صراع الإرادات بين الشعوب وقوى الظلام

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
صراع الإرادات بين الشعوب وقوى الظلام
توفيق الواعي.jpg

بقلم د. توفيق الواعي

لقد صدق أبو القاسم الشابي حين قال:

إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر

وهذا شيء يؤيده استقراء التاريخ في حياة الشعوب والأمم، وتشير إليه النهوضات الكثيرة التي أعقبت عصور الكبت والقهر وضياع قيم الشعوب وعزائمها.

وتربية الشعوب أمر لا بد منه؛ حتى تدافع عن الحق وتقف إلى جواره، وفتح الطريق أمام التعبير عن تطلعاتها وأمانيها شيء لا بديلَ عنه، ويشكل معلمًا بارزًا من معالم النهضة التي ينبغي أن تقوم عليها الأمة، كما يُظهر تلاقحًا للآراء وشحذًا للفكر.

وصدقوني- أيها الأحباب- لا بديل عن وعي الشعوب بعد أن زورت صناديق الاقتراع، وبعدما طغت المصالح الشخصية، وبغت وفسدت الثورات العسكرية، وتفرغت السلطات الدكتاتورية، وعجزت الثورات الإصلاحية أمام القوى الأمنية والمخابراتية.

لقد أدى كبت الآراء، وحبس الأفكار، وتقييد الشعوب إلى غرس العداوات، ونضج الانحرافات على نار هادئة ظهرت بعد ذلك في صورة عملاق أسود كالح ليقضي على الأخضر واليابس، ويعطل مسيرة الأمم، ويثخن الجهود الخيِّرة بالجراح والطعان.

ولا خوف من تعدد الآراء، ولا من بزوغ الأفكار المنحرفة ما دام هناك قانون فكري متعارف عليه- مُشاعَةٌ ملامحه في الأمة- ليهيمن على مخيلتها وذاكرتها الشعبية، وقد يكون من بنوده:

1) التخصص: أن يكون صاحب الرأي له دراية بجوانبه ومداخله وحقائقه، وعنده القدرة على الفهم والاستنباط ومعرفة الدليل: "وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ" (النساء: 83)، "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ" (آل عمران: 7).

2) الالتزام بآداب الحوار والطرق المنطقية في المناظرة التي تعتمد على الحجة والمنطق والدليل الصحيح، وذلك في أمران:

الأول: تقديم الأدلة المثبتة.

الثاني: إثبات صحة النقل.

3) البعد عن الهوى: والتشهي والتعصب لوجهة نظر لم يقم الدليل عليها بعد، والاستعداد للاقتناع إذا صح الدليل.

4) أن تكون المحاورات بعيدة- ما أمكن- عن استثارة الجمهور واستثارة عواطف الناس لغرض معين لا يخدم مصالح الأمة ولا يصب في نهضتها.

5) البعد عن الإرهاب الفكري أو الجسدي، مع تكافؤ الفرص، والاستعداد للأخذ بها، فهي ضالة كل مصلح.

وتتوالى الدروس والعبر، فهل تستفيد منها جماهيرنا العربية في صياغة حياة ديمقراطية تقودها الشعوب وتحرسها الأمة بوعي ومسئولية؟‍

إن تجربة أوكرانيا وثورة شعبها لفرض الإصلاح والديمقراطية- حيث بدأ ما بين عشرين إلى ثلاثين ألف ثائر شكلوا بؤرة الإصلاح ومسيرة الاحتجاج الأولى ضد إعلان اللجنة المركزية فوز رئيس الوزراء بما لا يستحق، فاجتمع حولهم الشعب وثارت ثائرة الناس، وأحسن المعارضة استثمار الموقف- تعد دليلاً دامغًا على قدرة إرادة الشعوب على التغيير والإصلاح.

وما أسهل توفير مثل هذا العدد الصغير لإطلاق احتجاج مدني في بلاد توالت فيها أخطاء حكام وحكومات عصرًا بعد عصر، وجيلاً بعد جيل، وتراكم فيها سخط الناس، وضاعت منهم مقدراتهم وأقواتهم، وكانت لفترات طويلة حبيسة الإرهاب الفكري والجسدي، وما أيسرَ تحريك مثل هذا العدد في أي بلد.. أيًا كان الركود والجمود السياسي عند الناس.

والسياسة الأمريكية ألم تراهن على التدخل في شئون الأمم بإثارة مثل هذا العدد أو أقل منه بدعوى الإصلاح؛ ولذلك لا يصح أن تراهن نظم حكم عربية- تخشى تدخلاً أمريكيًا لفرض الإصلاح- على أن واشنطن لن تجد في داخل بلادها من تستطيع أن تنذرع بهم للتحول من المطالبة بهذا الإصلاح إلى التدخل وفرض الهيمنة، ويكون الغباء دائمًا هو سيد الموقف..

والحقيقة أن توالي الحوادث، وتهاوي نظم القمع، وانكشاف أساليب التزوير قد توالت- وما زالت تتوالى- وأظنه سيزحف قريبًا إلى أوطاننا العربية؛ حيث تظهر كل هذه الأمراض بألوان صارخة، وأخطاء فادحة، تثير الشعور بالاشمئزاز، وتثير كذلك كثيرًا من الأقلام بالتحليل والقياس على أوضاعنا الراهنة.

ومما قرأت أخيرًا لأحد المحللين قوله: في إمكان حركات الإسلام السياسي حشدُ مثلِ عدد المجتمعين في أوكرانيا أو أكثر منهم بسهولة في بعض البلاد العربية، ولكن ما يمنعها أن إقدامها على مثل هذا العمل منفردة لا يجلب لها دعمًا خارجيًا، وبالتالي ينطوي على مغامرة يمكن أن تعرضها لخطر جسيم، وخصوصًا في غياب أزمة سياسة ضاغطة على نظام الحكم.

ثم يخرج الكاتب من مثل هذا المأزق فيقول: يمكن استغلال أجواء النفور الشعبي، وتحريك الجماهير تجاه أجواء رفض المظالم، وهذا يخلق البيئة المواتية لحشد عشرات الألوف في شوارع هذه العاصمة أو تلك، وفي مثل هذه البيئة لن يكون هذا حشدًا أصوليًا، بل يكون حشدًا من هذا النوع نظمته أحزاب وقوى معارضة في أكثر من بلد عربي قبيل الغزو الأمريكي للعراق، وكان للأصوليين فيها النصيب الأوفر من تلك الأعداد الغفيرة، وكأن الكاتب بهذا يحاول رسم طريق الخلاص من هذه الكوابيس المؤلمة على الأمة.

ولا أدري لماذا لا تسارع الأنظمة إلى الإصلاح وتكون هي سيدة الموقف، وحينئذ سترفعها الجماهير فوق الأعناق، ويذكرها التاريخ بالفخر والريادة والشهامة؟‍ ولماذا لا تريد الإقبال على حب الجماهير وهو متعة لا تعدلها متعة.

لماذا لا تفعل ذلك؟ ولماذا تنتظر حتى يأتي الطوفان الذي يقتلع الطغيان، ويومها لا ينفع الندم، ويكون الحساب العسير سيد الموقف..؟‍

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى