عبدالمنعم عبد الحليم حسن قابيل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


عبدالمنعم قابيل المجاهد المجهول

إخوان ويكي

مقدمة

FB IMG 1590008232704.jpg

إن أول مقومات بقاء الكون هو بقاء آثار الرسل وعدم انطماسها، وإنما تنطمس آثار الرسل وتنمحي بتعطيل الوسيلة الضامنة لبقائها وهم الأفراد المصلحون، والذين وصفهم رب العزة بقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}(هود 117).

وعمر الإنسان ليس بوجوده فوق الأرض، ولكن بطول ذكراه على الأرض بعد وفاته، وهكذا المصلحين رسموا بأعمالهم صحائف من ضياء تظل تنير للناس درب الصالحين حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وبلا شك أن موت العلماء الأجلاء من المصائب التي ابتليت بها الأمة الإسلامية، فإن الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها كحياتها إذا ما الغيث حل بها.

ولقد رحل عنا في هذه الأيام المباركة الحاج عبدالمنعم عبد الحليم حسن قابيل يوم 27 رمضان 1441هـ الموافق 20 مايو 2020م عن عمر ناهز الـ83 عاما بعد رحلة من التضحية في سبيل الله والرضى بقضاء الله في المحن.

البداية

في حي روض الفرج بمدينة القاهرة ولد الحاج عبدالمنعم قابيل في 3 يناير 1937م في بيت متواضع يسكنه عدد من الأسر، وفي منطقة فقيرة من الحي، كان والده يعمل كعامل بالسكة الحديد وينتمي إلى الجمعية الشرعية التي كان يرأسها في ذلك الوقت مؤسسها الشيخ محمود خطاب السبكي-رحمه الله.

التحق بمراحل التعليم حتى حصل على الشهادة الابتدائية عام 1951 من مدرسة مكارم الأخلاق الإسلامية بروض الفرج، ثم حصل على التوجيهية قسم علمي عام 1956م، من مدرسة روض الفرج الثانوية بمجموع 73%، ورغم أن مجموعَه كان يؤهِّله لدخول كلية الطب التي كان يتمنَّى الالتحاق بها، حيث كانت تأخذ حينها من 71.5% إلا أنه لم يدخلها بسبب الفقر وعدم قدرته ووالده على مصاريف الكلية، فاضطُّرَّ لدخول كلية العلوم التي كانت رسومها 6 جنيهات ونصف الجنيه، في حين أن كلية الطب كانت مصاريفها 21.5 جنيهًا، ورغم ذلك لم يستمر في كلية العلوم سوى 4 أشهر فقط؛ حيث كان مرتب والده لا يتعدى الـ6 جنيهات، وحوَّل لكلية التجارة التي كانت رسومها 85 قرشًا فقط بعد أن اضطُّرَّ للعمل عاملاً في المصانع الحربية عن طريق الصاغ وليام إبراهيم نجل ناظر المحطة التي كان يعمل فيها والده.

بعد حصوله على بكالوريوس التجارة والعمل محاسبًا بإحدى شركات المقاولات بروض الفرج قرَّر الانتساب إلى الحقوق، لكن الاعتقال حال بينه وبين استكمال الدراسة بكلية الحقوق الذي قضى فيها عامين.

وسط الإخوان

Hqdefault.jpg

انضم إلى دعوة الإخوان المسلمين عام 1950م واعتقل عام 1954م لمدة يوم ونجاه من بقية الاعتقال وجود أحد زملائه في زنزانة قسم روض الفرج وكان يدعى عاطف وهو ابن أخت أحد الرتب العالية فأخرجهم جميعا من السجن.

غير أن الأمر لم يطل حيث اعتقل مرة ثانية يوم 5/ 10/ 1965 بعد الساعة الواحدة ليلا، وظل في السجن حتى نوفمبر عام 1971م، على الرغم أن المحكمة كانت قد حكمت عليه بالسجن لمدة 3 سنوات غير أنه حول للمعتقل بعد انتهاء فترة الحكم، حيث نقل لأكثر من السجن استمتع فيها بصحبة كثير من الرعيل الأول للإخوان، و بعد خروجه حصل على عقد في السعودية وقضى بها ما يقرب من 17 عام من عام 1982م حتى عام 1999م.

تعرف على زوجته وتم الزواج في يوليو 1965م ورزقهما الله بجيهان (جهاد) عام 1965م ثم سمية عام 1972م – بعد الخروج من السجن - ثم راوية 1973م ثم رباب عام 1975م ثم أحمد 1976م ثم رحاب عام 1978م.

