عام جديد.. فيه الخير إن شاء الله

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عام جديد.. فيه الخير إن شاء الله

رسالة من المستشار/ محمد المأمون الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين

عام جديد.. فيه الخير إن شاء الله

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه،

أما بعد:

فقد أتمت الانتفاضة الفلسطينية المباركة عامها الثالث.. لتبدأ عامها الرابع، لتؤكد- من خلال صبر وجلد وتحمُل الشعب الفلسطيني العربي المسلم- مدى إصرارها وتصميمها على مواصلة مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الصهيوني لأرضه، أو سعيه للتوسع فيما حول فلسطين ليقيم وطنَه القومي المزعوم على حساب حاضر ومصير كافة العرب والمسلمين .

كما تؤكد في الوقت نفسه على مدى ما تمتلكه الأمة العربية والإسلامية من طاقات وإمكانات إيمانية ومادية استطاعت بها في الأمس صد ودحر العديد من الهجمات؛ دفاعًا عن عقيدتها وقيمها ومُثلها وأرضها وحريتها وأمنها ودَورها الحضاري ..

وتستطيع- مع حشدها اليوم ومُضيها على نفس الطريق- أن تصد الزحف الأمريكي وتردع العدوان الصهيوني .

ثلاث سنوات واجهت الانتفاضة الفلسطينية خلالها أقسى وأصعب أشكال الحصار والقصف الوحشي بمختلف أسلحة الإبادة الأمريكية، مع تدمير البيوت، وتجريف الأراضي، وتصفية القيادات، واعتقال وتعذيب الشباب، واستخدام كافة الضغوط الأمريكية والصهيونية لحرمان الشعب الفلسطيني- وانتفاضته- من أي شكل من أشكال الدعم من قِبَل الأشقاء في مختلف الأقطار؛ للانفراد بالانتفاضة، ووأدها، والقضاء عليها.. ولكنها واصلت صمودها ومقاومتها وتصديها للاحتلال الصهيوني؛ لتعبر عن عزة وكبرياء وإباء الشعب الفلسطيني، والأمة العربية والإسلامية بأجمعها في تحدٍّ يستحق التقدير لأعتى أنماط الطغيان، ومع تضحيات تستحق التبجيل تثبت أن نَبْع البذل والعطاء متدفق لا ينقطع، وأن حق الشعوب في مقاومة الاحتلال أعلى وأكبر من كافة قوى الطغيان والشر، وهو لا يفتر ولا ينقطع، فقد منحها إيمانها بربها أسباب القوة والتواصل حين تمتثل في صدق لقول ربها:

﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ (التوبة: من الآية111).

ولتعلن للعالم أجمع حقيقة صارت أكثر من ناصعة؛ وهى أن الانتفاضة قد أحيت القضية الفلسطينية، وحالت دون أن تموت أو تصفى، وأدت- وتؤدي في الوقت نفسه- واحدًا من أعظم أدوار الجهاد في تاريخ الأمة؛ وهو التصدي للعدوان التوسعي الاستعماري الصهيوني الذي يستهدف العرب وديار العرب فيما حول فلسطين، ووضعت حدًّا لمقولات انبعثت هنا أو هناك تزعم أن الشعب الفلسطيني الصابر المجاهد قد ألمَّ به العَنَتُ والإعنات إلى الحد الذي يتطلب البحث عن مخرج أو أسباب للراحة والتخفيف؛ إذ أكدت أن طاقات الجهاد والعطاء والتضحية عند الشعب الأصيل لا تنفد ولا تجف، وأن لديه من العزم والحزم والإمكانات والقدرات- التي هيأها ووفرها له إيمانه- ما يعينه على الاستمرارية والتواصل ورفض أي مخرج أو أي أسباب أو سبل للراحة أو التخفيف إذا كانت تعني الرضوخ أو الاستسلام، أو التفريط في الأرض والديار .

لقد قدم الشعب الأبيُّ الشجاع- على مدى ثلاث سنوات من المقاومة- ما يقرب من ثلاثة آلاف شهيد وأكثر من ستة وثلاثين ألفًا من الجرحى، إضافةً إلى آلاف المعتقلين، مع تدمير آلاف البيوت، وتجريف مساحات واسعة من أرضه، ولكن الانتفاضة بددت أمن الغاصبين، ونشرت الرعب فيما بينهم، وألحقت الكساد والخسائر باقتصادهم، وأفشلت سياسات ومشاريع العدو في التهام الأرض أو التوسع في العدوان .

