الجيش الجرار من الموظفين بغير حاجة إليهم .. فمثلا مطحن كان يديره صاحبه ومعه عاملان أو ثلاثة .. حل محل الصاحب ثلاثة مديرين ومع كل مدير هيئة سكرتارية .. ثم عدد من الأمناء .. وعدد من العمال .. والجل عاطل لا عمل له ..

ماذا دهى الدولة حتى أممت فيما أممت المخابرات ؟

تصوروا مخبزا كان صاحبه يديره فأخرج منه لتحل محله هيئة كالتى أشرت إليها .. مرتباتها كلها من ربح المخبز .. ولابد للمخبز أن يربح . فكانت النتيجة على حساب المستهلك أنا وأنتم .. نقص الرغيف , مخالفة لمواصفاته .. الخ .

وماذا دهى الدولة حتى .. قتلت فى الناس روح الإستثمار وروح الإبتكار , وانصرف كل .. يتصرف فيما معه من مال خشية أن تلطشه السلطة ..

ماذلك الهذيان ؟

إلى متى يستنزف اقتصاد مصر ويخرب باسم الإشتراكية والتأميم ؟

يناير سنة 1971

ذلك الإفساد الزراعى :

ذلك الإفساد الزراعى ..

أعرف قصته ..

ذكرها لى أحد الذين ساهموا فى انقلاب 23 يوليو 1952 حين قال لى ..

عرفت أنه صادف هوى لدى الزعيم .. حين قص على ملأ قصة ذلك الباشا الذى أجلسه إلى جوار السائق .. ونسى له أنه سبب دخوله الكلية الحربية وأعرف اليوم نتيجته .

حين تفتت الملكية على ذلك النحو الذى أضر بها .

وحين سيزيدها سوءا لإقامة السد العالى لأنه سيكون ضعف الهرم سبع عشرة مرة ...

ولا أحد أحسن من أحد .. خوفو بنى الهرم . وجمال عبد الناصر بنى ضعفه سبع عشرة مرة ..

وأرى اليوم فى وجوه الفرحين حسرة .

إذ انتشرت طوائف الموظفين ينتهبون الفلاح المسكين حتى أن أحدهم وهو ينتظر محصول القطن ليزوج ابنته ويشترى كسوته .. وجد حسابه عند الجمعية مدينا .. فلطم وجهه وهتف بحياة الزعيم .

كما أرى أثره .. فى نقص الثروة الحيوانية حتى يرتفع ثمن اللحم يوما بعد آخر ..بسرعة يلهث وراءها الناس ..

لقد قيل له .. أفرض ضريبة تصاعدية ..

فأبى ..

وقيل له اجعلها خمسمائة فدان ..

فأبى ...

حتى هوى بها إلى خمسين .. وحتى تشرد أولئك الذين يأكلون مع رجال الإقطاع ..

ليس دفاعا عن الإقطاعيين ففيهم من كان كسبه من حرام , لكن فيهم من كان كسبه حلالا .. ومن يعتبر نزع ملكيته أكلا لأموال الناس بالباطل ..

وصدق الله :

" ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل , وتدلوابها إلى الحكام لتأكلوافريق من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون "

أبريل سنة 1971

ذلك الخيال عن المصانع ..

كل يوم كنا نسمع عن مصانع جديدة تفتح ..

وأعلم يقينا .. أن أكثرها ارتجالا ..

وأن أكثرها يخسر أكثر مما يكسب ..

وأعجب حين أعرف أن مصانع نصر للسيارات تستورد كل أجزاء السيارة .. حتى كلمة نصر مكتوبة باللغة العربية .. ثم يجرى تجميع الأجزاء هنا .

ونقول إننا ننتج السيارات تماما كما أطلقنا الظافر والقاهر وفى حرب سنة 1967 لم نجد ذلك الظافر ولا ذلك القاهر .. بل كان العدو هو الظاهر وهو القاهر وأعجب حين تتدهور .. حتى صناعاتنا التقليدية التى عرفناها منذ عشرات السنين مثل صناعة الغزل والنسيج .. وحين يهبط إنتاجها .. من حيث الجودة كل عام بل كل يوم .. وتجرى الإحصائيات والبيانات بغير ذلك لماذا هذا التضليل

يونيو سنة 1971

القسم الثالث : وثائق قدمتها للقضاء ومن بعده للتاريخ .

هذه مراحل الحكم التاريخى الذى أصدره المستشار محمود هريدي وأحدث دويا عالميا .. مع ما فيها من وثائق ..

من داخل السجن طلبت إقامة الدعوى :

وكلفت شقيقى الذى كان قد عين قيما لمباشرة شئونى الخاصة فى فترة قضاء مدة العقوبة , وكلفته بإقامة الدعوى , فاختار الأستاذ عبد القادر شاهين والأستاذ علي عبد الرحيم وكلفهما بذلك .

وقدمت العريضة بهذا النص :

إنه فى يوم...

بناء على طلب السيد الأستاذ على محمد سيد أحمد جريشه المستشار المساعد بمجلس الدولة ويمثله شقيقه الأستاذ سيد أحمد محمد سيد أحمد بوصفه قيما والمقيم بشارع مصر والسودان رقم 109 قسم حدائق القبة ومحله المختار مكتب الأستاذ علي عبد الرحيم والأستاذ عبد القادر شاهين المحاميين -21 شارع عماد الدين

أنا محضر محكمة قد انتقلت :

(1) السيد – وزير الحربية بصفته ويعلن بمحله المختار إدارة قضايا الحكومة المجمع بميدان التحرير مخاطبا مع .

(2) السيد – شمس بدران المسجون بالسجن الحربى ويعلن فى مواجهة السيد مأمور السجن الحربى بالعباسية .

(3) السيد – صفوت محمد الروبي مساعد بسلاح المشاه ويعلن فى مواجهة السيد وكيل نيابة شمال القاهرة لإعلانه عن طريق إدارة الجيش .

وأعلنتهم بالآتى :

فى 24-8-1965 وكان الطالب آنذاك نائبا بمجلس الدولة وتحت ستار الليل الحالك تسلل رجال المباحث العامة إلى مسكنه وفتشوه رغم علمهم بوظيفته وما يسبغه عليه القانون من حماية وما يفرضه له من ضمانات , وألقى القبض عليه وسيق إلى السجن الحربى .

وظل الطالب فى السجن الحربى دون جريمة يتعرض لصنوف من العذاب فوق احتمال اشد الرجال قوة وأقواهم عزما من تاريخ القبض عليه حتى 27-10-1965 حيث طلب إليه أن يحرر مذكرة بموقفه من جماعة الإخوان المسلمين .

وقبع الطالب فى السجن الحربى بعد ذلك يعانى أقسى ما عرف من التعذيب إيلاما للجسد والنفس إلى أن باشرت نيابة أمن الدولة العليا التحقيق فى 5-12-1965 إلا أنها لم تر فى الأمر إثما وبالتالى لم توجه إله اتهاما .

وفى 7-2-1966 وفى جو الرهبة الذى فرضته قسوة التعذيب وفى ظل صنوفه المختلفة مثل الكى بالنار والصعق بالكهرباء ونهش الكلاب المتوحشة وسط جو القتل والتمثيل بالقتلى وهتك أعراض كرائم السيدات فى ظل ما يحدثه هذا من أثر يطحن كل جسد ويهدم كل نفس فى هذا الجو طلب مدير السجن الحربى آنذاك إلى الطالب أن يقدم استقالته ثم نقله محروسا بزبانية جحيم السجن الحربى إلى مبنى مجلس قيادة الثورة , وعلم الطالب أنه بعد هذا عائد إلى السجن الحربى فما كان من الطالب بطبيعة الحال إلا أن حرر ما أملى عليه صاغرا وما كان يملك إلا الإذعان والخضوع لكل ما يطلب منه .

وفى 15-2-1966 أحيل الطالب إلى محكمة أمن دولة عليا فقضت فى 8-8-1966 بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤقتة ولمدة اثنى عشر عاما فى الجناية 15 لسنة 65 أمن دولة عسكرية عليا .

وبما أن القبض على الطالب مخالف للقانون لأنه كان حينذاك يتمتع بكافة الضمانات التى يتمتع بها رجال القضاء طبقا للمادة 64 من القانون 55 لسنة 69 ومنها عدم جواز القبض عليه أو حبسه احتياطيا إلا بعد الحصول على إذن بذلك من لجنة التأديب والتظلمات , ولم تهمل الضمانات مع أهميتها لرجال القضاء فحسب بل لقد أودع الطالب فى السجن الحربى وهو غير مخصص للمدنين .

ويا ليت الأمر اقتصر على إهدار ضمانات رجال القضاء والإيداع فى سجن غير مخصص للمدنيين بل إن أعنف صنوف العذاب انصبت على الطالب من أعتى جبابرة التعذيب ولم يكن يملك السلطة الغاشمة والنسور المتحكمة والجبروت الطاغى حتى مجرد الدفاع عن نفسه بأى صورة من الصور ولم يكن فى مقدوره أن يحتمى بالقانون بل لم يكن للقانون نفسه أى وجود على الإطلاق ولا نغالى إذا قلنا إن القيم كلها اختفت من كثرة ما لحق بالطالب وأمثاله من ظلم فادح وقسوة بالغة .

وقد ظل الطالب بهذه الإجراءات الباطلة وبالحكم المنعدم يعانى آلام السجن مادية ونفسية إلى أن شاء الله العلى القدير الذى يمهل ولا يهمل أن يرفع الغمة عن هذه الأمة تلك الغمة التى أدت بها إلى ما لا يحب لها المخلصون من أبنائها ولما سطعت شمس ثورة التصحيح وأفلج نور سيادة القانون أعاد طلب بحث تظلمه من قرار قبول الإستقالة وبعد أن كان قد رفض وطرح الأمر كما يوجب القانون على لجنة التظلمات بمجلس الدولة ثم على المحكمة الإدارية العليا بعد تعديل القانون فأصدرت حكمها العادل بإلغاء قرار رئيس الوزراء بقبول استقالة الطالب مؤكدة أن طلب الإستقالة قد صدر تحت تأثير الإكراه المفسد للرضا نتيجة المعاناة من رهبة حقيقية لا قبل للإنسان بتحملها ولا قدرة لأحد على مقاومتها .

