عمر التلمساني ورحلة الـ33 يوما من أحداث سبتمبر 1981م

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عمر التلمساني ورحلة الـ33 يوما من أحداث سبتمبر 1981م


إخوان ويكي

مقدمة

يعد الأستاذ عمر التلمساني من القلائل الذي تركوا بصمات واضحة في العدو وفي الحبيب، في القريب وفي البعيد، في المتفق معه والمخالف لفكره ومنهجه، كونه استطاع أن يظهر الإسلام وطبيعة الحركة الإسلامية بصورتها الحقيقية التي أرادها الإسلام، فكان تأثيره قويا ليس في الشباب فحسب

بل في جموع الشعب وعلى رأسهم المثقفين وذوي السلطة حتى أنه المرشد الوحيد الذي شارك في جنازته رموز السياسة في مصر وعلى رأسهم رئيس مجلس الشعب والكنيسة وبعض الوزراء غير الجموع التي ضاقت بها شوارع القاهرة على كثرتها للمشاركة في تشييع جنازته.

ورغم كبر سنة ومكانته حاول مرارا وتكرارا هز صورته في عيون الشباب والناس لكنه لم يستطيع، ولذا ما إن عجز السادات عن إطفاء وهج التلمساني حتى اتخذ حادثة الزاوية الحمراء (رغم أن للتلمساني دور كبير في إطفاء نار الطائفية) إلا أن السادات وضعه على رأس ثلة كبيرة من مختلف الأطياف في المواجهة معه بل والزج بهم في السجون فيما عرف بأحداث سبتمبر التي لم يكن لها مبررا واحدا ساقه السادات أو من طبل له ورقص لقراراته.

رئيس يعتقل دولته

لم تكن أحداث سبتمبر إلا محاولة من السادات لحبس واسكات صوت الشعب متمثل في كبار مفكريه على مختلف أمزجتهم سواء الإسلامية أو الشيوعية أو الليبرالية أو حتى المذهبية والأقباط. لم يترك السادات أحد دون هدف واضح من هذا التصرف، ولا لماذا فعل ذلك. ولماذا هؤلاء؟ ولماذا مئات الشباب من طلبة الإخوان؟ ولماذا أطاح بالبابا شنودة حتى ولو اختلف معه؟

كانت مصر كلها متهمة بمحاولة خلق فتنة طائفية، فأصبحت آلاف أسرت الدولة أجسادهم في المعتقلات، وملايين أسرت عقولهم عبر وسائل إعلامها. الغريب أن كثيرا من المقربين للسادات لم يكونوا على علم بما يحدث، حتى أن وزير إعلامه منصور حسن لم يكن يعلم وحينما حاول أن يستفسر كان مصيره الطرد من الوزارة.

لم يحتمل السادات أن يسمع صوت وزيره المُقرب، فلم يكن صوت في هذا الشهر يعلو على صوت السادات، إلا صوت طرق أمن الدولة على الأبواب. أبواب يسكن خلفها معارضون ومؤيدون، لا تفسير لدى المعتقلين عن أسباب اعتقالهم ولا توضيح للإعلام كذلك. حملة بدأت في 3 سبتمبر - أيلول 1981 واستمرت على أشدها حتى الخامس من نفس الشهر.

ثم في 6 سبتمبر - أيلول 1981 خرجت الصحف القومية بحل اللغز. السر الخطير الذي دفع السادات للقيام بحملته. ثورة العمل الداخلي، كما سمتها الأهرام. أو قرارات ضرب الفتنة، كما قالت عنها الأخبار. واتفقت جميع الصحف أن حملة الاعتقالات هذه حدث تاريخي يصحح به السادات الأوضاع الجمهورية في البلاد.