أعوام ثلاثة.. تحمَّل أشقاؤنا في فلسطين خلالها الكثير من العنت والإعنات على مستوى الآباء والأبناء والأمهات؛ وهو ما يوجب على كافة الشعوب والحكومات أن تمد لهم كافة أشكال الدعم والعون، وعلى مستوى الشباب الذين تعرضوا- ويتعرضون- للاعتقال والتعذيب والقهر والتنكيل، مع تعمد الصهاينة المحتلين- وبدعم أمريكي أكثر من سافر- أن يحرموهم التعليم والعلم والحرية والأمن؛ فما وهنت لهم عزيمة، ولا لانت لهم قناة، بل حملوا راية المقاومة..

ولم يفرطوا في راية العلم رغم قسوة الظروف والأجواء، وهم يبدأون عامًا جديدًا من المقاومة، يوازيه عام جديد في الدراسة والعلم والتحصيل .

انتفاضة الشعب الفلسطيني المبارك أجابت على تساؤلات جالت وتجول في أذهان الكافة :

ماذا لو لم تكن الانتفاضة؟ هل كان من الممكن أن تصبح القضية الفلسطينية ملء السمع والبصر في كافة وسائل الإعلام ومنتديات الرأي ومجالس الساسة؟ هل كان من الممكن أن تشعر الدنيا أن شعبًا مضطهدًا ومحرومًا من أبسط حقوق الإنسان في الحرية والعيش الكريم؟

وهل كان من الممكن- دون الانتفاضة- أن تنكشف عورات الصهاينة كما انكشفت مع سيل جرائمهم في مواجهة أصحاب الحق والأرض والتاريخ، وأن يظهر عجز حكام العرب والمسلمين عن تقديم الدعم لشعب يُباد، ويُضرب أهله بالصواريخ والدبابات وتُجرف أراضيه وتُهدم بيوت ساكنيه؟ وهل كان من الممكن أن تسقط دعاوى السلام الموهوم ومحاولات تزييف الوعي وتخدير الأمة دون الانتفاضة؟

إن عشر سنين من مسيرة (أوسلو) لم تجلب لأصحابها سلامًا ولا أمنًا، وإن التنازلات الكثيرة التي قدمها دعاة السلام لم تجد من الصهاينة إلا فهمًا عنصريًّا يرى في كل تنازل ضعفًا، فيزدادون طغيانًا وطمعًا .

وهل كان من الممكن دون الانتفاضة أن تجتمع كلمة الشارع الإسلامي كله على إكبار معاني التضحية التي يضرب أهلنا في فلسطين فيها أروع المثل، وتسقط دعاوى الترويج للتطبيع وشراكة الصهاينة في المستقبل السياسي للمنطقة؟!

إن دماء شهدائنا هي التي جعلت العالم يتوقف منتبهًا مندهشًا ليدرك أن هناك من يمتلك القدرة على التضحية الكاملة النبيلة، وتقديم ضريبة الحرية مهما غلت.

إن كل هذه النتائج لم تتحقق إلا بتضحيات جسام، لكنها لم تكن خصمًا من قوتنا، بل إضافة إليها، وقد أصاب العدو أضعافها، وصدق الله تعالى حيث يقول:

﴿إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ﴾ (النساء: من الآية 104).

والانتفاضة- وهي تبدأ عامها العربي، عامًا جديدًا على طريق الانتفاضة والعلم- توافق وتواكب بداية عام دراسي جديد يتوجه فيه الملايين من أبناء الأمة وشبابها إلى دور العلم، و فلسطين في قلوبهم، وكافة قضايا وأوضاع وأحوال الأمة ملء أذهانهم وأمام أبصارهم.. يبدأون عامًا دراسيًّا جديدًا له مسئولياته وواجباته وتكاليفه وتبعاته.. وهي مسئوليات وواجبات وتبعات يتحملها شبابنا وأبناؤنا الطلاب في كافة أنحاء العالم العربي والإسلامي مع مسئولياتهم وتبعاتهم الجسام إزاء الانتفاضة الفلسطينية والشعب الفلسطيني المجاهد المثابر الصابر.

وعام دراسي جديد

إن مرور عام من أعمارنا، وبدء عام جديد ينبغي أن يحرك نفس كل مسلم للتأمل والمحاسبة، فكان بعض سلفنا الصالح يقول: "إنما أنت أيام، فإذا مضى يومك فقد مضى بعضك"، كيف لا؟

وكل يوم يمر يقربنا إلى لقاء الله تعالى والوقوف بين يديه، وكل يوم يأتي يدعونا في لهفة وجزع: "أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمني، فإني لا أعود إلى يوم القيامة".. ولا ريب أن "من كان يومه مثل أمسه فهو مغبون"، نسأل الله تعالى أن يكون يومنا أفضل من أمسنا، وغدنا خيرًا من يومنا .