ولقد كان الطالب ثقة منه فى ثبوت حقه يطلب بعد السنوات الطوال التى مرت من بدء القبض عليه وتعذيبه حتى العرض على المحكمة العليا كان يطالب بندب الطبيب الشرعى لفحص ما يجسده من آثار التعذيب كما طالب بسماع الشهود الذين يؤكدون بشاعة ما تعرض له حتى قيا إنه توفى من شدة ما ناله ولأن ما تعرض له فوق احتمال البشر إلا ان المحكمة الإدارية العليا رأت بحق أن الأمر ليس فى حاجة إلى تدليل ذلك لأن الكل علم بما كان يحدث آنذاك من تعذيب وقد سمع به القاصى والدانى وتحدث عنه الخاص والعام بل إنه بعد أن اطمأن الناس إلى سيادة القانون وتحدثت الصحف عما ارتكبه الآثمون فى حق الشرفاء من جرائم تقشعر لها ألبدان وتشيب من هولها نواصى الولدان .

وبسبب هذا وخشية تكراره حرص المشرع بل الأمة كلها على النص فى الدستور صراحة على حق الطالب فى التعويض وعلى عدم سقوط هذا الحق .

إن معاملة المواطن المحبوس بما يحفظ عليه كرامة الإنسان وتحريم إيذائه ماديا ونفسيا أمر بديهى والتزام طبيعى إلا أن فظاعة ما حدث للطالب وأمثاله وشناعة الجرائم التى ارتكبت فى حقهم هى التى أملت على المشرع إيراد النص واضحا صريحا فى الدستور حتى لا يكون هناك أدنى شك فى هذا الأمر الطبيعى حتى يبعد عنه أى جدل . ولقد كان ما يجرى فى شأن الطالب مقدمة لما حاق بالهيئة القضائية كلها وكأنما كان بمثابة جس نبض للهيئة مقدمة لما كان يراد بها وقد شجع على ما حدث وما أسفت له الدولة ثم اضطرت إلى تصحيحه وهذا الذى جرى هو ما حمل المحكمة الإدارية العليا فى حكمها رقم 43 لسنة 19 إلى أن تنعى على مجلس الدولة أنه رغم علمه بالقبض على الطالب وحبسه منذ البداية لم يتحرك للتعرف على ما نسب إلى أحد أعضائه ليحقق له الضمانات القانونية .

ولا ريب فى أن هذا الذى كان قد زعزع ثقة الناس ويكفى أن الذى يطبق القانون لا يستطيع أن يحتمى به والذى يحمى الناس من بطش السلطة لا يستطيع أن يدرأ عن نفسه طغيانها .

إن ما نال الطالب من إيذاء مادى وعسف وآلآم نفسية لا يمكن تقديره بمال وإذا كان المقصود بالتعويض هو جبر الضرر فإن المال بالغا ما بلغ لا يمكن أن يجبر الذى وقع على الطالب .. ولذا فإن الطالب قد اكتفى بمبلغ 30 الف جنيه وقد أعفى من رسوم المطالبة به .

وبما أن المعلن إليه الأول مسئول بالتضامن مع تابعيه إليها الثانى والثالث

بناء عليه :

أنا المحضر سالف الذكر قد أعلنت كلا من المعلن إليهم بصورة من هذا وكلفتهم بالحضور أمام محكمة القاهرة الإبتدائية المدنية الكائنة بميدان أحمد ماهر ( باب الخلق سابقا ) بجلسة الدائرة السادسة التى ستنعقد بها علنا فى يوم الأحد الموافق 3-2-1974 الساعة الثامنة أفرنكى صباحا للمرافعة وليسمع المعلن إليهم الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للطالب مبلغ ثلاثين ألف جنيه مع تحميلهم المصروفات ومقابل الأتعاب وشمول الحكم بالنفاذ المعجل بغير كفالة . مع حفظ كافة حقوق الطالب الأخر

خرجت من السجن لأباشر الدعوى :

ودفعت الحكومة عدة دفوع أهمها أن الدعوى سقطت بالتقادم نظرا لأنه مضى على وقائع التعذيب أكثر من ثلاث سنوات .

وتقدمت بمذكرة ردت على دفوع الحكومة , وعلى الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم قلت :

أولا : إنه كان ثمة مانع أدبى من إقامة الدعوى هو الرهبة .. وقلت فى بيانها بالحرف الواحد :

" وقد كانت البلاد كلها تعيش فى رهبة حتى آذنت الجمهورية الأولى بزوال فى سبتمبر سنة 1970 , ولم يطمئن الناس إلا بعد حركة التصحيح فى 15 مايو سنة 1971 , وبالذات بصدور الدستور الدائم فى سبتمبر سنة 1971 وكان المدعى وهوسجين , ومن ورائه شقيقه , يعيشان رهبة أشد , فما أن تقدم المدعى بتظلمه فى 8-9-1968 حتى بطشت به السلطة الغاشمة الحاكمة فأمرت بنقله إلى أقصى سجون الجمهورية فى صعيد مصر ( سجن قنا العمومى ) ونفذ ذلك فى 20-9-1968 , ووضع فى زنزانة انفرادية مدة تزيد على سنة والقانون لا يسمح بذلك إلا فى أحوال التأديب , بعد تحقيق ولمدة لا تزيد على خمسة عشر يوما , وبقى فى ظل هذا الارهاب مدة تقارب أربع سنوات حتى صدور دستور مصر الدائم فى سبتمبر سنة 1971 – يؤكد ذلك أن القيم بعد أن رفض التظلم فى 16-10-1968 ظل ساكنا ساكتا لا يتحرك حتى 17 فبراير سنة 1972 حيث قام بتحريك التظلم فى ذلك التاريخ .

فما الذى منع القيم شقيق المدعى من التحرك بالنسبة للتظلم الذى قدمه فى 8-9-1968 والذى رفض فى 16 من أكتوبر سنة 1968 .

لا شك أنها الرهبة التى جعلت مصر كلها تعيش داخل سجن كبير .. وامتدت إلى أقدس مقدساتها فكان فصل القضاة سنة 1969 .. ولم يعودوا حتى انتهى عهد الإرهاب ..

ثانيا : إن العمل غير المشروع الذى نجم عنه الضرر فى هذه الدعوى بقى إلى وقت رفع الدعوى أو قريبا من ذلك .

فالواضح من تسلسل الأحداث أنه بعد تقديم التظلم مباشرة جرى نقل المدعى إلى أقصى سجون مصر بغير اتباع لقواعد التغريب ولا أسبابه.. و أن هنالك تصرفات شاذة ظلت قائمة مهددة المدعى حتى تاريخ رفع هذه الدعوى وقد أشرت إليها فى المذكرة المقدمة بجلسة 14-4-1973 أمام المحكمة الإدارية العليا إبان وجودى فى السجن , وفى مقدمتها مطاردة المباحث العامة لشقيقى الطبيب الذى كان يعمل بمستشفى قنا , بل ولأسرتى عند ترددها لزيارتى , وقد بلغت المطاردة حد السير وراء الأسرة من القطار حتى داخل السجن , ومحاولة سؤال ابنى الذى لم يكن قد بلغ حد التمييز عن الأشخاص الذين كانوا فى استقبالهم على محطة القطار ..

ثالثا : فات الحكومة أن العمل غير المشروع الذى انصبت عليه الدعوى هو التعذيب حملا على الإعتراف .. وهو يشكل جناية يعاقب عليها قانون العقوبات فى المادة 126 منه , وههذ الجناية ارتكبت سنة 1965 ولا تسقط إلا فى 1975 وإقامتها مسئولية النيابة العامة التى خوطبت من فوق منصة المحكمة الإدارية العليا , والتى تخاطب اليوم من فوق منصة قضائنا العادل الشامخ .

وما دامت الدعوى الجنائية لم تسقط فإن الدعوى المدنية عن نفس الموضوع لا تسقط عملا بنص المادة 172-2 مدنى .

رابعا : وأخيرا..

فلقد تجاوب المشرع الدستورى مع الأحداث الأليمة التى عاشتها البلاد قبل صدور دستور مصر الدائم فى سنة 1971 فارتفع بنصوص التقادم – لأول مرة فى التاريخ – إلى مستوى النص الدستورى , وجاء نص المادة 57 من الدستور مانعا من تقادم الدعوى الجنائية أو المدنية بالنسبة لكل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون وموجبا على الدولة التعويض العادل لمن وقع عليه الإعتداء .

وفى الحديث عن عناصر المسئولية التى تقوم عليها الدعوى أشرت إلى العنصر الأول الخطأ .

ونقلت فى التدليل عليه من حكم المحكمة الإدارية العليا " وقد اتسمت التصرفات التى اتخذت حياله منذ الوهلة الأولى بمخالفة القانون وخرق احكامه " فقد :

(أ) كان يتعين عند القبض عليه فى حالة التلبس ولم تكن قائمة أن يرفع الأمر إلى هذه اللجنة لجنة التظلمات التابعة لمجلس الدولة فى مدة الأربع والعشرين ساعة التالية لتقرر إما استمرار حبسه أو الإفراج عنه بكفالة أو بغير كفالة مع تحديد مدة الحبس فى القرار الذى يصدر بالحبس أو باستمراره .

(ب) ومراعاة هذه الإجراءات كلما رؤى استمرار الحبس الإحتياطى بعد المدة التى قررتها اللجنة .

