سيف الدين عبدالفتاح يكتب: مصر.. حالة الطوارئ وضمانات الانتخابات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سيف الدين عبدالفتاح يكتب: مصر.. حالة الطوارئ وضمانات الانتخابات


الدين عبد الفتاح.jpg

( 05 يناير 2018)


حالة الطوارئ، كما هو متعارف عليه في القوانين، حالة استثنائية، والاستثناء يجب أن تظل له الحالة المتعلقة بتأقيته لا استمراره، وهو يرتبط بحالة ضرورةٍ، أو ظروفٍ طارئةٍ، أو كوارث تفرض ضرورة مواجهتها بما تشكّل حالة استثنائية، تقدّر بقدرها وتؤقت بمدّتها. وعلى الرغم من أن ذلك معلوم بالضرورة وبالبديهة، فإن النظام العسكري في مصر، ومنذ حركة يوليو 1952 جعل حالة الطوارئ قاعدةً لا استثناءً، وحالة استمرار لا ضرورة، وحالة ديمومة لا تأقيت فيها، وكأن الأصل أن يُحكم هذا الشعب بحالة طوارئ إلا فيما ندَر.

وانقلب الوضع الذي يبدو مواكبا ذلك الوضع الانقلابي من العسكر، وجعلوا من الاستثناء قاعدةً، ومن القاعدة استثناءً. ويعد هذا أمرا خطيرا، لا يمكن التغاضي عنه، أو المرور عليه مرور الكرام، ذلك أنه لا يعقل أن تمارس أمور سياسية اعتيادية، مثل الانتخابات أو غيرها، إلا في ظل حالة استقرار حقيقية، لا حالة طوارئ تقيد الحريات، تقدّر سلطة الاستبداد أحوالها على نحو هي من تصنعه وتقرّره.

وقّع عبد الفتاح السيسي على قرار يقضي بتمديد حالة الطوارئ في مصر ثلاثة أشهر، تبدأ صباح 13 يناير/كانون الثاني الجاري. وينصّ المرسوم الرئاسي على أن "تتخذ القوات المسلحة وهيئة الشرطة ما يلزم، لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله، وحفظ الأمن في جميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين. فيما تفوّض المادة الثالثة رئيس مجلس الوزراء في اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ".

ويأتي إعلان حالة الطوارئ في مصر، للمرة الرابعة، بعد هجومين استهدفا كنيستين في طنطا والإسكندرية، في أبريل/نيسان الماضي، ومدّدت حالة الطوارئ أيضا في يوليو/تموز، ثم أعلنت مجدّدا في أكتوبر/ تشرين الأول.

ووفقا للدستور المصري، يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب.

وإذا كان المجلس غير قائم، يُعرض الأمر على مجلس الوزراء للموافقة، على أن يُعرض على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له، فيما لا يجوز حل مجلس النواب في أثناء سريان حالة الطوارئ.

ويعني، ضمن ما يعني، تطبيق قانون الطوارئ، أنه يحقّ للرئيس أن يتصرّف في كل السلطات، إذ تكون هناك حالة من انعدام الفصل فيما بينها، فتصبح الحقوق والحريات تحت قبضة السلطة، بحجّة محاربة الإرهاب.

كما يعطي أيضا لرئيس الجمهورية الحقّ في وضع قيودٍ على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور، في أماكن أو أوقات معينة، وكذلك تكليف أي شخصٍ بتأدية أي عمل. كما يعطيه الحق في مراقبة الرسائل، أيا كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات، وكل وسائل الدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها. ويحق لرئيس الجمهورية تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها، وفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات. كما يعطي قانون الطوارئ للرئيس سلطة سحب تراخيص الأسلحة أو الذخائر، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها. ويضمن القانون أن تتولى القوات المسلحة وهيئة الشرطة اتخاذ ما يلزم، لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله، وحفظ الأمن في جميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين.

ويبدو أن حالة الطوارئ تقترن اقترانا واضحا بأوضاع الاستبداد، وتمكين طغيانه. وتكون حالة الطوارئ الحالة المناسبة لوضع الاستبداد، بما تمارسه من بطشٍ وخروجٍ على القانون وامتهان للدستور، فتعد مشيئة المستبد هي القانون، ويعد تقديره حالة الطوارئ هو الدستور، ويجري كل شيء وفق هواه، لا أحد يراجعه في الحالة الطارئة ودواعيها، والضرورة الداعية إلى إعلان الطوارئ على طول البلاد وعرضها. بل إن الأمر حينما يحدّد دستوريا في محاولة لتأقيت هذا الأمر، فإن تحايل السلطة صار أمرا واضحا في مد حالة الطوارئ من فترة إلى أخرى، حتى لو حدّدت، وتملصا من كل إجراءات دستورية لا تجعل حالة الطوارئ مستمرة.

