سليم عزوز يكتب: حدّثني عن الدور القطري في تعطيش مصر!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سليم عزوز يكتب: حدّثني عن الدور القطري في تعطيش مصر!


سليم ع.jpg

( 31 يناير 2018)


على طريقة «طبيب الأرياف»، لحظة خروجه، والوفد المُرافق له، من حُجرة العمليّات، تصرَّف عبد الفتاح السيسي، بعد خروجه من جلسة المُباحثات مع الرئيسَين السودانيّ والأثيوبيّ بخصوص سَدّ النّهضة!

لقد خرج ليطمئن المُشيّعين للمريض إلى «غرفة العمليّات»، فالحالة مُستقرّة، والأمور على ما يرام. أما أنّه «طبيب أرياف»، فلأنّ النّاس في الحضر، لا يهتمّون بحضور هذه «المراسم» بهذا العدد، حيث كان الصّحفيّون من ثلاث دول، في حالة ترقّب عما يسفر عنه الاجتماع، الّذي ينعقد بعد أزمة طويلة، لكنّ عبد الفتاح السيسي قطع الطريق، بإعلانه أنّه لا أزمة من الأساس في موضوع سَدّ النّهضة!

تصرُّفٌ بعيدٌ عن اللياقة والأعراف الدبلوماسيّة، فالأصل في هذه الاجتماعات أنْ يعقبَها مُؤتمرٌ صحفيٌّ، يخطر المُجتمعون الصّحفيّين خلاله بما دار فيه، ويردُّون عن الأسئلة في حدود الوقت الذي يقرّرونه، لكنّ هذا التصرَّف يعدّ كاشفاً عن أنّ الأمور ليست على ما يُرام، فالإثمُ هو ما دار فيه وخشِي السيسي أنْ يطّلع عليه النّاس، ولهذا ألغى المُؤتمر، وعندما أراد الرّئيس السودانيّ أنْ يتكلّم قام صاحبنا بالتشويش عليه!

أمرٌ آخرُ، قد يكون سبباً فيما أقدم عليه، وهو «افتعال الفرحة»، كما فعل مِنْ قبلُ عقب توقيع اتفاق المبادئ، وتعانقت يداه مع أيدي الرّئيسَين السودانيّ والأثيوبيّ، وبشكل مُبالغ فيه من طرفه، وعاد إلى مصر يزفُّ البُشرى للمصريّين بأنّ الأزمة انتهت، وأنّ الأثيوبيّين كانوا في حالة أسف من إعلان الرّئيس مرسي بأنّ كلّ الخيارات مفتوحة إذا نقصت من حصّة مصر قطرة مياه واحدة، وأنّهم تجاوزوا الأزمة من أجل «سواد عيونه»، قبل أنْ يستيقظ المصريّون على كارثة، فالاتفاق الّذي وقّع عليه السيسي واحتفل بتوقيعه، يمثّل مُوافقة مصر «كتابةً» على بناء سدّ النّهضة، دون قَيد أو شرط، ودون ضمان حقوق مصر التاريخيةِ من مياه نهر النّيل، وأنّه فعل هذا «عامداً مُتعمّداً»!

والدليل، أنّه لم يسمع لتحذيرات «أهل الذكّر»، ممن ينتمون لانقلابه، والذين تحدّثوا عن الخطر المُحدق الّذي ينتظر مصر، بهذا التوقيع- الجريمة، كما أنّه لم يقم باستخدام سلاح إلغاء توقيعه عن طريق البرلمان، لينزع شرعية بناء السَّدّ، ويصبح من حقّ القاهرة اللجوء للتحكيم الدوليّ، بدلاً من الاحتكام إلى اتفاق لا يضمن لمصر قطرة مياه، كما قال خبير السدود الدكتور أحمد المفتي!

لقد ظلّ السيسي مُعرضاً عن سماع من ينصحونه، بل وبدا غاضباً مما يقولون، على نحو يكشف أنّه مُتواطئ فيما جرى مع سبق الإصرار والتّرصُّد، وقد استعدّ للجفاف بالحديث عن مشروع مُعالجة مياه الصّرف الصّحيّ، وقال إنّه بحاجة إلى مئة مليار جنيه لمشروع كهذا، في ذات اليوم الذي أعلن فيه عما يُسمّى بقناة السّويس الجديدة، ولم ينتبهْ لهذا كثيرون، وقد كنت في الأستوديو يومها، فقمت بلفت الانتباه إلى خطورة ما قال، لكن كافّة الأطراف (المُؤيدين والمُعارضين) انشغلوا بالقناة الجديدة (أو التفريعة عند المُعارضين)، وقد عاد بعد توقيع اتفاق المبادئ يتحدّث من جديد عن مشروعات المُعالجة، وقال وزير إسكانه إن البداية ستكون في مُحافظات الصّعيد، وأن من الإنجازات السيساوية الجبّارة، إنشاء مشروع مُعالجة عملاق كُلفتُه قرابة المليار جنيه. كلّ هذا استعداداً للجفاف بعد الانتهاء من بناء السّدّ!