ومما ينبغي أن نتواصى به في مطلع عام دراسي جديد أن نصحح نياتنا، ونحدد معالم الخير فيها، ولا ننسَ أننا في عبادة متواصلة وإن تغيرت أشكالها وألوانها، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ (الأنعام: 162-163). إن طلب العلم من أشرف العبادات التي أمر بها ديننا، ونحن لا نطلبه رياءً ولا سمعة، ولا رغبةً في علو في الأرض ولا فساد، وقد قال نبينا- صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو داود: "من تعلم علمًا مما يُبتغى به وجه الله- عز وجل- لا يتعلمه إلا ليصيب به عَرَضًا من الدنيا لم يجد عَرْف الجنة يوم القيامة؛ يعني ريحها"، لكن الله يرفع قدر العلماء عنده إن صح إيمانهم، قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: من الآية11)؛ لأن علمهم أورثهم خشية ربهم والرغبة فيما عنده: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر: من الآية 28)، وإن الله تعالى قد رفع مكانة العلماء حتى عدهم ورثة الأنبياء.

قال- صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو داود والترمذي:

"من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سهل إليه له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا؛ وإنما وَرَّثُوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر".

ومعلوم أن العلم المطلوب في ديننا هو كل علم نافع تبقى للناس ثمرته، قال تعالى:

﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ﴾ (الرعد: من الآية17)؛ سواء كان علمًا شرعيًّا أو علمًا تجريبيًّا، وقد قصرت أمتنا في السعي لنيل هذه العلوم التجريبية أمدًا، وربما يرجع ذلك لفهم مغلوط لمعنى العلم الذي أمر الإسلام به وحض عليه، حتى صرنا عالةً على غيرنا من الأمم فى هذه العلوم التي ورثوا أصولها منا- نحن المسلمين- أيام كانت لنا دولة وخلافة، وعزة وحضارة، وإن فضلاءهم ليعرفون فضل المسلمين على أوربا في التأصيل للمنهج العلمي الصحيح، وإنهم كانوا تلامذة لعلمائنا في قرطبة وغرناطة وصقلية وغيرها.. غير أن هذه العلوم التجريبية لما كانت في أيدينا- نمتلك نواصيها- كانت سببًا في تقدم حضاري نافع للبشرية، ولم تتحول- وما كان مظنونًا بها أن تتحول يومًا لو استمرت صدارتنا فيها- إلى أسلحة دمار شامل تبيد ملايين الناس الأبرياء، وأسلحة جرثومية تفتك بمن لا ذنب له ولا جريرة .

ولعله من المفيد في هذا المقام أن نؤكد لطلابنا ومعلمينا على ذلك الارتباط الذي لا ينفصم بين العلم- في الإسلام- والعمل به، فلا قيمة حقة لذلك العلم إن لم يرتق بالسلوك الإنساني، وإن لم يرب الضمائر والقلوب، ويهذب الأخلاق، وقديمًا قال سفيان الثوري:

"العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل"، وإن ممن تُسعَّر بهم النار يوم القيامة عالمًا لم يعمل بعلمه، فما أفاده علمه، بل كان حجة ناطقة عليه، وقد آن لذلك الفصام النكد بين العلم والعمل أن ينتهي من عالمنا، ذلك العالم الذي وصل إلى ما لم تصل إليه البشرية في تاريخها من تقدم علمي، وبالرغم من ذلك تزيد مآثمه ومظالمه ومآسي الإنسان فيه .

وهل كان يمكن أن نتصور- لو أننا في عالم يقيم ميزان العدل ويرتب أولوياته على مقتضاه- أن تُنفَق ثروات البشرية في تطوير أسلحة للدمار الشامل أو لمصادرة حق الشعوب في الأمن والحرية، بينما يموت آلاف البشر كل عام فريسة المرض والجوع والفقر؟

إن الإنسان الذي يكتنـز كمًّا من العلم ليس له سابقة في التاريخ ما زال بمعزل عن الدين الحق، وهو يتحول إلى وحش ضار، بل إن الوحوش الضارية تكتفي عادة بنيل فريسة واحدة، فإذا أشبعت نهمتها تركت ما سوى ذلك، أما الوحوش البشرية فلا ترتوي من الدماء، ولا تؤرق ضمائرها صرخات المظلومين وأنينهم .

إن ذلك الواقع الذي تعيشه البشرية الآن مما يزيد من ثقل المسئولية الملقاة على أمتنا وشبابها الناهض إلى حلقات العلم، أو المضطلع بمسئولية التعليم...

أن يحملوا في- وداخل- نفوسهم ومكنون ضمائرهم أمانة الإسلام، وأن يتكامل اعتزازهم بمنهجه وتوجهاته وبسماته الحضارية المتميزة، وتعظم المسئولية على كل ملتزم بهذا الدين في إدراك جوانب عظمته وتفرده، وفى طليعتهم أبناء الصحوة الإسلامية المباركة.

