شهادة "العريني" على العصر (3)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


شهادة "العريني" على العصر (3)

كتبها أ.د/ محمود العريني

﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ

- أسرار علاقة عبد الناصر باغتيال قائد التنظيم الخاص

- لهذه الأسباب تم فصل الشيخ الباقوري من الجماعة

ذكرت في المقالين السابقين 1-2 في منتصف الأربعينيات كيف تعرفْتُ على الأخ الفريق طيار متقاعد عبد المنعم عبد الرؤوف، ضمن مجموعة ضباط الإخوان وقتها، والفريق عزيز المصري مخطِّطهم للتخلص من الاستعمار الإنجليزي وقت الحرب العالمية الثانية، وقبل قيام الثورة عام 1952 م اختلف عبد الرؤوف مع عبد الناصر، وكيف أن عبد المنعم وفَّى بعهده مع الإمام الشهيد حسن البنا للعمل للإسلام، وأرغم الملك فاروق على التنازل عن العرش والخروج من البلاد.

وبعد الثورة قام اللواء محمد نجيب بتضميد جراح الإخوان بزيارة قبر الإمام الشهيد، والإفراج عن المسجونين منهم قبل الثورة، والقبض على قتلة مرشدهم ومحاكمتهم جنائيًّا، أما عبد الناصر فكان يضمر للإخوان سوءًا من أول يوم من قيام الثورة، وكان الإخوان يحيُّون اللواء محمد نجيب ومعه عبد الناصر بالتكبير؛ لأنهم لا يتعاملون مع أشخاص أو يحيُّون باسم شخص أو النداء بالروح والدم، وكان يحيِّيهم اللواء محمد نجيب بتحيةٍ طيبةٍ، ولكنَّ عبد الناصر كان ينهَرُهم ويقول لهم: "لا تكونوا كالببغاوات"، فرد عليه الإخوان: "لسنا ببغاوات يا جمال"!!


أجرى المرشد العام الأستاذ الهضيبي تعديلات في قيادات الجهاز الخاص؛ ففصل عبد الرحمن السندي رئيس الجهاز وآخرين، وانتهز عبد الناصر هذه الفرصة واتصل بالسندي فأفضى إليه بالتغيير الذي حدث، على أثر ذلك اغتيل الأخ الشهيد "السيد فايز" مسئول النظام الخاص بالقاهرة يوم المولد النبوي بدسِّ لغمٍ في علبة حلوى أُهديت إليه فانفجرت فيه هو وأخوه وحفظت القضية ضد مجهول.

وبمناسبة القيل والقال بالنسبة للجهاز الخاص أُحبُّ أن أبيِّنَ أن الجهاز الخاص أنشِئَ في الأربعينيات أثناء الحرب العالمية الثانية وإعلان الأحكام العرفية في البلاد لحماية الدعوة من بطش الإنجليز عن طريق الحكومات العميلة للملك، وكان للنظام الخاص دورٌ فعَّالٌ في قيادة فدائيِّي الإخوان في فلسطين عام 1947 م وحرب القنال عام 1951 م فحمى الجيش المصري عند انسحابه من فلسطين فرجع سالمًا، ولكن الملك قبَض على الإخوان وحكَّامَهم، وفي المحكمة شهد اللواء "المواوي" واللواء "فؤاد صادق" وأشاد بدور الإخوان في فلسطين.

عرض عبد الناصر على الإخوان الاشتراك في الوزارة فرفض الإخوان، فعرض عبد الناصر على الشيخ الباقوري تعيينه وزيرًا للأوقاف ووافق الباقوري فتمَّ فصل الباقوري من الإخوان، وكان للباقوري دورٌ هام في تأليب بعض المشايخ من الإخوان- والذين استقطبهم في الوزارة للوقوف ضد المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي- حتى إنهم أعلنوا في المركز العام قبل حادث المنشية بأيام تخلِّيهم عن بيعتهم التي بايعوا عليها الأستاذ الهضيبي مرشدًا عام 1951 م، ومرت الأيام وقبل وفاة المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي عام 1973 م اتصلوا بفضيلته، واعتذروا عما حدث ولِمَا بدرَ منهم، وصدق الإمام البنا حين قال: "إنه لا يخاف على الإخوان من مكر أعدائهم، ولكن يخاف عليهم من أنفسهم واختراق صفوفهم".

في عام 1953 م كانت هناك لقاءات بين مكتب الإرشاد برئاسة المرشد العام ومجلس قيادة الثورة برئاسة محمد نجيب، وتقدم عبد الناصر في هذا اللقاء بقضية ضد عبدالرؤوف اتهمه فيها بعمل تنظيمات داخل الجيش، وكان عبد الرؤوف مقبوضًا عليه قبلها وأودع في السجن الحربي، وأثناء المحاكمة هرب خارج البلاد، وحُكم عليه بالإعدام في نوفمبر 1954 م.

أثير في هذه اللقاءات رغبة السفارة البريطانية في اللقاء بالإخوان؛ للتعرف على رأي الإخوان بالنسبة للجلاء عن البلاد، وأبلغ الإخوان اللواء محمد نجيب فوافق عبد الناصر، وقال: (يشوفوا عايزين إيه؟)، وكان رأي الإخوان الجلاء دون شروط، ولم تمض أشهر معدودة في يناير 1954 م حتى اعتقل الإخوان واتهمهم باتصالهم بالإنجليز، وبعد محنة مارس 1954 م وافق عبد الناصر على المعاهدة بشرط عودة الإنجليز إذا حدث اعتداءٌ على مصر، وأعلن الإخوان أن هذه المعاهدة لن تمرَّ إذا كانت مشروطةً بالعودة.

وكانت تتسم لقاءات أعضاء مكتب الإرشاد برجال الثورة بسيطرة عبد الناصر على اللقاء بمَكرِه؛ حيث هدد الإخوان بالتفاهم معه وإلا سيكلف جمال سالم بالقيام بهذا الدور، وقد تحقق هذا في نوفمبر 1954 م باختياره رئيسًا لمحكمة الشعب وحُكِم بالإعدام على ستٍّ من الإخوان، طاردتْه أرواح الشهداء الأبرياء والتطاول على كتاب الله، فكان جزاؤه إصابته بلوثة، فكان يخرج من منزله هائمًا، ويقوم في الليل مذعورًا مرددًا البراءة من دم الإخوان، وأن عبد الناصر كان السبب.

﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (الأنفال: 30)

وللحديث بقية بإذن الله...