سقوط الأصنام .. الإخوان المسلمون وربيع الغضب العربي (الفصل الثاني)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون والثورة.. الرؤية والمنطلقات(الفصل الثاني)
(مصر - تونس - ليبيا - اليمن - سوريا)

بقلم:س.ع

مركز الدراسات التاريخية

مقدمة

تعتبر جماعة الإخوان المسلمون من الجماعات المحافظة فكراً وممارسة، فنهج الثورة ليس من أولوياتها ولا أدبياتها المنتشرة، فنهج التغيير السلمى الإجتماعى هو المنهج الذى اعتمدته الجماعة كرؤية إصلاحية للتغير، وإن كان هذا لا يمنع من أن الجماعة خلال عمرها الممتد منذ 1928 مارست الثورة وشاركت فيها فى العديد من المظاهر ، وكانت مواقفهم وممارساتهم طول هذا التاريخ عامل مهم ومؤثر فى الثورتين التى قامت خلال عمر الإخوان "ثورتى 23 يوليو 1952، 25 يناير 2011"

ويرى أحد الباحثين أن جماعة الإخوان المسلمين قد التزمت بالتداول السلمي للسلطة كأسلوب للتغيير استنادا إلى موقف فقهي قائم على أباحه الإسلام للتعددية السياسية بشرط عدم مخالفه أو عدم الاتفاق على مخالفه القواعد الأصول ، وباعتبار أنها شكل من أشكال التعددية التي اقرها الإسلام ويؤكدها التاريخ الإسلامي، فانه يجب أضافه جمله من الضوابط لهذا الأسلوب فى التغيير لضمان عدم انحرافه عن أهدافه

ومنها:

أولا: ان تجعل الأحزاب الاسلاميه التي ارتضت للتداول السلمي للسلطة الدين هو الأصل - والسياسة هي الفرع ،أى ان الدين للسياسة بمثابة الكل للجزء يجده فيكمله ولكن لا يلغيه ،ولا تجعل الغاية هي السلطة والوسيلة هي الدين.
ثانيا: انه يجب تقرير أن النشاط السياسي للأحزاب الاسلاميه ليس صراع ديني بين مسلمين وكفار بل صراع سياسي يدور فى إطار الاجتهاد في وضع حلول للمشاكل التي يطرحها الواقع.هذا التقرير مبنى على تقرير أهل السنة أن الامامه(السلطة) من فروع الدين لا أصوله(بخلاف الشيعة الذين قرروا أن الامامه من أصول الدين وبخلاف الخوارج الذين كفروا مخالفيهم).
كما هو مبنى على عدم نفى القران صفه الأيمان عن الطوائف المتصارعة " وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلي أمر الله" . كما هو مبنى على أن الصحابة اختلفوا في مسالة السلطة إلي حد القتال(على بن أبى طالب ومعاوية- على وعائشة... رضي الله عنهم) دون أن يكفر احدهم الأخر.
ثالثا: ضرورة منع تحول الأحزاب الاسلاميه التي ارتضت بالتداول السلمي للسلطة، إلى أحزاب ذات شكل ليبرالي ،و التي هي المعادل السياسي للنظام الرأسمالي القائم على المنافسة الحرة من اجل الربح،فيصبح نشاطها السياسي شكل من أشكال التجارة بالدين. رابعا:تخليص الديمقراطية من حيث هي نظام فني لضمان سلطة الشعب ضد استبداد الحكام من الليبرالية (أي من العلمانية والرأسمالية والفردية..) وذلك بالديمقراطية ذاتها لا بإلغاء الديمقراطية. وهذا الموقف نجد له سندا من دستور المدينة الذي اقر الحريات الدينية والسياسية لغير المسلمين(اليهود). (15)

ومن المؤكد أنه بالرغم من التزام الجماعة بالتغيير السلمى إلا أن الجماعة مارست بعض الفعاليات التى أظهرت من خلالها اعتراضها على بعض المواقف والقرارات للسطة الحاكمة على مر العقود الماضية مثل المظاهرات والمؤتمرات وغيرها

المبحث الأول: الثورة فى فكر الإمام حسن البنا

عاش الإمام حسن البنا فى وقت عصيب على مصر والعالم العربى والإسلامى ، فالخلافة العثمانية سقطت سنة 1924، والهجرات اليهودية تتدفق على فلسطين تحقيقا لوعد بلفور بإقامة دولة يهودية فى فلسطين ،والبلاد العربية محتلة ، والحكومات مستبدة تمارس القهر والاستعباد للشعوب تأتمر بأمر الاحتلال وتسير فى ركابه ، فلا فرق بينها وبين الاحتلال الأجنبى ، بل الحكومات المستبدة أشد على شعبها من الاحتلال .وكم من حكومات مستبدة تقتل وتعتقل أكثر من الاحتلال ..!!

وفى ظل هذا الأوضاع التى تمر بها مصر والعالم العربى والإسلامى قامت حركة الإخوان المسلمين سنة 1928 تدعو إلى الإسلام بشموله ،كما تدعو إلى وحدة الصف الإسلامى وتحرير العالم الإسلامى من براثن الاحتلال ومارس الإمام البنا لتحقيق هذه الأهداف العديد من الفعاليات.

وإذا كان من منهج الإمام البنا تحرير البلاد من الاحتلال وإصلاح النظام السياسى للدولة ، فما وسيلة الإخوان نحو تحقيق هذا الهدف ؟ وما الحلول التى يقدمها الإخوان المسلمون ومرشدهم حسن البنا لعلاج تلك المشكلات ؟ هل منطق الحوار والنصح والإرشاد هو المتبع دائما تجاه فساد الحكام أم أن هناك أسلوب آخر لتصحيح مسار الحكومات الفاسدة ؟ هل الإمام البنا يؤمن بقيام ثورة من أجل التغيير؟.. وهل مارس الإخوان الثورة أم أنهم كما البعض من الاسلاميين يرفض الخروج على الحاكم.

