عبد المحسن الشرقاوي: رمضان مع الإخوان مختلف

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبد المحسن الشرقاوي: رمضان مع الإخوان مختلف
27-10-2005

حوار: ياسر هادي

- أمي كانت مثقفةً وحافظةً للقرآن، وهو ما أثر تمامًا في حياتي

- قرأت رسالتين للإمام البنا فعزمت على الانضمام للإخوان

- رمضان شهر التجديد الشامل للمسلم في كل أحواله

رمضان وسط الإخوان له طعم آخر؛ حيث يحاولون الاستفادة منه بأقصى درجة عن طريق القيام والتهجد والتدبر في آيات القرآن والتفكر في نعم الله تعالى... وفي السطور التالية نلتقي بأحد الإخوان الذين عاشوا فتراتٍ عصيبةً في تاريخ الدعوة، نحاول أن نتعرَّف منه على كيفية قضاء الإخوان شهرَ رمضان منذ أكثر من نصف قرن.

التقينا الأستاذ عبد المحسن الشرقاوي، وهو أحد الإخوان الذين كانوا يعيشون في منطقة إمبابة، وهو من مواليد عام 1936 حاصل على ليسانس الحقوق، ارتبط بالإخوان وعمره لم يتجاوز 14 عامًا، ويمتلك رصيدًا هائلاً من الذكريات مع الإخوان، كما قضى 20 عامًا في السعودية، ويرى أن رمضان فرصةٌ للإخوان للالتصاق بالناس والتأثير فيهم، داعيًا إلى التدبر في آيات الله والتفكر في معانيه، فرمضان هو موسم تجديد الحياة.