محنة 1965م

تعرض الإخوان لمحنة شديدة في هذا العام وتعذيب رهيب، وكان الحاج عبدالمنعم قابيل واحد منهم ويحكي عن اعتقاله فيقول: كان الاعتقال الثاني يوم الثلاثاء 5 أكتوبر 1965م، وكنت في ذلك الوقت لم يمرَّ على زواجي سوى بضعة أسابيع، وكنت قد تركت العمل في المصانع الحربية، وعملت محاسبًا في إحدى شركات المقاولات بروض الفرج، على الرغم من أن المرتب الذي كنت أتقاضاه من المصانع الحربية كان ضعف ما كنت أتقاضاه من العمل كمحاسب، ولكنني فضلت أن أعمل بمؤهلي، وفي هذه الليلة فوجئنا في وقت متأخر من الليل بقوات أمنية مكثفة ومسلحة تطرق الباب، ولم ينتظروا لكي نفتح لهم بل قاموا بكسره وسألوا والدتي أين غرفة نوم عبد المنعم؟! فقالت لهم هذه فاقتحموا الغرفة بكل همجية..!!

وعندما سألتهم عن سبب ذلك لطمني الضابط بلكمة قوية في وجهي، فالتزمت الصمت، وقلبوا الغرفة رأسًا على عقب؛ لدرجة أن أحدهم فتح باب الدولاب فسقطت المرآة المعلقة على أحد "ضلف" الدولاب طبعًا كنت لسه عريس في ذلك الوقت والفرش كان جديدًا فصعب عليه أن يترك "الضلفة" الثانية بمرآتها فقام بكسرها هي الأخرى، وأثناء تفتيشهم للغرفة داس الضابط على المصحف فصرخَتْ زوجتي وقالت: حرام عليك المصحف، فلطمها بيده على وجهها فسال الدم منها، فقلت لزوجتي وأنا في أشد الحزن والأسى والغيظ أيضًا: "تستاهلي.. أنت مش عارفة إن المصحف له رب يحميه". فقال الضابط لي بعد أن فاجأني بلطمة أخرى أقوى من سابقتها: "ما إحنا عارفين يا بن ؟؟ إن المصحف له رب يحميه"، وبعد ذلك قاموا بتفتيش جميع غرف الشقة، كما لم يسلم الحمام والمطبخ من التفتيش؛ لدرجة أن أحدهم وجد "حلة" ملوخية على البوتاجاز فقلبها في الحوض ظنًّا منه أنه يوجد بها قنبلة لا سمح الله!!

وأثناء تفتيشهم للشقة ظلت أمي تتوسل للضابط وتقول له بحسن نية وطيبة مفرطة: "يا بيه ده عبد المنعم طيب وغلبان ... ده حتى من الإخوان المسلمين، وكل أسبوع بييجي يزوروه فلان وفلان وفلان وأنا بأعملهم أكل وبيقعدوا يتكلَّموا في الدين".

وأنا أصرخ وأقول: "كفاية يا أمي.. كفاية.. حرام عليكِ اسكتي"، والضابط أصرَّ أن يعرف من والدتي أسماء من كانوا يتردَّدون عليَّ، فقالت والدتي بحسن نية له بعض الأسماء التي تذكَّرَتْها في هذه اللحظة، ثم قال الضابط لي: "علشان والدتك الطيبة دي ارجع البس حاجة ثقيلة علشان احتمال تقعد عندنا شويه"، فرجعت بالفعل ولبست بلوفر وجاكيت وأكثر من بنطلون، ثم أخذوني وسط بكاء شديد من والدتي وزوجتي العروس».

مواقف حياة

بعد اعتقاله ترك زوجته بصحبة والده ووالدته لتقوم على خدمتهم ولترعى ابنتها جيهان والتي طلب الشهيد سيد قطب تغير اسمها لجهاد فتم ذلك وهو ما عرضها للسؤال والضغط من ضابط القسم الذي استدعاها للسؤال عن سبب تغيير الاسم بذلك، وقد تعرضت لمضيقات كثيرة من قبل العسكر فكانت ترد عليهم بقولها: «لو شاطرين اعتقلونا معهم فهم أشرف الناس وأعظم الناس».

وفي إحدى الزيارات استطاع الإخوان أخذ ابنتها جهاد منها دون علم العسكري وإدخالها للسجن لوالدها وأخذوها إلى فضيلة المرشد الأستاذ حسن الهضيبي في المستشفى، فقبَّلها ودعا لها، وكذلك قبلها وحيَّاها ودعا لها أساتذتنا الكبار الفضلاء أمثال: أحمد شريت وعمر التلمساني ومصطفى مشهور.

وفي فترة في السجن مرض الأستاذ عبدالمنعم واتضح أن الزائدة الدودية ملتهبة فقرر الأطباء إجراء عملية جراحية له، غير أنه أشيع أنه توفي بسبب أن الأطباء أخطأوا أثناء إجراء عملية الزائدة الدودية حتى ظنوا انه مات، وعندما علمت زوجته بذلك فما جزعت ولا قنطت واحتسبته عند الله شهيدا.