واقع الأمر أن هؤلاء استندوا في ذلك، باعتبارهم مستبدين، إلى مقولتين؛ تشير الأولى إلى أنه ورث أوضاعا ممن سبق، وأنه الوحيد الذي ينجز، والذي أنجز، ويقوم بمعجزاتٍ يعزف هذه المعزوفة بُوقته من البطانة، وزبانية من سدنة إعلام لا يقوم إلا بنفاقه، فهو مالك الحكمة، واضح الزعامة، منقطع النظير بإنجازاته.

وفي حقيقة الأمر، تسوء أحوال العباد والبلاد، وليخرب كل شيء، وليعيش المستبد الفاشي، يرفل ويتمتع في بيئة الاستبداد. هو فوق الحساب، لا يُسأل عما يفعل، يستهين بالنفوس، ويبيع الأرض والعرض، لكنه صاحب الحكمة والزعيم الملهم صاحب الإنجازات والمشروعات، ومن قبله من مستبدٍّ، لم يترك له إلا المشكلات والأزمات. أما ما يستند، في مقولته الثانية، فإنه يؤكد أن البلد مستهدف، والمؤامرة تحيط به من كل جانب، والأشرار يتربّصون به وبالبلاد، وأنواع الحروب وأجيالها تتفنن في إيذاء الوطن، والمستبد الملهم هو من يخوض كل تلك التحديات، وإنْ قتل وباع الأرض والعرض.

مصر في حالة انتقال دائم، ومن حالة طوارئ إلى أخرى، إذ لا يمكن إلا أن نكون في حالة

"هذا قانون المستبد، وضعه مع حالة الطوارئ، ومع انتخابات زائفة مزوّرة" طوارئ، فالبلاد مستهدفة، ويمر الوطن بمنعطف تاريخي، ونحن في عنق الزجاجة. ويضيف كل مستبد طبعته الخاصة من تحدياتٍ تناسب استبداده، وامتداد مساحات طغيانه، وتمكين سلطانه، فهذا إرهاب محتمل، وهؤلاء أعداء متربصون بنا من كل جانب. ونحن في عنق الزجاجة، والزجاجة كلها عنق لم نخرج منه أبدا، فكل مستبد يقدم إعلان ظلمه وظلماته ويمارس خراب العمران والإنسان والأوطان، من دون أدنى وازع أو ضمير، ويصفق الجميع من منافقيه لخيانته، ويمتدحون قتله وتضييق الحريات، ويعتبرون ذلك إنقاذاً للبلاد والعباد، وفي الحقيقة هو خاربها لا حارسها.

وبعد ذلك، يعلن الطوارئ ويجدّدها من زمن إلى زمن، متحايلا على كل قانون أو دستور، أو إجراء يقيدها. ومن هنا، أقول لهؤلاء الذين يرغبون في دخول انتخاباتٍ، في ظل حالة الطوارئ، إنهم في حقيقة الأمر يدخلون في منطقة سوداء داكنة، لا يمكن أن تمارس فيها سياسة شفافة، أو تخرج انتخابات بنزاهة. حالة الطوارئ سيف مسلط، وأدوات المستبد من جرابه تنقضي، والانتخابات ليست إلا مسرحية هزلية، يقوم بها المستبد متباهيا، حتى يحصل عليها في أكثر الأحوال بـ 90%، وهو لم يحصل في امتحاناته على أكثر من 50%.

هذا قانون المستبد، وضعه مع حالة الطوارئ، ومع انتخابات زائفة مزوّرة، فتخرج المسألة على هذا النحو القميء، ليلعب بعضهم أدوارا في مسرحية هزلية. أقول لكل هؤلاء: الانتخابات ضمانات، ومن أراد أن يخوض معركة الانتخابات، فليخض بحق معركة الضمانات، فأول تلك الضمانات أن لا تجري انتخابات في ظل حالة طوارئ، يحكمها الاستثنائي والهوى، وتقدير صاحب السلطة الذي يمارس طغيانه في أثوابٍ كثيرة. ومنها الثوب الانتخابي المزخرف الذي يعبر عن تزوير حقيقي، وعن غش وتزييفٍ لا تخطئهما عين. فهل سيخوض هؤلاء الذين يدخلون ميدان الانتخابات معركةً تتعلق بالضمانات، أم أن الأمر سيسير وفق قواعد حالة الطوارئ والاستثناء التي يحترفها المستبد، لتخرج مسرحية الانتخابات الهزلية المستبد، في النهاية، متفوقا طاغيا، وهو في الحقيقة الخائن المزور البليد.

المصدر