عبدالفتاح نافع يكتب: قرص القش

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبدالفتاح نافع يكتب: قرص القش


عبدالفتاح نافع.jpg

( 28 سبتمبر 2017)

كانت الحياة بسيطة، موسمية الألعاب تفرض نفسها علي الأطفال الصغار، ولا يُفرط منها موسمٌ في حقه، يأخذه من أفكارنا من أعمارنا من بنياننا، موسم تيل الحبال بعصيانه الطويلة الهشة، كم امتطينا ظهورها فرسانا، وصنعنا من دقيق عصيانه سيوفنا التي كانت تنكسر عند أول مبارزة وأول نزال بيننا، كنا نُبدي شجاعة عتيدة ونحن ننفخ في أكفنا الرقيقة، ثم نهوي بها علي حزمة التيل التي تتهاوي تحت عصف أيدينا بها فنشعر بالرجولة، وقبل انقضاء موسم اللعب مع أعواد التيل التي تلملم أشيائها وتستعد للرحيل، ندخر لأنفسنا بعض الأعواد التي تذكرنا أننا يوما مررنا من هنا، وينقضي موسم اللعب بأعواد التيل، ونستعد لموسم الخير الوفير.

موسم اللعب فوق أجران الأرز الذي غيرت عجلات درسه بالجرارات لونه وقوامه الممشوق وهو يحمل سنابله، ليستحيل ليونة وتنفرط منه السنابل، ويستحيل لون الفتوة في قوامه إلي لونه الذهبي الذي يبقي معه لا يفارقه حتي يحترق في أفراننا لإنضاج العجين، وكأنه عِوضاً له عن سنابله التي انفرطت حباتها لتكون مجموعة في حوزة الجاني ، ليفرح بها، ونفرح نحن بذلك القرص الذهبي الذي يفترش أجراننا، فتعلوه كل ألعاب الطفولة، من قافزٍ فوقه متعشمًا في نداوته أن تحافظ علي أضلاعه ، ومن متقلبٍ فوقه مظهرًا لرفاقه من الصبيان براعةً وسرعةً في الوصل بين أطراف الجرن بخفة تدعوه إلي أن يسرق الوصل في لمحاتٍ مبهرة ، والكل يعلم أنه قد اختصر المسافة الطويلة بمروره بزاوية قصيرة ، جعلته الآن يبدو في أقصي طرفه وفي نفس أنه قد وصل إلي الطرف الآخر لذلك القرص الذهبي المترامي في عيوننا وكأنه وطن.

بل هو الوطن.

كنا نمرح ونُبدي له أنه حطم كل أرقام السابقين له في سرعته ، لنحقق له سعادة يرجوها ، ليبدي لنا هو انبهارًا إذا جئنا لفقرة التقييم فكما جاملناه يجاملنا ، هذه هي قواعد عالمنا وأوطاننا القابعة فوق أجران القش الندي الذهبي.

كانت رائحة قش الأرز المدروس تحت عجلات البابورات تملئ الأجواء سحرا وعبقاً يطيب لنا ملء صدورنا وأوردتنا بها .

كانت هذه الرائحة وهذا اللعب تنسيانا قسوة المُعلم حينما يقسو علينا لأننا أخطأنا في مسائل القسمة المطولةِ ولأننا نسينا بعض النواتج في جدول الضرب الذي كان يرهقنا حفظه ونخشى يوم تسميعه.

وحين يقبل الليل فاردًا أستاره السوداء فوق أوطاننا ، وتتساقط بعض قطرات الندي ، والبرد يرسل بوادره ونحتاج إلي إرداف الملابس ، نترك الأوطان غارقة في قطرات الندي وننزوي جميعًا في أحد زواياه لنقترض الدفء من بعضنا ، ونأنس بوحدتنا ، ويقوم أكبرنا بقص حكاياه الجميلة ، فنسرح معها ونكون نحن أبطال الحكايا .

يطول بنا السمر ، ثم نأوي متفرقٌ جمعنا إلي بيوتنا ، لنتذكر أننا تركنا أكواما من الكتابة فيتسلل الخوف من النوم قبل أداء المهام إلي قلوبنا ، فنجتهد لننهي ما بدأنا ، حتي لا نُحرم غدًا لذة العيش فوق وطننا القابع في جرن القش

نستيقظ في الصباح ورائحة عيدان الأرز تملئ الأجواء ثم نحمل حقائبنا ونذهب إلي مدارسنا ، لنجد كلاب الحي في أوطاننا ترتع.

فننظر إليه بحسرةٍ وننظر إلي تلك الزاوية التي جمعتنا بالأمس وتردد ألسنتنا وقلوبنا، عائدون إليك يا أوطاننا .

المصدر