أولاً: استخدام القوة لتغيير الحكم فى فكر الإمام حسن البنا

تحدث الإمام حسن البنا كثيرا عن القوة وعدم الركون إلى الضعف والكسل، واستلهم ما فى القرآن الكريم والسيرة النبوية من الدعوة إلى قوة المسلم فى الحياة وانطلق بها إلى الجوانب العملية ، وربى تلامذته على الجندية والتضحية والبذل والعطاء

ففى (رسالة إلى أي شىء ندعو الناس) يقول تحت عنوان:(أعظم مصادر القوة) يوضح أن الإيمان بالله هو مصدر القوة الذى يجعلك لا تخشى أحدا إلا الله ، ذلك هو الفيض الأعم من الإيمان،والثقة بالنجاح الذى يغمر قلبك ويملأ نفسك فلا تخشى الناس جميعا ، ولا ترهب العالم كله إن وقف أمامك من يحاول أن ينال من عقيدتك أو ينتقص من مبدئك. (16)

وفى موضع آخر من نفس الرسالة يقول تحت عنوان : (حراسة الحق بالقوة): " وما أحكم ذلك القائل : (القوة أضمن طريق لإحقاق الحق ، وما أجمل أن تسير القوة والحق جنبا إلى جنب ..!) ، فهذا هو الجهاد فى سبيل نشر الدعوة الإسلامية فضلا عن الاحتفاظ بمقدسات الإسلام فريضة أخرى فرضها الله على المسلمين كصوم الصلاة والحج والزكاة وفعل الخير وترك الشر ..." (17)

وفى (رسالة نحو النور) نجده يقول تحت عنوان : (الإسلام والقوة والجندية) : وتحتاج كذلك الأمم الناهضة إلى القوة وطبع أبنائها بطابع الجندية ، ولا سيما فى هذه العصور التى لا يضمن فيها السلم إلا بالاستعداد للحرب ، والتى صار شعارأبنائها جميعا : (القوة أضمن طريق لإحقاق الحق). (18)

ووضع الإمام البنا رسالة الجهاد تناول فيها : الجهاد فريضة على كل مسلم، وذكر الآيات والأحاديث التى تدعو إلي الجهاد ، والجهاد عند فقهاء الأمة ، ولماذا يقاتل المسلم ؟، وما يلحق بالجهاد ، ويتحدث تحت العنوان الأخير ، فيقول :

" فقد جاء فى الحديث : إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر .ولكن شيئا منها لا يوجب لصاحبه الشهادة الكبرى وثواب المجاهدين إلا أن يَقتل أو يُقتل فى سبيل الله ، ثم يقول فى الخاتمة قائلا : " إن الأمة التى تحسن صناعة الموت ، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة ، يهب لها الله الحياة العزيزة فى الدنيا ، والنعيم الخالد فى الآخرة وما الوهن الذى أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت ، فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم ، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة ....فاعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسعادة الكاملة ، رزقنا الله وإياكم كرامة الاستشهاد فى سبيله." (19)

وتغيير الحكم عن طريق القوة ، يوضحه الإمام البنا بقوله :" الإخوان والقوة والثورة:

ويتساءل كثير من الناس : هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم ؟ وهل يفكر الإخوان المسلمين في إعداد ثورة عامة علي النظام السياسي أو النظام الاجتماعي في مصر ؟ .... ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة ، بل إني أنتهز هذه الفرصة فأكشف اللثام عن الجواب السافر لهذا في وضوح وفي جلاء ، فليسمع من يشاء .

أما القوة فشعار الإسلام في كل نظمه و تشريعاته فالقرآن الكريم ينادي في وضوح و جلاء: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (لأنفال:60). و النبي يقول (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف) بل إن القوة شعار الإسلام حتى في الدعاء و هو مظهر الخشوع و المسكنة

واسمع ما كان يدعو به النبي في خاصة نفسه و يعلمه أصحابه و يناجي به ربه : (اللّهُمّ إِنّي أَعوذُ بِكَ مِنَ الْهَمّ وَالْحَزَنِ، وَأَعوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأعوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ والْبُخْلِ وَأعوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدّيْنِ وَقَهْرِ الرّجَال)
ألا ترى في هذه الأدعية أنه قد استعاذ بالله من كل مظهر من مظاهر الضعف : ضعف الإرادة بالهم و الحزن و ضعف الإنتاج بالعجز و الكسل و ضعف الجيب و المال بالجبن و البخل و ضعف العزة و الكرامة بالدين و القهر ؟ .. فماذا تريد من إنسان يتبع هذا الدين إلا أن يكون قويا في كل شيء شعاره القوة في كل شيء ؟.. فالإخوان المسلمون لابد أن يكونوا أقوياء و لابد أن يعملوا في قوة. " (20)

ويوضح الإمام البنا أن إيمان الإخوان بالمبدأ العام فى استخدام القوة لا يجعلهم يستخدمونها فى غير موضعها وفى غير وقتها ، بل إن استخدمها يكون آخر مرحلة فى العلاج ، فيقول :