الصحف الحزبية والمعارضة لم تشارك في حملة كشف السر لأنها كانت قد أُغلقت تمامًا أو عُطلت بحلول وقت خطاب السادات في الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشورى في الخامس من سبتمبر - أيلول. الخطاب الذي استلهمت منه الصحف عناوينها، وانطلق من خلاله كبار الكُتّاب الذين ظلوا خارج المعتقل في التبرير لما قام به الرئيس. (1)

وقائع سبتمبر في كتابات التلمساني

صدر الأستاذ عمر التلسماني أحداث سبتمبر بقوله:

"لقد كان يوم 3 سبتمبر 1981 والثلاثة والثلاثون يوما التي تلته، من أسود الأيام التي شهدتها مصر، فاللناس فيها ذكريات مريرة ومآسي تعيسة قام بها فرد واحد بمحض إرادته، دون اهتمام بأي تقدير لأية حق لأي إنسان في هذا الوطن.
هل هناك من يصدق أن 99,45% من أي شعب في العالم، ولو كان شعب بورما يتنازل عن حقوقه وحرياته لفرد واحد أيا كانت منزلته وكفاءته ، يتصرف فيها وفق ما تمليه عليه تخيلاته أو ذكاؤه؟. يوم 3 سبتمبر 1981 ، ما أفزعها وأحزنها واعتصر حياة الحرية فيها، على يد السيد محمد أنور السادات، رئيس جمهورية مصر العربية رحمني ورحمه الله في ذلك اليوم، بعد أن أطلق لخياله وغروره العنان، وسمى نفسه رب العائلة المصرية كلها" (2)

كيف بدأت الرحلة؟

حاول الأستاذ عمر التلمساني أن يلقى الضوء على الحقائق التاريخية التي وقعت معه ظانا منه أنه الوحيد المعني بهذه الإجراءات إلا أنه تفاجأ أن مصر معه في عربة الترحيلات، حيث كانت حملة السادات على جميع رموز مصر من مختلف التيارات، فيقول: في باكورة يوم الخميس 3 سبتمبر 1981 حوالي الساعة السادسة صباحا، طرق باب المسكن طارق ، وفتحت الباب فإذا بى أرى ثلاثة من ضباط الشرطة، ومعهم ثمانية من المخبرين في ملابسهم المدنية ودخلوا المسكن ، وسألني رئيسهم أين غرفة مكتبك؟

فقلت ليس لي غرفة مكتب، ففتش حيث شئت والحق أنهم كانوا على درجة طيبة من اللياقة في كل تصرفاتهم وبعد التفتيش طلبوا منى أن أصحبهم، وذهبوا بى إلى قسم الظاهر، وحتى ذلك الوقت كنت خالي الذهن تماما عن سبب هذا التصرف.

ثم احتوتني سيارة شرطة، فإذا بى أنزل منها عند بوابة سجن مزرعة طره ، حيث وجدت الكثيرين من مختلف الاتجاهات قد سبقوني إلى هناك، وكأننا جميعا في الهوى سوا، وأيضا حتى تلك اللحظة لم أدرك السر في جمع هذا " التورلى" من الرجال في مطبخ الدولة الديمقراطية، وأنزلوني هناك في غرفة وجدت فيها الأخ إبراهيم شرف والأساتذة عصمت سيف الدولة وأبو الفضل الجيزاوي وكمال أحمد وأبو العز الحريري والمرحوم محمود القاضي، وآخرين لا أتذكر أسماؤهم الآن، وهناك فقط علمت منهم أنها عاصفة ساداتية هوجاء مزاجية جمعت بين الشامي والمغربي. (3)

وتتلاحق الأيام وتكذب الصحف

أشرقت شمس اليوم الثاني من حملة السادات الموجهة على عبارات امتلاءت الصحف القومية لتوضح ما ينوي السادات فعله في الأيام القادمة والمضي قدما في كذبه على الشعب، والاستئثار بالكلمة والرأى له وحده

فيقول التلمساني:

وجاءت صحفه القومية الصادرة في يوم 4 سبتمبر 1981 ، تطالع الناس بما جرى في سواد الليل الأدكن القاتم، قالت أهرام ذلك اليوم ، وبالخط العريض وكأنها تبشر بخير طال انتظار الشعب له، قال إنه تم القبض على 553 من العناصر المحرضة على الفتنة الطائفية؛ وأن غالبية المتهمين عناصر أعماها التعصب والتطرف الديني وقلة حزبية ركبت موجة الفتنة، وأن المدعى الاشتراكي يتولى التحقيق مع المتهمين.

ما علة إنشاء هذا الجهاز اللامنطقى واللامعقول واللامقبول واللا مفهوم .. جهاز المدعى الاشتراكي ، أو جهاز المدعى الساداتي، إذا أردنا أن يعطى للمسميات أسماءها الحقيقية هذا الجهاز الذي أحاطت بت علامات الاستفهام من كل جانب.

