صلح الحدبيبية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٣:٢٦، ٢٤ أكتوبر ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
صلح الحدبيبية

أ.د/جابر قميحة

مقدمة

تفسير الحاضر المعيش ، في ضوء الماضي التراثي الوضيئ يجعل لهذا الحاضر قيمة ، ومكانا في أعماق الشعور ، بشرط أن يكون هذا الحاضر حاضرا سويا سليما ، يعتمد في تفسيره وارتكازه على أسس من الواقع ، والتفكير السديد ، والإفادة من القيم النيرة التى يشعها ماضينا المجيد .

ولكن إذا توافر سوء النية والحرص على إرضاء الكبار ، من أجل مغنم وكسب دنيوي ، فهذا هو المرفوض عقلا ودينا . أقول هذا بمناسبة ما كتبه مفكر علماني في مجلة لا توزع في مصر أكثر من ألف نسخة . إذ كتب بالحرف الواحد : إن " كامب ديفيد " حققت لشعبنا مكاسب سياسية وعسكرية كثيرة ، ولكن ضيقي الأفق يقولون إنها تحوي تنازلات متعددة عما كان يجب أن يكون ، ونسوا أن هذه سياسة ، لها اعتباراتها الخاصة التى لا يدركها عوام السياسيين

وفي تاريخنا رأينا ( محمد نبي المسلمين ) ـ هكذا كتبها بلا صلاة وتسليم ـ قد عقد مع الكفار صلح الحديبية الذي انطوى على تنازلات كبيرة من أجل مصلحة المسلمين " .

ولن أحيل هذا الكاتب الذي لا يرى أبعد من أنفه على ما كتبه ساسة كبار من أمثال كسينجر ، والرئيس الأمريكي كلينتون . ومحمد إبراهيم كامل الذي كان وزير خارجية مصر في وقت مهزلة كامب ديفيد ، ... لقد رفض أن يكون جزءا من هذه المؤامرة ، وأسرع مقدما استقالته للسادات الذي رفض أن يعلنها إلا بعد أن تتم الجريمة . لم يكتف محمد إبراهيم بالاستقالة ، بل قام بفضح تفاصيل هذه الجريمة في كتابه "السلام الضائع "ويعتبره الكثيرون أهم مرجع يوضح أهم وأخطر الأحداث التي حدثت في هذه الفترة ، كما يوضح كيف حاك السادات هذه المؤامرة ضد شعبنا وأمتنا العربية .

ولكني أحيل هذا الكاتب على التاريخ ، وواقعة اتفاقية الحديبية وتوابعها بإيجاز دال مبين دقيق ، يحكمه الإنصاف والحياد :

مكث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مكة ثلاثة عشر عامًا يدعو إلى الله على بصيرة، ودخل عشرات من الناس في الدين الجديد، أغلبهم من المستضعفين، ولكن إسلام حمزة، وعمر زاد من قوة المسلمين في مكة، ومع اتساع دائرة الدعوة اتسعت دائرة المعاناة، ومن ثم كان لا بد من الخروج إلى دائرة أو دوائر أوسع. وكان هذا التوسع، أو هذا الخروج الذي يمثل أول العلائق بالخارج يتمثل في عملين:

الأول: هجرتان قام بهما بعض المسلمين إلى الحبشة، بدأت أولاهما في العام الخامس من البعثة.

والثاني: هجرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مكة إلى المدينة بعد التمهيد لها ببيعتي العقبة الأولى والثانية، وفي المدينة أنشأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دولة كاملة الأركان لا بالمعايير القديمة، ولكن بما يشترطه القانون الدولي، والفقه الدستوري الحديث في وقتنا الحاضر من وجود شعب دائم، وإقليم محدد، وحكومة، وأهلية الدخول في علاقات مع الدول الأخرى.

ودفاعًا عن العقيدة، والدولة الناشئة حارب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعداء الإسلام في معارك مشهورة، منها بدر، وأحد، والخندق، ومؤتة، والمريسيع ... إلخ.

وفي العام السادس للهجرة كان "صلح الحديبية" بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقريش، والحديبية موقع على بعد تسعة أميال من مكة. وقد تضمن الاتفاق ما يأتي:

1 ـ هدنة عشر سنوات.

2 ـ حق قريش في استرداد من يأتي محمدًا مسلمًا، وليس لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثل هذا الحق.

3 ـ حرية دخول الآخرين في حلف مع أي الطرفين.