" و لكن الإخوان المسلمين أعمق فكرا و أبعد نظرا من أن تستهويهم سطحية الأعمال و الفكر فلا يغوصوا إلي أعماقها و لا يزنوا نتائجها ، و ما يقصد منها ، و ما يراد بها فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة و الإيمان
ثم يلي ذلك قوة الوحدة و الارتباط ثم بعدهما قوة الساعد و السلاح و لا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعا و أنها إذا استخدمت قوة الساعد و السلاح و هي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء و الهلاك .
هذه نظرة و نظرة أخرى : هل أوصى الإسلام ـ و القوة شعاره ـ باستخدام القوة في كل الظروف و الأحوال ؟ أم حدد لذلك حدودا و اشترط شروطا و وجه القوة توجيها محدودا ؟ و نظرة ثالثة : هل تكون القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكي ؟ و هل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة و نتائجها الضارة و ما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف ؟
أم من واجبه أن يستخدم القوة و ليكن بعد ذلك ما يكون ؟ هذه نظرات يلقيها الإخوان المسلمون على أسلوب استخدام القوة قبل أن يقدموا عليه و الثورة أعنف مظاهر القوة فنظر الإخوان المسلمون إليها أدق و أعمق و بخاصة في وطن كمصر جرب حظه من الثورات فلم يجن من ورائها إلا ما تعلمون .
و بعد كل هذه النظرات و التقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين : إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها ، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة ، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في كرامة وعزة ، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح ." (21)

وهكذا فمن الثابت أن الإمام البنا والإخوان سعوا للثورة ونادوا بها ولكن بعد استكمال مقومات تلك الثورة والاستعداد الجيد لها سواء من حيث قبول المجتمع لها أو من يقوم ويملك الامكانات المادية لتلك الثورة حتى لاتنقلب إلى فوضى وهو مايرفضه الإخوان ويحذرون منه باستمرار.

المبحث الثانى: وسائل عمليه مارسها الإمام البنا

بالرغم من أن المناداة بالثورة والمطالبة بها لم تستحوذ على الكثير من كتابات الإمام البنا ولا رفاقة فى تلك المرحلة، فكإطار عام يسعى الإخوان المسلمون للتغير المجتمعى بصفة رئيسية ولكن اذا لم يكن هناك حلول للتغيير إلا بالثورة فيجب العمل على الاستعداد الجيد لها ولذلك مارس الإخوان الجوانب العملية للاعداد للثورة وسنتشهد هنا بمثالين وهما " النظام الخاص" وقسم الوحدات بالجيش"

أولاً: النظام الخاص

لم يكتف الإمام البنا بتربية الإخوان ومحاولة التغيير المجتمعى بل حرص البنا على ضرورة بث روح الجهاد فى الأمة ، وضرورة الاستعداد الروحى والبدنى للثورة، فكانت تربية الإمام البنا للإخوان على الجهاد والجندية والتضحية ، وكان للإخوان أورادهم الرياضية وجوالتهم وأعمالهم الكشفية التى يحافظون على قوتهم ونظامهم ولياقتهم البدنية

وكان من ثمار تلك التربية الجهادية أن أنشأ النظام الخاص سنة 1940 كتنظيم سرى مدرب على مختلف الأسلحة فى ذلك الوقت بهدف قتال اليهود فى فلسطين والإنجليز فى مصر بعد أن فشلت المفاوضات فى إخراجهم ، وجعل على مسئوليته محمود عبد الحليم ثم عبد الرحمن السندي ، وقد أبلى الجهاز الخاص للإخوان بلاء حسنا فى حرب فلسطين سنة 1948 .

وكان هدف الإمام البنا من إنشاء الجهاز الخاص كتنظيم سرى مدرب على الأسلحة بهدف الجهاد فى فلسطين وإخراج الإنجليز من مصر بالقوة المسلحة ، إلا أن الجهاز الخاص للإخوان قام بحوادث داخلية ضد اليهود المصريين وحوادث فردية لاتمثل موقف عام للجماعة وتعتبر من أخطاء فردية قام بها أفراد النظام الخاص تحت ضغط وانفعال الأحداث فى ذلك الوقت، ولسنا هنا بعرض تجربة النظام الخاص أو تقييمه فمجالها كتاب آخر ولكن الاستشهاد بها هنا كدليل على أن الإخوان كانوا منذ نشأتهم يسعون إلى التغيير والثورة .

ثانياً:قسم الوحدات الخاص بضباط الجيش

سعى الإمام البنا لعمل تنطيم سرى داخل الجيش اشترك فيه ضباط الجيش من الإخوان المسلمين مثل محمود لبيب وكان صلاح شادي رئيس قسم الوحدات التابع للإخوان المسلمين داخل الجيش ، وقام تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش تحت عين الإمام البنا وشارك فيه عبد المنعم عبد الرؤوف وأبو المكارم عبد الحي على نحو ما هو معروف.

ويروى أنور السادات فى كتابه البحث عن الذات عن حديث له مع الإمام البنا بخصوص الثورة والاعداد لها فيقول:

" اسمع يا شيخ حسن : واضح أنك حريص أكثر من اللازم فى الحديث معى .. وأنا لا أرى داعيا لهذا ..بصراحة أنا أسعى إلى عمل تنظيم عسكرى هدفه قلب الأوضاع فى البلد..باغتت الرجل هذه المفاجأة - والكلام للسادات- فنظر إلى فى دهشة ولم يعرف ماذا يقول... ربما كنت أحد رجال المخابرات.. وربما كنت مدسوساً عليه من جهة أو أخرى.. وقطعت عليه صمته بقولى:
نعم أنا أسعى إلى ثورة مسلحة .. ومعى عدد كبير من الضباط من كل أسلحة الجيش .. وحركتنا تسير . وبدأ يسألنى أسئلة محدودة .. أى أسلحة الجيش معكم ؟ وما مدى قوتكم ؟ وكم عدد الضباط الذين يمكن أن تعتمد عليهم للقيام بهذه الثورة وأجبته.. وفجأة طلب منى أن ننسق العمل معا .. قلت له :
لقد صارحتك بكل شىء ..وأحب أنا أقول لك بنفس الصراحة نحن تنظيم لا يخضع ولا يعمل لحساب أى حزب أو هيئة ، وإنما لمصلحة مصر ككل .. وأرجو أن يكون ذلك واضحا منذ البداية .. وأمن الرجل على كلامى وقال : يكفى فقط أن نتعاون ..
ولم يمض بعد ذلك وقت طويل حتى كان قد جند لحساب الإخوان عبد المنعم عبد الرؤوف الرجل الثانى بعدى فى تنظيم الضباط الأحرار . " (22) ، ويذكر السادات بعد ذلك أن الأستاذ البنا رتب له لقاء بعزيز المصري .

