شرح رسالة هل نحن قوم عمليون؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
شرح رسالة هل نحن قوم عمليون؟


09-03-2006

مقدمة

- تاريخ كتابة الرسالة: نشرت هذه الرسالة عام 1353هـ - 1933م.

- الروح المهيمن على الرسالة (هدف الرسالة): الحديث عن النهضة والوسيلة التي تتحقق بها تلك النهضة.

- الظروف التاريخية التي كتبت فيها الرسالة: كانت من أدق وأخطر العصور التي تواجهها الأمم، إنه عصر الانتقال والتكوين.

العناصر الأساسية للرسالة

أولاً: الغزو الفكري وأثره في المجتمع المسلم.

ثانيًا: واقع المسلمين .

1- الاتجاه الديني (الإمام البنا ودوره في إيقاظ همم رجال الدين).

2- الاتجاه العلماني: (أبناء أوروبا المدللون).

‌أ- التقليد والتغريب.

‌ب- فصل الدين عن حياة الناسِ ودور نصارى الشام في ذلك.

‌ج- الإلحاد.

ثالثًا: في سبيل النهوض (مشروع الإمام البنا).

1- الإنسان- في الإسلام- قبل القانون.

2- الوسيلة التي تتحقق بها هذه النهضة.

3- علة السقوط في النهضات.

4- الأقلية المبعثرة.

5- التغيير المنشود.

أولاً: الغزو الفكري(1) وأثره في المجتمع المسلم

إن أخطر عصر يواجهه الأممَ هو عصر الانتقال والتكوين، ويركِّز الإمام البنا على قضيةٍ مهمةٍ ينساها كثير من الناس وهم يريدون النهوضَ بأمتهم، وهي الاستقلال الروحي والفكري قبل الاستقلال السياسي والعسكري.

فأمة تريد أن تنهض وتتحول من طور إلى طور عليها أن تهتمَّ أول ما تهتم بالاستقلال الفكري والروحي أولاً.

ومن المُثُل الشاهدة على ذلك الحملة الفرنسية (1798م)؛ فقد خلَّفت تلك الحملة من الآثار النفسيةِ ما جعل طردها ليس حدثًا حقيقيًّا كما يقول الدكتور محمد محمد حسين(2) لأنها تركت في النفوس أسوأ الآثار، فقد حدث نوعٌ من الانبهار الحقيقي الذي عبَّر عنه الإمام البنا في بعض رسائله "الإعجاب بالخصم إعجابًا يؤدِّي إلى تقليده في كل ما صدر عنه" (دعوتنا).

وساعد على ذلك قوة السلاح من ناحية، والتنظيم الإداري من ناحية ثانية والفتوح العلمية والإنجار الحضاري من ناحية ثالثة.(3)

هذه هي الأشياء التي واجهت بها الحملة الفرنسية مصر، وهي في واقع بئيس، فقد كانت مصر في أسوأ حالاتها الفكرية والروحية والسياسية والعسكرية، ولذلك لما واجهت الحملة الفرنسية وهي على ذلك الحال حدث الانبهار الحقيقي بتلك الحملةِ الذي ما زالت آثارُه ممتدةً لدى بعض المثقفين حتى الآن.

ويرجع الدكتور محمد محمد حسين نجاح الحملة الفرنسية في مهمتها إلى أمور ثلاثة:

1- إخفاء الغرض منها: فإلى الآن يُظن أنها كانت حملةً من حملات التنوير، والدعوة للاحتفال بها في أيامنا هذه دليل على ذلك.

وما زال هناك أناسٌ يؤرخون لبداية عصر التنوير في مصر بالحملةِ الفرنسيةِ على مصر.

يقول أبو الحسن الندوي(4): بدأت الانتكاسة والخسران الحقيقي عندما جاءت الحملة الفرنسية- أما قبل ذلك فقد كان الإسلام يسود مسرح الأحداث والحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية في مصر- وحدث ذلك الانبهار الحقيقي الذي يدل على الهزيمة الداخلية، وهي أبشع أنواع الهزائم.

أو كما يقول علي عزت بيجوفيتش(5): "كل هزيمة في العالم إنما تبدأ بإخفاق معنوي كذلك".

فحدث ذلك الإخفاق المعنوي، وكما يعلق د. زكريا بيومي(6): "أصبح الرصيد الداخلي غيرَ قادرٍ على أن يتجمع ليصمد من جديد".

يقرر المقريزي وهو يؤرخ للحروب الصليبية: إنه على الرغم من الهزائم التي كانت تقع بالأمة الإسلامية على مدى قرنين من الزمان، إلا أن الاستعلاء لا يزال حاضرًا في النفس، والنصر الذي حدث على يد صلاح الدين أكد هذه المعاني، الذي أعاد للأمة اعتزازها بالإيمان وثقتها بأن للإيمان دولةً وإن طال الزمان.

1- أظهرت الحملة الفرنسية الأوروبي في صورة المتحضر والعربي والمسلم في صورة المتخلف.

2- أحلت القانون النابليوني محل الشريعة الإسلامية(7).

هذا ما نجحت فيه الحملة الفرنسية وقبل ذلك كان الإسلام هو الذي يسود مسرح الأحداث.

والحياة السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية في مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي.

ويصور المنفلوطي في "نظراته" الصورة التي انتهت إليها الحال بعد مجيء الحملة الفرنسية حيث يقول: "وأصبح السيد في بيته يستحي من خادمة غرفته الأوروبية أن تطلع على جهله بعادات قومها في خلع الحذاء ولبس الرداء أكثر مما يستحي من الله عز وجل".

ثانيًا: واقع المسلمين

إن حالة من الغليان والتحول نلمس جميعًا آثارها، وحالات من النهوض والصحوة تعلن ولا شك أننا أمة لن تموت، وأننا لسنا صحراءَ مقفرةً، إنما نحن حقل غير مفلوح يحتاج إلى من يفلحه، كما أنها تعلن- أي تلك الحالة من الغليان والتحول- أن عهدًا من السبات والسلبية قد ولَّى، وهي بلا شك عثرات في عصر الانتقال والتكوين التي تمر بها الأمم، كما أشار الإمام البنا إلى ذلك بقوله: "كوِّنوا أنفسكم حتى تتكون أمتكم".

إن أخطر ما في هذه الفترات أن تجاذبها اتجاهان من أجل محاولة النهوض:

الاتجاه الديني

وللأسف- علماء الدين الجامدون الذين يذكرون بكل ما هو كئيب جامد هؤلاء كما يقول الشيخ محمد عبده: آفة الدين ثلاثة:

- أن يقع في يد من لا يفهمه.

- أو يفهمه ويغالي فيه.

- أو امتزج حب الدين بقلبه، ولكن ضاقت سعة عقله عن تصريفه كتصريف الأنبياء له.