(ج) وعدم جواز اتخاذ أى اجراء من اجراءات التحقيق معه أو رفع الدعوى الجنائية عليه فى جناية أو جنحة إى بإذن من اللجنة المذكورة وبناء على طلب النائب العام .

(د) كما كان يتعين حبسه وتنفيذ العقوبة المقيدة للحرية بالنسبة له فى أماكن مستقلة عن الأماكن المخصصة لحبس السجناء الآخرين .

وعلى الرغم من كل هذه الضمانات القانونية فقد أهملت كل الجهات المعنية أعمال هذه الأحكام جملة وتفصيلا , وانفردت بالقبض على الطالب وحبسه احتياطيا دون عرض الأمر على لجنة التأديب والتظلمات لتمارس اختصاصاتها بالنسبة له مهدرة بذلك أهم الضمانات المقررة قانونا لرجال القضاء .

ويحكى تقرير نفوض الدولة المقدم للمحكمة العليا فى نفس القضية فإلى جانب ما توضحه هذه الوقائع من جوانب الألم النفسى الذى لابد قد اعتصر المتظلم وهو يرى نفسه وقد انتهكت كرامته .. كرامة القاضى , وأطرح بحصانته .. حصانة القاضى , وزج به فى سجن استثنائى , هو السجن الحربى لشهور طويلة امتدت لستة أشهر دون أن يوجه إليه اتهام , وبقى خاضعا خلال هذه المدة للسيطرة المادية المباشرة للسلطة العسكرية الإستثنائية المتولية شئون الضبط والإستجواب , وإدارة السجن النزيل فيه , وهى المباحث الجنائية العسكرية ..

وتضغط وقائع الأليمة على المتتبع لها فيصرخ التقرير أو يكاد وقبل ذلك كله ليس مقبولا عقلا أن يتجاوزوا عن الواقعة التى علموا بها .. واقعة سلب حرية متظلم .. النائب بمجلس الدولة , المتمتع بحصانة القضاة وضماناتهم دون إذن من المختصة بذلك فى المجلس .. وبعد قليل يصرخ التقرير ثم تغافلت أى الإدارة عما تحقق علمها به من أوجه مخالفة القانون مخالفة جسيمة بسلب حرية المتظلم دون إذن من الجهة القضائية التى ينتمى إليها ..

تلك كانت البداية . وهى بداية أليمة مريرة ..

أما ماحدث بعد ذلك فقد أشرت إلى بعضه فى المذكرة المقدمة منى إبان سجنى فى 14-4-1973 للمحكمة الإدارية العليا فقد جاء بها : إننى أجد نفسى غير قادر على الحديث عن الجانب الشخصى الذى حدث لى واكتفى فى هذا الصدد بالحقائق الآتية :

الحقيقة الأولى :

أننى أشرفت على الموت أكثر من مرة .. جوعا , وعطشا , وتعذيبا حتى لقد شاع نبأ موتى فى السجن , ثم انتشر خارج السجن حتى تناقلته وكالات الأنباء , وأذاعته إحدى المحطات الأجنبية فى 30 من سبتمبر سنة 1965 وفى الواقع لم يكن ذلك مبالغة , فقد كنت فى ذلك الوقت بين الحياة والموت , بل كنت إلى الموت أقرب .

الحقيقة الثانية :

أننى برغم مضى ثمانى سنوات , فلا تزال آثار التعذيب باقية فى جسمى شاهدة على جرم وقسوة ما حدث .

الحقيقة الثالثة :

وهى ما استطاعت هيئة مفوض الدولة فى ذكاء وفطنة أن تستشفه وتستظهره من أوراق القضية رقم (12) لسنة 1965 , وهى وجود فترات متباعدة , بين إجراءات القبض على وإجراءات التحقيق , فلقد قبض على فى 24-8-1965 ولم تتفضل نيابة أمن الدولة بالتحقيق معى إلا بعد أكثر من ثلاثة شهور فى 3-12-1965 فماذا كان يحدث فى هذه الفترة ؟

هل كنت أتنزه فى طرقات السجن الحربى ؟

إن ما كان يحدث فى السجن الحربى معلوم لدى الكافة بالضرورة .. ثبت فى محاضر جلسات رسمية , وفاضت به أشهر صحف وتحدث به رسميون ثم لم يوجه إلى الإتهام إلا بعد ذلك بشهور فى نفس اليوم الذى علمت فيه نيابة أمن الدولة بقبول استقالتى .

وتبلغ بى المرارة منتهاها فأقول وأنا ما أزال سجينا وأننى إذ أطالب بوقف الجريمة وتصحيح الوضع لا أعتبر رد الحق كافيا .. بل لابد من رد الإعتبار .. ولا يتحقق ذلك إلا أن تتقدم الدولة باعتذار رسمى عما حدث باعتبارها شخصية معنوية مسئولة تاريخيا وسياسيا , وأدبيا عما حدث .

ومضيت بعد ذلك أقول فى نفس المذكرة .. والآن بعد أن ردت إلى حريتى , ولم يرد إلى بعد اعتبارى هل أستطيع أن أتحدث عن كل ما رأيت ؟ أحسبنى ما أزال غيرقادر , ويكفى أن أشير إلى أن القائمين على أمر السجن الحربى مارسوا ما يلى :

1- حرب التجويع والتعطيش :

فقد كان ما يقدم لنا لا يقيم أود الطفل حتى اضطررنا إلى الأكل من القمامات ( الزبالة ) التى يلقى بها عساكر السجن الحربى ومنه قشر الموز وقشر البرتقال وقشر البيض , ولم نكن نجد أوراق الأشجار التى كان يأكلها المسلمون الأوائل حين حبستهم قريش فى الشعب ومارست معهم حرب التجويع وكان يقدم للسبعة منا داخل الزنزانة كوب ماء واحد فى شدة الصيف فى اليوم الواحد 24 ساعة .

2- حرب الإنهاك :

وكان ذلك وفقا لخطة موضوعية حيث يوقظنا عساكر السجن بطريقتهم المألوفة ضربا بالأحذية أو ضربا بالسياط فى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل حيث يبدأ يومنا .. ننزل لقضاء الحاجة الدخول إلى دورة المياه فى الطابور نحمل معنا الأوعية التى قضينا فيها حاجتنا بالليل وندور بها فى طابور جرى فى فناء السجن .. ثم يسمح لنا بدخول الدورة للمرة الأولى والأخيرة فى اليوم كله وذلك لمدة دقيقة واحدة للفرد الواحد .. فإن تأخر عن ذلك دخل عليه الزبانية .. داخل الدورة ليوجعوه ضربا بالسياط حتى يقوم .. تلك الفترة الحالكة من تاريخ مصر .. وكلها جرائم , وبعضها يرتفع إلى مستوى الجنايات .

وعن إثبات الدعوى جاء بالمذكرة :

أولا : اليوم تشهد عليهم ألسنتهم ..

نقلت هيئة مفوض الدولة ما قاله رئيس الجمهورية السابق أمام المؤتمر القومى العام للإتحاد الإشتراكى العربى فى الجلسة الخامسة من دورته العادية الأولى المنعقدة بتاريخ 23 من سبتمبر سنة 1968 فى مارس 1964 أنهيت حالة الطوارىء فى الجمهورية (سنرى إنهاء حالة الطوارىء كان خداعا إذ استبدل بها قانون يعطى رئيس الجمهورية سلطات أوسع ) وما كانش فيه ولا معتقل واحد ( تحولوا إلى مساجين ) ..

واستمرينا على كده حتى يوليو 1965 حينما اكتشفنا المؤامرة الإخوانية اللى قريتوا عنها فى هذا الوقت .. وعلى هذا الأساس بدأت الإعتقالات فى يوليو 1965 واعتقلنا عددا كبيرا لأن ما كناش عارفين مدى المؤامرة وحدودها , ولأن كل يوم كنا بنعرف حاجة جديدة , واعتقل فى هذا الوقت من الناس اللى خرجوا من السجن الحربى واللى خرجوا من المعتقلات واللى كانوا فى الجهاز السرى , واللى كانوا بيجمعوا تبرعات .. اعتقل حوالى ستة آلاف فى هذا الوقت .

ستى آلاف يا .. فى قضية واحدة .. لم تطلق فيها رصاصة واحدة ..

وأمريكا يقتل رئيس جمهوريتها فلا يعتقل إلا واحد أو اثنان .

ثانيا : وتشهد عليهم قوانينهم ..

إن القانون الذى تم فى ظله الإعتقال بعد إلغاء حالة الطوارىء كان يعطى رئيس الجمهورية سلطات أوسع مما تعطيه له حالة الطوارىء .. وهى فى الوقت نفسه غير موقوتة بوقت كما هو الحال فى حالة الطوارىء ..

وهكذا قنن الظغاة .. الظلم , والطغيان ..

تنص المادة الأولى من القانون 119 لسنة 1964 يجوز بقرار من رئيس الجمهورية القبض على الأشخاص الآتى ذكرهم هكذا من غير سبب .. وحجزهم .. بغير تحديد لأى حد أقصى .. فى مكان أمين .. مثل السجن الحربى :

1- الذين سبق اعتقالهم فى الفترة من 23 يوليو 1952 إلى 26 مارس 1964 هكذا من غير حصر ..

2- الذين طبقت فى شأنهم أحكام القانون رقم 34 لسنة 1962 المشار إليه والذين استثنوا من أحكامه .. وبمنطق الظلم كان يكفى من طبق فى شأنهم القانون لكن الظلم افتقد المنطق فقرر إدخال من استثنوا كذلك من أحكامه .

3- الذين طبقت فى شأنهم القوانين الإشتراكية ليتحقق مع خراب الديار .. الموت كذلك .

4- الذين فرضت على أموالهم وممتلكاتهم الحراسة وفقا للقانون 162 لسنة 1958 المشار إليه وهنا أيضا يتحقق الموت وخراب الديار ..

