عزمات العقلاء وخور الأغبياء

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عزمات العقلاء وخور الأغبياء
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

منذ أكثر من أربعة آلاف عام، وفي وصية وجَّهها إلى ولده، كتب الفرعون "تب كاورع" الملك المصري القديم ينصح ولده، فيقول "يا بني، من رغب في السلم استعد للحرب".

وكان هذا الفرعون رجلَ سلامٍ حقيقيًّا، يؤْثره على الحرب دائمًا، ولكن يريد السلام الشامخ العزيز، لا سلام الذلة والمسكنة والاستسلام، كان رجلاً يفهم تكتيك الموازنات، ويعرف طبيعة الأطماع الإنسانية، ووساوس النفوس البشرية، ويعقل جيدًا أن إيحاءات القوة أفضل ضمان لردِّ المعتدي، وهذا الإيحاء نفسه هو الذي أيَّده الإسلام؛ حيث خاطب القرآن المجتمع المسلم بقوله ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60)﴾ (الأنفال).

واليوم وبعد أربعة آلاف عام هل استعد المسلمون للدفاع عن أنفسهم ودفع الشر عنهم؟ هل صنعوا المدفع والطائرة والصاروخ؟ هل أنتجوا الدبابة والمصفَّحة والمدرَّعة؟ هل دشنوا الباخرة والبارجة والغواصة والمدمرة؟ وهل يريدون ذلك أو يعملون لإنتاجه والدخول في عصره؟ كل هذه الأسئلة وما يتعلق بأمثالها يُجاب عليها بـ"لا وألف لا".

1- فالأجساد مترهِّلة، والعقول متبلِّدة، والعزائم منهارة، والأفكار شاردة، والسلطات خائرة عاجزة، والضمائر خَرِبة، والعِمالات سادرة ومتحكِّمة، تستر خياناتها بنداءات السلام والأمان في دنيا الذئاب والسباع، وقطَّاع الطرق والوحوش، فأنَّى لها ذلك وهي ما بذلت جهدًا، وما أرست طريقًا، وما أصلحت نفسًا، وما سلكت طريق الرشاد، أو استعدت وأعدت العدة لدفع البلاء وإرهاب الأعداء؟! وصدق الله ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)﴾ (التوبة).

ولو أرادوا النزال وقد جرَّبوه لدمَّروا وثبَّطوا وفتنوا الناس وزادوهم خبالاً، وصدق الله ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدْ ابْتَغَوْا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)﴾ (التوبة).

خاصةً أن بعض السلطات تعتمد على نفايات العهود البائدة، والنفوس الهاوية، والتنظيمات المنحوسة التي حكمتها في رقاب الناس، تأمر وتنهى، وتذلّ وتعزّ، وترفع وتخفض، وتنهب وتسطو.

2- أصحاب المصالح والمطامع والمستفيدون من الفساد والخراب والفوضى، والذين يشترون الضلالة بالهدى، ويبيعون الذي هو أدنى بالذي هو خير.. خُدَّام كل عهد، ومُدَّاح كل متغلب، ومطايا كل مستعمر، ونكسة كل أمة.

3- أجهزة السطو والترويع والاستباحة، التي لا تعرف القانون، ولا تتعامل معه، ولا تقر الحق أو تعرف له معنى، تستبيح كل شيء وتهدر كل قيمة، وتفضح كل عرض إذا أرادت، ولا يتأبَّى عليها شيء، أهؤلاء يستطيعون إعداد عدة، أو لقاء عدو، أو دفاعًا عن شرف، أو تضحية؟! وبذل المُهَج والأرواح في سبيل تحرير أو حرية؟!

وصدق شوقي حين قال:

وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى