شعب مصر لا يزال حيا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
شعب مصر لا يزال حيا


بقلم:المستشار محمود الخضيري


كثيرة هي المقولات والشائعات التي تتهم شعب مصر بأنه مسالم ضعيف لا يقوى على الحركة ولا يستطيع تحمل مسئولية ثورة شعبية مثل بقية شعوب العالم المتحضر أو حتى غير المتحضر التي تثور لكرامتها وعزتها وكبريائها أو الأزمات التي تلحق بها من جراء ظلم الحكام وطغيانهم ونسى هؤلاء ثورة عرابي وثورة 1919 ضد الظلم والطغيان، نحمد الله على أن الأيام القريبة الماضية والأيام القادمة إن شاء الله ستثبت عكس هذه المقولات والشائعات التي تنال من هذا الشعب المكافح الصبور ولكن لصبره حدود، من كان يمكن أن يظن أن هذه الدعوة إلى الإضراب التي بدت وكأنها مجهولة المصدر حديثة الإطلاق يمكن أن تجمع حولها هذه الآلاف من شعب مصر بهذه السرعة رغم تقاعس الكثير من فئاته التي كان ينتظر منها المساهمة فيها والسرعة إلى تلبيتها لأنها إنما أطلقت من أجل هذا الشعب الجائع المقهور..

من كان يظن أن عمال مصر الأحرار تكون لهم هذه الاستجابة السريعة لهذا الموقف الوطني المشرف لما يتعرض له شعب مصر هذه الأيام من قهر وذل وجوع، من كان يظن أن يرى في المحلة الكبرى هذه التظاهرة السلمية بهذا العدد الكبير الذي لم يسبق له مثيل منذ الانتفاضة التي أطلق عليها رجال السلطة انتفاضة الحرامية وإن لم تكن كذلك. هذه التظاهرة التي تعامل معها الأمن بغباء شديد زاد الأمر حده وبدلا من أن تكون مظاهرة سلمية تعبر عما يجيش في صدور الناس من غضب وألم مما يعانونه في حياتهم اليومية يحولها الأمن إلى مظاهرة يسقط فيها الجرحى من الطرفين وتدمر الممتلكات العامة والخاصة وهذا ما لا يرجوه أحد ولا يتمناه لأن هذه الممتلكات العامة والخاصة هي ملك للشعب وليس ملكا للحكومة ولذلك نطلب من الشعب الحفاظ على ممتلكاته وعدم إتلافها أو التعدي عليها لأن ذلك في النهاية خسارة لأنه هو صاحبها الذي سدد ثمنها من عرقه وكده.

الشعب أقوى من الحكومة والشعوب لا تقهر أبدا إذا أرادت ونزعت من قلوبها الخوف وعلمت أن من يحرص على الموت توهب له الحياة وأن الدنيا تؤخذ غلابا وأن التفاوض مع الحكومة من أجل المصلحة العامة لابد أن يأتي من مركز قوة تشعر فيه الحكومة بأنها إلم تستجب لمطلب الشعب فإنه قادر على الإطاحة بها وعزلها ووضع في السجن إذا اقتضى الأمر ذلك، الشعب أقوى من الحكومة إذا اتحدت قوته وتجمعت وأصرت على الحصول على حقها في العيش الكريم والحرية والديمقراطية التي تختارها هي ولا تفرض عليها، أما التفاوض من مركز ضعف فإنه لا يأتي إلا بالفتات الذي لا يثمن ولا يغني من جوع.

مسئولي الأمن عندنا تغيب عنهم حقيقة كان يجب أن تكون تحت بصرهم بحكم خبرتهم في رعاية الأمن العام وهي أن منظر الدم ورؤية القتلى والجرحى في المظاهرات يثير أعصاب الناس ويدفعهم إلى الدفاع عن أنفسهم والتعدي على رجال الشرطة والممتلكات العامة والخاصة في غمرة الغضب، بعكس ما يتصور رجال الشرطة من أنه يخيف الناس ويدفعهم إلى فض المظاهرات والانصراف وحتى إذا دفعهم إلى ذلك مؤقتا فإنه يدفعهم إلى العودة من جديد تحديا وانتقاما ويحول رجل الشرطة إلى عدو بدلا من صديق يأمن إليه الشعب ويرتاح في وجوده.

هل يتصور رجال الأمن أنه باستعمال العنف الشديد مع المتظاهرين يخيفون الناس ويجعلونهم يقلعون من التظاهر، إن تجارب العالم كله تقول غير ذلك. وهو أن العنف يولد العنف ولذلك أتوقع أن تكون مدينة المحلة التي شهدت العنف الأخير أشد البلاد في الأيام القادمة حدة في التظاهر وأن تتبعها بلاد أخرى لأن المشاكل العامة طالت الجميع وأعتقد أيضا أن من فاته شرف المشاركة في هذه التظاهرة من الأحزاب سيحرص على المشاركة مستقبلا وإن ما حدث قابل للتكرار مرات ومرات لأن أسبابها باقية بل هي في ازدياد ولأن قضية الخبز والماء والسكن هي أعراض أما الأسباب الحقيقية لهذه الأعراض فهي غياب الحرية والديمقراطية وتزوير إرادة الشعب في اختيار حكامه الذي يأتي بحكام لا يعملون لصالح الشعب لأنهم يعلمون أنه لا إرادة له في صعودهم إلى الحكم ولا قوة له في خلعهم ولذلك فلا يعنيهم شأنه ولاما يعانيه من مشاكل وكل ما يعنيهم رضاء صاحب القرار في بقائهم وهو رئيس الدولة الذي لا حرية للشعب في اختياره هو أيضا إنما هو يأتي بإرادته المنفردة ويبقى إلى المدة التي يريدها هو بل ويختار من يأتي بعده لعله يحسن معاملة من بقى من أفراد أسرته إن لم يكن هو نفسه منها.