5- الذين صدرت ضدهم أحكام من محاكم أمن الدولة الجزئية مثل جرائم التسعيرة والجرائم التموينية – أو العليا – مثل القضايا السياسية وقضايا الإختلاس .. الخ .

من بقى بعد ذلك من سكان مصر يمكن أن يفلت من يد الإعتقال الآثمة الملطخة بالدماء .. ؟

أما المادة الرابعة من نفس القانون فتقضى :

لا يجوز الطعن بأى وجه من الوجوه أمام أية جهة كانت من قرارات رئيس الجمهورية الصادرة وفقا لأحكام هذا القانون .

سبحانك ربى ما أحلمك ..

هذا القانون الذى ألغيت به حالة الطوارىء ..

لقد فرض أحكاما عرفية دائمة لا تتقيد بمكان ولا بزمان .. وإنما يصطلى بها أهل البلد الأمين .. حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا ..

هذه الأوضاع الإستثنائية , وهذا الطغيان المقنن .. كانت تعيشه مصر داخل سجن كبير وكنا نختنق داخل السجن الصغير .. فى جحيم السجن الحربى الملتهب .

ثالثا : .. بصمات المجرمين ..

كثيرا ما يترك المجرم بصمته فى مكان جريمته ..

ولقد ترك المجرمون بصمات لهم فى هذه الأوراق ..

فقد أشار تقرير مفوض الدولة المقدم للمحكمة الإدراية العليا الصادر حكمها فى 9-6-1973 و من حيث إن الواضح من متابعة حلقات الضبط والإستجواب والتحقيق على النحو الذى أسلفناه أن ثمة فواصل زمنية ممتدة تباعد بين تاريخ ضبط المتظلم وبين تاريخ إقراره بما أقربه كتابة ..

وبين تاريخ بدء النيابة العامة نيابة أمن الدولة فى مباشرة إجراءات التحقيق .. وامتداد هذه الفواصل الزمنية المتباعدة زمنا ما ينبىء عن احتمالات الضغط ماديا خلالها على المتظلم .

وقد كان التقرير رفيقا حين قال ينبىء عن احتمالات الضغط ماديا ..

.. وبصمة أخرى للمجرمين .

ذلك الإقرار الخطى المعنون القيادة العامة للقوات المسلحة – الشرطة العسكرية – المباحث الجنائية العسكرية ما مناسبة تحريره ؟ ولماذا كان تحريره فى 27-10-1965 .. بعد أكثر من شهرين من القبض على المدعى .. لماذا لم يحرر فى 25-8-1965 أو فى 26-8-1965 أو فى 27-8-1965 , وقد كان القبض فى 24-8-1965 .. ماذا كان يجرى خلال هذين الشهرين حتى تم كتابة هذا الإقرار فى 27-10-1965 .. ؟؟

رابعا : .. كلمات مؤمنين بإذن الله .

ولو لم تكن صادقة ما قيلت ..

إشارة فى التظلم المقدم فى 8 -9-1968 إلى رئيس مجلس الدولة .

إشارات فى أول مذكرة مكتوبة للمدعى فى 4-4-1972 من غير إذن سلطات السجن .

كلمات عن التعذيب بجلسة 16-6-1972 أمام لجنة التظلمات بمجلس الدولة :

كلمات أخرى بجلسة 14-4-1973 مسجلة بمحضر الجلسة أو مكتوبة فى المذكرة المقدمة وصرخة من الأعماق لئن كن1ت نفيت عن نفسى كل عمل جنائى ومازلت أنفيه , فإن اختلافى مع العهد الذى تساقط ابتداء من سبتمبر 1970 تهمة لا أنفيها وشرف أدعيه ثم لا يكفى رد الحق لرد الاعتبار .

واختتمت المذكرة بنفس الكلمات التى بدئت بها ..

يهون العمر ولا نخون .

والكذب خيانة

وقاض بذل فى الله ثمانى سنوات .. لا يكذب ولا يغش ولا يخون والأمر أمر قيم ومثل .. تبقى أو تزول .

والأمر أمر قضاء .. يقتض له أو يهون .

وفى السكوت موت .. وفى القصاص حياة .

يا أولى الألباب ..

ولله الأمر من قبل ومن بعد ..

صدور الحكم التمهيدى برفض دفوع الحكومة وإحالة الدعوى إلى التحقيق :

وبجلسة 26-5-1974 أصدرت محكمة جنوب القاهرة الدائرة 6 مدنى برئاسة المستشار إبراهيم عزت حكمها برفض دفوع الحكومة , وإحالة الدعوى إلى التحقيق .

وجاء فى حيثيات حكمها :

وحيث إنه لما كان البادى من الأوراق وما سجله حكم المحكمة الادارية العليا فى الطعن رقم 43 سنة 1969 المقدم من شقيق المدعى بوصفه قيما عليه يتظلم فيه من قرار رئيس الوزراء الصادر بتاريخ 13-2-1966 بقبول استقالة المدعى والصادر بجلسة 9-6-1973 من أن التصرفات التى اتخذت حياله ( المدعى ) منذ الوهلة الأولى قد اتسمت بمخالفة القانون وخرق أحكامه .. فقد توليت المباحث العامة بناء على طلب مفتش المباحث العامة فرع القاهرة القبض عليه وتفتيش منزله فى 24-8-1965 , وظل مقبوضا عليه قرابة الأربعة أشهر دون تحقيق يجرى معه اللهم إلا المذكرة التى حررها بخطه فى 27-10-1965 , ولذلك فإن ثمة مبررا ظاهرا كما أهملت كل الجهات المعنية ما قضى به قانون مجلس الدولة من ضمانات خاصة بأعضائه منها جواز القبض عليه أو حبسه احتياطيا إلا بعد الحصول على إذن من لجنة التأديب والتظلمات بمجلس الدولة كما كان يتعين عدم اتخاذ أى إجراء من إجراءات التحقيق معه أو رفع الدعوى الجنائية عليه إلا بإذن من اللجنة المذكورة كما كان يتعين حبسه وتنفيذ العقوبة المقيدة للحرية بالنسبة له فى أماكن مستقلة عن الأماكن المخصصة لحبس المساجين الآخرين .. وقد أهملت الجهات المعنية أعمال هذه الأحكام جملة وتفصيلا وانفردت بالقبض عليه وحبسه احتياطيا مهدرة بذلك أهم الضمانات المقررة لرجل القضاء كما أن مجلس الدولة – الذى ينتسب إليه المدعى – رغم علمه بالقبض على المدعى وحبسه منذ البداية لم يتحرك للتعرف على ما نسب إلى أحد أعضائه .

وليس من شك فى أن من شأن هذه التصرفات ما يزعزع ثقة المدعى وقتئذ فى أن السيادة كانت للقانون ولأحكامه . ويكون ما استقر فى نفسه من أن الغلبة كانت لمنطق القوة دون القانون وضماناته له ما يبرره . فإذا كان ذلك كان من الواضح الجلى أن فيما اتخذ المدعى من اجراءات تعسفية تتمثل فى القبض غير القانونى والحبس فى غير المكان المعد لمثله والتعذيب بصوره المختلفة كان نتيجة أوامر وتعليمات صادرة من السلطات القائمة وقد أوقعت فى نفسه بلا شك سواء كان فى السجن أو خارجه كما أوقعت فى نفس القيم عليه رهبة شديدة ومخاوف عظيمة من أن تمتد يد الإرهاب لتشمل القيم كما شملت به المدعى من قبل مما يحول دونه والمطالبة بالحقوق التى كفلها القانون للمدعى طوال استمرار هذه السلطات فى مباشرة أعمالها .

وليس من شك فى أن هذه التصرفات البربرية تمثل مانعا مما يحول دون المدعى أو ممثله من إقامة هذه الدعوى ويوقف بالتالى سريان مدة التقادم المنصوص عليها فى المادة 172 مدنى .

هذا فضلا عن أن من بين أعمال غير المشروعة التى تقوم عليها هذه الدعوى واقعة داخل السجن الحربى التى استهدفت حمله على الإعتراف بما أسندته إليه السلطات القائمة من اتهامات تتصل بجماعة الإخوان المسلمين المنحلة وهذه الجناية التى ارتكبت سنة 1965 لا تسقطه بداهة قبل عام 1975 .

وتأسيسا على ذلك فإن هذه الدعوى فى شق منها تعد ناشئة عن جريمة لم تسقط فيها الدعوى الجنائية بعد وبالتالى فلا تسقط دعوى المطالبة بالتعويض عن هذه تعد الجريمة إلا بسقوطها عملا بالمادة 172-51 مدنى ويضاف إلى ما تقدم جميعه أن الوقائع التى تضمنتها صحيفة الدعوى – لو تبث تعد انتهاكا للحرية الشخصية واعتداء صارخا على حقوق المواطنين وحياتهم الخاصة وقد كفل الدستور الدائم الصادر سنة 1972 حماية هذه الحقوق إذ نص فى المادة 57 على أن كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة المواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم , وتكفل الدولة تعويضا عادلا للموقع عليه الاعتداء .

وحيث إنه بناء على ما تقدم جميعه فإن الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم الثلاثى يكون على غير سند من القانون تلفت عنه المحكمة .

وبدأت مراوغات .. ومناورات :

طلب محامى الحكومة بجلسة 16-6-1974 التأجيل لإعلان شهود نفى – أى ينفون واقعة حدوث التعذيب فتأجلت لهذا السبب لجلسة 13-10-1974 كطلب الحاضر عن الحكومة لإعلان الشهود وفى الجلسة المحددة تكرر الطلب فأجلت لنفس الجلسة 3-11-1974 .

وبجلسة 3-1-1974 حضر هن الحكومة ثلاثة من مستشارى قضايا الحكومة وطلبوا مد أجل التحقيق لمدة ستة أشهر أخرى لأنه رؤى استيضاح الحربية فى بعض النقاط الخاصة بالدعوى , وطلب معلومات .

