سقوط الأصنام .. الإخوان المسلمون وربيع الغضب العربي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سقوط الأصنام .. الإخوان المسلمون وربيع الغضب العربى


(مصر - تونس - ليبيا - اليمن - سوريا)

بقلم : س . ع

مركز الدراسات التاريخية

مقدمة

بدماء وروح الشاب التونسى "محمد بوعزيزى" انطلق قطار الثورات العربية، والتى كانت فى بداياتها غير مؤدلجة ولاتتبنى رؤية معينة ، ولكن سرعان ما ظهرت الحركات الإسلامية فى الصورة وعادت لبؤرة الضوء فى دول الربيع العربى الخمس "تونس - مصر- ليبيا - اليمن - سوريا"

وكان من الاتهامات التى وجهت للإخوان المسلمين أنهم - ركبوا هذه الثورات - على حد قول البعض وهذا مناف للتاريخ والواقع ، فإن كان ظهور دور الإخوان فى تلك الثورات جاء متأخراً فى بعضها - لإعتبارات سياسية - إلا أنه لا أحد يستطيع أن ينكر مدى تأثير الإخوان فى استمرار تلك الثورات وعبورها مأزق إسقاط رأس النظام فى العديد من تلك الدول.

ومن المؤكد أن الثورات الشعبية هى ثمار لعقود من التفاعل والحراك المجتمعى والشعبى وليست كالانقلابات العسكرية ثمار لتخطيط فئة معينة لفترة محدود، ولكنها تراكمات قد تمتد لعقود، وهذا هو الحال فى الثورات العربية فمسيرات الاصلاح والمطالبة به منذ عام 2000 وماقبلها بمصر تمهيد قوى لثورة 25 يناير، وكذلك الحراك المجتمعى والسياسى باليمن منذ عام 2005 وماقبلها تمهيد كذلك لثورة فبراير 2011 و قياساً على ذلك الثورات الأخرى.

نعم إن جماعة الإخوان تتبنى منهج التغيير المجتمعى السلمى وليس فكر التحرك الثورى ولكن لا يعنى هذا أنها رفضت تماماً التحركات الثورية ، بل هى -ومنذ نشأتها - قامت بالعديد من الفعاليات والمظاهرات المطالبة سواء بطرد الاحتلال الانجليزى أو الإصلاح السياسى فى مابعد ثورة 23 يوليو 1952، والجميع يتذكر مشاركات الإخوان القوية فى مظاهرات كوبرى عباس 1946 وحرب القناة وغيرها، وبالطبع دورهم الكبير فى الإعداد والمشاركة فى ثورة 23 يوليو 1952 والعديد من المواقف والمشاهد الأخرى.

يتناول هذا الكتاب رؤية الإخوان المسلمين للثورة وضوابطها وكذلك جانب من بعض الأعمال الثورية التى قامت بها الجماعة ، ودور الإخوان فى دول الربيع العربى الخمس فى إنجاح تلك الثورات، وأهم التحديات التى تواجه الإسلاميين فى مرحلة مابعد الثورة. القاهرة - مايو 2013

قبل البدء رائعة "أحمد مطر" هل لُغْزِي هذا مَفْهُومٌ؟!

عندي لغز يا ثوار

يحكي عن خمسة أشرار

الأول يبدو سباكاً

والثاني ساقٍ في بار

والثالث يعمل مجنوناً

في حوش من غير جدار

والرابع في الصورة بشرٌ

لكنْ في الواقع بشار

أما الخامس يا للخامس

شيء مختلف الأطوار

سباك؟ كلا..مجنونٌ؟

كلا..سَقَّاءٌ؟ بشار؟

لا أعرفُ، لكني أعرفُ

أنَّكَ تعرِفُهُ مَكَّار

جاء الخمسة من صحراءٍ

سكنوا بيتاً بالإيجار

جاءوا عطشى جوعى هلكى

كلٌّ منهم حافٍ عار

يكسوهم بؤسُ الفقراءِ

يعلوهم قَتَرٌ وغُبَار

رَبُّ البيتِ لطيفٌ جِدّاً

أسَكّنهم في أعلى الدار

واختار البَدْرُومَ الأسفل

والمنزلُ عَشْرَةُ أَدْوَار

هو يملك أَرْبَعَ بَقَرَاتٍ

ولديه ثلاثةُ آبار

أسرتُهُ: الأمُّ، مع الزوجةِ

وله أطفالٌ قُصّار

مرتاحٌ جداً، وكريمٌ

وعليه بهاء ووقار

مرّتْ عَشَرَاتُ السنواتِ

لم يطلبْ منهم دينار

طلبوا منه الماءَ الباردَ

واللحمَ مع الخبز الحارّْ

أعطاهم كَرَماً؛ فأرادوا الـ

آبارَ، وَحَلْبَ الأبقار

أعطاهم؛ فأرادوا الْمِنْخَلَ

والسِّكِّينةَ والعَصَّارْ

أعطاهم حتى لم يتركْ

إلا أوعيةَ الفخَّار

طلبوا الفخارَ، فأعطاهم

طلبوه أيضاً؛ فاحتار

خجِلَ المالكُ أنْ يُحرِجَهم

فاستأذنهم في مِشْوار

خرج المالكُ من منزله

ومضى يعمل عند الجار

ليوفر للضيفِ الساكنِ

والأسرةِ ثَمَنَ الإفطار

سَرَقَ الخمْسَةُ قُوتَ الأسرةِ

واتَّهَمُوا الطِّفْلَةَ (أبرار)

ثم رأَوْا أن تُنْفَى الأسرةُ

واتخذوا في الأمرِ قرارْ

طردوا الأسرة من منزلها

ثم أقاموا حفلةَ زَارْ

أكلوا شرِبوا سَكِرُوا رَقَصُوا

ضربوا الطَّبْلَةَ والمزمار

باعوا الماءَ وغازَ المنزلِ

وابتاعوا جُزُراً وبِحَار

وأقاموا مدناً وقُصُوراً

وحدائقَ فيها أنهار

وتنامَتْ ثرْوَتُهم حتى

صاروا تُجَّارَ التُّجَّار

حَزِنَ المالكُ مِنْ فِعْلَتِهِمْ

وَشَكَا لِلْجِيرَةِ ما صَار

قالوا :(أَنْتَ أَحَقُّ بِبَيْتَكَ

والأُسْرَةُ أَوْلَى بالدار)

فمضى نحو المنزل يسعى

واستدعى الخمسةَ وَأَشَارْ

خاطَبَهُمْ بِاللُّطْفِ : (كَفَاكُمْ

في المنزل فوضى ودمار

أحسنت إليكم فأسأتم)؛

فأجابوا: (أُسْكُتْ يا مهذار

لا تفتحْ موضوعَ المنزلِ

أوْ نَفْتَحَ في رأسِكَ غارْ)

فانتفضَ المالكُ إعصاراً

وانفجرُ البركانُ وثار

أمَّا الأَوَّلُ: فَهِمَ الْقِصَّة؛َ

فاستسلَمَ للريح وطار

والثاني: فكَّرَ أنْ يبقَى

وتحدَّى الثورةَ؛ فانْهَارْ

فاستقبَلَهُ السِّجْنُ بِشَوْقٍ

فِذٍّ هُوَ والإبِنْ البارّْ

والثالثُ: مجنونٌ طَبْعاً

قال بِزَهْوٍ واسْتِهْتَارْ:

(أنا خَالِقُكُمْ وسَأَتْبَعُكُمْ

زَنْقَهْ زنقه .. دارْ دارْ)

أَرْغَى أَزْبَدَ هَدَّدَ أَوْعَدَ

وَأَخِيراً: يُقْبَضُ كالفار

ولقدْ ظَهَرَتْ في مَقْتَلِهِ

آياتٌ لأولي الأبصار

والرابع والخامس أيضاً

دَوْرُ الشُّؤْمِ عَلَيْهِمْ دَارْ

لم يَعْتَبِرُوا، لَكِنْ صَارُوا

فيها كَجُحَا والمسمار

اُخْرُجْ يا هذا من داري!

(لنْ أخرجَ إلا بحوار)

إرْحَلْ هذي داري إِرْحَلْ!!

(لن أرحلَ إلا بالدَّار

إمَّا أنْ تَتْبَعَ مِسْماري

أوْ أنْ أُضْرِمَ فيها النار)

فاللغزُ إذنْ يا إخوتنا

عقلي في مُشْكِلِهِ حَارْ

هل نعطي الدارَ لمالكها؟!

أم نعطي رَبَّ المسمار؟!

هل لوْ قُتِلَ المالِكُ فيها

هُوَ في الجنةِ، أم في النار؟!

هل في قول المالك: (إرحَلْ

يا غاصبُ) عَيْبٌ أوْ عار!؟

هل لُغْزِي هذا مَفْهُومٌ؟!

مَنْ لم يفهمْ فهو: ..!!!

الفصل الأول: الثورة .. المفهوم والرؤية

أحدثت الثورات العربية ارتباك ليس فى المشهد السياسى فقط ولكن أيضاً فى المشهد البحثى والفكرى، فمئات الأطروحات الفكريّة والفلسفيّة والسياسيّة التي تحدّثت على امتدادِ عقودٍ عن: التّغيير،وأسباب التّقدم، ومعوّقات النّهضة، ومأزق التحوّل الدّيمقراطي، واشكالية البُنى الاجتماعيّة القابلة للاستبداد؛ قد أخفقت في التنبّؤ بحدوث مثل هذا السيناريو.

واذا كانت بعض الدّراسات الحديثة والمقالات التي علّقت على الثّورات العربية، قد تبنّت نظريّة لينين، القائلة إنّه لا يُمكن أن تنشأ ثورة في بلدٍ لم يكن يعيش "حالة ثوريّة " ؛ فهذا يُعيدنا إلى التساؤل الأوّل: لماذا لم يتحدّث الباحثون قبل اشتعال الثّورات عن هذه الحالة في العالم العربي،ولا اكتشف أيّ واحدٍ منهم وجودها؟

ووفقاً لأحد الباحثين فإنّ المُمارسة العمليّة غالبا ما تسبق التّنظير عند المجموعات السياسيّة؛ وفي الحالة الإسلامية بشكلٍ أخصّ . ففي الدّاخل الإسلامي مثلا، تنخرط الجماعات والأفراد في مُمارساتٍ هي غير مشروعةٍ نظريا؛ وبعد المُمارسة يأتي التّشريع والّنظير لتبرير هذه الأفعال. وفي التّاريخ السّياسي الإسلامي منذ عهوده الأولى؛ ثمّة مُمارسات واقعية كثيرة سبقت عملية البرهنة عليها والتّشريع لها.

وبعد التّطبيق العمليّ للفعل؛ تأتي عملية الإنتاج النظري التي تشرّع لهذا الفعل. وهو ما حصل في تفرّد بعضهم بالسُّلطة، اوستيلائهم على الحكم بالقوّة والغلبة؛ ذاك الفعل الذي نتج بعده كثير من التّنظير الشّرعي والسّياسي الذي يؤكّد مشروعيّة التغلُّب، كما نراه ماثلًا في كتب الأحكام السّلطانية.

وفي التاريخ الحديث، نجد عشرات التّجارب من هذا القبيل: فالجماعة الإسلامية في مصر، تبدأ بالعنف عمليا، ثمّ تشرّع لموقفها نظريا. وبعد عقدٍ من المواجهات؛ تُعلن إيقاف العنف، ثمّ بعد سنين من ذلك تُصدر مراجعاتها التي تؤكّد سلامة موقفها العملي (1)

المبحث الأول: مفهوم الثورة

لم‮ ‬يكن هناك تحديد علمي‮ ‬واضح لمفهوم‮ ‬الثورة،‮ ‬وكل ما‮ ‬يمكن قوله هو أن هناك محاولاتٍ‮ ‬يصعب أن ترقى إلى مستوى التعريف العلمي‮. ‬فالكلمة دارجةٌ‮ ‬في‮ ‬الاستخدام اليومي،‮ ‬وحتى في‮ ‬الكتابة التاريخية،‮ ‬أطلقت كتسمية على عدد كبير من الظواهر المختلفة في‮ ‬شدتها،‮ ‬والتي‮ ‬تمتد من اي‮ ‬تحرك مسلح ــ أو حتى‮ ‬غير مسلح ــ ضد نظام ما،‮ ‬إلى التحركات التي‮ ‬تطرح إسقاط النظام واستبداله،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يصعب عملية تدقيق المصطلح‮.‬ ‮ ‬وفي‮ ‬اللغة العربية استخدم التعبير لوصف تحركاتٍ‮ ‬شعبية من أنواع عدة مثل‮ "‬ثورة الزنج‮"‬،‮ ‬وثورة القرامطة،‮ ‬وقد استخدمها عرب القرن العشرين المتأثرين بثورات عصرهم لفهم الماضي‮ ‬بمفاهيم الحاضر،‮ ‬وفي‮ ‬محاولة للارتباط بتراث ثوري‮ ‬مفترض‮ ‬يكتب كأنه سيرورة نضال الطبقات المضطهدة،‮ ‬فكما‮ ‬يوجد ثورة الزنج والقرامطة‮ ‬يوجد ثورة عمر المختار،‮ ‬وثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي،‮ ‬وثورة الجزائر والثورة الفلسطينية،‮ ‬وثورة ‮ ‬23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر‮.‬

وقد استخدم لفظ ثورة أيضاً‮ ‬في‮ ‬وصف التمردات الشعبية الذي‮ ‬جاء بشكل متأخر متأثراً‮ ‬بالأيديولوجيات الثورية في‮ ‬القرن العشرين‮.‬ أما المؤرخون العرب القدماء فلم‮ ‬يستخدموا كلمة‮ "‬ثورة‮" ‬،‮ ‬بل استخدموا كلمات مثل‮ "‬خروج‮" ‬و"فتنة‮". ‬والفتنة في‮ ‬الواقع هي‮ ‬الصراع الأهلي‮ ‬الذي‮ ‬يمس بالعنف التوازن السياسي‮ ‬الاجتماعي‮ ‬القائم بين جماعات أهلية،‮ ‬وربما‮ ‬يرتبط ذلك مرجعيا بالمفهوم الإسلامي‮ ‬لوحدة الجماعة واستقرارها التي‮ ‬ارتبطت بدورها بتعزيز ديناميات التمصير،‮ ‬أي‮ ‬بناء المدن المستقرة وخططها مقابل نمط الاجتماع البدوي‮ ‬العرابي‮ ‬المنقسم والمضطرب

‬ولهذا فإن مفهوم المؤرخين العرب لما‮ ‬يصفه المؤرخون المعاصرون بـ‮ "‬الثورة‮" ‬خاضع للسياق الذي‮ ‬حكم إنتاجه،‮ ‬وهو اعتبار الخروج على الجماعة تقويضاً‮ ‬للعمران،‮ ‬والخروج على الجماعة أو الامة هو الأصل في‮ ‬ذم الخوارج،‮ ‬أما الخروج على السلطان الغاشم فقد اختلف بشأنه،‮ ‬فالبعض اعتبره خروجا على الجماعة ،‮ ‬والبعض الآخر اعتبره أمرا مشروعا،‮ ‬بل واجب في‮ ‬بعض الحالات‮.‬

أولاً‮ ‬– المفهوم اللغوي‮ ‬لمصطلح الثورة‮:‬

تعددت الرؤى تجاه مفهوم الثورة تبعاً للمتغيرات العديدة التى لحقت هذا المصطلح وإن أجمعت هذه التعريفات فى مجملها حول مفهوم التغيير.

يقول‮ "‬لسان العرب‮" ‬فى مادة ثار‮:

‬ثار الشىء هاج،‮ ‬ثورة الغضب حدته،‮ ‬والثائر الغضبان،‮ ‬ويقال للغضبان أهيجَ‮ ‬ما‮ ‬يكون‮: ‬وقد ثار ثائره وفار فائره إذا‮ ‬غضب وهاج‮ ‬غضبه،‮ ‬وثار إليه وثب‮. ‬ويربط اللسان العربى لفظ‮ "‬الثورة‮" ‬بذلك لغويا أو إيحاءً‮ ‬لغويا بمعانى عدم الإنضباط والغضب‮.‬

ويقول أرسطو في‮ ‬كتابه‮ " السياسيات‮" ‬إن أنماط الحكم كلها معرضة للثورة،‮ ‬بما فيها نمطا الحكم الأساسيان وهما الأوليجاركية والديمقراطية،‮ ‬وكذلك ما‮ ‬يسميه نظام الحكم المتوازن،‮ ‬أو الدستوري،‮ ‬أو الأرستقراطي،‮ ‬والمصطلحات الثلاثة تكاد تكون عنده مترادفات،‮ ‬ورأى أرسطو أن في‮ ‬الأوليجاركية والديمقراطية عناصر من العدالة،‮ ‬ولكن كلاً‮ ‬منهما‮ ‬يصبح معرّضاً‮ ‬لخطر الثورة عندما لا‮ ‬يتلاءم نصيب الحكام أو الشعب من الحكم مع تصورهم المسبق عنه‮.

‬ولا بد من ان نضيف إلى استخدام أرسطو مفهوم التصور‮ " ‬المسبق‮"‬،‮ ‬ويقسِّم أرسطو الثورات إلى نوعين‮: ‬نوع‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى تغيير الدستور القائم،‮ ‬فينتقل من نظام حكمٍ‮ ‬إلى نظام آخر،‮ ‬ونوع‮ ‬يغيِّر الحكام في‮ ‬إطار بنية النظام القائم. (‮2)

وفي‮ ‬إطار التطرق إلى موسوعة علم الاجتماع‮ ‬نجد أنها تشير إلى مصطلح الثورة على أنه‮

"‬التغييرات الجذرية في‮ ‬البنى المؤسسية للمجتمع،‮ ‬والتي‮ ‬تعمل على تبديل المجتمع ظاهرياً‮ ‬وجوهرياً‮ ‬من نمط سائد إلى نمط جديد‮ ‬يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية وأهداف الثورة،‮ ‬وقد تكون الثورة عنيفة دموية،‮ ‬وقد تكون سلمية،‮ ‬وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية‮".‬

ويعرف‮ "‬كرين برنتون ‮"‬Crane Brinton الثورة في‮ ‬كتابه‮ "‬تشريح الثورة‮" ‬بأنها عملية حركية دينامية تتميز بالانتقال من بنيان اجتماعي‮ ‬إلى آخر،‮ ‬وأنها تغيير عنيف في‮ ‬الحكومة القائمة بشكل‮ ‬يتجاوز الحد القانوني‮.‬

ويقول برنتون:

على الرغم من أننا نستخدم الاسم "ثورة" وربما نستعمل على نحو أكثر مفردة "ثورى" الصفة المشتقة من الاسم بمعنى مجموعة من التغيرات فإننا نحتفظ فى زوايا ذهننا بمعنى أكثر تحديداً هو نوع من الجوهر المركزى الصلب غير المتآكل إلى طبقات للمعنى هى أكثر غموضاً، إننا نفكر فى التحولات الكبرى فى المجتمعات السياسية المستقرة سابقاً فى الماضى

الثورة الإنجليزية فى عقد الأربعينيات من القرن التاسع عشر وتكملتها فى عام 1688 والثورة الأمريكية والثورة الفرنسية وتكملاتها فى القرن التاسع عشر وثورة 1917 الروسية وتكملاتها فى القرن العشرين، أو أننا نفكر فى الثورات القومية من مثل ثورات القرن العشرين فى أيرلندا والجزائر، وقد نفكر كذلك فى العنف والإرهاب وحملات التطهير وعمليات الإعدام بالمقصلة.

غير أن تركيزنا هو على الإستبدال العنيف والمفاجئ لمجموعة ما مسؤولة عن إدارة كيان سياسى إقليمى بمجموعة أخرى لم تكن حتى ذلك الحين تدير تلك الحكومة. وثمة معنى آخر: الاستبدال الثورى لمجموعة بمجموعة أخرى فى انتفاضة عنيفة أو انقلاب أو عصيان مسلح أو نوع آخر من الخيانة. (3)

وقد أشار ل‮. ‬ب إدوارد ‬L.p Edward ‮ ‬للثورة بأنها تغيير وإحلال‮ ‬نظام جديد محل نظام آخر كان مشروعا،‮ ‬ولا‮ ‬يحدث هذا التغيير بالضرورة عن طريق القوة والعنف‮.‬

ولجوستاف لوبان رأى آخر فيما يتعلق بمفهوم الثورة فيقول:

يعبرون عادة عن الانقلابات السياسية بالثورة مع أنه يقتضى أن تعرب هذه الكلمة عن جميع التحولات الفجائية للمعتقدات والأفكار والمذاهب،والثورة مهما يكن مصدرها لاتصبح ذات نتائج إلا بعد هبوطها إلى روح الجماعة ، فالجماعة تتم الثورة ولاتكون مصدرها وهى لاتقدر على شئ ولاتريد شيئا إن لم يكن لها رئييس يقودها، وإن الثورات السياسية الفجائية التى تعجب المؤرخين هى أقل أهمية من غيرها فى بعض الأحيان فالثورات الكبيرة هى ثورات الطبائع والأفكار.

وفى الغالب تتم الثورات الحقيقية التى يتوقف عليها مصير الأمم بالتدريج وهذا مايجعل المؤرخين يلقون مصاعب فى تعيين بدايتها ولذلك نرى كلمة التطور أصح فى التعبير عن المقصود من كلمة الثورة (4).

كما طرح تروتسكى مفهوم الثورة الدائمة والتى أسس بها الثورة الروسية فيقول:

إن الثورة الدائمة عند ماركس هى ثورة لاتساوم مع أى شكل من أشكال الحكم الطبقى ولاتقف عند المرحلة الديمقراطية بل تتجاوزها إلى الإجراءات الاشتراكية وإلى الحرب ضد الرجعية فى الخارج، أى أنها ثورة تكون لكل مرحلة لاحقة منها جذورها فى المرحلة التى سبقتها فلا تنتهى إلا بعد تصفية المجتمع الطبقى تصفية تامة (5).

وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬أشار‮ "‬هيجل‮" ‬في‮ ‬كتابه‮ "العقل والثورة‮" ‬في‮ ‬تعريفه لها على أنها الثورة على الأوضاع القائمة،‮ ‬وأنها حركة تتسم برفض وإنكار ما هو قائم فعلاً،‮ ‬وأنها إعادة لتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس عقلاني. (‮6)

فالثورة إجمالاً:

حالة انفجار عام تحدث فى الدولة لإسقاط السلطة الحاكمة فى الدولة نتيجة للضغط الشديد الذى يقع على الشعب نتيجة الظلم وغياب العدالة ، والاستعباد والإهانة وكبت الحريات وسوء الأوضاع الاقتصادية وانعدام الأمل فى الإصلاح.والثورة تتطلب مشاركة عامة من جميع طبقات المجتمع فى أنحاء الدولة وتكون متفقة على المطالب الرئيسة التى قامت من أجلها فى مقدمتها إسقاط الحكم القائم ، مهما طال الوقت ومهما ضعفت فى أوقات القمع ـ حتى يتحقق هدفها الرئيسى فى إزالة رأس نظام الحكم القائم ثم تسعى لتحقيق أهدافها جميعا.

الفرق بين الثورة والمظاهرات والانقلاب

يوجد فرق بين الثورة والمظاهرات ؛ فالمظاهرات تقوم بها فئة معينة فى أماكن محدودة من أجل مطالب خاصة أو التعبير عن رأيها إزاء موقف معين ، بهدف الضغظ على السلطة الحاكمة للاستجابة لمطالبها ، فإذا ما حدث استجابة من السلطة للمطالب أو بعضها أو حدث توافق بشأنها ، فإنها سرعان ما تنهى المظاهرات لزوال السبب الذى قامت من أجله ، وذلك خلافا للثورة كما سبق.

أما الانقلاب؛ فهوعمل مفاجىء وعنيف تقوم به فئة أو مجموعة من الفئات من داخل دولة تنتمى فى معظم الأحيان إلى الجيش ضد السلطة الشرعية فتقلبها وتستولى على الحكم ، وذلك وفق خطة موضوعة مسبقا ، ويتخذ الانقلاب عدة أشكال ففى بعض الحالات يتدخل الجيش ليفرض الحكومة التى يريد دون أن يشترك مباشرة فى الحكم . وفى حالات أخرى وهى الأكثر رواجا يتدخل الجيش بقوة ويتسلم الحكم متذرعا (بعجز المدنيين) و(سوء استغلال اللعبة الديمقراطية) . ..

وتشير تجارب الانقلابات العسكرية فى العالم إلى أن العالم الثالث هو أرض خصبة لمثل هذه الطرق فى استلام السلطة ... وفى معظم الأحيان يوجد التغيير الحادث عن الانقلاب مجرد تغيير فى الطبقة الحاكمة دون أى مساس بجوهر النظام السياسى والاجتماعى والاقتصادى ويكون التنافس فى السلطة المحرك الوحيد له إلا أن هذا لا يعنى دائما وفى كل الأحوال أن الانقلاب لا يحدث تغييرات فى تركيب المجتمع والسلطة مع أن النتائج السلبية لهذه التغيرات تكاد تكون أعمق وأبعد مدى من نتائجها الايجابية ... وعلى هذا الأساس يجب التفريق بينه وبين الثورة .(7)

أما الثورة المسلحة ؛فهى تقوم بها مجموعة مسلحة من الجيش ضد السلطة القائمة بهدف إسقاطها ،ويحمل الانقلاب مطالب الشعب ويهدف إلى الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى ويؤيده الشعب بقطاعاته المختلفة فى أنحاء البلاد ، ولذا فإنه لا يعتبر انقلابا كانوع السابق ، بل ثورة ، نظرا لأن أى حاكم يستمد شرعيته من الشعب، فإذا أيد الشعب من الانقلاب ووقف معه ، فقد أسقط شرعية الحاكم المستبد ومنح قادة الانقلاب الشرعية فى التغيير، وإن لم يؤيد الشعب تلك المجموعة المسلحة حتى وإن نجحت فى إسقاط الحاكم، فإنها لا تعتبر ثورة ، بل انقلابا .

والثورة الشعبية ؛ هى التى يقوم بها الشعب تحت ضغط الظروف السيئة التى يعانى منها فى مختلف نواحى الحياة، وفى مقدمتها الاستبداد وانعدام الحريات وسوء الأحوال الاقتصادية ، والخسائر التى تقدمها الثورة الشعبية من أجل نجاحها كبيرة ، كما أنها تحقق أهدافها ببطء .

وبناء على ما سبق فإن الثورة التى يقوم بها الشعب جميعا لإسقاط السلطة الحاكمة ،أو يلتف حول أى مجموعة مسلحة تسعى لإسقاطه ، فإن لم يؤيد الشعب أى عمل يسعى لإسقاط الحكم ؛فذلك فقد شرعيته ، فالشعب هو الذى يعطى الشرعية لمن يريد بتأييده له ، ومن لايؤيده الشعب فاقد للشرعية. (8)

المبحث الثانى: الإسلام والفكر الثورى

قبل الخوض فى رؤية الإخوان المسلمين لمصطلح الثورة ودورها فى الثورات العربية، فمن الأهمية بمكان أن نطرح رؤية الإسلام للثورة وشرعيتها وخاصة أن جماعة الإخوان وهى جماعة إسلامية تستند لأسس ومنطلقات شرعية فى جميع مواقفها.

ونحن هنا لسنا بتأطير جديد لمفهوم "الإسلام والثورة" فقد تناول الدكتور محمد عمارة فى كتابه الرائع "الإسلام والثورة" تأسيس تلك النظرية فى الفكر الإسلامى ولكننا سنتناول تلك العلاقة كتأصيل لرؤية الإخوان المسلمون للثورة.

فالإسلام يمثل منطلق ثورى فكرى فقد جاء الإسلام كثورة حضارية لمواجهة الجاهلية وأخلاقها الفاسدة، فجاء القرآن و الرسول صلى الله عليه وسلم لطرح وتطبيق عدد من الأفكار التغيرية التى تُعد أفكار ثورية تغيرية بنائية.

وعندما توقفت تلك الثورة الحضارية بنهاية عهد الخلفاء الراشدين وانتهت بسقوط الخلافة العثمانية، عندها نشأت الحركات الإسلامية وخاصة جماعة الإخوان المسلمون عام 1928 وتبنت الجماعة فكر الثورة الحضارية والتى تدعو إلى التغيير المجتمعى سواء من حيث الأفكار أو الممارسات، وكان من أهداف الجماعة التى تبنتها وسعت إليها هو إحداث تغيير لإعادة بناء الدولة وفق رؤية ومنهجية إسلامية.

معنى كلمة ثورة و أصولها في اللغة و الدين:

يقول د. محمد عمارة :

إن مرادنا بالثورة هى أنها، العلم الذى يوضع فى الممارسة والتطبيق من أجل تغيير المجتمع تغييراً جذرياً وشاملاً والانتقال به من مرحلة تطورية معينة إلى أخرى أكثر تقدماً، الأمر الذى يتيح للقوى الاجتماعية المتقدمة فى هذا المجتمع أن تأخذ بيدها مقاليد الأمور، فتصنع الحياة الأكثر ملاءمة وتمكيناً لسعادة الإنسان نحو مثله العليا التى ستظل دائماً وأبداً زاخرة بالجديد الذى يغرى بالتقدم ويستعصى على النفاد والتحقيق،فالعرب و المسلمون الأوائل استخدموا الكلمة بعدة معان منها: الهياج, و الإنقلاب و التغييرو الوثوب و الانتشار و الغضب.

ففي لسان العرب لابن منظور نطالع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "أثيروا القرآن فإن فيه خبر الأولين و الآخرين" وحديث "من أراد العلم فليثور القرآن" و تثويره قراءته و التدبر في معانيه وتفسيره. و نقرأ في القرآن " أَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا" (الروم 9) أي قلبوا وجهها… و أيضا بمعنى الانتصار للمظلوم في الآية: "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ" (الشورى 39)، وهي أيضا الحركة من بعد السكون… "اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً" (فاطر 9) أي تهيجه كي ينتشر و نذكر بقرة بني إسرائيل التي كانت "بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ" (البقرة 71).

كما استخدم العرب مصطلح "الملحمة" للدلالة على بعض معاني مصطلح الثورة فدل عندهم على التلاحم في الصراع والقتال حتى جعلوا من أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم "نبي الملحمة" حيث مارس التغيير بالوسيلتين معا: القتال و الإصلاح العميق.

وغير ذلك أيضا لفظ الفتنة و استخدموا مصطلح "الخروج" وغلب على الأدب السياسي لكثير من فرق المسلمين ومدارسهم الفكرية حتى اشتق منه اسم "الخوارج" لثورتهم المستمرة كما استخدموا ايضا مصطلح "النهضة" لأن "النهوض" كالثورة يعني الوثوب و الإنقضاض وفي الحديث الذي يرويه ابي أبي أوفى نقرأ "كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس" رواه أحمد بن حنبل.

وعدة أحاديث أخرى تستخدم مستطلح النهضة و المناهضة بمعنى البروز و الوثوب و الصراع مع الأعداء لإحداث التغيير و الاقتحام للمستقبل و امتلاك الجديد و إحراز الفتح المبين! وقد ظل مصطلح النهضة بمعنى الثورة كذلك حتى أننا نطالعه في كتابات الأفغاني و سعد زغلول. (9)

و يضيف د. عماره: الخلاصة أن الثورة في تعريفها الأعم و مرادنا هي:

"العلم الذي يوضع في الممارسة والتطبيق من أجل تغيير المجتمع تغييرا جذريا وشاملا والانتقال به من مرحلة تطورية معينة إلى أخرى أكثر تقدما الأمر الذي يتيح للقوى الاجتماعية المتقدمة في هذا المجتمع أن تأخذ بيدها مقاليد الأمور فتصنع الحياة الأكثر ملاءمة و تمكيناً لسعادة الإنسان ورفاهيته محققة بذلك خطوة على درب التقدم الإنساني نحو مثله العليا التي ستظل دائما وأبدا زاخرة بالجديد الذي يغير التقدم و يستعصي على النفاد و التحقيق" (10)

المبحث الثالث: من يصنع الثورات؟!!

قبل الخوض فى منهجية وممارسة الإخوان لفكر الثورة يجب أن نجيب على السؤال المنطقى وهو من يصنع الثورات؟!! هل الثورة حالة فورة مفاجئه، أم فورة نتيجة تراكمات اجتماعية وسياسية واقتصادية عديدة؟

وبالطبع سيظل السؤال حول من أشعل فتيل الثورات العربية المطالبة بالديمقراطية والحريات عصيا علي الإجابة، خاصة إذا ما كان المقصود هنا هو تحديد هوية الطرف القابع خلف ديناميات الثورة ومحركها. فثمة عوامل كثيرة متقاطعة ومتداخلة ما بين مظالم سياسية واقتصادية واجتماعية، إلي ثورة تكنولوجية ولوجيستية عبأت ونظمت وسهلت انتشار الحالة الثورية وهيمنة المزاج الثوري علي الشعوب العربية وانتقاله من دولة لأخري. ولعل عدم معرفة هوية الطرف المحرك لهذه الحالة الثورية، والتي تختلف من بلد لآخر، هو سبب نجاحها وديمومتها.

فمن المؤكد أن الثورة هى نتاج لعمليات تراكمية من الظلم والاحتقان الاجتماعى فعند إستشراء الظلم - أي كان - سياسي ، إجتماعي ، ثقافي ، ديني ، عرقي ، ، تتحرك الأفكار والرؤى لجماعات الضغط السياسى لتمارس أنشطتها على أرض الواقع لبناء حركة تغيرية، وبالطبع هذه الحركة تأخذ الكثير من الوقت والجهد وخاصة فى المجتمعات القمعية، فالثورة هى ثمار وتراكمات عقود من الزمان وليست نتيجة لحظية لموقف معين .

يقول د. عزمى بشاره فى رائعته " فى الثورة والقابلية للثورة": فى مقالته "انهيار الأممية الثانية يقول لينين: إن الثورة غير ممكنة دون حالة ثورية، ولكن ليس أى حالة ثورية تؤدى إلى ثورة."

ثم يحدد أهم عناصر الحالة الثورية من وجهة نظره بشكل شديد العمومية:

  1. إنها تحل حينما يستحيل على الأنظمة الحاكمة الحكم من دون تغيير، وعندما تنشأ أزمة تؤدى إلى صراعات داخل الطبقات العليا، وتظهر الصراعات والانشقاقات للعيان، ولايكفى لنشوء مثل هذه الحالة ألا ترغب الطبقات الدنيا " أى المحكومة" فى العيش بالطريقة القديمة، التعريف اللينينى هذا هو تعريف دائرى إلى حد بعيد ، وهذا يعنى أنه يشمل مغالطات لأنه كى يستحيل على الطبقات العليا أن تعيش بـ"الطريقة القديمة" يجب على الطبقات الدنيا أن تعبر عن عدم رغبتها فى العيش بالطريقة القديمة، ومن الواضح أن مايعنيه لينين بالطبقات هو فى الواقع مجمل الطبقات الاقتصادية، بما فيها ذلك الجزء غير الحاكم مباشرة أو سياسياً، كما أن الحالات التى تصعب الحكم بالطريقة القديمة هى الحرب والأزمة افقتصادية وغيرها من الهزات الكبرى التى خبرها لينين عشية الثورة الروسية.
  2. عندما تزداد معاناة الطبقات المضطهدة حدة بشكل استثنائى، وهذا الاعتبار كان قائماً فعلاً فى روسيا بعد الحرب العالمية الأولي، ومن هنا أدخله لينين فى تعريفه للحالة الثورة وهو حصل غالبا فى الحروب أو بعدها وفى حالات الجفاف والمجاعات أو فى حالات الأزمة الاقتصادة الحادة، وحتى بعد الكوارث الطبيعية.وبالنسبة إلى المكون الثانى فى تعريف الحالة الثورية، تثبت تجربة الثورات العربية أن قضية المعاناة سياسياً أيضاً وبتعبير أكثر دقة أنها ترتبط بوعى حقيقى أن المعاناة هى نتاج ظلم وليس حالة طبيعية أو مجرد معطى اجتماعى، ولذلك قد تبقى الحالة الاجتماعية الاقتصادية كما هى،بل قد تصبح أفضل فى مرحلة ما، ولكن إذا تزامن تحسنها مع إزدياد الوعى بها كمعاناة ناجمة عن ظلم أو عن فقدان العدالة والإنصاف، فعندها ترتفع المعاناة من دون أن يطرأ بالضرورة تدهور ملحوظ على حالة الناس.
  3. عندما يزداد نشاط الطبقات المضطهدة وتململها نتيجة للأزمة وممارسات الطبقات المضطهدة وهذه نقطة تتعامل مع العامل الذاتى المتعلق بالنشاط والوعى.

ولا شك فى أن المكون الأول للحالة الثورية يكفى لنشوء الحاجة إلى الإصلاح، أما الحالة الثورية التى تؤدى إلى الثورة فتحتاج إلى تضافر عاملين من العوامل الثلاثة على الأقل، ولابد من هنا أن نؤكد أن المعاناة ورؤية إمكانية وضرورة التغيير أو مانسميه بـ"القابلية للثورة" مسالة متعلقة بالوعى، فالحاجة عند هيجل تنشأ كحالة من وعى النقص بشئ و"القابلية للثورة" فى تعريفنا هو الوعى بأن وضع المعاناة هو حالة من الظلم، أى الوعى بأن المعاناة ليست مبررة ولاهى حالة طبيعية معطاة، ووعى إمكانية الفعل ضده فى الوقت نفسه. (11)

ويضيف د. عزمى بشاره:

أما فى حالة الثورات العربية الراهنة فيمكن القول إن إنشقاقاً قد وقع جراء تداعيات الثورة بشكل واضح داخل الطبقة الحاكمة فى مصر، بالمفهوم الواسع لهذه الطبقة على مسألة توريث الحكم فى الجمهورية وعلى خيارات البلد الخارجية ولاشك فى أن انخراط الفئات الحزبية والسياسية فى مجال الأعمال، أدى إلى صراعات داخل الطبقة الاقتصادية الحاكمة على الاحتكار، وتفضيل فئات على أحرى لقربها من الأسرة الحاكمة
واتخذ الجيش موقفاً سلبياً واضحاً من فكرة التوريث ومن النفوذ المتزايد لرجال الأعمال، ومنذ ماقبل الثورة كان رهان معارضى توريث منصب رئاسة الجمهورية لابن الرئيس أن الجيش لن يقبل به، وقد أدى ذلك إلى أن تعبر هذه الفئات عن نفسها بأشكال مختلفة فى الهامش المتاح لحرية الصحافة فى دول مثل مصر وتونس والمغرب وغيرها ولكن التعبير الأكثر جسامة ومصيرية تجلى فى عصيان قادة الجيش أوامر القيادة السياسية فى اللحظة الحرجة ورفضها إطلاق النار على المتظاهرين ثم انحيازها إلى الثورة. (12)

ويحدد الباحث خليل العنانى عدد من الدوافع ومحركات الثورات العربية أهمها:

أولا: لا توجد بؤرة سياسية معينة للثورة، سواء تخطيطا كان أو تنفيذا، نقصد أن الثورة لم تكن من صنع حركة سياسية بعينها أو تيار أيديولوجي محدد، وإنما كانت نتيجة لفعل جماعي (التقاء الكتل الجماعية السابق الإشارة إليها) في لحظة زمنية معينة أشعلت اللحظة الثورية فانتفض المجتمع خلفها والتف حولها، وذلك من أجل تحقيق هدف محدد.
ثانيا: كانت القوي الحية الجديدة هي المحرك الرئيسي في الثورتين التونسية والمصرية، وهي قوي متجاوزة للأطر الأيديولوجية والسياسية وبنيتها التنظيمية التقليدية. لذا، فقد كانت إسهامات القوي الحزبية والدينية في هذه الثورات إما شبه منعدمة، كما كانت الحال في تونس، أو غير مهيمنة، كما كانت في الحال المصرية. ولعل ذلك أحد أسباب نجاح الثورتين، وهو ما ازداد وضوحا في الحالة الليبية التي لم تعرف أية تنظيمات سياسية أو أيديولوجية مستقرة.
ومن المدهش أن المجتمع الليبي (وهو المعروف بانقساماته العمودية علي أساس قبلي) هو الذي يدير الثورة وينقلها من منطقة لأخري. وعليه، فإن الخطاب السياسي لهذه القوي الجديدة لم يكن فقط متجاوزا في مفرداته ومعادلاته ومطالبه لخطاب قوي المعارضة التقليدية، وإنما أيضا كان بمثابة خطاب جامع يتحدث باسم الجميع في حالة غير معتادة من التوحد العفوي بين مكونات الأمة.
ثالثا: كان المجتمع (في حالته الجديدة بعد الانتقال من السكون إلي الحركة) بمثابة الراعي الرئيسي للثورات والمغذي لها، سواء بإدامة الحالة المعنوية المرتفعة لدي الثوار من خلال التوحد والتوافق حول مطالب الثورة، أو من خلال توفير الدعم المادي والبشري لها. ومن هنا، تأتي الشرعية الثورية التي من المفترض أن تصبح فيما بعد إرثا مشتركا للجميع.
رابعا: تبدو إسهامات القوي الحزبية والدينية التقليدية في هذه الثورات، وإن جاءت متأخرة، فإنها أيضا اضطرت للالتزام بالسقف السياسي والمطلبي للقوي الحية التي أشعلت الثورة. صحيح أن ثمة قدرا من الذكاء قد بدا علي خطاب وسلوك الإسلاميين من أجل تفويت الفرصة علي المتربصين بالثورات العربية داخليا وخارجيا، إلا أن ترددهم في اللحاق بالثورات في بداياتها أضعف من موقفهم السياسي والمجتمعي لاحقا. (13)

ومن المؤكد إنّ نشوء "الحالة الثورية" في المجتمعات؛ لا يرتبط بتعاظم وجود النقص فحسب (الفقر، - البطالة، تزايد الفساد، تفشّي الظلم والاستبداد)؛ بل ينبغي وجود ما أطلق عليه هيغل "الوعي بالنقص". وهى حالة من الإدراك الواعي للحقوق المسلوبة، والإيمان بقِيم المواطنة، والنّضال السّلمي. وينتج عن هذا الوعي؛ السّعي إلى تحقيق هذه القيم، ومواجهة استبداد السُّلطة.

وهذا ما يفسّر أنّ النّضال الحقوقي والحركات الاحتجاجيّة ومن ثمّ الثّورات ؛ قد قادتها مجموعات تنتمي غالبيتها من حيث مستوى الدّخل والتّعليم إلى الطبقة الوسطى. إذ لم تكن دوافعهم الاحتجاجية مرتبطة بشكلٍ رئيسى بالضّغوط المعيشيّة؛ بل كان لتردّي الوضع الحقوقي وتقلّص مساحة الحُريّات، الحضورُ الأكبر في دوافع هذا الحراك، وإنّ "الفعل الثوري" ، يأتي نتيجة طبيعيّة لانسداد شرايين الإصلاح السّياسي. ولكنّ الثّورة بحكم أنّها تغيير جذري لا تكفي لبناء دولةٍ ديمقراطيةٍ ، دون وجود الحدّ الأدنى من الفكر المدني في المجتمع؛ دون تمدّن الشريحة الكبرى في الحالة الإسلامية (14)

وأخيراً وبحسب رأيي، إنّ التحركات السلمية والثّورات في العالم العربي؛ قد رفعت من قيمة لوبيات الضّغط والمجموعات التياريّة غير المؤدلجة، وذلك على حِساب الّشكيلات السّياسية التّقليدية، كالجماعات والأحزاب كما هي الحال بالنسبة إلى دور المجموعات الشّبابية الريادي في مصر،وتونس، واليمن، والمغرب، والكويت، والأردن كما أنّها أعطت قيمة سياسية رفيعة لمواقع التّواصل الاجتماعي (فيس بوك، وتويتر) غير أنّ هذه المجموعات التيّاريّة، قد بقيت قادرةً على تهييج المشاعر، وعلى الاضطلاع بفعل احتجاجي - ثوري؛ ولكنها لم تكن قادرةً على إدارة مسار ثورة. هذا فضلًا عن عدم قدرتها على إدارة "مجتمع ما بعد الثورة"؛ وذلك بسبب افتقراها لعاملين مُهمّين، هما: الناظم الأيديولوجي والكُتلة التّنظيميّة.

وإجمالاً هناك العديد من العناصر المتراكبة والمتراكمة التى تؤدى إلى الثورات ونزوع الشعوب إلى فكرة الثورة منها أسباب سياسية تتعلق بالحريات وحقوق الانسان وتجاوزات الدولة البوليسية ومنها أسباب اقتصادية تتعلق بغياب العدالة الاجتماعية وسيطرة رأس المال ورجال الأعمال على المقدرات الاقتصادية للدولة وغيرها من الأسباب وقد يكون هناك سبب رئيسى ظاهر كمحرك للثورة أو تلك الأسباب مجتمعة.

الفصل الثانى:الإخوان المسلمون والثورة.. الرؤية والمنطلقات

تعتبر جماعة الإخوان المسلمون من الجماعات المحافظة فكراً وممارسة، فنهج الثورة ليس من أولوياتها ولا أدبياتها المنتشرة، فنهج التغيير السلمى الإجتماعى هو المنهج الذى اعتمدته الجماعة كرؤية إصلاحية للتغير، وإن كان هذا لا يمنع من أن الجماعة خلال عمرها الممتد منذ 1928 مارست الثورة وشاركت فيها فى العديد من المظاهر ، وكانت مواقفهم وممارساتهم طول هذا التاريخ عامل مهم ومؤثر فى الثورتين التى قامت خلال عمر الإخوان "ثورتى 23 يوليو [[1952]]، 25 يناير 2011"

ويرى أحد الباحثين أن جماعة الإخوان المسلمين قد التزمت بالتداول السلمي للسلطة كأسلوب للتغيير استنادا إلى موقف فقهي قائم على أباحه الإسلام للتعددية السياسية بشرط عدم مخالفه أو عدم الاتفاق على مخالفه القواعد الأصول ، وباعتبار أنها شكل من أشكال التعددية التي اقرها الإسلام ويؤكدها التاريخ الإسلامي، فانه يجب أضافه جمله من الضوابط لهذا الأسلوب فى التغيير لضمان عدم انحرافه عن أهدافه

ومنها:

أولا: ان تجعل الأحزاب الاسلاميه التي ارتضت للتداول السلمي للسلطة الدين هو الأصل - والسياسة هي الفرع ،أى ان الدين للسياسة بمثابة الكل للجزء يجده فيكمله ولكن لا يلغيه ،ولا تجعل الغاية هي السلطة والوسيلة هي الدين.
ثانيا: انه يجب تقرير أن النشاط السياسي للأحزاب الاسلاميه ليس صراع ديني بين مسلمين وكفار بل صراع سياسي يدور فى إطار الاجتهاد في وضع حلول للمشاكل التي يطرحها الواقع.هذا التقرير مبنى على تقرير أهل السنة أن الامامه(السلطة) من فروع الدين لا أصوله(بخلاف الشيعة الذين قرروا أن الامامه من أصول الدين وبخلاف الخوارج الذين كفروا مخالفيهم).
كما هو مبنى على عدم نفى القران صفه الأيمان عن الطوائف المتصارعة " وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلي أمر الله" . كما هو مبنى على أن الصحابة اختلفوا في مسالة السلطة إلي حد القتال(على بن أبى طالب ومعاوية- على وعائشة... رضي الله عنهم) دون أن يكفر احدهم الأخر.
ثالثا: ضرورة منع تحول الأحزاب الاسلاميه التي ارتضت بالتداول السلمي للسلطة، إلى أحزاب ذات شكل ليبرالي ،و التي هي المعادل السياسي للنظام الرأسمالي القائم على المنافسة الحرة من اجل الربح،فيصبح نشاطها السياسي شكل من أشكال التجارة بالدين. رابعا:تخليص الديمقراطية من حيث هي نظام فني لضمان سلطة الشعب ضد استبداد الحكام من الليبرالية (أي من العلمانية والرأسمالية والفردية..) وذلك بالديمقراطية ذاتها لا بإلغاء الديمقراطية. وهذا الموقف نجد له سندا من دستور المدينة الذي اقر الحريات الدينية والسياسية لغير المسلمين(اليهود). (15)

ومن المؤكد أنه بالرغم من التزام الجماعة بالتغيير السلمى إلا أن الجماعة مارست بعض الفعاليات التى أظهرت من خلالها اعتراضها على بعض المواقف والقرارات للسطة الحاكمة على مر العقود الماضية مثل المظاهرات والمؤتمرات وغيرها

المبحث الأول: الثورة فى فكر الإمام حسن البنا

عاش الإمام حسن البنا فى وقت عصيب على مصر والعالم العربى والإسلامى ، فالخلافة العثمانية سقطت سنة 1924، والهجرات اليهودية تتدفق على فلسطين تحقيقا لوعد بلفور بإقامة دولة يهودية فى فلسطين ،والبلاد العربية محتلة ، والحكومات مستبدة تمارس القهر والاستعباد للشعوب تأتمر بأمر الاحتلال وتسير فى ركابه ، فلا فرق بينها وبين الاحتلال الأجنبى ، بل الحكومات المستبدة أشد على شعبها من الاحتلال .وكم من حكومات مستبدة تقتل وتعتقل أكثر من الاحتلال ..!!

وفى ظل هذا الأوضاع التى تمر بها مصر والعالم العربى والإسلامى قامت حركة الإخوان المسلمين سنة 1928 تدعو إلى الإسلام بشموله ،كما تدعو إلى وحدة الصف الإسلامى وتحرير العالم الإسلامى من براثن الاحتلال ومارس الإمام البنا لتحقيق هذه الأهداف العديد من الفعاليات.

وإذا كان من منهج الإمام البنا تحرير البلاد من الاحتلال وإصلاح النظام السياسى للدولة ، فما وسيلة الإخوان نحو تحقيق هذا الهدف ؟ وما الحلول التى يقدمها الإخوان المسلمون ومرشدهم حسن البنا لعلاج تلك المشكلات ؟ هل منطق الحوار والنصح والإرشاد هو المتبع دائما تجاه فساد الحكام أم أن هناك أسلوب آخر لتصحيح مسار الحكومات الفاسدة ؟ هل الإمام البنا يؤمن بقيام ثورة من أجل التغيير؟.. وهل مارس الإخوان الثورة أم أنهم كما البعض من الاسلاميين يرفض الخروج على الحاكم.

أولاً: استخدام القوة لتغيير الحكم فى فكر الإمام حسن البنا

تحدث الإمام حسن البنا كثيرا عن القوة وعدم الركون إلى الضعف والكسل، واستلهم ما فى القرآن الكريم والسيرة النبوية من الدعوة إلى قوة المسلم فى الحياة وانطلق بها إلى الجوانب العملية ، وربى تلامذته على الجندية والتضحية والبذل والعطاء

ففى (رسالة إلى أي شىء ندعو الناس) يقول تحت عنوان:(أعظم مصادر القوة) يوضح أن الإيمان بالله هو مصدر القوة الذى يجعلك لا تخشى أحدا إلا الله ، ذلك هو الفيض الأعم من الإيمان،والثقة بالنجاح الذى يغمر قلبك ويملأ نفسك فلا تخشى الناس جميعا ، ولا ترهب العالم كله إن وقف أمامك من يحاول أن ينال من عقيدتك أو ينتقص من مبدئك. (16)

وفى موضع آخر من نفس الرسالة يقول تحت عنوان : (حراسة الحق بالقوة): " وما أحكم ذلك القائل : (القوة أضمن طريق لإحقاق الحق ، وما أجمل أن تسير القوة والحق جنبا إلى جنب ..!) ، فهذا هو الجهاد فى سبيل نشر الدعوة الإسلامية فضلا عن الاحتفاظ بمقدسات الإسلام فريضة أخرى فرضها الله على المسلمين كصوم الصلاة والحج والزكاة وفعل الخير وترك الشر ..." (17)

وفى (رسالة نحو النور) نجده يقول تحت عنوان : (الإسلام والقوة والجندية) : وتحتاج كذلك الأمم الناهضة إلى القوة وطبع أبنائها بطابع الجندية ، ولا سيما فى هذه العصور التى لا يضمن فيها السلم إلا بالاستعداد للحرب ، والتى صار شعارأبنائها جميعا : (القوة أضمن طريق لإحقاق الحق). (18)

ووضع الإمام البنا رسالة الجهاد تناول فيها : الجهاد فريضة على كل مسلم، وذكر الآيات والأحاديث التى تدعو إلي الجهاد ، والجهاد عند فقهاء الأمة ، ولماذا يقاتل المسلم ؟، وما يلحق بالجهاد ، ويتحدث تحت العنوان الأخير ، فيقول :

" فقد جاء فى الحديث : إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر .ولكن شيئا منها لا يوجب لصاحبه الشهادة الكبرى وثواب المجاهدين إلا أن يَقتل أو يُقتل فى سبيل الله ، ثم يقول فى الخاتمة قائلا : " إن الأمة التى تحسن صناعة الموت ، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة ، يهب لها الله الحياة العزيزة فى الدنيا ، والنعيم الخالد فى الآخرة وما الوهن الذى أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت ، فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم ، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة ....فاعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسعادة الكاملة ، رزقنا الله وإياكم كرامة الاستشهاد فى سبيله." (19)

وتغيير الحكم عن طريق القوة ، يوضحه الإمام البنا بقوله :" الإخوان والقوة والثورة:

ويتساءل كثير من الناس : هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم ؟ وهل يفكر الإخوان المسلمين في إعداد ثورة عامة علي النظام السياسي أو النظام الاجتماعي في مصر ؟ .... ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة ، بل إني أنتهز هذه الفرصة فأكشف اللثام عن الجواب السافر لهذا في وضوح وفي جلاء ، فليسمع من يشاء .

أما القوة فشعار الإسلام في كل نظمه و تشريعاته فالقرآن الكريم ينادي في وضوح و جلاء: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (لأنفال:60). و النبي يقول (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف) بل إن القوة شعار الإسلام حتى في الدعاء و هو مظهر الخشوع و المسكنة

واسمع ما كان يدعو به النبي في خاصة نفسه و يعلمه أصحابه و يناجي به ربه : (اللّهُمّ إِنّي أَعوذُ بِكَ مِنَ الْهَمّ وَالْحَزَنِ، وَأَعوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأعوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ والْبُخْلِ وَأعوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدّيْنِ وَقَهْرِ الرّجَال)
ألا ترى في هذه الأدعية أنه قد استعاذ بالله من كل مظهر من مظاهر الضعف : ضعف الإرادة بالهم و الحزن و ضعف الإنتاج بالعجز و الكسل و ضعف الجيب و المال بالجبن و البخل و ضعف العزة و الكرامة بالدين و القهر ؟ .. فماذا تريد من إنسان يتبع هذا الدين إلا أن يكون قويا في كل شيء شعاره القوة في كل شيء ؟.. فالإخوان المسلمون لابد أن يكونوا أقوياء و لابد أن يعملوا في قوة. " (20)

ويوضح الإمام البنا أن إيمان الإخوان بالمبدأ العام فى استخدام القوة لا يجعلهم يستخدمونها فى غير موضعها وفى غير وقتها ، بل إن استخدمها يكون آخر مرحلة فى العلاج ، فيقول :

" و لكن الإخوان المسلمين أعمق فكرا و أبعد نظرا من أن تستهويهم سطحية الأعمال و الفكر فلا يغوصوا إلي أعماقها و لا يزنوا نتائجها ، و ما يقصد منها ، و ما يراد بها فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة و الإيمان
ثم يلي ذلك قوة الوحدة و الارتباط ثم بعدهما قوة الساعد و السلاح و لا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعا و أنها إذا استخدمت قوة الساعد و السلاح و هي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء و الهلاك .
هذه نظرة و نظرة أخرى : هل أوصى الإسلام ـ و القوة شعاره ـ باستخدام القوة في كل الظروف و الأحوال ؟ أم حدد لذلك حدودا و اشترط شروطا و وجه القوة توجيها محدودا ؟ و نظرة ثالثة : هل تكون القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكي ؟ و هل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة و نتائجها الضارة و ما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف ؟
أم من واجبه أن يستخدم القوة و ليكن بعد ذلك ما يكون ؟ هذه نظرات يلقيها الإخوان المسلمون على أسلوب استخدام القوة قبل أن يقدموا عليه و الثورة أعنف مظاهر القوة فنظر الإخوان المسلمون إليها أدق و أعمق و بخاصة في وطن كمصر جرب حظه من الثورات فلم يجن من ورائها إلا ما تعلمون .
و بعد كل هذه النظرات و التقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين : إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها ، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة ، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في كرامة وعزة ، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح ." (21)

وهكذا فمن الثابت أن الإمام البنا والإخوان سعوا للثورة ونادوا بها ولكن بعد استكمال مقومات تلك الثورة والاستعداد الجيد لها سواء من حيث قبول المجتمع لها أو من يقوم ويملك الامكانات المادية لتلك الثورة حتى لاتنقلب إلى فوضى وهو مايرفضه الإخوان ويحذرون منه باستمرار.

المبحث الثانى: وسائل عمليه مارسها الإمام البنا

بالرغم من أن المناداة بالثورة والمطالبة بها لم تستحوذ على الكثير من كتابات الإمام البنا ولا رفاقة فى تلك المرحلة، فكإطار عام يسعى الإخوان المسلمون للتغير المجتمعى بصفة رئيسية ولكن اذا لم يكن هناك حلول للتغيير إلا بالثورة فيجب العمل على الاستعداد الجيد لها ولذلك مارس الإخوان الجوانب العملية للاعداد للثورة وسنتشهد هنا بمثالين وهما " النظام الخاص" وقسم الوحدات بالجيش"

أولاً: النظام الخاص

لم يكتف الإمام البنا بتربية الإخوان ومحاولة التغيير المجتمعى بل حرص البنا على ضرورة بث روح الجهاد فى الأمة ، وضرورة الاستعداد الروحى والبدنى للثورة، فكانت تربية الإمام البنا للإخوان على الجهاد والجندية والتضحية ، وكان للإخوان أورادهم الرياضية وجوالتهم وأعمالهم الكشفية التى يحافظون على قوتهم ونظامهم ولياقتهم البدنية

وكان من ثمار تلك التربية الجهادية أن أنشأ النظام الخاص سنة 1940 كتنظيم سرى مدرب على مختلف الأسلحة فى ذلك الوقت بهدف قتال اليهود فى فلسطين والإنجليز فى مصر بعد أن فشلت المفاوضات فى إخراجهم ، وجعل على مسئوليته محمود عبد الحليم ثم عبد الرحمن السندي ، وقد أبلى الجهاز الخاص للإخوان بلاء حسنا فى حرب فلسطين سنة 1948 .

وكان هدف الإمام البنا من إنشاء الجهاز الخاص كتنظيم سرى مدرب على الأسلحة بهدف الجهاد فى فلسطين وإخراج الإنجليز من مصر بالقوة المسلحة ، إلا أن الجهاز الخاص للإخوان قام بحوادث داخلية ضد اليهود المصريين وحوادث فردية لاتمثل موقف عام للجماعة وتعتبر من أخطاء فردية قام بها أفراد النظام الخاص تحت ضغط وانفعال الأحداث فى ذلك الوقت، ولسنا هنا بعرض تجربة النظام الخاص أو تقييمه فمجالها كتاب آخر ولكن الاستشهاد بها هنا كدليل على أن الإخوان كانوا منذ نشأتهم يسعون إلى التغيير والثورة .

ثانياً:قسم الوحدات الخاص بضباط الجيش

سعى الإمام البنا لعمل تنطيم سرى داخل الجيش اشترك فيه ضباط الجيش من الإخوان المسلمين مثل محمود لبيب وكان صلاح شادي رئيس قسم الوحدات التابع للإخوان المسلمين داخل الجيش ، وقام تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش تحت عين الإمام البنا وشارك فيه عبد المنعم عبد الرؤوف وأبو المكارم عبد الحي على نحو ما هو معروف.

