عبد العزيز عطية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
(بالتحويل من عبدالعزيز عطية)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأستاذ عبدالعزيز عطية .. ثبات كالجبال

بقلم: أ.د. رشاد محمد البيومي

26-8-2012

كثيرون لا يعرفونه، وقد لا يسمعون عنه، ينطبق عليه القول المأثور:

«إذا حضر لا يُعرف وإذا غاب لم يُفتقد»، وهي صفات العامل المتجرد الذي لا تطغيه الزعامة، ولا تغره، إنما تورده مورد التواضع والذلة لإخوانه وأبنائه، والعزة على الطغاة المتجبرين، فهو بطبيعته لا يحب الظهور؛ لأنه في غنى عنه.

ورغم زهده في الزعامة ورغم إعراضه عن تولي القيادة، فهي تسعى إليه، كيف لا وهو صاحب التاريخ المجيد، فقد كان أستاذاً ومعلماً لإمامنا الشهيد حسن البنا.. كيف لا وهو صاحب العلم والمعرفة، ولكم رأيت أساتذتنا الكرام ومرشدينا: عمر التلمساني، ومحمد أبو النصر، وكذلك العالم الجليل والمجاهد الناسك أحمد شريت (عضو مكتب الإرشاد)، وهم يقفون أمامه موقف التلميذ من أستاذه، والمريد من شيخه ومعلمه، يتلقون منه في أدب، ويستمعون إليه في انصياع وانقياد.

كان كالجبل الأشم، ثابتاً عن ثقة في الله، يملؤه اليقين، ويحدوه الرضا والأمل في نصر الله. هذا هو أستاذنا الكبير الأستاذ عبدالعزيز عطية، وهو أكبر أعضاء مكتب الإرشاد الذين ظلوا على العهد، ولم تطولهم براثن الفتنة، وبقوا ثابتين على القيم، لم تنل منهم السنين، ولم تفل من عزيمتهم نوائب المحن وأحداثها.

يوم أن لقيته في سجن الواحات كان يبلغ من العمر ثلاثة وثمانين عاماً، كان قصير القامة، ورغم أنه كان يعاني من الكثير من أمراض الشيخوخة، إلا أنه كان يتمتع ببقايا جسم رياضي، وتحس أنه يحمل بين جنبيه نفساً عالية، وروحاً وثابة.

«وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجساد» وكان ذلك في أواخر الخمسينيات، وكان عبدالناصر وأعوانه وقد أحسوا أنهم لم يستطيعوا أن ينالوا من الإخوان رغم أنهم مارسوا معهم كل ما عرف من ألوان التعذيب والتنكيل، وأن عدداً غير قليل قد استهان بممارستهم الفجة، بل زادتهم قوة إلى قوتهم، وثباتاً على ثباتهم.

فلجأوا إلى حيلة ماكرة خسيسة، وحشدوا لها كل طاقاتهم وجنودهم، فأرسلوا الوعاظ وكبار الضباط إلى السجون بين التهديد والوعيد، والتلويح بالخروج لو تنازلنا عن تمسكنا بدعوتنا وجماعتنا، وفي محاولة لإثبات وجهة نظرهم، تم الإفراج عن بعض الأفراد الذين كانوا مؤيدين لجمال عبدالناصر.

وكان هذا فخاً رخيصاً وقع فيه بعض الناس وتجاوبوا مع هذا الإيحاء الوضيع، ولم يدركوا الهوة التي وقعوا فيها إلا بعد فوات الأوان. استجاب البعض لتلك المؤامرة، ولُبس عليهم الأمر، وطالبوا أن يرخص لهم بمجاراة هؤلاء الطغاة، امتثالاً لقول الله { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(البقرة 173).

وطُرح الأمر على أعضاء المكتب:

(الأستاذ عبدالعزيز عطية - الأستاذ عمر التلمساني - الأستاذ محمد حامد أبوالنصر - الأستاذ أحمد شريت)، وتدارسوا الأمر بينهم من الناحية الشرعية ومن الناحية الحركية فيما يمس مسيرة الجماعة، وتشاوروا مع الأستاذ المرشد حسن الهضيبي الذي كان قد أفرج عنه مرضياً.

وانتهى الرأي الذي أعلنه الأستاذ عبدالعزيز في قوة وصلابة:

«ما كان للجماعة أن تأخذ بالرخص، ولكن عليها أن تأخذ بالعزائم، وما كان على الجماعة أن يكتب أو يسجل عليها التاريخ أنها مالأت الظالم وأيدت طغيانه واستكانت لممارساته وتجاوزاته».

وقال كلمته الشهيرة:

«إن هذه الفتنة هي «الزحلوقة»، وكان يعني بها أن من وضع رجله على أول درجاتها ينزلق فيها إلى أسفل الدركات، وأصبح لزاماً على الجميع الالتزام بهذا الرأي، والخارج عليه خارج على الجماعة.

وقد صدق حدسه.. فكان الضابط المخول له تنفيذ هذا المخطط (عبدالعال سلومة) يبدأ حيلته مع الفرد بأنه لو كتب كلمات تُؤيد فيها عبدالناصر فسوف يتم الإفراج عنه، ويختفي الضابط عن الأنظار فترة، يترك خلالها الفرد في حالة من القلق، ثم يعود ليُفضي إليه أن السادة الكبار لم يقنعهم ما كتبه، وعليه أن يؤيد ما كتبه باستنكار نهج الجماعة، ويكرر اختفاءه ليعود، ويطلب مستوى من التدني والانحطاط، حتى يصل بالفرد إلى الدرك الذي يمكن أن يجنده فيه للتجسس على إخوانه وكتابة التقارير الأمنية.

لقد كانت المؤامرة إذاً لتحطيم نفوس أفراد الجماعة، والنيل من ولائهم لدعوتهم، والقضاء عليهم، وقد نجحت إلى حد ما في بعض النفوس، ولكن أبقت تلك المجموعة الثابتة التي بايعت على حمل اللواء ما بقيت الحياة، وما زلت أذكر مقولة الأستاذ عبدالعزيز: «إذا مت فادفنوني هنا في الواحات».

ولا تحسبن هذا الرجل الصلب الأشم مجرداً من العواطف، فقد رأيته عندما زاره ابنه الدكتور عبدالله بعدما حصل على الدكتوراه في تخطيط المدن من النمسا، وقد احتضنه في شوق وحنان، وانسابت الدموع من عينه، لحظات لا يمكن أن تنسى، ولمحات تدل على عاطفة جياشة وروح تفيض بالحنان؛

ومع ذلك فقد أصيب ابنه محمد (الذي كان مسجوناً في القناطر) بالشلل، فلم تؤثر فيه تلك المحنة ولم تنل من عزيمته، وعندما اقتربت نهاية مدة العشر سنوات، حرص أن يصدر تكليفاته لكل منا إذا تم الإفراج عنه أين يعمل في سبيل دعوته وكيف يؤدي.

كان يقضي يومه في السجن عابداً متبتلاً قارئاً للقرآن، أو مطلعاً على ما أتيح لنا خلسة من الكتب، أما ليله فقد كان واقفاً بين يدي الله داعياً وملبياً. جزاه الله عن دعوته وعن إخوانه وعن موقفه الصامد الثابت كل الخير، وجمعنا الله وإياه في مستقر رحمته.

الوفاة

توفي يوم 20 نوفمبر 1976

موضوعات ذات صلة

روابط داخلية

روابط خارجية