لذين صوروا أن الوحي الشريف نزل مرة وللأبد، وأن القرآن فسر مرة وللأبد ولذلك وقفوا أمام تلك النصوص وقد تناهت، والأحداث التي لا تتناهى، وقوف الجامد العاجز الذي لا يستطيع التصرف، بسبب هذه الكآبة والجمود. فاحتفظوا بالأمة أن تحتفظ بصلتها بالقرآن إلا أنها لم تستطع أن تصوغ حياتها على أساسه.

وكما يقولون: محاولة قراءة الآية ألف مرة، وعدم القدرة على تطبيقها ولو مرة.

لقد فقد الإخلاص طابعه الفعَّال.. لقد حل الترتيل محل الحكمة، وحل التدقيق محل الأفكار العظيمة وحلت القداسة محل السلطان.

فالأمة تقدس القرآن ولكن ليس للقرآن سلطان على حياتها، واعتنوا بالقراءات القرآنية والأسلوب والنحو واللغة في القرآن وأهملوا الأفكار العظيمة في القرآن التي تخرج الأمة من وهدتها ومأزقها.. لم يستطع علماء الدين الجامدون استيعاب هذا الدين، ووقفوا عاجزين عن تصريفه، وعن أن يولدوا من الشريعة فقهًا وينزلوا بها واقعًا.

الإمام البنا ودوره في إيقاظ همم هؤلاء

وهذا ما فعله الإمام البنا- رحمه الله- كما يقول ربيرجاكسون(8): "إنه استطاع أن ينقل الجموع الغفيرة من حوله من القديم التي كانت عليه إلى الجديد الذي أتى به القرآن".

كانت هذه عبقرية الإمام البنا، أو كما يقول الندوي:" إنها آية التوفيق والحكمة الإلهية والعناية بهذا الدين أن بعث لها في القرن الرابع عشر الهجري الإمام البنا- رحمه الله- لينتشلها من وهدتها وليسلك بها طريقا آخر".

لقد أخرجت مدارس التربية الحديثة- التي كانت على عهد الإمام البنا- الإنسان الكلّ، وليس الإنسان العدل أو الشخصية المعافاة، أخرجت الدرويش الذي يتحمل الظلم وينتظر الرحيل هذا ما استطاعت إخراجه مدارس رجال الدين الجامد في تلك الفترة.

لم تستطع التكايا والربط والزوايا والخلوات أن تنتج هؤلاء الرجال أو النماذج الفذة أو الشخصية المعافاة أو النسق المستقيم ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)﴾ (النحل).

هذا ما فعله البنا، لقد نجح في إخراج الرجال والنماذج الفذة التي أغرت الآخرين على إتباع الفكرة.

الإمام البنا والشيخ عبد الوهاب الدندراوي

ويذكر الإمام البنا في مذكراته أن كل ما يشغله "الأخطار التي تتهدد الأمة"، فكان يعمل على جمع الكلمة على عزة الإسلام والعمل على إعادة مجده.

يقول: "ولا زلت أذكر مقابلة قابلت فيها الشيخ عبد الوهاب الدندراوى- رحمه الله- فرأيت شابًا في سني تقريبًا في العشرين أو الحادية والعشرين من عمره، وفيه صلاح وخير فجلست معه موقرًا إياه كل التوقير، حتى إذا انتهى المجلس العام طلبت أن أخلو به في حجرة خاصة، ولما خلوت به خلعت طربوشي فوضعته على كرسي وخلعت عمامته ووضعتها إلى جوار الطربوش، وهو يستغرب هذا العمل الذي لم يفعله معه أحد من قبل، وقلت له: "يا أخي لا تنتقدني في هذا العمل فإنما فعلته لأقضي على الفارق الشكلي بيني وبينك ولأخاطب فيك الشاب المسلم عبد الوهاب الدندراوي فقط، أما الشيخ عبد الوهاب الدندراوي فقد تركناه في المجلس العام.. إنك يا أخي في العشرين من عمرك، وتمتلئ بحمد لله شبابًا وقوةً وحماسةً.

ها أنت ذا ترى هذه الجموع، التي جمعها الله عليك، لتقضي الليل في ذكر ونشيد، ثم لا شيء بعد ذلك، والكثير منهم شأنه من شأن غيره من المسلمين: جهالة بالدين، وبعد عن الشعور بعزة الإسلام وكرامته فهل ترضى هذا؟ فقال: وماذا أصنع؟ قلت: العلم والتنظيم والرقابة، وتربيتهم على سيرة سلفنا الصالح وتاريخ أبطالنا المجاهدين. وكان كلامٌ طويلٌ بيننا حول هذه المعاني، تأثر به الشيخ تأثرًا عميقًا، وتعاهدنا معًا على العمل. أخوين لخدمةِ الإسلام العام وتركيز دعوته في النفوس، كل في ميزانه ومحيطه وأشهد أنه ما جاء الإسماعيلية بعد ذلك إلاَّ بدأ بزيارتي وتطميني بأنه على العهد مقيمٌ حتى تُوفي- رحمه الله- وجزاه عن الوفاء خيرًا".

هذه كانت صورة علماء الدين الذين يذكرون بكل ما هو جامد، فلم يستطيعوا، لضيق أفقهم، أن ينطلقوا بالأمة في سبيل النهوض. صحيح أنهم حفظوا للأمة أن تظل متصلة بكتاب الله إلا أن هذه الصلة فقدت طابعها الفعَّال، فلم تستطع أن تقيم حياتها على أساسه.

الإمام البنا وفضيلة الشيخ الدجوي(9)

لقد كان الشيخ سعيد الدجوي من المشايخ الكبار وأحد هيئة كبار العلماء، وصاحب جمعية اسمها "نهضة الإسلام" وله مؤلفات كثيرة، وكان قد انتقل إلى بلاد عديدة للدعوة إلى الإسلام، ولكنه مع ذلك لم يستطع أن يفعل شيئًا في بلده وانتهى إلى أنه لا فائدةَ من كل الجهود وحسب الإنسان أن يعمل لنفسه وأن ينجو بها من هذا البلاء.

يقول الإمام البنا: وأذكر أنه تمثَّل بهذا البيت:

وما أبالي إذا نفسي تطاوعني... على النجاة بمَن قد مات أو هلكا

وأوصاني أن أعمل بقدر الاستطاعة، وأدع النتائج لله ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾، لم يعجبني طبعًا هذا القول، وأخذتني فورةُ الحماسة وتمثَّل أمامي شبح الإخفاق المرعب إذا كان هذا الجواب سيكون جوابَ كل مَن ألقى من هؤلاءِ القادة- فقلتُ له في قوة: "إنني أخالفك يا سيدي كل المخالفة في هذا الذي تقول.. وأعتقد أنَّ الأمرَ لا يعدو أن يكون ضعفًا فقط، وقعودًا عن العمل وهروبًا من التبعات: من أي شيء تخافون؟ يكفيكم معاشكم واقعدوا في بيوتكم واعملوا للإسلام فالشعب معكم في الحقيقة لو واجهتموه؛ لأنه شعب مسلم، وقد عرفته في القهاوي، وفي المساجد، وفي الشوارع، فرأيته يفيض إيمانًا، ولكن قوةً مهملةً من هؤلاء الملحدين والإباحيين، وجرائدهم ومجلاتهم لا قيامَ لها إلا في غفلتكم، ولو تنبهتم لدخلوا جحورهم.