ويروى أنور السادات فى كتابه البحث عن الذات عن حديث له مع الإمام البنا بخصوص الثورة والاعداد لها فيقول:

" اسمع يا شيخ حسن : واضح أنك حريص أكثر من اللازم فى الحديث معى .. وأنا لا أرى داعيا لهذا ..بصراحة أنا أسعى إلى عمل تنظيم عسكرى هدفه قلب الأوضاع فى البلد..باغتت الرجل هذه المفاجأة - والكلام للسادات- فنظر إلى فى دهشة ولم يعرف ماذا يقول... ربما كنت أحد رجال المخابرات.. وربما كنت مدسوساً عليه من جهة أو أخرى.. وقطعت عليه صمته بقولى:
نعم أنا أسعى إلى ثورة مسلحة .. ومعى عدد كبير من الضباط من كل أسلحة الجيش .. وحركتنا تسير . وبدأ يسألنى أسئلة محدودة .. أى أسلحة الجيش معكم ؟ وما مدى قوتكم ؟ وكم عدد الضباط الذين يمكن أن تعتمد عليهم للقيام بهذه الثورة وأجبته.. وفجأة طلب منى أن ننسق العمل معا .. قلت له :
لقد صارحتك بكل شىء ..وأحب أنا أقول لك بنفس الصراحة نحن تنظيم لا يخضع ولا يعمل لحساب أى حزب أو هيئة ، وإنما لمصلحة مصر ككل .. وأرجو أن يكون ذلك واضحا منذ البداية .. وأمن الرجل على كلامى وقال : يكفى فقط أن نتعاون ..
ولم يمض بعد ذلك وقت طويل حتى كان قد جند لحساب الإخوان عبد المنعم عبد الرؤوف الرجل الثانى بعدى فى تنظيم الضباط الأحرار . " (22) ، ويذكر السادات بعد ذلك أن الأستاذ البنا رتب له لقاء بعزيز المصري .

ويكشف عبد المنعم عبد الرؤوف جانب من تأسيس هذا القسم الذى كان له دور واضح فى ثورة 23 يوليو فيقول:

استطعت فى شهر أكتوبر عام 1942 أن أدعو ضابطا من الكتيبة الثالثة لحضور درس الثلاثاء بدار المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين وهو النقيب جمال عبد الناصر حسين ثم اتبعته بضابط ثان وهو الملازم أول حسين أحمد حمودة الذى نقل على قوة الكتيبة ثم دعوت ضابطا ثالثا هو الملازم كمال الدين حسين من سلاح المدفعية وكان منزله قريبا من منزلى بحى السيدة زينب وكثيرا ما تجاذبنا أطراف الحديث أثناء ركوبنا (الترام) صباحا متوجهين إلى وحدتنا.
ثم دعا الملازم أول حسين أحمد حمودة ضابطين أولهما شقيق زوجته الملازم أول سعد توفيق من سلاح الإشارة(توفى إلى رحمة الله عام 1962) وثانيهما الملازم أول صلاح الدين خليفة زميلا له من سلاح الفرسان هو الملازم أول خالد محيي الدين واكتمل عددنا سبعة عام 1944 وواظبنا على اللقاء أسبوعياً فى بيت هذا مرة وفى منزل ذاك مرة أخرى وهكذا ولم يتغيب الصاغ محمود لبيب عن هذا اللقاءات إلا فى النادر. وسنكتفى هنا بهذا القدر حيث سيكون لها مجال آخر وهو دور الإخوان فى ثورة 23 يوليو 1952

ويتضح مما سبق أن الإمام البنا كان يؤيد القيام بعمل عسكرى من أجل تغيير الحكم ، وكانت علاقة الإمام البنا بتنظيم الضباط الأحرار قوية ، و شارك الإخوان الضباط الأحرار فى الإعداد للثورة التى بدأت فى حياة الإمام البنا ـ على نحو ما ذكر السادات نفسه ـ ونحجت الثورة بعد استشهاده ، والدلائل والشواهد كثيرة على دور الإخوان فى ثورة 23 يوليو 1952 ولكن ليس هذا مجالنا للخوض فيها بل نحن هنا فى هذا الكتاب معنيين فقط بثورات الربيع العربى.

وكما أشرنا من قبل أن أى عمل مسلح لإسقاط الحكم القائم لابد له من تأييد شعبى لكى يصبح عملا مشروعا ، فإن الإمام البنا حرص على المشاركة الشعبية للثورة ، فقام بتعريف الشعب بحقوقه التى سلبه المستبدون ، ولم يغفل ضرورة التأييد الشعبى ، ويقوم فكره على " تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل علي صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها ... وأن وسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة علي هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول علي حكمها. " (23)

وأما الثورة الشعبية التى يقوم بها الشعب الأعزل ضد السلطة الحاكمة المستبدة ، فإنها فى رأى الإمام البنا غير مأمونة العواقب ، نظرا لأن السلطة المستبدة لن تسلم بسهولة مما يتبعه استخدام العنف وإراقة الدماء والقمع ، وعندما يقوم بها فصيل وطنى بمفرده، فإن نتائجها غير مأمونة ، فالإمام البنا لا يفضلها إلا فى إطار شعبى عام، فالثورة لا يمكن أن تنجح بالإخوان وحدهم

بل بالشعب جميعه ويؤكد أن الثورة هى حالة انفجار للشعب تتولد من ضغط الظروف التى يعانى منها وفقد الإصلاح ، وفى هذه الحالة ، فإن الثورة لا مفر منها ، فيقول فى رسالة المؤتمر الخامس :

" وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها ولا يعتمدون عليها ، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها وإن كانوا يصارحون كل حكومة في مصر بأن الحال إذا دامت علي هذا المنوال ولم يفكر أولو الأمر في إصلاح، عاجل وعلاج سريع لهذه المشاكل
فسيؤدي ذلك حتما إلي ثورة ليست من عمل الإخوان المسلمين ولا من دعوتهم ، ولكن من ضغط الظروف ومقتضيات الأحوال ، وإهمال مرافق الإصلاح وليست هذه المشاكل التي تتعقد بمرور الزمن و يستفحل أمرها بمضي الأيام إلا نذيراً من هذه النذر ، فليسرع المنقذون بالأعمال .

ويقول د. محمد عمارة عن موقف الإمام البنا من الثورة: عرض الأستاذ البنا للموقف من " الثورة "

.. فتحدث عن أن الإسلام إنما جاء ثورة كبرى بكل ما تحمل هذه الكلمة من مضامين ، وفي كل ميادين الإصلاح والتغيير .. فهو الذي نقل وينقل الناس والمجتمعات من الجاهلية إلي الإيمان .. ومن الظلمات إلي النور .. وهو الذي يحيي موات النفوس والمجتمعات بما يحدثه فيها ولها من تغيير جذري وعميق وشامل في كل الميادين ..

وعن هذه الحقيقة قال الأستاذ البنا :

" إن الإسلام ثورة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني ، يزلزل الأوضاع الفاسدة ، ويحطم صروح البغي والعدوان الشامخة ، ويحدد معالم الحياة وأوضاعها ، ويقيمها علي أثبت الدعائم . إنه ثورة علي الجهل .. وثورة علي الظلم بكل معانيه : ظلم الحاكم للمحكوم ، وظلم الغني للفقير ، وظلم القوي للضعيف . وثورة علي الضعف بكل مظاهره ، ونواحيه : ضعف النفوس بالشح والإثم ، وضعف الرؤوس بالغباء والعقم ، وضعف الأبدان بالشهوات والسقم " .
  • لكن الأستاذ البنا ينبه علي أن الجماعة ليس في نيتها استخدام "العنف الثوري" الذي تخشاه الحكومات ؛ لأن منهج الجماعة هو الإصلاح بالإسلام ، وفق منهاج التدرج ، وعبر الإعداد المرحلي .. اللَّهم إلا إذا فرض الآخرون علي الجماعة هذا العنف الثوري ، باستخدامه ضدها ، وعندئذٍ تكون مكرهة علي رد العدوان بمثله !
وفي صياغة هذه "المعادلة الصعبة" ، ميز بين " إعداد القوة " – التي هي طريق الإصلاح والتغيير – وبين " الثورة " – التي هي " أعنف مظاهر القوة " – والتي لن يلجأ إليها الإخوان ابتداءً ، ولن يسلكوا سبيلها إلا إذا فُرض عليهم ، كما يُفْرَض القتال علي المؤمنين – وهم له كارهون - ! .

وفي تحديد هذا المسار – الدقيق ، والشائك – قال الأستاذ البنا :

" يتساءل كثيرٌ من الناس هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم ، والوصول إلي غايتهم ؟ وهل يفكر الإخوان المسلمون في إعداد ثورة عامة علي النظام السياسي ، أو النظام الاجتماعي في مصر ؟ .. أما القوة ، فشعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته !..
فالإخوان لابد أن يكونوا أقوياء ، ولابد أن يعملوا في قوة .. وأول درجة من درجات القوة : قوة العقيدة والإيمان ، ويلي ذلك : قوة الوحدة والارتباط ، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح . والثورة أعنف مظاهر القوة . إن الإخوان سيستخدمون القوة العملية ؛ حيث لا يجدي غيرها ، وحيث أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة .
أما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها .. وإن كانوا يصارحون .. بأن الحال إذا دامت علي هذا المنوال – فسيؤدي حتمًا إلي ثورة .. إني أري الوميض خلال الرماد ، ويوشك أن يكون له ضرام .أيها الإخوان : إن قيل لكم : أنتم دعاة ثورة ، فقولوا : نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به ، فإن ثرتم علينا ، ، ووقفتم في طريق دعوتنا ؛ فقد أذن الله أن ندفع عن أنفسنا ، وكنتم الثائرين الظالمين " ! (24)

كما شارك الإمام البنا والإخوان فى بعض المظاهر المتعلقة بالثورات أو الممهدة لها مثل الاشتراك في المظاهرات والمسيرات والإضرابات المدنية ومنها:

(1) المظاهرات الخاصة بقضية فلسطين ومن أمثلتها:

  1. المظاهرات العامة في كل أقاليم مصر من أجل فلسطين وبدارسة تاريخ هذه الفترة يتبين أنه كانت أول مظاهرات عامة في القطر كله منذ ثورة 1919 وقام بها الإخوان في يوم واحد بهتافات واحدة في ذكرى وعد بلفور.
  2. مظاهرات عام 1938 لثورة القسام في فلسطين.
  3. مظاهرة 2 نوفمبر 1945.
  4. مظاهرات 14/ 12/ 1947 لتأييد القضية الفلسطينية واشترك فيها مسيحيون ورجال دين أقباط.

(2) المظاهرات الخاصة بقضية التحرير من الاستعمار الإنجليزي: وقد نظم الإخوان وقادوا كثيرا من هذه المظاهرات ومن أمثلتها.

  1. مظاهرة 9 فبراير 1946 على إثر بيان من الإخوان وكانت تشكل مسيرة ضخمة قام بها طلاب الجامعة بقيادة مصطفى مؤمن زعيم طلاب الإخوان إلى قصر عابدين للمطالبة بالحقوق الوطنية وفي نفس اليوم قامت مظاهرات في المنصورة وأسوان وغيرهما.
  2. والمظاهرات الشعبية إعرابا عن مطالب البلاد في أكتوبر 1946 في القاهرة والأقاليم.
  3. مظاهرات أغسطس 1947 خرجت مظاهرة ضخمة من الجامع الأزهر وأمامها علم الإخوان تهتف بمطالب البلاد ويقودها البنا وانضم إليها عشرات الآلاف إلخ.. كما خرجت مظاهرات في طنطا وبور سعيد والإسكندرية.

(3) الإضرابات المدنية: نظم الإخوان واشتركوا في عدد كبير من الإضرابات المدنية التي دعوا إليها لأسباب سياسية متنوعة ومن أمثلة ذلك.

  1. إضراب يوم الجلاء 21 فبراير 1946 وقد دعا الإخوان إلى اعتبار يوم 3 مارس يوم حداد عام على شكل إضراب وقد استجابت طوائف الشعب وخاصة الطلاب والتجار والمحامين والصحفيين واحتجت الصحف وأقيمت صلاة الغائب في كثير من شعب الإخوان.
  2. الإضراب العام يوم 10 مايو 1946 للرد على الطغيان الإنجليزي والأمريكي في فلسطين وعلى البيان البريطاني وما فيه من تحفظات تضر بالقضية الوطنية وعلى استهانة تشرشل بالعرب...إلخ وكان شاملا اشترك فيه التجار والعمال إلخ..
  3. وفي 8 يونيو 1946 دعت اللجنة السياسية للإخوان إلى إضراب عام من أجل الحقوق الوطنية. إضراب يوم 21 فبراير 1947 وقد دعا إلى ذلك مكتب الإرشاد العام للإخوان ليكون يوما وطنيا للجلاء.
  4. إضراب يوم 26 /8/ 1947 استنكارا لمعاهدة 1936.

وتدل هذه الإضرابات واستجابة طوائف من الشعب لها على تأثير الإخوان في الأوسط الشعبة وعلى إتاحتهم الفرصة لهم للمشاركة والفعالية وهذه الإضرابات تربية للاتجاهات السياسية ضد المستعمر ولصالح قضية التحرر الوطني وتحرير فلسطين.

(4) المسيرات والمظاهرات الخاصة بالحريات السياسية ومن أمثلتها:

  1. المسيرة الاحتجاجية في الإسماعيلية على تزوير الانتخابات عام 1944. (25)

وغالبا ما ارتبط اسم الثورة بالعنف ولأن الإخوان كانوا ضد العنف وخاصة بعد تجربة "النظام الخاص" لذا غابت من أدبيات الجماعة استخدام الثورة ومفراداتها كثيراً إلا أن هذا لاينفى كما ذكرنا سابقاً أن الجماعة كانت لها ممارسات عديدة تصب فى التهيئة الشعبية للثورة وكان لهم دورهم الواضح فى ثورة 23 يوليو 1952 من حيث الإعداد والتهيئة والمساندة فى بداياتها حتى عام الصدام 1954.

المبحث الثالث: الثورة فى فكر سيد قطب

ارتبط اسم الشهيد سيد قطب باسم الثورة فتعدد لفظ الثورة والمناداة بها فى أدبياته العديدة ولاسيما بعض كتبه الأخيرة خاصة "معالم فى الطريق" وفى ظلال القرآن وغيرها والتى اعتبرها البعض المنطلق الفكرى للحركات الجهادية المنتهجة لفكر العنف

وبعيداً عن مناقشة هذا الفكر وتلك المرحلة إلا أن الشاهد فيها أن الشهيد سيد قطب والذى كان منظر للإخوان فى مرحلة ما ركز على فكر الثورة ووضع لها أسسها المتعلقة بالفكر الإسلامى ويقول الدكتور يوسف القرضاوي عن هذه المرحلة:

هذه مرحلة جديدة تطور إليها فكر سيد قطب، يمكن أن نسميها "مرحلة الثورة الإسلامية" ، الثورة على كل "الحكومات الإسلامية" ، أو التي تدعي أنها إسلامية، والثورة على كل "المجتمعات الإسلامية" أو التي تدعي أنها إسلامية..
هذه مرحلة جديدة تطور إليها فكر سيد قطب، يمكن أن نسميها "مرحلة الثورة الإسلامية"، الثورة على كل "الحكومات الإسلامية"، أو التي تدعي أنها إسلامية، والثورة على كل "المجتمعات الإسلامية" أو التي تدعي أنها إسلامية، فالحقيقة في نظر سيد قطب أن كل المجتمعات القائمة في الأرض أصبحت مجتمعات جاهلية.
تكون هذا الفكر الثوري الرافض لكل من حوله وما حوله، والذي ينضح بتكفير المجتمع، وتكفير الناس عامة؛ لأنهم "أسقطوا حاكمية الله تعالى" ورضوا بغيره حكما، واحتكموا إلى أنظمة بشرية، وقوانين وضعية، وقيم أرضية، واستوردوا الفلسفات والمناهج التربوية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية وغيرها من غير المصادر الإسلامية، ومن خارج مجتمعات الإسلام.. فبماذا يوصف هؤلاء إلا بالردة عن دين الإسلام؟!
بل الواقع عنده أنهم لم يدخلوا الإسلام قط حتى يحكم عليهم بالردة، إن دخول الإسلام إنما هو النطق بالشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وهم لم يفهموا معنى هذه الشهادة، لم يفهموا أن "لا إله إلا الله" منهج حياة للمسلم، تميزه عن غيره من أصحاب الجاهليات المختلفة، ممن يعتبرهم الناس أهل العلم والحضارة.

ويضيف القرضاوي فيقول:

تكون هذا الفكر الثوري الرافض، داخل السجن، وخصوصا بعد أن أعلنت مصر وزعيمها عبد الناصر، عن ضرورة التحول الاشتراكي، وحتمية الحل الاشتراكي، وصدر "الميثاق" الذي سماه بعضهم "قرآن الثورة" ! وبعد الاقتراب المصري السوفيتي، ومصالحة الشيوعيين، ووثوبهم على أجهزة الإعلام والثقافة والأدب والفكر، ومحاولتهم تغيير وجه مصر الإسلامي التاريخي. (26)

وارتكز فكر الأستاذ سيد قطب للدعوة إلى الثورة الإسلامية على عدة عناصر أهمها:

أولاً: الدعوة لثورة لتحرير الإنسان، فيقول: "إن الإسلام يدعو الناس لإنقاذ إنسانيتهم وتحرير رقابهم من العبودية للعبيد، ومن هوى الطواغيت وشهواتهم.. إنه يكلفهم أعباء المعركة مع الطاغوت، بكل ما فيها من تضحيات، إنه يدعوهم للكرامة والسلامة" (الظلال: 1321).

ويقول:

"إن هذا الدين إعلان عام لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية للعباد.. إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها: الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها؛ ذلك أن الحكم الذي مردُّ الأمر فيه إلى البشر هو تأليه للبشر؛ فيقومون مقام الأرباب، ويقوم الناس منهم مقام العبيد" (الظلال: 1433).

ثانياً: ثورة الجماهير ضد الطغاة

ويتكلم عن ثورة الجماهير ضد الطغاة، فيقول:

"الضعفاء هم الضعفاء، هم الذين تنازلوا عن أخص خصائص الإنسان الذي كرَّمه الله حين تنازلوا عن حريتهم الشخصية في التفكير والاعتقاد والاتجاه، وجعلوا أنفسهم تبعًا للمستكبرين والطغاة، دانوا لغير الله من عبيده واختاروها على الدينونة لله، والضعف ليس عذرًا بل هو الجريمة، والقوة المادية لا تملك أن تستعبد إنسانًا يريد الحرية ويستمسك بكرامته.. من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء يدينون لغير الله، والله هو خالقهم ورازقهم؟..
فهم ضعفاء.. لا لأنهم أقل قوة مادية من الطغاة.. إنما هم ضعفاء لأن الضعف في قلوبهم وفي نخوتهم وفي اعتزازهم بأخص خصائص الإنسان.. إن المستضعفين كثرة، والطواغيت قلة؛ فمن ذا الذي يخضع الكثرة للقلة؟ إنما يخضعها ضعف الروح وسقوط الهمة وقلة النخوة والتنازل عن الكرامة.. إن الطغاة لا يملكون أن يستذلوا الجماهير إلا برغبة هذه الجماهير، فهي دائمًا قادرة على الوقوف لو أرادت، فالإرادة هي التي تنقص هذه القطعان!.. إن الذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء! وهذه القابلية هي التي يعتمد عليها الطغاة!" (الظلال: 2096). (27)

وإجمالاً نستطيع أن نرسم موقف الإخوان من الحكومات المتتابعة في مصر وأسلوب التغيير فى عدة نقاط منها:

(أ‌) التزم الإخوان منذ نشأتهم على معاونة الحكومات المختلفة فى إطار المصلحة العامة ولم يسعى الإخوان للحكم بصورة مباشرة ويرد البنا في المؤتمر الخامس على سؤال: ما موقف الإخوان من الحكم فصرح: الإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم فإن وجدوا من الأمة من يستعيد لحمل هذا العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي وقرآني فهم جنود وأنصاره وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله.
(ب‌) والتتبع التاريخي لمواقف الإخوان من الحكومات المختلفة يكشف عن سعي الإخوان المتواصل لتحقيق هذا الهدف فقد تقدموا برسائل عديدة وبرامج في مذكرات للملك فاروق ورؤساء الحكومات في مصر ثم لوزارة محمد نجيب وعبد الناصر بعد 1952 من أجل نفس المطلب وقد عبر البنا عن ذلك بقوله: إن الإخوان لم يروا في حكومة من الحكومات التي عاصروها لا الحكومة القائمة ولا الحكومة السابقة ولا غيرها من الحكومات الحزبية من ينهض بهذا العبء أو من يبدي الاستعداد الصحيح لمناصرة الفكرة الإسلامية فلتعلم الأمة ذلك ولتطالب حكامها بحقوقها الإسلامية.
ويعلل البنا عدم استجابة تلك الحكومات لمطلبهم بأن الحكام فقدوا الإسلام في أنفسهم وبيوتهم وشئونهم الخاصة والعامة فهم لذلك أعجز من أن يفيضوه على غيرهم ليست هذه مهمتهم فقد أثبتت التجارب عجزهم المطلق عن أدائها.
وفي خطاب عام 1945 يقرر أن هذه الحكومات جعلت من نفسها أداة طيعة إن لم تكن مسرعة في يد الأجنبي يتحكم بها في رقاب الناس كما يشاء وينفذ بها مطالبه وخططه كما يريد سافرا أو مستترا هذان هما السببان اللذان أكد عليهما مفكروهم: فالحكومات عملية للاستعمار والاستعمار نفسه محارب لهذا المطلب ومن ثم فإقامة حكومة إسلامية يتطلب بالضرورة تحرير الوطن من كل احتلال وسلطات أجنبي سياسي أو اقتصادي أو فكري وروحي.
(ث‌) ولكن ما الأسلوب العملي الذي اتخذه الإخوان في موقفهم من الحكومات المصرية والحالة هذه هل اعتمدوا الثورة أو الإصلاح وقد ناقش البنا هذه القضية موضحا موقف الإخوان من الثورة واستعمال القوة وهو يجيب عن سؤالين: هل في عزم الإخوان أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم هل يفكرون في إعداد ثورة عامة على النظام السياسي أو النظام الاجتماعي في مصر.
وقد بين البنا فيما يتعلق بالشق الأول من القوة شعار الإسلام وأنها درجات قوة الإيمان وقوة الوحدة والارتباط وقوة الساعد والسلاح ولا توصف جماعة بالقوة حتى يتوفر فيها ذلك كله وأن القوة لا تستخدم في كل الأحوال بل لها شروط محددة فلا تستخدم حتى تستنفذ كل الوسائل الممكنة وبعد الموازنة بين منافع استخدام القوة ومضارها وحيث يثقون أنهم قد استكملو عدة الإيمان والوحدة وأنهم حين يستخدمونها سينذرون أولا ويقدمون محتملين كل نتائج موقفهم بارتياح.
وقد وضع الإخوان هذه الأفكار موضع التطبيق فأنشأوا النظام الخاص ودخلوا في معارك عسكرية ذروتها في معارك عسكرية بلغت ذروتها في معارك القناة عام 1951، 1952 ضد الإنجليز وبرغم قول البنا ن الثور أعنف مظاهر القوة إلا أنه قرر فيما يتعلق بالشق الثاني أن الإخوان لا يفكرون في الثورة ولا يعتمدون عليها ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها.إذن: ما أسلوب العمل لإقامة الحكومة الإسلامية في مصر كما رأى الإخوان ومارسوا.
(خ‌) بتحليل كتابات ومواقف الإخوان يتبين أن أسلوب التغيير وإقامة الحكومة الإسلامية ينقسم إلى محورين الأول: التربية أي تربية الشخصية الإسلامية وتكوينها سياسيا والمحور الثاني هو الإصلاح.
فأما المحور الأول (أي التربية) فقد قرر البنا وغيره أنه لابد من فترة تنشر فيها مبادئ الإخوان وتسود ويتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ويقرر مرة أخرى أن سبيل النهضة هو التربية ويطالب أعضاء الإخوان بأن يجدوا في تكوين النشء الجديد وأن يعلموه استقلال النفس والقلب واستقلال الفكر والعقل واستقلال الجهاد والعمل وأن يجندوه تحت راية محمد صلى الله عليه وسلم وفي رسالة أخرى يرى أن تربية الرأي العام هي الطريق بجانب تربية جيل جديد يحقق الأهداف السابقة فهذا الأسلوب يتجه إلى الجماهير ويثق فيهم وفي قدراتهم.
أما المحور الثاني فهو الإصلاح وذلك بطريقين الطريق الأول ما أسموه بالتوجيه ويعني عندهم وضع المناهج الصالحة في كل شئون المجتمع والتقدم بها إلى الجهات المختصة والوصول بها إلى الهيئات النيابية والتشريعية والتنفيذية لتخريج من دور التفكير النظري إلى دور التفكير العملي وهذا الأسلوب يتجه إلى الصفوة السياسية ويدل على إدراكهم لأهميتها في المجتمع المصري آنذاك.
أما الطريق الثاني للإصلاح فهو العمل السياسي المباشر ومن أمثلة ذلك: دخول الانتخابات والترشيح للهيئات النيابية ويقول البنا في بعض جوانب هذا الطريق: سنعمل بالحق فنذيع النشرات والبيانات ونوضح للناس ما خفي عنهم من حقوقهم ونكشف لهم ما استتر من ألا عيب المخادعين والمغررين بهم في الداخل والخارج وسنجمع كلمة الناس على هذا في مؤتمرات جامعة وسنبعث بإخواننا في كل مكان..إلخ.
وكلا الطريقين الإصلاحيين هما أيضا تربية سياسية للرأي العام فالعمل السياسي يتيح الفرص لنمو الوعي السياسي وللمشاركة السياسية ولاكتساب قدراتها وأما التوجيه فقد كانت كل رسائله ومذكراته تنشر في صحفهم وفي رسائل عامة لا يتيح وعيا سياسيا بالمطالب والحقوق أمام الرأي العام.
فلم يقبل الإخوان بأسلوب الثورة ضد النظام المصري بل كان أسلوبهم يتبلور في التربية المتكاملة والسياسية خاصة وفي العمل السياسي والتوجيه أي التغيير الديمقراطية الذي اتخذ طريقين: الأول يتجه إلى الجماهيري والثاني يتجه إلى الصفوة أي أنهم جمعوا بين أسلوب جمال الدين والنديم ومصطفى كامل وأسلوب محمد عبده مع تنظيم وشمول وتكامل. (28)

ويقول الأستاذ عمر التلمساني عن موقف الإخوان المسلمين من الانقلابات والمؤامرات والمظاهرات:

إذا كان المقصود بالحركة هو التظاهر، فما قرأنا في كتب السيرة أن الصحابة صاحوا يوما بحياة فلان أو سقوط فلان، وهذا أدب إسلامي نأخذ به أنفسنا مهما تقول المتقولون الذين ينسبون إلينا أننا محل رضاء الحكم القائم، والله يعلم، ثم إن كل منصف يعلم أننا ونظام الحكم في هذا البلد على طرفي نقيض في البرامج والمناهج.. إلا يوم أن يطبق شرع الله، وتقام في أرضه أحكامه، ونحن نقول هذا القول فة كل عدد من إعداد القوة .. لا نجامل .. ولا نحابى .. ولا نخشى ولا نخاف إلا الله.
أما إذا كان المقصود بالحركة حرق وسائل المواصلات ونهب المحلات وتخريب المؤسسات الحكومية فهذا ما لا نأتيه أبدا؛ لأن الله ينهى عن الفساد والإفساد، ثم لأن ما يخرب ليس مملوكا لرئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو غيرهما، ولكنه كلك الشعب بكل أفراده، ولن نكون يوما من الذين يخربون بيوتهم بأيديهم.
وأما إذا كان المقصود بالحركة التآمر وتدبير الانقلابات، فهذا لا يفعله إلا طلاب الحكم لذات الحكم، أما نحن فلا يعنينا شخص من يحكم، ولكن في المقام الأول يهمنا نوع الحكم ودستوره وشكله ونظامه، وبعد ذلك فليحكم من يحكم.وأما إذا كان المقصود من الحركة هو الاصطدام بالحكم عن طريق القوة والعنف فنحن نرى في ذلك استهلاكا لقوى الشعب واستنفادا لجهوده، لا يستفيد منه أحد إلا أعداء هذا البلد.

إننا نتحرك في سبيل دعوة الإسلام، وتحركنا في كلمات هي:

(1) إننا نربي الشعب، وخاصة الشباب على الأسس الإسلامية التي غرسها المسلمون وسادوا.
(2) ونقول الحق وندعو الناس جميعا الوقوف بجانبه، ومساندته في أحلك المواقف.
(3) ونحن نجمع الناس في المناسبات العامة لنقول لهم ما يجب أن يفعلوه وما يجب أن يتجنبوه.
(4) نحن نحذر الناس من العلمانية التي تلبس ثوب الإسلام لتباعد بين الإسلام وشباب الإسلام في ظل كلمات معسولة ومسمومة، مطعمة بألفاظ العقل والمنطق والعلم والتقدمية، وحرية الفكر.
(5) ثم نحن نعتمد على الله في تربية الشباب على الكتاب والسنة، ليتعلم منهاج السلف الصالح في غير شطط ولا تزمت.
(6) ونحن لا نتعجل الزمن ولا نستطيله؛ فإن قطفنا الثمار فنحن سعداء بهذا، وأن قطفها من بعدنا فنحن اشد سعادة؛ إذ سيكون لنا أجر من عمل بها من بعدنا دون أن ينتقص ذلك من أجورهم شيئا.ويوم أن يصبح الأمر على هذه الصورة مستقرا في ضمير الأمة كلها، فلن يكون الحكم إلا لله، لكن أكثر الناس يستعجلون لأنهم لا يعلمون. (29)

الفصل الثالث: الإخوان المسلمون وثورة 23 يوليو

مثلت ثورة 23 يوليو 1952 أحد المحطات التاريخية الهامة ليس فى تاريخ مصر أو الإخوان المسلمون وحدها بل بتاريخ العالم الاسلامى ومنطقة الشرق الأوسط كلها.

وسنتناول دور الإخوان فى هذه الثورة إجمالاً وليس تفصيلاً، فالشاهد أن الإخوان المسلمون لم يكتفوا بالرؤية التغييرية التى انتهجتها الجماعة على مر عقودها المحتلفة، بل كانت هناك ممارسات فعلية لإصلاح الحكم من خلال الثورة والمساعدة الفعالة بها وتعتبر ثورة 23 يوليو نموذج واضح على هذه الممارسة

فقد ساهمت الجماعة وبقوة من خلال قسم " الوحدات" وانتماء جمال عبد الناصر لهذا القسم فى مرحلة ماقبل الثورة فقد تمكن اللواء عبد المنعم عبد الرؤوف من تجنيد جمال عبد الناصر وضمه "للجمعية السرية لضباط الجيش" عام 1944 ، وظل عبد الرءوف طيلة المدة من 1944 وحتى 15 مايو 1948 هو المسؤول عن التنظيم السري داخل الجيش ،متعاونا مع الفريق عزيز المصري والشيخ حسن البنا والصاغ محمود لبيب .

ويكشف عبد المنعم عبد الرؤوف في مذكراته (أرغمت فاروق على التنازل عن العرش) تفاصيل انضمام عبد الناصر للإخوان المسلمين فيقول:

استطعت فى شهر أكتوبر عام 1942 ان أدعو ضابطا من الكتيبة الثالثة لحضور درس الثلاثاء بدار المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين وهو النقيب جمال عبد الناصر حسين ثم اتبعته بضابط ثان وهو الملازم أول حسين أحمد حمودة الذي نقل على قوة الكتيبة ثم دعوت ضابطا ثالثا هو الملازم كمال الدين حسين من سلاح المدفعية وكان منزله قريبا من منزلي بحى السيدة زينب وكثيرا ما تجاذبنا أطراف الحديث أثناء ركوبنا (الترام) صباحا متوجهين إلى وحدتنا.
ثم دعا الملازم أول حسين أحمد حمودة ضابطين أولهما شقيق زوجته الملازم أول سعد توفيق من سلاح الإشارة(توفى إلى رحمة الله عام 1962) وثانيهما الملازم أول صلاح الدين خليفة زميلا له من سلاح الفرسان هو الملازم أول خالد محيي الدين واكتمل عددنا سبعة عام 1944 وواظبنا على اللقاء أسبوعيا في بيت هذا مرة وفى منزل ذاك مرة أخرى وهكذا ولم يتغيب الصاغ محمود لبيب عن هذا اللقاءات إلا فى النادر.
وكانت أحاديثنا فى هذه اللقاءات تتناول ضعف عتاد الجيش وتصرفات الملك فاروق الخليعة وحوادث الصهاينة المتصاعدة ضد الفلسطنيين وتكالب الأحزاب على الحكم وكيفية تقوية خلايانا داخل صفوف الجيش.

ويضيف عبد الرؤوف فيقول:

واتفقنا على دفع اشتراك شهرى قدره خمسون قرشا وتكوين مكتبة إسلامية للضباط الإخوان وكانت أمانة الصندوق طرف الصاغ محمود لبيب وكان المسئول عن المكتبة الملازم أول حسين حمودة وكنا كلما حل مساء الثلاثاء التقينا لنستمع إلى رأى الإخوان المسلمين فى مشكلات الساعة داخليا وخارجيا أو نستمع إلى محاضرة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية بين هتافات الإخوان التى تهز وجدان كل مسلم. وكنا حريصين على أن يكون ذهابنا إلى درس الثلاثاء وجلوسنا وعودتنا متفرقين اتقاء لعيون المخابرات.
وازداد عدد خلايانا فى أسلحة الجيش فمن سلاح الطيران انضم إلى تنظيمنا الطياران حسن إبراهيم مصطفى ومصطفى بهجت ومن سلاح خدمة الجيش المرحوم معروف الحضري وعبد الرحمن محمد أمين ومجدي حسنين وإبراهيم الطحاوي ومن المشاة فؤاد جاسر وجمال ربيع وأحمد حمدي عبيد ومحمد أمين هويدي. ومحمد كمال محجوب ووجيه خليل ومن مدافع الماكينة وحيد جودة رمضان.

ويكشف عبد المنعم عبد الرؤوف تفاصيل بيعة جمال عبد الناصر للمرشد الامام حسن البنا فيقول:

استدعانى وصلاح خليفة الصاغ محمود لبيب وعرفنا بالمرحوم عبد الرحمن السندي الذى شرح لنا متى وكيف سيتم أخذ العهد وحلف اليمين وقد تم ذلك على النحو الآتى:
ذهبنا نحن السبعة فى ليلة من أوائل عام 1946 إلى المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين بالملابس المدنية حسب اتفاق سابق وبعد أن تكامل عددنا قادنا صلاح خليفة إلى منزل فى حى الصليبة بجوار سبيل أم عباس حيث صعدنا إلى الطابق الأول فوق الأرض ونقر صلاح خليفة على الباب نقرة مخصوصة وسأل: الحاج موجود؟
وكانت هذه هى كلمة السر ففتح الباب ودخلنا حجرة ذات ضوء خافت جدا مفروشة بالحصير وفيها مكتب موضوع على الأرض ليست له ارجل فجلسنا على الحصير ثم قادنا صلاح واحدا بعد الآخر لأخذ العهد وحلف اليمين فى حجرة مظلمة تماما يجلس بها رجل مغطى بملاءة فلا تعرف شخصيته وكان سؤال الشخص المتخفى الذى يأخذ العهد: هل أنت مستعد للتضحية بنفسك في سبيل الدعوة الإسلامية؟
فكان الجواب من كل منا: نعم.
فقال : امدد يدك لتبايعنى على كتاب الله وعلى المسدس.
ثم قال الرجل المتخفى: إن من يفشى سرنا ليس له سوى جزاء واحد وهو جزاء الخيانة.
وبعد أن أعطى كل منا البيعة عدنا إلى الحجرة الأولى ذات الضوء الخافت فوجدنا شخصا عرفنا بنفسه وذكر أن اسمه عبد الرحمن السندي وقال : إنه يرأس النظام الخاص للإخوان المسلمين وهو تنظيم سرى مسلح يضم رجالا باعوا أنفسهم لله وكلهم مستعدون للموت فى سبيل الحق والحرية.

وكان الذين بايعوا على فداء الدعوة الإسلامية فى هذه الليلة حب الأقدمية فى كشوف الجيش:

  1. النقيب عبد المنعم عبد الرؤوف من الكتيبة الثالثة مشاة (طيار سابق).
  2. النقيب جمال عبد الناصر حسين من الكتيبة الثالثة بنادق مشاة ورئيس الجمهورية فيما بعد.
  3. الملازم أول كمال الدين حسين من سلاح المدفعية وعضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 فيما بعد.
  4. الملازم أول سعد حسن توفيق (توفى إلى رحمة الله عام 1963).
  5. الملازم أول خالد محيي الدين من سلاح الفرسان وعضو مجلس قيادة الثورة. فيما بعد ورئيس حزب #التجمع الوحدوى الآن.
  6. الملازم أول حسين محمد أحمد حمودة من الكتيبة الثالثة بنادق مشاة.
  7. الملازم أول صلاح الدين خليفة من سلاح الفرسان وهو يعمل الأن مديرا لشئون العاملين بمحافظة الجيزة.. (30)

كما يضيف حسين حمودة فى كتابه (أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين) فيقول:

كانت الخلية الرئيسية في تنظيم الإخوان المسلمين داخل القوات المسلحة مكونة من سبعة ضباط هم عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وسعد توفيق وخالد محيي الدين وحسين حمودة وصلاح خليفة.
وظلت هذه الخلية تعمل سراً طيلة أربع سنوات وأربعة أشهر بدءاً من عام 1944 حتى 15 مايو 1948 لضم أكبر عدد ممكن من الضباط إلى صفوف هذا التنظيم السري. واتسع نطاق هذا التنظيم وتكونت خلايا جديدة فرعية منبثقة من الخلية الرئيسية فشكل كل فرد من أفراد الخلية الرئيسية خلية فرعية وكل خلية فرعية لا تزيد عن سبعة أفراد على ألا يخطر أي واحد منا الآخرين بأسماء المنضمين معه في هذه الخلايا السرية مراعاة لأمن الحركة.
وكان محمود لبيب يحضر الاجتماع الأسبوعي للخلية الرئيسية ويحضر أيضاً الاجتماعات نصف الشهرية للخلايا الفرعية المنبثقة من الخلية الرئيسية. وأصبح بذلك محمود لبيب هو الشخص الوحيد في هذا التنظيم السري الذي يعرف جميع المشتركين فيه.. وصار محمود لبيب هو حلقة الاتصال بين الضباط المنضمين للتنظيم ليس في الجيش فقط بل وفي الطيران أيضاً.
وكان محمود لبيب بالنسبة لنا جميعاً في منزلة الوالد أو أكثر يحاول ربط أكبر عدد من ضباط القوات المسلحة على فكرة العمل بشريعة الإسلام.. (31)

ويضيف عبدالرؤوف:

نقلت من الكتيبة الرابعة مشاة بعد تمضية عدة شهور فيها بمركز شرطة عراق سويدان الذى اتخذته الكتيبة مركزا لقيادتها وخلال المدة ما بين عامى 1949 1950 رقيت إلى رتبة رائد ثم مقدم وخدمت فى كتبتين هما الكتيبة العاشرة والكتيبة الثالثة عشرة متنقلا بين غزة ورفح والعريش والشط(شرقى السويس) وأبو عجيلة وكانت خدمتي طيلة هذه السنوات شرق القناة بعيدا عن القاهرة وعن قيادة تنظيم الإخوان الضباط التابع لجماعة الإخوان المسلمين داخل الجيش وكنت أمنح سبعة أيام أجازة كل ثلاثين يوما.
وقد وقعت عدة حوادث خلال تلك السنوات أثرت تأثيرا كبيرا على تنظيم الإخوان الضباط بالجيش وعلى مصر بصفة خاصة ففى عام 1949 اغتيل المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وظهرت حركة عصيان وتفكك فى النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين بقيادة عبد الرحمن السندي
وعادت قواتنا المحاصرة فى الفالوجا يوم 11/3/ 1949 إلى القاهرة حاقدة على الملك فاروق وحاشيته هيئة أركان حربه وكان المقدم أركان حرب جمال عبد الناصر حسين وبعض الضباط المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من بين المحاصرين العائدين الثائرين فعقدنا عدة اجتماعات برئاسة الصاغ محمود لبيب انتهينا فيها إلى النتائج الآتية:
أولا: الثأر لمقتل الشهيد حسن البنا بعد التأكد من معرفة القتلة .
ثانيا: الحذر من أفراد الحرس الحديدى وبذل الجهود لمعرفة كل شىء عن أفراده
ثالثا: التخلص من النظام الملكى واستبداله بنظام إسلامى.
رابعا: الاستمرار فى تدريب ومد الإخوان المسلمين بالذخائر والأسلحة والمفرقعات لطرد الإنجليز من بلادنا.
وفى 25 من مايو 1949 استدعى جمال عبد الناصر لمكتب رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي بحضور رئيس هيئة أركان حرب الجيش عثمان المهدي, ووجهت إلى جمال عبد الناصر تهمة الإنتماء إلى الإخوان المسلمين وتدريبهم ولكنه استطاع أن ينفى هذه التهمة عنه.
وأسرع الصاغ محمود لبيب المسئول عن تنظيم الإخوان الضباط بإرسال مرتب شهر لزوجة جمال عبد الناصر وإبلاغها اهتمام إخوانه الضباط بموضوع التحقيق وأنهم لن يتخلوا عنه مما أثبت قوة ارتباطنا ماديا.
وبمناسبة هذا الحادث اقترح علينا الصاغ محمود لبيب استبدال اسم تنظيم الإخوان الضباط باسم(الضباط الأحرار) لإبعاد اسم جماعة الإخوان المسلمين المكروهة من الملك والأحزاب العميلة والإنجليز.. (32)

وقد ذكر صلاح شادي في كتابه حصاد العمر، والأستاذ حسن العشماوي في كتابه الأيام الحاسمة وحصادها تفاصيل اللقاءات التي عقدت بين جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في صلاح شادي وحسن العشماوي وصالح أبو رقيق وفريد عبد الخالق وعبد القادر حلمي الذي كانت تعقد هذه اللقاءات في بيته في نصر الدين بالجيزة، وتنظيم الضباط الأحرار ممثلاً في جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وكمال الدين حسين وصلاح سالم وأنور السادات.

وقد توالت تلك الاجتماعات أيام 18 و 19 و 21 يوليو صباحًا ومساءً لتنسيق الجهود، والاطمئنان إلى تأييد الإخوان للحركة، وأخذ موافقة المرشد العام المستشار حسن الهضيبي، واقتراحات لسيناريو ما بعد نجاح الحركة، ثم مساء 23 يوليو بعد نجاح الحركة، وظهر 26 يوليو بقاعدة الاجتماعات بإدارة الجيش بمنشية البكري، ثم ضحى 27 يوليو بحضور المرشد العام المستشار حسن الهضيبي؛وكانت اللقاءات لعقد وجهات النظر، وسبل دعم وتأييد الإخوان للحركة.

وعن دور الإخوان في الثورة فيفصله ريتشارد ميتشل بقوله:

"تم التوصل لاتفاق معين بين المجموعتين بخصوص الدور الذي يمكن أن يلعبه الإخوان يوم الثورة، وحاول مخطط الاتفاق هذا أن يتحرى كل الإمكانات المحتملة والتي يمكن فيها استخدام "جيش مدني" جيد الانضباط والتدريب
أولاً: فالخطوة الأولى كانت تتمثل في أن يتعهد الإخوان حماية الأجانب والمنشآت الأجنبية بما في ذلك مراكز للنشاط التجاري والدبلوماسي، والأقليات (البيوت، الكنائس، أماكن عبادة اليهود)، والمراكز الإستراتيجية للمواصلات بالمدينة، وكان القصد من ذلك إحباط أية محاولات من قبل أي مجموعة لاستغلال الاضطراب المتوقع في ذلك اليوم.
ثانيًا: وإلى جانب الخطوة السابقة كان على الجماعة إن تنشئ شبكة من المخابرات حول تحركات المصريين المشتبه فيهم و"الخونة المحتملين"، ثم يأتي بعد ذلك وفي حالة عدم كفاية الحماس الشعبي لحركة الجيش أن تبادر الجماعة إلى ملء الشوارع لتشعل حماسها، ولتعلن التأييد الشعبي الفوري للانقلاب.
ثالثًا: في حالة فشل البوليس في التعاون مع الجيش، ستبعث الجماعة بجوالتها للانضمام لأي معركة قد تقع؛ ولتساعد في المحافظة على النظام والأمن.
رابعًا: إذا ما فشلت الحركة رغم كل إجراءات الوقاية والحذر فسيكون على الإخوان أن يساعدوا في حماية الضباط الأحرار، وتوفير سبل الهرب لهم، ومن المفترض أن هذه الإمكانية الأخيرة كانت المسئولية الأساسية لحسن العشماوي.
خامسًا: وهناك جزء خامس من الترتيب وإن لم يكن مؤكدًا بنفس الدرجة تلخص في التصدي لأي تدخل بريطاني محتمل الوقوع، ولقد قيل إن شادي زود بالسلاح، وطلب منه أن يضع في مواضع إستراتيجية على الطريق من السويس أفرادًا في زي مدني حتى لا يثيروا أية شبهات، مجهزين بالعتاد وبالأوامر بالتحرش والتصدي لأي عودة محتملة من جانب القوات البريطانية من القناة لاحتلال العاصمة، وكان ضروريًا إلا يعلم بأمر الخطة ككل إلا عدد قليل من الأعضاء، وذلك ما حدث بالفعل". (33)

وعلى ذلك فقد تقاسم الإخوان والضباط الأحرار الأدوار مناصفة للقيام بالحركة، بل يقع الجزء الأكبر على عاتق الإخوان في حالة وجود أي طارئ، وهي بذلك شراكة بين الإخوان والضباط الأحرار لا يستغني أحدهما عن دور الآخر، ولا تنجح الحركة بدونه؛أو بتعبير صلاح شادي حين قال:

"واتفق على أن يتولى الإخوان مسئولية الانقلاب وحمايته والدفاع عنه من الناحية الشعبية، أي أن الضباط الأحرار يقومون بالجانب العسكري في الانقلاب، ويقوم الإخوان بالجانب الشعبي". (34)

صحيح أن أغلب تلك الأدوار لم يتم لعدم الحاجة إليه، إلا أن ذلك لا ينقص من دور الإخوان فيها، فكان دورها الأول حماية الحركة، وتبديد مخاوفها، وتوفير التأييد الشعبي لها، والملاذ الآمن في حال فشلها.

وفي 18 يوليو 1952م طلب جمال عبد الناصر عقد لقاء هام وعاجل في تمام الحادية عشر مساء بمنزل عبد القادر حلمي بحضور جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر؛

يقول الأستاذ عبد القادر حلمي:

"وكانوا يرون وجوب الإسراع بالقيام بالانقلاب، وأن يكون في خلال عشرة أيام، وسأل عما إذا كان الإخوان موافقين ومستعدين لقيام بدورهم الذي سبق الاتفاق عليه، وتحمل المسئوليات بعد إتمام الانقلاب، وطلب ردًا سريعًا؛
ولكن الإخوان أفهموه أن صاحب الكلمة في هذه الأمور هو المرشد المستشار حسن الهضيبي، وأنه موجود بالإسكندرية، وأن الرد يحتاج على الأقل إلى 48 ساعة للسفر لاستطلاع رأى المرشد، وتحديد لقاء بعد هذه المدة، وسافرت أنا وعبد القادر حلمي ومعنا الأستاذ صالح أبو رقيق والأستاذ فريد عبد الخالق والمرحوم حسن العشماوي؛
واتفقنا على بقاء الأخ صلاح شادي في القاهرة لانتظار عبد الناصر في الموعد المتفق عليه في حالة احتمال تأخير عودة الإخوان من الإسكندرية، وقد تحقق فعلا هذا الاحتمال، وعندما حضر جمال عبد الناصر في الميعاد المحدد في 20 يوليو تأجل اللقاء العام حتى يعود مَنْ ذَهَبَ للقاء المرشد.

وهذه الرواية وإن كانت من جانب الإخوان المسلمين إلا أن لها ما يدعمها من شواهد وكتابات الضباط الأحرار، يقول اللواء جمال حماد عضو مجلس قيادة الثورة:

"وليست لدينا أية أسباب تدعونا إلى الشك في صحة هذه الواقعة التي رواها صلاح شادي فإن الدلائل والبراهين كلها تؤيد صدقها.. لقد اعترف معظم أعضاء لجنة القيادة للضباط الأحرار بحدوث هذا الاتصال بين التنظيم والإخوان المسلمين عقب اجتماع اللجنة يوم 18 يوليو، والذي استقر فيه الرأي على ضرورة الإسراع بالحركة؛
وكان الدافع للاتصال هو التأكد من مؤازرة الإخوان للحركة، ولكي يسهم متطوعو الإخوان مع قوات الجيش للسيطرة على طريق السويس، والتصدي للقوات البريطانية إذا حاولت الزحف إلى القاهرة لإخماد الحركة.
وقد ثبت أن القيام بالمؤازرة وتدعيم الحركة قد تما فعلاً بدليل اشتراك عدد من الإخوان المسلمين بعد قيام الحركة في حراسة المنشآت العامة والسفارات وأماكن العبادة خشية اندساس عناصر العملاء بين الجماهير لارتكاب أعمال تخريبية تكن ذريعة لتدخل الإنجليز كما حدث لإخماد ثورة أحمد عرابي.

وما دام هذا التعاون قد تم بهذه الصورة فلا يمكن عقلاً أن يحدث دون تنسيق مسبق وبدون الحصول على موافقة المرشد العام شخصيًا المتواجد بالإسكندرية في ذلك الوقت".

وقد ذكر كمال الدين حسين في مذكراته بمجلة المصور في عددها الصادر يوم 26 ديسمبر 1975م عن واقعة ذهابه مع عبد الناصر صباح يوم 22 يوليو إلى السيد صالح أبو رقيق

والتي قال فيها بالنص:

"وأخطرناه حسب اتفاقنا المسبق بموعد الثورة بهدف كسب تأييدهم لثورتنا، كما اتفقنا معه على أن تقوم قوات من متطوعي الإخوان بالمعاونة مع وحدات الجيش للسيطرة على طريق السويس لصد أي هجوم إنجليزي محتمل يستهدف الوصول إلى القاهرة صباح يوم الثورة".

إن هذه الأقوال التي لا يتطرق إلينا الشك في صحتها تؤيد تمامًا ما ذكره صلاح شادي، فإن الإخطار بموعد الحركة حسب الاتفاق المسبق يعني حدوث اتصالات ولقاءات سابقة قد جرت، وتم فيها الاتفاق على ضرورة إخطار الإخوان بموعد الحركة؛

كما أن طلب التأييد من الإخوان لحركة الجيش، والاتفاق على قيام متطوعي الإخوان بالتعاون مع الجيش لصد أي هجوم إنجليزي محتمل لا يمكن من الوجهة المنطقية أن يوجه إلى الإخوان قبل ساعات معدودة من قيام الثورة، وإلا كيف يتصور أحد أن يتمكن الإخوان من تجميع المتطوعين، وإعدادهم بما يلزمهم من سلاح وذخيرة لمقاومة الجيش الإنجليزي، وإصدار التعليمات الخاصة بهذه العملية المصيرية التي تتطلب الكثير من الجهد والإعداد في مثل هذا الوقت القصير؟". (35)

وقد عرض الإخوان ما تم التوصل إليه مع الضباط الأحرار على المستشار حسن الهضيبي المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المتواجد بالإسكندرية، ووجه إليهم المرشد عدة استفسارات أهمها: مدى تمسك هؤلاء الضباط بالإسلام؟ ومدى إخلاصهم في قولهم بالعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية؟ وهل تم الاتفاق في وضوح وصراحة على هذا الأمر؟ وهل اتفق على المشاركة الكاملة بين الإخوان والضباط الأحرار في الانقلاب والمسئولية إزاءه والتعاون في تنفيذه وبعد نجاحه؟

وفى النهاية أعطاهم المرشد موافقته المشروطة بالأمرين السابقين، كما أعطاهم الحق في الاتصال بالإخوان لتنفيذ التعليمات في الوقت المناسب التي تترتب على قيام الانقلاب والمشاركة فيه بما فيهم ضباط الإخوان في الجيش لتنفيذ ما يصدر إليهم من تعليمات قيادتهم.

وعندما عاد الأخوة متأخرين عن الموعد السابق عرفوا الموعد الجديد للقاء عبد الناصر الذي حدده معه الأخ صلاح شادي يوم 21 يوليو، وحضر عبد الناصر وحده مبكرًا في هذا اليوم إلى منزل عبد القادر حلمي قبل حضور صلاح شادي، وعندما تكامل الحضور اجتمعوا بجمال عبد الناصر وشرحوا له وجهة نظر المرشد بالتفصيل، وقد صدق عبد الناصر على جميع تحفظات المرشد، وأكد قبولها، وأنه سبق الاتفاق عليها معنا، وقال إنه تأكد له اليوم أن اسمه قد عرف لدي البوليس السياسي؛ لذلك فقد اتفقوا على القيام بالانقلاب في خلال يومين على الأكثر، وأنه سيعرفنا بالموعد ساعة الصفر". (36)

أربعة وعشرون ساعة تأخرها عبد القادر حلمي ومن معه في الإسكندرية للقاء المرشد العام أخرت قيام الثورة يومًا كاملاً للاطمئنان إلى رأي المرشد

يقول اللواء جمال حماد:

"وقد كان مقدرًا أن تقوم حركة الجيش ليلة 22 يوليو 1952م، وفي آخر لحظة تأجل موعد قيامها 24 ساعة لتكون ليلة 23 يوليو، ويذكر الجميع هذه الحقيقة دون أن يحاولوا دراسة أسباب التأجيل.
وقد استلفت نظري أن بعض من كتبوا من الإخوان المسلمين ذكروا أن السر الحقيقي في التأجيل يعود إلى تأخير وصول موافقة المرشد العام من الإسكندرية على تأييد الحركة ومؤازرتها، ومن رواية صلاح شادي يتبين لنا أن عبد الناصر عندما حضر إلى لقاء صلاح شادي يوم 20 يوليو أخطره أن المندوبين الأربعة لم يحضروا بعد من الإسكندرية؛
وضرب له موعدًا جديدًا للقاء وهو يوم 21 يوليو أي بعد 24 ساعة، ومن هذه الواقعة جرى الربط بين تأجيل موعد الحركة وتأجيل موعد المقابلة للحصول على موافقة المرشد العام، وكلاهما قد تأجل لمدة 24 ساعة" (37)
وعلى ذلك فإن جمال عبد الناصر قام بتأجيل موعد الحركة يومًا كاملاً رغم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر في انتظار موافقة المرشد العام للإخوان المسلمين، وذلك يدل على عظم وأهمية دور الإخوان في إنجاح الثورة، وفشل الثورة أو تأجيلها على أقل تقدير إذا رفض الإخوان المسلمون مساندتها، ولذلك فقد "بذل جمال عبد الناصر كافة جهوده لضمان وقوف هذه القوة الشعبية إلى جانب حركة الجيش بمجرد قيامها لتؤازره في الداخل، ولتسهم إلى جانب الجيش في الدفاع عن العاصمة في حالة تفكير الإنجليز في ارتكاب حماقة التدخل". (38)
في هذه الأثناء كان عبد المنعم عبد الرؤوف قد منح إجازة ميدان من 18 يوليو إلى 26 يوليو 1952م فعاد إلى القاهرة ، وفي صباح 19 يوليو ذهب إلى منزل صديقه عبد الحكيم عامر وهو لا يعلم شيئًا عن الحركة إلا أنه لم يجد عبد الحكيم عامر بالبيت، وفي طريق عودته التقى مصادفة بالصاغ صلاح نصر رئيس جهاز المخابرات فيما بعد فقال له صلاح نصر: إلى أين ذاهب؟ ومن أين أنت قادم؟ فأجبته: إنني قادم من منزل الصاغ عبد الحكيم عامر الذي لم أجده. فقال لي: إنني ذاهب إليه لأنني على موعد سابق معه وقد ادعى المرض ليحضر إلى القاهرة لوضع الخطوط الأخيرة للحركة.
فقلت لصلاح نصر مستدرجًا كأنني أعرف معنى عبارة (وضع الخطوط الأخيرة للحركة): الحركة تحتاج إلى سرعة ودقة أكبر مما تتصور, فكيف تكون السرعة والدقة والصاغ أركان حرب عبد الحكيم يخلف الميعاد؟!
فقال صلاح نصر: إنني باعتباري قائد جناح التدريب في كتيبتي، ونقلت مع الفرقة الأولى مشاة منذ أيام من سيناء إلى القاهرة ، ومن الضباط الأحرار، فقد أعددت كل شيء لتوزيع الذخيرة على جنودي وقادم الآن لعبد الحكيم عامر لأعطيه تمام. فقلت لصلاح نصر: اذهب قبل فوات الأوان لتعطى تمامًا وأنا ذاهب للاستعداد.

وانصرفت قاصدًا المهندس حلمي عبد المجيد، والمقدم أركان حرب أبو المكارم عبد الحي المسئول عن جماعة الإخوان الضباط الذين كانت تميزهم الصفات الخلقية وظلوا على المواصفات السابقة قبل أن يضم عبد الناصر إلى تنظيمه كل من هب ودب والدكتور المهندس حسين كمال الدين عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين وأبلغتهم ما قاله لي الصاغ أركان حرب صلاح نصر، ثم عدت إلى منزلي مترقبًا ومنتظرًا أوامر مكتب الإرشاد والجيش" (39)

وعلى ذلك فقد طلب مكتب الإرشاد رسميًا وعلى عجل لقاء صلاح شادي لإبلاغه بحديث عبد المنعم عبد الرؤوف وصلاح نصر، وهم لا يعلمون الاتصالات السرية بين تلك المجموعة من الإخوان والضباط الأحرار

يقول عبد القادر حلمي:

"وفى هذه الأثناء اتصل بعض الإخوان تليفونيًا من المركز العام سائلين عن الأخ صلاح شادي، وأكدوا أهمية لقائه فاتفق معهم على الحضور في منزلي للقائهم، وتصادف وجود جمال عبد الناصر عندي بالبيت لترتيب الأدوار، وعندما عرف عبد الناصر أسماء الأشخاص الذين اتفق معهم على الحضور طلب عدم تعريفهم بوجوده وأسبابه، وقد انتقل عبد الناصر فعلاً إلى غرفة داخلية ليتمكن الأخ صلاح شادي من لقاء القادمين من الإخوان في غرفة الاستقبال، وزيادة في الاحتياط نقلت سيارة عبد الناصر من أمام المنزل إلى شارع خلفي.
وقد حضر الاجتماع الأخوة حسين كمال الدين وعبد الرحمن السندي ومعهما الضابطان عبد المنعم عبد الرؤوف وأبو المكارم عبد الحي، وكان الأستاذ صلاح قد استشار إخوانه الأربعة فيما إذا كان من المصلحة تعريفهم مما يجرى من أمور في هذا الشأن أم لا ؟
واتفقوا أنه ليس من المصلحة الآن الكشف عما يجرى من اتصالات مع هذه الجماعة ، وأن على ضباط الجيش من الإخوان تنفيذ ما يصدر إليهم من تعليمات قيادته، وقد التزم الأخ صلاح بهذا الرأي عندما قالا: إنهما باعتبارهما ضابطين في الجيش قد شعرا بتحركات للضباط الأحرار، ولما سألا الدكتور حسين كمال الدين وعبد الرحمن السندي لم يجدا عندهما معلومات بهذا الشأن، وقالا: إنهما ما جاءا إلا للاستفهام من صلاح عن هذا الموضوع، وقد انصرفا قبل انصراف عبد الناصر" (40)

أما عبد المنعم عبد الرؤوف فيقول عن هذا الاجتماع:

"وفى يوم 21/7/1952 دعيت والدكتور مهندس حسين كمال الدين والمقدم أركان حرب أبو المكارم عبد الحي سعد للذهاب إلى دار الأخ صلاح شادي الذي لم يسبق لي رؤيته من قبل أو معرفة أي شيء عنه وكل ما خرجت به من هذه الزيارة أنه استقبلنا وودعنا بحفاوة وبالنظر لوجود ضيوف عنده في غرفة ملاصقة لم نطل الزيارة (علمت فيما بعد أن الضيوف كانوا جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وآخرين)، وعلمت كذلك أنهم جاءوا يطلبون من الإخوان مؤازرتهم عند بدء الانقلاب" (41)

دور الإخوان في الثورة

صدرت التعليمات إلى أفراد الإخوان المسلمين بحماية المنشآت الحيوية والسفارات الأجنبية ودور العبادة؛ لتفويت الفرصة على أنصار الفوضى والتخريب

يقول الإمام يوسف القرضاوي:

"لقد استبشر الشعب بانقلاب هؤلاء الضباط الذين قالوا عنهم "حَمَلَة المصاحف" ، كما قالوا عنهم: إنهم تلامذة الشيخ محمد الأودن الذي زج به عبد الناصر في السجن رغم مرضه وكبر سنه بعد ذلك كما قيل: إن منهم عددًا من الإخوان.. وكان رجال الجيش يعدون الإخوان سندهم الشعبي، فلا غرو أن اعتمدوا عليهم في حراسة المنشآت، ومراقبة أي تحرك مريب.. لقد طلب منا نحن الإخوان أن نحرس المنشآت الأجنبية من احتمال تحرك أي أيد مخربة تحاول أن تصطاد في الماء العكر، والوضع حساس لا يحتمل وقوع أي حادث يكدر صفو الأمن، ويظهر وجود معارضة للانقلاب". (42)

وصدرت التعليمات لأفراد النظام الخاص بالمرابطة على طريق القاهرة السويس، والقاهرة الإسماعيلية في الزي المدني، وبالأسلحة التي يحتاجون إليها بجانب الجيش المصري؛ لإعاقة حركة الجيش البريطاني إذا فكر في التدخل العسكري على طريقة الثورة العرابية.

