عبدالفتاح نافع يكتب: جموع الهمل وزئير الغنم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبدالفتاح نافع يكتب: جموع الهمل وزئير الغنم


عبدالفتاح نافع.jpg

( 09 نوفمبر 2017)


كل الأحوال تنذر بحدوث أمر جلل ، فالأفق ملبد بالغيوم المثقلة ، التي تنتظر أن تتخفف من حملها الذي أرقها وجعلها تترك عليائها وتقترب من الأرض لعلها تستريح.

هذا الظن يملأ نفوس الكثيرين ممن يتوقون إلي الحرية ، ويشتاقون إلي إنسانيتهم التي سلبتها منهم سطوة الظروف وتردي الأحوال ، ولكنهم لا يزالون قابضون علي الجمر ، وموجودون في ساحات النزال ، ويحملون أرواحهم علي أكفهم ولن يولوا الأدبار .

ولكن هم قلة ، وهذا ما يشير إلي أنهم علي الحق ، وأنهم رغم قلتهم ظاهرين علي عدوهم ، فرغم قلة عددهم إلا أنهم هم الكابوس الجاثم علي أنفاس أعدائهم ، ويؤرقوا نومهم ، وينغصون عليهم كل سبيل يسلكوه ليظهروا أمام العالم أنهم هم المسيطرون ، ولكن تخونه ألفاظه ، فلا ينسي أن ينوه وهو يتحدث مع جموع الهمل عنهم بوجه عابس كئيب ، قد تركت الحوادث فيه أثرًا لا يخطئه بصر ، وكأن شبحًا قد بدا أمامه من هؤلاء القلة ، فأذهب عنه هذا البهاء المصطنع والضحكة الملفقة والسعادة المنهوبة ، ويتواري كل هذا أمام الابتسامة الساخرة للشبح الذي بدا له.

هو سعيد بوجوده في وسط جموع الهمل ، الذين لا وزن لهم ، ولا قيمة لهم فإن أقيم وأروع ما فيهم هذه الملابس الفاخرة التي يتواري تحتها كل خبث هذا المجتمع.

وللأسف الشديد كلما تحدثت مع أحد من هذه الجموع المنتشرة والمتكاثرة في كل مكان حولنا تجدهم يضيقون ذرعًا بما يحدث ، ويشتكون مُر الشكوى مما يعانونه هم وأسرهم وأبنائهم ، وتستمع إلي حكايات الشظف والفقر فتتعجب ، وتستمع إلي بكائهم علي ما مس أحد معارفهم من ظلم فتندهش ، وتحاول الإجهاز عليه ليشير أو ليتهم من بهم فعل كل هذا فيروغ منك كما يروغ الثعلب ويطوح الاتهامات ميمنة وميسرة دون أن يوجهها في وجهتها الصحيحة ، وهذا من الأمراض التي تفشت في عموم الناس ؛ يعرف الداء ومكمنه ولكنه يجبن حتى عن ذكره ، وهو بذلك يضع نفسه بنفسه في جموع الهمل ، الذين لا هم لهم إلا الحياة فيحرصون عليها حتى ولو عاشوها بلا رجولة ولا كرامة ، فيحرص علي الحياة بأي شكل فيحيا ميتًا ، دونما شهادة وفاة ، وقد تطؤه كل الأقدام فيقوم وينفض نفسه من غبار الدهس الذي أصابه ثم يلتفت حوله ويتحسس أعضاءه ، ثم يبتسم لأنه لا يزال علي قيد الحياة ، ولكن بأي شكل أنت حي ؟ لا يهم هو يحيا سعيدا في جموع الهمل.

ويزين له هذه الحياة ، ويحببها إليه ، ويجعلونه يرضي بالكاد منها ، هو زئير الغنم ، الذي يجلس يستمع إليه كالمسحور ، يزءرون في وجهه فيرتعد منهم وينسي أنهم قطيع من الأغنام ، يغردون نشازا من نوته واحده ، ولكن بعصي مايسترو واحد ، فيعم لحنهم الخبيث وينتشر حتي تصدقه جموع الهمل ، ويتبنونه ويدافعون عنه ، وهم له كارهون.

جموع الهمل لا يرتجي منهم أمل ، وزئير الغنم لابد من حل له ، فهم قد أفسدوا عليكم دينكم ودنياكم ، جعلوكم لا شيء ، وتقبلون بكل لا معقول يُستثقل قبوله حتى علي اللا آدميين فمتى الاستفاقة ومتى الخلاص.

لكن هذه الفئة القليلة التي يُرتجي منها بالدعاء أن تكون الفئة التي يقال عنها كم من فئة قليلة.... ما يئست ولن تيأس ، فهي تعرف طريقها وتتحسه فما كانت يومًا ولن تكون من جموع الهمل وما أثر فيها ولن يؤثر فيها زئير الغنم ، فهم ظاهرين علي الحق ما ضرهم ولن يضرهم من خالفهم ، يسعون بدأب ، ويمضون بعزم ، حاملين علي كواهلهم هم هذا الدين وهم هذا الشعب ، يوسعون له الأفق ، وينشرون له النور ، ويحملون كَلَّهم ، ويصلحون له ما فسد ، راجين من الله الغوث والعون والمدد ، أن تجتمع لهم القلوب وتتفتح لهم العقول ، ويعرفون حقيقة الصراع ويرسمون لهم الطريق ، فيا أيها الجموع ، سيروا معهم ، نفضوا عن أنفسكم هذا الركام وهذا التراب ، فالحق لا بد له مع هذه الفئة القليلة من سند.

المصدر