ولم يكن المُعارضون الّذين أعلنوا عن فشل المُباحثات، فمن أعلن هذا هو وزير الري المصريّ، وهو الّذي أحال الملفّ إلى رئيس الحكومة للتصرُّف، فهل كان الوزير يتصرُّف بما يمليه عليه ضميره، غير معنيّ بما يُخطّط له السيسي؟، والّذي ربما لم يُحطْ الوزير المسؤول بمُخطّطه، الرّامي لتوصيل المياه لإسرائيل، عندما لا يكون أمام مصر إلا طلب وساطتها لأن يفيض علينا الأثيوبيّون من الماء، أو مما رزقهم الله؟!

لقد كان ما انتهى إليه وزير الري، بمثابة إشارة بإعلان الحرب، لكنها ليست حرباً على أثيوبيا، تنتهي إلى البحث عن وسيلة للحفاظ على حقوق مصر التّاريخيّة في نهر النّيل، حيث توجد وسائل كثيرة تضمن هذا، تبدأ بسحب التّوقيع على إعلان المبادئ، وتنتهي بالتلويح بالحرب، أو خوضها بالفعل، فإذا لم يكن الجيش المصري جاهزاً لحماية مياه النّيل، فما هي قيمة الجيوش ولِمَ ينفق من لحم الحي على تسليحها؟!، وما معنى أن تظلّ ميزانيتها بعيدة عن رقابة الشعب؟!

لقد تمّ التّعاطي مع الأمر وفق قواعد «الغاغة»، بالهجوم على السودان شعباً وقيادةً، وبالتطاول على قطر وسالت على الألسن صفائح القاذورات، فالبشير يتآمر ضدّنا مع الأثيوبيين، والدوحة وضعت مخططاً مع أديس أبابا لتعطيش مصر، فهي الّتي تبني السدّ بالمال القطري، وقام الإعلام بوصلة «ردح» ووجدنا من المغفلين من يتساءلون: ماذا تريد منّا قطر؟!، وفُسّر أيّ استثمار قطري في السودان، أو زيارات لمسؤولين قطريين للخرطوم أو لأثيوبيا على أنّه لتنفيذ المخطط، وعشنا وصلات من الردح، و»فرشت الملايات»، وقيل: «يا داهية دقّي»!

لقد رفضت أثيوبيا، ما انتهى إليه تقرير المكتب الاستشاريّ الفرنسيّ، رغم أن خبراء مصريين قالوا إن المكتب في تقريره ينحاز لأثيوبيا، ففي الحقيقة أنّ القوم لم يكونوا يُريدون الالتزام بأي شيء، وصرّحوا بأنه لا أحد بإمكانه أن يوقف بناء السد!

اللافت، أن مصر لا تعرف مُواصفات السدّ، أو سعته، وعندما سمح الجانب الأثيوبي لوفد مصريّ بزيارته، زيارة سائحين، اعتبر أهل الحكم في القاهرة أن هذا إنجاز، ما كان يمكن أن يتحقّق إلا إذا وجد «الرئيس الدّكر»، الذي لابدّ أن يكون مُنتمياً لخير أجناد الأرض!

لقد قال وزير الري إنّ الوضع مُقلق، لكن يبدو أنه يتصرّف دون إدراك لمُخطط عبد الفتاح السيسي، على نحو يجعله مرشحاً للإقالة عند أوّل تعديل وزاريّ. وقبل هذا القول فقد عمد النّظام إلى بثّ الطمأنينة في قلوب المصريّين، فتمّ الإعلان عن أنّ رئيس الوزراء الأثيوبيّ قادم لمصر ليلقي بياناً في البرلمان المصريّ يوم (12 ديسمبر) الماضي، لكي يطمئن الشعب المصري، وهو أمر لم يحدث، ولم تصرّح به أثيوبيا، لكن النظام المُتواطئ في الجريمة، كان يريد أن يتجاوز الأزمة، بإدخال الغشّ والتدليس على الرأي العام، وهو ما جرى بالفعل في اجتماع أديس أبابا الأخير!

لا بأس، فقد قال السيسي لم تكن هناك مُشكلة «من الأساس»، إذن فمن قال بفشل المفاوضات، وبتعنّت أثيوبيا؟، ولماذا كانت الهجمة على قطر لأنّها تموّل السدّ، ضمن خُطتها لتعطيش مصر؟!

فليحدّثنا إعلام السيسي عن الدور القطري في تعطيش مصر!

المصدر