كما صدرت الأوامر لضباط الجيش من الإخوان بضرورة تنفيذ تعليمات قادتهم للتحرك في خدمة الثورة والمساهمة في نجاحها، ومن ذلك هذا الدور البطولي الذي سطره الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف الذي وقع على عاتقه مهمة محاصرة الملك فاروق بقصر رأس التين بالإسكندرية، وإجباره على التنازل عن العرش.

يقول عبد المنعم عبد الرؤوف:

"استدعاني قائد مجموعة اللواء السابع العقيد أحمد شوقي وسلمني قطعة من ورق النشاط كتب عليها الغرض المطلوب منى تنفيذه وكان الغرض:محاصرة قصر رأس التين, ومنع دخول وخروج أي شخص ومنع الاحتكاك.. على أن يتم ذلك قبل الساعة 730 ليوم 26 يوليو 1952م.
اتجهت بقوتي صوب قصر رأس التين وعلى يعد 300 ياردة ترجل الجميع، وجمعت ضباط والصف ضباط والجنود المعينين بدل الصف ضباط كل سرية على حدة، وقائد مدافع الماكينة وقائد تروب المدفعية وشرحت لهم خطتي لمحاصرة القصر.. وبعد تبادل بسيط لإطلاق النار استسلم اللواء عبد الله باشا النجومي ومعه أربعة من الضباط وسلموا أسلحتهم.. ثم استسلم كل من بالقصر وتوقف إطلاق النار.
توجهت إلى قصر رأس التين حوالي الساعة 1000 من نفس اليوم وقابلت حضرة صاحب جلالة الملك فاروق حيث كان مجتمعًا مع رجال الحاشية يتحدثون في الموقف وقال الملك فاروق: إنه قد وافق على التنازل رغبة في إنقاذ الموقف؛
لأنه يعتقد أن حكم البلد في صورة الأحزاب القائمة لا يأتي بخير، ولم يتمكن هو من توجيه التوجيه السليم، وأنه لو كان راغبًا في المحافظة على عرشه لقبل عرض الأسطول الإنجليزي الذي كان مرابطًا على مدخل الميناء من حوالي الساعة 600 من نفس اليوم؛ للسماح لهم بالنزول إلى الإسكندرية لحماية البلد ولكن أنا أضحى بألف عرش ولا أسمح لكلب إنجليزي أن يضع قدمه على أرض مصر ثانية.
وحوالي الساعة 1245 حضر المستشار سليمان حافظ ومعه ورقة التنازل لإمضائها من الملك.. وفى 28 من يوليو 1952 بعد نجاحي في محاصرة قصر رأس التين وتنازل الملك عدت إلى القاهرة واشتركت في محاصرة قصر عابدين". (43)

وهي شهادة في حق الملك فاروق الذي آثر التنازل عن العرش عن إراقة دماء المصريين أو الاستعانة بالإنجليز لحماية عرشه على حساب دماء المصريين وتضحياتهم، وهو درس نعيد الاستشهاد به فيما نمر به من ثورات الربيع العربي التي تراق فيها دماء الشعوب الحرة في سبيل الحفاظ على حفنة فاسدة مستبدة تأبي التخلي عن عروشها إلا بالدم، فكان الملك فاروق أكثر وطنية من أولئك الذين يتشدقون بها الآن. قتلاً وتشريدًا لشعوبهم.

وكذا قال الباحثون المنصفون الذين تناولوا بالبحث تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر، فيقول ريتشارد ميتشل:

"لولا المساندة المتحمسة من جانب الإخوان المسلمين لكان محتمًا أن تلاقي حركة محمد نجيب مصير الحكومات المصرية الستة التي سبقها في عام 1952 لقد شارك الإخوان مشاركة فعالة في انقلاب نجيب في الصيف الماضي وقسط كبير من النجاح الذي صادفه منذ ذلك الوقت يمكن أن ينسب إلى مساندتهم". (44)

وكان التأييد الرسمي من الإخوان المسلمين للثورة والضباط الأحرار بعد عودة المستشار حسن الهضيبي المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين من الإسكندرية، وذلك في بيان رسمي نشرته مجلة الدعوة في 29 يوليو 1952م،وقد جاء فيه (45):

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد.. في الوقت الذي تستقبل البلاد فيه مرحلة حاسمة من تاريخها بفضل هذه الحركة المباركة التي قام بها جيش مصر العظيم، أهيب بالإخوان المسلمين في أنحاء الوادي أن يستشعروا ما يلقي عليهم الوطن من تبعات في إقرار الأمن، وإشاعة الطمأنينة، وأخذ السبيل على الناكثين ودعاة الفتنة، ووقاية هذه النهضة الصادقة من أن تمس روعتها وجلالها بأقل أذى أو تشويه، وذلك بأن يستهدفوا على الدوام مثلهم العليا، وأن يكونوا على تمام الأهبة لمواجهة كل احتمال.

والإخوان المسلمون بطبيعة دعوتهم خير سند لهذه الحركة يظاهرونها، ويشدون أزرها حتى تبلغ مداها من الإصلاح، وتحقق للبلاد ما تصبو إليه من عزة وإسعاد.وإن حالة الأمن لتتطلب منكم بوجه خاص أعينًا ساهرة ويقظة دائمة؛ فلقد أعدتكم دعوتكم الكريمة رجالاً يُعرفون عند الشدة، ويلبون عند أول دعوة، فكونوا عند العهد بكم، والله معكم.

وستجتمع الهيئة التأسيسية في نهاية هذا الأسبوع بإذن الله لتقرر رأي الإخوان فيما يجب أن تقترن به هذه النهضة المباركة من خطوات الإصلاح الشامل ليدرك بها الوطن آماله، ويستكمل بها مجده ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج:40)، والله أكبر ولله الحمد.

المرشد العام حسن الهضيبي

وبعد نجاح الحركة اجتمع جمال عبد الناصر بالإخوان في مبنى قيادة الجيش بمنشية البكري، وأسندت الوزارة إلى علي ماهر كما اقترح الإخوان، وتشكل مجلس قيادة الثورة من رجال الصف الأول لتنظيم الضباط الأحرار.

وتتابعت بيانات التأييد من قطاعات الجماعة وتشكيلاتها المختلفة، وجاء تأييد طلبة الإخوان "يوم الخميس 7 أغسطس 1952م بمؤتمر الجامعات الذي عقد بقاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة فؤاد، وحضره آلاف الطلاب والأساتذة وضباط الجيش، فلا يُتصور أن تقوم هذه الحركة الكبرى دون أن يكون للشبيبة المثقفة والطليعة الواعية صوتٌ مسموع لتأييد الحركة وتوجيهها، وكان المؤتمر موفقًا من حيث الإعداد والتنظيم، ومن حيث المواضيع التي كانت مجال الحديث فيه.

تولى سكرتارية المؤتمر الأخ الأستاذ محمود الفوال، وافتتح المؤتمر الدكتور أحمد حسام الدين السكرتير العام لجامعة فؤاد الأول، ثم تحدث فيه الأخ جمال السنهوري مندوبًا عن طلبة السودان، ومما جاء في كلمته:

"نريد نظامًا غير النظام، ومنهاجًا غير المنهاج، ودستورًا غير الدستور.. نريد دستور السماء وشريعة الأنبياء، أما أنصاف الحلول، أما التردد في كلمة الحق فلن يقيم عثرة أو يقيم نهضة".

وتقدم بعده الأخ حسن دوح، فألقى كلمةً حماسيةً ضافيةً، جاء فيها تأييدٌ لحركة الجيش الباسل تأييدًا عمليًّا بلغة الدم والحديد، والبذل بالنفيس، وتطبيق حكم القرآن، وطالب الأستاذ حسن دوح في كلمته بالإفراج عن المسجونين، والتحقيق في قضايا الشهداء حسن البنا، وعبد القادر طه، وأحمد فؤاد، وأحمد شرف الدين.. وتحدث بعده مندوب القيادة من الضباط، وألقى كلمةً قويةً قوبلت بالاستحسان.

وانتهى المؤتمر بتلاوةِ القرارات التالية:

  1. يبعث المؤتمر بتأييده للحركة المباركة التي قام بها جيشُنا الباسل، ويحيِّي اللواء محمد نجيب، ويتمنَّى له السداد والتوفيق.
  2. يحمد المؤتمرون للمسئولين اتجاههم السليم نحو الإفراج عن الشباب الواعي الذي كان في طليعة الجيش الباسل في مقاومة الفساد، وكان جزاؤهم التعذيب والسجن مع الأشغال الشاقة، ويأملون أن يتم إطلاق سراحهم فورًا.
  3. تعبئة جميع قوى الشباب وكتائب الجامعة للحركة الوطنية والنهضة الجديدة، وفتح المعسكرات التدريبية للشباب، ونطالب بعدم تسمية الجامعات بأسماء الأشخاص، ونعلن أن اسم جامعة فؤاد من الآن هو جامعة القاهرة أو الجامعة المصرية.
  4. علن المؤتمرون إصرارَهم على إجلاء القوات الأجنبية من وادي النيل، ومقاومة أي نفوذ أو ارتباط بحلف إقليمي، كما يناصرون فلسطين في محنتها، ويتمنَّون أن تُحَل قضيتُها حلاًّ عادلاً يتفق وكرامة أهلها.
  5. محاكمة مجرمي حرب فلسطين والمرتشين ومستغلي النفوذ بما يليق بهم من جزاء.
  6. إعادة التحقيق في جميع القضايا التي شوَّهها العهد البائد وحفظها لدوافع تتعارض وأحكام القانون.
  7. يبارك المؤتمر الخطوة الموفقة في جعل قانون "من أين لك هذا؟" واقعًا مطبقًا من الآن، ويأمل أن يكون قانون محاكمة الوزراء رجعيًّا حتى يتم التطهير المنشود.
  8. إلغاء ألقاب الأمراء والنبلاء من الأسرة المالكة أسوةً بباقي الشعب.
  9. تحديد الملكية الزراعية، وفرض الضرائب التصاعدية.
  10. يطالب المؤتمر بعقد جمعية تأسيسية في أقرب فرصة لوضع دستور جديد، تُحدد فيه حقوق الأمة، ويتحقق معه التوازن بين السلطات؛ بحيث لا تطغى إحداها على الأخرى،

وتوضح فيه الأهداف الآتية:

  1. شروط الحاكم.
  2. مسئوليته.
  3. تنظيم قانون الانتخاب بما يضمن إجراءها في حرية تامة" (46)

كان هذا دور الإخوان المسلمين في حركة 23 يوليو 1952م، شاركوا في تنفيذها، وسخروا كل أفرادهم وإمكانياتهم لإنجاحها، وآثروا أن يكونوا جنودها المجهولين؛ لتفويت الفرصة على المتربصين لها من أعدائها، ثم كان لهم شأن آخر مع العسكر بعد ذلك، وليس كل ما يتمنى المرء يدركه.

الفصل الرابع:الإخوان المسلمون وثورة 25 يناير 2011

لا خلاف على أن الإخوان المسلمين لم يكونوا همْ من فجر ثورة 25 يناير، ولكن لاأحد يستطيع أن ينكر الدور الذى قامت به الجماعة لاستمرار الثورة وحمايتها من كافة معوقاتها، وكذلك لا يستطيع أحد أن ينكر أن الإخوان المسلمين هم أكثر من تعرضوا للظلم والقهر من النظام السابق، فطوال الثلاثين عاماً من حكم مبارك، والإخوان يواجهون زيادة استبداد النظام بشتى الوسائل السياسية والنضال الدستوري، يطالبون بالحرية والعدالة وتطبيق شرع الله..

وأخذ النظام في توسيع مساحة التضييق والحصار عليهم. وبدأ في حملة الاعتقالات الموسعة، وعقد المحاكمات منذ عام 1993م، وشمل ذلك حتى نهاية حكمه حوالي 30 ألف معتقل وسجين، واستشهد منهم أفراد، بالإضافة إلى آلاف الحالات من مصادرة الممتلكات والشركات، ومنع السفر إلى الخارج، ومنع التعيين في أماكن يستحقها أفراد الإخوان، والنقل التعسفي، وصور التضييق المختلفة

لكن اعتمد الإخوان في مواجهة ذلك سياسة الصمود والثبات، وعدم التراجع والاستفادة من أي أحداث أو مستجدات للتمسك بالمواقع والمنافذ وتفعيلها، واعتبار دخول الانتخابات والحراك السياسي في المجتمع إستراتيجية ثابتة لها

رغم التضحيات الضخمة من إنفاق مالي، واعتقالات لأعداد كبيرة، وإصابات لأفرادها ومؤيديها، ونتائج هزيلة نتيجة تزييف إرادة الشعب، بل حصار اجتماعي، وهجوم إعلامي لأي منفذ أو شخصية سياسية تنتمي إليها. ولم يصبح همُّ الإعلام المصري إلا تشويه صورة الإخوان.

المبحث الأول: مرحلة ماقبل الثورة

يعتقد البعض أن ثورة 25 يناير كتبت سطورها منذ هذا التاريخ فقط وأن الفضل فى ذلك يرجع إلى مجموعة الشباب الذين تحركوا لمظاهرات هذا اليوم ، ولكن هذه الثورة كانت نتيجة طبيعية لعقود من الظلم والفساد الذى مارسها نظام مبارك، ونتيجة كذلك لتحركات ومظاهرات سابقة فمسيرة الاصلاح والمطالبة به لم تتوقف طوال عهد مبارك

بل وتصاعدت بصورة كبيرة خلال العشر سنوات الأخيرة من عهده، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الإخوان المسلمين كانوا فى مقدمة هذا الحراك الشعبى والذى تمثل بمحطتين هامتين جداً وهما:

  1. مظاهرات الاصلاح عام 2005
  2. مظاهرات دعم استقلال القضاء عام 2006

وكانت هذه المظاهرات مقدمة طبيعية للحراك الشعبى الذى أثمر بثورته العظيمه فى 25 يناير 2011 وسوف نتناول هاتين المحطتين بمزيد من التفصيل

أولاً: مظاهرات الاصلاح عام 2005

شهدت مسيرة الإخوان المسلمون خلال عهد مبارك محطات رئيسية فى مسيرة المطالبة بالإصلاح السياسى، وقد كان أهم تلك المراحل على الإطلاق عام 2005 والتى أطلق عليه "عام الإصلاح" ، فكانت تحرك الإخوان ونزولهم للشارع للضغط على النظام باجراء إصلاحات سياسية وإنشاء واقع سياسى جديد يستند إلى ممارسة ديمقراطية حقيقية

فقد نظمت جماعة الإخوان المسلمين، مظاهرات مفاجئة في 8 محافظات بدون تنسيق مع أجهزة الأمن، وذلك بعد فشل مفاوضات سابقة بين الأمن والجماعة لتنظيم مظاهرة حاشدة في مصر.

وانطلقت مظاهرات الجماعة في المحافظات الثماني، وهي القاهرة (العاصمة) والإسكندرية والفيوم والشرقية والغربية وبورسعيد والبحيرة والدقهلية. وقدر عدد المشاركين فيها بما يقرب من 35 ألف متظاهر في مختلف المحافظات، فيما أكدت المصادر أن الاعتقالات لنشطاء الجماعة تخطت أكثر من 300 معتقل.

وبدا لافتاً علامات مهمة في مظاهرات الإخوان أمس أنها خرجت بشكل فردي من دون التنسيق مع أي قوى سياسية أخرى، وأنها شهدت مصادمات مع الأمن في بعض المحافظات على غير المعتاد مما أسفر عن وقوع إصابات في صفوف الجماعة .

وكانت مظاهرات الإخوان أمام مسجد الفتح بوسط ميدان رمسيس بقلب القاهرة هي الأكثر درامية. فرغم أن أعضاء الجماعة توافدوا على المسجد من الصباح الباكر تحسبا لتضييقات أمنية، إلا أن ما يقرب من 4 آلاف إخواني تمكنوا من الوصول الى موقع المظاهرة رغم إغلاق بعض الشوارع ووضع حواجز أمنية.

وكان على رأس متظاهري الإخوان عضو مكتب الإرشاد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي سبق اعتقاله في مظاهرة 27 مارس (آذار) الماضية لعدة ساعات، وزعيم كتلة الإخوان في البرلمان الدكتور محمد مرسي، والقطب البارز الدكتور عصام العريان (47)، وقد شهدت تلك المظاهرات استشهاد الشهيد طارق غنام فى أحد المظاهرات فى مدينة طلخا بمحافظة الدقهلية على أيدى رجال الأمن.

ووفقاً لأحد الأوراق التنظيمية التى تم توزيعها على المستويات التنظيمية الداخلية بخصوص هذه المظاهرات فتقول الورقة تحت عنوان "وضوح الرؤية":

(أ‌) إننا نستهدف فى هذه الأحداث من التفاعل والحركة:

  1. إعلان موقف الإخوان للإصلاح وجوانبه ووصول ذلك للجماهير بكل شرائحها وطوائفها.
  2. تحريك الجماهير بإيجابية وأن تناصرها كرأى عام.
  3. تبنى الأفراد من الصفوة والهيئات والتجمعات لمطالب الإصلاح السياسى.
  4. تحقيق بعض المكاسب للأمة.

(ج) بالنسبة لأفراد الصف لابد من:

  1. تحقيق الرؤية الواضحة والقناعة الكاملة والتفاعل الجاد فى هذا الأمر.
  2. النزول للجماهير والتأثير فيها.
  3. إبراز المزيد من رموزنا السياسية داخل المجتمع.

(د) وفى خطابنا الدعوى السياسى:

  1. نحرص على توسيع مساحة الإصلاح السياسى، وألا تقف عند حدود شكلية؛ حتى يكون ذلك خطوة على طريق الإصلاح الحقيقى.
  2. أن تتحول هذه المطالب الإصلاحية لمطالب جماهيرية، تطالب كل حاكم أن يأخذ بها ، وتجاهد الأمة لانتزاعها، فهى أمر سيستمر لفترة طويلة.
  3. تحقيق المصداقية فى خطابنا السياسى.
  4. تعديل خطابنا بحيث يتبنى مطالب الجماهير الواقعية وطموحاتها.

(هـ) ويتبلور هذا فى مطالب محددة ،هى:

  1. مواجهة تفريغ التعديل الدستورى (مادة76 بانتخاب الرئيس) من مضمونها الحقيقى.
  2. تعديل مواد الدستور التى تتيح السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية.
  3. تعديل مواد الدستور الخاصة بصلاحيات إعلان حالة الطوارئ ، ورفع حالة الطوارء وإلغائها.
  4. مواجهة صور الممارسة الظالمة ضد قوى الشعب وأبناء الحركة بالفضح الإعلامى.
  5. إتاحة مساحة أكبر للعمل الاجتماعى والسياسى داخل المجتمع.
  6. ضمان نزاهة الانتخابات ، ووجود هيئة مستقلة عن الداخلية للإشراف عليها.
  7. حرية تكوين الأحزاب وتعديل القوانين المقيدة لحرية الصحافة والنقابات والإتحادات الطلابية.
  8. فتح ملفات الفساد ونهب ثروات المجتمع.
  9. وقف انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة المسئولين عن ذلك.
  10. الإفراج عن المعتقلين السياسيين.

(و) بالنسبة للجماعة والأهداف المرحلية:

  1. نستهدف لكل الجماعة بالنسبة للمجتمع نقلة نوعية فتصبح بفضل الله الفصيل الذى يقود الأمة وتلتف حوله وتضع أملها فيه.
  2. الحصول على شرعية قانونية،إما للجماعة أو لتشكيل حزب سياسى لها (48)

كما تكشف أحد الأوراق التنظيمية رؤية الجماعة لأبعاد نزول الإخوان للشوارع عام 2005 للمطالبة بالاصلاح فتقول الورقة المعنونة بـ"الإخوان المسلمون والإصلاح السياسى فى مصر بين الإمساك بالفرصة وعدم الغياب عن المشهد (ورقة نقاشية)"

الحدث: بنزول الإخوان المسلمين إلى الشارع – رغم اعتراض الأمن المسبق- فقد وضح للجميع أن الجماعة قررت ألا تغيب عن مسرح الأحداث المتلاحقة المرتبطة بالإصلاح السياسى فى مصر.. وبالرغم من إعاقة الأمن للتجمع فى المكان الذى كان محدد للتظاهر أمام مجلس الشعب..

إلا أن كوادر الجماعة تمكنوا من القيام بمظاهرات منضبطة فى أماكن أخرى بالعاصمة دون أن ترهبهم الحشود الأمنية المكثفة ودون الإلتفات إلى القبض على العض منهم فى الليلة السابقة، وقد جاء هذا التحرك بآثار ايجابية واسعة خاصة مع التغطية الإعلامية الواسعة التى صاحبته ، كما ضاعف من أصداء المظاهرة أنها تمثل قفزة ضخمة فى حجم المشاركين بالقياس لأية تظاهرة تمت خلال الفترة الأخيرة بشأن الإصلاح السياسى.

موقف النظام

اعتبر النظام أن الجماعة قد تجاوزت الخط الأحمر المحدد من قبله بالنزول إلى الشارع رغم عدم موافقته وعليه فقد قام بالقبض على عدد من كوادرها ليلة الأحد- الجانب الأغلب منهم من الأقاليم- ثم قام بانتشار أمنى مكثف للغاية بمنطقة وسط القاهرة أعاقت الوصول إلى مجلس الشعب وأن أمكن التجمع فى أماكن أخرى ولم يبال الأمن بما أدى اليه انتشاره المكثف من شل حركة المواطنين والعاملين بهذه المنطقة الحيوية

وقد أصدرت الداخلية بياناً أشارت فيه إلى أن التظاهر هو حق مكفول للكيانات السياسية الشرعية ووفقاً للضوابط التى حددتها الوزارة، وكان رد فعل الآله الإعلامية الحكومية فاتراً ومرتبكاً فقد تم تجاهل ذكر الجماعة بإعتبارها الجماعة المنظمة كما تم التركيز على المشاكل المرورية التى ترتبت على محاولة التظاهر مما أعاق قضاء المواطنين لمصالحهم.

وقد أرجع المراقبون إعاقة النظام لقيام المظاهرة فى موقعها المحدد والمغالاة الشديدة فى الاجراءات الأمنية إلى مايلى:

  1. نجاح الإخوان فى الحشد فى مناسبات سابقة مثل مظاهرة الإستاد المليونية وجنازات المرشدين الراحلين مما أثار خشية الأمن حتى بعد إخطار أن الحشد سيكون رمزياً.
  2. تواتر نجاح سيناريوهات المظاهرات الجماهيرية فى إسقاط نظم الحكم المتسلطة بداية بإيران ومروراً بدول أوروبا الشرقية وأخيراً ماحدث فى أوكرانيا وقرغزيا، وقد انعكس ذلك على قلق أمنى من احتمالات خروج سيناريو الاحتجاج من جانب الجماعة عن المعلن وتطور الأمر إلى صدام أو فوضى يصعب السيطرة عليها.
  3. إعلان أمريكا عن قبولها الضمنى لوصول الإسلاميين للحكم وعدم خشيتها من هذه "الفزاعة" واستمرار ضغوطها على أنظمة الحكم فى مصر والدول العربية تحت دعوى التغيير الديمقراطى.

موقف جماعة الإخوان المسلمين

كان أوضح تعبير عن حدود ماتستهدفه جماعة الإخوان المسلمين من نزولها إلى الشارع هو ماصرح به الدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام فى 28/3 من " أن تظاهرة يوم الأحد كان الهدف منها إسماع صوت الحركة" وتابع " لم يكن من الممكن أن نقصر فى التعبير عن رؤيتنا فى قضية من أخطر القضايا المطروحة وهى التعديل الدستورى والإصلاح السياسى خاصة ونحن نمر بمرحلة مهمة فى تاريخ مصر السياسى".

وفى هذا الإطار فقد تتابعت فاعليات حركة الجماعة خاصة مع الدفعة التى أثمرها النزول إلى الشارع داخل صفوف الجماعة فتتالى عقد المؤتمرات بالنقابات ونوادى هيئات التدريس والخروج بمسيرات طلابية داخل أسوار الجامعات تطالب بالإصلاح السياسى بمعناه الواسع، كما تقدم نواب الإخوان برؤية الجماعة بشأن تعديل المادة 76 من الدستور.

تقييم موقف الجماعة فى ظل استهداف عدم الغياب عن المشهد:

فى هذا الإطار فقد كفل نزول الجماعة إلى الشارع فى مظاهرة 27/3 واعتقال بعض كوادرها أن سجل لها التاريخ حضورها القوى على مسرح الأحداث التى ماكان لمثلها أن يغيب عنه فى مثل هذه القضية المحورية، قضية الإصلاح السياسى، ومن المتوقع أن تلقى هذه البداية القوية بزخمها على باقى أنشطة الجماعة المتوقعة حتى تاريخ إقرار مجلس الشعب لصيغة التعديل فى 9 مايو قبل الاستفتاء عليها، ولاشك أن التجربة بكاملها سيكون لها ظلالها الايجابية على مسيرة الجماعة خلال المراحل المقبلة. (49)

ثانياً:مظاهرات دعم القضاة

شهد عام 2006 أحد المحطات الهامة الأخرى فى المطالبة بالاصلاح السياسى وهى مظاهرات دعم استقلال القضاة، فكانت أزمة قانون السلطة القضائية والتي نشبت في عام 2006 أهم المحطات الفاصلة في المواجهة بين القضاة والحكومة المصرية منذ مذبحة القضاة وكان للإخوان المسلمين ونوابهم دور كبير في دعم مطالب القضاة برفض قانون السلطة القضائية المقدم من الحكومة والذي أقرته أغلبية الحزب الوطني في المجلس

والذي اعتبره نادى القضاة أو التيار الاستقلال داخل النادي خطوة خطيرة تهدد مستقبل القضاء وحريته وتفرض عليه المزيد من تغول السلطة التنفيذية، وكان تعامل النظام المصري مع المظاهرات التي خرجت مؤيدة للقضاة تعامل عنيف جداً حيث تم الاعتداء بالضرب والسحل على المتظاهرين واعتقال ما يزيد عن الألفين كان كلهم أو معظمهم من الإخوان المسلمين وسنتناول هنا تلك المواقف من خلال رصد لبعض الصحف والمواقع التي تناولت تلك الأحداث وخاصة موقف كتلة نواب الإخوان في تلك الفترة .

نشرت جريدة المصري اليوم تحت عنوان ("إخوان البرلمان" بدأوا معركة قانون الطوارئ واستقلال القضاء) فيقول الخبر :

قدم نواب الإخوان المسلمين، مذكرتين إلي د. فتحي سرور رئيس مجلس الشعب، الأولي تقترح عقد جلسات استماع قبل مناقشة قانون السلطة القضائية، والثانية تطالب بعدم مد قانون الطوارئ، خاصة أن القانون الحالي تم تجديده في ٢٣ فبراير 2003.

وكشف حسين إبراهيم نائب رئيس كتلة نواب الإخوان المسلمين، في المذكرة الأولي، أن قانون السلطة القضائية من القوانين التي تهم ويتأثر بها كل أفراد المجتمع، خاصة أن هناك جدلاً في وسائل الإعلام حول مشروع القانون، الذي أعده نادي القضاة، ومشروع القانون، الذي انتهت الحكومة من إعداده، لذا اقترح تكليف لجنة الاقتراحات بالمجلس بعقد جلسات استماع قبل مناقشة مشروع الحكومة، يدعي إليها نادي القضاة وأساتذة القانون ورجال القضاء المتخصصون، وبعض مؤسسات المجتمع المدني، علي غرار جلسات الاستماع التي حدثت قبل ذلك بالمجلس. (50)

كما نشر "موقع إخوان اون لاين" خبر يؤكد تبنى كتلة الإخوان بالبرلمان لمشروع جديد للسلطة القضائية أعده نادى القضاة والذي كان يسيطر عليه في ذلك الوقت تيار الاستقلال برئاسة المستشار زكريا عبد العزيز والمستشار أحمد مكي وكان هذا القانون المقدم والذي تبنته كتلة الإخوان يتعارض مع القانون المقدم من الحكومة والتي اعترض عليه نادى القضاة وكذلك اعترضت عليه الجماعة

ويقول الخبر:

تقدم صبحي صالح - عضو الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان المسلمين بالبرلمان المصري وعضو مجلس نقابة المحامين - بمشروع جديد للسلطة القضائية إلى البرلمان بديلاً عن القانون الحالي الذي يؤكد القضاة ضرورة تعديله لتحقيق استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية؛
حتى يتمكن القضاة من أداء دورهم دون تدخلات أو ضغوط من جانب المسئولين في السلطة التنفيذية؛ حيث يتبع القضاة حاليًا وزارة العدل في كافة شئونهم.. الأمر الذي يتيح للوزير نقل أو ندب أي قاض دون أن يملك حق الاعتراض. (51)

كما قدَّم النواب د. محمد سعد الكتاتني، حسين محمد إبراهيم ، ود. حمدي حسن، وسعد الحسيني، ود. محمد البلتاجي، ود. أكرم الشاعر اقتراحًا بمشروع قانون لتعديل السلطة القضائية الذي أعده نادي القضاة، وقال النواب إنه إيمانًا بدورهم كنواب للأمة بضرورة القيام بما ينهض بها في جميع المجالات ولقناعتهم بضرورة تحقيق الاستقلال الكامل للسلطة القضائية بما يجعلها تؤدي واجباتِها دون أي تدخل من أيةِ جهة كانت ضمانًا للعدالة التي هي أساس للملك وبدونها تضيع الحقوق وتُهدر الواجبات وتشيع الفوضى..

فإنهم يتبنون مشروعَ القانون الذي درسه وارتضاه نادي القضاة، وهو الممثل الحقيقي لقضاة مصر، وأسموه "مشروع قضاة مصر" وذلك لدراسته وإقراره من قِبَل المجلس للوصول إلي الهدف المنشود، وهو استقلال القضاء، وطالبوا بعرضه على اللجنة المختصة في أقرب وقت (52)

ويورد د. محمد عبدالرحمن "عضو مكتب الإرشاد" فى أحد مقالاته بعض ماقام به الإخوان ماقبل الثورة فيقول:

نزل الإخوان المسلمون بثقلهم إلى الشارع طوال عشرين سنة سابقة، وقبل أي قوة سياسية أو شعبية وبحجم كبير، وتبنوا كل قضايا الأمة من رفع حالة الطوارئ، والمطالبة بالحريات، ورفع القبضة الأمنية، ورفض تزييف إرادة الأمة.. إلخ، بالإضافة إلى القضايا القومية الخاصة بقضية فلسطين، أو ما تتعرض له البلاد العربية من عدوان.
لكن مساحة التفاعل الجماهيري ونزولها معهم كانت ضعيفة؛ نتيجة لوجود حاجز الخوف عندهم. ولم يثن هذا الإخوان عن ذلك، فكان صبرًا جميلاً، ولم يفقدوا الأمل في الشعب، فواصلوا الأداء نفسه مع ما تكبدوه من اعتقالات وتضحيات وشهداء في التعذيب، أو على أيدي قوات الأمن.. وكانت حركتهم مع الشباب وطلاب الجامعات كبيرة، فلم تخلُ سنة من مظاهرات عارمة داخل الجامعات، رغم قرارات الفصل والإحالة للتحقيق، ومنع أي انتخابات طلابية حرة.

ويضيف د محمد عبدالرحمن فيقول:

في خطة الإخوان المرحلية (20042008م)، كان من أهداف الخطة في المحور السياسي، تفعيل الشارع والتعاون مع كل القوى السياسية والوطنية؛ لتوسيع مساحة الحريات، وتقديم مبادرات الإصلاح. وكانت مظاهرات الإصلاح في أوائل مايو 2005، والتي نزل فيها أكثر من مائة ألف من الإخوان في جميع محافظات مصر، واعتقل على أثرها منهم ثلاثة آلاف في أسبوع واحد، وكذلك نزولهم بالآلاف في القاهرة دفاعًا عن قضاة مصر، وتم القبض فيها على ثلاثة من أعضاء مكتب الإرشاد من الشارع.

في خطة مرحلة (20082011م) تم وضع أهداف منها: تبني ريادة الحراك السياسي المطالب بالإصلاح والحريات، وتفعيل المطالب الفئوية، ومد جسور التعاون مع كل الحركات الوطنية.وفي بداية عام 2010م تم إضافة تفعيل وسائل الضغط على النظام، واستخدام وسائل أعلى في الضغط عليه؛ لمنع صور الاستبداد التي يمارسها.

وفي انتخابات 2010م كان الإخوان يعلمون نية النظام بالتزوير الفاضح؛ لكنهم أرادوا كشفه بها.. أصدر الإخوان أوامرهم بارتفاع سقف مواجهة النظام باعتصامات ومظاهرات حاشدة عقب التزوير، لكن لم يكن التنفيذ على المستوى المطلوب؛ بسبب القبضة الأمنية، وخوف الناس وإرهاقهم مما حدث في الانتخابات.

كل هذا التاريخ وأحداثه، كان يرسخ عند الجماهير صورًا ومعاني معينة داخلها دون أن تظهر في الحال ثمارها.. لكن الإخوان لم يفقدوا الأمل في يوم من الأيام.. كان الإخوان غير بعيدين عن الدعوة إلى الخامس والعشرين من يناير، بل كانوا في قلب الأمر منذ بدايته، لكن دون ظهور أو ضجيج.

وأيضًا نشير إلى أن تفعيل الدعوة بين الشباب لهذا الأمر تولى صلبها الأساسي إحدى وحدات الإخوان المسلمين، وكانت بدايتها في 2005م؛ حيث شكل الإخوان من الشباب في محافظة الدقهلية وحدة إعلامية على الفضاء الإلكتروني لا تعلن هويتها الإخوانية، تتولى رصد حركة الانتخابات بصورة محايدة، وتتواصل مع الإعلام بصورة فَعَّالة. ونجحت في ذلك بدرجة كبيرة، فتم تطويرها، ودعمها بأن أصبحت وحدة مركزية تابعة لقسم الطلبة، وتتحرك مركزيًا بالإطار نفسه الذي وُضع لها.

ثم في عام 2010 ظهرت مجموعة جديدة من شباب الإخوان والنشطاء المستقلين على الانترنت وكونوا فريق عمل سمي بــ (مجموعة رصد) وكان لها دور جيد في تغطية انتخابات 2010م، من خلال التواصل مع المجموعات الإخوانية الناشطة في المحافظات في هذا المجال، وهذه الوحدة شاركت في تفعيل الدعوة إلى الخامس والعشرين من يناير بدرجة جيدة، بلغت التواصل مع ربع مليون فرد.

وكان التوجيه لأفراد الإخوان إنشاء كيانات مختلفة وتشكيلها مع القوى الوطنية والسياسية؛ لتحقيق مطالب الشعب بشأن الحريات. فالإخوان– دون إعلان– كانوا شركاء أصليين في هذا الحراك والدعوة إليه. أما ما حدث في الخامس والعشرين من يناير فكان مفاجأة للجميع، ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه صاحبه، أو أنه خطط له. نعم شارك فيه الإخوان، وشارك فيه جميع فئات الشعب، لكن الحدث نفسه وتصوره وتوقعه كان مفاجأة!!. (53)

وفي يوم الأربعاء 19 يناير – قبل الثورة – أصدر الإخوان بيانًا هامًا لهم، به مطالب عشر للإصلاح تعبر عن مطالب الشعب، والتي نادى بها في ثورته المباركة

ومما جاء فى هذا البيان:

أولاً: إلغاء حالة الطوارئ المفروضة على المصريين منذ ثلاثين عامًا، خاصةً أنها لم تحقق الأمن ولم تمنع الجريمة طوال هذه السنين.
ثانيًا: حل مجلس الشعب المُزوَّر بإصدار قرارٍ جمهوري من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة لتكوين مجلس جديد يُعبِّر عن إرادة الأمة ويحقق آمال وطموحات المصريين وتحت إشرافٍ قضائي كامل.
ثالثًا: إجراء تعديلات دستورية لازمة وسريعة للمواد 5، 76، 77، 88، 179 لضمان حرية الترشح وديمقراطية الاختيار في الانتخابات الرئاسية القادمة تحت الإشراف القضائي الكامل، وإلغاء التعارض الدستوري وتحقيق التوافق مع ثوابت وتاريخ وثقافة وحضارة هذا البلد العظيم.
رابعًا: العمل السريع والفعَّال على حلِّ مشكلات المواطنين الحرجة كبدايةٍ لمسيرة إصلاح اقتصادي حقيقي يحقق العدالة الاجتماعية بتوفير السلع الضرورية والدواء، خاصةً إصلاح منظومة التعليم والصحة مع إمكانية توفر الموازنات اللازمة لذلك عبر:
  1. فوائض الصناديق الخاصة التي تبلغ ميزانيتها أكثر من 1200 مليار جنيه ويتحكم فيها الفساد.
  2. مخصصات الوزراء وكبار رجال الدولة التي تعدُّ بالمليارات وبيع ما لم يستخدم فيها بالمزاد العلني لصالح الشعب.
  3. وقف ضخ الغاز والبترول المصدر للصهاينة، وإعادة النظر في سعره وتصديره إلى دولٍ أخرى.
  4. إعادة النظر في أسعار الأراضي التي تم تخصيصها لبعض رجال الأعمال وللفاسدين وسدنة النظام، وهذه تُقدَّر بمئات المليارات، وبيع ما لم يستخدم منها بالمزاد العلني لصالح الشعب.
خامسًا: إعادة النظر وفورًا في السياسة الخارجية المصرية، وخاصةً بالنسبة للصهاينة، وضرورة قطع العلاقات معهم، مع دعم الجهاد الفلسطيني، وعلى رأسه المقاومة الباسلة لتحرير أرض فلسطين أرض العروبة والإسلام، وإقامة الدولة الفلسطينية عليها وعاصمتها القدس.
سادسًا: الإفراج والعفو العام عن جميع المعتقلين السياسيين، وعن كل الذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن من محاكم استثنائية غير مختصة بمحاكمة المدنيين كمحاكم أمن الدولة أو المحاكم العسكرية.
سابعًا: الاستجابة الفورية للمطالب الفئوية التي أعلنها ويطالب بها أصحابها منذ سنوات طويلة.
ثامنًا: حرية تكوين الأحزاب السياسية بمجرد الإخطار، وإلغاء القيود على إصدار الصحف، وعلى كل وسائل الإعلام.
تاسعًا: محاكمة المفسدين الذين تضخمت ثرواتهم بصورة غير طبيعية خلال السنوات الماضية.
عاشرًا: إعادة الحيوية إلى المجتمع الأهلي المصري، وإلغاء تدخل الجهات الأمنية في كل الشئون الداخلية في الجامعات والمدارس والنقابات والأوقاف والجمعيات الأهلية والمنظمات الحقوقية. (54)

وفي يومي الخميس والسبت 20، 22 يناير، وبعد الدعوة للمظاهرات، قامت أمن الدولة باستدعاء مسئولي المحافظات من الإخوان؛ لتهديدهم بالاعتقال، بل القتل، وإنذارهم بعدم نزول الإخوان إلى الشارع، وأن هذا خطٌ أحمر، وردَّ جميع المسئولين برفض هذا التهديد، وأصدر الإخوان بيانًا في يوم الأحد 23 يناير يرفض هذا التهديد، ويطالب بالإصلاح، ويؤكد على المطالب العشرة في بيان 19 يناير

ومما جاء فى هذا البيان:

إن الإخوان المسلمين وهم يتابعون ما يجرى على الساحة الدولية والإقليمية والداخلية وعلى إثر أحداث تونس،ورغبة فى الحفاظ على أمن الوطن واستقراره وعلى أرواح المواطنين وممتلكات الشعب ومكانة مصر،قد أصدروا بيانا واضحا بمتطلبات وطلبات الإصلاح الحقيقى السياسى والاجتماعى والاقتصادى وكيفية تحقيق احترام حقوق الشعب ومحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين .وهذه هى المطالب الوطنية التى تكفل تحقيق الحريات والاستقرار والأمن لمنع الفوضى التى يحذر منها الجميع.
وفوجئنا برد فعل متعجل يخلو من الحكمة والكياسة وينبئ عن الإصرار على بقاء النظام فى ذات الموقع الذى يدعم الاستبداد والفساد وإرهاب الدولة،وذلك باستدعاء مسئولى الإخوان المسلمين بالمحافظات وتهديدهم بالبطش والاعتقال والمواجهة العنيفة وربما الدامية فى حالة النزول إلى الشارع لإعلان هذه المطالب الشعبية.
وإزاء هذا فإننا نعلن رفضنا للتهديدات، والإرهاب،ونؤكد على أن ملف الجماعة ملف سياسى ولا ينبغى أن يكون بيد الأمن،فإن كان هناك من يريد أن يتحاور مع الأمة ونحن من نسيجها وموجودون ومنتشرون ومتجذرون فيها لبحث وسائل الإصلاح ومنهج التغيير لكى نخرج جميعا من الأزمة والمأزق الذى يعيش فيه الناس والوطن،فنحن على أتم استعداد لذلك، بل ندعو لحوار وطنى شامل لكل القوى والاتجاهات والأحزاب والحركات السياسية والممثلين لكل فئات الشعب .
ولا يتصور عاقل أن أسلوب التهديد والوعيد يمكن أن يخيفنا، لأننا نعمل لله من أجل تحقيق مصلحة الأمة، ومن يعمل لله لا يخيفه شئ، لأنه يخاف الله وحده (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
ونؤكد أن الواجب على المسئولين الآن التعامل مع الاحتقان الشعبى النابع من الفساد والاستبداد بالحكمة المطلوبة وهى الاستجابة لمطالب الأمة والبدء فى تطبيقها فورا،بدلا من إحالة كل الملفات الهامة فى المجتمع إلى الجهات الأمنية التى لا تتعامل إلا بمنهج التهديد والوعيد والاعتقال والتعذيب والسجن بل والقتل، الأمر الذى لا يعالج قضية ولا يحقق عدلا ولا استقرارا،بل ويثير كل طوائف الشعب ويكرس كراهية الأمن والنظام فى نفوس الجميع .
هذا هو موقفنا ونداؤنا إلى الأمة بأسرها ويد بيد وساعد بساعد نبنى المستقبل العادل الآمن لهذا الوطن ولو كره المفسدون،ولن نكون أبدا إلا وسط الشعب، نشاركه همومه وآماله ونعمل من أجل تحقيق حريته وكرامته،ونسعى معه فى كل الأنشطة التى تقرب ساعة الحرية،وإن غدا لناظره قريب (55)

وهذه الشواهد كلها تدل على أن الإخوان كانوا محرك أساسى للثورة وليس كما يدعى البعض أن الإخوان ركبوا الثورة، بل كانوا عنصراً أساسياً فى حمايتها واستمرارها وهو ماسنوضحه بالمواقف والشهادات المختلفة.

المبحث الثانى:الإخوان ويوميات الثورة

دعت صفحة "كلنا خالد سعيد" للتظاهر أمام وزارة الداخلية 25 يناير الذى يوافق احتفالات عيد الشرطة كرد فعل على تجاوزات وزارة الداخلية ومن المؤكد أن مطالب الشباب والمتظاهرين خلال دعوات التظاهر كانت تهدف بصورة أساسية إلى إصلاح وزارة الداخلية وإلغاء مجلس الشعب "المزور" وليس كما تطورت الأهداف والمطالب فيما بعد

وبعيداً عن أن أحد أدمن صفحة "كلنا خالد سعيد" كان من شباب الإخوان وهو الشاب "عبدالرحمن منصور" فإن الإخوان اتخذوا بعض الإجراءات للمشاركة فى هذه التظاهرات ووفقاً لرؤية الإخوان ففي يوم السبت 22 يناير، اتخذ مكتب الإرشاد في اجتماع خاص (بأحد الشقق غير المتابعة أمنيًا) قرار المشاركة في وقفتين يوم 25 يناير، واحدة عند دار القضاء العالي بالرموز السياسية، والأخرى مشاركة شباب الإخوان في وقفة عند الداخلية يوم 25 يناير؛ حيث كانت الدعوة خاصة بالشباب.

كما أعلن الدكتور محمد البلتاجي، القيادى فى الجماعة ، يوم 22 يناير عن مشاركة الإخوان وشبابهم فى مظاهرات 25 يناير، وهو نفس ما أعلنه الدكتور عصام العريان - عضو مكتب الإرشاد - وقتها عن مشاركة جماعة الإخوان المسلمين فى وقفات ومظاهرات 25 يناير.

وفى 25 يناير، شارك شباب الإخوان فى المظاهرات فى كل محافظات مصر كما شارك أكثر من 160 من رموز الإخوان بالقاهرة فى الوقفة التى بدأت أمام دار القضاء العالى قبل الانطلاق للميدان ولعل صورة محمد عبد القدوس - وكيل نقابة الصحفيين والقيادى الإخوانى - وسحله أمام دار القضاء العالى على أيدى عساكر الأمن والمخبرين خير دليل على مشاركة الإخوان فى الثورة منذ بدايتها، فضلاً عن اعتقال حوالى 149 من شباب الإخوان ضمن الاعتقالات التى شنها الأمن المركزى على الشباب المتظاهرين.

ويوم الأربعاء 26 يناير اتخذ مكتب الإرشاد قرارًا تاريخيًّا ، كان القرار أن يكون ذلك بداية الثورة والانتفاضة الشعبية، وأن يتم دعمها بكل الطرق، وأن نعمل على استمرار هذا الزخم، وذلك التحرك الجماهيري؛ حتى تتحقق الأهداف كاملة، ولو استمر ذلك عدة أشهر.. وأن الأمر يحتاج إلى دعوة لحشد كبير يوم الجمعة 28 يناير في التحرير والمحافظات ليستمر بعد ذلك.

وسلك الإخوان طريقين لإخراج هذه الدعوة؛ بحيث لا تنسب إليهم مباشرة، اتصلوا بالجمعية الوطنية – وهم أعضاء فيها – لتصدر بيانًا تتبنى هذه الدعوة، وكذلك تم تحريك مجموعة "رصد" ؛ لتولي تفعيل هذه الدعوة مع الشباب على الفضاء الإلكتروني، وإعطاء التعليمات للمحافظات بالاهتمام بالحشد وتحريك الجماهير في هذا اليوم.

تم إبلاغ جميع مسئولي المحافظات يوم الأربعاء 26 يناير مساءً – في لقاء طارئ مع المشرفين عليهم – بخطة التحرك وأهدافها، وأن يعدوا أنفسهم لحراك طويل، وتوضيح الضوابط التي تحكمه، وتم تقسيم أعضاء المكتب الإداري بكل محافظة إلى قسمين: جزء يتواجد في ميدان التحرير بصورة مستمرة مع الحشد الذي يتوجه من المحافظة، وجزء آخر يبقى في المحافظة لإدارة الحراك داخلها، وترتيب المظاهرات، وأن يتم توزيع الجهد بطريقة متوازنة بين دعم ميدان التحرير بالآلاف، وبين الحشد المطلوب في المحافظات.

فى هذا اليوم قام مكتب الإرشاد بوضع 12 قاعدة حاكمة لحركة أفراد الجماعة بهذا الشأن، وتم إبلاغها لجميع المكاتب الإدارية ووضع آليات محددة للتنفيذ

وهى تشمل النقاط التالية:

  1. أهمية دعم واستمرار التظاهر الشعبي، ومنع أى محاولة لإضعافه أو إحباط الجماهير أو القضاء عليهم.
  2. أهمية رمزية ميدان التحرير، وأن تسهم المحافظات فى دعمه بالحشود والاعتصام.
  3. أهمية العمل فى المحافظات وتحريك المظاهرات الضخمة على التوازى مع ميدان التحرير، وبالتالى تم تقسيم الأفراد وأعضاء المكاتب الإدارية للتواجد فى كلا المجالين: (التحرير - المحافظة).
  4. اتباع آلية اللامركزية لجميع الأفراد فى الحركة والتصرف السريع، وشحن الجماهير والتواصل مع الشرائح كافة، والتغطية الإعلامية فى إطار السياسة العامة التى تم اعتمادها.
  5. أهمية المحافظة على سلمية الثورة وعلى سلامة المنشآت وعلى حفظ الأمن بتشكيل لجان شعبية.
  6. عدم ظهور رموز الإخوان المعروفين، والاكتفاء بمن كانوا أصلا فى الشارع وفى الحراك السياسي، وعدم رفع شعارات الإخوان أو توزيع بيانات الجماعة ، حتى لا يستغل النظام ذلك فى تشويه ثورة الشعب وادعاء أنها صراع بين الإخوان والنظام.
  7. التركيز على المطالب العامة للثورة، وعدم فتح مطالب أو خلافات فرعية، والحرص على الوحدة والتعاون مع جميع التيارات والقوى السياسية، وعدم الرد على من يحاول أن يهاجم الإخوان.
  8. القيام بالدعم اللوجستى الفعال للمعتصمين والمتظاهرين.
  9. طول النفس والحرص على استمرار الثورة والذى قد يدوم شهورًا عدة، وعدم الوقوف لمجرد وعد أو إنجاز جزئي؛ فلا بديل عن إسقاط النظام.
  10. التواصل الفعال مع جماهير الشعب التى لم تنزل للميادين لتوضيح الرؤية وللرد على أكاذيب الإعلام وطمأنة الخائفين.
  11. توطين النفس على الصبر وأنه ستكون هناك تضحيات، ووضوح الرؤية لجميع أفراد الصف (إخوة وأخوات) وأن هذه مرحلة تحول فى حياة الأمة وتاريخ الدعوة.
  12. اللجوء لله -عز وجل- واستغفاره والدعاء والتضرع إليه. كما كان قرار المكتب هو استمرار انعقاده بشكل دائم ليلا ونهارًا طوال الثورة. (56)

وبالنسبة إلى ميدان التحرير، فقد نظم الإخوان بسرعة وحدات الخدمات اللازمة من الإعاشة والمستشفى الميداني، والجهاز الإعلامي من منصات وساوندات، ووحدات للحراسة والسيطرة على مداخل الميدان.. إلخ، وذلك بالتعاون مع العناصر المناسبة من الجماهير المحتشدة.

في الوقت نفسه استمر انعقاد مكتب الإرشاد بصورة مستمرة في غير مكانه التقليدي، متجنبًا محاولة إعاقة حركة أفراده من قِبل الأمن، وكذلك تعرض مقر مكتب الإرشاد في المنيل لهجوم كان وراءه الأمن.

أما فى فجر 27 يناير، فكان رد الداخلية والنظام القمعى للمخلوع باعتقال نصف مكتب الإرشاد و34 من قيادات الإخوان، بناءً على مشاركة الإخوان فى المظاهرات منهم د. محمد مرسي رئيس الجمهورية الحالى، ود. محمود عزت ود. عصام العريان، ولم يخرجوا إلا يوم 31 يناير بعد حادثة فتح السجون وخروج البلطجية والمجرمين.

الإخوان وجمعة الغضب

مثل يوم 28 يناير محطة هامة من محطات الثورة المصرية فكان هذا اليوم هو البداية الحقيقية للثورة المصرية والتى ارتفعت فيها مطالب الثورة من الاصلاح إلى إسقاط النظام وكان الإخوان من أهم القوى الداعمة والمحركة لتلك التظاهرات والتى أطلق عليها "جمعة الغضب" ، عقب انتهاء صلاة الجمعة (يوم 28 من يناير) مباشرة، كانت ثورة الغضب قد امتدت إلى معظم أحياء القاهرة والمحافظات، وسط اشتباكات عنيفة بين الأمن والمتظاهرين فى عشرات المدن

وقد تدفق المتظاهرون فى الشوارع والميادين بصورة غير مسبوقة، بدأت بعدها قوات الأمن فى التراجع فى العديد من تلك المدن، وكانت مدينة السويس هى الأكثر سخونة تليها الإسكندرية التى سقطت مبكرًا فى أيدى الثوار. أما فى القاهرة فلم يكن الأمر يختلف كثيرًا عما جرى فى السويس والإسكندرية؛

إذ تغلب الثوار على جحافل الأمن فى جميع ميادين العاصمة، بعد وقوع العديد من الشهداء والمصابين، وسرعان ما بدأت تلك الملايين الثائرة تتدفق إلى ميدان التحرير.

بدء الاعتصام بالتحرير وانعقاد دائم لمكتب الإرشاد:

دخلت الحشود الهائلة ميدان التحرير وبدأت الاعتصام فيه، بعد سقوط مئات الضحايا من الشهداء وآلاف المصابين، كان بينهم حوالى عشرين شهيدًا من الجماعة ، منهم ستة من القاهرة وحدها(57)، وأكثر من مائتى مصاب، وأكثر من أربعمائة معتقل تعرضت غالبيتهم للتعذيب، بعدما نقلوا إما إلى السجن الحربى أو المتحف المصري، أو إلى شقق أمنية قريبة من ميدان التحرير.

واستمر انعقاد مكتب الإرشاد بصورة دائمة، فى غير مكانه التقليدي، تجنبًا للاصطدام بالأمن ومنع عقده، خصوصًا بعد الاعتداء على مقر المكتب بمنطقة المنيل من جانب أشخاص تابعين لجهاز أمن الدولة.. وقد شكل المكتب لجنة لإدارة الأزمة، داخلها ثلاث لجان: لجنة معنية بميدان التحرير، وأخرى معنية بالإعلام، وثالثة معنية بالتواصل مع القوى الفاعلة، خصوصًا شباب الثورة (58)، وقد أوكلت مهمة اللجنة الرئيسة إلى الدكتور محمد علي بشر، عضو مكتب الإرشاد، الذى تولى المهمة باعتباره مشرفًا على قطاع القاهرة الكبرى بعد اعتقال الدكتور محمد مرسي فجر يوم جمعة الغضب (28 من يناير) الذى كان يتولى هذه المسئولية.

ويحكى الدكتور أسامة ياسين أنه تطورت الأمور بشكل سريع فيما بعد، فتم تشكيل غرفة عمليات دائمة تضم مسئولى مناطق القاهرة الكبرى ونوابهم، كان مقرها منطقة عابدين القريبة من ميدان التحرير، فى مكتب الأستاذ جمال حنفى (المحامي). كان الهدف الرئيسى للغرفة هو التواصل مع أعضاء مكتب الإرشاد فى القرارات، وكان من أول القرارات المهمة فى هذا الشأن: دعم المبيت فى الميدان بحيث لا يقل عدد المتواجدين فيه عن 30 ألف شخص، التواصل مع إخوان المحافظات لدعم ميدان التحرير من ناحية، ومن ناحية ثانية تنظيم فاعليات متقطعة فى محافظاتهم لتخفيف الضغط عن المحافظات الثلاث المشتعلة: القاهرة ، الإسكندرية، السويس (59).

وقد أصدر الإخوان بيانًا يوم السبت (29 من يناير) أكدوا فيه استمرارهم فى الثورة على نظام مبارك، وأكدوا أيضًا أن ما وقع من تخريب على بعض الممتلكات، العامة والخاصة، هو من صنيعة شركاء الجهاز الأمنى من البلطجية الذين سبق أن استعان بهم الأمن فى قمع الشعب وتزوير إرادته فى الانتخابات، وأعلنوا أنهم مصرون على تحقيق مطالب الشعب الأساسية وهي: إلغاء حالة الطوارئ فورًا، حل مجلسى الشعب والشورى المزورين، الإفراج الفورى عن جميع المسجونين والمعتقلين السياسيين، الإعلان عن حكومة وطنية انتقالية من غير الحزب الوطني، تشكيل لجنة وطنية للتحقيق وتقصى الحقائق فى وقائع استخدام العنف والقتل غير المبرر ضد المتظاهرين. (60)

كانت مظاهرات الغضب التى تقدر أعدادها بعشرات الآلاف لا تزال متواصلة فى المحافظات، للمطالبة بإسقاط النظام والإصلاح السياسي، وحاصر المتظاهرون فى الأقاليم مقار للهيئات الحكومية وأشعلوا النيران فى مقار الحزب الوطنى وأقسام الشرطة، فيما تواصلت أعمال السلب والنهب. وفى هذا اليوم (السبت 29 من يناير) قرر الرئيس مبارك تعيين اللواء عمر سليمان نائبًا له، كما كلف الفريق أحمد شفيق بتشكيل الحكومة الجديدة.

وفى الوقت ذاته أصدر مسئولو وزارة الداخلية أوامرهم لجميع قطاعات الوزارة بإخلاء مواقعهم، والانسحاب من الشوارع والمقار ونقاط التفتيش والمرور، وترك أقسام الشرطة، فى الوقت الذى قامت فيه عناصر أمنية بإحراق عدد من أقسام الشرطة، كل هذا من أجل دعم سيناريو الفوضي، وإطلاق سراح المساجين.

بعدما سيطر الثوار على ميدان التحرير يوم الجمعة 28/1، سارعوا فى اليوم التالى إلى تشكيل لجنة تنفيذية تضم 32 شخصًا، من كل الاتجاهات؛ لتنظيم عمليات الإعاشة، والإنقاذ، والتأمين "وهنا برز دور شباب الإخوان المسلمين الذين قاموا بإغلاق الميدان، والبدء فى تأمين المنشآت الحكومية (61) وتولوا إدارة العملية الأمنية بكاملها داخل ميدان التحرير، وكان الدكتور أسامة ياسين هو مسئول الأمن فى الميدان، أما المسئول عن تأمين اللجنة التنفيذية فكان الدكتور أحمد توفيق، وتولى الدكتور خالد حنفي إدارة المستشفى الميدانى الذى اضطلع بدور بطولى باقى أيام الثورة، وضم أكثر من 40 طبيبًا وما يقرب من 20 عيادة ومستشفى جبهة.

وعند عصر السبت (29 من يناير) دخلت إلى ميدان التحرير جنازة الأخ الشهيد مصطفى الصاوي، الذى توفى بالأمس، وكانت فى طريقها للدفن بمقابر السيدة عائشة مرورًا بالتحرير، لكن حملها الشباب وطافوا بها الميدان، ثم اتجهوا إلى شارع محمد محمود

وهنا وقعت معركة كبيرة بين الثوار وقوات الأمن التى تقوم بتأمين محيط وزارة الداخلية -وكان وزير الداخلية حبيب العادلى ورئيس جهاز أمن الدولة حسن عبدالرحمن لا يزالان موجودين فى مبنى الوزارة- وقد استُشهد فى هذه المعركة عدد كبير من الشباب قُدر بالعشرات غير مئات الإصابات الخطيرة.

ومنذ هذا اليوم بدأ المواطنون فى حرق مقرات أمن الدولة، رمز الفساد والاستبداد، وقد سبقت الإسكندرية باقى المحافظات فى هذا الأمر، تلتها كفر الشيخ، فالإسماعيلية، فالبحيرة، فالدقهلية، كما بدأت السجون فتح أبوابها أمام المساجين، ومن ثم زادت أعمال النهب والبلطجة والسرقة فى العديد من مناطق الجمهورية، وقد قام نواب الحزب الوطنى بدعم هؤلاء المجرمين وتحريكهم لترويع الأهالى وسرقة ممتلكاتهم والسطو على البنوك وشركات الصرافة، وقد قام ضباط شرطة أيضًا بعمليات سلب وترويع ضد الأهالى فى أكثر من منطقة.