إننا في هذا المقام نذكرهم بالواجب عليهم- وهم له أهل إن شاء الله- أن يزكوا أنفسهم ويطهروها، وأن يكونوا في سلوكهم وأعمالهم دعاةً للإسلام؛ معبرين عن نقائه وشموله، وعبقريته في البناء والتربية، وأن يدركوا أن "عمل رجل في ألف رجل خير من كلام ألف رجل لرجل"- وتتعاظم هذه المسئولية حين ننتبه إلى الأهمية البالغة للشباب في مرحلة طلب العلم- وأنهم أداة التغيير المأمول سيًرا إلى تحقيق الإسلام كاملاً في شتى نواحي الحياة .

أما علماؤنا ومربونا الذين قال عنهم النبي- صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلون على معلمي الناس الخير"، فهم على ثغرة من ثغور الإسلام وبلاده، نسأل الله أن يثبتهم فيها ويعينهم عليها، فعليهم إعطاء القدوة الصالحة لمن ائتمنتهم الأمة على تربيتهم وتعليمهم، وإنَ بذلَ الوقت والجهد في أداء مهمتهم الجليلة ينبغي أن يكون إحساسًا بالمسئولية، وليس انتظارًا لأجر مادي لن يكافئ هذه الجهود في معظم الأحيان .

إن كثيرًا من حكام المسلمين يرفعون شعارات العناية بالتعليم والتذكير بخطورته وأهميته، وذلك إدراك طيب، لكننا لا نرى ما يعبر عنه تعبيرًا صادقًا في واقع الأمر؛ فما زالت ميزانيات التعليم والبحث العلمي تعاني التراجع والهزال، وإن مما يؤلم ويوجع أن نقرأ أن ميزانية التعليم في الكيان الصهيوني توازي عشرة أضعاف ميزانيتها في بعض بلادنا الإسلامية .

أما مناهج التعليم في بلادنا فلا تعبر عن هوية الأمة ورسالتها الإسلامية، ولا تعمق قيم حضارتنا وتميز أخلاقنا، ونستطيع تلمُس ذلك العجز المنهجي في أوجه متعددة، وإن استقلال مؤسساتنا التعليمية عن التسلط الإداري والفساد السياسي ما زال مَطْمحًا بعيد المنال في بلدان كثيرة من عالمنا الإسلامي، وإن حرية الطلاب وأساتذتهم في تكوين آرائهم والتعبير عنها بشكل سلمي، وتشكيل آليات ذلك التعبير ومؤسساته... ما زال يتعرض للتضييق والعنت، وما تزال بعض حكوماتنا لا تفرق بين سلوكها تجاه تنظيمها السياسي الوحيد ومؤسسات علمية تؤتَمن على الحاضر والمستقبل، وتعمل لصياغته.

ثم زاد الأمرَ سوءًا ذلك التدخل الأمريكي والصهيوني في مناهج التعليم في بلادنا؛ وهو تدخل كان مستورًا حينًا من الدهر، ثم أسفر عن وجهه في الفترة الأخيرة؛ حيث أرادت أمريكا- في سعيها لترويض المسلمين، وجرِّهم خلف قاطرتها- أن تصنع بنفسها عقول شبابنا ونفوسهم، وأن تمسخ هويتهم الخاصة بهم والمغروسة في دواخلهم، أنهم مسلمون أصحاب حضارة ورسالة وتاريخ .

ومما يزعج في ذلك السياق محاولات الإفساد الأخلاقي لشبابنا وطلابنا؛ حيث أفلست العقائد السياسية المستوردة في أن تجد لها أنصارًا ورُوادًا، فلما استيأس أصحابُها من ذلك عمَدوا إلى إحداث فراغ عقدي وخَواء نفسي في نفوس شبابنا، وكان أخطرها أن ينشروا فيهم التحلل الأخلاقي عندما انعدم البديل السياسي، وغابت الحرية، وهم بذلك يرتكبون أكبر خطاياهم؛ إذ إن المراهنة بشباب الأمة يعني المراهنة بنصف حاضرها وكل مستقبلها .

وختامًا، لا ننسَ إخواننا وشبابنا في فلسطين والعراق وأفغانستان وكل قطر إسلامي يُمتَحن، وننظر إليهم في ثقة حاسمة تُقدر أن معاناتهم لن تذهب سُدىً، وأن تضحياتهم ذخرٌ لهم في الآخرة، ونورٌ لأمتهم في سعيها للاستقلال الحضاري الكامل، إن شاء الله .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.