يا أستاذ! إن لم تريدوا أن تعملوا لله فاعملوا للدنيا وللرغيف الذي تأكلون... يا سيدي إنَّ الإسلامَ يحارب هذه الحرب العنيفة القاسية، ورجاله وحماته وأئمة المسلمين يقضون الأوقات غارقين في هذا النعيم.. أتظنون أنَّ الله لا يحاسبكم على هذا الذي تصنعون؟ إن كنتم تعلمون للإسلام أئمةً غيركم وحماةً غيركم فدلوني عليهم لأذهب إليهم، لعلي أجد عندهم ما ليس عندكم، وسادت لحظة صمت عجيبة، وفاضت عينا الشيخ- رحمه الله- بدمع غزير بلل لحيته، وبكى بعض من حضر (وكان عمر الإمام البنا ساعتئذٍ ستة عشر عامًا).

ذا هو الشيخ الدجوي وهو من هو يقول له وما العمل؟ وماذا أصنع يا فلان؟.

فقلت (والكلام للإمام البنا): لا أريد إلا أن تحصر أسماء مَن نتوسم فيهم الغيرة على الدين من ذوي العلم والوجاهة والمنزلة ليفكروا فيما يجب أن يعملوا، يصدرون ولو مجلةً أسبوعيةً أمام جرائد الإلحاد والإباحية ويكتبون كتبًا وردودًا على هذه الكتب.

ويؤلفون جمعيات يأوي إليها الشباب وينشِّطون حركة الوعظ والإرشاد.. وهكذا فقال الشيخ: جميل، وأمر بإحضار ورقة وقلم وقال اكتب.

وأخذنا نتذاكر الأسماء، فكتبنا فريقًا كبيرًا من العلماء الأجلاء أذكر منهم: الشيخ- رحمه الله-، وفضيلة الأستاذ محمد الخضر حسين، والشيخ محمد أحمد إبراهيم، والشيخ عبد العزيز الخولي والشيخ عبد العزيز جاويش- رحمهم الله-.

وجاء اسم الشيخ رشيد رضا- رحمه الله- فقال الشيخ: اكتبوه اكتبوه فإنَّ الأمر ليس أمرًا فرعيًّا نختلف فيه ولكنه أمر إسلام وكفر، والشيخ رشيد خير مَن يدافع بقلمه وعلمه ومجلته. وكانت هذه شهادة طيبة في حق الشيخ رشيد على ما كان بينهما من خلاف في الرأي حول بعض الشئون ومن الوجهاء: أحمد باشا تيمور(10)، ونسيم باشا، وأبو بكر يحيى باشا وكثيرون غير هؤلاء.

ثم قال الشيخ: وإذًا فعليك أن تمر على مَن تعرف، وأمرُّ على مَن أعرف، ونلتقي بعد أسبوع إن شاء الله.

وتكونت نواة طيبة من هؤلاء الفضلاء وأعقب ذلك أن ظهرت مجلة (الفتح) الإسلامية القوية وكان يرأس تحريرها الشيخ عبد الباقي سرور نعيم- رحمه الله- ومديرها السيد محب الدين الخطيب، الذي هو شيخ الأستاذ الشيخ علي طنطاوي (وخاله في الوقت نفسه).

وظلت هذه النخبة المباركة من الفضلاء تعمل حتى كانت (جمعية الشبان المسلمين) فيما بعد(11).

واضح أنه كانت هناك نخب حائرة وجماهير راغبة. وهذه الجماهير قوة مهملة تفيض إيمانًا، حتى إنَّ بعض طلاب الجامعات من الأزهر ودار العلوم وغيرها اندفعوا في الشوارعِ والمساجد والمقاهي يدعون الناس إلى التمسك بدينهم في مواجهة الإلحادِ والإباحية كذلك.

الاتجاه العلماني (أبناء أوروبا المدللون) أو (الطبقة البديلة)

كان هناك اتجاه آخر يريد البعض أن تتجه إليه النهضة وهو أبناء أوروبا المدللون، وهو ما يُشير إليه الأستاذ الإمام البنا بالجيل المخضرم الذي هو إلى غير الإسلام أقرب، هذا الجيل فعلاً (مجموعة من الأذكياء الأقوياء) الذي أراد أن يدفع الأمة عن مغافلة منها إلى صبغِ الحياة بغير صبغة الإسلام في النواحي الاجتماعية في العادات والتقاليد وأساليب العيش منهم: لطفي السيد وطه حسين والعقاد وفكري أباظة وغيرهم، أصحاب المكانة العلمية والاجتماعية وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات. هؤلاء المبعوثون إلى أوروبا. أرادوا أن يدفعوا الأمة إلى ما ألفوا لا إلى ما يريدون.

أ - التقليد والتغريب:

لقد فاجأت صحوة أوروبا الهائلة المسلمين وهم في غفلة من أمرهم، وجاءهم الاحتلال ومن بين يديه، ومن خلفه "تخاريف" حضارية، أخاذة وفاتنة، وزاد الطين بلة أن كان المسلمون في فترة "ركود حضاري وجمود اجتماعي" سببه الأول التفريط في تطبيق دينهم تطبيقًا صحيحًا، ولذلك كانوا هم (الطرف الضعيف في هذا الصدام، وتبعًا لذلك كانت لديهم قابلية شديدة للتأثر وتشرب الأنماط الوافدة، ذات البريق الاجتماعي، ومن هنا بدأت دورة التقليد والمحاكاة، ومضاهاة الكفار في كثير من عوائدهم، وأحوالهم الفاسدة، والانكباب على أشكال حياتهم، وأساليبها المظهرية، وقد دخل هذا كله على مشاعر الناس، وأذواقهم وأخلاقهم، مدخلاً ناعمًا خادعًا باسم "التجديد والتقدمية". و"التهذيب والإصلاح" و"مسايرة العصر"(12).(إنه الإعجاب بالخصم والأخذ عنه في كل ما صدر منه)

لقد استجلب أبناء أوروبا المدللون أو الطبقة البديلة أسلوب الحياة ولم يستجلبوا أسلوب الجد والعمل؛ لأن المتقدمين في أوروبا- كما يقول علي عزت بيجوفيتش- (أدركوا أنَّ الدنيا لا تمنح نفسها إلا لليقظان النشط).