تشكيل اللجان الشعبية

بادر الإخوان، بمشاركة باقى القوى الوطنية بتشكيل لجان شعبية لحماية المنشآت العامة والخاصة، وإدارة عمليات الحفاظ على الممتلكات، وقد بلغ عدد من شاركوا فى هذه اللجان فى هذا اليوم فى مدينة الإسكندرية على سبيل المثال أكثر من 100 ألف شاب.

وقام شباب الإخوان، كلٌ فى منطقته، بتنظيم المرور، وإدارة المخابز، وغيرها من الأمور الحياتية، وفيما يتعلق بالوضع الخارجى أكد الإخوان أنهم حريصون على استمرار مؤسسات الدولة، وخاصة الاقتصادية، فى أداء عملها؛ لأن هذه المؤسسات مرتبطة بمنظومة عالمية يحترمها الإخوان من باب الحرص على استقرار علاقة مصر بالعالم الخارجي.

وعقب جمعة الغضب 28يناير، ونجاح الحشد الجماهيري، أصدر الإخوان بيانًا في يوم السبت 29 يناير ومما جاء فى البيان:

إن الإخوان المسلمين يؤكدون على تأييدهم وتضامنهم مع الشعب المصرى بكل طوائفه وقواه الوطنية فى رفضهم لكل القرارات والإجراءات والتعيينات التى تم اتخاذها بالأمس ويعتبرونها التفافا على مطالب الشعب المصرى ومحاولة لإجهاض ثورته الشعبية وانتفاضته المباركة .
كما يدين الإخوان المسلمون عمليات التخريب والحرق والسلب والنهب والترويع وإشاعة الفوضى فى البلاد،كما يدينها كل أفراد الشعب المصرى،ويحملون مسئوليتها كاملة للنظام وعلى رأسه رئيس الجمهورية،علما بأن من يقوم بها إنما هم المجرمون الجنائيون الذين أطلقهم النظام من السجون وأقسام الشرطة يشاركهم فى ذلك البلطجية الذين استخدمهم النظام قبل ذلك فى تزوير الانتخابات إضافة إلى مجموعات من الشرطة السرية،ويتم كل ذلك فى غياب تام ومريب لقوات الأمن،وذلك حتى ينصرف المتظاهرون لحماية أسرهم وممتلكاتهم الخاصة،وبذلك يتم إجهاض الانتفاضة .
إننا نطالب رجال القوات المسلحة – وهم درع الوطن وحاميه – بحماية المتظاهرين الذين يعبرون عن رأيهم بطريقة سلمية وحضارية حتى تتحقق مطالبهم المشروعة والعادلة،وكذلك تأمين مؤسسات الدولة والممتلكات العامة والخاصة،والعمل على إيقاف عمليات القتل المستمرة للمدنيين العزل وتأمين كافة المرافق الحيوية التى تقوم بتوفير مقومات الحياة للمواطنين حتى تفشل سياسة تجويع الناس والتى بدأ يستخدمها النظام لإجهاض الانتفاضة.
يطالب الإخوان المسلمون بالإفراج الفورى عن جميع المعتقلين والمحبوسين السياسيين،وكذلك كل من اعتقل أثناء وبسبب الانتفاضة.كما نثمن الدور الإيجابى العظيم الذى تقوم به اللجان الشعبية من الإخوان وغيرهم التى تمارس حماية الممتلكات العامة والخاصة وتنظم المرور،وندعوها للقيام بدور جديد وهو تحقيق التكافل بين الأسر المختلفة فى حالة نقص أى من المواد الغذائية والأدوية وغيرها من الاحتياجات الضرورية .

كما نكرر مطالبنا والتى هى مطالب الشعب كله وفى مقدمتها :

  1. إلغاء حالة الطوارئ .
  2. حل مجلس الشعب والشورى .
  3. الإعلان عن تشكيل حكومة وحدة وطنية من غير الحزب الوطنى لتقوم بإجراء انتخابات نزيهة وانتقال السلطة بشكل سلمى .

إن الإخوان المسلمين يدعون الله أن يتغمد شهداء الانتفاضة والحرية والكرامة بواسع رحمته وأن يلهم أهلهم الصبر والسلوان ويطالبون بضرورة التحقيق مع ومحاسبة كل أمر وحرَّض وشارك فى ارتكاب جرائم القتل ضد الشعب والتى تعتبر جريمة ضد الإنسانية. (62)

كما كان للإخوان المسلمين دور كبير فى تأمين الميدان من البلطجية، وشهد القاصى والدانى لبسالتهم وشجاعتهم وتضحياتهم يوم "موقعة الجمل" وبعدها، حيث إنهم تصدوا للبلطجية الذين كانوا يريدون إجهاض الثورة، خاصة بعد الخطاب العاطفى لمبارك وانسحاب عدد من شباب الميدان، وحينما طلب د. البلتاجى المدد والعون وأحضر إلى الميدان عشرة آلاف شاب ورجل تغيرت الأوضاع تمامًا، فضلاً عن تنظيم الميدان ونصب شاشات العرض الكبيرة.

موقعة الجمل

إذا كان من المنطقى ارتباط اسم الثورة المصرية باسم "موقعة الجمل" فالأكثر منطقية هو ارتباط هذا اليوم بالإخوان المسلمين فهناك العديد من الشهادات التى تؤكد دور الإخوان فى هذه الموقعة للحفاظ على الثورة، فمنذ يوم السبت (29 من يناير) -أى فى اليوم التالى لجمعة الغضب التى دخل فيها الثوار ميدان التحرير وقرروا الاعتصام فيه حتى رحيل النظام- وهناك محاولات لا تنقطع لإفساد خطة الثوار، والاستيلاء على الميدان، والإبقاء على النظام بأى ثمن ولو أدى ذلك إلى حرق البلاد وتحويلها إلى خرابة وأشلاء.

بعد خطاب مبارك فى يوم الثلاثاء (1 من فبراير) بدأ البلطجية فى الانتشار فى مختلف شوارع القاهرة وباقى المحافظات؛ تمهيدًا للاحتكاك بالمتظاهرين الذين رفضوا الخطاب وأكدوا مطالبهم برحيل النظام.. وكانت تلك الأخبار تصل إلى مسئولى الإخوان؛

حيث كان إخوان كل منطقة من المناطق أو محافظة من المحافظات يبلغون القيادة بما رصدوه فى هذا اليوم.. وقد أكد الجميع أن البلطجية يتم تجميعهم بشكل منظم؛ للانطلاق فى مجموعات إلى أهداف بعينها، كما تم رصد محاولات من جانب أجهزة الأمن لإبعاد وكالات الأنباء الخارجية عن ميدان التحرير؛ لتدبير أمر لم يكونوا يعرفون ما هو ولا متى سيكون، كما وصلتهم أنباء عن وجود وزير الصحة بمستشفى قصر العيني، وأن 15 سيارة إسعاف تحركت على مقربة من الميدان، وبالفعل تجمعت سيارات الإسعاف كأنها تنتظر حدثًا كبيرًا.

فى يوم الأربعاء (2 من فبراير) -أو اليوم الدامى كما أطلق عليه الثوار هذا اللفظ- كان الميدان على موعد مع معركة شرسة بين أنصار الحزب الحاكم والبلطجية من جهة والثوار من جهة أخرى .. وقد اختار النظام هذا الموعد لسببين: أنه جاء بعد الخطاب العاطفى لمبارك والذى استدر به عطف الكثيرين الذين انسحبوا من الميدان

أما السبب الآخر فلأن هذا اليوم كان بعد يوم مليونية الثلاثاء، وعادة تقل الأعداد كثيرًا فى اليوم التالى للمليونية، ولهذا لم يكن فى الميدان وقت نشوب المعركة سوى عدة آلاف من الثوار، معظمهم من الإخوان المسلمين القادمين من المحافظات والذين يقيمون بشكل دائم داخل الخيام التى نصبوها داخل الميدان فى وقت مبكر كما ذكرنا من قبل.

وفى تمام الساعة الثانية والنصف ظهرًا فوجئ الثوار بآلاف البلطجية وأعضاء الحزب الوطني(28)، وخيالة يمتطون الجمال والأحصنة "13 حصانًا وجملا واحدًا"، ويحملون صور مبارك، وفى أيديهم الأسلحة البيضاء والنارية - يدخلون الميدان من مداخله التسعة - فى توقيت واحد- للاستيلاء عليه وإخراج من فيه، وقد استمرت هذه المعركة منذ دخول هذه الآلاف بعد ظهر الأربعاء حتى فجر الخميس، ويبدو أنها كانت معركة مرتبة ترتيبًا محكمًا من جانب النظام؛

إذ تمت على مراحل ثلاث: المرحلة الأولى من الساعة الثانية ظهرًا حتى السادسة مساءً، ثم من السادسة حتى الحادية عشرة، ثم كانت استراحة لمدة ثلاث ساعات أعقبها هجوم جديد أشد ضراوة بدأ من الثانية صباح يوم الخميس حتى موعد صلاة الفجر، وقد استخدم البلطجية القنابل والزجاجات الحارقة

وكسر الرخام والطوب والأحجار التى تم جلبها فى سيارات نقل تابعة للحكومة ولمؤسستى الأخبار والأهرام، يعاون هؤلاء البلطجية قناصة محترفون من الحرس الجمهورى والقوات الخاصة اعتلوا أسطح العمارات المجاورة وبدءوا فى قنص الثوار، وقد استُشهد فى الموقعة ثمانية عشر من الثوار، وأصيب أكثر من 2500 آخرين.

وقد تحمل الإخوان عبء التصدى لهذا العدوان، وتمكنوا من دحر البلطجية وفلول النظام، ومنعهم من دخول الميدان، وقد وقع منهم ستة قتلى وأكثر من مائة مصاب أمام الدور السلبى للجيش الذى التزم الصمت أمام ما يجرى من اعتداء على الثوار، بل إن أحد قادته أصر فى اليوم التالى (الخميس 3 من فبراير) وبعد تغير الموقف لصالح الثوار على إنزال شباب الميدان من فوق أسطح العمارات ومن فوق كوبرى 6 أكتوبر، وهدد بإطلاق النار عليهم إذا لم يستجيبوا لذلك (63)، وكان واضحًا أنه يفعل ذلك ليعاود البلطجية دخول الميدان مرة أخري.

كما لم يخضع الإخوان لتهديدات النظام بترك الميدان أثناء موقعة الجمل وبعدها ؛ حيث كان قرار الجماعة : عدم ترك الميدان إلا بعد رحيل النظام ولو كان المقابل هو الموت.. يبدو هذا فى الحوار الذى دار بين الدكتور محمد البلتاجي وأحد مسئولى جهاز المخابرات؛ إذ أشار البلتاجى فى شهادته أمام محكمة جنايات القاهرة فى قضية "موقعة الجمل" إلى أن أحد الأشخاص طلب منه (يوم الأربعاء 2 من فبراير، الساعة الثانية ظهرًا) مقابلة أحد القيادات الأمنية داخل مكتب شركة (سفير) للسفريات بميدان التحرير

وأنه دخل المكتب ومعه مجموعة من المتظاهرين، والتقى الرجل الذى قدم نفسه بأنه اللواء عبدالفتاح من جهاز المخابرات العامة، وطلب منه إخلاء الميدان حقنًا للدماء، وأبلغه بأن لديه معلومات مؤكدة عن وجود مجموعات من أنصار مبارك سوف تدخل الميدان للاشتباك مع المتظاهرين، وأن ذلك سيؤدى إلى إراقة دماء كثيرة، ولا بد من إخلاء الميدان وفض التظاهر.

وأضاف البلتاجي:

"قلت له: يا سيادة اللواء، كيف تسمحون لهؤلاء البلطجية بدخول الميدان؟ فقال لي: إنهم مواطنون مصريون يريدون التعبير عن رأيهم المؤيد للرئيس مبارك، فقلت له: وهل ضاق بهم ميدان مصطفى محمود؟! فلديهم كل ميادين مصر للتظاهر فيها، ومن الممكن فتح استاد القاهرة ، فهو يستوعب الآلاف، فقال: هم يريدون التعبير عن رأيهم بالتحرير مثلكم، وأنا لا أستطيع منعهم.
واستمر الحوار نحو ساعة، لكن اللواء استمر فى المكتب لساعات يتابع الأحداث أولا بأول، وقبل أن ينتهى اللقاء قلت له: ما الضمان فى حالة عودة المتظاهرين إلى بيوتهم كى يصلوا سالمين بعد أن أحاط مؤيدو مبارك الميدان من جميع الجهات؟! فقال: نحن مسئولون عن خروجكم سالمين دون أن يتعرض لكم أحد، فأنهيت الحوار، قائلا: شكرًا سيادة اللواء، إذا كنتم تستطيعون تأمين خروجنا من الميدان سالمين فأنتم تستطيعون حمايتنا بداخله، وأنتم المسئولون عن حدوث أى اعتداءات على المتظاهرين". (64)

كان تراجع البلطجية والتابعين للنظام بمثابة انتصار جديد للثورة، واندحار للنظام الذى حاول رئيسه منذ يوم واحد كسب عطف الجماهير، فإذا به يعادى الشعب كله، ويخرج المصريون بالملايين يساندون أبطال ميدان التحرير، بمن فيهم الذين انسحبوا بالأمس تعاطفًا مع خطاب مبارك، الذى لم يكن -كما صرح الإخوان- سوى خديعة واستدراج، وقد شاهد المصريون جميعًا الجريمة التى ارتكبها مبارك وأنصاره ضد المتظاهرين المسالمين فى ميدان التحرير، والذين لا يطالبون إلا بحق مشروع، ولا يرفعون سلاحًا أو يقرون عنفًا.

كانت المشاهد مؤلمة، والمأساة كبيرة، وقد تابعت الملايين -على مدار ساعات- ما جرى للشباب على أيدى المجرمين.. وقد اكتملت تلك المأساة فى اليوم التالى للحادثة؛ إذ لم يستح النظام مما فعله بالأمس، ولم يفهم بعدُ أنه منبوذ من شعبه، فأصر على مواصلة حلقات غبائه المعهودة

فقام بإطلاق الرصاص الحى على الوافدين للتحرير، بعد إحكام غلق الطرق والمنافذ الموصلة للميدان، وانتشر البلطجية التابعون للأمن فى كل مكان، بل أغُلقت مداخل القاهرة (65)، وصادر البلطجية المؤن اللازمة للمتظاهرين كالطعام والشراب. وخطط النظام أيضًا لإضرام النيران فى بعض المنشآت الحكومية فى ميدان التحرير لإظهار الثوار بأنهم يثيرون الفوضي.

وقد تنبه الثوار لذلك فقاموا بتأمين تلك المنشآت وتشديد الحراسات عليها، كما قامت الأجهزة الأمنية بإطلاق الشائعات فى الأحياء ضد الثوار، واستخدموا فى أحياء أخرى مكبرات الصوت فى المساجد لتحذير الأهالى من المتظاهرين الذين سوف يسرقون بيوتهم ويعتدون على حرماتهم

جمعة الرحيل..

فى هذا اليوم (الجمعة 4 من فبراير 2011) خرج ما يزيد على سبعة ملايين مصرى ومصرية، فى ميادين وشوارع القاهرة والمحافظات، مطالبين برحيل النظام، مصرين على البقاء فى الميادين حتى يعلن مبارك تنحيه عن السلطة ويذهب غير مأسوف عليه، وقد أطلق على الجمعة (الرحيل) تيمنًا برحيل الفاسد عقب هذا الاجتماع الشعبى الكبير الذى جاء ردًا على ما وقع فى حادثة الجمل، ويقين الشعب أن هذا النظام مستهتر ومستبد ومخادع.

وفى تأكيد واضح على كذب الادعاءات التى أطلقها أحمد شفيق رئيس الوزراء الجديد والتابع للنظام الفاسد، بتأمين المظاهرات وعدم التعرض للمتظاهرين، قام بلطجية وميليشيات الداخلية بغلق منافذ القاهرة لمنع تدفق الآلاف إليها، بل إطلاق النار على تلك الحشود الزاحفة إلى ميدان التحرير

وقاد على مصيلحى وزير التضامن الاجتماعى عددًا ضخمًا من البلطجية لمنع متظاهرى الشرقية من الوصول إلى الميدان.. فى ظل هذه التجاوزات وغيرها اندفعت الجماهير، فى جميع المحافظات، تطالب -هذه المرة- بإجراء محاكمة علنية وعاجلة للنظام وللمسئولين عن مذبحة التحرير فيما عُرف بـ(موقعة الجمل).

المبحث الثالث: الإخوان والحوار مع النظام

فى أعقاب هذه الجمعة بدأ النظام فى تقديم تنازلات جديدة، فأعلن عن إقالة جمال مبارك من رئاسة لجنة السياسات بالحزب الوطني، وإقالة زكريا عزمي، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية والعقل المدبر لمبارك، وتم تعيين د.حسام بدراوى رئيسًا للحزب.. وبدا للعيان أن النظام بدأ فى الانهيار الحقيقي، فبدأ بعض وسائل الإعلام التابعة له -بمبادرة فردية من مسئوليها- فى الانحياز للثورة

وبدأ إعلاميون بأعداد كبيرة يقومون بمحاولات فرز وتطهير للمؤسسات الصحفية، كما حدث فى روز اليوسف حيث مُنع رئيس مجلس إدارتها ورئيس تحريرها من دخول مبناها، وكما حدث مع نقيب الصحفيين مكرم محمد أحمد الذى مُنع من دخول مبنى النقابة.

ومن ثم بدأ النظام الحديث عن حوار مع الثوار، وباقى القوى السياسية، وعن رغبته فى الوفاء بما يرفعونه من مطالب، وتم الإلحاح فى ذلك بعد الدعوة لمليونيات متواصلة أيام: الأحد (6 من فبراير)، الثلاثاء (8 من فبراير)، الخميس (10 من فبراير)، الجمعة (11 من فبراير)، وقد كانت تلك المليونيات تمثل رعبًا للنظام، بعدما انضم الشعب إلى صفوفها وصارت أعدادها تفوق جميع تقديراته.

لم يرفض الإخوان الحوار ولم يقبلوه فى الوقت ذاته، وأصدرت الجماعة بيانين فى يومين متتاليين لتوضيح رأيها فى هذا الشأن، البيان الأول يوم الجمعة (4 من فبراير)، والبيان الثانى يوم السبت (5 من فبراير)، أكد الإخوان فى البيانين أنهم يقبلون الحوار إذا كان جادًا منتجًا مخلصًا يبتغى المصلحة العليا للوطن، شريطة أن يتم فى مناخ يحقق إرادة الجماهير ومطالبها، وأن يكون متكافئًا بهدف التوافق حول طريقة الخروج من الأزمة العنيفة التى أوصلنا إليها النظام، على أن يبدأ النظام فى الاستجابة لمطالب الجماهير (66)

كما لم يتخل الإخوان -رغم قبولهم التحاور من حيث المبدأ- عن:

تنحى مبارك، محاكمة المسئولين عن إراقة الدماء فى المظاهرات، وغيرها من المطالب الجوهرية التى أكدوها فى بيان يوم السبت 5 من فبراير والذى جاء فيه:
"إن الإخوان المسلمين انطلاقًا من حرصهم على تحقيق مصالح الشعب كاملة، وحرصهم على وحدة القوى الوطنية كلها، واعترافًا منهم بالدور العظيم الذى قام به شباب الأمة وتضحياته الجليلة فى تفجير واستمرار الثورة المباركة
ورغبةً منهم فى الحفاظ على مصالح الأمة ومؤسساتها ومرافقها، وحرصًا منهم على استقلال وطننا ورفضهم أى تدخل دولى أو إقليمى فى شئونه الداخلية؛ فقد قررنا الدخول فى جولة حوار، نتعرف فيها على جدية المسئولين إزاء مطالب الشعب، ومدى استعدادهم للاستجابة لها، وهذا ما يتسق مع مبدئنا فى الحوار الجاد المخلص البناء.
ولهذا فنحن نلتزم بأن يكون هذا الحوار شاملا يستوعب كل القوى الوطنية والجماعات السياسية والأحزاب، وعلى رأسهم وفى مقدمتهم ممثلون حقيقيون للشباب، صاحب الفضل فى هذه الثورة؛ حتى نُسمع صوتنا وصوت الأمة للمسئولين، ونحدد لهم مطالبنا المشروعة العادلة.
ونحن نرى أن هذا الحوار لا بد أن يتم فى مناخ مختلف عن المناخ الذى نعيش فيه ويشعر به الجميع، وذلك يقتضي: تأكيد احترام الحريات العامة، التنفيذ الفورى لأحكام القضاء المعطلة بواسطة السلطة، وقف الحملات الإعلامية الحكومية التى ترمى لتشويه ثورة الشعب، إتاحة فرص متكافئة فى جميع وسائل الإعلام القومية، الإفراج الفورى عن المسجونين السياسيين والمعتقلين، ولا سيما الذين اعتُقلوا فى أحداث المظاهرات الأخيرة.
كما يؤكد الإخوان المسلمون إصرارهم على التمسك بمطالب الشعب، التى أعلنها الملايين فى مظاهراتهم العديدة المستمرة فى مصر والعالم أجمع، وعلى رأسها: تنحى رئيس الدولة،ومحاكمة المسئولين عن إراقة الدماء فى المظاهرات السلمية، وحل المجالس النيابية المزورة، الإلغاء الفورى لحالة الطوارئ، تشكيل حكومة وطنية انتقالية تتولى السلطة التنفيذية؛ حتى تتم الانتخابات النيابية بطريقة نزيهة حرة تحت إشراف قضائى كامل، وضرورة الفصل التام بين السلطات، وإطلاق حرية: تشكيل الأحزاب السياسية والجمعيات، إصدار الصحف والمجلات، وضمان حرية الإعلام.
كما يؤكد الإخوان المسلمون ضرورة تأمين المتظاهرين وكفالة حريتهم فى التظاهر السلمي؛ حتى تتحقق مطالبهم المشروعة. والإخوان المسلمون إذ يشاركون كل القوى السياسية والوطنية والشبابية فى هذا الحوار؛ ليأملون أن يسمع المحاورون لهم نداءهم، وأن يتفهموا مطالبهم، ويضعون المسئولين أمام واجبهم لتنفيذ تلك المطالب التى أجمعت عليها الأمة؛ حفاظًا على مصلحة مصر والمصريين جميعًا. حفظ االله مصر من كل سوء، وبلغها آمالها، وحفظ أهلها وشبابها، ورفع فى العالم قدرها.. (وقلٌ اعًملوا فسيرى پله عملكمً رسوله الًمؤًمٌنون ستردون إلي " عالٌمٌ پًغيًبٌ الشهادةٌ فينبٌئكم بٌما كنتمً تعًملون) "التوبة: 105" (67)

وفى صباح يوم الأحد (6 من فبراير) شارك الدكتور محمد مرسي والدكتور محمد سعد الكتاتني (عضوا مكتب الإرشاد) فى أولى الجلسات الخاصة بهذا الحوار الذى دعا إليه عمر سليمان نائب الرئيس، وذلك فى مقر مجلس الوزراء. وكان الإخوان قد تلقوا الدعوة أولا من المشير حسين طنطاوي، ثم من مكتب عمر سليمان.

وقد عقد الإخوان - مرسى والكتاتني - مؤتمرًا صحفيًا مساء هذا اليوم، بمقر الكتلة البرلمانية للإخوان بجسر السويس لتوضيح ما تم فى هذه الجلسة، أكدا خلاله أن انسحاب الجماعة من الحوار قائم إذا اكتشفوا عدم جديته، وأن استمرارهم فيه مرتبط بتنفيذ ما تنادى به ثورة 52 يناير، وقد بدأ الإخوان مؤتمرهم بالوقوف دقيقة حدادًا على أرواح شهداء الثورة.

واعتبر د.محمد مرسي أن الموجودين فى ميدان التحرير هم الجمعية العمومية للشعب، وهى لاتزال منعقدة، وأن الجميع لا بد أن ينزل على مطالبها، مشيرًا إلى أن الشرعية الشعبية فوق الدستور وفوق النظام ورغباته. وأكد أن الإخوان موجودون فى الحوار لتحقيق مطالب الثورة.

وعن سبب دخول الإخوان فى هذا الحوار، أشار الكتاتنى إلى

"أننا أمام شرعية جديدة ومرحلة جديدة تحتاج لتضافر جهود الجميع، وأنه لا يمكن للإخوان بما تملكه من إمكانات شعبية أن تترك حدوث مثل هذا الأمر دون المشاركة فيه، خاصة أن مشاركة الإخوان ضمانة حقيقية لتحقيق مطالب الجماهير وثورتهم المباركة".

وحول مطالب الإخوان فى الحوار قال د.عصام العريان - الذى قدم المؤتمر: "لم نطالب فى الحوار بمطالب خاصة بنا، إنما طالبنا بمطالب الشعب فى الحرية والكرامة والديمقراطية" ، ونفى العريان ما أذاعته إحدى القنوات بأن الإخوان وافقوا على استمرار مبارك فى الحكم حتى سبتمبر المقبل، مؤكدًا أن الإخوان مع مطالب الشعب وعلى رأسها تنحى مبارك.

كما أصدرت الجماعة بيانًا آخر (يوم الأحد 6 من فبراير) عقب جلسة الحوار الأولي، أكدت فيه ما جاء على لسان الأخوين اللذين شاركا فى الحوار - مرسى والكتاتني - وذلك بعد حالة من اللغط حول أجندات ومصالح خاصة للجماعة على حساب الثورة، جاء فيه: "إلحاقًا بالبيان الذى أصدرناه بالأمس وشرحنا فيه موقفنا من الحوار من حيث المبدأ والمناخ والشكل والموضوع، وبعد أن تمت جولة الحوار الأولي، فإنه التزامًا منا بحق الشعب والرأى العام المصرى صاحب السيادة فى تقرير مصيره ومستقبله نعرض وبمنتهى الصدق والشفافية موقفنا، وما تم فى هذه الجولة

ونؤكد:

  1. أننا جزء من شعب مصر العظيم، لا يمكن أن ننفصل عنه ولا نتأخر فى تحمل مسئوليتنا، أو واجبنا فى مشاركته فى السراء والضراء والتضحية والفداء.
  2. أننا لم نغير موقفنا من التمسك بالمطالبة بجميع مطالب الشعب الذى نحن جزء من نسيجه.
  3. أننا قبلنا الدخول فى جولة الحوار رغبة فى توصيل هذه المطالب مباشرة للمسئولين الجدد حتى نختبر جديتهم فى الاستجابة لها، وحتى نجنب شعبنا وبلدنا مزيدًا من الخسائر نتيجة تصلب النظام وعناده.
  4. أن دخولنا هذا الحوار إنما هو لمصلحة الثورة ولمصلحة الشعب والوطن، ونحن مع استمرارها حتى نراقب ونتأكد من تحقيق مطالبها.
  5. أننا حريصون على وحدة القوى الوطنية والسياسية والشعبية والشبابية، ولذلك اشترطنا أن يتم هذا الحوار جماعيا بحيث تمثل فيه كل أطياف الوطن وقواه، وعلى رأسهم الشباب صاحب الفضل فى هذه الثورة المباركة.
  6. أننا شاركنا حتى يسمع المسئولون رأى الشعب ومطالبه الموحدة والمجمع عليها، وإذا كانت بعض هذه القوى قد غابت هذه المرة عن الحوار فلا بد من تدارك ذلك فى المستقبل.
  7. أننا طلبنا أن يتم تغيير المناخ الذى يتم فيه الحوار عن المناخ الحالى لبعث قدر من الثقة المفقودة بين الشعب والنظام؛ ولذلك طلبنا تنفيذًا فوريا لكثير من الإصلاحات التى لا تحتاج لإجراءات دستورية وقانونية لطمأنة الشعب ولإثبات الجدية وحسن النية فى الاستجابة لباقى المطالب.
  8. أننا ليس لنا أجندة خاصة ولا نريد ركوب الموجة كما يدعى المبطلون، ولقد كررنا كثيرًا أننا لسنا طلاب سلطة ولا متطلعين إلى منصب ولا جاه، وكذلك فلن نرشح أحدًا منا لرئاسة الدولة.
  9. أن من أهم النقاط التى تم الاتفاق عليها فى هذا الحوار:
  10. الإقرار بأن حركة الشعب التى بدأت فى 25 يناير الماضى حركة وطنية وشريفة.
  11. ضرورة الحفاظ على سلامة المتظاهرين والإقرار بحقهم الكامل فى التظاهر السلمى فى أى وقت لمراقبة تنفيذ مطالبهم والتعبير عن رأيهم.
  12. إنهاء حالة الطوارئ بمجرد تحسن الظرف الأمنى وقبل إجراء أى انتخابات مقبلة.
  13. تعديل المواد (76)، (77)، (88) وما يلزم من تعديلات دستورية أخرى تتطلبها عملية الانتقال السلمى للسلطة.
  14. تشكيل لجنة تضم أعضاء من السلطة القضائية وبعض الشخصيات السياسية، تتولى دراسة واقتراح التعديلات الدستورية، وما تتطلبه من تعديلات تشريعية لبعض القوانين المكملة للدستور فى ميعاد ينتهى فى الأسبوع الأول من مارس.
  15. ملاحقة الفاسدين والتحقيق مع المتسببين فى الانفلات الأمني، والآمرين والمنفذين لإطلاق النار على الشباب ومحاكمتهم فورًا.
  16. تحرير وسائل الإعلام والاتصالات، وعدم فرض أى قيود على أنشطتها تتجاوز أحكام القانون، ومن ثم وقف الحملات الإعلامية الموجهة لتشويه ثورة الشعب.
  17. تشكيل لجنة وطنية للمتابعة تضم شخصيات عامة ومستقلة وممثلين عن الحركات الشعبية، تتولى متابعة التنفيذ الأمين لما تم التوافق عليه.

هذا وقد حدث خلاف فى الرأى حول بقية المطالب التى يطالب بها الشعب، ونحن نتمسك بمطالب الشعب، فالكلمة النهائية للجماهير.إننا دخلنا هذا الحوار من مركز متكافئ مع الطرف الآخر، ووفق إرادة حرة واستجابة النظام للمطالب الشعبية هى التى ستحدد إلى متى سيستمر الحوار، كل ذلك والتظاهر السلمى المليونى مستمر لتحقيق مطالب الشعب (يا أيها پذٌين آمنوا اصًبٌروا صابٌروا رابٌطوا اتقوا پله لعلكمً تفًلٌحون) "آل عمران: 200" (68)

وكما توقع الجميع، فقد انهار الحوار سريعًا، وانسحب الإخوان منه كما وعدوا قبل الدخول فيه، ففى اللحظات التى انعقد فيها الحوار كان النظام - من جهة ثانية - يختطف الإخوان ويعذبهم، وقد دخل الجيش على الخط فكانت الشرطة العسكرية هى التى تقوم بهذا الدور، فضلا عما قامت به أجهزة الإعلام الحكومية من شن حملة تشويه على الجماعة ، واتهامها بتعطيل الأعمال والمؤسسات وقطع الأرزاق، وأنها سبب الثورة على النظام والانفلات الأمنى فى سائر مناطق الجمهورية.

كان الحوار إذًا وهميًا، غرضه استيلاء النظام على ميدان التحرير بعد فض اعتصام الثوار، وكانت التنازلات التى قدمها النظام هى الأخرى وهمية، وكان هدفها هو هدف الحوار نفسه، وقد قام الجيش بالدور نفسه عندما قام قائد المنطقة المركزية العسكرية بزيارة المتظاهرين فى ميدان التحرير يوم السبت (5 من فبراير) وطلب منهم -بشكل واضح- فض المظاهرة، وكانت هناك محاولات منذ صباح هذا اليوم يقوم بها عدد من قيادات الجيش لكى يرحل المتظاهرون عن الميدان، الذين أكدوا أنهم لا تعنيهم حوارات ولا استقالات؛ لأنهم -على حد قولهم- يطالبون برحيل النظام كله، ولن يفضوا اعتصامهم إلا إذا رحل مبارك.

وكان عمر سليمان يفاوض قادة الحركات السياسية والحزبية، فى حين يسخر أحمد شفيق من الثوار ومن أعدادهم، وفى حين ينتشر البلطجية بأعداد كبيرة فى الميادين العامة فى عواصم المحافظات لإرهاب الأهالى لعدم الخروج فى مظاهرات تطالب مبارك بالرحيل، كل هذا تحت رعاية رجال الشرطة وبترتيب من رجال الحزب الوطني.

ومع كل هذه التناقضات رفض الإخوان -ومعهم جموع الشعب- استكمال الحوار، ليس لعدم جديته فقط، بل لغرضه الخبيث فى محاولة إجهاض الثورة.. وقد أصدر الإخوان يوم الإثنين (7 من فبراير) -فى اليوم الرابع عشر من الثورة- بيانًا أوضحوا فيه موقفهم من هذا الحوار، جاء فيه:

"إن الإخوان المسلمين رغبةً منهم فى مزيد من التوضيح وتحديد المواقف ودرء الشبهات يقررون:

  1. إن هذه الثورة الشعبية أسقطت النظام ومن ثم لا بد أن يرحل، ويتمثل ذلك فى ضرورة تنحى رئيس الجمهورية، وهو المطلب الأول والأكبر الذى تنادى به الجماهير، ولا يُقبل مطلقًا أن تتم التضحية بمصلحة الشعب بل حياة المئات من أبنائه والوطن واستقراره من أجل فرد. وإذا كانت هناك معضلات دستورية وضعها ترزية الدساتير والقوانين فعلى فقهاء القانون الدستورى إيجاد حل لها ومخرج منها، وإذا كانت هناك تعلة واهية بضرورة الحفاظ على كرامة الرجل، فأين كرامة الشعب التى ديست طيلة ثلاثين عامًا قتلا وتعذيبًا وقهرًا وإرهابًا وإفقارًا وإذلالا؟
  2. إننا حين دخلنا جولة الحوار فإنما أردنا أن نحمل إلى المسئولين هذا المطلب وغيره من المطالب الشعبية العادلة المشروعة، مع الاستمرار فى الثورة وحق الشعب فى التظاهر السلمى دون تعرض لهم حتى تتحقق هذه المطالب، وإننا نعيد تقييم الموقف من جميع جوانبه باستمرار، لتحديد موقفنا من هذا الحوار.
  3. إن البيان الذى أصدره النظام لم نتوافق عليه ولم نوقع عليه، وإن معظم المشاركين فى هذا الحوار كان سقف مطالبهم هو سقف المطالب الشعبية العادلة، ولكن- للأسف- لم يتضمنها البيان الرسمي.
  4. إننا نرى أن ما تضمنه البيان هو عبارة عن مجموعة من الإصلاحات الجزئية لا ترقى أبدًا لمستوى تطلعات الشعب، وحتى هذه الإصلاحات لم يتحقق معظمها على أرض الواقع، ونحن نتابع تطبيق الباقي، ولكن الأهم عندنا وعند الشعب هو تنحى رئيس الجمهورية الذى من شأنه أن يزيل الاحتقان ويمتص الغضب.
  5. إن للشعب ونحن معه مطالب أخرى أكثر أهمية مما ورد فى البيان الرسمى سبق أن ذكرناها فى بياناتنا السابقة نتمسك بها، ونصر على تحقيقها.
  6. إن مما يؤسف له ويطعن فى مصداقية المسئولين ويشكك فى جديتهم فى الإصلاح استمرار اعتقال أعداد من أفراد الشعب المصري، ومنهم عدد كبير من الإخوان بواسطة البلطجية ورجال الأمن، ثم تسليمهم إلى الشرطة العسكرية التى تسومهم سوء العذاب وتهينهم أشد الإهانة، كما كانت تفعل مباحث أمن الدولة، ونحن نربأ بالمؤسسة العسكرية التى نحبها ونحترمها أن تتورط فى هذه الأعمال السيئة. كما أن الحملة الإعلامية الرهيبة التى تشنها أجهزة الإعلام الحكومية على جماعة الإخوان المسلمين التى تتهمهم بأنهم وراء هذه الثورة، وأنهم السبب فى تعطيل الأعمال والمؤسسات وقطع الأرزاق، هى ادعاء باطل، فالثورة فجرها الشباب واستجاب لهم الشعب ونحن جزء منه، وهذه الجماهير الحاشدة لا يستطيع أحد أن يثنيها عن مطالبها، أما تعطيل الأعمال والمؤسسات وقطع الأرزاق؛ فالنظام هو السبب فيه بتصلبه وعناده فى رفض مطالب الشعب وعلى رأسها تنحية الرئيس.

إن هذين الأمرين: الاعتقال والتعذيب والحملات الإعلامية الباطلة يلقيان بظلال داكنة على قضية الحوار، فليتحمل العقلاء مسئوليتهم وليستجيبوا لصوت الأمة الذى هو من صوت االله، وجماعة الإخوان المسلمين طيلة تاريخها صادقة فى قولها ثابتة فى مواقفها، تحمل الحق وتصدع به فى وجه كل ظالم، ويسعى أفرادها يحملون الخير لأوطانهم ومواطنيهم، ويدافعون عن حقوق الشعب وحريته وكرامته، وضحوا ويضحون فى سبيل ذلك بكل غال ونفيس ابتغاء مرضاة االله، ويرقبون كل الموقف بدقة ويتخذون حيال كل حادث رد الفعل المناسب له، وهم على يقين أن االله عز وجل يدافع عن الذين آمنوا (الله غالٌبِ علي" أمًرٌهٌ لكٌن أكًثر پناسٌ لا يعًلمون) "يوسف: 21" (69)

وكان واضحًا أن الطغيان متجذر فى أركان النظام، وأن مبارك نفسه قد اعتقد أن له ملك مصر وأن أهلها عبيد عنده، ليس عليهم سوى السمع والطاعة، والخنوع والخضوع، ولو أساء إليهم، ولو حملهم ما لا يطيقون، ولو قتلهم تقتيلا.

وأصدر الإخوان بيانًا يتبرءون فيه من هذا النظام الذى يستخف بعقول الناس، ويتحدى مشاعرهم، ويعتبرهم سفهاء لا وعى لهم ولا عقل.. جاء فى البيان:

" لا يزال النظام -الذى سقطت شرعيته بالمسيرات والمظاهرات المليونية فى القاهرة ومعظم عواصم المحافظات- يتحدى الناس ويعاند إرادتهم، فبدلا من أن يرحل الرئيس ليتهيأ المناخ لانتقال سلمى للسلطة يخرج فى مشهد مستفز فى اجتماع مع بعض معاونيه، ومنهم ذوو الوجوه الكريهة للشعب، ليثبت أن الأمر لا يزال بيده، وأنه يمارس السلطة ويباشر الحكم، الأمر الذى من شأنه أن يدفع المتظاهرين الثائرين إلى تصعيد جديد.
  • ومن مشاهد الاستفزاز أيضًا أن تنشر الصحف الحكومية على لسانه أنه يقدم العزاء لأسر الشهداء فى استخفاف شديد بعقول الناس، إذًا فمن الذى قتلهم؟ أليس مسئولا بشخصه عن كل شهيد وجريح ومعتقل ومعذب ومفقود منهم؟ أليس هو رئيس السلطة التنفيذية التى تأتمر بأمره وتتباهى بتنفيذ توجيهاته؟
  • ثم نسمع أنه شكل لجنة قانونية لاقتراح تعديلات دستورية - فى الدستور الذى أفسده- ومع احترامنا لأعضاء هذه اللجنة، فإننا نرى أنها لجنة غير شرعية لأنها مكونة بقرار من رئيس فاقد للشرعية.
  • ونحن لا نزال نرى فى القرارات التى يصدرها هذا الرئيس غير الشرعى محاولة مستميتة للالتفاف على إرادة الجماهير، وكسب الوقت للتشبث بالسلطة وإبقاء النظام، وإلا فهل تكفى إقالة بعض مسئولى الحزب الوطني، وهم الذين أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية، وهم الذين زوروا انتخابات المجالس النيابية والمحلية تزويرًا فاضحًا شاهده وشهد به الجميع فى الداخل والخارج ثم خرجوا يتباهون بالنصر، وقد مرغوا سمعة مصر فى الرغام، وقهروا إرادة شعبها الصبور؟
  • ألا يستحق كل منْ اقترف هذا الجرم المحاكمة والإدانة؟ ثم ألم يقرهم الرئيس على ذلك؟ وهل يكفى تقديم بضعة أشخاص كباش فداء للفاسدين والمفسدين، فأين الآلاف الآخرون؟ ولماذا يتم التستر عليهم؟ إن كل ملفات الفساد لا بد أن تفتح فالشعب هو صاحب السيادة وصاحب السلطة، وصاحب الثروة وصاحب الحق فى العلم والمعرفة.
  • إن الأموال المنهوبة التى ظهر طرف منها تكفى لسداد ديون مصر كلها، وتكفى لإقامة دعائم اقتصاد قوى يكفل للناس عملا لكل عاطل وأجرًا كريمًا لكل عامل وكفالة عزيزة لكل عاجز، وتنهض بالوطن وتحرره من الفقر والمساعدات الأجنبية، وما يتبعها من ذلة وتبعية، ولذلك فالشعب لن يسكت عن حقوقه المنهوبة حتى تعود إليه، ولا عن الناهبين حتى يقتص منهم.
  • إن الإفراج عن المسجونين السياسيين والمعتقلين -وخصوصًا المعتقلين بسبب التظاهرات الأخيرة- محك حقيقى للجدية والمصداقية.
  • ليس من الكرامة أن يبقى الرئيس جاثمًا فوق صدور شعبه رغم طوفان المقت والكراهية الذى يكنه هذا الشعب لهذا الرئيس، لذلك فكل من يزعم حرصه على كرامة الرئيس عليه أن يسعى لرحيله حفاظًا على مصالح الشعب والوطن.
  • أما آن لإعلاميى السلطة أن يثوبوا إلى رشدهم ويوقظوا ضمائرهم وينحازوا إلى أهلهم ويثبتوا ولاءهم لأمتهم ووطنهم ويلتزموا بأمانة الكلمة واستقامة القصد بعيدًا عن توجيهات النظام وإملاءاته؟
  • إن شعبنا قد شب عن الطوق وعادت إليه الروح والوعى ولن تخدعه الإجراءات المحدودة التى يجريها المسئولون، ولن يفقده صبره وإصراره على تحقيق مطالبه مهما كانت التضحيات. (والله غالٌبِ علي" أمًرٌهٌ لكٌن أكًثر پناسٌ لا يعًلمون) "يوسف: 21" (70)

وقد أصدر الإخوان بيانًا فى 9 من فبراير 2011م، يحذرون فيه النظام من الاستمرار فى عناده، ويدعونه إلى ترك السلطة وحقن الدماء.. جاء فيه:

" إن الجماهير الحاشدة التى شاركت فى مظاهرات أمس، والتى فاقت أعدادها كل المظاهرات السابقة إضافة إلى اشتراك فئات جديدة مثل أساتذة الجامعات والمهندسين والمحامين والصحفيين وكذلك الموقف المشرف الذى وقفه الإعلاميون الحكوميون الشرفاء فى التليفزيون المصرى ضد سياسة النظام التضليلية، والتحريضية.. كل ذلك يؤكد أن الشعب المصرى بكل فئاته وطوائفه عقد العزم، وشحذ الإرادة على تحقيق أهدافه، ومطالبه فى الحرية والكرامة والعدل والعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية.. كما يؤكد أن الثورة فى ازدياد مطرد بمرور الزمن، وتصلب النظام وعناده.
  • ولا ندرى هل المطلوب أن يخرج الشعب كله عن بكرة أبيه، وبملايينه الثمانين حتى يفهم النظام، ويستجيب للمطالب العادلة المشروعة، وإذا كان كثير من أركان النظام أقروا بعدالة المطالب ومشروعيتها، فلماذا يلتفون حولها، ويحاولون خداع الناس وإجهاضها؟
  • إن هذه الجماهير لن ترهبها تلك التصريحات التى تهدد بالانقلاب العسكري، وهى تثق فى أن الجيش هو جيش الشعب ورجاله هم أبناء الشعب، وهم حماة الوطن والشعب معًا، ولا يمكن أن ينقلبوا على الشعب وآماله ومطالبه.
  • إن الإخوان المسلمين حينما شاركوا فى جولة الحوار لم يكن يعنى ذلك قط التخلى عن الثورة، أو الخروج عنها، وإنما كان بغرض التعجيل بتحقيق مطالبها من خلال نقل سلمى وسريع للسلطة، ولم يكن بغرض إضفاء شرعية على النظام الذى أسقطه الشعب، فلقد شاركنا فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، واتهمنا الآخرون بأننا نمنح النظام الشرعية، وكان تزوير هذه الانتخابات ضدنا وضد غيرنا هو العمل الذى نزع عن النظام الشرعية، وأسهم ضمن عوامل عديدة فى إثارة هذه الثورة المباركة.
  • إن هناك من يفترون علينا أننا نريد إقامة دولة دينية كالقائمة فى إيران، ونحن ابتداءً كررنا كثيرًا أننا لا نتطلع إلى السلطة، ولا نريد الرئاسة، ولا المناصب، ولا نسعى لكسب الأغلبية فى البرلمان ولكننا نتطلع إلى الإصلاح الشامل فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتعليمية والإعلامية وسائر جوانب الحياة ابتغاء وجه االله، والدولة التى نتطلع إليها إنما هى دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية، الشعب فيها مصدر السلطات وصاحب السيادة.
  • إننا نؤكد أن هذه الثورة المباركة هى ثورة الشعب المصرى كله لم يحركها حزب ولا جماعة ولا فصيل، وإن كان الجميع قد شارك فيها ولا يستطيع أحد أن يدعى أنه يقودها، أو يمثلها وحده، وإنما المطالب فيها مطالب جماعية لن تهدأ ثائرتها إلا بتحقيقها وعلى رأسها تنحى الرئيس.. نصر االله شعبنا وحقق آماله وحفظ وطننا وأمتنا، وهو نعم المولى ونعم النصير" (71)

المبحث الرابع: رحيل الطاغية

بالرغم من محاولات النظام العديد الالتفاف على الثورة والثوار سواء من خلال الممارسات السياسية التى قام بها أو عمليات البلطجة والقتل التى مارسها إلا أن تصميم الشعب بجميع طوائفه على ضرورة رحيل النظام، وكان اليوم السابع عشر للثورة (الخميس 10 من فبراير) هو أصعب أيامها وأثقلها على الثوار، فالشلل قد حل بكل مرافق الدولة، والناس خرجت إلى الشوارع فى انتظار خروج الفاسد لإعلان تنحيه عن السلطة..

وأخيرًا خرج لا ليعلن هذا القرار المنتظر وإنما ليلف ويدور ويخادع، ويعد بالإصلاحات، ويعهد إلى نائبه بذلك، ثم يتحدث هذا النائب (عمر سليمان) فيزيد الطين بلة.. وقد أيقن الثوار أن غدًا (الجمعة 11 من فبراير) ربما تكون هناك مذبحة لهم من ترتيب نظام العار الذى بات يقتل شعبه ويخطط للتمثيل به.

وقد أصدر الإخوان بيانًا فى هذا اليوم، توقعوا فيه سقوط النظام قريبًا، وطالبوا الشعب بالصبر والثبات.. جاء فيه:

"بعد هذه الثورة الهادرة التى زلزلت أركان النظام وخرج فيها الملايين ثمانية عشر يومًا متوالية يهتفون هتافًا مدويا يكفى لخلع الجبال الرواسي؛ يطالب برحيل النظام ويعلن سقوطه باستبداده وقهره ومحاسبة أركانه، وبعد أن ظن الناس أن الزئير قد سُمع، وأن الرسالة قد وصلت؛
خرج علينا مبارك ببيان صاعق، يؤكد لهم فيه أنه لا يزال يمسك بزمام الحكم وينقض آخره أوله، فقد ظل يتحدث عن أنه سيفعل ويفعل، ثم يعود ليقرر أنه فوض نائبه فى كل صلاحياته، ولا يمكن تصنيفه إلا ضمن منظومة الأحاديث الخادعة التى يريد بها أن يلتف على مطالب الجماهير، وعلى رأسها تنحيه الكامل عن الحكم، إن كان يحترم إرادة الشعب ويحرص على مصالح الوطن وأمنه واستقراره وإلا فإن الجماهير سوف تظل فى ثورتها حتى تتحقق مطالبها.
  • ثم أعقبه بيان نائبه الذى لم يضِفْ جديدًا قط، وإنما أفقده كثيرًا من تقدير الناس له؛ لأنه قدم نفسه باعتباره امتدادًا للنظام ورئيسه، محاولا بإجراءات ثانوية القفز على مطالب الشعب الأساسية الجوهرية، داعيا الجماهير للعودة إلى ديارهم دون تحقق شيء ملموس ذى قيمة من شأنه أن يفتح نافذة أمل لحياة حرة كريمة عادلة، فلا تزال السياسات هى السياسات والوجوه هى الوجوه، والفاسدون يرتعون كما كانوا يرتعون.
  • إن أسلوب الاستعلاء على الشعب والتصلب والعناد من شأنه أن يزيد الثورة ثورانًا، وها نحن أولاء نرى أنها تتسع وتزداد جغرافيا وفئويا وعدديا، والذى نخشاه أن تزيد خسائر البلد وتتضاعف، فكم هى المؤسسات التى توقفت عن العمل والأيدى التى انصرفت عن الشغل من أجل نيل الحرية والكرامة، وكم هى الأموال التى هربت والاستثمارات التى رحلت، فهل تساوى تلك الخسائر كلها رغبة فرد ظالم فى التشبث بسلطة بضعة أشهر؟
  • إن الديمقراطية التى يتشدقون بها تفرض النزول على إرادة الشعب، ومصلحة الوطن تفرض على من يزعم الوطنية وحب الوطن أن يؤْثِرها على مصلحته ومصلحة أسرته، فليرحل الظالم مختارًا قبل أن يرحل مكرهًا.
  • إن البيانين اللذين أصدرهما مبارك ونائبه مرفوضان تمامًا من الشعب، ونحن جزء من هذا الشعب المصرى العظيم.
  • أما أنت أيها الشعب المصرى البطل فقدرك أن تواجه نظامًا متغطرسًا متجبرًا فاسدًا يراهن على نفاد صبرك وقصر نفسك، فاثبت له- عكس ذلك- طول صبرك وشدة عزمك وإصرارك على استعادة حقك؛ فما ضاع حق وراءه مطالب فلتستمر فى ثورتك، مهما طال الزمن، ومهما بلغت التضحيات، فاالله لا يضيع عمل المصلحين.. (الذٌين جاهدوا فٌينا لنهًدٌينهمً سبلنا إن پله لمع پًمحًسٌنٌين)". (72)

مرت الثورة المصرية - بدون شك - بأوقات عصيبة، وتميزت بعض أيامها على باقيها، غير أن يوم الجمعة (11 من فبراير 2011) يبقى هو يومها الأول والأغر، لا يقل أبدًا عن يوم انطلاق الثورة (25 يناير 2011)، بل هو الأهم؛ حيث كافأ االله فيه المصريين بذهاب هذا الطاغية الأشر، حسني مبارك، الذى أضاع البلاد والعباد، وطال حقده الأسود كل من يقول ربى االله، فكان هذا اليوم علامة على فضل االله على الناس، وكيف أنه -سبحانه- قادر على خسف من يشاء من عباده المفسدين، وتوريث أرضه وملكه لمن يشاء من عباده الصالحين..

وقد أصدر الإخوان بيانًا هنئوا فيه الشعب المصري، الصابر الصامد، وحيوا فيه الشهداء الذين وهبوا دماءهم من أجل تحرير مصر من العبودية والاستبداد، وحيوا الثوار الذين تحملوا عبء هذا التغيير التاريخى المجيد..

جاء فى البيان:

"(قلٌ اللهم مالٌك الملًكٌ تؤًتٌي الملك من تشاء وتنزٌع الملًك مٌمن تشاء وتعٌز من تشاء وتذٌل من تشاء بٌيدٌك الخيًر إنك علي كلٌ شيًءُ قدٌيرِ) "آل عمران: 26".
  • يا جماهير مصر الصابرة الصامدة، يا أبطال الحرية وأنصار الحق، يا أهل التضحية والفداء: نحييكم فردًا فردًا، رجلا وامرأةً، شابًا وفتاةً، طفلا وطفلةً، مسلمين ومسيحيين، تحيةً من أعماق قلوبنا ونشد على أيديكم ونقبل جباهكم، ونحمد االله أن أزاح عن صدورنا جميعًا كابوسًا خانقًا، وطاغيةً مستبدًا، وأزاح عن شعب مصر العظيم غلالة الغبار حتى ظهر معدنه النفيس للعالم أجمع بأنه شعب - وإن كان صبورًا، إلا أنه- يأبى الضيم ويثور على الظلم ويعشق الحرية والكرامة، فهنيئًا لكم هذه اللحظات الكريمة المباركة التى كانت ثمرة عظيمة لثورة مباركة.
  • وأنتم أيها الشهداء يا من ضحيتم بحياتكم فى سبيل الله، ومن أجل تحرير أهلكم ووطنكم: تحيةً خالصةً لكم فى أرقى مكان وأكرم جوار، فى أعلى الجنان وجوار الرحمن، ومع حزننا العميق لفراقكم فإن سلوانا أنكم لستم أمواتًا ولكنكم أحياء فى الجنة تمرحون (لا تحًسبن پذٌين قتٌلوا فٌى سبٌيلٌ پلهٌ أمًواتْا بلً أحًياءِ عٌند ربٌهٌمً يرًزقون "169" فرٌحٌين بٌما آتاهم پله مٌن فضًلٌهٌ يسًتبًشٌرون بٌالذٌين لمً يلًحقوا بٌهٌم مٌنً خلًفٌهٌمً ألا خوًفِ عليًهٌمً لا همً يحًزنون) "آل عمران: 169، 170".
  • وتحيةً لجيش مصر العظيم الذى حمى الثورة منذ نزل إلى الشوارع وأمن الناس والمؤسسات بعد انسحاب الشرطة، وتلاحم مع المتظاهرين، ورفض محاولات توريطه والإيقاع بينه وبين الشعب، ولا عجب!! فالجيش هو جيش الشعب، وأبناؤه هم أبناء الشعب، ونحن نثق فى أن السلطة التى ائتمن عليها بصفة مؤقتة سوف يتم نقلها بطريقة سلمية إلى أهل السياسة؛ للحفاظ على مدنية الدولة وديمقراطيتها وإقامة المؤسسات التشريعية فيها وفق انتخابات حرة نزيهة.
  • وإلى الثائرين فى كل ربوع مصر، ولا سيما الشباب منهم، نقول: إن المرحلة الأسهل قد انتهت، رغم مرارتها وقسوتها؛ ألا وهى مرحلة هدم النظام الفاسد، أما المرحلة التالية فهى المرحلة الأصعب، وهى مرحلة بناء نظام جديد على أسس صحيحة تُحترم فيها الحريات العامة وحقوق الإنسان وكرامته، وتتوزع فيها الثروة بطريقة عادلة، ويقام فيها العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وتُطبق فيها قواعد العدالة الاجتماعية، وُتبنى مؤسسات الدولة على مبادئ وقيم وقوانين سليمة، ويكافح فيها الظلم والفساد، ويحارب الاستبداد حربًا لا هوادة فيها ولا تهاون معها.
  • أيها المواطنون الشرفاء.. لقد حققتم بفضل االله مكاسب عظيمة، فلا بد من حراستها والحفاظ عليها، وهذا يقتضى الاستمرار فى اليقظة والانتباه والوحدة والإيجابية، والحب والتواصل، وفقنا االله جميعًا، وسدد على طريق الحق خطانا وحقق آمالنا لشعبنا وأمتنا ووطننا (قلٌ اعًملوا فسيرى الله عملكمً رسوله الًمؤًمٌنون) "التوبة: 105" (73)

المبحث الخامس: مشاركة الإخوان بالثورة .. مواقف وشهادات

نورد فيما يلي شهادات لبعض الشخصيات العامة ممن سجلوا يوميات الثورة، واعترفوا خلالها بفضل الإخوان في حمايتها:

  • تحت عنوان: (أبناء الطالبية والعمرانية أنقذوا الثورة من السقوط يوم 28 يناير) (جمعة الغضب) قال الدكتور محمد أبو الغار في حوار مع ماهر مقلد لـ(الأهرام) يوم 23/4/2011م: "عدد كبير من شباب منطقة الطالبية في حدود 10 آلاف، كانوا مدربين على أعلى مستوى لتحمل مواجهة الشرطة، وهم من مجموعتين، الأولى شباب الإخوان، والثانية الألتراس من جماهير النادي الأهلي.. أما مجموعة العمرانية فهي مثل مجموعة الطالبية، لعبت دورًا مهمًّا جدًا، وكانت قوية، ونجحت أيضًا في فتح الطريق" (74)
  • في الحلقة رقم (7) من: "يوميات ثورة الصبار" كتب الشاعر عبد الرحمن يوسف في "المصري اليوم" ، يوم 14/4/2011م، يقول: "لقد انتهت تلك الليلة- يقصد فجر الثالث من فبراير 2011م ليلة موقعة الجمل-، ولكي أكون منصفًا، لا بد أن أذكر أن الصفوف الأمامية كانت عامرة بفضل جماعة الإخوان المسلمين أولاً، ولولاهم لما مرت هذه الليلة على خير".
  • وقال أحمد دومة، عضو ائتلاف شباب الثورة (موقع دار التحرير الإلكتروني 22/3/2011م): "شباب الإخوان لعبوا دورًا فاعلاً في حسم (موقعة الجمل) وتصدوا بصلابة وشجاعة لهجمة الخيول والجمال التي حاولت اقتحام الميدان وإجلاء المتظاهرين بالقوة، وأعتبر أن جهد الإخوان في هذا اليوم أحد العوامل المهمة في نجاح الثورة، فمعظم الشباب الموجود في الميدان آنذاك كانوا يعانون إصابات متعددة وفي حالة إعياء لا تسمح لهم بالتعامل مع البلطجية الذين دفعهم النظام السابق لإجهاض الثورة وإخلاء الميدان، ولولا وجود شباب الإخوان ووقفتهم البطولية لتبدلت موازين القوى" (75)
  • أما د. صفوت حجازي فقد أكد- في ندوة حاشدة نظمها طلاب هندسة أسيوط ونشرتها جريدة الفجر يوم السبت 2 من أبريل 2011م- أنه "لولا تصدي شباب الإخوان وشجاعتهم أثناء الثورة في ميدان التحرير لحدثت مذابح رهيبة للعشرات ولذُبحت الثورة، مؤكدًا أن الإخوان حموا الثورة، وأن 80% ممن وقفوا على حواجز المواجهة مع البلطجية في ميدان التحرير يوم موقعة الجمل من شباب الإخوان". (76)
  • وقالت د. نادية مصطفى -أستاذ العلاقات الدولية ورئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة : "ولا يستطيع أحد أن ينكر الدور الجهادى الذى ساند به شباب الإخوان إخوانهم فى ثورة مصر فى ميدان التحرير يوم الهجوم البربرى على الميدان فى 2/2/2011، فلقد تجلت فى هذا اليوم لحظة تاريخية من ماهية توزيع الأدوار وتكاملها (كلٌ ميسرٌ لما خُلق له) فكان الإبداع الاستراتيجى والتنفيذى للدفاع عن الثورة من ميدان التحرير إبداعًا مشتركًا متكاملا، سواء من العقول أو السواعد أو الأبدان، بل الأرواح" (77)
  • وفى المصرى اليــوم "27/2/2011" وتحت عنــوان (الإخوان ليســوا بعبع) كتب د. محمود خليل، رئيس قسم الصحافة بكلية إعلام القاهرة يقول: "لقد لعب الإخوان دورًا أساسيا فى حماية الشباب المصرى خلال الأيام التى انقض فيها رجال أمن الحزب الوطنى البائد وموظفوه وبلطجيته على المتظاهرين فى ميدان التحرير، مستخدمين الخيول والبغال والجمال، كذلك قاموا بدور مهم فى تنظيم عملية الدخول إلى الميدان خلال التظاهرات المليونية التى شهدتها الأيام التالية" (78)
  • أما د. سعد الدين إبراهيم فقد قال "موقع ابن خلدون، يوم 9 من أبريل 2011": ".. كانت الإشارة إلى معركة الجمل؛ لتذكير الناخبين بالدور المشهود والمشكور للإخوان المسلمين، فى صد الجحافل التى أرسلها نظام مبارك من راكبى الجمال الذين أتوا من منطقة الهرم بالجيزة لمداهمة آلاف المتظاهرين فى ميدان التحرير.. وكان شباب الإخوان أول المدافعين عن بقية الجموع، وتصدوا ببسالة لراكبى الجمال حتى أدبروا منكفئين على أعقابهم" (79)

كما أصدرت اللجنة الإعلامية لشباب 6 أبريل بيان قالت فيه

"إن شباب الإخوان شاركوا معنا من أول يوم فى الثورة، نعم الجماعة لم تدعو للثورة معنا لكن شبابها وقياداتها شاركوا معنا بصفة شخصية مثل الدكتور محمد البلتاجي الذى كان من ضمن النواب الذين وقفوا معنا فى يوم 25 يناير أمام دار القضاء العالى، ثم شاركت الإخوان رسميا من يوم 28 يناير ونزلوا رسميا للميدان وهو ذات اليوم الذى جاء فيه الدكتور محمد البرادعى رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق ليشارك فى التظاهرات".
وأكدت الحركة على أن شباب الإخوان والسلفيين كان لهم دور رائع وتاريخى يكتب بحروف من نور مع كل شباب الثورة فى يوم موقعة الجمل، وكنا سويا الدرع والسيف، مشيرة إلى أن بعد الثورة حدثت انقسامات واختلافات وأخطاء من جميع التيارات على درجات مسئوليتها واستقطاب من الجانبين لكن كل هذا اختلاف طبيعى سياسى، لكنه لا يصل لدرجة التخوين والخلاف (80)

هذا قليل من كثير يتناول دور الإخوان المسلمين فى الثورة وأدائهم وبالطبع لم يكن الإخوان وحدهم فى الميدان ولكن كان هناك الكثير من القوى الشبابية والشعبية ولكننا معنيين هنا بتوثيق دور الإخوان المسلمين فى الثورة والذى يحاول البعض أن يخفيه أو يتجاهله وخاصة بعد وصول الإخوان للحكم.