4 ـ رجوع محمد ومن معه هذا العام إلى المدينة ، وعودته لزيارة البيت الحرام في العام التالي.

وشعر كثير من المسلمين ـ وعلى رأسهم عمر بن الخطاب ـ بقساوة هذه الشروط عليهم، وخصوصًا الشرط الثاني ، حتى قال عمر حزينًا آسفًا "كيف نعطي الدنية في ديننا؟!" ولم يكن جواب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا قوله "أنا رسول الله، ولن يضيعني"; وأثبتت الأيام بعد نظر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعبقريته في هذا الصلح:

1 ـ فقد اعترفت قريش "رسميًا" بتوقيعها هذا الصلح بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائدًا وزعيمًا، وبالمسلمين جماعة لها قوة، وثقل، وكيان، وأهمية.

3 ـ ولم تفد قريش من الهدنة شيئًا، بينما أفاد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكثير: إذ عاد النبي والمسلمون إلى مكة معتمرين في العام التالي . وقد دامت الهدنة عامين فقط، ولكنهما كانا كافيين لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتثبيت مركزه، ولمد نفسه بالقوة اللازمة لكسر شوكة قريش، وتقويض سلطانها..

وفي هذه الأثناء دك معاقل اليهود في خيبر وفدك في العام السابع للهجرة، وبعث بحملة إلى مؤتة في العام الثامن من الهجرة، وانضم إلى صفوف المسلمين جماعات وجماعات، وأسلم أشخاص من ذوي الحيثية، والقدرة، والحنكة من أمثال خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص.

رسائل النبي صلى الله عليه وسلم تحقيق لعالمية الإسلام

وأهم هذه الرسائل:

1 ـ رسالته إلى قيصر ملك الروم، وحملها دحية بن خليفة الكلبي.

2 ـ رسالته إلى كسرى ملك فارس، وحملها عبد الله بن حذافة السهمي.

3 ـ رسالته إلى المقوقس عظيم القبط بمصر، وحملها حاطب بن أبي بلتعة.

4 ـ رسالته إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام ، وحملها شجاع بن وهب الأسدي.

5 ـ رسالته إلى هوذة بن علي الحنفي، وإلى ثمامة بن أثال: رئيس اليمامة، وحملها سليط بن عمرو العامري.

6 ـ رسالته إلى النجاشي ملك الحبشة، وحملها عمرو بن أمية الضمري.

7 ـ رسالته إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، وحملها العلاء بن الحضرمي..

وتشترك كل هذه الرسائل في مضمون محوري واحد، وهو الدعوة إلى الإسلام، وقد جاءت هذه الدعوة في أساليب متعددة، وصور مختلفة تراعى شخصية المرسل إليه، ومكانته السياسية والاجتماعية، والدينية. ولكن ـ بجانب هذه الفكرة المحورية ـ كان هناك مضامين أخرى فرعية مشتركة بين هذه الكتب جميعًا، أو أغلبها، وإن ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالمضمون الرئيسي.

ومن هذه المضامين المشتركة:

1 ـ في الإسلام السلامة ، من امتنع عن الإسلام أثم.

2 ـ محمد هو رسول الله المبعوث للناس كافة.

3 ـ الممتنع عن الإسلام لا يحمل إثم بقائه على الكفر فحسب، ولكن إثم رعاياه كذلك؛ لأنهم يتبعونه ضلالة أو هداية، والناس على دين ملوكهم.

4 ـ الاستشهاد بآية أو آيات من القرآن الكريم مناسبة للمقام، ومتعلقة بطبيعة المرسل إليه.

فكل هذه الرسائل كانت الفكرة الأساسية التي تحملها هي الدعوة إلى الإسلام، ثم هي تمزج في تضاعيفها بين الترغيب في اعتناق الدين الجديد، والترهيب المجمل من نتيجة المخالفة برفض اعتناق الإسلام وهو الدين الخاتم الذي جاء به محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبعوثًا للناس كافة ،لإحقاق الحق ، وإزهاق الباطل . وإقامة العلائق بين الناس على الحب والأخوة والإيثار والمودة والرحمة .

هذا هوصلح الحديبية ، ألقينا عليه إطلالة ، حتى يتبين المسلم ما ترتب عليه من كسوب للإسلام والمسلمين . فأين منه ما يسمى " اتفاق...أو اتفاقات كامب ديفيد" ؟ . ونقول للكاتب العلماني المغالط : ألا ما أصدق قوله تعالى " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ " ( الحج 46)

المصدر:رابطة أدباء الشام