يقول ابن خلدون(13) في ذلك: "إنَّ المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب، في شعاره، وزيه، وخلقه وسائر أحواله، وعوائده..." وهذا ما يصوره الدكتور محمد محمد حسين(14) ولنأخذ مثالاً عن مصر يقول: "كان المترفون من الأغنياء يتهافتون على ما تخرج المصانع الأوروبية من وسائل الترف، حتى غدت توافه الكماليات، من ألزمِ الضروريات، وأصبح قصارى ما يبلغه أحدهم من التمدن، أن يتقن تقليد الأوروبيين في استعمال أدوات المائدة الأوروبية، وأن يُحسن حفظ أساليبهم في استعمالِ الملابس، والتمييز بين ما ينبغي أن يستعمل منها في مختلف المناسبات، وأن يُحسن استقبال النساء والتودد إليهن، والتلطف في معاملتهن، وأن يعود من سفرته السنوية إلى أوروبا، ليتبجح في ندوات الفارغين بمغامراته، ويدير لسانه بألوان من الرطانات، ثم يرسل أبناءه، وبناته إلى المعاهد الأجنبية مباهاةً.. وإتمامًا لما يريد أن يسبغ على نفسه، وعلى بيته من جوٍّ أوروبي خالص، يظن أنه هو المقياس الحق للمدنية وللرقي".

ولقد ارتكزت دعوتهم إلى العلمانية والتغريب على أسس ثلاثة هي:

1-لا بد من إحداث تلك الرجة في الحياة المصرية، ولما عُوتبوا في ذلك قالوا: لأنَّ الحركةَ خير من السكوت.

2- أنَّ الحقيقةَ يجب أن تُقال لا أن تعلم.

وهذا منهج إسلامي، فقديمًا جاء رجل إلى أبي حنيفة وكان من الجهمية وسأله: (أيلزم القول باللسان أم يكفي الاعتقاد بالقلب؟)، فطرده أبو حنيفة من مجلسه وعرف أنه من الجهمية وقال له: ألم تسمع قول الله تبارك وتعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ (البقرة: من الآية 136). ألم تسمع قوله تعالى ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ (آل عمران: من الآية 84).

ألم تسمع قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقَامُوا﴾ (فصلت: من الآية 30).. ألم تسمع قوله تعالى: ﴿ فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾.

ألم تسمع قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فصلت: من الآية 33) ثم قال: أخرجوه من المجلس. لأن الإسلام وإن كان باطنًا في الاعتقاد ولكنه ظاهر في القول.

3- إن الأفكار المخالفة إنما تنمو في النفوس بسرعة الاختمار إذا صادفت استعدادًا في النفوس كامنًا من كثرة البواعث الضاغطة عليها.

فانظر إلى صبرهم، إنهم يرمون الفكرةَ وسيأتي وقتها وتختمر في النفس ثم تنمو فيها. وقد نادوا بأشياء ولم يكن يتصورها أحد: نادوا بالعري العام، نادوا بانتشار دور البغاء، نادوا بدخول الفتاة العارية إلى كلية الفنون، وقد حدث هذا، نادوا بإلغاء المحاكم الشرعية، نادوا بتغيير قانون الأحوال الشخصية، نادوا بفصل الدين عن الدولة، نادوا بمساواة الرجل بالمرأة، نادوا بازدراء العربية وجعلها لغة الكهنوت، ورفعوا راية الدعوة إلى العامية، نادوا بتعليم اللغات الأجنبية وازدراء معلمي العربية، وكل هذا تحقق فعلاً، نادوا بالاختلاط الفاحش والصالونات الأدبية، وقد كان.. نادوا بانتشار المجلات وصور العري والممثلين والممثلات وانتشار الحانات والخمور ودور اللهو والمسارح والملاهي والسينما وكل ذلك تحقق وأصبح واقعًا.

لقد شوهوا التاريخ الإسلامي، وبدءوا يكتبونه قصص حب وغرام وبخاصة الفاتحين العظماء من المسلمين وكان جورجي زيدان أول من ابتدع ذلك في كتاباته وكذلك أخوه أمير زيدان، عندما ساوى بين العقائد والأساطير، ومحمد حسين هيكل عندما كتب مشككًا في الأديان، وطه حسين كذلك في الشعر الجاهلي، كل هؤلاء اجتمعوا على هدف واحد وبدءوا يكتبون، وهم يعترفون أن ذلك سيحدث رجةً، وسيحدث إعراضًا، ولكن الحقيقة يجب أن تُقال لا أن تعلم أنهم يعلمون أنه ستحدث مخالفة، ولكن الأفكار المخالفة ستنمو في النفوس بسرعة الاختمار إذا صادفت استعدادًا في النفوس كامنًا من كثرة البواعث الضاغطة عليها، فكل ذلك تم بفعل الاختمار.

وإلى الآن- فعلاً- تجد أن التاريخ الإسلامي منذ جورجي زيدان 1927م وحتى الآن وهو يكتب مشوهًا؛ كله قصص حب وغرام، تجلى ذلك في قصص الشيخ الرئيس ابن سينا، وصلاح الدين، حتى الإمام البخاري.

الغرام بين قواد المسلمين ونساء الفرنجة، أسلوب كتبه جورجي زيدان وأصرَّ عليه وما زال قائمًا حتى الآن.

ولذلك لما جاء الإمام البنا قدَّم عملاً مكافئًا لأسلحة الخصوم ومساحة من الوقت كافية حتى يترك أثره دون تعجل. وهذا ما سنتكلم عنه في الوسيلة والمنهاج في النهضات.

ب - فصل الدين عن حياة الناس (دور نصارى الشام في ذلك):

لقد استطاع نصارى العرب لا سيما خريجو مدرسة الإرساليات الأجنبية وأبرزها الجامعة الأمريكية في بيروت أن يركزوا أفكارهم الفاسدة في نفوس طائفة من المثقفين المسلمين، تلك الأفكار التي تدعو إلى هدم الرسالة الإسلامية وربطها بمرحلة تاريخية معينة من حياة العرب انتهت ومضت وتحولت إلى تراث قومي للأمة العربية مسلمين ونصارى معًا.

وكان لهؤلاء صحافةٌ احتكروها عبر الثلاثين عامًا الأولى من تأسيسها يصدرونها في بيروت والقاهرة واستنبول، مما جعل قرَّاء البلاد العربية طيلة جيل كامل يتعثرون بأفكار هؤلاء الكتاب النصارى الجدد في لبنان والتي كانت تدعو صراحةً إلى الفصل بين الدين والدنيا، ومن تلك المجلات:

* مجلة الجنان (1810م- 1886م): التي أصدرها بطرس البستاني في لبنان.

  • مجلة المقتطف: التي أنشأها سنة 1876م في بيروت معلمان نصرانيان شابان من أساتذة الكلية البروتستانتية هما: يعقوب صروف، وفارس نمر، ثم انتقلا إلى القاهرة سنة 1885م وبقيت تصدر نصف قرن.
  • مجلة الهلال التي صدرت في سنة 1892م: أنشأها جورجي زيدان الذي تلقى علومه في الكلية البروتستانتية السورية.