ويكشف عبد المنعم عبد الرؤوف جانب من تأسيس هذا القسم الذى كان له دور واضح فى ثورة 23 يوليو فيقول:

استطعت فى شهر أكتوبر عام 1942 أن أدعو ضابطا من الكتيبة الثالثة لحضور درس الثلاثاء بدار المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين وهو النقيب جمال عبد الناصر حسين ثم اتبعته بضابط ثان وهو الملازم أول حسين أحمد حمودة الذى نقل على قوة الكتيبة ثم دعوت ضابطا ثالثا هو الملازم كمال الدين حسين من سلاح المدفعية وكان منزله قريبا من منزلى بحى السيدة زينب وكثيرا ما تجاذبنا أطراف الحديث أثناء ركوبنا (الترام) صباحا متوجهين إلى وحدتنا.
ثم دعا الملازم أول حسين أحمد حمودة ضابطين أولهما شقيق زوجته الملازم أول سعد توفيق من سلاح الإشارة(توفى إلى رحمة الله عام 1962) وثانيهما الملازم أول صلاح الدين خليفة زميلا له من سلاح الفرسان هو الملازم أول خالد محيي الدين واكتمل عددنا سبعة عام 1944 وواظبنا على اللقاء أسبوعياً فى بيت هذا مرة وفى منزل ذاك مرة أخرى وهكذا ولم يتغيب الصاغ محمود لبيب عن هذا اللقاءات إلا فى النادر. وسنكتفى هنا بهذا القدر حيث سيكون لها مجال آخر وهو دور الإخوان فى ثورة 23 يوليو 1952

ويتضح مما سبق أن الإمام البنا كان يؤيد القيام بعمل عسكرى من أجل تغيير الحكم ، وكانت علاقة الإمام البنا بتنظيم الضباط الأحرار قوية ، و شارك الإخوان الضباط الأحرار فى الإعداد للثورة التى بدأت فى حياة الإمام البنا ـ على نحو ما ذكر السادات نفسه ـ ونحجت الثورة بعد استشهاده ، والدلائل والشواهد كثيرة على دور الإخوان فى ثورة 23 يوليو 1952 ولكن ليس هذا مجالنا للخوض فيها بل نحن هنا فى هذا الكتاب معنيين فقط بثورات الربيع العربى.

وكما أشرنا من قبل أن أى عمل مسلح لإسقاط الحكم القائم لابد له من تأييد شعبى لكى يصبح عملا مشروعا ، فإن الإمام البنا حرص على المشاركة الشعبية للثورة ، فقام بتعريف الشعب بحقوقه التى سلبه المستبدون ، ولم يغفل ضرورة التأييد الشعبى ، ويقوم فكره على " تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل علي صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها ... وأن وسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة علي هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول علي حكمها. " (23)

وأما الثورة الشعبية التى يقوم بها الشعب الأعزل ضد السلطة الحاكمة المستبدة ، فإنها فى رأى الإمام البنا غير مأمونة العواقب ، نظرا لأن السلطة المستبدة لن تسلم بسهولة مما يتبعه استخدام العنف وإراقة الدماء والقمع ، وعندما يقوم بها فصيل وطنى بمفرده، فإن نتائجها غير مأمونة ، فالإمام البنا لا يفضلها إلا فى إطار شعبى عام، فالثورة لا يمكن أن تنجح بالإخوان وحدهم

بل بالشعب جميعه ويؤكد أن الثورة هى حالة انفجار للشعب تتولد من ضغط الظروف التى يعانى منها وفقد الإصلاح ، وفى هذه الحالة ، فإن الثورة لا مفر منها ، فيقول فى رسالة المؤتمر الخامس :

" وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها ولا يعتمدون عليها ، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها وإن كانوا يصارحون كل حكومة في مصر بأن الحال إذا دامت علي هذا المنوال ولم يفكر أولو الأمر في إصلاح، عاجل وعلاج سريع لهذه المشاكل
فسيؤدي ذلك حتما إلي ثورة ليست من عمل الإخوان المسلمين ولا من دعوتهم ، ولكن من ضغط الظروف ومقتضيات الأحوال ، وإهمال مرافق الإصلاح وليست هذه المشاكل التي تتعقد بمرور الزمن و يستفحل أمرها بمضي الأيام إلا نذيراً من هذه النذر ، فليسرع المنقذون بالأعمال .

ويقول د. محمد عمارة عن موقف الإمام البنا من الثورة: عرض الأستاذ البنا للموقف من " الثورة "

.. فتحدث عن أن الإسلام إنما جاء ثورة كبرى بكل ما تحمل هذه الكلمة من مضامين ، وفي كل ميادين الإصلاح والتغيير .. فهو الذي نقل وينقل الناس والمجتمعات من الجاهلية إلي الإيمان .. ومن الظلمات إلي النور .. وهو الذي يحيي موات النفوس والمجتمعات بما يحدثه فيها ولها من تغيير جذري وعميق وشامل في كل الميادين ..