وعارض الحاضر عن المدعى مقررا أن هذا أمر ضار بحقوق المدعى وأن هذا من قبيل المطل والتسويف , وقرر المدعى أنه كان أمام الحكومة ستة أشهر كاملة , وأنها بسبب جديد لا مبرر له .. ويمكن لها أن تستكمل بياناتها أثناء جلسات المرافعة دون حاجة إلى مد أجل التحقيق , وأن العدالة تتأذى من هذه الطلبات التى لا مبرر لها .

والمحكمة قررت أنه ما زال أجل التحقيق متسعا ليقوم المدعى عليه الحكومة بإعلان شهوده مما لا يدعوا إلى إجابة طلب مد أجل التحقيق , وقررت للمرة الثالثة التأجيل لجلسة 8-12-1974 كطلب المدعى عليه لإعلان شهوده .

وبالجلسة المحددة 8-12-1974 حضر مستشاروا الحكومة الثلاثة وقرروا أن كشفا بأسماء موظفى السجن وصلهم منذ ثلاثة أيام وطلبوا أجلا لإعلان شهود النفى والحاضرون مع المدعى طلبوا رفض الطلب .

والمدعى طلب أن يذكر السادة المستشارين الحاضرون عن الحكومة أنهم رجال قضاء قبل أن يكونوا خصوما , وقررأن هذه القضية هى الأولى من نوعاها التى تم فيها ما يلى :

1- أرسلت فيها قضايا الحكومة على وجه التقريب ثلاثين استعجالا .

2- أرسل بشأنها خطاب شخصى إلى السيد المشير وزير الحربية .

3- حضر ثلاثة من المستشارين لطلب التأجيل .

وقد كان أمام الحكومة ستة أشهر سابقة كاملة لاستحضار معلوماتها أو إعلان شهودها .

ثم قرر : إننا أعدنا إعلان السيد العقيد طبيب محمد ماجد حماده طبيب السجن الحربى فى ذلك الحين برقم 7194 شمال فى 4-11-1974 ولا يزال القضاء العسكرى عند موقفه وتمسك بسماع شهوده . .

وقرت المحكمة رفض طلب محامى الحكومة التأجيل .

فتقدموا فى نفس الجلسة بتظلم من القرار القاضى برفض طلب مد أجل التحقيق طبقا للمادة 74 من القانون 25 لسنة 1968 الخاص بالإثبات .

وقررت المحكمة إعادة الدعوى إلى المرافعة لجلسة اليوم ليفصل فى التظلم مع رفض طلب مد أجل التحقيق , وفى نفس الجلسة حكمت المحكمة – على وجه السرعة – بقبول التظلم شكى وبإحالة الدعوى للتحقيق لجلسة اليوم للإستماع لأقوال الشهود .

وتحدث الشهود :

أولهم : كان نائبا لرئيس مجلس الوزراء فى سنة 1965 والآن مدير عام اللجنة العربية للتنمية بالخرطوم الدكتور كمال رمزي استينو – وقد شهد بوقائع خطيرة سابقة على إجراء القبض .

وثانيهم : سيد أحمد محمد ضابط سابق بالقوات المسلحة , ومحامى حاليا – وقد شهد بالحالة التى رأى المدعى عليها حين رآه ووجهه به جروح لأول مرة داخل السجن الحربى , كما وصف ما رآه حين دخل السجن الحربى , وحين استدعى للتحقيق فى ساحته وحين عاش مع تلك الفئة المؤمنة الطاهرة .

وثالثهم : إبراهيم منير بالهيئة العامة للتعاون الزراعى وقد شهد بما شاهده حين رأى المدعى لأول مرة يزحف على يديه وركبتيه , ويصعد السلم كذلك وينزله كذلك , وما رآه بعد ذلك من وقائع ..

ورابعهم : عبد المنعم محمد الحنفي – موظف بمحافظة القاهرة وقد شهد بوقائع التعذيب وشهد بمن أمر بالتعذيب – كما سمع من شمس بدران .

وخامسهم : ...

وسادسهم : .. شهدوا بمحاولة المباحث الجنائية العسكرية القبض على زوجة المدعى أو استدعائها..

وامتدت جلسة الإستماع إلى الشهود إلى ما بعد صلاة العصر ..

وأعيدت الدعوى إلى المرافعة بجلسة 12-1-1975 .

واسقط فى يد محامى الحكومة وقرروا إقامة الدعوى ضد كل من :

1- شمس الدين على بدران .

2- ورثة حمزة بسيوني قائد السجن الحربى سابق .

3- ورثة سعد زغلول عبد الكريم قائد الشرطة العسكرية بفرعيها .

4- حسن على خليل قائد المباحث العسكرية سابقا .

5- ملازم شرف محمد صفوت الروبى ضابط عامل بالجيش الثالث ومسئول عن عمليات التعذيب بالسجن الحربى سنة 1965 .

6- حسن كفافي رائد سابق بالمباحث العسكرية .

وتداولت القضية بالجلسات حتى حجزن للحكم بجلسة 30-3-1975 وصرح فيها بالمذكرات .

تقدمنا بهذه المذكرة :

وهذا نصها :

بسم الله الرحمن الرحيم

محكمة جنوب القاهرة الابتدائية

( الدائرة 6 مدنى )

مذكرة بدفاع : الأستاذ على محمد سيد أحمد جريشه مدعى ضد : وزير الحربية – بصفته - مدعى عليه فى الدعوى رقم 12 لسنة 1974 مدنى كلى جنوب القاهرة المحدد للنطق بالحكم فيها جلسة 30-3-1975

هذه الدعوى ... دعوى تعويض عن ضرر أصاب المدعى بسبب خطأ المدعى عليه وتابعيه بل خطاياهم وهى فى الوقت نفسه :

تاريخ ... وتاريخ حقبة سوداء .. لا تزال مصر تعانى آثارها .. خلقيا واقتصاديا , وسياسيا .

ومحاكمة ... لعصابة مجرمة .. أمسكت السياط تلهب وتدمى جلود المؤمنين والعالم كله يمسك بمفاتيح العلم والإختراع لإسعاد الشعوب .

وقصاص ... لن نحيا بغيره .. وإلا .. لوثب .. صفوت الروبى .. وحسن كفافي .. يحكمون مصر من جديد يسومونها الخسف , والعذاب والإذلال , وصدق الله " ولكن فى القصاص حياة .. يا أولى الألباب "

والقصاص – حتى الآن – قصاص مدنى ليس بحثا – من طلاب الآخرة – عن ثروة .. لكنه قصاص من طلاب الدنيا فيما عاشوا له .. يأكلون ويتمتوع , كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ويعلم الله تلم الآلاف – القليلة بعد ذلك – إن كان للمدعى فيها شىء .. فلن يعوضه عما أصابه .

وللمحكمة أن تنوه بغيره .. من القصاص الواجب .

وفى ظل النصوص القائمة يمكن – إذا صحت النوايا – أن يمارس أكثر من قصاص ..

وقائع هذه الدعوى :

ماثلة فى : حكم المحكمة فى 26-5-1974 .

فى مذكرتنا السابقة المقدمة قبل الحكم السابق .

وفى حكم المحكمة الإدارية العليا 43 لسنة 19 المضمومة وفى تقرير هيئة مفوضى الدولة فى الدعوى السابقة .

وفيما هو ثابت فى المذكرة المقدمة منا أثناء السجن إلى المحكمة الإدارية العليا بجلسة 14-4-1973 وأقوالنا فى نفس الجلسة .

وأخيرا .. أقوال الشهود بجلسة 8-12-1974 .. والتقارير الطبية وصور التعذيب المقدمة بعد ذلك .

مقتطفات من أقوال الشهود :

أولهم : كان نائبا لرئيس الوزراء , ثم عضوا فى لجنة تنفيذية عليا تضم ثمانية أعضاء قيل إنها كانت تحكم مصر الدكتور كمال رمزي استينو يبدأ شهادته بتسجيل فخره بقضاء مصر فى أشد الأيام ظلاما عندما كانت الشرطة العسكرية والمخابرات تكيل التهم الباطلة .. وتزيف الحقائق ..

ثم يشهد أن المباحث العسكرية كسرت حجرة المستشار علي جريشة وأخذوا جميع الملفات وأنه تحقق من هذه الواقعة , وأن ذلك كان بعد طلبهم منه الشهادة ضده , وقبل القبض عليه بأيام وهذه البداية الطبيعية ثم يسجل – التاريخ – أنه أبلغ الرئيس عبد الناصر بما حدث لى .. وموضوعات أخرى .. فينتفى بذلك أنه لم يكن يعلم .. وإن كانت هذه فى حد ذاتها – مصيبة .

ثم يسجل – التاريخ أن وزير العدل , لم يعلم بالقبض على أحد قضاته .. مدة ثلاثة أيام .. إلا حين أخبره الشاهد ..

ثم ينقل , عن وكيل وزارة اعتقل , حكى له كيف كان يسمع من زنزانته صراخ المسجونين وأصوات الكلاب الحربية وهى تعتدى على المسجونين

وثانيهم : كان ضابطا بالقوات المسلحة ويعمل محاميا .. سيد أحمد محمد – بدأ شهادته بقوله : أنا أحمد الله تعالى الذى هيأ لى هذه الفرصة لأقول قوله حق , وأنه مهما طال الزمن فلن ينسى تلك الجريمة التى حدثت سنة 1965 والتى تتواضع أمامها جميع المذابح التى حصلت والتى سوف تحصل على مدى التاريخ . هكذا .. جرح المأساة .. بعيد الأغوار فى نفسه ..

