عبدالفتاح نافع يكتب: شعب ال عاش

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبدالفتاح نافع يكتب: شعب ال عاش


عبدالفتاح نافع.jpg

( 18 أكتوبر 2017)


ثقافة النفاق التي توارثتها الأجيال ، وثقافة النكران لكل ما قد كان ، مهما كان جميلًا ، مهما مسح همومًا كانت تشتعل بسببها قلوبنا ، مهما قدم لنا من أشياء كنا نظنها مستحيلة ، مهما كان حبه ظاهرًا لنا ، واحتواؤه باديًا لنا ، إلا أن ثقافة النكران ، والتخذيل ، تحت أيدينا ، وأقرب لنا من حبل الوريد ، لن نتكلف شيئًا أكثر من أن نظهرها ، لا لشيء ارتكبه من تنكرنا له ، ولا لخطيئة في حقنا منه ، ولكن لأنه ظهر علي الساحة من هو أقوي ، ومن تحولت الأمور إليه... فننسي كل ما كان ونطوف بكلماتنا حول من هو أصبح كائن ، وسلعة النفاق رخيصة ، وطيعة ، وسهلة الانتقال والتنقل ، وسلعة النكران ما أوفرها وما أيسرها.

ثقافة سادت وتوغلت في المجتمع وأصبحت كرياضة المشي الجميع يمارسها ، وليست عصية إلا علي من أقعدته المبادئ ، ولجمه الشرع عن ممارستها وهم قليل ، تعرفهم بسيماهم ، لا يتقربون لأحد بعبادة التذلل والخضوع إلا لله وحده ، ليس هناك قوة في نظرهم علي الأرض تستحق العبادة والتزلف إلا الله وحده ، فحافظوا علي مبادئهم ، وانضووا تحت لواء دينهم ، وعرفوا طريقهم ، وعرفوا أن الاضطهاد سيكون من نصيبهم هم ، وأن البلاء سيصب فوق رؤوسهم صبًا ، فقد يموتون في سبيل مبادئهم ودينهم ، ولكنهم استعذبوا ذلك وألِفوه ، وتعايشوا معه احتراما لأنفسهم ولما يؤمنون به ، وقد تكون أصواتهم خفيضة ، لكنها مؤثرة ، وقد تكون كلماتهم بسيطة لكنها مسموعة.

والمتجبر عليهم ينتظر فقط كلمة واحدة منهم تمدح فعله ، فتستريح نفسه الخبيثة لهم ويعلم أنهم قد فقدوا قيمتهم وأصبحوا رعاعًا كبقية شعب العاش ، فيصفح عنهم ويرفع عنهم بلاءه ، وتحلو له الحياة وتستقر له الأمور ، وهم كذلك يعودون لحياتهم ورفاهيتهم وبيوتهم وأعمالهم ، وأزواجهم وأبنائهم ، وتُرد إليهم أموالهم التي صادروها منهم ، وتنتعش أعمالهم وتجارتهم ، فقط لو تخلوا عن مبادئهم وداهنوه.

وهم يعلمون أن ذلك مراده منهم ، ولكنهم لن يتخلوا ولن يبيعوا مبادئهم وسيظلون رجالًا لا يقبلون الضيم ولا يرضون الدنية من دينهم ولا وطنهم ولا ينزلون أبدًا علي رأي الفسدة ، بل أخذوا يعذبونه ويقهرونه بثباتهم علي مبادئهم وعلي ما يؤمنون به ، فتشتعل نيران حقده عليهم ، ويزداد بطشه بهم ، ويدعمه في ذلك جموع المنافقين المتخاذلين المنبطحين من شعب ال عاش ، الذين يرونه إلهًا ويصورن له ذلك ، بل ويتسابقون بين يديه في تلاوة قبائح نفاقهم في محافله وبين يديه.

هم الملأ ، وصوتهم عالٍ ، يزينون له كل شيء ، وهو سوف يزج بهم في نيران جهنم ، وهم سيوردونه المهالك ، ويوم القيامة يتبرءون من بعضهم بعضًا ويلقون التهم علي بعضهم البعض ، كما تعودوا في الدنيا ، ويخدعون الناس ، ولكن بأي طريقة يستطيعون خداع الله والكذب عليه ؟

للأسف لن يجدوا طريقة لذلك ، وسيعترفون بذنوبهم في حضرته سبحانه وتعالي.

إن شعب ال عاش لا يبني دولًا ، ولا يؤسس حضارة ، ولا يرفع لواءً ، ولا يبني مجدًا ، إنما يعيش كالسوائم ، يسير في المرعي أمام من يسوقه ، راضيًا بمراعاه مهما كان ، حتى ولو خلا من الحشائش .

بل إن شعب ال عاش هو أكبر معاول الهدم في المجتمعات ، لأنه بنفاقه قد يقلل الكثير ، ويضخم الضعيف ، ويهون العظيم ، فهو لا يجيد في حياته غير الموكاء والتصدية ، والطواف عريانًا حول مصالحه التي استعبدته ، فعبدها من دون الله ، وتقرب إليها بمملئة من يظن أنه خطر عليها ، وبالتقرب ممن يظن أن في التقرب إليه محافظة عليها ، حتى لو أضاع دينه ، وأراق كرامته تحت أقدامه ، وأخذ ينشد له.. اسم الله عليه .. اسم الله عليه.. وهو يعلم أن كل هذا كذبًا وزورًا.

والمعضلة الحقيقية أنه للأسف هذه الثقافة سائدة في كل المجتمع ، وكل يوم يُدشن لها مدارس جديدة وطرائق قددا ، حتى أصبح من لم ينتظم في مدارسها ، وينضم إلي طرائقها ؛ غريبًا ومستهجنًا ، ويصبح عبئًا علي المجتمع ، ويغدو المشروع القومي للمجتمع هو الخلاص منهم والإلقاء بهم من فوق الجبال حتى تتمزق أجسادهم ، أو يلقونهم في اليم ليموتوا غرقًا.

ولكن شعب ال عاش نسي عن غفلةٍ أو عن عمدٍ أو عنهما معًا أن الأيام دول ، وأن سنن الله لا تبديل لها ، فقد تدور الدائرة عليهم ، ويجدوا أنفسهم مرغمين إرغامًا علي الاعتراف بمن تنكروا له بالأمس القريب ، ويجدوا أنفسهم مرة أخري يهتفون بين يديه.. اسم الله عليه .. اسم الله عليه

هذه هي ثقافة ودين وديدن شعب ال عاش..

عاش شعب ال عاش

عاش.

المصدر