  • كيف كانت النشأة والتكوين؟
نشأتُ في منزل متدين بطبعه؛ حيث كان أبي حريصًا على أداء الفروض في وقتها، كما كان يغريني بأشياء محببة للإقبال على الصلاة؛ ولذلك حين بدأ التضييق على الإخوان كنت أذكِّر أمي بأنها هي وأبي اللذان غَرَسا فيَّ التدين والالتزام، وساهم هذا الالتزام الأسري في غرس حب الإسلام داخلي، وهناك مثالٌ يؤكد أهمية الإغراء للأبناء على الطاعة؛ حيث كنت أرغب في شراء ملابس جديدة، إلا أن أبي اشترط عليَّ الصيام حتى يشتريَ لي البالطو الذي أريده، وكان سنِّي وقتها 7 سنوات، وبعد ذلك أصبح الصيام أمرًا طبيعيًّا بالنسبة لي.
  • وهل كان الصيام شائعًا بين الناس في ذلك الوقت؟
الصيام كان شائعًا في الأوساط الشعبية، ولكن في الأوساط المتعلمة فلم يكن الأمر كذلك، وأذكر أن الطبيب الذي كان يعالج أسرتي كان يفطر في نهار رمضان؛ معللاً ذلك بأن الطبيب لا يجب أن يصوم، وهو ما كان يحدث أيضًا بالنسبة للقضاة الذين كانوا يتعللون بأن أعمالهم ذهنيةٌ تحتاج تركيزًا مستمرًّا، ويمكن إرجاع ذلك إلى أن التدين كان مرتبطًا بالبسطاء، أما الطبقة الراقية فكانت بعيدةً تمامًا عن تعاليم الإسلام، وهو الأمر الذي تغيَّر الآن؛ حيث أصبح التدين أهم مظاهر الرقيِّ بعد أن كان التحلل من فروض الدين هو علامة التقدم الاجتماعي.
  • يبدو من كلامك أن والديك كانا متعلمَين؟
ليس تمامًا؛ حيث كان أبي تاجرًا ومزارعًا، وكانت أمي مثقفةً، رغم عدم حصولها على أي مؤهلات؛ حيث كانت مدمنةً للقراءة، وكانت تحفظ القرآن الكريم، وهو ما أثر تمامًا في حياتي وحياة إخوتي الستة، وكان والدي يميل إلى التصوف؛ حيث كان يُحيي رمضان بالمقرئين الذين كانوا يقيمون معنا بشكل شبه دائم؛ حيث كانوا يقرأون القرآن من العشاء إلى منتصف الليل.
توفِّي والدي عام 1950 وكنت في المرحلة الابتدائية، ورغم ذلك كانت كل أحوال مصر تدعو إلى التفكير في تلك الأوضاع، وكنت مشغولاً رغم حداثة سني بمتابعة الأحداث والانفعال بها، وكنت أشعر بالتفاوت الطبقي والفساد المنتشر في كافة أنحاء الدولة، ودفعتني هذه الأوضاع لاختيار الطريق، وأتيح لي خلال تلك الفترة قراءة رسالتين للإمام البنا فوجدت فيهما كثيرًا من الإجابات التي أبحث عنها، وتحديدًا للطريق بصورة وجدت في نفسي قبولاً شديدًا، وعزمت على الانضمام للإخوان حين أراهم ولم تكن الجماعة حينئذ لها مكان معروف.
وفي هذه الأثناء حدث معي أمران مهمان: أولهما أن أحد أقاربي كنت أتحدث معه عن حزب "مصر الفتاة" وغيره من الاتجاهات السياسية، فقال لي إن أي شخص يريد اختيار طريق سليم فعليه بطريق الإخوان، وظلَّت هذه الكلمات تتردد في ذهني إلى أن انتقلت مع الأسرة للإقامة بإمبابة في منزل مواجِهٍ لأحد محلات البقالة يملكه أحد :الإخوان الذي اهتم بأشقائي الكبار، إلا أنني عرفت عن طريقه مكان التقاء الإخوان كل يوم جمعة بعد العشاء في أحد المساجد، وحرصت على حضور هذا اللقاء، إلا أن أحدًا من الإخوان لم يهتم بشأني أيضًا؛ بسبب عمري الذي لم يزِدْ حينئذ عن 14 عامًا.
وخلال تلك الفترة كانت الجماعة قد عادت، ومع تلك العودة نشط العمل داخل نادي الإخوان والشُّعَب والمنطقة التي كانت مقارُّها جميعًا في شارع السلام الذي أسكن به، وذهبت إلى الإخوان هناك بنفسي وقابلت الأستاذ
عبد السلام الجبالي، وطلبت منه الانضمام للإخوان فقابل الأمر بابتسامةٍ قائلاً لي: إذا حفظت سورة المزمل حتى يوم كذا فسوف تكون من الإخوان، وهو ما حدث بالفعل، وبدأت في الاندماج مع الإخوان والعمل معهم في سبيل الله.