كانت زوجته نعم الزوجة والداعية في عام 1968م اتصلت بها الحاجة فاطمة عبيد (أم احمد) فكانت تعاونها في رعاية بيوت الإخوان المعتقلين، كما كان لها الدور الأساسي في تهريب مسودات كتاب عندما غابت الشمس.

وعن قصة كتابة «عندما غابت الشمس» وهو من الكتب الهامة التي تؤرخ لفترة هامة جدا وهى فترة عبد الناصر وما قام به نحو الإنسانية من تعذيب ويعود الفضل في إنقاذ هذا الكتاب من السجن الحربي وإخراجه للنور يعود للأستاذ عبدالمنعم قابيل والسيدة المجاهدة زوجته أم جهاد يقول الأستاذ عبد الحليم خفاجي: «الفضل لله العالي وحده، ثم لاثنين من الأخوات في إخراج هذه المذكرات، من الظلمات إلي النور، في وقت كان يجبن فيه عن التضحية أشجع الرجال الأولي هي الأخت أم جهاد زوجة أحد الأخوة المعتقلين، والثانية هي الأخت نفيسة زوجة الشهيد أحمد نصير ..

الأولي غامرت بتهريبها إلي خارج المعتقل، رغم سلسلة التفتيشات التي يتعرض لها الزوار والمعتقلين علي السواء ..والثانية لم تتردد في الاحتفاظ بالكشاكيل الخمسة التي سُرَّبت إليها تباعًا، رغم أنه لم يكن قد مضي علي استشهاد زوجها بالمعتقل عدة أشهر، وكان بيتها لذلك هو أصلح مكان للحفظ بعد أن خفت الرقابة عليه ولولا هاتين الأختين المجاهدتين لطويت الفكرة في الصدور .. فلله الفضل والمنة إن ربي لطيف لما يشاء.

ويضيف قوله: ولكن محنتي الحقيقية كانت تبدأ فور فراغي من كتابة كل كشكول، إذ كيف أخترق به الحواجز البوليسية، إلي خارج أسوار الدولة البوليسية، قبل الشروع في الكتابة من جديد .. لم يكن أمامي إلا انتظار الأعياد الإسلامية، والمناسبات الوطنية، حيث يترخصون في تسلم الأطعمة، في مختلف الأوعية، بشرط سرعة إعادتها فارغة داخل علبها الكرتونية ..

وبنفس السرعة أكون قد نجحت في إلصاق الكشكول في قاع الكرتونة، مستخدماً «النشا» «والأوراق» بحيث يبدو القاع طبيعياً، بمساعدة من أثق بهم من الشباب من آل "البرديني" وكم تصببت عرقاً كلما شاهدت السجان وهو يمعن في فحص علبة الكرتون، إلي أن يمر المشهد بسلام فأخر ساجداً لله.

وعندما ضاقت بنا السبل ذات مرة، ولم نجد منفذاً عن طريق الزيارات تَصَنّعَ أبو جهاد –عبدالمنعم قابيل - المرض؛ ليدخل المستشفي، حيث زارته أم جهاد بها، واستطاع أن يغافل السجان ويدس لها الكشكول في صدرها، ولم يتشكك أحد، وإلا لقامت إحدى السجانات المخصصة لهذا الغرض بتفتيشها.

ثم يقول: ولم أنس في غمرة ذلك كله دور الأختين المجاهدتين ، فهما صاحبتا الثواب الأكبر – إن شاء الله- ، وابتسمت وأنا أتذكر ذلك الضابط الصغير، الذي هاله أن تسمي الأخت الضعيفة ابنتها جهاد بعد أن وضعتها عقب اعتقال زوجها، وأجري تحقيقاً شديداً معها في مبني المباحث عن دوافع هذه التسمية، وهددها بسوء المصير إذا لم تغير هذا الاسم.. وربط الله علي قلب هذه الأخت الوحيدة في دولة الطواغيت، ولم يتزعزع إيمانها.. وكافأها الله علي ذلك في الدنيا برؤية هذا الجهاد.. أما يوم القيامة فلا تعلم نفس ما أخفي لها من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون»

وعندما خرج من السجن وسافر مع أهله هناك لم ينس دعوته ولا زوجته أيضا فتعرفوا على العديد من إخوانهم هناك وعملوا معهم في الدعوة، كما كانوا قبلة لكل من يريد معرفة تاريخ حقبة عبدالناصر وما جرى فيها.

حينما عاد إلى مصر واستقر بها نشط وسط إخوان بشمال القاهرة في العمل الدعوي امثال الحاج يوسف قته والحاج حمدي إبراهيم وغيرهم، وظل مواظبا على الحضور لمكتب الارشاد وإفطارات الإخوان حتى وهن عظمه وكبر سنة ودخلت الجماعة في محنة عام 2013م فرابط منزله حتى توفاه الله، فنسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته

البوم صور

عبدالمنعم قابيل
 

الدكتور-محمد-سعد-الكتاتنى-والحاج-يوسف-قته-والحاج-عبدالمنعم-قابيل