إننا نرى المئات من المسلمين في عيادات ومكاتب، الدكاترة والمحامين المسيحيين ونرى الكثير من المسيحيين في عيادات ومكاتب الدكاترة والمحامين المسلمين ، فأين هو التعصب والديني؟ وأين هي الفتنة الطائفية المدعاة أو المبتغاة؟؟ لا أريد أن أتحدث باستفاضة عما لقيته في الحبس الانفرادي بمستشفى طره من يوم 3 سبتمبر 1981 يوم القبض على إلى يوم 12 نوفمبر 1981 يوم انتقالي على معتقل مستشفى القصر العيني.

ويضيف كيف كان يعامل في السجن وهو حال جميع الأنظمة في مصر للتعامل مع المعارضين في السجون حيث الحرمان والعنت والاضطهاد فيقول:

"وضعت في حجرة كان يقيم بها شمس الدين بدران أثناء سجنه، وضعت فيها منفردا وعلى بابها جنديين كي لا أكلم أحد ولا يكلمني أحد مبالغة في الإعنات وحرمت من الصحف والمجلات والكتب إلا المصحف الشريف الذي كان أنس وحدتي، وكانت هذه السبعين يوما كفيلة بإنقاص وزنى من 96 ك إلى 82 ك ، نتيجة سوء التغذية؛ فقد كانت تمر الأربع وعشرون ساعة دون إيصال طعام إلى، ولا أريد أن أقول إنه كان تصرفا متعمدا.
وفى بعض الأيام تقدم لي وجبة واحدة، ولم يخرج طعامي طوال تلك الأيام عن عدس ممزوج بالحصى والرمال وفول استنفذ السوس ما فيه من بروتين ولا ندرى أهو فول سوس أو سوس فول، ولكن الجوع جعله من أشهى ما يتناوله الإنسان من طعام.
ويوضح التلمساني طبيعة الصحف في تلك الفترة وهي الطبيعة التي تتلون بها الصحف القومية التابعة للنظام في كل عصر منذ استولى العسكر على الحكم بعد ثورة يوليو 1952م حيث يكتب فيها كل منافق ومتزلف لأى نظام موجود، حيث خرجت الصحف تطالب بمعاقبة من تم القبض عليهم لكونهم مخربين ومثيري فتنة طائفة حتى قبل أن تبدأ تحقيقات المدعي العام الإشتراكي. ظلت الصحف خلال أيام تمجد في السادات وقرارات السادات واستفاتاء السادات وكأنها أنقذت البلاد من الفقر والجهل.
وتمر الأيام حتى كان منشت في الأهرام يوم 3 أكتوبر 1981م يقول:
"صرح المستشار احمد عبد القادر أحمد على المدعى الاشتراكي بأن الاتجاهات الأولية للتحقيق أثبتت أن هناك رابطة قوية، بين الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين والطوائف الأخرى، في أهدافهم المشتركة والتي بدأت تأخذ صورة التعاون في خلال المرحلة الأخيرة".
حتى جاء يوم 6 أكتوبر الذي وصفه التلمساني بقوله: وجاء يوم 6 أكتوبر 1981 ، وكان فيه ما كان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ولا راد لقضاء الله مهما حاول الإنسان المسكين الذي لا يدرى ماذا سيكتب اليوم أو غدا.
لقد عشنا ثلاثة وثلاثين يوما من القبض والتحفظ والسجن والاعتقال والتعذيب. كانت كريهة حقا، ولكن عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. وإذا كنا قد تجرعنا مرارة الآلام فقد تذوقنا الصبر والاحتساب، راضين غير متسخطين. (4)

وهكذا تلخصت سنوات حكم السادات الطوال في ثلاثة وثلاثون يوما منذ أعلن قرارات سبتمبر حتى كان الحادث الأليم له في 6 أكتوبر وسط جنوده وحراسه.

المصادر

  1. محمد أبو العينين: سبتمبر 1981: حكاية الرجل الذي اعتقل دولة بأكملها، 29 سبتمبر 2019.
  2. عمر التلمساني: أيام مع السادات، دار الاعتصام، 1984م.
  3. المرجع السابق.
  4. المرجع السابق