وعن هذه الحقيقة قال الأستاذ البنا :

" إن الإسلام ثورة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني ، يزلزل الأوضاع الفاسدة ، ويحطم صروح البغي والعدوان الشامخة ، ويحدد معالم الحياة وأوضاعها ، ويقيمها علي أثبت الدعائم . إنه ثورة علي الجهل .. وثورة علي الظلم بكل معانيه : ظلم الحاكم للمحكوم ، وظلم الغني للفقير ، وظلم القوي للضعيف . وثورة علي الضعف بكل مظاهره ، ونواحيه : ضعف النفوس بالشح والإثم ، وضعف الرؤوس بالغباء والعقم ، وضعف الأبدان بالشهوات والسقم " .
  • لكن الأستاذ البنا ينبه علي أن الجماعة ليس في نيتها استخدام "العنف الثوري" الذي تخشاه الحكومات ؛ لأن منهج الجماعة هو الإصلاح بالإسلام ، وفق منهاج التدرج ، وعبر الإعداد المرحلي .. اللَّهم إلا إذا فرض الآخرون علي الجماعة هذا العنف الثوري ، باستخدامه ضدها ، وعندئذٍ تكون مكرهة علي رد العدوان بمثله !
وفي صياغة هذه "المعادلة الصعبة" ، ميز بين " إعداد القوة " – التي هي طريق الإصلاح والتغيير – وبين " الثورة " – التي هي " أعنف مظاهر القوة " – والتي لن يلجأ إليها الإخوان ابتداءً ، ولن يسلكوا سبيلها إلا إذا فُرض عليهم ، كما يُفْرَض القتال علي المؤمنين – وهم له كارهون - ! .

وفي تحديد هذا المسار – الدقيق ، والشائك – قال الأستاذ البنا :

" يتساءل كثيرٌ من الناس هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم ، والوصول إلي غايتهم ؟ وهل يفكر الإخوان المسلمون في إعداد ثورة عامة علي النظام السياسي ، أو النظام الاجتماعي في مصر ؟ .. أما القوة ، فشعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته !..
فالإخوان لابد أن يكونوا أقوياء ، ولابد أن يعملوا في قوة .. وأول درجة من درجات القوة : قوة العقيدة والإيمان ، ويلي ذلك : قوة الوحدة والارتباط ، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح . والثورة أعنف مظاهر القوة . إن الإخوان سيستخدمون القوة العملية ؛ حيث لا يجدي غيرها ، وحيث أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة .
أما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها .. وإن كانوا يصارحون .. بأن الحال إذا دامت علي هذا المنوال – فسيؤدي حتمًا إلي ثورة .. إني أري الوميض خلال الرماد ، ويوشك أن يكون له ضرام .أيها الإخوان : إن قيل لكم : أنتم دعاة ثورة ، فقولوا : نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به ، فإن ثرتم علينا ، ، ووقفتم في طريق دعوتنا ؛ فقد أذن الله أن ندفع عن أنفسنا ، وكنتم الثائرين الظالمين " ! (24)

كما شارك الإمام البنا والإخوان فى بعض المظاهر المتعلقة بالثورات أو الممهدة لها مثل الاشتراك في المظاهرات والمسيرات والإضرابات المدنية ومنها:

(1) المظاهرات الخاصة بقضية فلسطين ومن أمثلتها:

  1. المظاهرات العامة في كل أقاليم مصر من أجل فلسطين وبدارسة تاريخ هذه الفترة يتبين أنه كانت أول مظاهرات عامة في القطر كله منذ ثورة 1919 وقام بها الإخوان في يوم واحد بهتافات واحدة في ذكرى وعد بلفور.
  2. مظاهرات عام 1938 لثورة القسام في فلسطين.
  3. مظاهرة 2 نوفمبر 1945.
  4. مظاهرات 14/ 12/ 1947 لتأييد القضية الفلسطينية واشترك فيها مسيحيون ورجال دين أقباط.

(2) المظاهرات الخاصة بقضية التحرير من الاستعمار الإنجليزي: وقد نظم الإخوان وقادوا كثيرا من هذه المظاهرات ومن أمثلتها.

  1. مظاهرة 9 فبراير 1946 على إثر بيان من الإخوان وكانت تشكل مسيرة ضخمة قام بها طلاب الجامعة بقيادة مصطفى مؤمن زعيم طلاب الإخوان إلى قصر عابدين للمطالبة بالحقوق الوطنية وفي نفس اليوم قامت مظاهرات في المنصورة وأسوان وغيرهما.
  2. والمظاهرات الشعبية إعرابا عن مطالب البلاد في أكتوبر 1946 في القاهرة والأقاليم.
  3. مظاهرات أغسطس 1947 خرجت مظاهرة ضخمة من الجامع الأزهر وأمامها علم الإخوان تهتف بمطالب البلاد ويقودها البنا وانضم إليها عشرات الآلاف إلخ.. كما خرجت مظاهرات في طنطا وبور سعيد والإسكندرية.

(3) الإضرابات المدنية: نظم الإخوان واشتركوا في عدد كبير من الإضرابات المدنية التي دعوا إليها لأسباب سياسية متنوعة ومن أمثلة ذلك.

  1. إضراب يوم الجلاء 21 فبراير 1946 وقد دعا الإخوان إلى اعتبار يوم 3 مارس يوم حداد عام على شكل إضراب وقد استجابت طوائف الشعب وخاصة الطلاب والتجار والمحامين والصحفيين واحتجت الصحف وأقيمت صلاة الغائب في كثير من شعب الإخوان.
  2. الإضراب العام يوم 10 مايو 1946 للرد على الطغيان الإنجليزي والأمريكي في فلسطين وعلى البيان البريطاني وما فيه من تحفظات تضر بالقضية الوطنية وعلى استهانة تشرشل بالعرب...إلخ وكان شاملا اشترك فيه التجار والعمال إلخ..
  3. وفي 8 يونيو 1946 دعت اللجنة السياسية للإخوان إلى إضراب عام من أجل الحقوق الوطنية. إضراب يوم 21 فبراير 1947 وقد دعا إلى ذلك مكتب الإرشاد العام للإخوان ليكون يوما وطنيا للجلاء.
  4. إضراب يوم 26 /8/ 1947 استنكارا لمعاهدة 1936.