يقول ضابط سلاح المدرعات :

وإذا بى أفاجأ بفتح بوابة السجن وكأنى داخل ميدان معركة بسيارات مصفحة وأجهزة راديو ولاسلكى وأصوات الكلاب تنبح بأصوات تعذيب وصراخ وجثث ملقاه يمينا ويسارا .. "

واستطرد بعد أن وصف ميدان المعركة يصف مواجهة الطغاة لهم بالمدعى يقول :

واستدعى الأستاذ علي جريشة إلى داخل الغرفة وأقسم بالله أننى لم أعرفه من النظرة الأولى كان شخصا آخر غير علي جريشة مهلهل الثياب مليئا بالدم إصابات بكل وجهه حافى القدمين ..

وسئل المدعى عما نسبه إلى وبدون أن ينطق إذا بزبانية جهنم تنهال عليه ضربا أمامى ويسقط على الأرض ثم يرفعه لعدم استطاعته القيام ثم يعودوا إلى ضربه مرة أخرى إلى أن قال المدعى أنا فعلا سألته وكان ذلك بعد عشر دقائق من الضرب المتواصل ثم انصرف تلاحقه السياط ..

ويقول بعد ذلك :

وكلنا – ومن بيننا المدعى – كان يمثل بنا فى السجن الحربى وكان يبدأ الساعة 4 صباحا بالسياط إلى دورة المياه التى لم يكن يسمح للفرد بالبقاء فيه أكثر من ثوان معدودات .. ثم تبدأ طوابير الجرى التى تتواضع أمامها طوابير الجرى بالقوات المسلحة من ساعة القيام إلى المساء ويتخللها دقائق معدودة يتم فيها كنس الأفنية بأيدينا وكان من ضمننا المستشار علي جريشة

وفى مناقشة أضاف أن موضع الضرب كان على كل جسمه وبصفة مطلقة وكان منظره مشوها , وكان فى حالة إعياء شديد , وأنه كان مصابا فى وجهه ويديه وقدميه , وأن الإعتداء بالضرب كان أمام العميد سعد زغلول وحسن خليل , وحسن كفافي , وأن العميد سعد زغلول رئيس الشرطة العسكرية كان يقول علي جريشة يا ابن الكلب .

أما الثالث : فكان إبراهيم منير موظف الهيئة العامة للتعاون الزراعى فقد وصف المدعى فى أول لقاء لقيه فيه أغسطس 1965 حين كان مصطفا مع سائر المعتقلين وانتظروا ساكن الزنزانة 49 الذى تأخر فى النزول رغم الرهبة التى كانت تدفع إلى الإسراع فى النزول فلقيت شخصا نازلا على ركبه وكوعه .. وكان يصرخ ويئن من النزول .. وسلالم السجن الحربى عالية وحديد وخرسانة ترهق الشخص العادى .. وظللت طوال 15 يوما وأنا مغلق على بدون مياه ولا أكل ولا تحقيق , وكنت أسمع حركة الزنزانة 49 والمناداة على شاغلها .. وبعد 15 يوما تقريبا فتح على جندى اسمه سراج وأمرنى بتنظيف الزنزانة 49 واستمرت هذه العملية مدة أسبوع ورأيت فيها الأستاذ على كان نائما على الأسفلت ولا أذكر أنه كانت هناك بطاطين , وكانت الجروح ما زالت دامية .. وفى هذه الفترة لم يكن فى الزنزانة ماء , ولا أكل وفى هذه الفترة أيضا رغم عدم استطاعته الحركة كان يطلب للتحقيق باستمرار .. وبعد حوالى شهر طلبت للتحقيق .. ومكثت من الساعة الرابعة عصرا حتى منتصف الليل وكان الأستاذ جريشه موجودا والمباحث العسكرية موجودين وكانوا يرهبون المعتقلين به على اساس أنه قاض وناله هذا التعذيب , واستمررت مجاورا له . وأقوم بتنظيف الزنزانة لعدم استطاعته الحركة لمدة أكثر من ثلاثة شهور .

ثم حكى قصة الإستقالة – كما شهدها- ثم قصة العذاب اليومى الذى عاناه الجميع لما حكاها الشاهد السابق و وفى الأسئلة التفصيلية أجاب على سؤال : هل شاهدت اعتداء يقع على الأستاذ جريشه شخصيا ؟ أيوه وشاهدت كثيرا ما حدث من تعليق بعض المسجونين على حسب مزاج الضابط المحقق وكان يعلق عاريا تماما .. وعن سؤال عن سبب عدم قيام المدعى بتنظيف زنزانته بنفسه أجاب : لم يكن يستطيع التحرك مطلقا وكان نزوله زاحفا على ركبتيه وكوعه .

وفى مكان آخر : وكنت أشعر أنهم يتعمدون تخويف باقى المتهمين بما حدث له لأنه قاض ومتمتع بحصانة .

.. كان الزحف لأنه كان بع إصابات تمنعه من الحركة وأنا شفته مليئا بالدم ..

أما الرابع : عبد المنعم خليفة محمد الحنفي – موظف بمحافظة القاهرة فقد أشار إلى وقائع دامية .

وحسن كفافي أمر بإحضار علي جريشة أمامه علشان إن لم يتكلم سيعمل فيه مثل علي جريشة .

وخرجت إلى الخارج ( خارج الغرفة ) ووجدت الأستاذ علي جريشة جالس القرفصاء فى الفناء وقال حسن كفافي البيه ابن الشرموطة القاضى خليه يهوهو زى الكلب .. وكان جسمه فيه دم وإصابات فى يديه ورجليه .

وبعدين دخلت مكتب شمس بدران وأحضروا الأستاذ علي جريشة , وشمس بدران قال له إن عندى تعليمات خاصة بتعذيب علي جريشة حتى الموت صادرة من الريس .. ثم فوجئت بواحد اسمه حسن خليل يقول لحسن كفافي كفاية تعذيب علي جريشة لأن إذاعات أجنبية أذاعت أنه قتل ..

وأثناء استجوابى قلت كلام لم يعجبهم فقالوا علقوا البيه ابن الشرموطة القاضى اللى بيقول علينا إن احنا ما عندناش صفة ضبطية قضائية ولا نستطيع إصدار أحكام , وبعدين علقوه وضربوه على نفس الإصابات القديمة .

أما الشاهدان الخامس والسادس : سيد أحمد جريشة ومحمد جلال محمد عبد الهادي فقد شهدا ببعض ما كانت تعانيه الأسرة وبمحاولة المباحث العسكرية القبض على زوجة المدعى .

ملاحظات على أقوال الشهود :

1- أنهم عدول .. شهدوا بما رأو ..

2- أن تابعى المدعى عليه .. كانوا يعملون بصفة المدعى القضائية بل كانوا ينكلون به على أساس هذه الصفة و ويهددون الآخرين بمصيره .. وكان أحدهم حسن كفافي يقرن دائما السب بصفة القاضى .

3- أنهم أشاروا إلى جزء من العذاب الخاص الذى لقيه المدعى وإلى صورة من العذاب العام الذى شارك فيه مع الآخرين .. التجويع والتعطيش والإنهاك والاذلال ..

4- أن وقع التعذيب صار من المعلوم بالضرورة بعد كل ما نشر فوق ما فى أوراق هذه الدعوى .

الجانب القانونى :

1- نحيل إلى ما قلناه فى المذكرة السابقة المقدمة لجلسة 26-5-1974 ونضيف إلى ما استقر عليه قضاء محكمة النقض من أن القانون المدنى أقام فى المادة 174 منه مسئولية المتبوع عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع على خطأ مفترض فى جانب المتبوع فرضا لا يقبل إثبات العكس مرجعه سوء اختيار لتابعه وتقصيره فى رقابته وأن القانون إذ حدد نطاق هذه المسئولية بأن يكون العمل الضار غير المشروع واقعا من التابع أثناء أو بسبب تأدية الوظيفة لم يقصد بأن تكون المسئولية مقتصرة على خطأ التابع وهو يؤدى عملا من أعمال وظيفته أو أن تكون الوظيفة هى السبب المباشر لهذا الخطأ أو أن تكون ضرورية لإمكان وقوعه – بل تتحقق المسئولية أيضا ما دام فعل التابع قد وقع منه أثناء تأدية الوظيفة أو كلما استغل وظيفته أو ساعدته هذه الوظيفة على إتيان فعله غير المشروع أو هيأت له بأى طريقة كانت فرصة ارتكابه , سواء ارتكبه التابع لمصلحة المتبوع أو عن باعث شخصى , وسواء كان الباعث الذى دفعه إليه متصلا بالوظيفة أو لا علاقة له بها , وسواء وقع الخطأ بعلم المتبوع أو بغير علمه ( نقض أول يونية سنة 1971 سنة 23 مدنى ص 711 – مجموعة المكتب الفنى )

2- نشير إلى نص المادة 57 من الدستور الدائم , والتى أكدت التزام الدولة بتعويض عادل لكل من أصيب باعتداء على حريته الشخصية .

وبعد : ...

فالتاريخ ينتظر حكمكم .. ليكون حكمه من بعد حكمكم .

والله من قبل ذلك , وبعد ذلك خير الحاكمين .

لذلك يصمم المدعى على طلباته .

قدمنا هذه الوثيقة صورة طبق الأصل :

( من التقرير الذى عرض على رئيس الجمهورية السابق )

بناء على أمر السيد رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة عليا لدراسة واستعراض الوسائل التى استعملت والنتائج التى تم الوصول إليها بخصوص مكافحة جماعة الإخوان المسلمين المنحلة ولوضع برنامج لأفضل الطرق التى يجب استعمالها فى مكافحة جماعة الإخوان بالمخابرات والمباحث العامة لبلوغ هدفين :

(أ) غسل مخ الإخوان من أفكارهم .

(ب) منع عدوى أفكارهم من الإنتقال إلى غيرهم .

اجتمعت اللجنة المشكلة من :

1- سيادة رئيس الوزراء .

2- السيد قائد المخابرات .

3- السيد قائد المباحث الجنائية العسكرية .

4- السيد مدير المباحث العامة .

5- السيد مدير مكتب السيد المشير .