الفصل الخامس: الإخوان المسلمون والثورة التونسية

كُتب التاريخ مليئة باحتفالات الثورات العربية، لكن في الحقيقة لم تكن بينها ثورة بمعناها الشعبي، بل كلها كانت انقلابات أو تغييرات قسرية. أولها الثورة العربية الكبرى عام 1916.. كانت مجرد فكرة ولم تصبح ثورة. وثورة الضباط الأحرار المصرية في عام 1952 كانت انقلابا عسكريا، تلتها في أنحاء العالم العربي عشرات الانقلابات، كلها سمت نفسها ثورات شعبية، حتى وقعت أحداث تونس. المشهد الثوري الحقيقي الوحيد في المنطقة هو الثورة الخمينية في عام 1979، لكن إيران ليست بالبلد العربي حتى تقارن بتونس.

الثورة التونسية تاريخيا حالة مختلفة عربيا، وهذا ما أدهش الكثيرين، تونس كانت خارج رادار المراقبين ومستبعدة من قائمة الدول المرشحة للاضطرابات، لاعتبارات، من بينها قبضة زين العابدين بن علي الأمنية الحديدية. وبسبب انهياره اليوم تعيش الكثير من الأنظمة العسكرية والأمنية هذا "الهاجس التونسي" ؛ لأن هياكل الحكم مشابهة لتونس، انقلابات، أو عن انقلابات موروثة. الهيكل التونسي كان يقوم على منع الانقلابات المضادة، ومنع التمرد على النظام. ثورة تونس أثبتت أن هذا النظام قابل للتحطيم.

ثورة تونس عفوية اشتعلت أولا في شارع في سيدي بوزيد، لا في ثكنة عسكرية، كما هو تاريخ التغييرات العربية، ومع أن الثورة التونسية استغرقت أقل من شهر فإنها أطاحت بواحدة من أقوى القيادات العربية، حالة ستبقى محل تحليل ومراجعة.. لماذا سقط القائد في أيام على الرغم من إمكاناته وتجربته في بلد، يعتبر صغيرا نسبيا، محاط بسياج أمني شديد؟ الحالة تستحق التأمل فعلا.

ومن المؤكد كما ذكرنا سابقاً أن الثورة هى نتاج لأسباب عديدة وتراكم لمراحل سابقة وقبل الخوض فى مرحلة الثورة الحالية ودور الإخوان المسلمين فيها من المهم بمكان التعرض لمسيرة الحركة الاسلامية التونسية وعلاقتها بالسلطة خلال مرحلة ماقبل الثورة.

المبحث الأول:الإخوان المسلمون بتونس ... مرحلة ماقبل الثورة

نشأت الحركة الإسلامية بتونس فى الستينيات من القرن الماضى واتخذت الحركة فى مسيرتها مسميات عديدة وإن كانت تعلن تبنيها لفكر جماعة الإخوان المسلمين، ويذهب بعض الباحثين والكتّاب إلى القول بأنّ الحركة الإسلامية التونسيةعريقة عراقة جامع الزيتونة في تونس ومعروف أنّ هذا الجامع لعب دورا كبيرا في تاريخ تونس كما ساهم في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية لتونس ووقف سدّا منيعا في وجه الاستعمار الفرنسي الذي كان يعمل على فرنسة تونس وجرّها إلى دائرة التغريب والفرنسة .

ويرتبط ظهور الحركات الإسلامية في تونس بتحركات بدأت في جامع الزيتونة في أواخر الستينيات حيث شرعت شخصيّات إسلامية منها الشيخ عبد القادر سلامة ومحمد صالح النيفر والشيخ بن ميلاد في إلقاء محاضرات ومواعظ ودروس دينية وبعض هذه المحاضرات كانت تنتقد الحالة السياسية والثقافية والاقتصادية في تونس.

وكان من بين الذين درسوا في الزيتونة في هذه الفترة بالذات [[عبد الفتاح مورو]] أحد أهمّ المشاركين في تأسيس الحركة الإسلامية المعاصرة في تونس وبدأ مهمته تلك في عقد صلات وثيقة بشخصيات وأوساط تونسية .

ويقول الدكتور حيدر إبراهيم علي صاحب كتاب التيارات الإسلامية وقضية الديموقراطية أن تاريخ الحركة الإسلامية التونسية هو التاريخ الموازي والمضاد للبورقيبية وفي إطار أوسع للغرب فقد كان الحبيب بورقيبة من أكثر الزعماء صراحة في إعجابه بالثقافة الغربية وكان أحيانا يعبّر عن استيائه للثقافة العربية التي تشتمل ضمنا بعض العقائد الإسلامية والدينية .. (81)

وفي بداية السبعينيات التقى عبد الفتاح مورو براشد الغنوشي الذي كان في وقت سابق معجبا بالفكر القومي الناصري ثمّ تبنىّ الفكر الإسلامي ونشأت صداقة بينهما انعكست على نشاطهما السياسي فيما بعد .

ولد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في حامة قابس ودرس المرحلة الابتدائية في بلدته حامة قابس والمرحلة الثانوية في المدرسة الثانوية التابعة لجامعة الزيتونة ثمّ انتقل إلى بلدة مثيلبة حيث نال الشهادة الأهلية – المتوسطة – ومن تمّ درس في المدرسة الخلدونية في العاصمة التونسية وبعد ثلاث سنوات حصل على الثانوية العامة .عمل في بداية حياته العملية معلماّ في مدينة قفصة حتى سنة 1964 وبعدها سافر إلى دمشق ليدرس الفلسفة حيث حصل على إجازة في الفلسفة سنة 1968 .

وفي دمشق تسنىّ له أن يقرأ النتاجات الفكرية للإخوان المسلمين وتحديدا ما كتبه سيد قطب وأبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية في باكستان . وبعد إتمام دراسته في دمشق عاد راشد الغنوشي إلى تونس سنة 1969 , وباشر التدريس في ثانويات تونس العاصمة و حمّام الأنف والقيروان . وفي سنة 1979 ترك التدريس وتفرغّ لاستكمال دراساته العليا في الشريعة الإسلامية (82)

وفي سنة 1970 قررّ مع عبد الفتاح مورو الشروع في إعطاء دروس وإقامة حلقات دينية تعليمية في المساجد وكانت جلّ هذه الدروس تتمحور حول حضارية الإسلام وخطورة الثقافة الغربية المادية . وأنضما كلاهما إلى جمعية المحافظة على القرآن الكريم سنة 1971 وأخذا يمارسان نشاطهما. ومن جامع سيدي يوسف في العاصمة التونسية بدأت الفكرة الإسلامية تسطع وبدأت الفكرة الإسلامية تخرج من دائرة المسجد إلى دائرة الجامعة .

وبعد سنوات من النشاط المتواصل انعقد اجتماع سرّي عام 1979 بضاحية منوبة في تونس قررّ إثرها راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو تأسيس تنظيم إسلامي على غرار تنظيم الإخوان المسلمين أطلقوا عليه اسم : الجماعة الإسلامية .

الجماعة الاسلاميّة التونسية بين 1971- 1981

بين سنتي 1971 و 1981 أي فترة عشر سنوات كانت الجماعة الإسلامية التي تزعمها راشد الغنوشي تقصر عملها على النشاط الثقافي والتربوي والفكري وكانت الحلقات الداخليّة التي تعقد بين كوادر الجماعة الإسلامية تساهم في بلورة العديد من الطروحات والأفكار بين أعضاء الجماعة الإسلامية . ويقول بعض الكتّاب أنّ الحركة الإسلامية التونسيةاستفادت من تسامح السلطة مع انحسار التأييد لها نتيجة تفاقم المشكلة الاقتصادية بالإضافة إلى محاولة السلطة لتحسين علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية خلافا لموقفها الصدامي السابق .

ويتوافق كثير من الباحثين على أنّ البورقيبية كنهج فكري وسياسي ساهمت إلى أبعد الحدود في إفراز التيار الإسلامي ذلك أنّ التطرفّ في تبنيّ الطروحات الغربية أدىّ إلى ردة فعل للنخب التي لا تؤمن بالبديل الغربي في تونس .

ولاشكّ في أنّ مؤسسي الجماعة الإسلامية قد تأثروا الى أبعد حدّ بكتابات المفكرين الإسلاميين من أمثال سيد قطب وأبو الأعلى المودودي ومالك بن نبي وحسن البنا وغيرهم. وقد ركزّ هؤلاء المفكرون في كثير مما كتبوه على إبراز الجوانب الحضارية للإسلام وضرورة أن يصبح الإسلام هو البديل الحقيقي لأزمة الحضارة الإنسانيّة .

وعندما تأسست الجماعة الإسلامية التونسية كانت مجرّد جماعة ثقافية وفكرية تتحرك من منطلق بعث الشخصية الإسلامية ووضع حدّ للإنسلاب الثقافي والتبعية للغرب وتجديد الفكر الإسلامي وكانت المنطلقات الثقافية والفكرية تحول دون دعوة هذه الجماعة إلى العنف لأنّها كانت تعتبر معركتها ثقافية بالدرجة الأولى في صراعها مع التيارات العلمانية التي كانت تجرّ تونس إلى دائرة التغريب .

وقد أنعكس تاريخ تونس الخاص على فكر الحركة الإسلامية في تونس من قبيل رفض العنف كأداة للتغيير وتركيز الصراع على أسس شوروية تكون هي أسلوب الحسم في مجالات الفكر والثقافة والسياسة. (83)

حركة الاتجاه الإسلامي التونسية (19811989)

اثر إعلان الحزب الدستوري الحاكم في تونس عن مشروع التعددية السياسية في سنة 1981 بادر أعضاء الجماعة الإسلامية إلى عقد مؤتمر أعلنوا في ختامه عن حلّ الجماعة الإسلامية وتأسيس حركة جديدة باسم حركة الاتجاه الإسلامي أنتخب راشد الغنوشي رئيسا للحركة والشيخ عبد الفتاح مورو أمينا عاما للحركة وتمّ الإعلان عن الحركة بشكل رسمي في 06-06-1981 وتقدمّت في اليوم نفسه بطلب إلى السلطات للحصول على اعتماد رسمي ولم تتلق الحركة أيّ ردّ من الجهات المعنية .

وفي شهر تموز – يوليو 1981 تمّ إلقاء القبض على راشد الغنوشي و أحيل إلى المحاكمة في العام نفسه مع مجموعة من قيادات حركة الاتجاه الإسلامي بتهمة الانتماء إلى جمعية غير شرعية وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات أمضى ثلاث سنوات منها في السجن وأفرج عنه في 02-08-1984 بعفو رئاسي بعد وساطة من رئيس الحكومة في ذلك الوقت محمد مزالي وأثناء اعتقاله خلف الغنوشي في قيادة الحركة الفاضل البلدي ثمّ حمادي الجبالي .

وقد عقدت حركة الاتجاه الإسلامي مؤتمرا سريّا في كانون الأول – ديسمبر 1984 جرى فيه تثبيت زعامة الغنوشي وعبد الفتاح مورو . وفي 06- 06 – 1985 عقدت الحركة مؤتمرا صحفيا كشفت فيه علانية في الذكرى الرابعة لتأسيسها عن كل أوراقها وأسماء أعضاء المكتب السياسي المنتخب .

وعندما اندلعت أعمال العنف في تونس ووضعت عدة عبوات ناسفة في فنادق سياحية أعيد اعتقال راشد الغنوشي في أغسطس – آب 1987 بتهمة أنّ له صلة بأحداث العنف والتفجيرات التي عرفتها تونس في ذلك الوقت . و حكمت عليه محكمة أمن الدولة بالسجن المؤبّد وذلك بتهمة تهديد أمن الدولة والتواطؤ مع دولة أجنبية هي إيران . وفي 15- 05- 1988 أصدر الرئيس زين العابدين بن علي عفوا خاصا عن الغنوشي وذلك بعد وصوله إلى السلطة وانقلابه على الحبيب بورقيبة .

وفكرة تأسيس حركة الإتجاه الإسلامي ذات الطابع السياسي لم تكن محل إجماع بين كل عناصر الجماعة الإسلامية و حول مستقبل الإتجاه الإسلامي برز اتجاهان الأول يمثله راشد الغنوشي و عبد الفتاح مورو وكان يريان ضرورة المضيّ بالحركة نحو بلورة تنظيم على غرار تنظيم الإخوان المسلمين والاتجاه الثاني ومن رموزه صلاح الدين الجورشي وأحميدة النيفر وزيّاد كريشان الذين رفضوا النموذج الإخواني و أقترحوا إبقاء الحركة في بوتقتها الفكرية والثقافية ومن رحم الاتجّاه الثاني تأسسّ ما عرف بالإسلاميين التقدميين.

وكانت هناك مبررات عديدة جعلت الجماعة الإسلامية تخرج من الدائرة الفكرية والى الدائرة السياسية ومن هذه المبررات :

  1. نضج الخطاب الإسلامي وبداية اقتناع كوادر الفكرة الإسلامية بضرورة لعب دور في الواقع السياسي التونسي.
  2. إغراق السلطة التونسية في حالة التبعية وضرورة التصدّي لها من خلال المساهمة في التغيير السياسي .
  3. تحديّات التيارات والقوى العلمانية والتغريبية.
  4. التحديات التي عاشها العالم العربي والإسلامي مثل أحداث أفغانستان ولبنان وفلسطين وغيرها .
  5. انتصار الثورة الإسلامية في إيران .

وكل هذه العوامل الداخلية والخارجية أملت على راشد الغنوشي ورفاقه ضرورة تكوين حزب سياسي . وفي حزيران – يونيو 1981 أعلن راشد الغنوشي عن تحويل الجماعة الإسلامية إلى حزب سياسي تحت اسم الاتجاه الإسلامي برئاسة راشد الغنوشي و عضوية عبد الفتاح مورو الذي أصبح أمينا عاما لحركة الإتجاه الإسلامي وبن عيسى الدمني مسؤولا عن الاتصالات وحبيب المكني مكلفا عن بالإعلام .

وقد رفضت وزارة الداخلية التونسية جملة وتفصيلا الترخيص لحركة الاتجاه الإسلامي وللحؤول دون أن تكبر في الواقع السياسي التونسي بادرت إلى اعتقال كل قيادات حركة الاتجاه الإسلامي .

وكانت السلطات التونسية تنظر إلى هذا التنظيم السياسي الجديد بكثير من القلق والحذر خوفا من تكرر التجربة الإيرانية في تونس والتي كان راشد الغنوشي ورفاقه يمدحونها كثيرا ويبدون إعجابهم بها , وكانوا يعلنون جهارا تأييدهم لها وخوفا أيضا من تكرار التجربة الجزائرية حيث خرجت التنظيمات الإسلامية في الجزائر من قمقمها إلى العمل العلني وبروز الحركة الإسلامية المسلحة في الجزائر بقيادة مصطفى بويعلي (84)

وإذا كانت السلطة التونسية قد اتهمّت حركة الاتجاه الإسلامي بالوقوف وراء أعمال العنف فانّ الحركة الإسلامية التونسية وعلى رأسها حركة الاتجاه الإسلامي كانت تدفع عنها تهمة العنف ويتهم راشد الغنوشي السلطة التونسية بأنها هي صانعة العنف ومهندسته الأسّاسية

وفي هذا السيّاق يقول:

أبرز ما يسم علاقة الدولة التابعة بمجتمعها هو علاقة العنف انّ التغريب في حدّ ذاته هو أبرز و أفدح ألوان العنف الذي تمارسه الدولة انّه عملية سلخ مجتمع عن أصوله وضميره من أجل ما يسمى بالحداثة وهي في الحقيقة ديكتاتورية الغرب على شعوبنا من خلال وساطة جماعة التحديث والتغريب على النمط الغربي نقيضا كاملا للديموقراطية من كل وجه (85)

ويجزم الغنوشي أنّ حركة الاتجاه الإسلامي كانت ترفض العنف وهذا ما يفسّر وقوف قواعد الاتجاه الاسلامي ضدّ أعمال التخريب التي كان يغذيها شعور الفتيان في المعاهد التعليمية بالحيرة والقلق وغموض المستقبل وديكتاتورية الإدارة كما تغذيها أطراف سياسية داخل النظام وخارجه تتبنىّ العنف منهاجا وعلى رغم ما أجتهد بعض الحاقدين ممن لا خلاق لهم في إلباس الاتجاه الإسلامي لبوس العنف في الأحداث المدرسية الأخيرة فإنني أؤكد وسيكشف التاريخ ذلك أنّه لولا تصدّي الاتجاه الإسلامي في المدارس لأعمال التخريب لما بقيّ شيئ قابل للكسر أو الحرق لم يكسر ولم يحرق (86)

المبحث الثانى:الإسلاميون والسلطة في تونس.. مسار المواجهة

التيار الإسلامي في تونس وإن كانت لا تنفرد بتمثيله حركة سياسية واحدة فإنّ حركة النهضة "الإخوان المسلمون" تعد الطرف الأكثر تمثيلا والأوسع انتشارا في كافة قطاعات المجتمع التونسي.

فالجماعة الإسلامية التي انطلقت في بداية السبعينات كجماعة دعوية تمارس التبشير بالفكرة الإسلامية وتعمل للاقناع بالمثال الإسلامي كصيغة ممكنة لتصحيح الانحرفات القيمية والأخلاقية التي جرها التغريب والتحديث والانحطاط والتي يعود مسؤولية جانب منها إلى خيارات الدولة الثقافية والسياسية.

ثم أصبحت الجماعة الإسلامية حركة سياسية بعد أن أعلنت عن نفسها إثر أحداث اجتماعية وسياسية وطنية منها والتى تعتبر تلك الأحداث بداية الصدام بين السلطة والاسلاميين وإن لم تخلو الفترات الماضية من مضايقات بأشكال مختلفة:

  1. أحداث "الخميس الاسود" 26 يناير 1978 المتمثلة في مواجهات دامية بين الجماهير وبين أجهزة الأمن التي اطلقت الرصاص على المتظاهرين العزل الذين سقط منهم العشرات. وقد جرت الأحداث إثر إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل عن الإضراب العام بعد أزمة بين المركزية النقابية بزعامة الحبيب عاشور وبين حكومة الوزير الأول الليبرالي الهادي نويرة على خلفية حرب مفتوحة من أجل خلافة الرئيس بورقيبة بين أجنحة في السلطة وكتل داخل الحزب الدستوري
  2. عملية قفصة المتمثلة في دخول مجموعة معارضة مسلحة ذات توجه قومي عربي من الحدود الليبية التونسية بدعم قيل آنذاك إنه من قبل النظامين الليبي والجزائري بغاية الإطاحة بالنظام التونسي الموالي للغرب والحليف للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. وقد مثلت تلك العملية تحديا أمنيا لم تعرفه الدولة التونسية من قبل وفرضت على السلطة تعديلا في سياساتها الداخلية باتجاه انفتاح سياسي محسوب ومحدود كما وفرت لتيارات المعارضة من اليمين واليسار فرصة للإعلان عن نفسها وعن برامجها بعد أن كانت تعمل في السرية أو تتحسس طريقها نحو المجاهرة بأنشطتها وإيديولوجياتها.
  3. أحداث فبراير 1981 الطلابية والتي كان للإسلاميين دور بارز فيها وقد أبانت الأحداث عن حدود تجربة الانفتاح السياسي وكشفت حاجة التونسيين للتنفيس ورغبتهم في التعبير على تشكل الساحة السياسية على أسس إيديولوجية وسياسية مع استمرار خلفية الصراع على السلطة واحتداد معركة الخلافة.

وقد استطاع النظام التونسى أن يتجاوز أزماته رغم حدتها فقد امتصت الأزمة الاجتماعية السياسية الناتجة عن أحداث يناير 1978 وقفصة (87) 1980 كما حاول احتواء الصعود الإسلامي بمحاكمة قيادات حركة الاتجاه الإسلامي بتهم واهية وملفقة فتلك كانت طريقة النظام في تحييد وتصفية خصومه منذ حصول البلاد على الاستقلال في 20 مارس 1956.

كما عمدت إلى تزييف الانتخابات التشريعية لخريف 1981 بعد أن انهزم فيها الحزب الحاكم أمام حركة ناشئة ومنشقة عنه هي حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة الوزير الأسبق "أحمد المستيري".

غير أنّ أزمة النظام ما لبثت أن تفاقمت بتفجر الأوضاع الاجتماعية واحتداد الضغوط الاقتصادية وقد بلغ الاحتجاج الاجتماعي أوجه بأحداث الخبز في 3 يناير 1984 (88) ودخلت حرب الخلافة بين شقوق السلطة ومراكز النفوذ أحد منعرجاتها الحاسمة وكشفت الأحداث أنّ التيار الإسلامي لم يتقهقر بل تحول رغم القمع والمحاكمات إلى مد ثوري وإسلام احتجاجي باتت شعاراته السياسية صدى لمطالب كل الفئات الاجتماعية المتضررة من سياسة النظام كما تبنى جل مطالب المعارضة السياسية (ليبرالية ويسارية) وجعلها مطالبه الخاصة وبدا كأن البلاد تتجه إلى استقطاب سياسي بين الإسلاميين والسلطة.

وشهدت أواسط الثمانينات تحول ملف الإسلاميين إلى قضية وطنية ذات أولوية تتعلق في ظاهرها بالاعتراف أو بعدم الاعتراف بهم وتتصل في جوهرها وحقيقتها بهوية الدولة التونسية وبتحول أزمة النظام إلى أزمة هيكلية يرتبط بها استمراره أو زواله. فالصراع على السلطة بين أجنحتها أصبح سافرا ومكشوفا وسمم الأجواء السياسية وكشف افتقار الدولة إلى أي مضمون أخلاقي وثقافي متصل بهوية المجتمع وافتقارها إلى أي مضمون ديمقراطي متصل بطموحات القوى الحية بالبلاد وبشروط إمكان تحول النظام إلى نظام ديمقراطي.

وتعتبر مرحلة التسعينات هي المرحلة الأشد أثرا في حياة حركة النهضة التونسية إذ وضعت لأول مرة وجودها وأمنها وبقاءها محل امتحان غير مسبوق ووضعت خياراتها محل تمحيص مراجعة فبعد أن شارفت على الانتقال بنجاح من السرية إلى العلنية ومن اللاشرعية القانونية إلى الشرعية القانونية - وقد رغبت في ذلك وسعت إليه بكل جهدها – وجدت نفسها تعود إلى المربع الأول في علاقة القطيعة والتأزم مع نظام اعتقدت أنها يمكن أن تتعايش معه دون أن تتخلى عن ثوابتها الفكرية ودون أن تقدم تنازلات جوهرية.

لقد كانت تجربة الاعتقالات والمحاكمات والسجن والملاحقات وحتى تجربة المنفى التي تعرضت لها حركة النهضة التونسية طيلة عقد التسعينات تجربة مرة ومرحلة استثنائية من المواجهة المفتوحة والقطيعة السياسية وقد طالت إلى الحد الذي صار معه من الصعب توقع سيناريو مغاير ومشهد مختلف لولا أنّ المناخ السياسي بحسب عديد المراقبين أفضل حاليا مما كان عليه طوال عقد التسعينات رغم ما يسجل من تراجع في واقع الحريات خلال الأشهر الأخيرة مما دفع بالناشطين السياسيين المعارضين والحقوقيين وهيئات المجتمع المدني إلى الاحتجاج والتذمر والتشاؤم على خلفية ملفات سياسية واجتماعية وإنسانية (محاكمات السلفيين، أحداث الحوض المنجمي، محاصرة نشاط المعارضة) (89)

وصعد بن علي إلى السلطة، مبشرا بعهد (جديد) وبفتح المجال لحرية الصحافة، وتكوين الأحزاب، وعلقت في الأذهان جملته الشهيرة ، التي لن ينساها ضحاياه والشعب التونسي " لا ظلم بعد يوم " .ورحبت الحركة الإسلامية بالإطاحة ببورقيبة، وبعد عام من الانقلاب وقعت ، حركة الاتجاه الاسلامي، على الميثاق الوطني، الذي دعا إليه بن علي، لتنظيم العمل السياسي ، وتم السماح للحركة باصادر جريدة الفجر، وقيام الاتحاد العام التونسي للطلبة، الذي كان لسان حال أكثر من 40 ألف طالب اسلامي فضلا عن الأنصار والمتعاطفين .

وحددت الحركة في بيان تأسيسها الأهداف التي تناضل من أجلها،من بينها "تكريس الشورى وتحقيق الحرية وتأكيد استقلال القضاء وحياد الإدارة ، ودعم التعاون بين الأقطار الاسلامية العربية " .

وفي انتخابات أبريل سنة 1989 م شاركت الحركة الاسلامية باسم جديد هو "النهضة " ولكن كطرف مستقل، بعد منع قيام أحزاب على أسس دينية، حيث لم تحصل على ترخيص للعمل القانوني، وهو ما يفسر على أنه احدى ارهاصات المحنة التي تعرضت لها بعد ذلك ، لا سيما بعد الانتخابات، التي احتكر فيها الحزب الحاكم جميع مقاعد البرلمان بالتزوير، بينما أشارت الأرقام إلى فوز الحركة بنحو 20 في المائة .

ومثلت انتخابات 1989 م منعرجا خطيرا، في تاريخ تونس، ولا سيما علاقة "النهضة" بنظام بن علي، وأظهرت النتائج قوة شعبية للحركة، وكشفت الكثير من أنصارها، فضلا عن الطاقات المختلفة التي كانت في الظل ، وبدت كما لو كانت فخا للحركة الاسلامية، كما أظهرت المظاهرات بمناسبة حرب الخليج الأولى مرة أخرى قوة الحركة التي أرعبت بن علي وزمرة النظام البائد وقوى اليسار البائسة .

وكانت ثالثة الأثافي ما جرى في الجزائر من انقلاب على صناديق الاقتراع . فبدت التضييقات، والمنع من التجمهر، وطلب من الشيخ راشد الغنوشي التوقف والامتناع عن تنظيم تجمعات جماهيرية في مناطق البلاد، وبدا واضحا أن مشروعا للاستئصال يعد له باتقان، فخرج الشيخ راشد الغنوشي من تونس يوم 28 مايو 1989 م .

وخلفه على رأس الحركة الدكتور الصادق شورو، الذي شهد المحاكمات كلها، وكان أحد أكبر ضحايا نظام بن علي، حيث قضى أكثر من 20 سنة متواصة داخل السجن منها 14 سنة في زنزانة انفرادية . والحقيقة هي أن معاملة الاسلاميين، كان يطلق عليها في تونس صفة "الحالة الخاصة" وهي الاضطهاد والقمع والإذلال بقسوة ، بدون حدود ، وخارج إطار القانون ، فكلمة "حالة خاصة" يعني خارج إطار القانون، وما يعني ذلك من انتهاك، وخروق، واعتداء، وغياب لأبسط حقوق الانسان، وهي كلمة لا تعبرعن حقيقة ما كان يجري . وعندما يحتج البعض على تلك الممارسات باسم القانون ،" يقال للضحية " أنت حالة خاصة ".

وفي 7 نوفمبر 1989 والذي أعلن فيه منع قيام حزب سياسي على أساس ديني حسب زعمه .ومنع صدور جريدة الفجر، في ديسمبر 1990 م وسحب ترخيص ، الاتحاد العام التونسي للطلبة ، في نهاية مارس 1991 م.

وفي سنة 1990 م بدأ نظام بن علي حربا قذرة واستئصالية ضد الحركة الإسلامية ، وبلغ عدد المعتقلين سنة 1991 م التي ترأس فيها الحركة محمد القلوي، إلى أكثر من 10 آلاف معتقل، وأكثر من ذلك العدد تمكن وبطرق مختلفة من الخروج من تونس، ظلوا على مدى أكثر من 20 سنة في المهاجر في أكثر من 80 دولة .

وفي نفس السنة حوكم 300 مناضل من بينهم نحو 100 عسكري بتهم الاخلال بالامن العام .وفي أغسطس 1992 م صدرت أحكام قاسية وظالمة على الآلاف من قادة الحركة من بينها الحكم بالاشغال الشاقة مدى الحياة ، وتعرضت الجامعات لحملة من القمع خص بها الاسلاميون، وشارك فيها خصومهم من اليساريين .

وبعد الانتهاء من الاسلاميين طارد النظام فلول اليسار . وقال وزير الداخلية السابق عبد الله القلال بخيلاء " لقد انتهى أمر الحركة الإسلامية " وشملت المحاكمات 256 قياديا من حركة النهضة . وطال القمع كل من قدم مساعدة لأسر الضحايا من الاسلاميين .

وفي فترة المحنة تناوب على رئاسة حركة النهضة عدد من القيادات منها، الشيخ راشد الغنوشي، في الفترة ما بين أبريل 1972 وديسمبر 1980 م . وعبد الرؤوف بولعابي، من ديسمبر 1980 وحتى يوليو 1981 م. والفاضل البلدي من يوليو 1981 وحتى أكتوبر 1981 م .

حمادي الجبالي من أكتوبر 1981 وحتى أغسطس 1987 م . والشيخ راشد الغنوشي، من نوفمبر 1984 وحتى أغسطس 1987 م . وصالح كركر من أغسطس 1987 وحتى أكتوبر 1988 م .

وجمال العوى من أكتوبر 1988 وحتى أبريل 1988 م . والصادق شورو، من أبريل 1988 وحتى مارس 1991 م . ومحمد القولي مارس 1991 . ومحمد العكروت سنة 1991 م. ومحمد بن سالم من أبريل 1991 وحتى يوليو 1991 .

والحبيب اللوز من يوليو 1991 وحتى سبتمبر 1991 م . ونور الدين العرباوي في أكتوبر 1991 . ووليد البناني من أكتوبر 1991 وحتى نوفمبر 1991) ثم الشيخ راشد الغنوشي من نوفمبر 1991 وحتى اليوم ، بعد التجديد له .

لقد طالبت الحركة في مؤتمرها السادس بالمهجر، والذي عقدته في يونيو 1996 م ، ومؤتمرها السابع في لندن يوم 3 أبريل 2001 م ومؤتمرها الثامن في 2007 م في لندن بتحقيق " اصلاحات دستورية وقانونية شاملة ورفع القيود على التدين والكف عن وصاية الدولة على الدين ومؤسساته " وكانت الحركة قد كانت من المؤسسين لحركة 18 أكتوبر 2005 م وتضم الكثير من الاحزاب السياسية في تونس من مختلف الايديولوجيات .

وفي أثناء حكم الطاغية بن علي، سقط الكثير من الشهداء تحت التعذيب، أو برصاص زبانية الطاغية ،أو بسبب القتل البطئ في السجون من بينهم الشهداء، الهاشمي المكي ،وصلاح الدين باباي وعدنان سعيد، وأحمد العمري، وطارق زيتوني، وفيصل بركات ، وسحنون الجوهري، وأحمد العامري، وعبد الواحد العبدلي، وعبد الرؤوف العريني، وبولبابة دخيل، ومصطفى الحجلاوي، واسماعيل خميرة

وحمدة بن هنية ، وحمادي حبيق، وسليم الجميعي، والطيب الخماسي، واسماعيل خميرة ، وفتحي الخياري، ومبروك الزمزمي، وكمال المطماطي، وعثمان بن محمود، الذي قتله الطاغية بن علي بنفسه عندما كان مديرا للامن في عهد بورقيبة، والمولدي بن عمر، وعز الدين بن عائشة، والشيخ مبروك الزرن ،وجميل وردة ،ورضا البجاوي،وعبد الوهاب بوصاع ،ولخضر بن حسين السديري،وعبد المجيد بن طاهر، ولطفي العيدودي ، وعبد الستار الجلاصي،والرائد المنصوري الذي قتل هو الآخر تحت التعذيب، وآخرين يطول ذكر اسمائهم (90)

وهكذا كانت الممارسات القمعية المستمرة التى قام بها النظام التونسى سواء فى عهد بورقيبة أو بن على لمواجهة الحركة الإسلامية تصب دائماً فى إطار التحريك لمشاعر الغضب لدى عموم التونسيين من هذه الممارسات القمعية والتغريبية فممارسات النظام لم تكن موجههة ضد الإسلاميين فقط بل موجهه إلى الإسلام فى بعض الأحيان، فالتحركات الشعبية التى تناولناها سابقاً مثل مظاهرات الخبز وأحداث قفصة وغيرها والممارسات القمعية التى مارسها ضد الإسلاميين وأسرهم لا يمكن نزعها من سياق ثورة الياسمين عام 2011 فهذه مقدمات طبيعية لتلك الثورة التى أنهت عقوداً من الظلم والاستبداد.

المبحث الثالث: يوميات الثورة التونسية

أولاً: بدايات الثورة (الشرارة الأولى)

في البداية لابدّ من الاعتراف بأن ما حدث ليس بجديد على الشعب التونسي الذي اعتاد الثورة على الظلم خاصة أن التاريخ التونسي حافل بالثورات المشابهة, فالكثير من الشخصيات الأدبية الثائرة كانت تنتمي إلى الدولة التونسية كالشــاعر أبو القاســم الشـابيّ والشــاعر بيرم التونسي الذي حمّست أشعاره الشعب المصري لقيام ثورة1919 (91)

وها هي ثورة تونس لعام 2011 والتي بدأت بانتفاضة خبز محلية تكررت عدة مرات في وسط وجنوب البلاد في العامين الأخيرين لكن الانتفاضة الأخيرة دامت زمنا يكفي كي تنضم إليها المدن والنواحي التونسية الأخرى، ويعود الفضل في استمرارها إلى عناد وبسالة أهالي ناحية سيدي بوزيد الذين اختلط لديهم المطلب الاجتماعي بالغضب والدفاع عن الكرامة التي تمثلت في حرق الشاب (محمد البوعزيزى) لنفسه رافضا تقبل العجز في مواجهة الإذلال (92)

إن ما حدث ليس وليد اللحظة وإنما كان له العديد من المؤشرات التي عزّزت الحدس بقرب الانفجار، بالإضافة إلى بلوغ الظلم والفساد أوجهما وما كانت قد عرفته تونس من انتفاضات في العقدين الأخيرين مثلت سلسلة من الإنذارات للرئيس بن علي الذي لم يستوعبها وتمادى في انتهاج سياسة القمع.

وأبرز هذه المؤشرات:

  1. اندلاع مواجهات دامية في ولاية باجه الواقعة بالشمال الغربي أواخر التسعينات من القرن الماضي بين المواطنين وقوات الأمن على خلفية مباراة رياضية انحاز فيها الحكم إلى فريق "الترجي الرياضي التونسي" الذي يرأسه آنذاك سليم شيبوب أحد أصهار الرئيس التونسي المخلوع، وقد رددوا خلال تلك المواجهات شعارات سياسية مناهضة لنظام الحكم ومنها شعار " يا زين تلفّت لينا وإلا الجزائر أولى بينا" في إشارة واضحة إلى سياسة عدم التوازن بين الجهات.
  2. اندلاع احتجاجات ومواجهات دامية أواخر الألفية الثانية من القرن الحالي في الحوض المنجمي بمدينة الرديف التابعة لولاية قفصة بالجنوب التونسي بين قوات الأمن والسكان الذين تظاهروا سلمياً مطالبين بحق أبنائهم في العمل، وقد سقط في تلك الأحداث قتيل واحد وكثير من الجرحى في صفوف المتظاهرين ووقعت اعتقالات عديدة وتعذيب شديد انتهى بسجن العشرات على إثر محاكمة جائرة.
  3. اندلاع مظاهرات ومواجهات عنيفة في ولاية مدنين الواقعة في أقصى الجنوب احتجاجا على إقدام السلطات التونسية على غلق المعبر الحدودي الرابط بين تونس وليبيا والذي يمثل شريان الدورة الاقتصادية لأهل الجهة الذين يواجهون تضخم نسبة البطالة وتدهور القدرة المعيشية بسبب سياسة التهميش.

هذه المؤشرات المتلاحقة مثلت إيذانًا وإشعاراً باقتراب التونسيين من نهاية مرحلة قد ينتج عنها أمر وحدث كبير وهو ما حدث وقامت ثورة الأحرار، ثورة الكرامة في تونس لعام 2011..وكان قيام المواطن محمد البوعزيزى بإشعال النار في جسده بمثابة الشرارة للثورة في تونس (93) محاولات النظام التونسي لإخماد أو تحجيم الثورة :

مارس نظام بن على عدد من الخطوات والأساليب لمواجهة الثورة والتى كان آخرها عبارته الشهيرة "الآن فهمتكم" ومن أهم الأساليب التي لجأ إليها النظام التونسي والرئيس زين العابدين بن علي لتطويق الثورة وتهدئة الصدور الثائرة:

  1. إقالة عدد من الوزراء من بينهم وزير الداخـــلية (رفيق بالحاج) (94)
  2. في 10 يناير 2011 ألقى الرئيس زين العابدين بن علي خطابا أعلن فيه عن سلسلة من الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية التي ستتخذها حكومته بهدف تحسين أوضاع الشباب، ووعد الرئيس بخلق 300 ألف فرصة عمل جديدة بمشاركة مؤسسات الدولة والشركات الخاصة، كما اقترح عقد ندوة وطنية تشارك فيها المجالس الدستورية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والجامعيين بهدف اقتراح خطط واستراتيجيات جديدة لدعم سياسة العمل، كما تعهد الرئيس بإعطاء دفعة جديدة للإعلام وتخصيص مساحات إعلامية أوسع لكل ولايات الجنوب لتعبر عن مشاكلها إضافة إلى دعم وحدات الإنتاج السمعية والبصرية لإفساح المجال أمام المواطنين للتعبير عن آرائهم و متطلباتهم (95)
  3. في 14 يناير 2011 حلّ بن علي الحكومة التونسية وتمّ إعلان حالة الطوارئ في البلاد كما منعت السلطات التجمعات فيما أكثر من ثلاثة أشخاص حيث يتم القبض عليهم أو إطلاق الرصاص إذا ما حاولوا الهرب, كما أعلن عن الدعوة لانتخابات برلمانية عاجلة خلال ستة أشهر، كما لجأت السلطات إلى الحل الأمني المتمثل في الدفع بتعزيزات أمنية ضخمة إلى بعض المناطق لقمع الاحتجاجات وشن حملة اعتقالات واسعة.
  4. لجأت السلطات التونسية أيضا في سعيها لتطويق وإخماد المظاهرات إلى حل التعتيم الإعلامي فقد قامت بمنع جميع الصحفيين التونسيين والأجانب من الوصول إلى مناطق الاحتجاجات واقتصر دور وسائل الإعلام الوطنية على بث البيانات المقتضبة التي تبثها وكالة تونس أفريقيا للأنباء.
  5. عملت السلطات التونسية على تشجيع الشباب على العمل من خلال موافقة الحكومة التونسية على العديد من الإشعارات أو الطلبات المقدمة من الشبان للحصول على التمويل الحكومي خاصة خريجي التعليم العالي لإنجاز مشاريع خاصة.

كل هذه الأساليب التي اتبعتها السلطات التونسية من أجل تحجيم وإخماد ثورة الأحرار التونسيين لم تنجح ولم تهديء من ثورة المحتجين بل بالعكس فمع شدة البطش والقمع والإرهاب الذي ظل يمارَس ضد المتظاهرين زاد لهيب وحماس الشباب التونسي واتّسعت ساحة المواجهة ولم يهدأ الشعب التونسي حتى عندما أعلن زين العابدين بن علي في خطابه الأخير قائلاً: (لا رئاسة مدى الحياة، لا رئاسة مدى الحياة)، ولم يهدأ الشارع التونسي إلا عندما سمع خبر تنحي الرئيس زين العابدين بن علي عن الرئاسة ومغادرته البلاد (96)

المبحث الرابع: دور إخوان تونس فى الثورة

كثورات الربيع العربى كانت معظم الثورات نابعة من الحراك الشعبى بالأساس ولم تكن محركة من قوى سياسية بعينها فى بدايات الأمور وكذلك كانت الثورة التونسية اشتعلت من دماء "بوعزيزى" وتفاعل معها أهل سيدى بوزيد وانتقلت بعدها للمدن الأخرى كما ذكرنا سابقاً

وبالطبع لم تكن حركة النهضة "الإخوان المسلمين" فى طليعة هذه التحركات لأن معظم قياداتها كانت منفية بالخارج ولكن كان بعض الأفراد المنتمين للنهضة وظلوا فى تونس شاركوا وبفعالية فى تلك الثورة كباقى الشعب التونسى وكذلك ساهمت قيادات الخارج فى دعم الثورة من خلال الفعاليات المختلفة وبناء رأى عام دولى مساند للثورة وإسقاط نظام بن على، وربما كانت هذه ميزة ساعدت فى سرعة سقوط نظام بن على.

ووفقاُ لأحد الباحثين الأمريكان فى مقاله له بعنوان "لماذا خلت الثورة التونسية من الوجود الإسلامي: وكيف سرع غيابهم سقوط نظام بن" طرح الباحث الأمريكي بجامعة جورج تاون ميشيل كوبلو رؤية لافتة نشرتها مجلة فورين بوليسي الأمريكية يوم 14 يناير 2011، ومفادها أن "غياب" الإسلاميين عن مشهد الصدارة في الثورة كان سببا في نجاحها.

وفيما يلي عرض موجز لتصور كوبلو:

"على عكس مصر والأردن والجزائر والأنظمة العلمانية الأخرى، لم يكن التحدي الأكبر للنظام التونسي في هذه الثورة هو المعارضة الإسلامية بل كانت المعارضة التونسية تتشكل من المفكرين وبعض الفئات مثل المحامين والنقابات العمالية.
ويعود غياب أى دور فعال للإسلاميين في أحداث تونس إلى المحاولات المتعاقبة لأنظمة الحكم التونسية على مدار خمسين عام في إقصاء الإسلاميين من الحياة العامة.وبنفس الحماس استمر بن على في نفس السياسة منذ مطلع 1990 حينما زج بمئات من عناصر حزب النهضة، أكبر حركة إسلامية بتونس، في غياهب السجون، في محاكمات لم تخل من اتهامات واسعة النطاق بالتعذيب، ومعاقبة قادة الحزب بالسجن مدى الحياة أو النفي.
فمعظم قادة الحركة الإسلامية يعيشون الآن في الخارج، بينما اضطر أولئك الذين مازالوا فى تونس للدخول فى تحالفات غير تقليدية مع العلمانيين أو الشيوعيين. ولو تبين للنظام وجود أى دور للإسلاميين فى أحداث تونس السابقة لما استجاب النظام بكل هذه السرعة لمطالب الجماهير المحتجة ولتوسع في استعمال القوة والقمع بشكل مضاعف من أجل إخماد تلك الإضطرابات.

ويضيف كوبلو:

إن عدم ظهور الإسلاميين بقوة في صورة الاضطرابات الشعبية السابقة، جعلت العديد من النخب والقوى السياسية تتعاطف وتدعم المطالب الشعبية حيث لم تشكل تلك الثورة أى خطر على هوية الدولة أو تؤشر بتغير شكل النظام السياسي أو تفرض نظاما بديلا.
وأدى غياب الإسلاميين إلى دعم قوي من القوى السياسية المؤثرة بالداخل وإلى تعاطف غربي بالخارج، تجلى في رفض الجيش المشاركة فى كبح عنان الجماهير أو أن يصوب نيرانه إلى أجساد المحتجين فى محاولة لإنقاذ النظام وإخماد الاحتجاجات.
فربما لو ظهر الإسلاميون على السطح لتغير المشهد التونسى بالكامل، فزين العابدين لم يكن ليجد أي غضاضة في استعمال أبشع الأعمال القمعية فى التخلص منهم وسط مباركة من التيارات العلمانية القوية بتونس وربما تعاون من الجيش وكل هذا مع صمت أو تجاهل غربى.
وفى النهاية فإن خلو الثورة التونسية الجديدة من تواجد قوى للعناصر الإسلامية ساهم فى تسريع سقوط نظام زين العابدين بن على (97)

ويقول الباحث "جمال بوعجاجة" الأستاذ الجامعي والباحث في مركز الزيتونة للدراسات الإستراتيجية عن مشاركة الاسلاميين فى الثورة:

ثورة تونس كانت من اجل التشغيل والحياة الكريمة قام بها شباب تونسي عانى الويلات من نظام المخلوع لذلك سمعنا شعارات معبرة على غرار "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق" وغيرها من الشعارات التي تعبر عن المأساة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عاشها الشعب التونسي في ظل النظام السابق.

هذه الخاصية للثورة التونسية لا تنفي مشاركة مختلف التيارات الفكرية والسياسية في الثورة بما فيهم الإسلاميون الذين لعبوا دورا في تأليب الجماهير على النظام كغيرهم من التيارات الأخرى باعتبارهم مواطنين وليس لأنهم ينتمون إلى تيار معين هو التيار الإسلامي.

فمثلا عندما أشعل محمد البوعزيزي نفسه في سيدي بوزيد كان للاخ "عمر أولاد احمد" (98) القيادي في النهضة دور في التاطير كغيره من الأساتذة والنقابيين ولكن لم ترفع وقتها أية شعارات لا إسلامية ولا يسارية بل شعارات الوطن ولكن لا أحد يستطيع إنكار دور شباب حركة النهضة فى تلك الثورة .

وكما يورد أحد الباحثين أراء أحد الشبان بخصوص الثورة التونسية فيقول: إن المتابع لما حصل فى تونس، يلحظ توفر الواقع الثورى، وغياب الرأس الثورى.. فتوفر الرأس الثورى الذى تلتف حوله الجماهير يعنى وجود درجة عالية من التنظيم، قوامها: وضوح فى الأهداف، وتوزيع دقيق ومدروس للمهام، وتجذر فى مختلف الميادين والقطاعات، واختراق لكل مؤسسات الدولة وأجهزتها بما فى ذلك الجهاز الأمنى والعسكرى، وهذا مايؤدى إلى دحر النظام القائم وتحقيق الانتقال من مرحلة إلى مرحلة.

ويضيف الباحث:

لقد كان الكثير من قياديى "حزب النهضة" فى السجن أو خارج البلاد وكان ناشطوه الميدانيون مراقبين أمنياً ومترددين غير واثقين عملياً مما كان يجرى، وكان الماركسيون الراديكاليون فى السجن أو مختفين وقليلى التأثير فى عامة الناس، بينما كان الانخراط فى أحزاب المعارضة المعترف بها، من غير الموالية للحكم، أمراً يثير الخوف ويبعد الناس عنها، إلا المثقفين المناضلين منهم الذين آمنوا بعمق بما كانوا يفعلونه، لقد اندلعت الثورة إذاً - وأعتقد أن هذه هى حال أغلب الثورات فى بدايتها قبل أن تعقلنها وترتب أحداثها أدبياته الرسمية اللاحقة- دون سابق تخطيط وإضمار" (99)

ومن جانب حركة النهضة كان لها العديد من البيانات والمواقف التى تؤيد الثورة وتؤكد على مطالب الشعب التونسى المشروعة، فقد حمَّل المفكر الإسلامي راشد الغنوشي ، زعيم حركة النهضة التونسية، نظام الرئيس علي زين العابدين مسئولية تفاقم أزمة البطالة والأحداث المتصاعدة التي تشهدها البلاد؛ على خلفية المطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية.

ووجَّه من مقر إقامته في لندن رسالةً متلفزةً عبر "الفيس بوك" إلى الشعب التونسي، حيَّا فيها أرواح الشهداء الذين سقطوا خلال المواجهات العنيفة التي دارت على مدار الأيام الماضية.

وقال:

"نحن فخورون بما يفعله أهل تونس ؛ فهذا الشعب يدفع اليوم ثمن حريتها، وهذا أمر طبيعي وشرعي، كما أنه أمرٌ يُحسب لهذا الشعب الذي طالما قيل عنه إنه شعب مسالم وخائف.. فاليوم تتحرك سيدي بوزيد كما تحرَّكت بالأمس مناطق المناجم وأبو زيان وغيرها من المناطق الطيبة".

وأضاف: إن ما يقوم به التونسيون هذه الأيام يؤكد أن هذا الشعب حريصٌ على حريته، وأنهم يعملون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات دون ماله فهو شهيد" ؛ فالذين يتحركون اليوم والذين سيتحركون غدًا بكثافة أكبر؛ هم يدافعون عن حقهم الطبيعي.

وشدَّد الغنوشي على أن النظام القائم يتحمَّل مسئولية الدماء التي سالت بعد أن سلب الناس أقواتهم وأرواحهم، وفي النهاية لم يعُد لهم إلا الرصاص الحي لمواجهة المظاهرات السلمية.

ووجَّه حديثه إلى رجال الأمن، قائلاً:

"أيها الجنود، لا تظنُّوا أنكم غير مسئولين بدعوى أنكم مأمورون، بل أنتم مسئولون أمام الله وعن كل قطرة دم سالت بغير وجه حق، وإن المسئولية الكبرى تتحمَّلها السلطة التي كمَّمت أفواه الناس وأفقرتهم".

وفي رسالة للشباب التونسي قال الغنوشي: نحن لا نريد للشباب التونسي أن يتجه إلى الأعمال اليائسة، بل نريد منه أن يصمد في مواجهة الظلم وفي مواجهة الفساد. ودعا إلى توحيد الصفوف وعدم ترك منطقة سيدي بوزيد لوحدها كما تركت رديف ومنطقة المناجم من قبل؛ "فالظلم شائع في هذه البلاد؛ ولذلك ينبغي اليوم لكل المظلومين أن يقفوا اليوم دعمًا وتضامنًا، بل دفاعًا عن حقهم في الحياة، فهذا واجبهم الديني، وإذا لقوا الله برصاص الظالمين فهم من الشهداء".

وأضاف:

"واجبٌ أيضًا على الفئات السياسية والأحزاب والجمعيات الحقوقية أن تتحمَّل المسئولية، وأن ترفع الصوت عاليًا لوقف الظلم، وعليها أن تتوحَّد من أجل الدفاع عن سيدي بوزيد وبقية الشعب، وكذلك على الصحافة الإلكترونية وغيرها أن تقوم بدورها" (100)

كما حرصت حركة "النهضة" على توجيه رسائلها المستمرة لتحفيز الشباب والشعب التونسى على الاستمرار بفعاليات الثورة المناهضة للنظام التونسى، فقد طالب راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية المعارضة، الشباب التونسي أن يكون في حالة تعبئة عامة لعدم هدم الثورة.

وأشار خلال حديثه على قناة الجزيرة

"أنه لا شك أن الشباب كان يفر إلي حضن الجيش الذي ركز كل جهوده في الحفاظ على المؤسسات، وهذا يذكرنا بالدور القوى والبناء للجيش التونسي الذي أهتم بدورة بملاحقة أتباع بن علي الفاسدين والفارين، وهذا أهم ما في الثورة الشعبية تحالف الجيش مع الشعب ضد النظام الديكتاتوري".

وقال الغنوشي خلال اللقاء

"أكره مفهوم الاستبداد ومنظومته بكل أشكالها والتي تم تطبيقها في تونس، وأدعو أهل الانتفاضة في تونس إلى الحذر كل الحذر ليحافظوا على ما وصلوا إليه اليوم"

مؤكداً أن الهدف من الانتفاضة هي

"أن تصبح كلمة الشعب وإرادته هي العليا، كما ينبغي أن يعي الشعب التونسي جيدا أن قيادات الصف الأول والثاني في النظام الديكتاتوري المخلوع لا تزال في مكانها وخطرها قوى جدا على روح الانتفاضة اذا طلت في مكانها" (101)

وشدد الشيخ راشد الغنوشي على أن الصبر في الربع ساعة الأخيرة لإعلان النتائج هي العامل الحاسم في صياغتها، وبالتالي لا يوجد أمام الشعب خيار آخر سوى استمرار الرباط حتى سقوط الطاغية ونظامه.

كما أعلن الغنوشي رفضه للإجراء الذي اتخذه رئيس الوزراء محمد الغنوشي بتنصيب نفسه قائمًا بأعمال الرئيس، واصفًا هذا الإجراء بأنه التفاف من النظام على إرادة الشعب التونسي، ومحاولة لإفشال انتفاضته لصالح الطاغية ونظامه، هذا إضافةً إلى كونه إجراءً يعد تجاوزًا صريحًا للدستور الحالي، والذي يعطي لرئيس البرلمان سلطات الرئيس حال عجزه عن القيام بمهامه.

واتهم الغنوشي عناصر محسوبة على النظام التونسي وحزبه بتعمد إتلاف وتدمير المنشآت العامة والخاصة؛ لتشويه انتفاضة تونس في مواجهة الطاغية، وهي الصورة التي تسعى وسائل الإعلام الحكومية لبثها تزييفًا للواقع ومحاولة لإظهار المنتفضين في صورة مخربين.

وفي الوقت ذاته وجَّه الغنوشي نداءً لألوان الطيف المعارض في تونس وكافة قيادات العمل السياسي والمنظمات النقابية والأهلية بأن تكون على مستوى الحدث، وأن تلتف حول مطالب الشعب التونسي سعيًا لتحقيق كافة مطالب الإصلاح التي تبدأ بتشكيل حكومة ائتلاف وطني لتسيير أعمال البلاد لحين إجراء انتخابات عامة وشاملة (102)

وبدون شك فان حركة "النهضة" تعتبر من أبرز القوى السياسية التي خرجت منتصرة من هذه الثورة والتي أعادتها إلى صدارة المشهد السياسي بعد تغييبها لعقدين وحركة "النهضة" التي تمكنت من الحصول في أول انتخابات خاضتها عام 1989 على الدرجة الثانية في انتخابات شابها التزوير – في التصويت وإعلان النتائج - بالرغم من عدم حصولها على الترخيص ونزولها للانتخابات على شكل مرشحين مستقلين

وكل هذا يؤكد أن أرضيتها وجذورها عميقة في المجتمع التونسي ولذلك استمر النظام المستبد وطوال حكمه يعمل جاهدا على تصفيتها واستئصالها إلا أن الاستقبال الحاشد للشيخ راشد الغنوشي عند عودته من المنفى كانت لافتة وأعطت تصورا عن الشعبية التي تتمتع بها "النهضة" وأنها وان لم تكن تمارس النشاط التنظيمي في الداخل إلا أن جماهيرها مازالت موجودة ويؤكد صلاح الدين الجورشي وهو خبير تونسي في الحركات الإسلامية "أن الحركة الإسلامية في تونس كانت الحركة الأكثر تعرضا للقهر من بين حركات المعارضة في ظل حكم بن علي. وأضاف أن إتباعها أكثر عددا بكثير من أتباع حركات المعارضة العلمانية " (103)

وهو ما تأكد أيضا من خلال إعادة ترتيب النهضة لصفوفها بسرعة والإعلان عن هيئة تأسيسية جديدة برئاسة الأستاذ علي العريض في 7\2\2011 والاستعداد لعقد مؤتمر عام بأقرب وقت (104) كل هذا يشير إلى ديناميكية واضحة تتمتع بها الحركة وأنها قادرة وبسرعة على استعادة زمام المبادرة وهي تعكف على تحديد أولوياتها للمرحلة المقبلة.

وربما يحسن أن نبدأ هنا من تصريح للشيخ راشد الغنوشي وهو يوضح التوجه السائد في تونس الآن بعد الثورة ويعطي مؤشرا على أولويات النهضة قائلا :

"على المستوى السياسي، ستكون هناك قطيعة تامة مع سياسة الاحتكار للسلطة والطغيان وهيمنة الحزب الواحد والفرد، باتِّجاه التأسيس للجمهورية الثانية، جمهورية الديمقراطية والنظام البرلماني والقضاء المستقل والإعلام الحرّ.
أما على المستوى الاقتصادي فلا شك أن هناك مراجعاتٍ ستتم في ضوء النتائج الكارثية للسياسات الاقتصادية للنظام السابق، في اتجاه الحفاظ على الممتلكات العامة الأساسية للدولة والتوزيع العادل للثروة بين الفئات والجهات والمزيد من الشفافية ومقاومة الفساد والرشوة والمحسوبية" (104)

وقد كسبت النهضة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي عن جدارة، وبحنكة سياسية وتنظيمية، فللنهضة واحد وتسعون عضواً في المجلس التأسيسي، دون حساب الأعضاء الذين مررتهم عبر الأحزاب الأخرى، أولئك الذين سيُؤكدون قراراتها عند أي تصويت؛ وذاك تكتيك انتخابي كان من حقها استعماله نتيجة لنظام القوائم الجائر الذي استعمل في الانتخابات، والذي وُضع أساساً لضرب النهضة. ولولاه لجاوزت نسبتها 80%.

ويمكن إجمالا تلخيص أولويات النهضة في مرحلة ما بعد الثورة على مستويين كالتالي:

المستوى الأول وهو المستوى التنظيمى ويضم عددة تحديات داخلية أهمها:

أولا: إعادة ترتيب صفوف الحركة وانتخاب هيئاتها القيادية والانتشار في كافة مناطق تونس وإعادة التواصل مع الكوادر القدامى خصوصا بعد الحصول على الترخيص القانوني والحركة معنية في هذه المرحلة بتوضيح أفكارها خصوصا أنها تواجه منافسة من قبل التيارات الإسلامية السلفية التي انتعشت في ظل غياب النهضة .إضافة إلى المنافسة من قبل الأحزاب الأخرى الغير إسلامية .
ثانيا: إن عودة العديد من رموز الحركة من المهجر ، وعودة الحركة للنشاط الفكري والسياسي داخل البلاد وكذلك حصول النهضة على الترخيص القانوني يضعها أمام تحديات مختلفة عن مرحلة القمع والمنفى . وستواجه النهضة برأيي خصوما ومنافسين على عدة مستويات :

المستوى الأول : الغرب الذي يسعى بكل ما يمتلك من وسائل التدخل في الشأن التونسي الداخلي من أجل ضمان استمرار مصالحه في المنطقة وعدم تهديدها من قبل أي طرف سياسي يمكن أن يمسك بزمام الأمور في تونس بعد الثورة .وتبدو النهضة المتجذرة في هويتها العربية الإسلامية والمنحازة إلى قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية طرفا قد لا يعجب القوى الغربية لأنها قد تعتبر خطرا على مصالحه (105)

المستوى الثاني : بقايا النظام السابق في الدولة وهؤلاء بحكم وجود بعضهم في مواقع حساسة لجهاز الدولة سيعملون جاهدين من أجل مزيد التضييق على الحركة وعدم تمكينها من أي مكسب سياسي قد يسمح لها بفتح ملف محاسبة كل من تورط بشكل قاطع في قتل أوتعذيب أبنائها طيلة سنوات القمع.ويضاف إلى هؤلاء بقايا الاستئصاليين من النخب الفكرية التي ترفض الوجود الحزبي الإسلامي بشكل قاطع وتعمل طوال الوقت على التشكيك بأطروحاتهم .