وتدل هذه الإضرابات واستجابة طوائف من الشعب لها على تأثير الإخوان في الأوسط الشعبة وعلى إتاحتهم الفرصة لهم للمشاركة والفعالية وهذه الإضرابات تربية للاتجاهات السياسية ضد المستعمر ولصالح قضية التحرر الوطني وتحرير فلسطين.

(4) المسيرات والمظاهرات الخاصة بالحريات السياسية ومن أمثلتها:

  1. المسيرة الاحتجاجية في الإسماعيلية على تزوير الانتخابات عام 1944. (25)

وغالبا ما ارتبط اسم الثورة بالعنف ولأن الإخوان كانوا ضد العنف وخاصة بعد تجربة "النظام الخاص" لذا غابت من أدبيات الجماعة استخدام الثورة ومفراداتها كثيراً إلا أن هذا لاينفى كما ذكرنا سابقاً أن الجماعة كانت لها ممارسات عديدة تصب فى التهيئة الشعبية للثورة وكان لهم دورهم الواضح فى ثورة 23 يوليو 1952 من حيث الإعداد والتهيئة والمساندة فى بداياتها حتى عام الصدام 1954.

المبحث الثالث: الثورة فى فكر سيد قطب

ارتبط اسم الشهيد سيد قطب باسم الثورة فتعدد لفظ الثورة والمناداة بها فى أدبياته العديدة ولاسيما بعض كتبه الأخيرة خاصة "معالم فى الطريق" وفى ظلال القرآن وغيرها والتى اعتبرها البعض المنطلق الفكرى للحركات الجهادية المنتهجة لفكر العنف

وبعيداً عن مناقشة هذا الفكر وتلك المرحلة إلا أن الشاهد فيها أن الشهيد سيد قطب والذى كان منظر للإخوان فى مرحلة ما ركز على فكر الثورة ووضع لها أسسها المتعلقة بالفكر الإسلامى ويقول الدكتور يوسف القرضاوي عن هذه المرحلة:

هذه مرحلة جديدة تطور إليها فكر سيد قطب، يمكن أن نسميها "مرحلة الثورة الإسلامية" ، الثورة على كل "الحكومات الإسلامية" ، أو التي تدعي أنها إسلامية، والثورة على كل "المجتمعات الإسلامية" أو التي تدعي أنها إسلامية..
هذه مرحلة جديدة تطور إليها فكر سيد قطب، يمكن أن نسميها "مرحلة الثورة الإسلامية"، الثورة على كل "الحكومات الإسلامية"، أو التي تدعي أنها إسلامية، والثورة على كل "المجتمعات الإسلامية" أو التي تدعي أنها إسلامية، فالحقيقة في نظر سيد قطب أن كل المجتمعات القائمة في الأرض أصبحت مجتمعات جاهلية.
تكون هذا الفكر الثوري الرافض لكل من حوله وما حوله، والذي ينضح بتكفير المجتمع، وتكفير الناس عامة؛ لأنهم "أسقطوا حاكمية الله تعالى" ورضوا بغيره حكما، واحتكموا إلى أنظمة بشرية، وقوانين وضعية، وقيم أرضية، واستوردوا الفلسفات والمناهج التربوية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية وغيرها من غير المصادر الإسلامية، ومن خارج مجتمعات الإسلام.. فبماذا يوصف هؤلاء إلا بالردة عن دين الإسلام؟!
بل الواقع عنده أنهم لم يدخلوا الإسلام قط حتى يحكم عليهم بالردة، إن دخول الإسلام إنما هو النطق بالشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وهم لم يفهموا معنى هذه الشهادة، لم يفهموا أن "لا إله إلا الله" منهج حياة للمسلم، تميزه عن غيره من أصحاب الجاهليات المختلفة، ممن يعتبرهم الناس أهل العلم والحضارة.

ويضيف القرضاوي فيقول:

تكون هذا الفكر الثوري الرافض، داخل السجن، وخصوصا بعد أن أعلنت مصر وزعيمها عبد الناصر، عن ضرورة التحول الاشتراكي، وحتمية الحل الاشتراكي، وصدر "الميثاق" الذي سماه بعضهم "قرآن الثورة" ! وبعد الاقتراب المصري السوفيتي، ومصالحة الشيوعيين، ووثوبهم على أجهزة الإعلام والثقافة والأدب والفكر، ومحاولتهم تغيير وجه مصر الإسلامي التاريخي. (26)

وارتكز فكر الأستاذ سيد قطب للدعوة إلى الثورة الإسلامية على عدة عناصر أهمها:

أولاً: الدعوة لثورة لتحرير الإنسان، فيقول: "إن الإسلام يدعو الناس لإنقاذ إنسانيتهم وتحرير رقابهم من العبودية للعبيد، ومن هوى الطواغيت وشهواتهم.. إنه يكلفهم أعباء المعركة مع الطاغوت، بكل ما فيها من تضحيات، إنه يدعوهم للكرامة والسلامة" (الظلال: 1321).

ويقول:

"إن هذا الدين إعلان عام لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية للعباد.. إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها: الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها؛ ذلك أن الحكم الذي مردُّ الأمر فيه إلى البشر هو تأليه للبشر؛ فيقومون مقام الأرباب، ويقوم الناس منهم مقام العبيد" (الظلال: 1433).