الحكام عندنا لا تشغلهم مصالح وهموم الشعب وكل ما يشغلهم هو البقاء في الحكم أطول مدة ممكنة معتمدين في ذلك على قوى خارجية تدعمهم وتقويهم لأنهم يعملون لحسابها.

شعب مصر لا زال حيا لم يمت ولن يموت لأن الشعوب بطبيعة تكوينها لا يمكن أن تموت، يمكن أن تسكن فترة قصيرة أو طويلة لإجهاد أصابها أو عدم وجود من يوقظها أو لأسباب قد تكون خافية علينا ولكن يمكن أن تهب من رقدتها في أي وقت وتحطم أغلالها وتضحي في سبيل حريتها.

هل كان أحد يتصور أن شعب العراق الذي صبر على حكم صدام حسين هذه المدة الطويلة لم يصبر على غزو الأمريكان بضع شهور سالت بعدها ينابيع دماء الشعب والمعتدي الأمريكي أنهارا ولا زالت تسيل

يا حكام مصر أفيقوا من غفوتكم قبل فوات الأوان, ولا تتصوروا أن الأمور قد دانت لكم, ويا رئيس الدولة أبعد بطانة السوء عنك وأقدم على إصلاح أحوال البلد وأولها الإصلاح السياسي وفي مقدمتها إصلاح نظام الانتخابات قبل فوات الأوان ولا يغرنك ما تقوله أجهزة الأمن من أن الأمور تحت السيطرة لأنهم يتعاملون بهراواتهم وعصيهم والرصاص الحي إذا لزم الأمر وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع وضياع فرصة الإصلاح.

يا شعب مصر الحبيب لقد نجحت التجربة وهي بداية تتلوها مرات أخرى أشد وأقوى إلم يفيق المسئولون وينتبهوا إلى خطورة ما يحدث وما هو قادم، وإذا كانت الشرطة تقوى على قمع مظاهرة بها الآلاف فإنها لا تقوى على صد مظاهرة قوامها مئات الآلاف أو حتى عشرات الآلاف.

يتساءل البعض عن مشروعية الإضراب والحقيقة أن هذا التساؤل غريب ولا مجال له وإذا رأيت إنسانا يتساءل عن مشروعية وقانونية الإضراب فلتعلم أنه متردد وخائف لا ينوي الإقدام عليه لأن من ينوي الإضراب أو التظاهر إذا فكر كثيرا في هذا الأمر فسينتهي به التفكير في الغالب الأعم إلى الإحجام وأني لأسأل بدوري من يتساءل عن قانونية ومشروعية الإضراب لماذا تضرب الشعوب؟ وهل الإضراب أمر يقوم به الناس لقضاء الوقت أو الترفيه عن النفس أم للدفاع عن الحرية والديمقراطية ولقمة العيش والحياة الكريمة وهل لا يستحق كل ذلك في حالة الحرمان منه الإضراب من أجله؟ وهل فكرت الحكومة وهي تقوم بتزوير إرادة الشعب والإهمال والتقاعس عن توفير ضروريات الحياة للشعب في عواقب ذلك أم أنها قامت به وهي غير عابئة بكل ما يمكن أن يحدث من جرائه ولم تفكر إلا في مصلحتها الشخصية البحته وهي البقاء في الحكم وإرضاء صاحب السلطة.

وإذا كانت الحكومة لم تفكر وهي تقوم بما قامت به من فساد وظلم وطغيان وتزوير فهل نفكر نحن في مشروعية الدفاع عن أنفسنا ضد كل هذا، إن ما نقوم به من إضراب وعصيان مدني ومظاهرات سلمية إنما هو من أجل الدفاع عن أنفسنا وأموالنا وأهلينا ووطننا الذي بدونه لا نساوي شيئا، وإذا كان للمسئولين أوطان أخرى يمكن أن يقيموا فيها بما سلبوه منا من أموال فإننا الشعب المقهور ليس لنا إلا وطن واحد وبدونه الضياع والتشرد.

وأخيرا تحية لكل من يساهم في هذا الإضراب وتحية له وتقديرا لكل من يسعى لتكرار التجربة الناجحة ودعوات من القلب بالتوفيق لمن لم يسعده حظه في الدفاع عن حريته ومستقبل وطنه وأمنه وأمل بأن يكون حظه في المرات القادمة أوفر حتى يتحقق لهذا الشعب ما يصبوا إليه من حرية وديمقراطية وتقدم ورخاء.