  • وهل كان لهذا الانضمام تأثيرٌ عليك في ذلك الوقت؟
بالطبع.. ظهر تأثير انضماميللإخوان سريعًا على شخصيتي؛ حيث كان الإخوان- وما زالوا- يهتمون ببناء الشخصية والتفوق الدراسي للطلاب، فقد كنت بالمرحلة الثانوية حينئذ، وبدأ اندماجي مع الإخوان يظهر على سلوكياتي؛ حيث تغيَّرت أخلاقي بشكل كبير، فقد كنت شديد العصبية بعد وفاة والدي، لدرجة أني كنت مصدر إزعاج في المنزل، وبعد ارتباطي بالإخوان تغيَّر الوضع، فأصبحت أهتم بقضايا الأمة وأحوالها، وتغير في شخصيتي كثير من السلوكيات المزعجة، وأذكر أن والدتي كانت تشجِّعني على الانتظام مع الإخوان، وكذلك إخوتي الصِّغار الذين أصبحوا مع الإخوان كذلك.
  • وكيف كان الإخوان يعيشون شهر رمضان في تلك الفترة؟
رمضان كان متميزًا بالنسبة للإخوان في منطقة إمبابة التي كنت أعيش فيها؛ حيث كنا نصلي صلاة التراويح في نادي الإخوان بإمبابة، وكان النادي عبارةً عن مكان واسع، يُستخدم مدرسةً في الصباح، وبعد الظهر ناديًا رياضيًّا للكبار، وكنا نمارس فيه الأنشطة الرياضية مثل رفع الأثقال والعقلة وتنس الطاولة، كما كانت الكتائب والمحاضرات تُلقى في هذا المكان، وكذلك لقاءات الإخوان المجمعة بعد صلاة التراويح التي كنا نصليها بجزء من القرآن، وكانت المرة الأولى التي أعرف فيها الصلاة بجزء، وكان رمضان حينئذ يأتي غالبًا خلال فصل الصيف؛ حيث لا دراسةَ، فكنا نقضي الليل في الصلاة والتهجد، كما كنت أتجوَّل مع أقراني الشباب ليلاً على نيل إمبابة حتى وقت السحور، ثم نصلي الفجر سويًّا، وكان الإخوان ينظمون إفطارًا جماعيًّا داخل الشعبة، وكانت إطاراتٌ متواضعةٌ إلا أنها تركت فينا تأثيرًا بالغ الأهمية.
  • اكتسبت منطقة إمبابة شهرةً في تلك الفترة على مستوى الإخوان.. فما سر تلك الشهرة؟
كانت هناك شخصياتٌ إخوانيةٌ معروفةٌ تسكن في تلك المنطقة، ومنهم الدكتور عبد العزيز كامل، بالإضافة إلى هنداوي دوير، ومحمود عبد اللطيف اللذان ارتبط اسمهما بعد ذلك بحادث المنشية، وكان يسكن في نفس المنطقة علي نويتو، الذي كان يتمتع بنشاط واضح، وكان يسير بالدعوة ليلاً ونهارًا، وكذلك كان آل الجبالي الذين كان منزلهم بمثابة المركز العام للإخوان في إمبابة.
  • ألم يرتبط رمضان لديك بذكريات معينة؟
نعم.. فقد سافر المرشد العام المستشار حسن الهضيبي إلى سوريا بعد أحداث الحل الأولى للجماعة وكان ذلك في رمضان، وطلب الإخوان مجموعةً من الشباب حتى تذهب للمطار لتوديع المرشد بعد صلاة الفجر، وكنت ضمن تلك المجموعة، وكانت المرة الأولى التي أذهب فيها للمطار، وخلال ركوبي السيارة إلى جوار الدكتور حسن باشا- الذي أصبح أستاذًا للتاريخ بكلية الآداب بعد ذلك- مررنا على السجن الحربي فانفعلت وتحدثت عن أن الاعتقال في هذا السجن يعتبر ضريبةَ العمل في سبيل الله، وأن الأخ الذي يدخله لا بد أن يفخر بأنه أصبح من المجاهدين وبعد القبض عليَّ في مارس 1955 قابلني الدكتور حسن باشا هناك فبادرني قائلاً: الآن أصبحت من المجاهدين.
  • وكيف ترى شهر رمضان؟
أعتبر أن شهر رمضان تجديدٌ شاملٌ للمسلم في كل أحواله.. الاجتماعية والإيمانية والفكرية، وتواصلٌ بالخير مع المحيطين، وقد اختص الله رمضان بالأحداث العظيمة في تاريخ المسلمين.
  • وكيف نستفيد من هذا الشهر؟