وذلك فى مبنى المخابرات العامة بكوبرى القبة , وعقدت عشرة اجتماعات متتالية وبعد دراسة كل التقاريروالبيانات والإحصائيات السابقة أمكن تلخيص المعلومات مجتمعة فى الآتى :

1- تبين أن تدريس التاريخ الإسلامى فى المدارس للنشىء بحالته القديمة يربط السياسة بالدين فى لا شعور كثير من التلاميذ منذ الصغر , ويتتابع ظهور معتنقى الأفكار الإخوانية .

2- صعوبة واستحالة التمييز بين أصحاب الميول والنزعات الدينية وبين معتنقى الأفكار الإخوانية , وسهولة فجائية الفئة الأولى إلى الثانية بتطرف أكبر .

3- غالبية أفراد الإخوان عاش على وهم الطهارة ولم يمارس الحياة الجماعية الحديثة ويمكن اعتبارها من هذه الناحية خام .

4- غالبيتهم ذوو طاقة فكرية وقدرة تحمل ومثابرة كبيرة على العمل , وقد أدى ذلك إلى اضطراردائم وملموس فى تفوقهم فى المجالات العلمية والعملية التى يعيشون فيها وفى مستواهم الفكرى والعلمى والإجتماعى بالنسبة لأندادهم رغم أن جزءا غير بسيط من وقتهم موجه لنشاطهم الخاص بدعوتهم المشئومة .

5- هناك انعكاسات إيجابية سريعة تظهر عند تحرك كل منهم للعمل فى المحيط الذى يقتنع به .

6- تداخلهم فى بعض ودوام اتصالهم الفردى ببعض وتزاورهم والتعارف بين بعضهم البعض يؤدى إلى ثقة كل منهم فى الآخر ثقة كبيرة .

7- هناك توافق روحى وتقارب فكرى وسلوكى يجمع بينهم فى كل مكان حتى ولو لم تكن هناك صلة بينه .

8- رغم كل المحاولات التى بذلت منذ عام 1936 لاتهام العامة والخاصة بأنهم يتسترون خلف الدين لبلوغ أهداف سياسية إلا أن احتكاكهم الفردى بالشعب يؤدى إلى محو هذه لفكرة عنهم رغم أنها بقيت بالنسبة لبعض زعمائهم .

9- تزعمهم حروب العصابات فى فلسطين سنة 1948 والقنال سنة 1951 رسب فى أفكار الناس صورهم كأصحاب بطولات وطنية عملية وليست دعائية فقط بجوار الأطماع الإسرائيلية والإستعمارية والشيوعية فى المنطقة ولا تخفى أغراضها فى القضاء عليهم .

10- نفورهم من كل من يعادى فكرتهم جعلهم لا يرتبطون بأى سياسة عربية أو شيوعية أو استعمارية وهذا يوحى لمن ينظر لماضيهم بأنهم ليسو عملاء .

وبناء على ذلك :

رأت اللجنة الأسلوب الجديد فى المكافحة يجب أن يشمل أساسا بندين متداخلين وهما :

(أ) محو فكرة ارتباط السياسة بالدين الإسلامى .

(ب) زيادة تدريجية بطيئة مادية ومعنوية وفكرية للجيل القائم فعلا والموجود من معتنقى الفكرة ويمكن تلخيص أسس الأسلوب الذى يجب استخدامه لبلوغ هذين الهدفين فى الآتى :

أولا : سياسة وقائية عامة :

1- تغيير مناهج التاريخ الإسلامى والذين فى المدارس وربطها بالمعتقدات الإشتراكية كأوضاع اجتماعية واقتصادية وليست سياسية مع إبراز مفاسد الخلافة وخاصة زمن العثمانيين وتقدم الغرب السريع عقب هزيمة الكنيسة وإقصائها عن السياسة .

2- التحرى الدقيق عن وسائل مكتب ونشرات ومقالات الإخوان فى كل مكان ثم مصادرتها وإعدامها .

3- يحرم بتاتا قبول ذوى الإخوان وأقربائهم حتى الدرجة الثالثة من القرابة الإنخراط فى السلك العسكرى أو البوليس أو السياسى مع سرعة عزل الموجودين من هؤلاء الأقرباء فى هذه الأماكن أو نقلهم إلى أماكن أخرى فى حالة ولائهم .

4- مضاعفة الجهود المبذولة فى سياسى العمل الدائم على فقدان الثقة بينهم وتحطيم وحدتهم بشتى الوسائل وخاصة عن طريق إكراه البعض على كتابة تقارير عن زملائهم بخطهم ثم مواجهة الآخر بما بها مع العمل على منع كل من الطرفين من لقاء الآخر أطول فترة ممكنة لتزيد انعدام الثقة بينهم .

5- بعد دراسة عميقة لموضوع المتدينين من غير الإخوان وهم الذين يمثلون الإحتياطى لهم وجد أن هنالك حتمية طبيعية لالتقاء الصنفين فى المدى الطويل , ووجد أن الأفضل أن يبدأ بتوحيد معاملتهم بمعاملة الإخوان قبل أن يفاجئونا كالعادة باتحادهم معهم علينا , ومع افتراض احتمال كبير لوجود أبرياء كثيرين منهم إلا التضحية بهم خير من التضحية بالثورة فى يوم ما على أيديهم .

وبصعوبة واستحالة التمييز من الإخوان والمتدينين بوجه عام فلابد من وضع الجميع ضمن فئة واحدة ومراعاة ما يلى معهم :

(أ) تضييق فرص الظهور والعمل أمام المتدينين عموما فى المجالات العملية والعلمية .

(ب) محاسبتهم بشدة وباستمرار على تحديد أى لقاء فردى أو زيارات أو اجتماعات تحدث بينهم .

(ج) عزل المتدينين عموما فى أى تنظيم أو اتحاد شعبى أو حكومى أو اجتماعى أو طلابى أو عمالى أو إعلامى .

(د) التوقف عن السياسة السابقة فى السماح لأى متدين بالسفر للخارج للدراسة حيث فشلت هذه السياسة فى تطوير معتقداتهم وسلوكهم وعدد بسيط جدا منهم هو الذى تجاوب مع الحياة الأوربية فى البلاد التى سافروا إليها أما غالبيتهم فإن من هبط منهم فى مكان بدأ ينظم فيه الاتصالات والصلوات الجماعية أو المحاضرات لنشر أفكارهم .

(ه) التوقف عن سياسة استعمال المتدينين فى حرب الشيوعيين واستعمال الشيوعيين فى حربهم بغرض القضاء على الفئتين حيث ثبت تفوق المتدينين فى هذا المجال ولذلك يجب أن تعطى الفرصة للشيوعيين لحربهم وحرب افكارهم ومعتقداتهم مع حرمان المتدينين من الأماكن الإعلانية .

(و) تشويش الفكرة الموجودة عن الإخوان فى حرب فلسطين والقنال , وتكرار النشر بالتلميح والتصريح عن اتصال الإنجليز بالهضيبى , وقيادة الإخوان حتى يمكن غرس فكرة أنهم عملاء للإستعمار فى ذهن الجميع .

(ز) الإستمرار فى سياسة محاولة الايقاع بين الإخوان المقيمين فى الخارج وبين الحكومات العربية المختلفة وخاصة فى الدول الرجعية الإسلامية المرتبطة بالغرب وذلك بأن يشاع فى تلك الدول أنهم عناصر نخربة ومعادية لهم وبأنهم يضرون بمصالحها وذلك حتى تسهل محاصرتهم فى الخارج أيضا .

ثانيا : سياسة استئصال السرطان الموجود الآن :

وبالنسبة للإخوان الذين اعتقلوا وسجنوا فى أى عهد من العهود يعتبرون جميعا قد تمكنت منهم الفكرة كما يتمكن السرطان فى الجسم ولا يرجى شفاؤه ولذا تجرى عملية استئصالهم كالآتى :

المرحلة الأولى :

إدخالهم فى سلسلة متصلة متداخلة من المتاعب تبدأ بالاستيلاء أو وضع الحراسة على أموالهم وممتلكاتهم ويتبع ذلك اعتقالهم , وأثناء الاعتقال تستعمل معهم أشد أنواع الإهانة والعنف والتعذيب على مستوى فردى ودورى حتى يصيب الدور الجميع ثم يعاد وهكذا فى الوقت نفسه لا يتوقف التكديرعلى المستوى الجماعى بل يكون ملازما للتأديب الفردى وهذه المرحلة إن نفذت بدقة ستؤدى إلى ما يلى :

بالنسبة للمعتقلين :

اهتزاز المثل والأفكار فى عقولهم ,انتشار الإضطرابات العصبية والنفسية والعاهات والأمراض فيهم .

بالنسبة لنسائهم :

سواء زوجات أو أخوات أو بنات فسوف يتحررن ويتمردن بغياب عائلهن وحاجاتهن قد تؤدى إلى انزلاقهن .

بالنسبة للأولاد :

تضطر العائلات لغياب العائل وحاجتهم المادية إلى توقف الأبناء عن الدراسة وتوجيههم للحرف والمهن وبذلك يخلو جيل الموجهين المتعلم القادم مما فى نفوسهم من حقد أو ثأر من أفكار آبائهم .

المرحلة الثانية:

إعدام كل من ينظر إليه بينهم كداعية ومن تظهر عليه الصلابة سواء داخل السجون والمعتقلات أو بالمحاكمات , ثم الإفراج عن الباقى على دفعات مع عمل الدعاية اللازمة لانتشار أنباء العفو عنهم حتى يكون سلاحا يمكن استعماله ضدهم من جديد فى حالة الرغبة فى العودة إلى اعتقالهم حيث يتهمون بأى تدبيرويوصمون حينئذ بالجحود المتكرر لفضل العفو عنهم .