المستوى الثالث : التيارات السلفية: وهذه التيارات الغير معروف حجمها أو قوتها نشأت في ظروف غياب النهضة عن المشهد طوال حكم بن علي وتشكل منافسا محتملا للنهضة على تمثيل التيار الإسلامي خصوصا أن أطروحاتها مختلفة عن النهضة في موضوعات الديمقراطية والتعددية والعنف وغيرها .

هذه الإشكاليات التى تواجهها حركة النهضة على مستواها الداخلى ولكن بالطبع هناك إشكاليات أخرى عديدة تواجهها على مستوى الدولة التى تصدرت المسئولية فيها فى إطار المرحلة الانتقالية التى تمر بها تونس بعد الثورة، وتعد أهم هذه الإشكاليات بعيداً عن بناء الدولة ومؤسساتها فى إطار وطنى جديد هى كيفية التعامل مع تلك الحالة الثورية التى انتابت الشارع التونسى والآلية العاجلة لمواجهة حجم الاضرابات العمالية والثورية وغيرها بالإضافة إلى الاقتصاد التونسى وأوضاعه السيئة وحالة الفساد التى تضرب المؤسسات التونسية المختلفة.

الفصل السادس: الإخوان المسلمون والثورة الليبية

كان للإسلاميّين دورٌ بارزٌ في الثّورة اللّيبيّة منذ انطلاقتها في 17 شباط - فبراير 2011؛ فقد تجنّدوا كمقاتلين عسكريّين وشاركوا بفعاليّة في مصراتة ومعركة تحرير طرابلس ثم تحرير سرت واعتقال القذّافي وقتله.

لقد كانت الحركةُ الإسلاميّةُ في ليبيا بتيّاراتها وأجنحتها المختلفة، مجهولةً بالنسبة إلى غير اللّيبيّين أو غير المُختَصِّينَ في الشّأن الليبيّ، نتيجة القمع والتّعتيم الإعلاميّ لنظام القذّافي من جهة، وضعف هذه الحركة ولجوئها إلى العمل السّريّ من جهة أخرى.

المبحث الأول: الإخوان المسلمون بليبيا.. النشأة والتأسيس

وقبل الخوض فى دور الإخوان المسلمين بليبيا فى الثورة ضد نظام القذافى من الأهمية بمكان التعرض لتاريخ الإخوان المسلمين بليبيا وعلاقتهم مع نظام القذافى وخاصة مع جهل الكثيرين بهذا التاريخ ويمكن تقسيم تاريخ الإخوان فى ليبيا إلى ثلاثة مراحل

الإخوان المسلمون: المرحلـة الأولى

مر تاريخ حركة (الإخوان المسلمون) فى ليبيا بثلاث مراحل، وكانت إنطلاقة المرحلة الأولى فى أواخر العقد الرابع من القرن العشرين، ويمكن وصف تلك المرحلة بأنها مرحلة التعريف بالمنطلقات والأفكار العامة للحركة والدعوة لنشرها، والعمل من أجل الإستقطاب التأسيسى لها فى أوساط الشباب الليبى.

ومن أهم أسباب وصول فكر ودعوة الإخوان إلى ليبيا، وخاصة إلى مدينة بنغازى، هروب ثلاثة من الشبان المصريين وهم من جماعة الإخوان المصرية من مصر ودخولهم إلى ليبيا، وهم عز الدين ابراهيم، ومحمود الشربينى، وجلال سعدة. وكان هروبهم بسبب الإتهامات التى وجهت لعدد من الإخوان فى حادث إغتيال النقراشى رئيس الحكومة المصرية فى عام 1949.

ويذكر الكاتب محمود الناكوع عن هذه المرحلة : يصف المفوض البريطانى فى برقة دى كاندول، ذلك الحدث قائلا: (إن أبعاده تجاوزت نطاق السياسة المحلية. ففى ذات يوم من أوائل يوليو عام 1949، بينما كنت فى إحدى زياراتى المعتادة للأمير ادريس أخبرنى بأنه فى مساء اليوم السابق سمع طرقا على النافذة، فلما استوضح جلية الأمر وجد ثلاثة شبان غرباء يطلبون مقابلته بصورة ملحة.

وحين دخلوا عليه قالوا انهم لا جئون من مصر بعد أن أُتهموا زورا بالإشتراك فى جريمة اغتيال النقراشى باشا. وقد استجاروا بالامير متوسلين اليه باسم الواجب الاسلامى، فلم يجد بدا من اجابة مطلبهم، وأمر باسكانهم فى قصر المنار وهو قصر الأمير.

وقلت له صراحة إن هذا التصرف يضعنى فى موقف حرج اذ أننى مازلت مسئولا عن الأمن العام والعلاقات الخارجية، فأصر على أنه لايملك إلا أن يجير من يلجأ الى حماه. وحين رجعت الى بنغازى علمت أن اثنين من كبار ضباط الشرطة المصرية قد وصلا من القاهرة جوا فى مطاردة الرجال الثلاثة بعد ما تم اقتفاء آثارهم الى حدود برقة، وأنهما توجها إلى ادارة الشرطة رأسا للبحث عن المطلوبين.

وكان من الغريب أننا لم نتلق أية معلومات عن الموضوع من القنصلية المصرية، وبالتالى لم يكن بوسعى أن أفعل شيئا أكثر من رفع تقرير إلى الحكومة البريطانية.وبطبيعة الحال، أخفقت عملية البحث عن الأشخاص الثلاثة فعاد الشرطيان المصريان إلى القاهرة بخفي حنين. وسرعان ما جاء الرد المصرى على تصرف الأمير.

ففى اليوم التالى مباشرة أغلقت الحدود المصرية مع برقة، كما القي القبض على اثنين من الشخصيات البرقاوية كانا يزوران مصر (يقال إنهما بشير لنقى، وعبد ربه الغناي. إضافة من المؤلف) وبعد ذلك طلبت الحكومة المصرية من حكومة بريطانيا تسليم الفارين رسميا فلم أجد ردا مناسبا غير الإشارة إلى فروض الإسلام، تاركا للسفارة البريطانية بالقاهرة أن تجادل السلطات المصرية كما تشاء

وفى واحد من لقاءاتى مع الأستاذ منصور رشيد الكيخيا فى لندن فى اواسط تسعينيات القرن الماضى، أخبرنى أن الشبان الثلاثة دخلوا الى البلاد عبر الحدود البرية، وعند وصولهم إلى مدينة درنة أقاموا عند شخص يدعى: أمين الإمام، ثم وصلوا إلى بنغازى صحبة عمر منصور الكيخيا، وتم توصيلهم إلى الأمير فى منطقة الجخ (مقر الكلية العسكرية فيما بعد) وأضاف منصور أنه كان يتردد عليهم أثناء اقامتهم فى قصر المنار (قصر الملك حنئذن) وبعد فترة سمح لهم بالخروج من القصر للعمل والنشاط العام، فعمل عزالدين فى مجال التعليم، وعمل محمود الشربينى مع عبد الله عابد السنوسى الذى كان يعمل بالتجارة.

إن احتضان الأمير ادريس لهؤلاء الشبان، واصراره على رفض تسليمهم للسلطات المصرية، كان عملا إنسانيا وأخلاقيا لأمير مسلم يعرف معنى وقيمة حماية من لجأ إلى حماه. وعلى اثر هذا الموقف احتضت مدينة بنغازى، بكل شخصياتها هؤلاء الشبان. واستطاع الأستاذ عز الدين بالذات من خلال التدريس فى المدارس الليلية، ومن خلال العلاقات التى أقامها مع الناس أن يعطى صورة جيدة عن الإخوان ودعوتهم، فترك أثرا ملموسا، وبذر أفكارا كان حصادها إنتماء عدد من الشباب الى حركة الإخوان (107)

وإلى جانب هؤلاء الشبان كان لبعض الإخوان من المدرسين المصريين تأثيرهم فى تلك المرحلة. وفى هذا الصدد ذكر السيد عبد الله ابوسن، وهو أحد شخصيات الإخوان فى ليبيا، فى مقابلة مع مجلة المجتمع الكويتية العدد 1054 أن (حركة الإخوان بدأت فى ليبيا فى أواخر اربعينيات القرن العشرون على أيدى مجموعة من المدرسين المصريين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك بعض الإخوان الذين لجأوا الى ليبيا، وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم.

وفى طرابلس، وبقية المدن الأخرى بولاية طرابلس، كانت الإنطلاقة الأولى فى أوائل العقد الخامس من القرن الماضى، أي بعيد الإستقلال حيث جاء الى البلاد عدد كبير من المدرسين المصريين للتدريس فى المدارس الإعدادية والثانوية، وفى المعاهد، وكان بعضهم من الإخوان أو من المتعاطفين مع الإخوان، كما رجع الى البلاد عدد من الليبيين الذين درسوا فى مصر، أو كانوا مهاجرين فى مصر، وثأثروا بدعوة الإخوان، وبعضهم شارك مع الإخوان فى حرب فلسطين عام1948 (108)

أما المنطلقات الفكرية التى قامت عليها الحركة فى ليبيا، هي ذات المنطلقات التى وضعها مؤسسها فى مصر ـ1347 ه 1929 م الإمام حسن البنا. فهو العقل الذى جاء بتصورات شاملة عن نظرة الإسلام إلى الحياة، وركـز فى بدايات دعوته على الأخلاق، والتعليم، وبناء الفرد المسلم بناء سليما. وأسس منذ صغره الجمعيات الإصلاحية،التى تنشد تعليم الناس، أركان الدين، ومايحث عليه من قيم أخلاقية.

وبسبب ذلك الصدام الدامى بين الإخوان فى مصر والثورة، جاء إلى ليبيا فى العهد الملكى عدد من الشخصيا ت الإخوانية منهم:

  1. د.محمود أبو السعود، وهو اقتصادي معروف.
  2. د مصطفي مؤمن وهو مهندس معماري مشهور.
  3. المهندس يوسف ندا رجل الأعمال المعروف.
  4. المهندس عمر الشاوي.

وكانوا يمارسون اعمالا مهنية فى مجالات تتناسب مع قدراتهم. وسط تلك الخلافات والصراعات، وفى أجوائها الصاخبة فى مصر حيث الحملات الإعلامية، وحيث الإعتقالات، ثم الإعدامات التى طالت عددا من قيادات الإخوان، كانت ليبيا مازالت تستقبل الكثير من المدرسين المصريين للعمل فى مدارسها ومعاهدها، ومنهم من يحملون دعوة الإخوان، دون الجهر بإنتمائهم إلا لمن يثقون به ثقة كاملة.

وفى العقدين الخامس والسادس، ورغم الظروف الصعبة نسبيا فقد نشأ تيار الإخوان فى ليبيا، وأصبح عدد المنتمين إليه، والمتعاطفون معهم يُقدر بالمئات وذلك رغم منع الأحزاب فى ليبيا رسميا، ورغم المناوشات والهجمات الكلامية التى يقوم بها التيار الناصرى فى ليبيا ضد الإخوان بصورة عامة، وهو التيار الأوسع شعبية لما كان من حضور وتأثير لخطب عبد الناصر، واذاعاته وصحافته.

فى تلك المرحلة لم يتبلور عمل الإخوان فى ليبيا فى شكل تنظيم له تصوراته النظرية، وله أطره التنظيمية، وله قياداته المختارة اختيارا مباشرا من قاعدة منتظمة على أسس إنتخابية متعارف عليها. وربما وجدت بعض الأسر كوحدات تنظيمية لأغراض تعليمية تربوية، ولكنها لا ترقى الى أي مستوى من مستويات التنظيمات الحزبية.

وقد حافظ تيار الإخوان فى تلك المراحل المتوترة سياسيا على حضور ملموس بفضل عدد من رموزه التى كانت تعمل فى المعاهد المتوسطة، مثل معهد مالك بن أنس، وفى المدارس الإعدادية والثانوية المنتشرة فى كل البلاد، وفى كليات الجامعة الليبية. وفى جامعة محمد بن على السنوسى الإسلامية. وقد شهد التعليم ازدهارا جيدا خاصة بعد انتاج النفط وتصديره للخارج 1961.

كما كان لتلك الرموز نشاطا مهما من منابر المساجد فى عدد من المدن الليبية ومنها: طرابلس، بنغازى، الزاوية، البيضاء، درنه، مصراته، غريان، نالوت. ومن تلك الرموز: الشيخ فتح الله محمد احواص، وهو أشهر خطيب اسلامي فى تلك الأوقات. والشيخ محمد كريدان. وعمرو النامى الذى كان يتابع دراسته الجامعية وله نشاطه فى نالوت مع الأستاذ المربى الشيخ على يحي معمر.

ومن الرموز الإخوانية فى بنغازى، والتى كانت تمارس الخطابة، وإلقاء الدروس: عبد الكريم الجهانى. ادريس ماضى. وكنا نقرأ الكتب غير الإسلامية المترجمة، وهي عادة لكبار الكتاب مثل أرنولد توينبى، وبرتراند رسل، وموريس بوكاي، وماكسيم جوركى وغيرهم. والقراءة تعتمد على المجهود والرغبة الشخصية، وهنا تتفاوت درجات الناس فى التحصيل المعرفي، وفى التفاعل الإجتماعي والسياسي.

وفى سياق الحديث عن تلك المرحلة يقول الأستاذ عاشور الشامس: (فى عام 1961 انتقلت من غريان إلى طرابلس. وتعرفت ما بين 1961 و1965 على أصدقاء جدد، ومعلمين جدد استقبلونى بعاطفة غامرة وأولونى اهتماما خاصا.

كان فى مقدمتهم محمد حجازى العنقودى، وفتح الله احواص، وخريج الجامعة محمود الناكوع، الذين احتكيت بهم احتكاكا مباشرا فى ليبيا وتعلمت منهم طوال تلك الفترة.... وفى طرابلس أيضا تعرفت على الإسلام، أكثر من كونه مجرد طقوس دينية إلى أن الإسلام حركة ومنهجا متكاملا يغطى حياة الإنسان فى مختلف اتجاهاتها.

ومن أوائل الكتاب والمفكرين الذين عمقوا فينا هذا المفهوم: الأستاذ سيد قطب، والعلامة الهندى أبو الحسن الندوى، ومحمد قطب، والشيخ محمد الغزالى، والسيد سابق، وغيرهم من كتاب الإخوان. وكان لرسائل حسن البنا دورا تربويا فى حياتى الاولى بدون شك وخاصة كتاب " مذكرات الدعوة والداعية " كما كان استاذى الفاضل محمد حجازى العنقودى رحمه الله وأحسن اليه وهو واسع الاطلاع

وصاحب مكتبة متنوعة ضخمة، كان يوجهنى إلى قراءات خارج إطار كتاب (الإخوان المسلمون) وفكرهم، من أمثال طه حسين، أحمد أمين، خالد محمد خالد، وإلى القراءة فى بعض أمهات الكتب كالسيرة لإبن اسحاق، وتفسير إبن كثير، وإحياء علوم الدين للإمام الغزالى.... كان الشعور بالإسلام قويا وحيا، حيث كان " الإخوان المسلمون " يخوضون صراعا مريرا مع حكومة جمال عبد الناصر فى مصر.

وكنا نقرأ ونسمع أن عددا منهم قد علق على المشانق وأن أعدادا كبيرة منهم تقبع فى السجون، حيث تلقى أشد انواع التعذيب... جاء ارتباطى بمنهج ومدرسة "الإخوان المسلمون " كأمـر عفوي طبيعي بحكم صلتى منذ فترة مبكرة بشخصيات إسلامية وانخراطى فى الإتجاه الإسلامى....

ولكن طوال هذه الفترة لم يحدثنى أحد عن الإنضمام لتنظيم ولم يطلب منى أحد دفع اشتراكات ولم يطلب منى أحد إعطاء تعهد أو بيعة لأحد أو أداء قسم يؤدى إلى أن أصبح عضوا فى أي تنظيم، بما فى ذلك تنظيم يسمى " الإخوان المسلمون " كما أن أحدا لم يعرفنى بهيكل تنظيمى يرأسه فلان.....

ورغم ذلك كنت أحس أننى أنتمى إلى جماعة ما، نعم هي جماعة " الإخوان المسلمون " انتماء خاصا وأن صلة مميزة تربطنى بهم. وأقولها الآن وبعد هذه العقود الطويلة أن هذا الإحساس لا يزال يسكننى، ولم أزل أحمله تجاه العديد ممن عرفت فى تلك السنوات، وكأنه وليد اللحظة).

ومن الشخصيات الإسلامية البارزة التى كانت على صلة بالإخوان فى طرابلس، د أحمد صدقى الدجانى، بل إن البعض كان يعتبره من الإخوان. وهو شخصية لها نشاطها الفكرى المنتظم عبر عدة منابر منها: المحاضرات العامة، والأحاديث الإذاعية وخاصة فى مادة التاريخ، والمقالات الصحفية (109)

المرحلـة الثانية

كان لنكسة يونيو 1967 نتائج عديدة على المستوى العربى والاسلامى فقد أحدثت ردود أفعال كبيرة فى كل المستويات الشعبية فى الوطن العربى، وخاصة على مستوى الأحزاب، والحركات، وكل المهتمين بالفكر، المهمومين بمشروعات النهضة، ومنهم التيارات والحركات الإسلامية وقياداتها.

وفى ليبيا، وبعد الحرب بشهور قليلة بادرت مجموعة من الشخصيات المنتمية فكريا إلى مدرسة الإخوان ببحث امكانية إنشاء تنظيم يجمع أكبر عدد من الأشخاص المقتنعين بمنطلقات وأفكار (الإخوان المسلمون) وأغلبهم على علاقات اجتماعية متواصلة، والرابط فيها هو الإنتماء إلى تيار الإخوان.

يقول محمود الناكوع :انتهت المشاورات والاتصالات إلى عقد سلسلة من الاجتماعات فى شقة محمد رمضان هويسة، وهي بمنطقة زاوية الدهمانى بطرابلس. وكان محمد هويسة يعمل فى التجارة والمقاولات، وقد صار إخوانيا منذ أن كان طالبا فى مدرسة الزاوية الثانوية، وينتمى الى أسرة معروفة، ولها مكانتها الاجتماعية.

وكان شديد الحماسة لحركة الإخوان وتاريخها وجهادها، ولا يُخفى انتماءه لها، وخاصة عندما كنا فى الجامعة ببنغازى فى أوئل ستينيات القرن الماضى.

انتهت سلسلة الاجتماعات تلك إلى الاتفاق على تأسيس تنظيم للإخوان بطرابلس له لجنة قيادية كالآتى:

  1. الشيخ فتح الله محمد احواص ويعرف بالشيخ فاتح احواص رئيسا للتنظيم.
  2. محمد رمضان هويسة مسئول العلاقات الخارجية.
  3. محمود محمد الناكوع مسئولا عن شئون التنظيم.
  4. عمرو خليفة النامى مسئولا عن النشاط الجامعى.
  5. مختار ناصف مسئولا عن الشئون المالية. وهي اشتراكات الأعضاء التى كانت بسيطة، وتقدر بنحو خمسين قرشا، أي نصف جنيه ليبى شهريا.

ونظرا لسرية العمل فلم تكتب المجموعة أي نظام أساسى، أو ميثاق، أو بيان، فكل شيئ فى الصدور، والثقة بين الأفراد هي أساس العلاقة والنشاط. وفى الوقت ذاته كان لإخوان بنغازى تنظيما مشابها، وكان من قياداته: عبد الكريم الجهانى. ادريس ماضى. مصطفى الجهانى. محمد الصلابى. صالح الغول وآخرون.

وكانت هناك علاقات تنسيقية لتبادل الاراء والمعلومات حول النشاط العام. وكان كل النشاط، وكل الاتصالات يتم فى سرية تامة، لأن الأحزاب والتنظيمات السياسية ممنوعة، ورغم ذلك المنع ظل هناك هامش يتسع للنشاط الثقافى، والخطب وإن كانت سياسية.

وطوال العهد الملكى 1952 - 1969 لم تعتقل السلطات أعضاء تلك التجارب التنظيمية الإخوانية لا فى طرابلس، ولا فى بنغازى. ولكن الجميع كانوا تحت رقابة ومتابعة الأجهزة الأمنية، والمراقبة فى حد ذاتها كفيلة بشل أي تجربة تنظيمية، وكفيلة بإضعاف أي عمل فكري. فالفكر و الترويج له لا ينضج ويؤتى ثماره إلا فى أجواء الحرية والديمقراطية، وذلك لم يكن متوفرا.

ظلت تلك المحاولة مقتصرة فى نشاطها على تنظيم بعض اللقاءات لجموعة الأسر، التى لا يتجاوز عدد أعضائها أربعين عضوا، وهم كل أعضاء التنظيم فى طرابلس وما حولها من مدن بغرب البلاد، ولكن هناك العشرات من قدامى الإخوان لم ينضموا الى المحاولة المذكورة لأسباب متعددة.

تلك التجربة التنظيمية استمرت نحو العام، أو أكثر قليلا، ثم توقف النشاط تلقائيا، حيث انقطع كثيرون عن حضور لقاءات الأسر، وهي لقاءات روتينية رتيبة، تدور جلساتها حول قراءة فى موضوع تثقيفي فى التفسير، أو الحديث، أو التاريخ.

ولم يكن هناك أي نشاط سياسي أو صحافي (جريدة مثلا) تدفع إلى الحراك بحيوية وتدافع فى الساحات العامة، لم تكن لدينا رؤية سياسية واضحة ومبرمجة للتعامل اليومى أو المرحلى مع الواقع السياسى والتوقعات المستقبلية.

كنا نعارض الفساد، وهو محدود، ونعارض وجود القواعد الأجنبية وذلك من خلال الخطب، وبعض الكتابات الصحفية. وفى نفس الوقت كنا نخشى من وقوع انقلاب عسكري، يضع البلاد فى مهب الرياح العاصفة، وأن يتكرر فى ليبيا ما حدث فى المشرق العربي حيث كانت الحركات الإسلامية، والإخوان بالذات ضحية تلك الانقلابات.

وكانت سرية العمل من أهم معوقات نمو جماعة الإخوان نموا مناسبا، كما كان نفس الحال بالنسبة للتنظيمات الأخرى. وعندما وقع التغيير العسكرى بقيادة الضباط الوحدويين فى الأول من سبتمبر 1969، وانتهى النظام الملكى، لم يكن هناك وجود فعلى للتجربة التنظيمية الإخوانية، ولم يتم حلها بصورة حاسمة من قبل اللجنة أو الأسرة القيادية.

وبسبب ملفات الأمن منذ النظام الملكى والتى تضمنت قائمة بأسماء العناصر النشطة والمعروفة فى المجتمع بحضورها الثقافى أو الخطابى أو الصحفى أو الجامعى، جرى اعتقال قرابة ثلاثين شخصا فى طرابلس فى أبريل عام 1973، أثناء الإعلان عما سمي رسميا بالثورة الثقافية والإدارية.

وكان فى مقدمة من تم اعتقالهم اللجنة القيادية، والبعض يسميها الأسرة القيادية. واستمر الإعتقال لمدد أقصاها قرابة واحد وعشرين شهرا. ورغم البدء فى اجراءات محاكمة تلك المجموعة، إلا أن المحاكمة توقفت بأمر سياسي، وأفرج عن الجميع اثر خطاب للعقيد القذافى رئيس مجلس قيادة الثورة، قال فيه، اذا اراد الإخوان العمل للإسلام فعليهم أن يعملوا له خارج ليبيا، وأن يتجهوا إلى جمعية الدعوة الإسلامية، ويهتموا بنشر الإسلام فى افريقيا وآسيا.

وفور الإفراج طلبت المؤسسة الأمنية (المباحث العامة) من عدد من الشخصيات الإتصال بجمعية الدعوة بطرابلس، وذلك تنفيذا لقرار العقيد القذافى. وطلب بالذات من د عمرو النـامى أن يسافر للعمل خارج البلاد. وبذلك التطور كان مـآل حركة الإخوان فى ليبيا، حيث انتهى نشاط أعضائها، وأصبحت محصورة مثل كل الأحزاب الأخرى.

ولكن القناعات الإسلامية التى ترسخت فى العقول والقلوب ظلت ثابتة، لم تغيرها أيام السجن، ولا عذاباته. وتلك هي ثمرة الكلمة الطيبة، كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء، تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها (110)

المرحلـة الثالثة

فى أواخر العقد السابع، وأوائل العقد الثامن من القرن الماضى، كانت الصحوة الإسلامية فى حالة مد، وتفاعلات واسعة الانتشار. وتزامنت تطورات الصحوة وزخمها مع نجاح الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979. وكانت كل اوربا الغربية، والولايات المتحدة، وكندا تعج بنشاط الشباب المسلم، متمثلا فى المؤتمرات، والندوات، والمخيمات، والمنشورات، والتظاهرات.

وفى ذلك الوقت كان هناك آلاف من الشباب الليبى يدرسون فى تلك البلدان الغربية، ويشاهدون ذلك الحراك الإسلامي العام، وتفاعل بعضهم تفاعلا ايجابيا مع مد الصحوة الإسلامية. وكان شباب ورجال (الإخوان المسلمون) من كل أو جل البلدان العربية على اتصال مباشر ونشط فى كل الساحات الأوربية والأميركية.

وفى تلك الأجواء الحماسية، وفى ظل الحريات العامة فى الدول ذات النظم الديمقراطية الغربية انجذب كثير من الشباب الليبى إلى حركة (الإخوان المسلمون) وكانوا مشاركين فى نشاطاتهم الثقافية التربوية، وفى لقاءاتهم العامة.

وفيما بعد أسس الشباب الليبى فى الولايات المتحدة تنظيما خاصا بهم أطلقوا عليه اسم (الجماعة الإسلامية ليبيا) واصدروا مجلة ناطقة بإسم الجماعة تسمى (المسلم) صدر عددها الأول فى غرة (ذو القعدة 1400 ه - سبتمبر 1980) ومن قياداتها فى تلك المرحلة، المرحوم عبد الله الشيبانى وآخرون.

وظلت الجماعة وأعضاءها على صلة بتنظيمات الإخوان الأخرى الموجودة فى ديار الهجرة، وخاصة فى الولايات المتحدة. والجماعة الإسلامية تعتبر أول تنظيم لإخوان ليبيا ينشأ خارج البلاد.

وعندما تأسست الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا عام 1981 بمبادرة من مجموعة من الشخصيات الإسلامية، انضم عدد من اعضاء الجماعة الإسلامية إلى الجبهة، وكونوا مع عناصر أخرى تيارا مهما داخل الجبهة، وكان الشهيد احمد أحواس أكثر قيادات الجبهة حماسة فى الإهتمام بذلك التيار. وظلت الجماعة الإسلامية قائمة واصلت نشاطها.

وبعد أن أكمل عدد كبير منهم دراساتهم العليا والمتوسطة (الدكتوراه، والمجستير) رجعوا إلى البلاد، واستأنفوا سريا تنظيم عناصر الإخوان. وكان رجوع عدد منهم فى أوائل الثمانينيات من القرن الماضى.

ومن بين الشخصيات التى شاركت فى إحياء النشاط فى تلك المرحلة: عماد البنانى، عبد المنعم المجراب،، الأمين بلحاج، عبد المجيد بروين. ومن العناصر السابقة، انضم الى المحاولة الجديدة (كل من ادريس ماضى، ومصطفى الجهانى وسينضمان فيما بعد إلى حركة التجمع الإسلامى).

وتعتبر تلك المحاولة التنظيمية، هي الأولى من نوعها التى، كانت قيادةً وأعضاءً تجمع كل حركة الإخوان فى كل البلاد، وتم ذلك عام 1987 تقريبا. وفى عام 1991، طورت المجموعة القيادية أسلوبها فى إختيار القيادات، وأجرت انتخابات لإختيار مجلس للشورى، ومن بين أعضائه، يختار المجلس المراقب العام.

فى تلك الظروف كانت القبضة الأمنية الحكومية بالغة الشدة، ولا مجال لأي نشاط سياسي أو دعوي ملموس، وكل ما كان ممكنا هو محاولة توجيه بعض الشباب توجيها تربويا إسلاميا من خلال علاقات فى العمل، أو فى اطار العلاقات العائلية، أو فى بعض المناسبا ت الإجتماعية أو الدينية.

كذلك عمل الإخوان على جمع بعض الأموال لمساعدة الفقراء، وتخفيف الإحتقان السائد فى المجتمع حسب تعبير سليمان عبد القادر المراقب العام السابق للأخوان (الجزيرة، زيارة خاصة 30 / 5 / 2009).

وفى عام 1995 شنت السلطات الأمنية اعتقالات واسعة، شملت عدة تنظيمات، واستطاعت أعداد كبيرة من الشباب المنتمى لتنظيمات اسلامية الهروب من البلاد بشتى الطرق، وكان بعضهم من تنظيم الإخوان، واتجه أغلبهم الى اوربا الغربية.

ثم استأنفت مجموعات أخرى من الإخوان النشاط من جديد، وكان أغلبهم من العائدين من الغرب بعد أن أتموا دراساتهم العليا، وكان من قيادات المحاولة الأخيرة:

  1. عبد الله عز الدين المراقب العام
  2. سالم أبو حنك نائب المراقب العام
  3. ومجموعة من أصحاب الشهادات العلمية العليا.

وفى عام 1998 أكتشفت السلطات الأمنية التنظيم، ونفذت حملة اعتقالات واسعة، وتم اعتقال قرابة مائة عضو، وحكم على المراقب العام ونائبه بالإعدام، وحكم على أعضاء مجلس الشورى بالمؤبد، وعلى أعداد أخرى بالسجن لعدد من السنوات.ومن العناصر العلمية التى كانت ضمن المعتقلين د عبد الله شامية أستاذ الإقتصاد فى جامعة قاريونس، والمعروف بقدراته ونشاطه فى مجال تخصصه.

وخلال وجودهم فى المعتقل، جرت عدة محاولات من جماعات اسلامية، ومن علماء مسلمين للتحدث مع القيادات الرسمية الليبية مطالبة بالإفراج عن المعتقلين، مبررة محاولاتها، بأن عمل الإخوان مؤسس على العمل السلمى الدعوى، وليس على أي عمل عسكري، ولا يهدف الى التغيير بالقوة، وكان د الشيخ يوسف القرضاوي أحد وأبرز أولئك العلماء، وقام بزيارة لليبيا وقابل العقيد معمر القذافى، ويعتقد أنه تحدث معه عن مسألة المعتقلين من الإخوان.

وبقي الإخوان فى السجن إلى مارس عام 2006 حيث تم الإفراج عنهم جميعا بعد تدخل من المهندس سيف الإسلام القذافى الذى جعل من مهام جمعية القذافى للأعمال الخيرية، تبنى بعض ملفات حقوق الإنسان.

وبعد سلسلة من الحوارات والإتصالات مع عدد من قيادات الإخوان فى الخارج، وبعد حوارات مع المعتقلين، تم الإتفاق بالتأكيد بعد موافقة العقيد القذافى على الافراج عن الإخوان، بشرط ألا يقوموا بأي نشاط تنظيمي ولا سياسي ولا اجتماعي عام، وأن يعيشوا مواطنين عاديين، وأن يمارسوا حياتهم العادية (111)

المبحث الثانى: الإخوان والصدام مع القذافى

استعرضنا سابقاً جزء بسيط من تاريخ الصدام بين الإخوان ونظام القذافى، فمنذ تولى القذافى السلطة عام 1969 والذى كان يتبنى الفكر القومى اليسارى واجه الإخوان المسلمون بليبيا العديد من المواجهات والمضايقات ولكن كان أهمها على الإطلاق

مجزرة سجن أبو سليم (112) والتى تعرض فيها المعتقلين الاسلاميين للقتل إثر محاولة تمر قام بها بعض السجناء وتعد المحطة الثانية الأهم فى تاريخ المواجهات بين الإخوان والقذافى عام 1998 عندما شن القذافى حملة الاعتقالات التى طالت معظم قيادات الجماعة فى الداخل فقد اعتقل في يوليو1998م، العشرات من خيرة شباب ليبيا، بتهمة الانتماء الى تنظيم الإخوان المسلمين

وبعد اربع سنوات، وبالتحديد في 16 فبراير 2002م (قبل عيد الاضحى المبارك بستة ايام فقط) صدرت ضدهم احكام قاسية جداً، شملت الحكم بالاعدام على اثنين، وبالمؤبد على 73، وبالسجن لمدة عشر سنوات على 11 معتقل. وقد اطلق سراح المجموعة في مارس 2006م، بعد تطورات عديدة سنشير اليها والى تطور خطاب الجماعة بصفة عامة في عمل اخر باذن الله. وفيما يلي قائمة المعتقلين مع منطوق الحكم ضد كل منهم كما نشرتها الجماعة الاسلامية الليبية.

  1. دكتور سالم محمد ابو حنك (استاذ الكيمياء- جامعة قاريونس - اعدام)
  2. دكتور عبد الله احمد عز الدين (استاذ الهندسة النووية- جامعة طرابلس - اعدام).

الحكم بالمؤبد على كل من:

دكتور عبد الله محمد شامية (استاذ اقتصاد بالجامعة ورئيس مركز البحوث الاقتصادية)، الدكتور عبد اللطيف كرموس (كلية الزراعة)، دكتور رجب امحمد الجروشي (استاذ الهندسة المدنية)، دكتور سليمان علي ختروش (استاذ الهندسة المدنية)، دكتور عبد المنعم الحصادي (استاذ الكيمياء)، مهندس خالد الهاشمي الزروق (مهندس واعمال حرة) فيصل الصافي (مهندس/الخطوط الجوية الليبية)، محمد فرج القلال (محاسب)، رمضان محمد الكور (فني خراطة)، عياد محمد المهدي (مدرس)، احمد المقطوف دنس (مدرس)، كمال رمضان الوش (مهندس طيران)، مختار عبد الله المحمودي (مهندس طيران)، د. سليمان الفاندي (استاذ في قسم الحاسوب/كلية الهندسة)، صلاح عمر الشامخ (معيد بكلية العلوم)، طارق احمد بو زريبة (مهندس كمبيوتر)، طاهر عبد القادر الثني (اعمال حرة)، محمد ابراهيم التائب (امام وخطيب مسجد)، محمد امحمد الزياني (مهندس)، احمد عبد الله السوقي (مهندس)، حامد نصر بشير الورفلي (مدرس)، عبد الرحمن سالم والي (مدرس)، محمد حسن صوان (مدير شئون ادارية)، علي الصادق الهوني (ماجستير هندسة)، د. عبد الباري علي الهادي العروسي (هندسة تأكل)، صالح فرج المسماري (موظف)، د. جمال فضل الله الماجري (طبيب بيطري)، عبد القادر محمد حمد الاجطل (مهندس اجهزة دقيقة)، عبد الفتاح بركة محمد الاوجلي (مهندس)، عوض بركة محمد الاوجلي (مهندس زراعي)، محمد المبروك الريان (مهندس زراعي)، بشير سليم الورفلي (مدرس ومحفظ قرآن)، فوزي ونيس القذافي (مهندس اتصالات)، نوري ونيس بالنور (طالب كلية الاقتصاد/امام مسجد ومحفظ قرآن)، فرحات مصطفى الهوني (اخصائي معامل هندسة)، مهندس عمر مفتاح السلاك (مبرمج شركة الخليج العربي للنفط)، د. عبد السلام بن خيال (استاذ الكيمياء العضوية)، نور الدين علي جويلي (موظف شركة الخليج العربي للنفط)، فوزي بشير بو كتف (مهندس شركة الخليج)، خالد محمد شعيب، (مهندس مدني)، عبد الله محمد المعداني، كمال الدين رمضان، احمد مفتاح ارفيدة (مدرب طيران)، عوض عاشور الحدودي، صلاح علي الزروق (مهندس مدني)، احمد حسن كشلاف (مصنع الحديد والصلب)، عبد الكريم عبد المقصود الحوتي (عامل)، محمد فتحي امبيق، عمر محمد بن طاهر الزوي، صالح محمد ابراهيم الزوي، عيسى عبد الحميد الزوي (مهندس مدني)، شريف محمد الشيخي (طالب طب)، الصالحين عبد الله المهدوي (محاسب)، عبد السلام علي اشيفني، فرج حسين الضراط (مدرس)، محمد حسين بالرأس علي (معيد بكلية الاداب)، خليفة حسن الجهاني (اعمال حرة)، عبد الحكيم احمد بادي(مهندس)، علي السنوسي المسماري (بكالوريوس اقتصاد)، مختار عبد المجيد الماني (مهندس ميكانيكي)، د.عبد الرحمن اليباني (طبيب بشري)، سفيان عبد الغني العبيدي (كلية الاقتصاد)، علي سالم العباني، صالح محمد دخيل (مهندس ميكانيكي) عبد الحفيظ سويسي (مدرس)، عثمان علي بن صريتي (تاجر)، فوزي محمد نتفة (ماجستير قانون)، ابوبكر رمضان المقرحي (موظف)، خليل علي البكوش (مهندس مدني) علي ابوبكر الصغير(مهندس كمبيوتر)، طارق الطاهر النعاس (مهندس ورجل اعمال)، ناصر عبد السلام كشلاف (اعمال حرة)، عمر الورفلي (موظف).

وبالسجن لمدة عشر سنوات على كل من:

اكرم يوسف العبيدي (طالب طب)، احمد محمد ابراهيم زائد (موظف)، احمد عمر بالطيب (طالب طب)، محمد اشرف فرج فنوش، حمد عبد السلام الفارسي (طالب طب)، انيس حسن القويضي (طالب طب)، محمد صلاح الدين ابو النجا(طالب طب)، عمر علي المقوب (طالب كيمياء)، يوسف سليمان بوشعالة (طالب هندسة)، نزار ميلاد كريكش (طالب طب)، حمدي عبد الهادي الديهوم (طالب علوم اجتماعية ومحفظ قرآن).

وكانت هذه الحملة من أقوى الحملات التى واجهتها الجماعة بليبيا ولم يكتف نظام القذافى بهذه الاعتقالات بل كان يتبع سياسة التعذيب والاختفاء القسرى فاستشهد عدد من رموز العمل الإخوانى بليبيا ونذكر على سبيل المثال منهم:

الدكتور عمرو خليفة النامي

ولد الدكتور "عمرو خليفة النامي"، حسب اغلب المصادر، في عام 1939م، بنالوت بجبل نفوسة. وانهى دراسته الابتدائية والاعدادية بمدينة "نالوت". ثم انهى دراسته الثانوية في مدينة "غريان" . تخرج عام 1962م من كلية الاداب بالجامعة الليبية ببنغازي، قسم اللغة العربية. وحصل على درجة الدكتوراة في الدراسات العربية والاسلامية من جامعة كمبردج عام 1971م.

ويعتبر الدكتور عمرو النامي من القيادات الاسلامية البارزة. وقد نشط في مجال الدعوة الاسلامية وقام بتدريس مادة الثقافة الاسلامية في اوائل السبعينيات في جامعتي طرابلس وبنغازي . والدكتور النامي كاتب واديب وشاعر وباحث. وله عدة اعمال ثقافية وادبية رائعة من بينها كتاب عن "ظاهرة النفاق". كما كان رحمه الله يشارك في تنقية ووضع المناهج الدراسية في ليبيا كلما سنحت له الفرصة لذلك.

كما نظم قصائد عديدة رائعة اشهرها قصيدة "اماه" وقصيدة "يا ليلة العيد"، وقد اوردت القصيدتين في الفصل الثالث من هذا الكتاب. عمل الشهيد في مجال التدريس في اليابان وامريكا. واعتقل خلال اعوام 1971 و 1973م و1974م و1981م، ثم اعتقل مرة اخرى في1984م.. ثم انقطعت اخباره منذ 1986م.

عبد الله محمد الشيباني

اتم الشهيد عبد الله محمد الشيباني، رحمه الله، تعليمه الجامعي في ولاية اكلاهوما بالولايات المتحدة الامريكية، وكان دور الشهيد بارزاً في الدعوة الى الله، بين صفوف الطلبة الليبيين والعرب في تلك الولاية، ثم اتسع دوره مع تأسيس الجماعة الاسلامية الليبية ليغطي الساحة الامريكية، متنقلاً بين ولاياتها، داعياً الى الله، وداعياً أبناء الوطن الى ضم الصفوف وتوحيد الجهود في سبيل الله تعالى.

وحين نادى منادي الجهاد في افغانستان، كان من اوائل الملبين، فقد ساند الجهاد الافغاني، من خلال مؤسسة الرعاية الانسانية العالمية، التي انشأها، ثم شارك في الجهاد بنفسه، وعاد بعدها الى ارض الوطن ليواصل عطاءه في الدعوة الى الله بالموعظة الحسنة

فكان ان كافأه الظلمة بأن اودعوه مع اخوانه السجون والمعتقلات بالرغم من ظروفه الصحية، التي اخذت تسوء تدريجياً، بسبب انعدام الرعاية الطبية التي حرم منها طيلة مدة سجنه، والتي امتدت ثلاثة سنوات (من عام 1998م الى عام 2001م) .

كان الشهيد رحمه الله صلباً في الحق، لا يداهن، ولا يجامل، وكان صادق اللهجة، لم يخالف لسانه قلبه. وقد قضى نحبه صابراً في سجون النظام في ليبيا مساء يوم الخميس 7 ذو القعدة 1421هـ الموافق 1 فبراير 2001م.

محمد ابراهيم المجراب

ولد الشهيد "محمد ابرهيم المجراب" عام 1950م بمدينة مصراتة. وهو من سكان مدينة بنغازي. انضم الى الجماعة الاسلامية الليبية، واعتقل اثر احداث مايو - 1984م (احداث باب العزيزية) وكان يعاني من مرض السكر. قتل داخل المعتقل. وفي نوفمبر1990م استلم ولداه جثته.

فرحات حلب

ولد الشهيد في مدينة زواره عام 1958م. تلقى تعليمه الابتدائي والاعدادي والثانوي في مدينة زواره. نال الشهادة الثانوية في عام 1977م. التحق بكلية الهندسة جامعة طرابلس. غادر البلاد في بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة الامريكية على حساب الهيئة العامة للحديد والصلب. اكمل دراسته الجامعية في خريف عام 1984م. وعاد إلى ليبيا بعد تخرجه. أعتقل بعد احداث باب العزيزية، استشهد في10 يونيو 1984م بمدينة زوارة.

الشارف الغول

الشهيد الشارف الغول من سكان سوق الجمعة بطرابلس. تخرج من كلية العلوم الجامعة الليبية قسم الجيولوجيا. نال شهادة الماجستير من جامعة اوهايو . اعتقل في سبتمبر 1983م، واعدم في مارس 1986م في السجن بعد ان نال من التعذيب ما نال.

المبحث الثالث: إخوان ليبيا ويوميات الثورة

شهدت فترة حكم القذافى عدد من الاحتجاجات الشعبية القوية قبل ثورة 17 فبراير 2011 وأبرز ثلاث احتقانات وأحداث شعبية شهيرة في عهد القذافي هيَ مجزرة سجن أبو سليم عام 1996 ومجزرة مشجعي كرة القدم عام 1996 ومظاهرات بنغازي عام 2006.

ففي عام 1996 قامت أجهزة الأمن الليبية بارتكاب إحدى أكبر المجازر في عهد القذافي بسجن أبو سليم، وهو سجن يُؤوي المُعتقلين السياسيين في المقام الأوَّل، ويُعد أكثر سجون ليبيا إحكاماً وتحصيناً، وبنقيض باقي سجون البلاد فهوَ لا يَخضع لإدارة وزارة العدل الليبية بل يُدار مُباشرة من طرف الأمن الداخلي.

لكن في شهر يونيو عام 1996 تمرَّد عدد كبير من السجناء مُطالبين بأن يُحاكموا بشفافية بدلاً من اعتقالهم قسرياً وبأن يَحصلوا على ظروف معتقل أقل سوءاً، وتمكن المُتمؤدون من السَّيطرة على جزء من السجن وطرد الحرس منه، ونتيجة لهذا فقد أطلقت أجهزة الأمن الليبية حملة يوم 28 يونيو من ذلك العام لقمع التمرُّد، واقتحمته في ذلك اليوم ميليشات القذافي معَ العديد من القادة الأمنيين البارزين مثل عبد الله السنوسي وموسى كوسا.

وبعدَ بعض المُفاوضات بينهم وبين المُتمردين، بدأت عملية اقتحام المناطق التي يُسيطر عليها السجناء باستخدام الرشاشات والقنابل اليدوية، وبذلك بدأت المَجزرة، التي قبضوا خلالها على مئات المُتمردين وقاموا بتصفيتهم جماعياً، ويُقدر عدد ضحاياها بحوالي 1170 قتيلاً.

وفي عام 1996 نفسه حدثت مجزرة أخرى أصغرَ حجماً في العاصمة طربلس أيضاً، إذ انتصرَ نادي الأهلي الطرابلسي على النادي الاتحادي في إحدى مباريات كرة القدم، فتحمَّسَ مشجعو الأهلي وأخذوا بالهتاف ضد النادي الاتحادي وتأييداً للأهلي

وقد كان وقتها الساعدي القذافي - ابن معمر القذافي - حاضراً في المباراة على المنصة الشرفية، فلم تَرق له هتافات الجمهور لأنه كان عضواً في النادي الاتحادي آنذاك، ولذلك أمرَ قوَّات الأمن بإطلاق النار على المُشجعين فوقعت المجزرة التي راحَ ضحيتها 20 مدنياً ممن كانوا يَهتفون للنادي الأهلي. وقد تسبَّبت هذه المجزرة بإغلاق نادي الأهلي والاتحاد وتجميد نشاط كرة القدم في كافة أنحاء ليبيا لمُدة ثلاث سنوات كاملة.

وفي بنغازي اندلعت أحداث عام 2006 بسبب أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد، التي خرج رداً عليها المئات في المدينة في يوم الجمعة 17 فبراير واتجهوا نحوَ القنصلية الإيطالية بها، وحاولَ المُتظاهرون اقتحام القنصلية فاعترضتهم قوَّات الشرطة، ثمَّ صعدَ فتى إلى مبناها وانتزعَ العلم فأطلقت الشرطة عليه النار، وبذلك بدأ الاشتباك بين المُتظاهرين الغاضبين ورجال الشرطة الذي تطوَّر إلى استخدام الرَّصاص الحي وانتهى بمقتل 11 متظاهراً وسُقوط ما لا يَقل عن 35 جريحاً.

وبعدَ هذه المجزرة تطوَّرت الأحداث، فاندلعت الاحتجاجات مُجدداً يوم السبت وأحرق المُتظاهرون الغاضبون القنصلية الإيطالية بعدَ أن اتجهوا إليها مُجدداً، وخلال فترة أيام 18 - 20 فبراير توسعت دائرة مطالب المُحتجين، فأخذوا بالتوجه نحوَ رموز السلطة بليبيا نفسها، وأحرقوا أربع مقارٍ للشرطة ومبنيي الضرائب والمباحث الجنائية فضلاً عن اقتحامهم لمديرية الأمن في بنغازي، وكانت حصيلة المباني الحُكومية التي أحرقوها في آخر الأمر حوالي 30 مبنى.

وفي سبيل احتواء هذه الاحتجاجات أعلنت السلطات الليبية الحداد على "شهداء" مجزرة 17 فبراير وأقالت وزير الأمن العام بالبلاد، كما اهتمَّت بنقل عددٍ من جرحى المُظاهرات للعلاج في الخارج. وبعدَ وُصول الاحتقان إلى هذا المستوى على مدى أربعة أيام من التوترات في مدينة بنغازي، انتهت الأحداث بفرض السلطات الليبية لحالة الطوارئ وإعلانها حظر التجوال في المدينة، معَ إرسال تعزيزات أمنية إليها من المناطق المُجاورة للحرص على عدم تكرار المُظاهرات.

كما شهدت مدينة البيضاء في 1 سبتمبر عام 2006 احتجاجاً عارمة أثناء احتفال انقلاب 1969 أو مايعرف الفاتح، وقام بعض المواطنين بالهجوم على عربات بها دبلوماسيين والعقيد القذافي احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية بالمدينة، مما أدى إلى كسر نوافذ السيارات ولم يصاب على اثرها أي شخص.

وكان آخر هذه الاضطرابات قد شهدتها مدينة يفرن في 24 ديسمبر عام2008 والتي تعد حاضرة أمازيغ ليبيا احتجاجات كبيرة بعدما قام مجموعة لسيف الإسلام نجل القذافي باقتحام المدينة ومداهمة لعدد كبير من منازل الناشطين حول قضية حقوق الثقافة الأمازيغية مما أثار غضب أبناء المدينة وتم حصار المدينة وقطع الكهرباء والإتصلات عنها وهدد القذافي بقصفها بالطائرات.

وفى 17 فبراير 2011 انطلقت الثورة الليبية وهي ثورة اندلعت وتحولت إلى نزاع مسلح إثر احتجاجات شعبية بداية في بعض المدن الليبية ضد نظام العقيد معمر القذافي، حيث انطلقت في يوم 15 فبراير اثر اعتقال محامي ضحايا سجن بوسليم فتحي تربل في مدينة بنغازي فخرج أهالي الضحايا ومناصريهم لتخليصه وذلك لعدم وجود سبب لاعتقاله

وتلتها يوم 16 فبراير مظاهرات للمطالبة باسقاط النظام بمدينة البيضاء فاطلق رجال الامن الرصاص الحي وقتلوا بعض المتظاهرين، كما خرجت مدن جبل نفوسه الزنتان ويفرن ونالوت والرجبان في نفس اليوم وقام المتظاهرون في الزنتان بحرق مقر اللجان الثورية، وكذلك مركز الشرطة المحلي، ومبني المصرف العقاري بالمدينة

وازدادت الاحتجاجات اليوم التالي وسقط المزيد من الضحايا وجاء يوم الخميس 17 فبراير - شباط عام 2011 م على شكل انتفاضة شعبية شملت بعض المدن الليبية في المنطقة الشرقية فكبرت الاحتجاجات بعد سقوط أكثر من 400 ما بين قتيل وجريح برصاص قوات الامن ومرتزقة تم جلبهم من قبل النظام. وقد تأثرت هذه الاحتجاجات بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011 م

وبخاصة الثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية اللتين أطاحتا بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك. قاد هذه الثورة الشبان الليبيون الذين طالبوا بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. كانت الثورة في البداية عبارة عن مظاهرات واحتجاجات سلمية لكن مع تطور الأحداث وقيام الكتائب التابعة لمعمر القذافي باستخدام الأسلحة النارية الثقيلة والقصف الجوي لقمع المتظاهرين العزّل، تحولت إلى ثورة مسلحة تسعى للإطاحة بمعمر القذافي الذي قرر القتال حتى اللحظة الأخيرة.

وبعد أن أتم المعارضون سيطرتهم على الشرق الليبي أعلنوا فيه قيام الجمهورية الليبية بقيادة المجلس الوطني الانتقالي، وفي يوم 20 انتفضة مدينة طرابلس وهي العاصمة الليبية وقد افلح شباب العاصمة بإسقاط العاصمة ونظام القدافي في تسع ساعات وبعدها في يومي 21 و22 أغسطس دخل الثوار إلى العاصمة طرابلس المحررة من شبابها بالاحتفال وقامو جميع الثوار بسيطرة على آخر معاقل القذافي وقتل الأخير في سرت بحلول يوم 20 أكتوبر.

وكان للإخوان المسلمين دور واضح فى هذه الثورة منذ يومها الأول وهى استمرار طبيعى لتراكمات المحطات الكثيرة من المواجهة بين الإخوان والقذافى ويروى الأستاذ فيصل الصافى أحد رموز الإخوان بالداخل الليبى فيقول:

مع بداية الثورة تحرك الإخوان على اكثر من صعيد الصعيد السياسي والصعيد الاغاثى والصعيد العسكرى

أولاً: على مستوى الصعيد السياسي

حرصنا على ان نكون متواجدين فى قلب الثورة من ناحية المطبخ الى كانت تؤخذ فيه قرارات الثورة اللى هو فى محكمة بنغازى كنا موجودين فى المحكمة من اول يوم كنت متواجد انا والدكتور عبدالله شامية كنا متواجدين فى داخل المحكمة مع الاخوة الذين كانو يخططون لما هى الخطوات التى ستتلاحق فى اداء الثورة ومتابعة الاحداث فحتى قرار تشكيل المجلس الوطنى الانتقالى تم اتخاذة فى داخل المحكمة كنا مساهمين فى اتخاذ هذا القرار فى داخل المحكمة
وكنا نتابع من داخل المحكمة كافة الاجراءات ومستجدات الاحداث وكنا نتواصل من خلال المحكمة مع وسائل الاعلام المختلفة من داخل المحكمة فكان وجودنا حيوى من اول يوم فى هذا المجال واستمر ادائنا الى ان تشكل المجلس الوطنى الانتقالى واصبحنا على تواصل مباشر مع المجلس الوطنى الانتقالى وكان لينا دور مباشر مع المجلس نحن كأخوان من خلالى انا ومن خلال الدكتور عبدالله شامية
المستور الاخر على مستوى الاداء السياسي بعد مضى اسبوعين او ثلاثة على الثورة رأينا ان الساحة السياسية على مستوى المؤسسسات السياسية فى الساحة الليبية فيها فراغ مؤسسى انه لاتوجد هناك مؤسسة سياسية تقود الرأى العام او تشكل الراى العام الللببى داخل المنطقة الشرقية لانها كانت منطقة محررة الإخوان قرروا تأسيس مؤسسة سميت اتحاد ثوار ليبيا وهذة المؤسسة هى سميت اثال اختصارنا لحروف اتحاد ثوار ليبيا
وكان رئيس الجمعية العمومية لهذة المؤسسة هو الشيخ ونيس مبروك واخترت انا فيما بعد رئيسا لهذة المؤسسة فكنت انا الرئيس التنفيذى لمؤسسة اثال والشيخ ونيس المبروك كان رئيس للجمعية العمومية فى البداية بعد تأسيسها تم اختيار السيد جويدر ابراهيم جويدر رئيس تنفيذى ثم كلف الرئيس جويدر ببعض المهام على مستوى الدولة فقدم استقالته
وكلفت انا ان اكون رئيس اتحاد ثوار ليبيا فى بنغازى وكان الاخ عبد الهادى شلماته هو نائب الامين العام لهذة المؤسسة وحقيقة هذة المؤسسة كان لها دور ايجابى وكبير جدا فى مرحلة الثورة من ناحية ممارسة الضغط السياسي على الأداء السياسي للدولة فى تلك المرحلة على مستوى المؤتمر الوطنى و على مستوى المكتب التنفيذى اللى كان يمثل الحكومة فى ذلك الوقت
فمن الاشياء اللى نذكر أننا انجزناها فى تلك المرحلة اولا كنا اى خطأ يرتكب من قبل الحكومة او من قبل المجلس الوطنى كنا نقدم بيانات وكنا نوصل هذه البيانات لمؤتمر المجلس الوطنى وكنا ندخل داخل المجلس ونبدى آرائنا الى اعضاء المجلس الوطنى فكثير من الاحيان كان يتجاوب معنا وكنا نغير فى كثير من القرارات والاوامر تصدر من داخل المجلس
فكنا احنا كأثال وكما كنا قوة فاعلة فى داخل المجتمع كنا نستطيع ان نخرج كثير من الناس مظاهرات لما المجلس او المكتب التنفيذى يقوم بخطوات سلبية كنا نحن نقيم مظاهرات ونتصدى لهذه المواقف حتى يضطر المجلس ان يغير فى مواقفة بناءا على هذا الضغط ايضا من القضايا اللى احنا ارسيناها فى داخل المؤتمر هى المادة الثلاثين من الاعلان الدستورى
فكان فى السابق فى ذلك الوقت كان المجلس الوطنى كان يرغب ان يستمر الى ان ينتخب البرلمان وهو الذى يقوم بالاشراف على صياغة الدستور وان هذة المرحلة بالكامل يقوم بها المجلس الوطنى لكن احنا فى اثال رأينا ان هذا الامر قد يشكل خطر وان المجلس الوطنى بحكم أنه ليس منتخب وغير منتخب
فعلى المدى القريب سيصبح مرفوضاً من قبل الشعب بمجرد استقرار الاوضاع السياسية فكنا نخاف أن وجود استمرارية المجلس الوطنى قد يسبب اشكالية للبلد ويصبح مرفوضا وبالتالى هتدخل البلد فى فوضى فرأينا أنه لابد ان نشكل مجلس منتخب او هيئة تشريعية منتخبة حتى نضمن استقرار البلد على المدى البعيد الى ان يشكل برلمان فاحنا ضمنا مواد هذة المادة وشرحناها بالتفصيل ان يتم انتخاب مؤتمر وطنى
وهذا المؤتمر يتكون من 200 عضو بالتفصيل نفس المادة اللى تعديل اللى ادارته اثال هو اللى تم اعتمادة وهو اللى الان الدولة تسير بوفق هذا الجدول الزمنى اللى احنا وضعناة فى اثال طبعا احنا اتوصلنا الى أننا يصبح هذا الامر واقع كان لنا دور سياسي على المستوى الدولى
فكانت مجموعة اصدقاء ليبيا تلتقى من حين لاخر وتضع للسياسات العامة للثورة فى ليبيا اللى هى اصدقاء ليبيا قطر وامريكا وبريطانيا وفرنسا هذة الدولة تجتمع فكان هناك اجتماع فى تركيا فنحن وضعنا مسودة المادة ثلاثين فى الاعلان الدستورى وحددنا آلية انتقال السلطة من المجلس الوطنى الى البرلمان
وحددناها من خلال خطوات وذهبنا الى سفير تركيا فى ليبيا واعطيناة نسخه من هذة المسودة وطلبنا منه ان يوصلها الى اردوغان وايضا الفريق الليبى اللى كان يمثل المجس الوطنى فى ذلك اللقاء فى تركيا حملناه هذه الرسالة وكان منها فتحى لبعاجة وعبدالله شامية حملناها هذة المسودة
وايضا أرسلناها الى الدولة الامريكية عن طريق مندوب امريكا فى بنغازى وطلبنا منه رسميا ان يقوم بتوصيلها لوزيرة الخارجية كلينتون فى هذا اللقاء وجمعنا مجموعة من التوقيعات من مؤسسات المجتمع المدنى الليبى وضغطنا ان هذا مطلب لمؤسسات المجتمع المدنى فى بنغازى
وكانت المفاجأة سارة جدا لما سمعنا اول تصريح صحفى لكيلينتون وزيرة الخارجية انها قالت بعد انتهاء هذا اللقاء ان ليبيا لابد ان تنتقل من خلال مرحلة انتقالية ولابد من انتخاب مؤتمر وطنى بهذة الصياغة التى طرحناها فرأينا اننا حققنا نجاح وبفضل الله هذا احد الاداء اللقاء كان من مؤسسة اثال هذا كان على المستوى السياسي
ثانياً: على المستوى العسكرى
من يوم 19 فبراير تقريبا التقيت انا بالاخ فوزى بوكتف (113) امام محكمة بنغازى وكان الاخ فوزى يبحث عن دور لنفسة ورأينا بعد اللقاء اننا شكلنا قيادة طارئة لمتابعة الأحداث وبدأت تلتقى كل يوم من الساعة السابعة صباحا حتى الثامنه والنصف قبل بداية الاحداث بحيث اننا فى خلال الساعة والنصف نضع خطتنا ونضع المهام المطلوب تنفيذها خلال هذا اليوم
وكانت هذة الييادة ممثلة فى الدكتور سالم بوحنك كان يرأس هذة المجموعة وفيصل الصافى وفوزى بوكتف وعبدالله شامية والاخ عيسى الزوى والدكتور جبرى جلوشى كنا نلتقى يوميا وكل منا يأتى بمعلومات ونتابع من خلال ماذا يحدث بالمحكمة على الصعيد العسكرى وعلى الصعيد السياسى ونرى المستجدات وأخد قرارت
وكنا على تواصل مع كافة اعضاء الجماعة فى كافة المناطق وكنا نحن نوجه الإخوان انهم يتحركوا وفق ما نراه من مستجدات و القيادة لما ناقشت الوضع العسكرى رأينا ان الاخ فوزى يسعى لإتجاه تأسيس معسكرات للتدريب العسكرى من خلال دورات تدريبية سريعة
وفعلا استطاع فوزى بوكتف ان مع مجموعة من الضباط العسكريين اللى كانوا متحمسين جدا انهم يشاركوا فى الثورة فالتقى بهم ورأى انهم يجب أن يتعاونوا فيما بينهم و يشكلوا قاعدة او معسكر يدرب الشباب الذين يريديون ان يتطوعوا للدفاع عن ليبيا وفعلا تم اخذ مكان مقر كان تابع للجان الثورية فى بنغازى واختيار هذا المكان كان يفى بهذا الغرض كساحات للتدريب و مقرات ادارية وغيرة
فالاخ فوزى بوكتف أشرف على تأسيس هذا المعسكر وبدأ يتوافد على المعسكر من كل انحاء ليبيا ومن اوربا يريديون ان يقاتلوا كان يتدربوا فى هذا المعسكر وكانو يتخرجوا فى خلال اسبوعين ،واصبح هذا المعسكر شوكة فى ظل نظام القذافى الى ان استقرت الثورة وكان هذا المعسكر له دور بارز وفاعل فى الجانب العسكرى
وخاصة بعد ما اصبحت الثورة تجلب كثير من الذخيرة والاسلحة كانت تخزن فى ذلك المعسكر واصبح هذا المعسكر فعلا دور وبعد ذلك بشهر ونصف اوشهرين تأسست مجموعة من المعسكرات فى عدة اماكن ولكن كان السبق لهذا المعسكر اللى هو معسكر 17 فبراير فى الثورة الليبية هذا على الجانب العسكرى

ثالثاً: الجانب الاغاثى

قام الإخوان بالخارج من أول يوم فى الثورة كلفوا مجموعة من الإخوان ومنهم الاخ صلاح البيلا والأخ ماجد كبلان وبعض الاخوة ورأوا ضرورة تشكيل قاعدة فى مصر وتكون مهمة هذه القاعدة هى تجميع وتوظيف وإدارة العمل الإغاثى لإرسال قوافل الاغاثة الى داخل ليبيا وبالفعل حضروا إلى مصر وشكلوا قاعدة فى مصر
وتم تشكيل مؤسسة إغاثية أطلفوا عليها "فريق نداء الخير" وبدأت تجتمع هذة الجمعية من داخل مصر وكان من ضمن المساهمين فى هذة الجمعية الاخ عبدالوهاب الشريف والاخ الدكتور ناصر العريفى ومجموعة من الإخوان وفى الخارج الإخوان اسسوا جمعية الاغاثة الليبية
وهذة الجمعية دخلت وبدأت تشتغل من داخل البلاد فى اثناء الثورة واستطاعت هذة الجمعية ان تجلب كثير من الاعانات من سيارات اسعاف من مؤن من معدات من ادوية الى غير ذلك من الاحتياجات اللى كانت تحتاجها الساحة الليبية وكان ليها دور كبير جدا الجمعية الليبية للاغاثة فريق نداء الخير انتقل بعد ذلك الى الداخل وشكل تحالف او ائتلاف الجمعيات الخيرية فى ليبيا
وهذا الائتلاف ظل تحت مظلته عدد كبير جدا من الجمعيات الخيرية الموجودة فى السابق وتأسست اثناء الثورة واصبحت تعمل تحت فريق نداء الخير واصبحت أذرع نداء الخير يعنى منتشرة على مستوى ليبيا بالكامل من خلال هذا الائتلاف الذى يجمع تحت منه اكثر من 30 او 40 مؤسسة خيرية تحت نداء الخير.