ولقد مكنت هذه المجلات في العصر الحديث للدعوة العلمانية، ومحاولة إبعاد الإسلام نهائيًا من الحياة وأبرز الذين نشروا هذه الأفكار:

- فرنسيس مراش (1836-1873م)

- شبلي شميل (1850- 1917م): ومن كلماته في مقال له بعنوان "إليك أيها القارئ المتأمل": لا أطلب منك عقلاً واسعًا ولا فلسفةً عميقةً ولا حكمةً بديعةً، ولكن أطلب منك عقلاً حلت قيوده وتفتحت منافذه فقام التفكير محل الاعتقاد، وأقام البحث محل المقرر، يحترم مستنبطات العلم ويقدر مستنتجات العقل، ثم يبدأ في مهاجمة رجال الدين المسيحيين والمسلمين كذلك.

- فرج أنطوان (1874-1922م).

- خليل الغانم: أحد زعماء جمعية تركيا الفتاة العلمانية الماسونية.

- نجيب عازوري الكاثوليكي السوري.

- قسطنطين زريق.

- أدمون رباط.

وتتابع بعدهم كتاب نصارى كثيرون يرمون عن القوس ذاته، حتى استطاعوا في غياب التربية الإسلامية الحقة أن يطفئوا في نفوس كثير من المسلمين المثقفين جذوة الإيمان بالوحي الإلهي الذي جاء رحمةً للعالمين, وأخرجوه من حيث كونه مستقلاً عن الزمان والمكان وظاهرة كونية ومذهبية إنسانية عامة لا علاقة له بوضع العرب المرحلي وإنما شرَّف الله تعالى العرب بحملها إلى الناس أجمعين.

وكانت النتيجة الحتمية لهذا الاتجاه:

أ- عد الإسلام مجموعة من القيم والمثل المعلقة في متحف التاريخ.

ب- الأخذ بمبدأ "العلمانية" في الحياة وعزل الدين عنها.

ج- محاربة الدعوة الإسلامية.

وهكذا توصل كتاب ومفكرو النصارى عبر قنوات موصولة بالمؤسسات الصليبية السرية والعلنية ومن خلال توجيهات السفارات الأجنبية في البلاد الإسلامية إلى ما أرادوا وما هدفوا إليه من نظريتهم التراثية هذه للإسلام، إذ تبنى هذا الاتجاه مثقفون مسلمون وجمعيات ثقافية وأحزاب سياسية ودول قامت بتحويل النظرية إلى واقع في التربية والتعليم والإعلام والمؤسسات الثقافية المتنوعة، فتربى تيار كبير من أجيالنا الصاعدة في الثلاثين سنة الأخيرة من حياتنا الحاضرة على هذا الاتجاه التراثي في النظر إلى الإسلام(15).

ج- الإلحاد(16):

إن انهيارنا الحضاري في العصر الحديث أمام الغرب نتيجة للعوامل التي تكلمنا عنها فتح الباب على مصراعيه أمام المذاهب المادية الغربية المتنوعة للدخول إلى أرض الإسلام والنفوذ إلى عقلية كثير من مثقفيه التي كانت تعاني فراغًا كبيرًا.

ليس الإلحاد جديدًا في المجتمع الإنساني، إنما الجديد أنه قد تحول إلى تيارات ثقافية اجتماعية بعد أن كان محصورًا في حدود أفراد معينين بفعل الصراع الدموي العنيف بين الكنيسة والعقل الحديث الذي رفض العبودية إلى الكهنوت وأفكاره المشوهة للدين والمعطلة للعقل والطاقات الإنسانية والمنحازة إلى قوى الظلم والتسخير.

لقد تحول الإلحاد في مجتمعاتنا الإسلامية إلى تيارات ثقافية في الفلسفة والاجتماع والاقتصاد وعلم النفس والتربية والفن كما عند الغربيين تمامًا، خططت لزحزحة الإيمان من العقول والقلوب، وتفسير عقيدة الأمة وحضارتها تفسيرًا ماديًّا بحتًا.

عبرت ألوان الإلحاد كلها إلى المجتمع الإسلامي وبمختلف الوسائل وفي ظل شعارات متنوعة.

فالوضعية: تقدمت من خلال الفلسفة وعلم الاجتماع وعدت الدين عامةً والإسلام خاصةً مرحلة خرافية مرت بتاريخ البشرية ضمن المفهوم العام للدين عند "كونت" وغيره من فلاسفة الوضعية.

والماركسية: تقدمت من خلال الفلسفة وعلم الاقتصاد، من منطلق اعتبار الدين أفيونًا للشعوب.

والنفعية: تقدمت من خلال التربية وعلم النفس من منطلق نسبية الحقائق وعدم الاعتراف بالقيم الوجودية الثابتة.

والوجودية: تقدمت من خلال الحرية الإنسانية ورفع القيود عنها وإثبات الوجود للإنسان وحده وإهمال الحديث عن الإله، واعتبار الدين قيدًا لا بد أن يحطم مع القيود الأخرى.

إن مظاهر الإلحاد هذه المعروضة في الفلسفات المادية المذكورة لم تكن نتيجة طبيعية لتطور الأفكار في مجتمعاتنا، وإنما كانت نتيجة الصراع الفكري الطبيعي داخل منظومة الحضارة الغربية وتطورها المتوتر.

ولم تدخل تلك الفلسفات إلى مجتمعاتنا إلا كما تدخل أية بضاعة مستوردة مستغلة الفراغ الجاهل بالإسلام، وتطور الحياة الغربية الذي كان مسيطرًا على المجتمعات الإسلامية.

لقد ظن بعض المثقفين أن الغرب لم ينجز تقدمه إلا بقيادة المذهبيات المادية، ولما كان الدين قد لفظ في إطار تلك الحضارة الغربية، فلا بد إذن- في زعمهم- أن نلفظ الإسلام جملةً وتفصيلاً من حياتنا الحضارية الحديثة.

لقد تمكنت هذه النظرة الخاطئة المأساوية من حياتنا وتغلغلت في مؤسساتنا الجامعية والثقافية والإعلامية وقذفت المطابع عشرات الألوف من الكتب والأبحاث والدوريات والمجلات والمحاضرات في الأسواق تدعو كلها تصريحًا أو تلميحًا إلى تلك المذاهب المادية ووصل الأمر إلى تدريسها رسميًّا في بعض البلاد الإسلامية بدل درس التربية الدينية، على أن أخطر تلك التيارات المادية على إسلامنا وحضارتنا وواقعنا ومستقبلنا، المادية الماركسية التي تهدف إلى إلغاء الإسلام نهائيًّا وإخراجه من حياة المسلمين.

ثالثًا: في سبيل النهوض(17) (مشروع الإمام البنا)

لقد كانت الحالة التي يعيشها المجتمع وتعيشها الأمة الإسلامية في ذلك الوقت تحتاج إلى شخصية فذة إذْ (كل دعوة تنتظر صاحبها) فكان اختيار الله الأرشد للإمام البنا في هذه الظروف الصعبة والمرحلة الدقيقة في حياة هذه الأمة.

