شهر الجهاد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
شهر الجهاد

بقلم / الأستاذ صالح عشماوي

الأستاذ صالح عشماوي

دار الفلك دورته، وأقبل شهر رمضان المبارك علينا بأيامه المشرقة الطيبة ولياليه المنيرة الصافية وإني أنتهزها فرصة سعيدة لأقدم لإخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أصدق التهاني وأطيب التمنيات سائلاً المولى عز وجل أن يعيد أمثال هذه المواسم الحافلة بالخير والبركات على البلاد الإسلامية وقد تحررت من كل استعمار ونفوذ أجنبي وعلى المسلمين وقد سعدوا بحكم الله وسلامه عليه، وكتبت لهم العزة والسيادة، (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين).

وقد تعودنا من الصحف في مستهل هذا الشهر الكريم من كل عام، أن تفيض صفحاتها بالحكمة من الصوم والفوائد التي يجنيها المسلمون من الصيام، وما أعد الله للصائمين من أجر وثواب. وإن الإنسان ليكاد يحس ويلمس بين السطور أن الهدف من هذه الاستفاضة في الحديث عن مزايا الصوم هو الإغراء والتشجيع الذي يكاد يبلغ الاستجداء لقيام المسلمين بهذه الفريضة!

والسبب في ذلك هو ضعف الوازع الديني في النفوس، وهوان الإسلام على الناس واستهتار النفوس بأوامر الله ونواهيه! فلم يعد يكفي أن نقول للمسلم يجب أن تؤدي الصلوات الخمس في أوقاتها لأن الله سبحانه وتعالى أمر بذلك فقال (وأقيموا الصلاة) وقال إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا .. أجل لم يعد هذا الأمر الإلهي كافيًا لأن تصدع النفوس بالأمر، وينزل على حكم الله وتنفذ ما أمر به ..

    • المادية قبل الروحية. فهي نظافة للجسد وهي ثقافة للعقل وهي تغذية للروح.. وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأخيرًا وهي التي تكسب رضاء الله وثوابه الجيل.

وكذلك لم يعد كافيًا أن تقول للمسلم يجب أن تصوم شهر رمضان لأن الله كتب على المسلمين الصيام كما كتبه على الذين من قبلهم وسجل ذلك في القرآن الكريم فقال سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أيامًا معدودات)، أجل لم يعد منطق الإيمان كافيًا ولابد من إغراء المسلمين على الصيام بسرد الحكم وسوق المنافع المادية والمعنوية على السواء.

وإني أرى في هذا مسلكًا خطيرًا فقد يؤدي تعليق القيام بالعبادات المفروضة على علل ومنافع إلى أن يمتنع المسلمون عن القيام بهذه العبادات إذا انتفت العلل أو تحققت المنافع عن طريق آخر فقد يهدر إنسان الصلاة لأنه يغتسل وينظف وجهه ويديه وهو ليس في حاجة إلى الوضوء. أو لأنه لا يرتكب منكرًا ولا يأتي بفاحشة وقد يمتنع عن الصوم لأنه قوي الإرادة وليس في حاجة إلى تمرين على الصبر، أو لأن روحه سمت وإحساسه قد أرهف فهو يشعر بجوع الفقراء ويتصدق عليهم من غير أن يدخل في هذه التجربة شهرًا كاملاً.

ومن الأغلاط الشائعة لا تغزي الجسد لأن الإنسان إذا جاع ضعفت غرائزه ومادته وقويت نفسه وروحانيته. والحق أن شهر رمضان المبارك هو شهر الجسد والروح معًا، ويحدثني طبيب مسلم عدل عن فائدة الصوم من الناحية الطبية فيقول إن هناك سمومًا في الجسد تتخلف عن الطعام والشراب ولا يمكن أن يتخلص الجسم من هذه السموم، حتى تتجدد أنسجته ويشعر بالصحة والعافية، إلا بالصيام والامتناع عن كل طعام وشراب هذه الساعات الطويلة من مطلع الفجر إلى غروب الشمس طوال شهر كامل.

أما فائدة الصوم للروح وتزكية للنفس فأمر مفروغ منه. وإذا كان بعض الناس يرى أن لبدنه عليه حقا وهو لابد أن يستجم شهرًا في كل عام فيقضيه في المصايف وعلى شواطئ البحار ليستعين بذلك على العمل المتواصل أثناء العام، فما أحوج الروح أيضًا إلى شهر للاستجمام والرياضة يستعين الإنسان بذلك على الصمود أمام أعباء الحياة والمناعة ضد المغريات والفتن والمنكرات وما أكثرها في هذا الزمن الذي تحللت فيه النفوس من تعاليم الدين وانهارت فيه الأخلاق.

ويظن البعض أن شهر رمضان هو شهر الراحة والبطالة والكسل .. وما أبعد هذا الظن عن الحقيقة وإن نظرة واحدة إلى السيرة المطهرة لترينا أن رمضان هو شهر الكفاح والجهاد. ففي السابع عشر من هذا الشهر وقعت غزوة بدر الكبرى التي كانت فاصلاً بين عهد الذلة وعهد العزة، ونقطة تحول في تاريخ الدعوة الإسلامية، انتصر فيها الحق ** سلاحهم. وفي شهر رمضان أيضًا، وفي العشرين منه على التحديد كان فتح مكة وسقوط آخر حصن للكفر، ودخل الناس بعدها في دين الله أفواجًا.

فشهر رمضان إذن هو تقوية وتزكية للجسم والروح معًا، وهو شهر جهاد وعمل لا بطالة وكسل، وليس من المصادفة أبدًا أن يجتمع جهاد النفس وجهاد الأعداء، فإن جهاد النفس هو المرحلة الطبيعية .والتمهيدية للسمو.


المصدر : مجلة الدعوة – العدد (240) – الثلاثاء 6رمضان 1375هـ / 17أبريل 1956م.