رابعاً: الجانب الإعلامى

رأت الجماعة انه لابد ان يكون لها دور اعلامى اثناء الثورة يساندها وكانت لدينا فى الخارج جريدة الكترونية ومع قيام الثورة ورجوع الأخوة للداخل تم انشاء جريدة ليبيا اليوم وأصبحت تصدر كجريدة ورقية وأصبح لها انتشار واسع فى بداية الثورة وكانت تنشر اخبار الثوار واخبار الإخوان فى داخل البلد وكان لها الاثر الكبير جدا كمؤسسة اعلامية وبعد ذلك تأسست مؤسسة المنارة التى بدأت تصدر كجريدة ورقية وموقع الكترونى ثم الان اصبحت هذة المؤسسة الاعلامية لديها قناة اف ام محلية و تغطى كافة ارجاء منطقة بنغازى والمنطقة الشرقية تقريبا هذا على مستوى المنقطة الشرقية.
أما بالنسبة للمنطقة الغربية فبعد ان قامت الثورة بحكم ان طرابلس لم تتحرر الا فى 20 / 10 / 2011 يعنى تقريبا بعد ثمانية اشهر من انطلاق الثورة، فقام الإخوان فى المنطقة الغربية فى طرابلس خاصة فى منطقة الزاوية فكان لهم دور كبير جدا فى تأسيس ائتلاف 17 فبراير فى طرابلس
واصبح هذا الائتلاف يعمل بالسر ويتواصل مع كافة الكفاءات فى الداخل وكان يقوم ببعض الأعمال من حين لآخر يخرج الناس فى مظاهرات ويقوم بأعمال لإشعار النظام أن الثورة موجودة فى طرابلس وفى المنطقة الغربية مثل الكتابة على الحوائط وإصدار بعض البيانات المحفزة للثورة والى غير ذلك ايضا
كما كان لهم دور كبير جدا فى تفجير أحد المواقع التى كانت تستهدف اغتيال عبدالله السنوسى وبعض قيادات النظام الليبى فى أحد المواقع وبالفعل قام الإخوان بالاشراف على هذا العمل ولكن لم يوفقهم الله فى انجاح هذه العملية ولكن تم رصد بعض الإخوان فخرجوا إلى تونس وأصبح العمل فى تونس
واصبح لهم دور اغاثى للاجئين فى تونس ودخلوا للمنطقة الغربية فى الجبل الغربى وأصبح هذا الائتلاف على تواصل مع الإخوان فى المنطقة الشرقية بالإضافة إلى وجود بعض الأخوة من طرابلس فى بنغازى مثل عبد الرزاق العرادى والاخ صديق الكبير والذى يتولى الآن محافظ المصرف المركزى وأدار غرفة عمليات فى مكتب فى فندف تبستى وكانت غرفة العمليات تتواصل معهم فى طرابلس وكانوا وضعوا خطة لتحرير طرابلس وبدأو يشتغلوا فى هذا الاتجاة .
وكان ابرز قيادات ائتلاف 17 فبراير فى طرابلس الاخ محمد عميش سفير ليبيا بالكويت الآن وأيضاً هشام كريشى رئيس مجلس محلى فى طرابلس ومجموعة من الإخوان هذا تقريبا على أدائنا فى الثورة وكان احنا عندنا حضور بارز وكنا داعمين ايضا الاخ على العيساوى فى مرحلة كان ماسك المكتب التنفيذى كنا ندعمه بكفائتنا وبكل ما نستطيع الى استقرت الاوضاع الى حد ما (114)

وعلى الصعيد الإعلامى والسياسى كانت تحركات الجماعة فى الخارج وتصريحاتها المختلفة فمنذ انطلاق الثورة انطلقت معها التصريحات الاعلامية التى تؤيدها وتساندها وتدعو لاتخاذ موقف قوى تجاه نظام القذافى فتقول جماعة الإخوان فى بيان لها :

إن المجتمع الدولي مطالب بإتخاذ إجراءات محددة ضد زمرة النظام و هي تتمثل في التالي :

  1. سحب الإعتراف بنظام القذافي ممثلا للشعب الليبي
  2. العمل على إرسال قوافل إغاثة ومساعدات طبية عاجلة إلي لييا
  3. إصدار مذكرة توقيف ضد معمر القذافي و أبنائه وقادة أجهزته الأمنية بسبب إرتكابهم جرائم ضد الإنسانية .
  4. التضييق على التحركات الديبلوماسية لعناصر النظام و المحسوبين عليه
  5. تجميد الأرصدة لعناصر النظام و المحسوبين عليه وتحديدا محافظ المصرف المركزي حافظ بن قدارة ، ونائبه محمد الشكري
  6. حظر نشاط شركة الخطوط الأفريقية، وفتح تحقيق مع القائمين عليها بشأن تورط هذه الشركة في نقل قوات مرتزقة استخدمها النظام في إرتكاب جرائم حرب ضد شعبه.

إننا إذ نطالب بهذه الإجراءات المحددة ، نتوجه بالنداء إلى شعبنا الصامد و هو يقف قاب قوسين من الإبتهاج بالنصر العظيم، أن يكون صفا واحدا إزاء هكذا قرارات من شأنها أن تفرض وصاية خارجية عليه او تدخلا أجنبيا، مذكرين أن حدث الإنتصار على هذا النظام المقيت هو بداية لمسيرة التغيير الذي دام انتظاره ، فاحرصوا على الوحدة الوطنية واحرصوا على السير قدما نحو دولة القانون والمؤسسات، دولة الحرية والكرامة لكل أبناء الشعب الليبي (115)

كما أكد القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الليبية الشيخ يونس البلالي انه ليس هناك نظام بقي لمعمر القذافي ليطالب الناس برحيل نظامه، مضيفا بان القذافي يدرك تماما انه منتهي لامحالة وسيقتل او يحاكم.

وقال البلالي في مقابلة مع قناة لعالم الاخبارية: معمر القذافي لص او مجرم في قلعة يقاتل ثم يعود اليها كما كان يعمل القراصنة في البحار قديما وكما كان يفعل قطاع الطرق، انه يعرف بنهايته لكنه يريد ان يقتل اكبر عدد ممكن من الليبيين.

وردا على سؤال حول من يدعم القذافي الآن صرح البلالي: لا احد يدعم القذافي الا من شاركوه في جرائمه وبعض افراد قبيلته والقبائل المستفيدة منه فقط. وفي ما يتعلق بدعم خارجي محتمل للقذافي، اعرب البلالي عن اعتقاده بان لا احد يجازف بدعم القذافي وقال: لا احد يدعم القذافي حتى الادارة الاميركية واظن ان اميركا ستكون حمقاء اذا اعلنت دعمها ومساعدتها للقذافي لانه راحل (116)

أكد سليمان عبد القادر مسئول الإخوان المسلمين في ليبيا أن كل فئات الشعب الليبي توحَّدت لتفرض إرادتها لإنقاذ الشعب، وتحرير ليبيا من ظلم نظام الطاغية القذافي، وتحقيق مستقبل جميل للبلاد ترفرف عليه روح المؤسسات والديمقراطية الحقيقية.

وأوضح خلال مداخلة هاتفية على فضائية (الجزيرة) من منفاه بسويسرا مساء اليوم أن الشعب يتحرك، وهو يصبوا إلى إقامة دولة مدنية لديها قانون يحترم حقوق الإنسان، مستنكرًا تباطؤ المجتمع الدولي في اتخاذه مواقف ضد دموية ووحشية القذافي.

وطالب المجتمع الدولي بفورية إسقاط الاعتراف بنظام القذافي وإصدار دعاوى قضائية على الصعيد الدولي لمحاكمته كمجرم حرب ومراقبة تحركات الدبلوماسيين الليبيين المشبوهة الذين ما زالوا تابعين للنظام المنتهي، وفرض حراسة إجبارية عليهم، ووقف كل التعاملات الدبلوماسية مع القذافي؛ لأنه في حال تخاذلهم سيكونون مشاركين في هذه الجرائم.

ودعا إلى حظر شركة الخطوط الإفريقية للطيران التي شاركت في جرائم القذافي بنقل الأفارقة والمرتزقة إلى ليبيا لقتل الشعب الليبي لصالح الطاغية القذافي، ومنع رحلات الطيران الأخرى التي تنطلق إلى ليبيا لمنع الجرائم ضد الإنسانية، وعدم التعامل مع كل السفارات التي تنضوي تحته في البلدان الأخرى والسعي لإغلاقها.

وشدد على أن انتصار الشعب الليبي قريب وواضح، مطالبًا الثوار بالصبر ونبذ وعود الطاغية الوردية، والاستمرار في مناهضة الطغيان، والتحلي بالنفس الطويل لأنه إذا استطاع العودة إلى إحكام قبضته على ليبيا سيُنكِّل بالشعب، وسيحول البلاد إلى حمامات دم (117)

كما طالبت الجماعة فى أحد بياناتها بضرورة تشكيل حكومة وطنية مؤقتة وأن تكون من الثوار تابعنا تنادي بعض القوى الوطنية من داخل بلادنا الحبيبة، و على رأسها السيد المستشار مصطفى عبد الجليل و الذي نقدر مواقفه الوطنية، لتعلن عن تشكيل حكومة مؤقتة

و إننا إذ نرى ضرورة هذه الخطوة، نؤكد على التالي:

  1. لابد أن تنبثق هذه الحكومة عمن قادوا الثورة على أرض الواقع وألا يتم الالتفاف عليها من قبل أية أطراف أيا كانت.
  2. أن تكون حكومة كفاءات ولا تخضع لحسابات جهوية أو قبلية.
  3. ألا يتم إشراك أيا من أعضاء انقلاب 1969 ولا المتورطين في جرائم اقترفها نظام القذافي ضد الشعب الليبي.
  4. أن يكون من أولوياتها الشروع في بسط الأمن والنظام و تسيير عجلة الحياة اليومية.

وإننا إذ نؤكد على أهمية أن تبذل المجالس المحلية كل ما في وسعها من أجل الخروج صفا واحدا ليحسم الموقف أمام المجتمع الدولي مما سيعجل في إنهاء نظام القذافي، ندعو هذه المجالس إلى الإسراع بتشكيل الجمعية الوطنية التي تمثل فيها جميع المدن الليبية و تعنى بوضع دستور وخارطة زمنية للإنتقال إلى دولة المؤسسات (118)

المبحث الرابع: التحديات التي تواجه الإسلاميين في ليبيا بعد الثورة

من المؤكد أن هناك الكثير من التحديات التى تواجه جماعة الإخوان المسلمين بليبيا بعد سقوط نظام القذافى فهناك العديد من المتطلبات أمام الإسلامين أهمها بناء دولة حديثة تقوم على بناء المؤسسات والهياكل المعتادة فى الدولة الحديثة

فطوال عهد القذافى كانت تعانى ليبيا من عدم وجود دولة بالمعنى العصرى للدولة وتعد هذه أهم إشكالية أمام الإخوان وغيرهم هذا على صعيد الدولة أما على صعيد البناء الداخلى للجماعة فلم تتح للجماعات الإسلامية في ليبيا الفرصة للتواصل مع الجماهير على عكس مثيلاتها في مصر وتونس، كما أنها لم تتمكن من بناء هياكل تنظيمية أو مؤسسات فعالة داخل ليبيا؛

إلا أن تجربتها السياسية النسبية، إلى جانب القدرة على نشر رموز الدين والخطابة في مجتمع محافظ، وأوراق اعتماد ثورية قوية توفر لها ميزة على القوى السياسية الأخرى؛ يؤهلها لتحقيق الازدهار في المشهد السياسي الوليد في ليبيا، ويعد حزب العدالة والبناء خطوة فى هذا الاتجاه لتحقيق درجة من الانتشار السياسى والمجتمعى.

الفصل السابع:الإخوان المسلمون والثورة اليمنية

المبحث الأول: نشأة جماعة الإخوان باليمن

قبل الخوض فى دور الإخوان المسلمين بالثورة اليمنية من الأهمية بمكان أن نتعرض لنشأة الإخوان باليمن والتى يمثلها "التجمع اليمني للإصلاح":

كان أول اتصال للإمام البنا باليمن في حفل أقامته جمعية الشبان المسلمين في ذكرى الهجرة سنة 1348هـ الموافق يونيو سنة 1929م بعد المحاضرة التي ألقاها الإمام البنا بعنوان: "ذكرى يوم الهجرة والدعوة الإسلامية وأثرها" ، حيث التقى مع السيد محمد زبارة الحسن اليمني أمير قصر السعيد في صنعاء حينذاك وتحدثا طويلاً عن مصر وعن اليمن، وعن انتشار الإلحادية والإباحية المستشري في ذلك الوقت ووجوب الوقوف أمامه بكل القوى.

ثم توطدت الصداقة بينهما من ذلك العهد، وعرض السيد محمد زبارة على الإمام الشهيد العمل مدرسًا باليمن، ودارت مخاطبات بهذا الخصوص بين الإمام الشهيد وبين سيف الإسلام محمد ابن الإمام يحيى ملك اليمن في ذلك الوقت، لكن الفكرة لم تنفذ للعقبات الرسمية بين الحكومة المصرية والحكومة اليمنية.

وزار السيد محمد زبارة الإمام الشهيد في الإسماعيلية، ومكث معه ثلاثة أيام وشاهد منشآت الإخوان ومؤسساتهم معهد حراء الإسلامي، ومدرسة أمهات المؤمنين، وفرقة الرحلات، ورأى الإخوان في دروسهم ومحاضراتهم ولمس ما تفيض به نفوسهم من حب وإخاء وغيرة على الإسلام والمسلمين، فأعجب بذلك كله أيما إعجاب، واستمرت هذه الصلة بينه وبين الإمام الشهيد والإخوان بعد ذلك قوية ومتينة.

ولقد اهتم الإخوان بالصدام الذي وقع بين الإمامين الإمام يحيي بن حميد إمام اليمن والملك عبدالعزيز آل سعود فعمل الإمام البنا على تهدأت الجو بينهما

وكتب تحت عنوان (إلى الإمامين العربيين) يقول فيه:

بين الملك ابن السعود وبين الإمام يحيى بن حميد الدين خلاف تتراءى أنباؤه الفينة بعد الفينة على صفحات الجرائد، ولسنا نعلم أنباء تهتز لها قلوب العالم الإسلامى إشفاقًا وفَرَقًا أعظم مما تهتز لهذه الأنباء.
إنا نمسك بالجريدة فأول ما تبحث عنه العين ماذا فى جزيرة العرب، أو بين الملكين العربيين، أو الخلاف بين نجد واليمن، أو نحو ذلك من العناوين، فإذا وجدنا تحت العنوان ما يبشر بانفراج الأزمة وانتهاء أمد الخلاف تنفسنا الصعداء وحمدنا الله تعالى، ودعوناه كثيرًا أن يديم الوحدة والولاء بين زعماء المسلمين حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولاً، وإذا رأينا غير ذلك خفقت القلوب واحتبست الأنفاس وتصعدت الدعوات حارة إلى الهر تبارك وتعالى أن يدفع عن الإسلام والعرب بلاء التفرق والخلاف.
ليس ذلك لصلة خاصة بيننا وبين الإمامين العظيمين، وليس ذلك لأننا نرجو مغنمًا شخصيًا من وراء الوحدة، أو نخشى مغرمًا شخصيًا كذلك من وراء الفرقة، ولكن ذلك لإحساسنا بالخطر العظيم الذى تستهدف له الجزيرة قلب الإسلام وقبلة المسلمين، إذا استحكم الخلاف بين إمام الجنوب وبين إمام الشمال.
وعندما عقد مؤتمر فلسطين بلندن وحضره مندوبي الدول العربية وممثلي فلسطين بدعوة من الحكومة البريطانية سنة 1938م، كان يمثل اليمن فيه الأمير سيف الإسلام الحسين وقد مر بالقاهرة بعد عودته من اليابان وفي صحبته القاضي العمري والقاضي الشامي، فاتصل في مروره هذا بالإخوان
وطلب إلى المرشد العام أن يختار له من الإخوان (بهذا الوصف) سكرتيرًا خاصًّا إذ إنه سيكون له من الأعمال الخاصة ما يستدعي كفئًا أمينًا، فقدم له الأخ الأستاذ محمود أبو السعود أحد إخوان المركز العام الذي صحبه في رحلته إلى لندن وباريس، وقام بمهمته خير قيام مما كان له أجمل الأثر في نفس الأمير ، وتوثقت صلته بالإخوان منذ ذلك التاريخ.

ويقول الأستاذ جمعة أمين:

كما استقبل الإخوان في فبراير 1944 السيد حسين الكبسي وزير الأوقاف اليمنية ومبعوث الإمام يحيى بن حميد الدين للاشتراك في مشاورات الوحدة العربية، وقد أقام الإخوان له ولمرافقيه احتفالاً في دارها حضره رجال الصحافة، وممثلو الدول العربية، وأهل الرأي، وقد تحدث إلى الجمع الأستاذ المرشد، والأستاذ أحمد السكري، والأستاذ عبد الحكيم عابدين، والأستاذ الفضيل الورتلاني، وغيرهم، ورد تحيتهم الأستاذ حسين الكبسي
وكانت هذه أول زيارة للسيد الكبسي إلى مصر، وتعرف فيها على الإخوان وانبهر بهم، وكان أشد ما بهره الجانب الاقتصادي لدعوة الإخوان، فتعرف على الحاج محمد سالم الذي كان يشرف على كثير من شركات الأتوبيس والنقل المصرية، ويديرها، فاتفق مع الحاج محمد سالم على وجوب التعاون الاقتصادي من أجل نقل هذه النهضة إلى اليمن.
"وكان الكثير من أبناء اليمن على اختلاف آرائهم وميولهم يتصلون بالمركز العام للإخوان المسلمين في مصر كغيرهم من شباب البلدان العربية والإسلامية الأخرى، فيجد هؤلاء اليمانيون من رجال الإخوان إخلاصًا لدعوة الإسلام وخير العروبة، وعطفًا على اليمن الذي يعزونه ويقدرونه ويشعرون بمدى صلتهم الوثيقة بشعبه وإمامه، فيأنسون بهم ويبثونهم ذات أنفسهم
وكان المركز العام يحرص كل الحرص على توجيه هؤلاء المتحمسين توجيهًا صالحًا إلى الحكمة والموعظة الحسنة، والتمسك بأهداب النظام، والبعد عن كل ما من شأنه المهاجمة والخصومة، مع الحرص على حسن الطاعة للإمام؛ حتى لا تنفر منهم قلوب المخلصين، أو تنقبض عنهم جهود العاملين، أو يفتح الثغرة أمام المستعمرين، وقد كانوا يتقبلون هذا التوجيه بصدر رحب، ويعملون على أساسه في معظم الأحيان".

إلا أن الإخوان قد تأكدوا أن الأوضاع الاجتماعية متردية في اليمن، وأن هناك جمودًا في حكم الإمام يحيى، وأنه بعيد عن حقيقة الشريعة الإسلامية رغم ادعائه بتطبيقها.

وقد نقل الوزير الكبسي والوفد الذي رافقه التقدم الحضاري والاقتصادي الذي رآه في جماعة الإخوان، وما اتفق عليه مع الحاج محمد سالم إلى الإمام يحيى، فأيد الإمام يحيى الفكرة، وفكر كثير من أعضاء الوفد إنشاء شركة مصرية يمنية للتجارة والنقل والمواصلات والمشروعات العمرانية المختلفة برأس مال قدره مليونان من الجنيهات المصرية، يكون معظمها لليمنيين وبعضها للمصريين، وبدأت الفكرة بعد ذلك تدخل حيز التنفيذ في خطوات وئيدة، تسرع حينًا وتبطئ أحيانًا، وهذا ما سنتحدث عنه في الفترة التالية -إن شاء الله.

واستمرت علاقة الإخوان بالإمام يحيى وأبنائه على خير حال، وقد أجرت مجلة الإخوان المسلمين حديثًا مع أحد سيوف الإسلام من أبناء الإمام يحيى أثناء زيارته إلى مصر، وأثنى فيه على الإخوان ومواقفهم، وتمنى لمرشدهم وأعوانه التوفيق والسداد.

وكانت علاقة الإخوان بالشعب اليمني وأبنائه علاقة حميمة، خاصة الذين يقيمون منهم في مصر للدراسة أو لأغراض أخرى، لكن مع ذلك وحتى نهاية الفترة محل الدراسة (1938-1945م) لم يكن لدعوة الإخوان منتسبون يمنيون ظاهرون، فضلاً عن أن يكون للإخوان شعبة في اليمن.

وقد جاء في مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية العدد 207 السنة السادسة 3 رمضان1367هـ الموافق10 يوليو 1948م، قال الأستاذ حسن البنا للرئيس القواتلي:

إن اليمن أمانة في أعناقكم، وخاصة بعد هذا الانقلاب الأخير الذي ذهب ضحيته الإمام الراحل عليه رحمة الله. ذلك الانقلاب الذي أخرجها من عزلتها. وكشف للعالم عن الكثير من أحوالها. فانصحوا لإمامه وسددوا حكومته، وخذوا بأعنة شعبه إلى الحرية والنور والعرفان. وليس بمستصعب على الجامعة العربية أن تحمل هذه الرسالة وتؤدي هذه الأمانة.
ولقد حدثت الثورة في اليمن وقتل على إثرها الإمام يحيي بن حميد على يد حارثه الخاص بسبب سياسته الاستبدادية واتهم فيها الإخوان المسلمين وقد اخرج الإخوان بيانا وضحوا فيه القضية وابعادها وعلاقتهم باليمن والإمام يحيي وابن الوزير، الذي قاد الثورة وتولى الحكم وقد حكم عليه بالاعدام بعد سيطرة أحمد بن الامام يحيي على الحكم مرة أخرى، وبعد ذلك عاد الفضيل الورتلاني وعبد الحكيم عابدين من اليمن بعد تدخل جامعة الدول العربية.
وأثناء فترة الخمسينات وانقسام اليمن نشط القوميين والماركسيين في الجنوب كما لم يكن للتيار الإسلامي وجود منظم في الجنوب أو الشمال، والإخوان المسلمون اكتفوا بالعمل من خلال الواجهات الموجودة على الساحة. فنشط عمر طرموم من خلال "الجمعية الإسلامية" ثم "الرابطة" ثم انصرف إلى العمل التربوي سيما في المعهد الإسلامي (أسسه الشيخ محمد سالم البيحاني عام 1957).

يقول الأستاذ سعيد ثابت سعيد:

يكاد يكون عام 1959م عام ميلاد فكرة العمل الإسلامي المنظم في أوساط الطلاب الدارسين في مصر، ولكن من دون رؤية متكاملة للمنهج والتنظيم والمسار. بمعنى أن ميلاد فكرة العمل الإسلامي المنظم تبلورت في وعي مجموعة طلابية عائدة من قواعد حركة القوميين العرب، والبعث العربي الاشتراكي، أبرزهم عبد المجيد عزيز الزنداني، وعبد السلام العنسي، ومحمد قاسم عون، وعبد الرحمن المجاهد، وذلك عام 1959م.

لكن عام 1961م تحول بعض الطلبة اليمين بعد تفكير من الفكر الماركسي والقومي إلى الفكر الإخواني كان على رأسهم الشيخ عبد المجيد الزنداني، خاصة عندما التقى عبد المجيد الزنداني وعبده محمد المخلافي الطالب في مدينة البعوث الإسلامية، بعد جهد كبير.

وكان لقاؤهما الأول دافعاً للشابين المتحمسين لخدمة الإسلام في التعجيل بإخراج الفكرة إلى حيز الوجود الطلابي، سيما أن شخصيتي الرجلين (الزنداني و المخلافي) كانتا تكملان بعضهما لشخصية قيادية فريدة ومؤثرة وفاعلة .

ويروي الدكتور عبد المجيد الزنداني قوله:

أنه عندما علم بوجود أعداد من الطلاب اليمنيين في مدينة البعوث الإسلامية التابعة للأزهر بالقاهرة ، قرر زيارتهم والعمل على استقطاب عناصر منهم إلى صف مجموعة الحياد. و في نهاية كانون ثاني (يناير)1961م قابل علي أحمد سعيد المخلافي، أحد الطلاب اليمنيين الدارسين في الأزهر، وطلب منه جمع زملائه للتعرف عليهم

ولما اجتمع عدد منهم ألقى على مسامعهم كلمة تضمنت دعوتهم للم شملهم والاهتمام بالواجبات الإسلامية كزاد للطالب الحريص على مصلحته ومصلحة وطنه، غير أن القوميين العرب عملوا على تفريق هذه الجبهة الإسلامية، ولما تغلبت الجبهة على الخلافات، وتصافى الزملاء فيما بينهم، كوَّنَّا مجلساً مؤلفاً من مجموع رؤساء الأسر.

غير أن الزنداني واربعة من زملائه تعرضوا للمضايقات من حكومة اليمن بسبب توجههم الإسلامي والذي يخالف توجه الدولة الماركسي فقطعت عنهم رواتهم. التقت نخبة من طلاب "كتلة العمل الطلابي"، من بينهم: عبد المجيد الزنداني، وعبده محمد المخلافي، وعبد اللطيف الشيباني، وآخرون، في منزل أحمد الويسي مطلع عام 1962 وحضر الشهيد الزبيري اللقاء، وفاتحوه بأمرهم وعرضوا عليه قيادة نشاطهم.

كان الطلاب الستة الذين التقوا في الشقة السكنية في حي "الهرم" في مصر، يدركون جيداً أنهم بصدد إخراج فكرة تأسيس النواة الحركية إلى حيز الواقع الطلابي، فقد أعدوا لأنفسهم "قسم العمل" وتعاهدوا على الالتزام بنصه ولم يكن الزبيري غريباً عن مدرسة الإخوان المسلمين، فالرجل ارتبط روحياً وفكرياً وعضوياً بها منذ لقائه الأول بالشهيد البنا، وظل يحتفظ بمشاعر ود وتقدير وإكبار لرموزها وقادتها.

شارك الطلاب الإسلاميون اليمنيون، في ظل تلك الأجواء الملبدة والخانقة لأي صوت إسلامي حركي، في أول انتخابات طلابية توطئة لتأسيس رابطة طلاب اليمن الطبيعية، وهم يدركون محدودية وجودهم وضعف بنائهم التنظيمي، إذ أنهم في ذات الفترة هذه بدأوا العمل على تأسيس النواة الحركية الإسلامية من داخل مجموعة الحياد.

أثر اتفاق النخبة الطلابية الإسلامية الأولى على العمل الإسلامي في إطار "كتلة العمل الطلابي"، وتحت غطاء "الحياد بين الأحزاب" ارتفعت أصوات حزبية كانت هامسة، تتهمها بمعاداة النظام المصري، وتطلق على أفرادها عبارات تشهيرية وتحريضية مثل "الرجعيون" و"الإخوان المسلمين". وتنامت مشاعر القلق لدى بقية القطاعات الطلابية الحزبية جراء تزايد عدد الطلاب الرافعين للافتة الحياد بين الأحزاب إلى نحو 30 طالباً.

و ظل الطلاب الإسلاميون يمارسون نشاطهم العلني تحت غطاء مجموعة "الحياد بين الأحزاب" منذ قرارهم خوض انتخابات رابطة طلبة اليمن الطبيعية في أيلول(سبتمبر) 1961، كتعبير عن تميزهم الفكري والسياسي عن بقية التيارات الطلابية اليمنية الملتزمة بالأحزاب القومية.

ومن ذلك التاريخ وقد سار هؤلاء الطلبة على نشر دعوتهم داخل المجتمع اليمني خاصة انه مجتمع يتميز بالقبيلية ولقد اشتهر الشيخ عبد المجيد الزنداني في علم الطب وبرع فيه، وما زالت الحركة لها عطاءها داخل هذا المجتمع. والإخوان المسلمين في اليمن حاليا هم ما يعرف بالتجمع اليمني للإصلاح، والذي أنشأ في(13 سبتمبر 1990م) كامتداد لحركة الإخوان وتم افتتاح مقره الرئيسي في (3/1/1991م).

ولقد شارك الإصلاح في الإنتخابات النيابية عام (1993م) و (1997م) و(2003م) وفاز بالموقع الثاني في كل الانتخابات. كما شارك في كل الانتخابات المحلية الماضية وشارك مع المشترك في الإنتخابات الرئاسية لعام 2006 م بانتخاب المهندس فيصل بن شملان ، الذي حصل على الترتيب الثاني.

كما شارك الإصلاح في حكومة ائتلافية ثلاثية بين (المؤتمر، والإصلاح ، والاشتراكي) ثم في حكومة ائتلافية ثنائية بين (المؤتمر والإصلاح) ما بين عام (19921997م) (119)

المبحث الثانى: الإخوان المسلمون وعلى عبدالله صالح من التعاون إلى المواجهة

بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م عاد الشباب اليمني الذي كان يدرس في مصر بمختلف مشاربه الفكرية للمشاركة في بناء الجمهورية الوليدة إلا أن الاختلافات الفكرية والسياسية السائدة آنذاك بين الضباط الأحرار والقيادة السياسية الجديدة للدولة والشخصيات الاجتماعية والطلاب بالإضافة إلى الحرب المسلحة بين الجمهوريين والملكيين ساهمت في تأجيج الصراعات الداخلية وظهور التيارات الفكرية التي كان كل تيار منها يحاول السيطرة على دفة القيادة وإضفاء نكهته على المعطيات الجديدة للثورة اليمنية

مما أسفر عن أجواء مرتبكة سادها التوتر والحذر وسوء الظن الأمر الذي استلزم عقد مؤتمر الجند عام 1966م لتنقية هذه الأجواء بين الصف الجمهوري الواحد وقد حضر هذا المؤتمر المشايخ والأعيان والمسؤولون وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية المشير عبدالله السلال .

وقد شارك الإخوان المسلمين في هذا المؤتمر من خلال عبده محمد المخلافي المرشد الأول لجماعة الإخوان التي كانت قد بدأت في العام 1965م في مشروعين اثنين أولهما نشر فكرة الجماعة في أوساط المجتمع وتوسيع القاعدة التنظيمية لهم أما المشروع الثاني فكان "أسلمة الثورة" من خلال محاربة التيارات التي وصفها عبدالملك الشيباني في كتابه (عبده محمد المخلافي شهيد القرآن) بالتيارات الإلحادية التي كانت تستهدف إنكار وجود الله تعالى وسب الدعاة إلى الله وتشويهم صورتهم وسمعتهم .

واصلت جماعة الإخوان أنشطتها الدعوية والاجتماعية خلال الجمهوريتين الأولى والثانية إلا أن وصول العقيد إبراهيم الحمدي إلى سدة الحكم في يونيو 1974م مع مشروعه التصحيحي كان فرصة ذهبية للإخوان خاصة أن الحمدي اختارهم في البداية لينشر من خلالهم صيته للجماهير اليمنية وليثًبت دعائم دولته التي لم يجد المشايخ والقبائل مكانا لهم فيها.

ويشير د . عبدالولي الشميري في كتابه (ألف ساعة حرب) إلى أن الرئيس الحمدي وطَد علاقته بالعلماء وأصحاب المنابر والأقلام ورفع شعار الحفاظ على الدين , فأنشأ مكتبا للتوجيه والإرشاد الإسلامي وجعل على رأسه الشيخ عبد المجيد الزنداني كما أسس الهيئة العلمية اليمنية التي كان هيكلها الإداري من تنظيم جماعة الإخوان بنسبة 100% .

ويضيف الشميري بأن الإخوان خيبوا آمال الحمدي في القيام بالدور الإعلامي اللازم من خلال الإشادة بشخصه وبسياسته التي أغضبت مراكز النفوذ الاجتماعي والقبلي والمتمثلة في إلغاء مجلس الشورى وتعليق الدستور الدائم للبلاد وعزل الشخصيات الاجتماعية الكبيرة ذات النفوذ القبلي والعسكري .

عجز الرئيس إبراهيم الحمدي في احتواء جماعة الإخوان المسلمين كما عجزت الجماعة في احتوائه لهذا بحث عن تيار آخر فلم يجد غير الناصريين الذين وجدوا أنفسهم بين عيشة وضحاها على بوابة القصر الجمهوري .

في أكتوبر 1977م لقي الرئيس الحمدي مع أخيه عبدالله مصرعهما في ظروف غامضة وقبل يوم واحد من السفر إلى عدن لترتيب أوضاع الوحدة بين شطري اليمن وأُعلن في صنعاء عن اختيار المقدم أحمد حسين الغشمي رئيسا للبلاد لفترة لم تتجاوز التسعة الأشهر إذ لقي مصرعه في تفجير انتحاري بمكتبه في 24 يونيو 1978م .

تسلم الرائد علي عبدالله صالح قائد لواء تعز مقاليد الحكم في البلاد في 17 يوليو 1978م وكان صالح أحد الشخصيات العسكرية البارزة في محاربة المد الماركسي القادم من جنوب البلاد لهذا فقد أنشأ الرئيس الجديد تحالفا مع حركة الإخوان المسلمين التي كانت تسعى بدورها للتصدي للأيدلوجية الماركسية التي كانت السبب الرئيسي لإنشاء تحالف استراتيجي بين علي عبدالله صالح وجماعة الإخوان المسلمين استمر لما يقرب من ربع قرن ولم يسقط إلا بسقوط برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك في سبتمبر 2001م .

في مطلع الثمانينيات خاض الرئيس علي عبدالله صالح بالتحالف مع الإخوان المسلمين مواجهات عسكرية ضارية ضد المعارضة الماركسية المسلحة، وحقق نجاحًا ملموسًا أسهم في إنقاذ النظام الحاكم، الذي كان يعاني حالة ضعف شديدة آنذاك.

وقد سعى الرئيس صالح إلى توحيد الساحة السياسية في الشمال والتي كانت تعاني من تعدد الجماعات السياسية والفكرية والتي كانت تعمل "تحت الطاولة" فأصدر في عام 1981 قرارا بتشكيل لجنة الحوار الوطني برئاسة المناضل حسين المقدمي وقد شكل الإخوان المسلمين 25 % من أعضاء الجنة .

قامت اللجنة بصياغة الميثاق الوطني الذي خرج بصيغة وافق عليها الإخوان خاصة وأن القيادي البارز والسابق عبدالملك منصور كان له بصمات واضحة في الصياغة. وفيما كان الرئيس علي عبدالله صالح مشغول بتثبيت حكمه وترتيب البيت اليمني الداخلي وإطلاق عجلة التنمية من خلال المجالس المحلية التي شكلت ظاهرة فريدة من نوعها حقق الإخوان توسعا كبير في مناطق عموم الجمهورية من خلال نشر المعاهد العلمية التي تزايد عدد المنتسبين إلى صفوفها، وترافق مع انتشارها توسع في عدد مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وإنشاء معاهد خاصة بالفتيات.

وبحلول عام 1985 أصبحت المعاهد العلمية مؤسسة تعليمية موجودة في عموم محافظات شمال اليمن لكن حجم الضغوط تزايد على الرئيس من القوى الماركسية واليسارية والقومية العلمانية، لتحجيم قوة المعاهد وتقليص عملية انتشارها، بعد أن أحست تلك القوى أن المعاهد تشكل مخزونًا تربويًّا يمكّن من مواجهة تيارات التغريب في البلاد.

ويشير الكاتب الصحفي سعيد ثابت سعيد إلى أن الرغبة في إلغاء المعاهد العلمية ظهرت

" لا سيما بعد أن نجحت الحكومة في استئصال قوات المعارضة اليسارية المسلحة ودحرها، بالتحالف مع أبناء الحركة الإسلامية، من المناطق التي كانت تسيطر عليها، وذلك مع تنامي شعور الحكومة باستغنائها عن الحركة الإسلامية، فشكلت المجلس الأعلى للمناهج، برئاسة الدكتور حسين عبد الله العمري وزير التربية والتعليم السابق ".

إلا أن أحداث يناير الدموية عام 1986م في جنوب اليمن دفعت الرئيس صالح إلى التأكيد على أهمية المعاهد العلمية وقال في خطاب له في معهد معاذ بن جبل العلمي بمدينة تعز في 17 يناير 1986، " أن المعاهد العلمية جزء لا يتجزأ من حقول التربية والتعليم " ، منوها إلى أن جيل التربية والتعليم هو جيل واحد، سواء كان في المعاهد العلمية، أو في معاهد المعلمين، أو في الجامعة، أو في أي حقل من حقول التعليم.

بدء الصدام بين الإخوان وعلى عبدالله صالح

فرقت الوحدة اليمنية التي أعلنت في 22 مايو 1990م بين الإخوان المسلمين وحليفهم الاستراتيجي الرئيس علي عبدالله صالح حيث أصر قادة الحركة الإسلامية الأولى في اليمن على الخروج من المؤتمر الشعبي العام وإعلان حزب التجمع اليمني للإصلاح في 13 سبتمبر 1990م ليحضى الشريك الأساسي في الدولة الجديدة الحزب الاشتراكي اليمني بكل اهتمام ورعاية الرئيس صالح .

وخاض الإسلاميون صراعا مريرا مع حزبي المؤتمر والاشتراكي من أجل تعديل الدستور الجديد الذي وصفه الإخوان بأنه علماني وقد مارس الاشتراكي ضغوطه على الرئيس صالح من أجل عدم تعديل الدستور مشترطين استمرار الوحدة اليمنية بعدم المساس بالدستور ما جعل الرئيس صالح يخوض حملة مضادة لحملة الإخوان المسلمين التي وصلت إلى أرياف ومدن اليمن بأكمله لإقناع الشعب بمعارضة الدستور .

وقد انتهت معركة الدستور بين الطرفين باستفتاء شعبي أصاب الحركة الإسلامية في اليمن بخيبة أملة كبيرة خاصة أن نسبة الموافقين على الدستور بلغت أكثر من 98% من إجمالي الذين شاركوا في الاستفتاء .

كما شدد الحزب الاشتراكي من ضغوطه من أجل إلغاء المعاهد العلمية وهو مطلبه القديم ، باعتبارها إحدى المؤسسات، التي ساهمت في إجهاض مشروعه اليساري في شمال اليمن. وبالفعل تحالف أعضاء الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي في مجلس النواب إبان الفترة الانتقالية، التي أدارها الحزبان، لإصدار قانون التعليم، الذي ينص على دمج ميزانية المعاهد العلمية في ميزانية التربية والتعليم، وذلك عام 1992.

ومع إجراء أول انتخابات نيابية في 27 أبريل 1993م تشكل واقعا سياسيا جديدا في اليمن تمثل في دخول الحليف الإسلامي للرئيس علي عبدالله صالح معترك العمل السياسي وبالرغم من حصول الإخوان المسلمين على النصيب الثاني في عدد مقاعد البرلمان بـ 63 بعد حزب المؤتمر الشعبي العام الذي حصل على 120 مقعد وقبل الحزب الاشتراكي الذي حصل على 56 مقعدا

إلا أن الواقع السياسي المتأزم في البلاد بسبب التقاسم الفعلى بين المؤتمر والاشتراكي لكل مؤسسات الدولة إضافة إلى التوازن العسكري بينهما فرض على الإسلاميين التنازل عن المركز الثاني لصالح الاشتراكيين وبالفعل كان نصيب الإصلاح عضوية مجلس الرئاسة ورئاسة مجلس النواب ونيابة مجلس الوزراء .

وشكلت حرب الانفصال التي اندلعت في صيف 1994م فرصة ذهبية للإخوان المسلمين في تقوية علاقتهم بالرئيس صالح والتي تأثرت خلال أربع سنوات ماضية بسبب الحزب الاشتراكي فشاركوا بفاعلية في الحرب التي انتهت بانتصار دولة الوحدة ليشكل الإصلاح بعد ذلك مع حزب المؤتمر في حكومة ائتلافية استمرت حتى عام 1997م .

وقد كان للإصلاح بصماته الواضحة في تلك الفترة كما كان له دور واضح في استعادة جزيرة حنيش وتسوية الحدود السعودية اليمنية عبر مسئول العلاقات السياسية الدولية بجماعة الإخوان المسلمين يوسف ندا كما جاء في شهادته بقناة الجزيرة .

أسفرت الانتخابات النيابية التي جرت في أبريل 1997م على اكتساح حزب الرئيس صالح البرلمان بـ 223 عضوا وحصول الإخوان المسلمين على 64 مقعدا فقط ليتراجع الإصلاح إلى صفوف المعارضة مرة أخرى ولتبدأ مرحلة جديدة في العلاقة بين الرئيس والإخوان لم يشهدها الطرفان من قبل حيث عمد الرئيس صالح بعد انتخابات 97م إلى تحجيم جماعة الإخوان المسلمين في اليمن عن طريق تجفيف منابع هذه الجماعة سواء في المساجد أو المعاهد العلمية التي كان لا بد للرئيس صالح من إلغائها حتى يضمن عدم انتشارها بصورة أكبر ..

وخلال الفترة ما بين انتخابات 97 البرلمانية وانتخابات 99 الرئاسية التي رشح فيها الإخوان المسلمين الرئيس علي عبدالله صالح رئيسا للبلاد استمرت الحرب الباردة بين صالح والإخوان إلا أنها لم تتطور إلى حد الاتهامات كون الورقة الأهم في علاقة الطرفين ما زالت قائمة وهي المعاهد العلمية التي استخدمها صالح كثيرا في إرعاب جماعة الإخوان .. وفي مايو 2002 أعلنت الحكومة وضع المعاهد العلمية ماليا وإداريا تحت إشرافها، وإدماج ميزانياتها في ميزانية وزارة التعليم اعتبارا من يونيو 2002.

وبحسب مراقبين دوليين ومحليين فإن هذا القرار يأتي نتيجة لاعتقاد الرئيس صالح تحرره من الحاجة إلى حلفائه التاريخيين الممثلين في جماعة الإخوان المسلمين ، وبعد أن طرأت متغيرات جديدة مرتبط باليمن سواء على الصعيد الداخلي والخارجي مما دعاه إلى إعادة النظر في خريطة التحالفات وترتيب الأوراق لتستقيم مع متطلبات قيادة الدولة في المرحلة القادمة .

ويعد قرار إلغاء المعاهد العلمية الذي أثار كثيرا من الجدل داخليا وخارجيا رصاصة الرحمة بين جماعة الإخوان والرئيس صالح خاصة أنه جاء بعد العديد من الإجراءات التي انتهجتها الحكومة من أجل وقف الزحف الإسلامي ..

كما أغلقت الحكومة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 جامعة "الإيمان" مؤقتا، وطلبت من مؤسسها ورئيسها الشيخ عبد المجيد الزنداني ترحيل 500 طالب من الأجانب الذين يدرسون فيها؛ تجنبا لأي شبهة تلحق بها في إطار مكافحة الإرهاب.

وجاءت هذه الإجراءات من الجانب الحكومي بعد أن وقع الرئيس علي عبد الله صالح أثناء زيارة له لواشنطن في نوفمبر2001 اتفاقًا للتعاون الأمني مع الولايات المتحدة، وبموجبه قامت صنعاء بتعقب عناصر يمنية إسلامية (120)

المبحث الثالث: الإخوان المسلمون ويوميات الثورة اليمنية

انطلقت الثورة الشعبية اليمنية فى 3 فبراير وأشتعلت يوم الجمعة 11 فبراير عام 2011 م الذي أطلق عليه اسم "جمعة الغضب" (وهو يوم سقوط نظام حسني مبارك في مصر) متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011 م وبخاصة الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي وثورة 25 يناير المصرية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك ، أستمرت ثورة الشباب فعلياً حتى انتخاب عبد ربه منصور هادي رئيساً للبلاد في فبراير 2012

ولكن ظلت الإعتصامات والمظاهرات تقام من فترة لأخرى حتى قيام الرئيس هادي يتفكيك شبكة إقارب صالح من الجيش والمناصب العليا ضمن خطوات إعادة هيكلة الجيش اليمني وفي يوم 18 أبريل 2013 رفعت آخر الخيام من ساحة التغيير بصنعاء وأعلنت تنظيمية الثورة تعليق الإعتصامات والمظاهرات لأول مرة منذ فبراير 2011 .

وتمثلت مشاركة الإخوان المسلمين]] فى تلك الثورة بمظاهر عدة أهمها: المشاركة مع القوى السياسية المختلفة من خلال اللقاء المشترك، المشاركة بفعالية من خلال هيئة علماء اليمن بقيادة الشيخ عبد المجيد الزنداني، المشاركة من خلال فعاليات الشباب المختلفة

أولاً: اللقاء المشترك .. خطوة للمواجهة

مثل تجمع اللقاء المشترك أحد الخطوات المهمة لمواجهة نظام على عبدالله صالح، ففى فبراير 2003 دشن التجمع اليمني للإصلاح "الإخوان المسلمون باليمن" تكتل أحزاب اللقاء المشترك وهو تكتل لأحزاب المعارضة الرئيسة في اليمن، وقد تم تأسيسه في 6 فبراير - شباط 2003 م.

يضم هذا التكتل كلا من:

حزب التجمع اليمني للإصلاح، الحزب الاشتراكي اليمني، حزب الحق، التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، حزب البعث العربي الاشتراكي القومي، التنظيم السبتمبري الديمقراطي، اتحاد القوي الشعبية اليمنية.

ويشكل اللقاء المشترك تطويراً لتكتل أحزاب المعارضة اليمنية، فهو ليس سوى انضمام حزب التجمع اليمني للإصلاح والتنظيم السبتمبري الديمقراطي إلى ما كان يعرف بـ "مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة" المؤسس عام 1999 م والذي كان يضم الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري و حزب البعث العربي الاشتراكي القومي وحزب الحق و اتحاد القوي الشعبية اليمنية. وكان الهدف من إنشاء تكتل اللقاء المشترك هو الوقوف أمام نفوذ حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم.

وتعد تجربة أحزاب المشترك من أندر وأروع التجارب السياسية فى العالم العربى على الإطلاق، وذلك لأسباب عدة أولها جمعها بين مختلفى الأيدلوجيا والمذاهب، وثانياً أن كل تجارب التقارب بين أحزاب العمل السياسيى فى العالم العربى لم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، ولهذا تأتى تجربة أحزاب المشترك اليمنية

نجحت خطوة التنسيق بين تكتل اللقاء المشترك فى انتخابات 2003 البرلمانية التى أعادت الحزب الاشتراكى لواجهة المشهد السياسى بفضل دخوله فى تلك الانتخابات وحصوله على بعض المقاعد النيباية، وإن كانت معظمها فى المحافظات الجنوبية، ولوحظ فى تلك الانتخابات بروز ظاهرة التنسيق وخاصة بين مرشحى الاشتراكى والإصلاح.

لكن الدور الكبير والمحورى لعملية التنسيق تلك، تمثل بعد ذلك فى أهم خطوة سياسية على المستوى الوطنى لتلك الأحزاب من خلال وثيقة الإنقاذ الوطنى، التى أعلن عنها من قبل أحزاب اللقاء المشترك فى عام 2005م، تلك الوثيقة الهامة خطوة كبيرة فى مسيرة توحيد جهود قوى المعارضة فى إطار مواجهة مشروع التوريث العائلى والأسرى الحاكم.

لكن الخطوة الأهم بعد ذلك - بالنسبة لأحزاب المشترك- تمثلت فى مواجهة الاستحقاق الانتخابى الرئاسى 2006م بمرشح وحيد لجميع تلك الأحزاب، وذلك من خلال ترشيح المهندس فيصل بن شملان كمرشح إجماع وطنى، لمنافسة مرشح حزب صالح وأحزاب ماعرف بمجلس تنسيق أحزاب المعارضة، التى كانت تمثل الأحزاب المستنسخة والمنشقة عن أحزابها التى عرفت بأحزاب التحالف الوطنى الديمقراطى.

وبالفعل مثلت تلك الخطوة خطوة متقدمة وهامة فى مواجهة سلطة الفرد الحاكم، وشكلت تحدياً كبيراً لصالح الذى لجأ إلى خلط الأوراق من خلال الحديث عن فزاعة القاعدة التى ستحكم اليمن إذا لم يتم إعادة انتخابة. تعاظم دور أحزاب المشترك بعد تلك الانتخابات بشكل كبير، وصل إلى حد تشكيل تكتل سياسى عصى على الترويض والشق والتفريخ، وهو ماحدا بهذه الأحزاب إلى أن تقدم على خطوات لاحقة من خلال تعزيز لحمة ذلك التحالف.

ولقد كانت الفترة اللاحقة لإعلان ذلك المشروع أى من 2005وحتى 2011م عام الربيع العربى كانت تلك الفترة بمثابة أشد مراحل تعقيدات الأزمة السياسية فى اليمن حيث بلغت ذروتها فى فبراير فى فبراير 2009م حينها تم الاتفقا بين أحزاب المشترك والحزب الحاكم على تأجيل الانتخابات لمدة عامين، والدخول فى عملية حوار دائم بين الطرفين للاتفاق على جملة قضايا هامة كإصلاح النظام السياسى والنظام الانتخابى بتبنى القائمة النسبية وعدد من القضايا الرئيسية كقضية الاقتصاد والعدالة الاجتماعية وغيرها.

لكن أياً من ذلك لم يتم أبداً، كون صالح كان يعمد فى كل مراحله الحرجة إلى الدعوة إلى حوارات لاهدف منها لديه سوى كسب المزيد من الوقت وإعادة ترتيب أوراقه السياسية المبعثرة.

ويرصد التقرير الاستراتيجى اليمنى تأسيس اللقاء المشترك فيقول:

رغم أن إعلان ولادة تكتل "اللقاء المشترك" لأحزاب المعارضة شكل نقطة تحول مفصلية على صعيد الحراك السياسي في اليمن، ومحطة تحول لها تأثيرها العميق والقوي على صعيد الصراع بين الحكم والمعارضة

وبالرغم من أن تكتل "اللقاء المشترك" لقي ترحيباً من أطراف دولية مهتمة بالشأن اليمني ، إلا أن صالح راهن مجدداً على فشل أحزاب "اللقاء المشترك" في التوافق فيما بينها معتمداً بعض الرؤى القاصرة في الحزب الحاكم، والتي كانت تستند على خلفية موروث هائل من العداء "الأيدلوجي" بين الإسلاميين، والتيارات اليسارية والقومية، و"الليبرالية" المجتمعة في تحالف المعارضة..

في حين تجاهل أراء كانت تميل إلى إنه يتوجب على الحزب الحاكم " المؤتمر الشعبي العام" إعادة ترتيب تحالفاته بالانفتاح على الحزب الاشتراكي اليمني، والقوى السياسية اليسارية والقومية و"الليبرالية" من خلال تبني مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة يتم طرحه على مائدة حوار مستديرة ومفتوحة وشاملة..

لم يكن الرئيس السابق مستعداً الاعتراف بوجود اختلالات، وتفشي الفساد، وضعف الدولة في بسط نفوها على كامل الأرض اليمنية، وغياب سيادة القانون، في منظومة حكمه، ولم يكن حزب "المؤتمر" مؤهلاً القيام بهذا الدور في ضوء تعدد التيارات في مكوناته، وتباين مصالح مراكز النفوذ في تركيبته التنظيمية، وتراتبية قياداته

بالإضافة إلى خضوعه المطلق لمزاج الرئيس صالح وتوجهاته، والتي أسهمت في عدم ضبط إيقاع خطابه السياسي مع خطابه الإعلامي، وأدائه الجماهيري، وبالتالي بدا "المؤتمر" في السنوات الأخيرة مرتبكاً، وغير مقنع لجماهيره في مواجهة مشروع خصومه في تكتل أحزاب "اللقاء المشترك" الهادف إلى تعرية أخطاء الحكم وإخفاقاته في إدارة شئون البلد، وفشله في تنفيذ برنامج الإصلاحات الشاملة

ورفض الحوار مع أحزاب المعارضة حول الإصلاحات الدستورية التي تحقق مبدأ التداول السلمي للسلطة، وتحول دون منح الرئيس صالح حق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولايته الأخيرة التي تنتهي في (أيلول) سبتمبر 2013 ، وتشدد على تحديد حق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية لدورتين انتخابيتين

وعدم توريث الحكم لنجله أو أحد من أقاربه، وتعديل قانون الانتخابات العامة بما يضمن نزاهتها وشفافيتها وتكافؤ الفرص لكل الأحزاب في التنافس على أصوات الناخبين والامتثال لنتائجها، وعدم تسخير إمكانيات الدولة ومواردها لمصلحة طرف على حساب الأطراف الأخرى (121)

وخلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وقبل سنوات على اندلاع ثورات "الربيع العربي" كان اليمن يشهد احتجاجات، وتظاهرات نجحت أحزاب المعارضة في تنظيمها لمزيد من الضغط على النظام، وباتت تلك الفعاليات الجماهيرية المزعجة للنظام والمرهقة لأجهزة الأمن شبه دورية في العاصمة صنعاء وعواصم معظم المحافظات

ثم ما لبثت أن تحولت إلى مطالب أميركية ودولية مباشرة للرئيس صالح بأن عليه استيعاب مطالب قوى المعارضة والانفتاح على معارضيه، وتحقيق خطوات ملموسة وعملية لإحداث تغيير ديمقراطي، وإصلاحات سياسية شاملة تستوعب مطالب المعارضة، وتبعد الدولة اليمنية عن شبح السقوط في هاوية الدول الفاشلة..

وكلما تزايدت حدة الاحتجاجات في الداخل كان حزب "المؤتمر" يحاول مواجهتها بخطاب سياسي، وإعلامي متشدد، في حين كلما تزايدت الضغوط الخارجية على الرئيس صالح يضطر إلى تقديم تنازلات، تضعف موقف المؤتمر، وتكون معارضة الداخل تجاوزتها ورفعت سقفها.

اللقاء المشترك فى ركب الثورة

بدلاً من أن تعقد أحزاب المشترك وحلفاءها مؤتمرهم الوطنى الأول الذى كانت قد أعلنت عنه منذ شهر مايو 2009م حيث كان لقاؤها التشاورى الوطنى الأول، الذى تمخض عنه تشكيل اللجنة التحضيرية للحوار الوطنى الذى كان من المقرر أن تٌعد لانعقاد مؤتمر الحوار الوطنى فى منتصف عام 2011

لكن ذلك لم يتم بفعل انطلاق ثورتى الربيع العربى فى تونس "يناير" ومصر "فبراير" وبفعل ثورة الشباب اليمنى المستلهمة من ثورات ربيعية أخرى، حيث سارعت كوادر أحزاب اللقاء المشترك إلى النزول إلى الشوارع وخاصة فى مدينة تعز 11/2/2011.

وبنزول الشباب إلى الميادين والمساحات والشوارع وخاصة الحزبيين وكذا منظمات مجتمع مدنى ومستقلين، قرر المشترك النزول ورمى كل بيضه فى سلة الثورة الشبابية السلمية وهو مادشن مرحلة الثورة الربيعية من قبل هذه الأحزاب المعارضة، التى ماكانت تتخيل أن تحصل ثورة بذلك الشكل والحجم والشعبية.

أحزاب المشترك ناضلت نضالاً سياسياً وسلمياً ومدنياً طويلاً مؤمنة أن يتم الإصلاح السياسى من خلال الانتخابات لكنها كانت تزور بشكل واسع وكبير فكانت ثورة الشباب هى المخرج لهذه الأحزاب من كابوسية الثورة الفوضوية المسلحة التى كان يخاف المشترك وقوعها.

خوف المشترك من تطورات مشهد الثورة إلى حرب أهلية كما كان يخطط صالح، كان هو الدافع الأكبر لهذه الأحزاب للقبول بالحلول السياسية التى لجأت إليها أحزاب المشترك عقب ما عٌرف بجمعة الكرامة 18-3-2011 التى سقط فيها أكثر من خمسين شهيداً.

المشترك والمبادرة الخليجية

انخرطت أحزاب اللقاء المشترك فى تفاوض سياسى معقد بعد أحداث جمعة الكرامة، وانضمام الجنرال على محسن وعدد من القادة العسكريين لدعم ومساندة الثورة الشبابية الشعبية السلمية، فقد تبدى الخيار السياسى لدى تلك الأحزاب خياراً استراتيجياً كبيراً حيث رأت إستحالة إسقاط النظام بثورة مظاهرات سلمية

نظراً لما يتمتع به النظام من قوى وترسانة عسكرية هائلة لاتزال تحت إمرة أفراد أسرة الرئيس، هذا بالإضافة إلى مايمكن أن يخلفه أى حسم عسكرى من تداعيات خطيرة على المشهد اليمنى القبلى المسلح، الذى قد يؤدى به القتال إلى دوامة عنف أعمى قد يؤدى باليمن إلى صومال آخر على ضفة خليج عدن الشمالية، وكذا ماقد يؤدى إليه الأمر من خسران اليمن لوحدته وأمنه وإستقراره.

كانت المبادرة الخليجية بصيغها المتعددة، هى خيار مُر جرت بعده أحزاب المشترك بقوة كخيار تدرك أهميته فى تجنيب اليمن ويلات الدمار والاقتتال، والحرب الأهلية المعد لها بعناية من قبل صالح وأجهزته الأمنية والعسكرية وهو ما تأكد من خلال عدم توقيع صالح على المبادرة الخليجية لأكثر من مرة رغم أنه كتبها بيده وأوصلها السفير الأمريكى إلى الخليجين لتعديلها وتطويرها.