فهو يعرف الوسط الذي يعيش فيه، يعرف أدواء الأمة الإسلامية، كما يقول الشيخ المراغي(18) في وصفه للإمام البنا: "هذه الصفات الفذة التي كانت تنتظرها دعوة الإسلام في القرن الرابع الهجري".

ولما جاء الإمام البنا أوضح أن هدفنا من النهضة هدف قرآني فريد يختلف عن مناهج غيرنا؛ لأن الإنسان في الإسلام يأتي قبل القانون، وقلة القوانين في القرآن الكريم ملاحظة معتبرة فكثرة القوانين إنما تعني مجتمعا باليًا، وأن شيئًا ما يسير بشكل خاطئ في حياتها. فالإنسان هو الأساس في القرآن الكريم ولذلك كان هو أيضًا أساس النهضات.

ولما سُئل الإمام البنا عن سر قيام الأمم وعماد النهضات قال:" إن الرجل سر حياة الأمم ومصدر نهضاتها وإن تاريخ الأمم جميعًا إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات، وإن قوة الأمم وخصوبتها هي في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة، وإني أعتقد- والتاريخ يؤيدني- أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته، وفي وسعه أن يهدمها كذلك إذا توجهت هذه الرجولة إلى ناحية الهدم لا ناحية البناء"(19)

1- الإنسان في الإسلام قبل القانون

فالإنسان مادة النظم وأداة التفكير، كما يقول الشيخ الغزالي(20): "إن الإسلام عندما جاء صحَّح الكيان الإنساني (نظره، عقله، سمعه) وأدَّب الطبع الجامح، ونشَّط العقل الكسول، وحثَّ النظر الكليل ليرمق الآفاق، فأحدث تلك الهداية المشرقة من تحت ركام الجاهلية المطبقة".

يقول الإمام البنا:

"إن الإسلام حث على النظر في الكون ورفع قدر العلم والعلماء، وحدا بالصالح النافع في كل شيء والحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها، وكيف أنه أحدث تلك الثورة فجعل الأمَة تسلم قبل سيدها والعبد يسلم قبل سيّده وكما يقول الإمام محمد عبد: فالجاهلية كانت مقيدة لاستقلال الفكر والإرادة".

إن الإسلام جاء لكي يبلغ بالنفس الإنسانية كمالها بأمرين:

1- استقلال الفكر.

2- استقلال الإرادة.

وهذا أعلنه بأمرين:

الأول: عندما أعلن أن السبق في الزمان ليس آيةً من آيات العرفان!

والثاني: أنه دعا إلى التمييز بين ما يقال من غير فرق بين القائلين (الذين يستمعون القول فيتبعون حسنه) فكل كلام بشري خاضع للتثبت والمراجعة والنقد.

فالكهانة والعرافة كانت قيودًا على العقل، كانت الآبائية والوثنية والتصنيم قيدًا على الإرادة كذلك.

فالإسلام رفع شأن النفس الإنسانية فأصبح كلٌّ إنسان حرًا: ﴿...إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ (الإسراء:36) وهذا ما فعله الرسول- صلى الله عليه وسلم- حيث أحدث تلك الثورة التي جعلت الزوجة تسبق زوجها إلى الإسلام والأَمَة تتحمل العذابَ والأذى في سبيل الإسلام، استقل الفكر واستقلت الإرادة فحدث تلك التغيير.

وكما يقول الدكتور همام عبد الرحيم(21): لما جاء القرآن طارد الوهم والخرافة والكذب والأسطورة التي سدت على الناس منافذ التفكير، حتى لما جاءهم الحق قالوا: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ (الفرقان: من الآية 5)

فدعا القرآن إلى الدليل والتثبت والشاهد، فدعا إلى محاكمة النصوص السابقة مهما كان قائلها عالمًا جليلاً أو شيخًا له احترامه.

يقول الإمام البنا: الإنسان في القرآن قبل القانون، فالإسلام يقصر على نفسه حق تنظيم دياره، لا يشاركه في ذلك منهج آخر ولا عقيدة أخرى؛ لأن له أسلوبًا في الإنهاض لا يشاركه فيه أحد وهو (الإنسان قبل القانون) فصحح الكيان الإنساني لأن الكيان المثلوم لا يمسك سؤرًا.

ويقول الشيخ الغزالي: فصبَّ فيه (أي النبي صلى الله عليه وسلم) مقادير من الوحي تكفي لهداية العالم أجمع.

ومن هنا كانت النهضة، ولذلك كان الإمام البنا يقول: إن الأمة في الإسلام هي وحدها صاحبة الشأن في اختيار الشكل الذي يعبر عن مثاليتها، وأن الدولة إنما هي تعبير واقعي عن مفاهيم الدين والأخلاق، وأننا أمة رسالة لا تشكيل إدارة.

لقد تجلت عبقرية البنا في أنه عرف كيف يقدم الدين للناس.

2- الوسيلة التي تتحقق بها النهضة

يقول الإمام البنا: "أنت إذا راجعت تاريخ النهضات في الأمم المختلفة شرقية وغربية، قديمًا وحديثًا، رأيت أن القائمين بكل نهضة موفقة نجحت وأثمرت كان لهم منهاج محدود عليه يعملون وهدف محدود إليه يقصدون.. حتى إذا حِيل بينهم وبينه وانتهت تلك الفترة القصيرة فترة الحياة في هذه الدنيا، خلفهم من قومهم غيرهم، يعملون على منهاجهم، ويبدأون من حيث انتهى أولئك، لا يقطعون ما وصلوا ولا يهدمون ما بنوا، ولا ينقصون ما أسهموا وشادوا، ولا يخربون ما عمَّروا، فإما زادوا البناء طبقة وساروا بالأمة شوطًا إلى الغاية حيث يصلون بها إلى ما تبتغي أو ينصرفون راشدين ويخلفهم غيرهم"..

راجع تاريخ الهيئات والشعوب ترى هذا القول واضحًا بينًا، وأن أساس النجاح في كل نهضاتها منهج محدود وقوم يعملون في حدود هذا المنهج، لا يملُّون ولا يفترون ولا يسأمون ولا يمتنون، ذلك واضح جلي في الخطوات التي سلكتها دعوة الإسلام الأولى.

أعتقد يا عزيزي أن كل انقلاب تاريخي وكل نهضة في أمة تسير طبق هذا القانون.. حتى النهضات الدينية التي يرأسها الأنبياء والمرسلون- صلوات الله عليهم-، إلا أن هذه النهضات يرسم منهاجها الحق تبارك وتعالى ويهدي الرسول ومن ورائه قومه ويرشدهم إلى خطوات المنهج خطوة خطوة، كل خطوة في وقتها المناسب، ويؤيدهم في كل ذلك بنصره فتكون النهضة موفقة لا محالة ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (المجادلة: من الآية 21) ومن أين يأتي الخطأ إذا كان واضع المنهج العليم الخبير ومنفذه معصومًا من الزلل محفوظًا من الخطأ مؤيدًا بالتوفيق والنصر- ومن هنا كانت النبوات رحمة للعاملين(22).