لا بد أن نهتم بالتدبر في آيات القرآن، ومحاولة التفكر في معانيه وإيماءاته بشاراته، وأرى أن العبرة ليست بكثرة القراءة بل بمحاولة الفهم ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ (القمر: 17) فالقرآن لغته سهلة ميسرة، ولو حاول المسلم سيجد في القرآن معينًا هائلاً من المعاني، كما أن رمضان يتيح الفرصة للتعامل الحي مع القرآن؛ باعتباره موجهًا الإنسانَ للخير وتحديد موقفه من الحياة، فالقرآن يذكِّر الناس من أين جئنا وإلى أين المصير.. وإذا تدبرنا آياته سنجد أنها تتلخص في إنذار الإنسان بالمصير السيئ في حالة الابتعاد عن طريق الحق، وبشارة بالخير العميم لمن يرتبط بالحق ويعيش به.
  • وماذا عن رمضان في المعتقل؟
رمضان في المعتقل له طعم مختلف؛ وأنا قضيت رمضان في السجن الحربي، وكان يمر علينا في جوٍّ من الشفافية والسمو، رغم مظاهر القسوة داخل السجن، وكنا نصلي التراويح ونستغل الوقت في الذكر، وكانت كل زنزانة يصلي نزلاؤها سويًّا، ولا أنسى يوم عيد الفطر حين فتحت للإخوان المتهمين في قضية مارس 1955 الزنازين، وكان لقاء الإخوان في فناء السجن حميمًا يصعُب وصفُه، رغم أن معظمهم لا يعرفون بعضًا، ولا تتخيل كمية العواطف والأحضان والقبلات في مشهد لا أنساه وأجد حلاوته حتى الآن.
  • وهل كان تعامل إدارة السجن معكم مختلفًا في رمضان؟
لم يكن هناك تعذيب أصلاً سوى خلال فترة التحقيق، ولكن المشكلة كانت في إغلاق الزنازين طول النهار، ورغم ذلك استفدنا من رمضان عن طريق حفظ القرآن والصلاة في وقتها، وقضاء الوقت في تذكر نعم الله تعالى، وكان البعد عن الأهل هو الشيء الوحيد الذي يؤثر فينا، والإخوان حيث وُجدوا فهم يعطون رمضان قدرًا كبيرًا من الاستفادة والتواصل الاجتماعي والمودة والحب والأخوَّة.
  • وهل قضيت رمضان خارج مصر؟
نعم صمت رمضان في السعودية لمدة 20 عامًا.
  • وماذا تذكر عن رمضان في تلك الفترة؟
أول مرة عرفت التهجد في رمضان كان في السعودية؛ حيث كنا نصلي في مسجد كبير في المنطقة التي كنت أعيش فيها، وكان صوت الإمام رائعًا يؤثر في سامعيه بشكل كبير، وكنا نفطر يوميًّا على مأدبة كبيرة؛ حيث نلتقي قبل الإفطار بساعتين ثم نذهب للمسجد لصلاة التراويح، وبعدها كنا نقضي الليل في لقاءات إيمانية متتابعة، وهناك ظاهرةٌ جيدةٌ لاحظتها هناك؛ حيث كان الإخوة اليمنيون يستغلون هذا الشهر دعويًّا ويعتبرونه فرصةً للعمل؛ حيث كانوا يستفيدون من أسطح المنازل عن طريق إقامة موائد رمضانية عليها تجمع فقراء المنطقة التي يعيشون فيها، ويحاولون خلال الكلمات التي تُلقَى في الإفطار والتعامل مع الصائمين أن يؤثروا فيهم وينقلون إليهم مفاهيم الدعوة بأبسط الوسائل الممكنة.
  • وماذا استفدت من تلك التجربة في وسائل الدعوة؟
أثبتت لي تلك التجربة أن رمضان فرصةٌ رائعةٌ لنشر الدعوة، من خلال الاقتراب من الناس، خاصةً البسطاء والطبقات العمالية التي لا ننتشر وسطها كما ينبغي؛ حيث يمكن عن طريق الإفطارات المنزلية واللباقة في الحديث مع الناس أن نؤثر فيهم؛ لأن المسلمين في رمضان يكون لديهم استعداد للخير، فضلاً عن الاهتمام بالجيران والأقارب؛ حيث إن رمضان فرصته لاستثارة جوانب الخير وتوضيح كل الأمور الغامضة بعيدًا عن الوعظ والخطابة عن طريق حديث القلوب إلى القلوب.
  • وما الدعاء الذي تحب أن تدعوه في رمضان؟
أدعو أن يعز الله الإسلام وأن يكشف الغمة التي تمر على الأمة.
  • وما الأمنية التي تتمنى تحقيقها في ليلة القدر؟
أتمنى أن يهديَ الله أمتَنا إلى الحق، وأن يفتح بصائرنا؛ لأن الغفلة هي مشكلتنا الكبرى، والقرآن ندَّد بها، وهناك سؤال يجب أن يسأله كل منا لنفسه من أين وإلى أين؟!

المصدر