ثانياً: ثورة الجماهير ضد الطغاة

ويتكلم عن ثورة الجماهير ضد الطغاة، فيقول:

"الضعفاء هم الضعفاء، هم الذين تنازلوا عن أخص خصائص الإنسان الذي كرَّمه الله حين تنازلوا عن حريتهم الشخصية في التفكير والاعتقاد والاتجاه، وجعلوا أنفسهم تبعًا للمستكبرين والطغاة، دانوا لغير الله من عبيده واختاروها على الدينونة لله، والضعف ليس عذرًا بل هو الجريمة، والقوة المادية لا تملك أن تستعبد إنسانًا يريد الحرية ويستمسك بكرامته.. من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء يدينون لغير الله، والله هو خالقهم ورازقهم؟..
فهم ضعفاء.. لا لأنهم أقل قوة مادية من الطغاة.. إنما هم ضعفاء لأن الضعف في قلوبهم وفي نخوتهم وفي اعتزازهم بأخص خصائص الإنسان.. إن المستضعفين كثرة، والطواغيت قلة؛ فمن ذا الذي يخضع الكثرة للقلة؟ إنما يخضعها ضعف الروح وسقوط الهمة وقلة النخوة والتنازل عن الكرامة.. إن الطغاة لا يملكون أن يستذلوا الجماهير إلا برغبة هذه الجماهير، فهي دائمًا قادرة على الوقوف لو أرادت، فالإرادة هي التي تنقص هذه القطعان!.. إن الذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء! وهذه القابلية هي التي يعتمد عليها الطغاة!" (الظلال: 2096). (27)

وإجمالاً نستطيع أن نرسم موقف الإخوان من الحكومات المتتابعة في مصر وأسلوب التغيير فى عدة نقاط منها:

(أ‌) التزم الإخوان منذ نشأتهم على معاونة الحكومات المختلفة فى إطار المصلحة العامة ولم يسعى الإخوان للحكم بصورة مباشرة ويرد البنا في المؤتمر الخامس على سؤال: ما موقف الإخوان من الحكم فصرح: الإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم فإن وجدوا من الأمة من يستعيد لحمل هذا العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي وقرآني فهم جنود وأنصاره وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله.
(ب‌) والتتبع التاريخي لمواقف الإخوان من الحكومات المختلفة يكشف عن سعي الإخوان المتواصل لتحقيق هذا الهدف فقد تقدموا برسائل عديدة وبرامج في مذكرات للملك فاروق ورؤساء الحكومات في مصر ثم لوزارة محمد نجيب وعبد الناصر بعد 1952 من أجل نفس المطلب وقد عبر البنا عن ذلك بقوله: إن الإخوان لم يروا في حكومة من الحكومات التي عاصروها لا الحكومة القائمة ولا الحكومة السابقة ولا غيرها من الحكومات الحزبية من ينهض بهذا العبء أو من يبدي الاستعداد الصحيح لمناصرة الفكرة الإسلامية فلتعلم الأمة ذلك ولتطالب حكامها بحقوقها الإسلامية.
ويعلل البنا عدم استجابة تلك الحكومات لمطلبهم بأن الحكام فقدوا الإسلام في أنفسهم وبيوتهم وشئونهم الخاصة والعامة فهم لذلك أعجز من أن يفيضوه على غيرهم ليست هذه مهمتهم فقد أثبتت التجارب عجزهم المطلق عن أدائها.
وفي خطاب عام 1945 يقرر أن هذه الحكومات جعلت من نفسها أداة طيعة إن لم تكن مسرعة في يد الأجنبي يتحكم بها في رقاب الناس كما يشاء وينفذ بها مطالبه وخططه كما يريد سافرا أو مستترا هذان هما السببان اللذان أكد عليهما مفكروهم: فالحكومات عملية للاستعمار والاستعمار نفسه محارب لهذا المطلب ومن ثم فإقامة حكومة إسلامية يتطلب بالضرورة تحرير الوطن من كل احتلال وسلطات أجنبي سياسي أو اقتصادي أو فكري وروحي.
(ث‌) ولكن ما الأسلوب العملي الذي اتخذه الإخوان في موقفهم من الحكومات المصرية والحالة هذه هل اعتمدوا الثورة أو الإصلاح وقد ناقش البنا هذه القضية موضحا موقف الإخوان من الثورة واستعمال القوة وهو يجيب عن سؤالين: هل في عزم الإخوان أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم هل يفكرون في إعداد ثورة عامة على النظام السياسي أو النظام الاجتماعي في مصر.
وقد بين البنا فيما يتعلق بالشق الأول من القوة شعار الإسلام وأنها درجات قوة الإيمان وقوة الوحدة والارتباط وقوة الساعد والسلاح ولا توصف جماعة بالقوة حتى يتوفر فيها ذلك كله وأن القوة لا تستخدم في كل الأحوال بل لها شروط محددة فلا تستخدم حتى تستنفذ كل الوسائل الممكنة وبعد الموازنة بين منافع استخدام القوة ومضارها وحيث يثقون أنهم قد استكملو عدة الإيمان والوحدة وأنهم حين يستخدمونها سينذرون أولا ويقدمون محتملين كل نتائج موقفهم بارتياح.
وقد وضع الإخوان هذه الأفكار موضع التطبيق فأنشأوا النظام الخاص ودخلوا في معارك عسكرية ذروتها في معارك عسكرية بلغت ذروتها في معارك القناة عام 1951، 1952 ضد الإنجليز وبرغم قول البنا ن الثور أعنف مظاهر القوة إلا أنه قرر فيما يتعلق بالشق الثاني أن الإخوان لا يفكرون في الثورة ولا يعتمدون عليها ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها.إذن: ما أسلوب العمل لإقامة الحكومة الإسلامية في مصر كما رأى الإخوان ومارسوا.
(خ‌) بتحليل كتابات ومواقف الإخوان يتبين أن أسلوب التغيير وإقامة الحكومة الإسلامية ينقسم إلى محورين الأول: التربية أي تربية الشخصية الإسلامية وتكوينها سياسيا والمحور الثاني هو الإصلاح.
فأما المحور الأول (أي التربية) فقد قرر البنا وغيره أنه لابد من فترة تنشر فيها مبادئ الإخوان وتسود ويتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ويقرر مرة أخرى أن سبيل النهضة هو التربية ويطالب أعضاء الإخوان بأن يجدوا في تكوين النشء الجديد وأن يعلموه استقلال النفس والقلب واستقلال الفكر والعقل واستقلال الجهاد والعمل وأن يجندوه تحت راية محمد صلى الله عليه وسلم وفي رسالة أخرى يرى أن تربية الرأي العام هي الطريق بجانب تربية جيل جديد يحقق الأهداف السابقة فهذا الأسلوب يتجه إلى الجماهير ويثق فيهم وفي قدراتهم.
أما المحور الثاني فهو الإصلاح وذلك بطريقين الطريق الأول ما أسموه بالتوجيه ويعني عندهم وضع المناهج الصالحة في كل شئون المجتمع والتقدم بها إلى الجهات المختصة والوصول بها إلى الهيئات النيابية والتشريعية والتنفيذية لتخريج من دور التفكير النظري إلى دور التفكير العملي وهذا الأسلوب يتجه إلى الصفوة السياسية ويدل على إدراكهم لأهميتها في المجتمع المصري آنذاك.
أما الطريق الثاني للإصلاح فهو العمل السياسي المباشر ومن أمثلة ذلك: دخول الانتخابات والترشيح للهيئات النيابية ويقول البنا في بعض جوانب هذا الطريق: سنعمل بالحق فنذيع النشرات والبيانات ونوضح للناس ما خفي عنهم من حقوقهم ونكشف لهم ما استتر من ألا عيب المخادعين والمغررين بهم في الداخل والخارج وسنجمع كلمة الناس على هذا في مؤتمرات جامعة وسنبعث بإخواننا في كل مكان..إلخ.
وكلا الطريقين الإصلاحيين هما أيضا تربية سياسية للرأي العام فالعمل السياسي يتيح الفرص لنمو الوعي السياسي وللمشاركة السياسية ولاكتساب قدراتها وأما التوجيه فقد كانت كل رسائله ومذكراته تنشر في صحفهم وفي رسائل عامة لا يتيح وعيا سياسيا بالمطالب والحقوق أمام الرأي العام.
فلم يقبل الإخوان بأسلوب الثورة ضد النظام المصري بل كان أسلوبهم يتبلور في التربية المتكاملة والسياسية خاصة وفي العمل السياسي والتوجيه أي التغيير الديمقراطية الذي اتخذ طريقين: الأول يتجه إلى الجماهيري والثاني يتجه إلى الصفوة أي أنهم جمعوا بين أسلوب جمال الدين والنديم ومصطفى كامل وأسلوب محمد عبده مع تنظيم وشمول وتكامل. (28)