ومن هنا دعا الإمام البنا إلى ما لم يدع إليه المصلحون الذين بدءوا قبله، دعا إلى إيجاد فكرة صحيحة بالإضافة إلى تنظيم قوي يحمل هذه الفكرة ويؤكدها في الواقع.

وفكرة التنظيم القوي أو العمل الجماعي انفرد بها الإمام البنا عن غيره من المصلحين والجماعات. وقال: إن هناك خدعةً عقليةً، وهي أن الفرد قادرٌ بنفسه أن يعطي أمته كل ما تحتاجه ويحقق لها كل ما تبتغي، وهذه خدعة لأن أعمار الأفراد قصيرة بالنسبة لأعمار النهضات والشعوب. وهذه فكرة خيالية وخدعة نفسية عاطفية يجب أن تزول من نفس كل عامل حتى ينتفع بما عمل سلفه.

إن النهضات تحتاج إلى جهد ووقت، تحتاج إلى أسلاف يبدأون وأخلاف يتمون، وهذه النهضات التي ترأسها الأنبياء قامت بهذا الأسلوب: حركة فرد في حماية عصبة وبإنجاز أمة.علة السقوط في النهضات:

يرجع الإمام البنا علة السقوط في بلادنا إلى أمور ثلاثة:

1- خلق التسرع المركوز في طبائعنا.

2- انقطاع الصلة بين السابق واللاحق، فلا يبنى اللاحق على السابق.

3- الوسائل المتعاكسة التي يخبط بعضها بعضًا.

يقول الإمام البنا في ذلك: ألاحظ أن خلق التسرع المركوز في طباعنا، وسرعة التأثر وهياج العواطف الذي يبدو فينا واضحًا، وغيرهما من أسباب اجتماعية وغير اجتماعية.. جعلت نهضتنا فورات عاطفية تشتد وتقوى بقوة المؤثر الوقتي وشدته ثم تخمد وتزول كأن لم يكن شيء . ولئن كانت الغاية التي نعمل لها جميعًا واضحة معروفة للكثيرين فأنا واثق من أمرين يلازمان هذه المعرفة:

الأمر الأول: أن الوسائل غير معروفة ولا محدودة، وقد تكون متعاكسة يخبط بعضها بعضًا ونحن لا نشعر.

والأمر الثاني: أن الصلة منقطعة تمامًا بين السابق اللاحق... فلا يصل بالأمانة إلى النهاية(23).

لذلك كانت دعوة الإمام البنا إلى وجود عمل جماعي منظم، إلى وجود كيان قوي، إلى حماية عصبة، وإنجاز أمة، وإيجاد وسائل متناسقة لا متعاكسة.

وقد تحدث الإمام البنا عن المصلحين الأوائل قبله مثل الإمام محمد عبده والأفغاني، والرافعي والكواكبي وعبد العزيز جاويش وغيرهم، أنهم ساروا بالأمة في ناحية مثمرة من تهذيب الأخلاق وتقوية النفوس وتصحيح العقائد والأفكار، ثم جاء مصطفى كامل فنادى بوزارة المعارف الأهلية، وتحرير التعليم من الأجانب، ثم جاء عبد العزيز جاويش الذي نادى بالمدارس الليلية والتهذيبية، واستغل عبد الرحمن الرافعي في الكتابة والدفاع عن حقوق وقيم الأمة.

يقول الإمام البنا معلقًا: حلقات متصلة تصب كلها في ميدان واحد، لو سارت الأمة في طريقهم لوصلت إلى بغيتها، فما من أمة تنهض إلا إذا عرفت حقوقها وعرفت الوسائل التي تنال بها هذه الحقوق، وهذا ما كتبه الرافعي ولقد استفدت منه في دعوتي.

3- الأقليات المبعثرة

كان الإمام البنا يتكلم دائمًا عن (تنظيم الوسع وتوافر الهيبة) كما يقول الأستاذ الراشد في المسار، والقرآن الكريم يشير دائمًا إلى الأقليات المبعثرة ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا .... (72)﴾ (الأنفال) تلك التي تعيش في بيئة مرهقة للإيمان، فلقد جعل القرآن وضعها قلقًا، إن مثل هذه البيئة المرهقة للإيمان تذهب بإيمان من يعيشون فيها، كما أنها تذهب بهم إلى عقوبة الله، بل عقوبة النار ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)﴾ (النساء) وإن الله لا يأخذ العامة بعمل الخاصة حتى تستطيع العامة أن تغير على الخاصة، فإذن لا بد من عملية التغيير، فإما أن تغير وإما أن تقع فريسة للتغيير، فمن الصعب على الإنسان أن يعبد الله في المسجد ويعبد غيره خارجه يعيش ويتسلى ويكتسب بكل ما هو غير إسلامي.

التغيير المنشود

هذا ما أدركه الإمام البنا، لا يمكن لفرد مهما كانت قدراته أن يحقق ذلك التغيير المنشود وحده، لا بد من عملٍ جماعي، لا بد من تنظيم قوي، يستطيع أن يحمل الفكرة الصحيحة ويبلغها لمَن بعده ويعمل على حمايتها، وهذا ما انفرد به الأستاذ الإمام البنا عن غيره من المصلحين.

فالمصلحون الذين سبقوه لم يوجدوا التنظيم الذي يحمل أفكارَهم الإصلاحية ويجعل منها تيارًا قويًّا تعتدل به لهجات الكُتّاب، كما عبر عن ذلك ربير جاكسون(24) وهو يتكلم عن الأستاذ البنا، وعن أثره في المجتمع المصري، عندما يقول: (وقد استطاع الرجل بمفرده أن يُعِّرف بدعوته رجل الشارع فنادى من أعماقه ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)﴾ (الأنعام) وقد اعتدلت لهجة الكُتّاب، وخفّت ريح الإباحية والإلحاد والجنس، لتجري مع الريح الإسلامي وهذا لم يكن يحدثه حسن البنا وحده، وإنما أحدثه عندما أوجد التيار القوي الذي يحمل هذه الفكرة وينهض بها معه، ويقوم عليها، ويبلغها لمَن وراءه، استطاع أن ينهض ويخطو بالأمة من مأزقها، ولذلك كانت دعوته دائمًا للعمل الجماعي بل استنفار الغيورين من أبناء الإسلام عندما قال: (نعلن عن حاجتنا لكل عنصر جريء منتج عامل مفكر يستطيع أن يوجه العمل بقوة تأثيره ووضوح شخصيته، فإن وجد صالحًا شجعه وإن وجد معوجًا أقامه فحرام على كل من آنس في نفسه شيء من هذا أن يتأخر عن النفير دقيقة واحدة).