وهذه المرحلة إن أحسن تنفيذها باشتراكها مع المرحلة السابقة ستكون النتائج كما يلى :

1- يخرج امعفو عنه إلى الحياة فإن كان طالبا فقد تأخر عن أقرانه ويمكن ان يفصل من دراسته ويحرم من متابعة تعليمه ..

2- إن كان موظفا أو عاملا فقد تقدم زملاؤه وترقوا وهو قابع مكانه , ويمكن أيضا أن يحرم من العودة إلى وظيفته وعمله .

3- إن كان تاجرا فقد أفلست تجارته ويمكن أن يحرم من مزاولة تجارته .

4- إن كان مزارعا فلن يجد أرضا يزرعها حيث وضعت تحت الحراسة أو صدر بها قرار استيلاء .

وسوف تشترك جميع الفئات المعفو عنها فى الآتى :

1- الضعف الجسمانى والصحى والسعى المستمر نحو العلاج والشعور المستمر بالضعف المانع من أى مقاومة .

2-الشعور العميق بالنكبات التى جرتها عليهم نكبة الإخوان وكراهية الفكرة والنقمة عليها .

3- عدم ثقة كل منهم فى الآخر , وهى نقطة لها أهمية فى انعزالهم عن المجتمع وانطوائهم على أنفسهم .

4- خروجهم بعائلات من مستوى اجتماعى إلى مستوى أقل نتيجة لعوامل الاقفار التى أحيطت بهم .

5- تمرد نسائهم وثورتهم على تقاليدهم وفى هذا إذلال فكرى ومعنوى لكون النساء فى بيوتهم سلوكهن يخالف أفكارهن , وتبعا للضعف الجسمانى والمادى لا يمكنهم الإعتراض .

6- كثرة الديون عليهم لتوقف إيراداتهم واستمرارمصروفات عائلاتهم .

النتائج الجانبية لهذه السياسة هى :

1- الضباط والجنود الذين يقومون بتنفيذ هذه السياسة سواء من الجيش أو من البوليس سيعتبرون فئة ارتبط مصيرها ومصير هذا الحكم القائم حيث عقب التنفيذ سيشعر كل منهم أنه فى حاجة إلى هذا الحكم ليحميه من أى عمل انتقامى قد يقوم به الإخوان كالثأر .

2- إثارة الرعب فى نفس كل من تسول له نفسه القيام بمعارضة فكرية للحكم القائم .

3- وجود الشعور الدائم بأن المخابرات تشعر بكل صغيرة وكبيرة وأن المعارضين لن يتستروا وسيكون مصيرهم أسوأ مصير .

4- محو فكرة ارتباط السياسة بالدين الإسلامى .

انتهى ويعرض على السيد الرئيس جمال عبد الناصر .

توقيعات : رئيس الوزراء , مدير المباحث العامة , قائد المخابرات , قائد المباحث العسكرية الجنائية , مدير مكتب المشير.

أوافق على اقتراحات اللجنة وتنفذ .

جمال عبد الناصر

وصدر الحكم التاريخى :

الذى قضى بمسئولية الحكومة , وبمسئولية المعذبين : شمس بدران , حمزة البسيوني , سعد زغلول عبد الكريم , حسن على خليل ,حسن كفافي , صفوت الروبي .

ثم قرر :

إن القضاء وهو ضمير الأمة ووعيها ووجدانها يعلن براءة البلاد من كل من ساهم فى إذلال الشعب وتعذيب أفراده بصورة أو بأخرى .

مراعاة للشعور الوطنى وردا لاعتبار الشعب المصرى الكريم تناشد المحكمة السيد رئيس الجمهورية أن يأمر بهدم وإزالة مبنى السجن الحربى الذى سيظل ما بقى قائما شاهدا على إذلال الشعب وتعذيب أبنائه ومشيرا ومثيرا لذكريات بغيضة .. أليمة .. مؤسفة حزينة , وأن يأمر بإقامة منشآت اجتماعية , وثقافية فوق أرضه .

وأخيرا طلب محاكمة 4 وزراء عدل سابقين لتفريطهم فى الحصانة القضائية أو لتآمرهم على السلطة القضائية .

ونشر الحكم فى الصفحة الأولى من الصحف الثلاث الصباحية .

وأذاعته ثلاث وكالات أنباء عالمية .

وأذاعته عدة إذاعات عالمية .

ونشرته الصحف والمجلات الأجنبية .

وطالبت به عدة جهات علمية وقضائية .

أما اثره فى جماهير مصر المؤمنة .. فنمسك عنه .. فقد لمسه كل من تظله سماء مصر .

وأخيرا هذا البلاغ لوزير العدل :

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد المستشار وزير العدل .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته – وبعد ...

فلعله لا يغيب عن علمكم .. أن النيابة العامة تجرى تحقيقات فى صدد بلاغات تعذيب جرت خلال سنين عصيبة أكثرها كان فى مذبحة سنة 1965 , كذلك لعله لا يغيب عن علمكم أن أحكاما قضائية صدرت تدين جهات معينة بمخالفة القانون وخرق أحكامه , وتثبت أن الغلبة كانت لمنطق القوة دون منطق القانون وضماناته , كما تحس النيابة العامة نيابة أمن الدولة فى تصرفها إزاء طلبها فى الإستقالة وتوقيت المطالبة بهذه الإستقالة والعجلة التى لابست قبولها وإبلاغها إلى سلطات التحقيق , تفسر أنها كانت مطلوبة أساسا بغرض التخلص من الضمانات التى أحاط بها القانون الطاعن باعتباره من رجال القضاء , حتى يمكن إحالته إلى المحاكمة الجنائية دون اتباع ما يقضى به القانون لمن هم فى مركزه القانونى حكم المحكمة الإدارية العليا فى 9-6-1973 كما ثبت حكم حديث أن المدعى عليهم قد انتهكوا كافة القوانين واللوائح والدستور فى الدولة وتخلوا عن كافة القيم الخلقية والمواثيق الدولية والمبادىء الإنسانية .. بعد أن قست قلوبهم وتحجرت على سجناء مقيدين لا حول لهم ولا قوة , مما تستطيع معه المحكمة بعد ما وفقت على قسوة أعمالهم ووحشياتهم أن تقرر بحق واطمئنان أنهم تجردوا من آدميتهم وأهدروا آدمية المدعى .. ثم قال والحقيقة أن ما وقع بصورته البربرية يقطع بأنه أتى على هذا البلد الأمين حين كان القانون فيه نسيا منسيا , وتسلط على حكمه , وقبض على مقاليد أموره قوة تمكنت مراكزها من أن تعيث فى الأرض فسادا , فأهدرت حرمات الإنسان فيه وحرياته وحطت من كرامته وآدميته ..

كذلك أشار الحكم وحيث إنه قد ثبت من شهادة الشهود أن ما وقع للمدعى فى الدعوى الأصلية من تعذيب لم يكن حدثا فرديا وقع عليه وحده , بل أصاب المئات من المواطنين مما يدل على أنه نظام عهد وأسلوب حكم إرهابى , كان يهدد كل إنسان حتى نواب رئس الوزراء وقاسى منه الجميع , وقاست منه مصر من بينهم محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية الدائرة 6 مدنى كلى فى 3-3-1975 .

... كل ذلك بالتأكيد تعلمونه وزيادة . وإذ كانت تلك الوقائع من الخطورة بمكان .. ليس فقط لما تنطوى عليه من جنايات قتل عمد أو تعذيب أدى إلى الموت أو تعذيب بقصد الحصول على اعتراف بل بما تنطوى عليه من قتل للعدالة وصلب للقيم وقضاء على مروءة هذه الأمة ورجولتها .. الأمر الذى حدا بدستور مصر الدائم إلى النص على الحفاظ على كرامة المواطن ومنع إيذائه بدنيا , واعتبار ذلك جريمة لا تسقط دعواها المدنية ولا الجنائية بالتقادم .

وإذ كانت النيابة العامة نيابة أمن الدولة ومن شارك معها متهمة فى تلك الفترة ليس فقط بالتقاعس والنكوص عن أداء الواجب إزاء ما كان يقع تحت سمعها وبصرها من جرائم ترتفع إلى الجنايات .. بل كذلك بالمسئولية الجنائية بالإمتناع والسكوت , وأحيانا بالمشاركة والتحريض .

وإذا سجلت عليها هذا الموقف ليس بعد استردادى لحريتى , بل فى كل لحظة أتيح لى فيها أن أخرج صوتى من فمى , وأثناء المحاكمات سنة 1966 , وأمام المحكمة الادارية العليا سنة 1973 وأخيرا أمام محكمة جنوب القاهرة سنة 1974 .

وإذ كان هذا فوق ما أشرت يضعنى فى حرج شديد من أن أتقدم إليها طالبا التحقيق فيما أنا مجنى عليه فيه أو فيما أنا شاهد عليه .

فإننى لا أجد مناصا من أن أخاطبكم كمسئول عن العدالة فى هذا البلد لأدعوكم لاستعمال حقكم المنصوص عليه فى المادة 65 من قانون الاجراءات بإحالة هذا الطلب إلى الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف لتندب مستشارا للتحقيق فى جنايات التعذيب .. قبل أن يقول قائل – بالتحدى لنص المادة 57 من الدستور – بسقوط الدعوى الجنائية بالتقادم , وحتى لا تختل الموازين وتضطرب القيم ويهتز النظام إذا عوقب الصغار , وبقى المجرمون الكبار بغير عقاب .. وفى العقاب ردع , وفى القصاص حياة ..

السيد الوزير :

إننى إذ أصر على الطلب إليكم أخاطب فيكم قبل المسئول السياسى عن العدالة أمام الأمة والتاريخ .. المسئول أمام الله إزاء حرمات مؤمنين هى أعظم عند الله من حرمة بيته المحرم .. حتى لا تتكرر المأساة وحتى لا ييأس ضعيف من عدلك , ولا يطمع قوى فى حيفك .

وتقبلوا منى كل تحية وتقدير.