ويقول الأستاذ عمر التلمساني عن موقف الإخوان المسلمين من الانقلابات والمؤامرات والمظاهرات:

إذا كان المقصود بالحركة هو التظاهر، فما قرأنا في كتب السيرة أن الصحابة صاحوا يوما بحياة فلان أو سقوط فلان، وهذا أدب إسلامي نأخذ به أنفسنا مهما تقول المتقولون الذين ينسبون إلينا أننا محل رضاء الحكم القائم، والله يعلم، ثم إن كل منصف يعلم أننا ونظام الحكم في هذا البلد على طرفي نقيض في البرامج والمناهج.. إلا يوم أن يطبق شرع الله، وتقام في أرضه أحكامه، ونحن نقول هذا القول فة كل عدد من إعداد القوة .. لا نجامل .. ولا نحابى .. ولا نخشى ولا نخاف إلا الله.
أما إذا كان المقصود بالحركة حرق وسائل المواصلات ونهب المحلات وتخريب المؤسسات الحكومية فهذا ما لا نأتيه أبدا؛ لأن الله ينهى عن الفساد والإفساد، ثم لأن ما يخرب ليس مملوكا لرئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو غيرهما، ولكنه كلك الشعب بكل أفراده، ولن نكون يوما من الذين يخربون بيوتهم بأيديهم.
وأما إذا كان المقصود بالحركة التآمر وتدبير الانقلابات، فهذا لا يفعله إلا طلاب الحكم لذات الحكم، أما نحن فلا يعنينا شخص من يحكم، ولكن في المقام الأول يهمنا نوع الحكم ودستوره وشكله ونظامه، وبعد ذلك فليحكم من يحكم.وأما إذا كان المقصود من الحركة هو الاصطدام بالحكم عن طريق القوة والعنف فنحن نرى في ذلك استهلاكا لقوى الشعب واستنفادا لجهوده، لا يستفيد منه أحد إلا أعداء هذا البلد.

إننا نتحرك في سبيل دعوة الإسلام، وتحركنا في كلمات هي:

(1) إننا نربي الشعب، وخاصة الشباب على الأسس الإسلامية التي غرسها المسلمون وسادوا.
(2) ونقول الحق وندعو الناس جميعا الوقوف بجانبه، ومساندته في أحلك المواقف.
(3) ونحن نجمع الناس في المناسبات العامة لنقول لهم ما يجب أن يفعلوه وما يجب أن يتجنبوه.
(4) نحن نحذر الناس من العلمانية التي تلبس ثوب الإسلام لتباعد بين الإسلام وشباب الإسلام في ظل كلمات معسولة ومسمومة، مطعمة بألفاظ العقل والمنطق والعلم والتقدمية، وحرية الفكر.
(5) ثم نحن نعتمد على الله في تربية الشباب على الكتاب والسنة، ليتعلم منهاج السلف الصالح في غير شطط ولا تزمت.
(6) ونحن لا نتعجل الزمن ولا نستطيله؛ فإن قطفنا الثمار فنحن سعداء بهذا، وأن قطفها من بعدنا فنحن اشد سعادة؛ إذ سيكون لنا أجر من عمل بها من بعدنا دون أن ينتقص ذلك من أجورهم شيئا.ويوم أن يصبح الأمر على هذه الصورة مستقرا في ضمير الأمة كلها، فلن يكون الحكم إلا لله، لكن أكثر الناس يستعجلون لأنهم لا يعلمون. (29)