هذه دعوة نقدمها إلى الذين يريدون أن يعملوا للإسلام من أبنائه الغيورين، وندعوهم بدعوة الإخوان المسلمين فعليهم أن يجربوا ولا يتواكلوا، ولا تكن تجربتهم حائلاً بينهم وبين التقدم.

﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة: 105).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


(1)الغزو الفكري : هو أن تظل الشعوب الضعيفة أو النامية خاضعة لنفوذ القوى المعادية لها، وأن تظل بلدان العالم الإسلامي خصوصًا والعالم النامي عمومًا تابعة لتلك الدول الكبيرة المتقدمة تبعية غير منظورة. فليس أقتل للشعوب من أن تحس بالحرية والاستقلال على حين هي ترسف في قيود الذل والتبعية.

الغزو الفكري هو أن يحول العدد بين أمة من الأمم وبخاصة الأمة الإسلامية وبين تاريخها وماضيها وسير الصالحين من أسلافها. (انظر الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام- إعداد: الدكتور على عبد الحليم محمود) البحوث المقدمة لمؤتمر الفقه الإسلامي الذي عقدته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض 1396هـ.

(2) الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر.

(3) ظل النفوذ الفكري الفرنسي يتسلل إلى مصر، ويستشري خاصةً في الطبقات العليا من الأمراء وأشباههم، حتى كان الخديوي إسماعيل الذي رُبي في فرنسا واستدعي لحكم مصر "ولما يكمل تعليمه فيها"، وقد عاد هذا الغلام من باريس وقد ذابت تمامًا كل حرارة للإسلام في صدره "وصاغته" صالونات باريس وصداقاته لرجالها ونسائها صياغة جديدة غريبة عن الأمة حتى ابتليت بحكمه.

ونستطيع أن نقول: إن المدة التي حكمها هذا الشاب السفيه (1863م- 1879م) كانت من أخطر المراحل في تدمير الشخصية الإسلامية وإذابتها وحل عروتها وهدم شريعة الإسلام جملة (د. عبد الستار فتح الله ص 204) (الغزو الفكري، مرجع سابق).

(4) راجع كتابه الصراع بين الفكرة الإسلامية والغربية.

(5) في كتابه: الإعلان الإسلامي.

(6) الإخوان كبرى الحركات الإسلامية..

(7) أنشأ إسماعيل أول مدرسة "للحقوق" على النمط الفرنسي، فكانت تدعيمًا عمليًّا لوجهته لاستبدادية، وقد أصبحت فيما بعد مصدرًا أساسيًّا لتخريج أجيال مبتوتة الصلة بشريعة الإسلام، لصيقة بشرائع الكفار، ثم طورت لتصبح "كليات واسعة النطاق"، إن إسماعيل لما أراد أن ينفصل بمصر عن الدولة العثمانية، وعد ملوك أوروبا إن أيدوه من أجل تحقيق هدفه أن يبدل أحكام القرآن فيما يتصل بالحياة السياسية والاجتماعية، ويفصل السياسة عن الدين، ويطلق الحرية للنساء بحيث يسرن في أثر المرأة الغربية وينقل إلى مصر معالم المدنية الأوروبية. انظر د. عبد الستار فتح الله سعيد مرجع سابق ص 206...

(8) في كتاب الرجل القرآني.

(9) انظر المذكرات ص 59.

(10) يذكر الإمام البنا عن أحمد باشا تيمور: اشهد أنني ما التقيت به ولا حدثته يومًا إلا وجدت لديه لهمة المتوثبة والعزيمة الصادقة والعقل الكامل والاستعداد التام، وترقب ساعة العمل. أسكنه الله فسيح جناته وأجزل مثوبته (رسالة المؤتمر الخامس)..

(11) المذكرات ص 63.

(12) د.عبد الستار فتح الله سعيد (مرجع سابق) ص 259.

(13) المرجع السابق ص 259.

(14)المرجع السابق ص 260.

(15) د. محسن عبد الحميد، أزمة المثقفين تجاه الإسلام ص 75 – 77.

(16) د. محسن عبد الحميد، أزمة المثقفين تجاه الإسلام ص 75 – 77.

(17) هناك فصل عن (في سبيل النهوض) كتبه الإمام البنا في مذكراته (ص157). وخلاصة ما جاء يه: يجب أن تكون دعامة النهضة (التربية) فتربى الأمة أولا وتفهم حقوقها تمامًا وتتعلم الوسائل التي تنال بها هذه الحقوق وتربى على الإيمان بها ويبث في نفسها هذا الإيمان بقوة أو بعبارة أخرى تدرس منهاج نهضتها درسًا نظريًّا وعمليًّا وروحيًّا (فإذا سألتني عن أصول هذا المنهاج النظرية ما هي؟ فإني أجيبك في صراحة: هي الأصول والقواعد التي جاء بها القرآن الكريم، فإذا قلت وما وسائلهم وخطواتهم العملية؟ أقول لك في صراحة كذلك: هي الوسائل والخطوات التي أثرت عن الرسول العظيم- صلى الله عليه وسلم- ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها (هل نحن قوم عمليون).

وذلك يستدعي وقتًا طويلاً... وكل أمة تحاول تخطي حواجز الطبيعة يكون نصيبها الحرمان من أجل ذلك يجب أن ينظم أمران مهمان هما: المنهج والزعامة. فأما المنهج فيجب أن تكون مواده قليلة، بقدر الإمكان، عملية بحتة ملموسة النتائج مهما قلت، وأما الزعامة فيجب أن تختار وتنتقد حتى إذا وصلت إلى درجة الثقة أطيعت وأوزِرَت ويجب أن يكون الزعيم زعيمًا تربى، ليكون كذلك، لا زعيمًا خلقته الضرورة وزعمته الحوادث فحسب أو زعيمًا حيث لا زعيم.

ثم يقول (لا نهوض لأمة بغير خلق- فإذا استطاعت الأمة أن تتشبع بروح الجهاد والتضحية وكبح جماح النفوس والشهوات أمكنها أن تنجح.. فليكن حجر الزاوية إصلاح خلق الأمة..).

(18) يقول الشيخ المراغي: "والشيخ حسن البنا رجل مسلم غيور على دينه يعرف الوسط الذي يعيش فيه، ويفقه أسرار الإسلام، ويضع يده على الأدواء في جسم الأمة الإسلامية، وقد اتصل بالناس اتصالاً وثيقًا، وشغل نفسه بنواحي الإصلاح على النحو الذي كان عليه سلف الأمة الصالح".

(19) رسالة: هل نحن قوم عمليون (مجموعة الرسائل) ص68.

(20) كتاب (الحق المر).

(21) الفكر المنهجي عند المحدثين.00

(22) رسالة: هل نحن قوم عمليون (مجموعة الرسائل) ص 88-089

(23) المرجع السابق ص90.

(24) الرجل القرآني.

المصدر