ومن خلال تطورات المشهد السياسى اليمنى المتعلق بفشل مشروع الاقتتال الأهلى والطائفى والمناطقى الذى كان صالح يحذر منه ويعمل لإشعاله، فضلاً عن إنكشاف لعبة فزاعة القاعدة للمجتمع الدولى والمحلى، بدا أن المبادرة الخليجية على علاتها كان فيها شئ إيجابى واحد، وهو تجنيب اليمن الاقتتال الأهلى والطائفى (122)

وفي هذا السياق لابد من التأكيد على أن حزب "التجمع اليمني للإصلاح" لعب الدور الرئيس في تحريك الاحتجاجات الشعبية، وحشد المعتصمين في ساحات وميادين العاصمة والمحافظات الأخرى بمن فيها المحافظات الجنوبية ضد نظام الرئيس صالح

ونجح في طمأنة حلفائه في تكتل "اللقاء المشترك" والحفاظ على تماسك التحالف أمام محاولات "النظام" تفكيكه وزعزعة الثقة بين أطرافه، واستفاد من تنوع المحتشدين في ساحات الاعتصام بحيث لا يبدو الصراع بين النظام، والإسلاميين على السلطة والنفوذ والثروة

وحتى لا يطغى حضور "الإسلاميين" على واجهة الفعاليات المناهضة للنظام على التيارات السياسية، والشرائح المجتمعية، والمنظمات الحقوقية، ومؤسسات المجتمع المدني، وتمكن من توظيف نفوذه القبلي في استقطاب الوجاهات القبلية إلى صفوف "الثورة"

والحد من مخاطر استعانة الرئيس صالح، والحزب الحاكم بالقبائل الحليفة لإجهاض مشروع "إسقاط النظام" مستفيداً من تجربة سنوات تحالفه مع صالح و"المؤتمر الشعبي العام" ولم يتردد "الإصلاح" في الاستفادة من نفوذ أنصاره وقياداته على منابر المساجد لحض الناس على "إسقاط النظام" وشرعنة سقوط شرعيته برفضه الإذعان لمطالب شعبه، واستخدام القوة في قمع المتظاهرين السلميين، والدفع بمسلحيه من شبابه، ورجال القبائل الموالين له لمحاصرة معسكرات وحدات الجيش الموالية للرئيس صالح

وخوض مواجهات للسيطرة عليها بحجة منعها من تنفيذ عمليات قتل المعتصمين في الساحات، وإجهاض "الثورة" السلمية، خصوصاً بعد إعلان القائد العسكري البارز اللواء ركن علي محسن صالح الأحمر قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية، قائد الفرقة الأولى مدرع، في أواخر مارس الانشقاق عن الرئيس صالح وتأييد "الثورة السلمية" والانضمام إلى مطالب الشعب المشروعة في التغيير

وتسخير إمكانيات وقدرات القوات العسكرية التي يرأسها، والوحدات التي أيد قادتها موقفه لحماية المعتصمين والمتظاهرين، بعد أيام قليلة على مجزرة "جمعة الكرامة" في ساحة التغيير بصنعاء، حيث شكل موقف اللواء الأحمر (وهو كان الذراع العسكري القوي للرئيس صالح في المؤسسة العسكرية) تحولاً كبيراً في معطيات وتطورات الأزمة الراهنة، وأسهم في بدء العد التنازلي لسقوط النظام أو تنحي صالح عن الحكم.

ورغم أن حلفاء "الإصلاح" في تكتل "اللقاء المشترك" يعتقدون بما ذهبت إليه اتهامات الحزب الحاكم، بأن اللواء الأحمر ينتمي بشكل أو بآخر إلى حزب "الإصلاح" ولديه علاقة تحالف "إستراتيجي" مع تيار "الإسلام السياسي" ..

إلا أن قادة "الإصلاح" نجحوا في إقناع حلفائهم بأن انضمام اللواء الأحمر ومعه العشرات من القادة العسكريين، ووحدات الجيش إلى "الثورة" ضد نظام صالح يصب في مصلحة الهدف المشترك لأحزاب وقوى المعارضة، ويقلص من عمر النظام، وليس بالضرورة اعتباره لمصلحة "الإصلاح" يستقوي به على حلفائه وشركائه

وبالمقابل كان اللواء الأحمر حريصاً على التأكيد في كل مناسبة بأنه لم ينشق عن الجيش، ولم يسع للانقلاب على الرئيس صالح، وإنما برر موقفه بالانحياز إلى إرادة الشعب اليمني وحقه المشروع في التغيير والقضاء على الفساد، وإسقاط مشروع "توريث" الحكم، والانتقال باليمن إلى الدولة المدنية وإنهاء سيطرة العسكر على مفاصل الحكم

وشدد اللواء الأحمر على أن علاقته بحزب "الإصلاح" لا تتجاوز إطار علاقته المتوازنة مع كل الأحزاب السياسية، والقوى الوطنية وتصب في مصلحة الوطن ووحدته وأمنه واستقراره، وقال في حوار صحافي بأنه يؤمن بأن اليمن فوق كل الأحزاب، وفوق كل المصالح الضيقة، وأن احترام إرادة الشعب، وحقوقه المشروعة في تحقيق التغيير والدولة المدنية المنشودة، وأنه عازف عن السلطة، وغير طامع في منصب (123)

ثانياً: هيئة علماء اليمن.. و الثورة

كان لهيئة علماء اليمن –غير الرسمية- دور كبير ومهم فى أحداث الثورة. فعلى خلاف جمعية علماء اليمن –الرسمية- التي كانت غائبة عن المشهد حتى استنهضها النظام لتفتي بأن المظاهرات والاعتصامات "فتنة" و"خروج على ولي الأمر" ، وينبغي تجنبها، كانت الهيئة المشكلة من رموز علمية على مستوى اليمن والقوى الإسلامية حاضرة منذ بداية الحراك الجماهيري ومتابعة لأبعاد القضية.

ففي 21 فبراير، صدر عن هيئة علماء اليمن، التي يرأسها الشيخ عبد المجيد الزنداني، بيان جاء فيه –عقب الإشادة بثورتي تونس ومصر- الدعوة ضمنيا إلى "تحقيق ما تطمح إليه الشعوب من إصلاح للأوضاع، وإقامة للعدل، ورفض للظلم والاستبداد، وإرجاع الحقوق إلى أهلها، دون حصول تلك الأحداث المريرة والمؤلمة التي صاحبت الثورتين –التونسية والمصرية".

وحث بيان العلماء جميع الأطراف للتمسك بالكتاب والسنة والاحتكام إليهما، و"جمع كلمة أبناء اليمن، وتوحيد صفوفهم، والحفاظ على أمن البلاد واستقرارها، وترك كل ما يؤدي إلى إحداث الفرقة والنزاع، وإثارة الفتنة، وإيقاع العداوة والبغضاء، وإثارة النعرات الجاهلية، والعصبيات الطائفية والمناطقية، مذكرين بأن اليمن شعب واحد".

كما تضمن البيان دعوة جميع أبناء اليمن لعقد مؤتمر وطني جامع لتدارس أوضاع اليمن الحاضرة، والاتفاق على الحلول، والتوافق على تشكيل حكومة إجماع وطني مؤقتة من أهل الكفاءات، تقوم بالإشراف على تمكين الشعب من اختيار نوابه وحكامه برضاه، وفي أجواء حرة ونزيهة وآمنة.

وأكد العلماء على:

"أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالضوابط الشرعية واجب شرعي، سواءً مورس بطريقة فردية أو جماعية"، وأن "على الدولة أن تقوم بواجبها في حماية هذا الحق وضمان ممارسته، ولا يجوز لها أن تمنع أحداً من ممارسة هذا الحق فضلاً عن الاعتداء عليه أو اعتقاله".

كما قدم البيان دعوة بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة تتمثل في "سحب وإلغاء جميع الإجراءات الانفرادية التي أدت إلى تأزيم الأوضاع" بين السلطة والمعارضة بشكل أخص، و"إقالة كل الفاسدين والعابثين بمقدرات الأمة ومحاسبة من ثبت قضاءً في حقهم وفق أحكام الشريعة الإسلامية"، و"تشكيل لجنة متفق عليها من العلماء والقضاة المشهود لهم بالنزاهة والصلاح يستعينون بمن يرونه من الخبراء والمختصين للبت في قضايا النزاع بين جميع الأطراف".

ونبه البيان إلى أن هيئة علماء اليمن ستظل منعقدة لمتابعة تطورات الأحداث على الساحة اليمنية بشكل دائم. وفي ضوء بيان الهيئة السابق جرى الإعلان عن تشكيل لجنة من العلماء والقضاة مكونة من قرابة 20 شخصية لمتابعة البيان، وكذا زيارة كافة الإطراف السياسية في اليمن للخروج بحلول للأزمة الحالية.

وفي 28 فبراير، قال رئيس هيئة علماء اليمن الشيخ عبد المجيد الزنداني:

إن العلماء قادوا وساطة تتضمن مبادرة لحل الأزمة التي تعيشها اليمن، وجرى تسليمها إلى الطرفين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك؛ مشيرا إلى أن أحزاب اللقاء المشترك طلبت مهلة لدراستها.

وفي الأول من مارس، أكد الشيخ الزنداني على مشروعية اعتصامات الشباب وثورتهم السلمية، وقال أثناء زيارته المعتصمين في ساحة التغيير: "بإمكان الشعوب أن تغير وتأخذ حقها في ثورات سلمية ونحن سائرون في طريق الثورة السلمية إن شاء الله، وهذه صورة من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ؛ واختتم حديثه بأن هيئة علماء المسلمين كانت في مقدمة المطالبين بتشكيل لجنة تحقيق في جرائم القتل التي ارتكبت في حق أبناء اليمن.

وفي إطار المشاورات التي تمت بين الأطراف جرى تقديم مبادرة من خمس نقاط دعت إليها أحزاب اللقاء المشترك إلى الرئيس صالح الذي أبدى موافقة مبدئية عليها، ثمَّ ما لبث -وهو الذي سعى جاهدا لإقناع العلماء برفع المعتصمين والمتظاهرين من الساحات- أن تراجع عنها.

فقد صرح – في الخامس من مارس - مصدر مسئول في مكتب رئاسة الجمهورية بأن النقاط الخمس المقدمة من أحزاب اللقاء المشترك عبر عدد من الوسطاء من أعضاء التجمع اليمني للإصلاح وآخرين –في إشارة للجنة العلماء والمشايخ التي سعت في الوساطة- اكتنفها الغموض والالتباس.

وأعلن المصدر -طبقا لما نقلته وكالة سبأ- "رفضه للتفسيرات المقدمة للنقطة الرابعة من قبل قيادات أحزاب اللقاء المشترك فيما أصدروه من تصريحات متناقضة ومخالفة للدستور ولإرادة الشعب المعبر عنها في صناديق الاقتراع".

وأوضح المصدر أن تلك النقطة تنص على: "وضع برنامج زمني لتنفيذ الخطوات الضرورية في إطار فترة انتقالية لتنفيذ ذلك بحيث لا يتعدى نهاية هذا العام بناء على مبادرة يقدمها الرئيس بذلك" وأن هذه النقطة تتناقض تماما مع ما ورد قبلها في النقطة الثالثة التي تنص على انتقال سلمي وسلس للسلطة بالاستناد على ما التزم به الرئيس بخصوص عدم التمديد وعدم التوريث وعدم ترشيح نفسه في الانتخابات القادمة.

وقال المصدر: "إن تلك التفسيرات المتعسفة تمثل عملية انقلابية مكشوفة على الديمقراطية والشرعية الدستورية" ، وأضاف: "أن الانتقال السلمي والسلس للسلطة لا يتم عبر الفوضى وإنما عبر الاحتكام لإرادة الشعب المعبر عنها من خلال الانتخابات".

وفي 8 مارس، صدر بيان عن لجنة العلماء والمشايخ الساعين في الوساطة بين الرئيس واللقاء المشترك وشركائه أوضح بأن اللجنة تدارست الأوضاع، وشكلت لجنة مصغرة تضم سبعة من العلماء وسبعة من المشايخ للقيام بالتواصل مع رئيس الجمهورية وأحزاب اللقاء المشترك وشركائه، وأنها بعد عرض الاثني عشرة نقطة التي تضمنها بيان هيئة علماء اليمن في المؤتمر الذي عقدته بجامع المشهد -في وقت سابق- على رئيس الجمهورية تمَّ الاتفاق معه على نقاط سبع، واقترح الرئيس النقطة الثامنة منها التي بيّن العلماء عدم موافقتهم على هذه النقطة

وهذه النقاط كالتالي:

  1. سحب قانون الانتخابات والاستفتاء وإعادته إلى مجلس النواب لإقراره بالتوافق.
  2. سحب مشروع التعديلات الدستورية المنظورة حاليا أمام مجلس النواب، وتشكيل لجنة وطنية لإجراء التعديلات الدستورية بالتوافق.
  3. تشكيل حكومة وحدة وطنية بالتوافق.
  4. إحالة الفاسدين إلى القضاء وسرعة البت في قضايا الفساد المنظورة أمام القضاء.
  5. إطلاق أي سجين ممن لم تثبت إدانته ولم يكن له قضايا منظورة أمام القضاء.
  6. يتم اختيار خمسة قضاة يقوم كل طرف باختيار اثنين منهم، والخامس يتم اختياره من لجنة العلماء المرجعية أو بالتوافق بين القضاة الأربعة، وذلك للفصل في النزاع القائم بين أطراف العمل السياسي.
  7. إيقاف الحملات الإعلامية والمهاترات والتحريض، وذلك بما يهيئ لإنجاح الحوار الوطني.
  8. إيقاف المظاهرات والاعتصامات وبما يكفل إزالة أعمال الفوضى والتخريب والاحتقان في الشارع ومن كل الأطراف. (وهي النقطة التي أصر عليها الرئيس).

وأضاف البيان بأن اللجنة قامت بالالتقاء بأحزاب اللقاء المشترك وشركائه وتسليمهم النقاط المذكورة، وأن اللقاء المشترك أفاد بعد تدارس بأن النقاط السبع واجبات دستورية تحتاج إلى اتخاذ خطوات إجرائية من الأخ الرئيس وليست موضوع خلاف، وأنه جرى بعد نقاش مستفيض الخروج بالاتفاق مع اللجنة على النقاط التالية كمفاتيح للحل:

  1. ضمان حرية التظاهر والاعتصام لجميع أبناء اليمن بالأسلوب السلمي.
  2. يطالب الجميع بتشكيل لجنة للتحقيق في الاعتداءات التي تعرض لها المتظاهرون في المدن اليمنية ومحاسبة المسئولين عنها وتقديمهم للمحاكمة، وتعويض أسر الشهداء ومعالجة الجرحى على نفقة الدولة حتى الشفاء.
  3. انتقال سلمي وسلس للسلطة بالاستناد على ما التزم به الرئيس بخصوص عدم التوريث أو التمديد، وعدم ترشيح نفسه في الانتخابات القادمة.
  4. وضع برنامج زمني لتنفيذ الخطوات الضرورية في إطار فترة انتقالية لتنفيذ ذلك، بحيث لا تتعدى نهاية هذا العام بناء على مبادرة يقدمها الرئيس بذلك.
  5. يتم التواصل مع جميع القوى وأطراف العملية السياسية في الداخل والخارج بدون استثناء لاستكمال النقاش حول هذه المبادرة.

وأنَّ لجنة العلماء والمشايخ قامت بمقابلة الرئيس وعرض تلك النقاط عليه واحدة تلو الأخرى، والذي أبدى موافقته عليها طالبا تحديد الجهة المتحاور معها لوضع البرنامج الزمني للنقطة الرابعة المتضمنة انتقال السلطة بشكل سلس وسلمي على أن يقوم الرئيس بوضع برنامج زمني لتنفيذ الخطوات الضرورية لذلك في فترة انتقالية لا تتعدى نهاية هذا العام 2011م.

وأضاف البيان بأنه تم التواصل باللقاء المشترك بعد ذلك، وبيان موافقة الرئيس وطلبه تحديد الجهة المتحاور معها لوضع البرنامج الزمني، فكان الرد منهم أن الرئيس أولى وأقدر على القيام بذلك ومعه من المستشارين والقانونيين وأهل الخبرة من يعينه؛ وأن لجنة العلماء والمشايخ عادت للالتقاء برئيس الجمهورية الذي أبدى اعتراضه على الفترة الزمنية المتعلقة بالانتقال السلمي والسلس للسلطة بنهاية 2011م متمسكا بفترته الدستورية إلى 2013 م.

وقد استنكر الشيخ الزنداني - في 6 مارس - قيام الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام وبعض وسائل الإعلام الرسمية بالتلبيس على الرأي العام والزعم بأنه قد تقدم بمبادرة مكونة من ثمان نقاط لحل الأزمة السياسية في البلاد بينما الحقيقة أنه وأصحاب الفضيلة العلماء قد اتفقوا مع رئيس الجمهورية على سبع نقاط تقدم للأخوة في اللقاء المشترك كتصور لحل الأزمة الراهنة

وأن رئيس الجمهورية أضاف للنقاط السبع نقطة ثامنة تقضي بإيقاف المظاهرات والاعتصامات، وقد أوضحوا حينها للرئيس بأن المظاهرات والاعتصامات حق دستوري للمواطنين وأنه لا يمكن الموافقة على منع ذلك الحق, إلا أن رئيس الجمهورية أصر على أن تكتب هذه النقطة باعتبارها مطلبا خاصا به ثم قام العلماء وبالاشتراك مع وفد من مشايخ اليمن يرأسهم الشيخ صادق بن عبدالله بن حسين الأحمر بنقل ما ورد في هذه النقاط إلى اللقاء المشترك، وبعد أخذ ورد مع اللقاء المشترك قاموا بتقديم رد يحتوي على خمس نقاط, وقد نقلها أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ لرئيس الجمهورية.

وفي 19 مارس، وعقب ارتكاب النظام لمجزرة رهيبة راح ضحيتها أكثر من خمسين قتيلا وعشرات المصابين عقب صلاة الجمعة في ساحة التغيير بصنعاء، صدر بيان عن علماء ومشايخ اليمن عبروا فيه عن دخول الأزمة بعد أحداث الجمعة وضعا خطيرا، ومنعطفا تاريخيا مهما، ومنزلقا مخيفا، بدفع عن إرادة وتصميم لكي تصل إلى حد الاقتتال الداخلي بين أبناء اليمن، مؤكدين "إدانتهم الشديدة للمجزرة الجماعية التي تم ارتكابها"، ضد "المعتصمين سلميا"، مستنكرين في ذات الوقت أعذار السلطة التي وصفوها بـ"الواهية" .

وأدان المشايخ والعلماء "كل من تعاون، وكل من فتح بيته لدخول القتلة" ، واعتبروه "مشاركاً في الجريمة" ، محملين المسئولية الكاملة للسلطة ممثلة برئيس الدولة؛ كما أبدوا رفضهم إعلان حالة الطوارئ في البلاد لعدم وجود قانون منظم، ولخطورة أن يقوم طرف سياسي منفرد في مجلس النواب بإعداد مشروع قانون يلبي طلباته ويقمع الحريات التي كفلها الدستور والقانون ويشعل الفتن بين أبناء الشعب اليمني.

وفيما تبرأ مشايخ وعلماء اليمن من كل من شارك في جرائم الاعتداء على المعتصمين، طالبوا بتسليمهم للعدالة ومحاسبة مسئولي الأجهزة الأمنية في أمانة العاصمة لتقصيرها؛ منبهين إلى أن الرئيس بيده إغلاق أبواب الفتنة بالاستجابة لمطالب الشعب.

وطالبوا في بيانهم وحدات الجيش والأمن بعدم تنفيذ أي أوامر تصدر لهم من أي كان للقتل والقمع، وتحييد مؤسستي القوات المسلحة والأمن عن الصراع السياسي. كما دعوا إلى حل جهاز الأمن القومي الذي لم ينل اليمن واليمنيون منه منذ تأسيسه إلا الأذى والإرهاب والمطالبة بتقديم قياداته وأفراده للمحاكمة، وإلى إخراج وحدات الحرس الجمهوري وألويته من العاصمة صنعاء لعدم وجود مبرر لوجود كل هذه القوات داخل العاصمة وإنهاء الازدواجية داخل مؤسسة الجيش.

إلى جانب ذلك - وفي 21 مارس - ندد الشيخ الدكتور محمد بن موسى العامري - نائب رئيس هيئة علماء اليمن - بالمجازر البشعة التي تُرتكب بحق المعتصمين، واصفاً ما جرى يوم الجمعة الدامية بالجريمة النكراء التي تهتز لها الجبال، داعيا لمحاكمة مرتكبيها.

وفي اليوم التالي وبعد التحاق عدد كبير من قيادات الجيش ورموز القبائل وقيادات في الحزب الحاكم للثورة دعا رئيس هيئة علماء اليمن الشيخ عبد المجيد الزنداني الرئيس صالح إلى إنهاء ما وصفها بـ"المهزلة" والتنحي نزولا عند مطلب الشعب عن السلطة؛ مناشدا القوات المسلحة لاتخاذ الموقف الصحيح مع شعبهم.

هذه الأدوار التي قامت بها هيئة علماء اليمن لم تكن الوحيدة على الساحة فقد كانت هناك مجالس علمية أخرى مشاركة في التوجيه والإرشاد. فقد أصدر عدد من علماء حضرموت وعدن -في 18 فبراير- بيانا أكدوا فيه "حق الأمة في الاحتساب والإنكار على حكامها"، و"حقها في المطالبة بالتغيير والإصلاح بالوسائل السلمية المنضبطة"

ودعوا فيه "الفعاليات الشبابية وجموع المتظاهرين لعدم الانزلاق إلى الاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة، أو استخدام أي شكل من أشكال العنف المسلح، والالتزام بالخيار السلمي حتى تتحقق مطالبهم المشروعة والعادلة" ، كما دعوا "الجنود والضباط من أبناء القوات المسلحة والأمن، وكافة منتسبي الجهاز الأمني للدولة، إلى عدم استخدام الرصاص الحي أو أدوات القمع في تفريق المظاهرات والاعتصامات".

وفي ختام البيان دعا العلماء الموقعون على البيان الدولة للقيام بمبادرة "جادة نحو التغيير الحقيقي والفوري -قبل فوات الأوان؛ وذلك على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية بما يلبي تطلّع الأمة اليمنية واحتياجاتها، وفق ثوابت دينها الإسلامي الحنيف" (124)

وكان هدف دور هيئة علماء اليمن هو إسقاط أى شرعية عن نظام على عبدالله صالح وخاصة أن اليمن أحد الدول التى ترتكز بصورة كبيرة فى تحركاتها على خلفية دينية قوية ورجال الدين يمثلون قوة لايستهان بها فى الإطار العشائرى والقبلى.

ثالثاً: دور الشباب فى الثورة

شكل الطلاب والشباب طليعة قوى الثورة اليمنية فقد دعا طلاب جامعة صنعاء بتاريخ 15 يناير 2011م إل القيام بمسيرة إلى السفارة التونسية بصنعاء للتهنئة بنجاح الثورة التونسية وشارك فى هذه المسيرة القطاعات الطلابية لأحزاب اللقاء المشترك

وكذلك مع إعلان الرئيس المصرى السابق حسني مبارك بالتنحى عن السلطة 11فبراير 2011م سارت مظاهرات طلابية وشبابية كبيرة للسفارة المصرية المصرية للتهنئة كذلك بسقوط نظام مبارك، ثم بعد ذلك قام الشباب بمظاهرات ضخمة فى صنعاء وتعز وأعلن الشباب بتعز تحول المظاهرات إلى إعتصام دائم لن ينفض إلا مع سقوط النظام ورفعوا شعار الشعب يريد إسقاط النظام.

أما فى صنعاء فقد استمر الشباب وطلاب جامعة صنعاء فى تسيير مظاهرات يومية لمدة تسعة أيام وفى 19 فبراير بدأوا فى الاعتصام فى ميدان جامعة صنعاء وظهرت أول الائتلافات الثورية تحت اسم "ائتلاف شباب الثورة اليمنية السلمية" وكان لشباب الاصلاح "الإخوان المسلمون" دور كبير ومؤثر فى تفعيل وإستمرار تلك المظاهرات التى أدت إلى سقوط النظام

وعندما قابلت هذا الائتلاف بالقاهرة بعد تأسيسه فى بدايات الثورة وكان يهدف إلى كسب الدعم المعنوى والسياسى والإعلامى للثورة كانت أغلبية هذا الشباب من التجمع اليمني للإصلاح "الإخوان المسلمون" ولايغيب عنا جميعا الدور الذى قامت به أحد فتيات الإصلاح " توكل كرمان" (125) فى الحشد السياسى والمعنوى للثورة وماقبلها فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية قادت الناشطة اليمنية توكل كرمان احتجاجات صباح كل ثلاثاء في الساحة امام مبنى مجلس الوزراء والتي أطلقت عليها لقب "ساحة الحرية".

ولمدة 3 سنوات حمل المحتجين لافتات يطالبون فيها بإصلاحات شتى بدءا من إصلاح الحكومة الى تحرير الإعلام والافراج عن السجناء السياسيين.لكن هؤلاء المحتجين لم يستحوذوا الكثير من الإهتمام حتى بداية عام الثورة وتحديدا يوم الغضب 3 فبرير - شباط 2011.

وهكذا تفاعل "التجمع اليمني للإصلاح" بكافة تشكيلاته مع الثورة وكانت محرك وفاعل قوى فى مسارها،وعن دور الإخوان المسلمين فى الثورة اليمنية كتب لورنت بونيفوي، الباحث في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى ومؤلف كتاب "السلفية في اليمن"، مقالاً نشرته مجلة فورين بوليسي تحت عنوان "الإسلاميون والثورة في اليمن"، استهله قائلاً إن الحركات الإسلامية لم تبدأ الثورة في اليمن ولكنها سيطرت بصورة كبيرة على مصيرها. فقد فازت توكل كرمان، العضو السابق في حزب الإصلاح وهو ائتلاف يضم جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، بجائزة نوبل للسلام لعام 2011 لحملتها السياسية الدؤوبة.

فقد لعبت حوالي خمسة تيارات إسلامية مختلفة أدواراً هامة في الأحداث الجارية في اليمن. ويرى الكاتب أنه ينبغي على من يريد المشاركة في الانتقال السياسي في اليمن إدراك الاختلاف والصراعات الداخلية الناشئة بين هذه التيارات الإسلامية، وأن يكون على استعداد للانخراط معها كجزء من المشهد السياسي للبلاد.

وكان حزب الإصلاح أكثر التيارات الإسلامية مشاركة في الثورة الشعبية في اليمن، فهو يوصف بالفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين ولكنه يمثل تحالفاً يضم زعماء القبائل المحافظين ورجال الأعمال البارزين. وبدأ حزب الإصلاح كمؤيد لشباب الثورة الذين كانوا ينادون برحيل علي عبد الله صالح خلال الأيام الأولى من عام 2011.

وعندما تبين أن صالح بدأ يفقد السيطرة في أواخر الربيع الماضي، سارع حزب الإصلاح ليصبح عنصراً فاعلاً رئيساً في العملية الثورية. حيث ساعدت قدرته على الحشد- من خلال المساجد والمنظمات غير الحكومية والنشطاء- في إعادة تشكيل الثورة، فعلياً في ساحة التغيير بصنعاء وكذلك من ناحية الأهداف. ولم تستطع أي هيئة أو حركة أخرى التنافس مع حزب الإصلاح (126)

المبحث الرابع:إخوان اليمن وتحديات مابعد الثورة

رغم شكلية الانتخابات الرئاسية التوافقية في اليمن والتى فاز بالرئاسة عبدربه منصور هادى إلا أنها جوهرية في مضمونها التغييري لأول مرة منذ أزيد من عقدين من انتخابات ديكورية مزيفة، صحيح نجح اليمنيون في الدرس الأول، الذي كان يتحداهم، ويتحدون به

وهو إفشال سيناريو الانزلاق لمستنقع الحرب الأهلية، قبلية أو مذهبية أو مناطقية أو حزبية، التي راهن عليها النظام، وأثبتوا وعيا بمدى تسامحهم وتساميهم فوق جراحاتهم، رغم توفر كل أسباب الحروب والاقتتال الأهلي، لكن مازال أمام نموذجهم الربيعي العربي شوطا كبيرا ليثبتوا للعالم صدق توجههم الذي أثبتوه خلال الانتخابات التوافقية رغم كل المعوقات.

فما يزال أمام اليمنيين ونموذجهم تحديات جمة تأتي في مقدمتها جميعا مسألة إعادة هيكلة الجيش وقانون العدالة الانتقالية، ومسألة الحوار الوطني وقضاياه الرئيسية المتمثلة بالقضية الجنوبية وقضية صعدة والمأزق الاقتصادي، وقضايا التنمية المختلفة.

ولا شك في أن قضية هيكلة الجيش كما نصت عليها الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، ستكون هي القضية الأكثر جدلا وتفسيراً، حيث إن ما حدث لم يتعدَ تغيير رأس النظام فقط، بينما لايزال أفراد أسرة صالح يتربعون على كراسي المؤسسات الأمنية والعسكرية الرئيسية كالأمن المركزي والحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن القومي، وعديد من المؤسسات المدنية التي مازالت تدار من قبل أفراد عائلة صالح.

ومن دون هذه الخطوة، يقول المراقبون إن الثورة لم تنجز شيئا ذا قيمة، لأن بقاء تلك الأجهزة في يد ما تبقى من نظام صالح – أسرته بالتحديد – قد يتطور إلى مواجهة عسكرية مرتقبة، لا محالة، وبالتالي فإن كل الجهود الدولية والإقليمية المبذولة ستذهب أدراج الرياح.

أما القضايا الأخرى الأكثر خطورة، فهي – بحسب عدد من الباحثين – تكمن في قضية بسط سلطة القانون على كل أراضي الدولة اليمنية، ولن يتسنى ذلك من دون مدخلها الحقيقي في إعادة سيادة الدولة على مؤسساتها العسكرية والأمنية.

أما التحديات الأخرى فأعتقد أنها تكمن في عديد من قضايا الحوار الوطني الشامل، ومسألة صياغة الدستور، ومشاركة الشباب والعدالة الانتقالية، وغيرها من القضايا، ليتسنى بعد ذلك الحديث عن القضية الجنوبية، وقضية صعدة اللتين أصبحتا قضيتين معقدتين بحكم دخول قوى إقليمية كإيران والمملكة على خط هاتين القضيتين، وتدخلهما السلبي والمباشر من خلال بعض القوى السياسية كنائب الرئيس السابق علي سالم البيض، أو جماعة الحوثي في صعدة (127)

وإجمالاً: يتحدد مستقبل الحركة الإسلامية في اليمن بثلاثة عوامل أسياسية، هي:

أولاً: المسار الذي سيتجه إليه التغيير في اليمن (إعادة هيكلة الجيش، والحوار الوطني، ومعالجة القضايا الملتهبة)، وعما إذا كان سيسير وفق ما هو مرسوم له في المبادرة الخليجية، أم أنه سيفلت من ذلك.
ثانياً: الحدود التي سينتهي إليها تطور المشروعات الثلاثة: الحوثيون، وفصائل الحراك، وتنظيم القاعدة، ونمط العلاقة الذي سيستقر بينها وبين سلطة الدولة، وهي مشاريع يتمدد نفوذها ويتسع على حساب الحركة الإسلامية وسلطة الدولة على حدٍ سواء.
ثالثاً: الوضع العام التي ستتجه إليه الدولة اليمنية في ضوء التحديات والمخاطر التي تواجهها؛ إذ لابد من التأكيد على أن مصير الإخوان وجودًا وتوجهًا سيكون مرتبطًا بمصير اليمن نفسه بعللهِ وتعقيداتهِ وأزماته وتحدياته.

وبالأخذ في الحسبان التفاعل بين العوامل السابقة، مع وضع حد أعلى وأدنى لذلك التفاعل، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل الحركة الإسلامية في اليمن:

السيناريو الأول: يقوم هذا السيناريو على أن التطورات التي سيشهدها اليمن في المرحلة القادمة، ستسير في الاتجاه الإيجابي(بالنسبة للحركة الإسلامية)؛ حيث سيتمكن الرئيس الجديد "عبد ربه منصور هادي" من الإمساك بزمام السلطة، في ظل تهاوي قبضة بقايا النظام على مؤسسات الدولة، وإتمام إعادة هيكلة القوات المسلحة، وسحب سلطة القرار فيها من أقرباء الرئيس، وانخراط القوى السياسية -بما فيها فصائل الحراك والحوثيون- في حوار وطني واسع

ويُتوقع أن تساعد مثل هذه الأجواء الطبيعية على حدوث حد أعلى من التحولات في البنية الفكرية والتنظيمية والسياسية للحركة الإسلامية، وبما يحررها نسبيا من ضغط الأزمات الملتهبة والانهماك في التعاطي مع المخاطر القائمة، ويمنحها فرصة للانتقال من فكر الجماعة والحزب إلى التعامل بعقلية الدولة القائم على الفكر الاستيعابي الواسع، ويساعدها على ترجمة رؤاها الفكرية في شكل سياسات عامة تتعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية التي توجهها البلاد.

السيناريو الثاني: ويشير إلى حدوث تدافع بين العوامل التي تضغط باتجاه حدوث تحولات واسعة في الحركة الإسلامية وبين العوامل التي تكبح ذلك؛ فالتحولات التي راكمتها سنة كاملة من العمل الثوري، والمناخ العام الذي أوجدته الثورة، ومشاركة الإسلاميين في حكومة الوفاق، تشكِّل قوة دفع باتجاه إحداث تحولات واسعة في التوجه الفكري والبناء التنظيمي والأداء السياسي للحركة

فيما تؤدي مقاومة بقايا النظام لعملية التغيير، وتفجُّر المشاكل الأمنية والسياسية، والمخاطر التي يواجهها كيان الدولة جرّاء التمدد القائم على العنف لكل من تنظيم القاعدة والحوثيين والحراك الجنوبي، إلى إبقاء الحركة الإسلامية في حالة استنفار وتأهب دائم لمواجهة التحديات والمخاطر المختلفة، وستكون الحصيلة النهائية لمثل هذا الوضع تحقق بعض التحولات وتأجيل البعض الآخر إلى أن يتحقق لليمن قدر من الوفاق الوطني والاستقرار السياسي.

السيناريو الثالث: يشير هذا السيناريو إلى إمكانية حدوث تغير مفاجئ يؤدي إلى إرباك المشهد السياسي، كأن تتعثر عملية إتمام التغيير لسبب مفاجئ، أو حدوث مخاطر عملية تهدد كيان الدولة اليمنية، وفي كل الأحوال فإن اليمن، والقوى السياسية، وفي مقدمتها الحركة الإسلامية ستكون في ظروف استثنائية، ويُتوقَّع لهذه الأخيرة أن تتحمل عبئًا ليس بقليل في مواجهة تلك التطورات الطارئة (128)

الفصل الثامن: الإخوان المسلمون والثورة السورية

لم يعانى الاسلاميون عامة والإخوان المسلمون خاصة فى دولة ما مثلما عانوا فى سوريا فى ظل حكم الأسد "الأب والابن" فالإخوان المسلمون منذ نشأة تنظيمهم فى سوريا عام 1942 ووصلت حد المواجهة بين الإخوان والنظام الحاكم فى سوريا فى أوائل الثمانينات

وحين نتحدث عن دور اخوان سوريا فى الثورة ضد النظام السورى فكأننا نتحدث عن حدث قديم جديد وإن كان بالطبع هناك العديد من المتغيرات، فالإخوان الذين استدرجوا سواء برغبتهم أو بفرض الأمر الواقع للوقوف بقوة ضد تجاوزات حافظ الأسد فى بداية الثمانينات وللحقيقة والتاريخ فالثورة السورية الحالية لم يكن للاخوان فى تحريكها مباشرة ولكن كما ذكرنا سابقاً أن الثورات هى نتاج لتفاعلات وتحركات تقوم بها المعارضة السياسية على مر عقود مختلفة وقبل الخوض فى دور الإخوان فى الثورة السورية لابد من التعرض لمراحل ماقبل الثورة ودور الإخوان فى المعارضة القوية للنظام السورى

المبحث الأول: مرحلة ماقبل الثورة السورية

شهدت سوريا خلال منتصف القرن العشرين العديد من الانقلابات العسكرية كان أسوأها وآخرها انقلاب الثامن من آذار 1963م والذى كان هذا الانقلاب نقطة انعطاف خطيرة في تاريخ سورية الحديث. ومنذ ذلك التاريخ تعيش البلاد تحت ظلّ قانون الطوارئ الصّادر بالأمر العسكري رقم (2)، حيث استولى حزب البعث على السلطة فاتحاً بذلك الباب أمام الأقليّات الطائفية لتمسك بمفاصل القوّة والسّلطة في سورية. لأن معظم أعضاء اللجنة العسكرية البعثية المشرفة على نشاطات التنظيم العسكري كانوا من الأقليّات الطائفية.

وتكوّنت اللجنة العسكرية في البدء من خمسة ضباط، من بينهم ثلاثة علويين وهم: محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد، وإسماعيليّان هما: عبد الكريم الجندي وأحمد المير. وبعد انقلاب الثامن من آذار وسِّعت اللجنة، وبقيت العناصر الفعّالة فيها من النصيريين (العلويين)، ولذلك سُميت هذه اللجنة بلجنة الضّباط العلويين. وكان التّحول الكبير الذي شهدته سورية هو انقضاض حافظ أسد على السّلطة في 16 من تشرين الثّاني 1970.

وعلى الرّغم من أنّ جماعة الإخوان المسلمين لم تبد خلال هذه الفترة أي معارضة عنيفة ضد النّظام، إلا أن السّجون لم تَخْلُ من معتقلين إسلاميين (وخاصة من الإخوان) كانوا يتعرّضون لأقسى أنواع العذاب، وكانوا يُعتقلون في أسوأ الظروف التي تهدر فيها آدمية الإنسان.

وعمد النّظام في هذه المرحلة إلى عمليات تصفية متعمّدة لبعض المعتقلين دون أن يُقدّموا لأيّ محكمة. نذكر منهم، الشّهيد حسن عصفور، والشّهيد مروان حديد، والفتاة المسلمة غفران أنيس وغيرهم... ومضى في تنفيذ مخططه في التخريب المُقنّن للعقول والأفكار، وذلك من خلال الخطوات التي وافق عليها المؤتمر القطري لحزب البعث عام 1978م في جملة مقررات كان منها:

  1. إقرار التّعليم المختلط.
  2. التضييق على المدارس الشّرعية الخاصّة، بتسليم إداراتها للحزبيين.
  3. وقف تعيين خريجي كليّة الشريعة مدرّسين.
  4. تغيير مناهج تعليم التربية الإسلامية وحشوها بالمعلومات المؤيّدة للنظام ورأسه ومبادئ الحزب العلمانية.
  5. نقل وتسريح أكثر من 500 مدرّس ثانوي وابتدائي دفعة واحدة (أتبعها فيما بعد بعملية تمشيط واسعة لقطاع التّعليم وإخلائه من كلّ المتديّنين).

هذا عدا عن المراسيم التي أصدرها الأسد من أجل التدخّل في التّعليم الجامعي وتوجيهه الوجهة التي يُريد، مثل المرسوم 1249 تاريخ 20/9/1979 م الخاص بجامعة دمشق، وبموجبه سُرِّحَ عدد من المدرّسين الإسلاميين.

والمرسوم 1250 (20/9/1979م) الخاص بجامعة اللاذقيّة، وتمّ فيه تسريح عدد آخر من المدرّسين الإسلاميين والموظّفين. والمرسوم 1256 (27/9/1979م) الخاص بجامعة حلب، الذي قضى بنقل بعض المدرّسين الإسلاميين إلى وظائف وأعمال أخرى.

كانت الفترة التي سبقت اندلاع المواجهة بين النظام والجماعة في صيف 1979 حافلة بالإرهاصات والنّذُر التي تؤكّد حتمية المواجهة والوصول إلى نقطة التفجّر. وكانت مجمل السياسات التي يمارسها النظام تخدم هذا الهدف، وهو دفع الحركة الإسلامية إلى ساحة المواجهة بغرض ضربها وتصفيتها، ولعلّ ما يؤكّد هذا الكلام ما جاء في الخطاب الذي ألقاه حافظ الأسد في المؤتمر القطري الثالث عشر للحزب، والذي عُقد في دمشق في تموز 1980م حيث استعرض مقررات المؤتمر القطري الثّامن للحزب عام 1965م، والتي اعتبرت الإخوان المسلمين ظاهرة من أخطر الظواهر.

ثم انتقل إلى وضع خطّة لمحاربة الإخوان المسلمين والإسلام فقال:

"فالخطّة السياسية إزاء الإخوان المسلمين وأمثالهم لا يمكن أن تكون إلا خطّة استئصالية، أي خطة لا تكتفي بفضحهم ومحاربتهم سياسياً، فهذا النّوع من الحرب لا يؤثّر كثيراً في فعالياتهم... يجب أن نُطبّق بحقّهم خطّة هجوميّة".

وفي خطاب له، قبل ذلك، من ثكنة الشرفة في حماة بعد أحداث عام 1964 فضح الأسد نواياه تجاه المعارضين إذ قال: "سنُصفّي خصومنا جسدياً". وفي مطلع عام 1973 أصدر دستوراً مؤقّتاً، عليه طابع العلمانيّة الفاقعة، مما أثار سخطاً جماهيريّاً واسعاً، عبّر عنه الناس ببعض الخطب على المنابر، وبعض الشعارات التي كتبوها على الجدران... واتخذت الدولة من ذلك ذريعة لحملات اعتقالات في عدد من المحافظات. ومن المعتقلين من بقي في السجن أسابيع وشهوراً، ومنهم من بقي سنوات.

وفي عام 1976م وبعد التدخل السوري في لبنان، وبعد مقتل الشهيدين حسن عصفور ومروان حديد رحمهما الله، بدأ النظام يحصد نتائج سياسته القمعية، حيث بدأت عمليات الاغتيال التي تقوم بها جماعات إسلامية مستقلّة، ضد رموز النظام الذين كان لهم دور في ممارسة أساليب الاستفزاز ضد المواطنين.

ولم يكن لجماعة الإخوان المسلمين يومها علاقة بعمليات الاغتيال، والنظام السوري يعلم ذلك جيّدا لكنه بدلاً من تطويق الأزمة ومحاولة حلّها، عمد في ربيع عام 1979 م إلى شنّ حملة اعتقالات واسعة شملت عدداً من رموز الإخوان تحت ذريعة ملاحقة الذين يقومون بعمليات الاغتيال

وكان لهذه الحملة دور كبير في تسريع الأحداث وتفجيرها، ثم جاءت حادثة المدفعيّة التي وقعت في السادس عشر من حزيران 1979م، وذلك عندما قُتل ما لا يقلّ عن 35 طالباً عسكرياً وأصيب 54 آخرون بجراح (حسب البيانات الرّسميّة للدّولة)، وقيل: إن معظم الضحايا كانوا من العلويين.

وفي هذا السياق يمكن أن نلخّص أهم الأسباب التي أدّت إلى وقوع المواجهة بين الإخوان وبين النظام:

  1. اتهام جماعة الإخوان المسلمين بتدبير حادثة مدرسة المدفعيّة بل اتهامهم بجميع عمليات الاغتيال التي وقعت خلال السنوات التي سبقت تلك الفترة، حيث أصدر وزير الداخلية السوري بياناً في 22 من حزيران 1979 م اتهم فيه الإخوان المسلمين بالتورّط في الاغتيالات. وقد جاء بيان وزير داخلية النظام منسجماً في السياق مع الخطة التي رسمها النظام منذ البداية "لتصفية الخصوم جسدياً".
  2. تكثيف الاعتقالات ضد كل من يُشَكُّ بانتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين أو التعاطف معها، بل قد امتدت حملات الاعتقال إلى جميع الفئات السياسية المعارضة.
  3. مُسارعة النظام إلى تنفيذ أحكام الإعدام ب/15/ معتقلاً من شباب الإخوان المسلمين جرى اعتقالهم قبل حادثة المدفعية بحلب وذلك بعد محاكمات صوريّة عقدت لهم وصدرت أحكام الإعدام بحقّهم عن محكمة عرفية شُكّلت لهذه الغاية برئاسة فايز النوري، بتاريخ 28/6/1979م.إن تلك الحملات الإجرامية ودعْمها بالحملات الإعلامية ضد الإخوان المسلمين والإسلاميين والشعب السوري بأكمله، جعلت كاتباً مثل "فان دام" يقول في كتابه "الصراع على السّلطة في سورية" بالرغم من تحيزه الواضح فى كتابه للطائفة العلوية: "وبشكل عام بدت الحملات الإعلامية للنظام التي تلت ذلك، وحملة النظام لاستئصال الإخوان المسلمين فظّة وحادّة للغاية حتّى أثارت عداوة الشقّ الأعظم من الشعب المخلص بدلاً من أن تُثير تعاطفهم" (129)
  4. احتلال بيوت المطلوبين للسلطة سواء اعتقل المطلوب أو لم يُعتقل، حيث عمدت السلطات إلى إبقاء عدد من رجال المخابرات في بيت المعتقل أو المطلوب أياماً عدّة، يُقيمون فيها مع النّساء والأطفال، وذلك لاعتقال كلّ زائر للبيت أو متّصل بصاحبه.
  5. لجوء النّظام إلى أسلوب الرّهائن وذلك باعتقال آباء أو أمهات أو إخوة أو أخوات للمطلوب لإجباره على تسليم نفسه. وتعريضهم لصنوف فظيعة من التعذيب مما أدّى إلى استشهاد عدد منهم.
  6. البدء بحملة تعذيب شديد القسوة والوحشية ضد كل من دخل السجن، وقد أدّى تسرّب أخبار التّعذيب إلى خارج السّجون إلى إشاعة جوٍ من الرّعب والخوف في صفوف المواطنين، وجعل الكثير من الشباب الإسلامي يُفكّر في طريقةٍ تُخَلِّصُه من المصير الذي ينتظره في السجن.
  7. قيام السّلطات بقتل عدد من المعتقلين أثناء المداهمات أو في الشوارع، أمام أعين النّاس.
  8. إصدار القانون 49 وذلك في 7 من تموز عام 1980م والذي تنصّ مادّته الأولى على ما يلي: "يُعتبر مجرماً ويُعاقب بالإعدام كلّ منتسبٍ لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين" .

وكانت إجراءات السّلطة الهوجاء الظّالمة هذه أكبر مفجّر لبركان الغضب الشّعبي الدّفين. فالممارسات الطّائفيّة، ونشر ألوان الفساد الخُلقي، وتهجّم النّظام على النّساء المسلمات في الشّوارع، ونزع الحجاب من رؤوسهنّ، ومنع الحجاب في المدارس، ونقل المدرّسين ذوي الصّبغة الإسلاميّة إلى قطاعات أخرى خارج نطاق التّعليم.

في هذه الأجواء الإرهابية وجدت جماعة الإخوان المسلمين نفسها في مأزق حرج، فشبابها خاصّة، والإسلاميون عامة، أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يُصفَّوا في المعتقلات دون أن يدري بهم أحد، أو أن يَدفعوا موجات الظلم التي وقعت عليهم وعلى الشعب السوري بكامله.

وفي أجواء الرعب والخوف تلك لم تُجْد صيحات العقلاء، ووساطاتهم في احتواء الأزمة ووقف شلال الدم الذي آثر النظام أن يخوضه تحت شعار العنف الثوري. ورأت الجماعة أنها أمام معركة حقيقيّة مفروضة عليها لا مناص من خوضها واستكمال عدّتها، فاتخذ مجلس شورى الجماعة الذي اجتمع خارج سورية في أيلول 1979 م قراراً بالمواجهة وتعبئة القوى وحشد الطاقات لهذه المعركة.

ولبّى الكثير من أبناء الجماعة نداء الواجب، واختار طريق الدفاع المشروع عن النفس والعقيدة ومقاومة الظلم الذي وقع على البلاد والعباد؛ تلك المقاومة التي لقيت تأييداً وتعاطفاً شعبياً كبيراً مما أسهم في انتشارها وتوسّعها لتمتدّ إلى جميع أرجاء سورية.

وبدل أن يلجأ النظام إلى الاستجابة لمطالب الشعب بأكمله، مارس سياسة الأرض المحروقة في المحافظات السورية، فكانت مذابح تدمر وجسر الشّغور وجبل الزّاوية وحلب وسرمدا، وكانت كبرى هذه المجازر مجزرة حماة المروّعة عام 1982م والتي ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء.

ولعل من أهم المحطات الدموية في هذه المواجهات مذبحة تدمر التي جاءت بعد يوم واحد من القاء قنبلة على الرئيس الأسد في 26 يونيو - حزيران 1980 إذ قامت على إثرها سرايا الدفاع التي يقودها رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري بقتل ما يزيد على 550 سجينا إسلاميا أعزل في سجن تدمر الصحراوي حسب المصادر الحقوقية الدولية

وبعد أقل من أسبوعين في 7 يوليو - تموز أصدر مجلس الشعب القانون رقم 49 لعام 1980 والذي ينص على عقوبة الإعدام لمن ينتمي الى حركة الإخوان المحظورة أصلا يستثني منها من يعلن توبته خلال ثلاثين يوما .

في هذه الأجواء تبنت قيادة الإخوان المسلمين في الخارج خيار " الثورة الإسلامية " وأصدرت بيان الثورة الإسلامية في سوريا ومنهاجها " ويتبين من قراءة هذه الوثيقة أن النظام السياسي الإسلامي البديل الذي تقدمه يستند الى مبادئ دستورية هي مزيج من المبادئ الإسلامية والتجربة الإنسانية

فبعد أن يقدم البيان تبريرا في القسم الأول للثورة الإسلامية ويدعو الطائفة العلوية الى التخلي عن النظام يقدم القسم الثاني معالم النظام الدستوري البديل القائم على المبادئ التالية :

  1. المساواة بين المواطنين وحمايتهم والحفاظ على كرامتهم .
  2. تبني نظام الشورى .
  3. الفصل بين السلطات .
  4. حرية تأليف الأحزاب السياسية
  5. اعتماد نظام الانتخابات المباشر
  6. حرية التفكير والتعبير .
  7. احترام حقوق الأقليات .
  8. ضمان استقلال القضاء .

المهم أن النظام قد استطاع حسم المواجهة العسكرية لصالحه خصوصا بعد مجزرة حماة الشهيرة في 2 فبراير - شباط – 5 مارس - آذار 1982 والتي ذهب ضحيتها ما بين خمسة الى عشرة الاف قتيل .

وبعيداً عن تقييم تلك المرحلة والتى بالطبع مارست الجماعة أخطاء تحت ضغوط النظام وذلك من خلال الانجرار الى مواجهة غير متكافئة سعي لها الشباب المتحمس من الطليعي في أجواء من الإقصاء السياسي والحمان من الفرص الاقتصادية والتمييز الطائفي – وتلقفها التيار الاستئصالي في النظام من رؤساء الأجهزة الأمنية والقوي الانتهازية فيه ودفع ثمن هذه المواجهة عشرات الاف الضحايا وتركت تركة ثقيلة على سوريا بأكملها .

الإخوان ومرحلة بشار الأسد

لا شك أن وفاة حافظ الأسد في 10 /6 /2000 مثلت نهاية مرحلة على الرغم من أن الحكم انتقل الى ابنه بشار من خلال عملية دقيقة ومحكمة لعبت فيها مؤسسات الدولة دورا شكليا لكن الإجراءات الحقيقية تم تخطيطها وتنفيذها من قبل الأجهزة الأمنية المتحكمة وتظهر البيانات والمقابلات التي صدرت عن جماعة الإخوان في سوريا تحفظا على انتقال السلطة على شكل التوريث

لكنها تتحدث عن فرصة لإنهاء حالة العداء بين الجماعة والنظام والى إمكانية فتح صفحة جديدة تعيد الى الشعب السوري لحمته ووحدته الوطنية والسير بالبلاد نحو الحرية والتعددية والديمقراطية والمشاركة الشعبية وتؤكد جملة هذه المواقف أن الطريق الى الإصلاح الداخلي يمر من خلال الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين والسماح بعودة المهجرين والغاء القانون رقم (49) ورفع حالة الطوارئ والغاء القوانين الاستثنائية .

وتزامنا مع الحراك السياسي في ما سمي " بربيع دمشق " الذي أفرز وثيقة الـ 99 ووثيقة الألف اللتين طالبتا بإطلاق سراح المعتقلين ورفع حالة الطوارئ والسماح بعودة المنفيين وإطلاق الحريات العامة والانتقال الى نظام تعددي أصدرت جماعة الإخوان في مايو - أيار لعام 2001 مشروع ميثاق شرف وطني للعمل السياسي يبلور الخط السياسي الجديد للجماعة ويمثل فراقا مع خطاب الثمانينيات " الثوري – الجهادي " ينطلق المشروع من ثلاثة ثوابت :

أولها: أن الإسلام هو مرجعية دينية وحضارية وبالتالي فهو عنصر موحد لكل أبناء الشعب السوري
وثانيها: انتماء سوريا الى المظلومة العربية تركز على عدم تناقض هذا الانتماء مع الهوية الوطنية
وثالث هذه الثوابت : الاستفادة من التجارب البشرية.

ثم يطرح المشروع هدفين رئيسيين:

الأول: بناء الدولة الحديثة وهي دولة تعاقدية ومؤسسية وتعددية وتعلو فيها سلطة القانون وتداولية ومدنية أما الهدف الثاني : فهو مواجهة تحديات البناء العام الذي يشمل بناء الفرد والمجتمع ومؤسسات المجتمع المدني وتحدي الإنجاز وبناء النظم وتحدي التنمية الشاملة .

وقد تم إقرار هذا المشروع في مؤتمر بلندن عام 2002 ضم بالإضافة الى الإخوان شخصيات ذات خلفيات قومية ويسارية وحقوقية مع إضافة بعض النقاط المهمة مثل الالتزام بمصلحة الوطن ووضعها فوق المصالح الذاتية والحزبية والالتزام بالعمل العام بعيدا عن الأساليب السرية والتزام باليات العمل السياسي الديمقراطي ووسائله

مؤكدين الحق المتكافئ للجميع إضافة الى الالتزام بنبذ العنف وبالتعاضد على حماية حقوق الإنسان وأخيرا وفيما بدا رسالة واضحة لبشار الأسد اشتمل الميثاق الوطني على فقرة تبدي تفهما " للتدرج في تحقيق الأهداف العامة لهذا الميثاق " ويفصل المشروع السياسي الذي أصدرته الجماعة في نهاية العام 2004 في كل هذه النقاط

ويؤصلها بشكل شرعي طارحا اجتهادات جديدة ومتبنية اجتهادات لمفكرين إسلاميين معاصرين وعموما فقد لاقي هذا الخطاب الجديد تجاوبا طيبا من القوي السياسية المعارضة الأخرى لعل أهم تطور فيه يتمثل في استعداد الحركات والشخصيات والأحزاب داخل سوريا المطالبة بأن يشمل الإخوان في أى حراك سياسي على طريق بناء نظام سياسي تعددي

لكن النظام القديم - الجديد لبشار الأسد لم يبد تجاوبا حقيقيا مع أى من هذه الطروحات الأمر الذي دفع بالإخوان الى دخول المرحلة الثانية من حكم بشار والمنتقلة من مرحلة المطالبة بالإصلاح الى المطالبة بالتغيير الشامل .

تعتبر النقط الفاصلة بين تصعيد الإخوان ومعهم باقي فصائل المعارضة الداخلية والخارجية ضد نظام بشار هو المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الإشتراكي والذي انعقد في يونيو - حزيران 2005 فقد وضعت المعارضة بمن فيهم الإخوان مجموع من المطالب الأساسية كانت تأمل في أن يأخذها المؤتمر على محمل الجد وتضمنت ما يلي:

أولا: إطلاق سراح المعتقلين وإغلاق الملفات الإنسانية
ثانيا: رفع حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ عام 1963
ثالثا: الغاء القانون 49 الذي يقضي بإعدام من ينتمي الى الإخوان المسلمين
رابعا: تعديل المادة الثامنة من الدستور التي تكرس احتكار حزب البعث للحكم وكان الإخوان قد ضمنوا مطالبهم في بيان دعا الى عقد مؤتمر وطني شامل خلال ثلاثة أشه يضع برنامج عمل للإنقاذ والتغيير يبدأ من الغاء المادة الثامنة للدستور وينتهي بإقامة جمهورية دستورية ديمقراطية .

رد النظام على كل هذه الدعوات والمطالب كان بالنفي ما خلا الوعود بالنظر في تجميد بعض مواد قانون الطوارئ وفي هذه الأجواء ومع تصاعد الضغوط الخارجية على النظام السوري بسبب سياساته الخارجية في لبنان والعراق وفلسطين بلورت المعارضة الداخلية والخارجية إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي والذي كان الإخوان أول المنضمين له من المعارضة في الخارج (130)

ولم تتوقف جماعة الإخوان المسلمون عن معارضتها للنظام السورى من خلال قياداتها فى الخارج ومحاولة تكوين جبهات وطنية قوية لمعارضة النظام كان أهمها "إعلان دمشق" (131) وجبهة "الخلاص الوطنى" (132) وغيرها من الجبهات والتكتلات التى سعت الجماعة إلى تدشينها مشاركة مع بعض القوى السياسية الأخرى

المبحث الثانى:الإخوان المسلمون ويوميات الثورة السورية 2011

تقترب حالة الإخوان المسلمين في المعارضة السورية من حالة حركة النهضة في تونس. في كلتا الحالتين لم تقل الحركتان الإسلاميتان إن عناصرهما هم من فجروا الثورة، ولكن القاصي والداني يعرف أنهما أكثر من عانى من بطش النظامين خلال العقود الماضية.

وفيما كنا قد تعرضنا لحالة حركة النهضة التي كافأتها الجماهير على صبرها وتضحياتها في مواجهة نظام دكتاتوري مريض مثّله بن علي وعائلته (تكرر ذلك في الحالة المصرية مع فارق أن الإخوان هناك كانوا من أكثر القوى الفاعلة في الثورة بالفعل).

فقد عانى الإخوان السوريون من عقود من الملاحقة كانت حصيلتها عشرات الآلاف من الشهداء ومثلهم من المعتقلين والمنفيين، الذين أنجبوا جحافل من الأبناء الذين لم يعرفوا بلدهم إلا من خلال الأناشيد الحزينة التي كانت تتردد في جنبات بيوتهم طوال عقود كان النظام يحرمهم خلالها حتى من الوثائق الثبوتية، قبل أن يمنَّ عليهم منذ سنوات قليلة بجواز سفر لسنتين فقط؛ اعتبره شكلا من أشكال الانفتاح والعفو، رغم أن قانون 49 سيئ الذكر القاضي بعقوبة الإعدام على كل من يثبت انتماؤه للجماعة لا يزال فاعلا إلى الآن.

وكما ذكرنا سابقاً أن الإخوان لم يغيبوا تماما عن الساحة، ليس فقط من خلال القلة الذين خرجوا من السجون أحياء يرزقون ، ولكن أيضا من خلال البيانات والكتب التي تؤرخ للمجازر والقمع الدموي، فضلا عن حضور الكثير من رموزهم طوال سنوات في وسائل الإعلام بوصفهم معارضة النظام المطالبين بإصلاحه لكي ينسجم مع أبسط مستويات الحرية والتعددية

الأمر الذي كان يقابله الأخير بالسخرية والتجاهل، معتبرا أن انتماءه إلى معسكر المقاومة والممانعة يعني أن الشعب سيقبل طائعا بقمعه ودكتاتوريته وفساده، من دون أن نعدم مجاملات عابرة من طرفه لبعض مساعي المصالحة التي كان يقوم بها بعض رموز الحركات الإسلامية التي انفتحت على نظام الأسد بسبب مواقفه الخارجية، لا سيما احتضانه لقوى المقاومة وفي مقدمتها حركة حماس.

وكما يقول أحد الباحثين:

الإخوان لم يكونوا جزءا لا يتجزأ من شعب يعاني من القمع ودفع الثمن الأكبر في مواجهة النظام فحسب، بل كانوا أيضا -بتاريخهم والصحوة الدينية التي كانوا جزءًا منها- حاضرين في قلب المشهد، ومنذ اليوم الأول للثورة دخلوا في حوارات مع سائر القوى من أجل ترتيب أوراق المعارضة لكي تغدو صفا واحدا في مواجهة النظام، ولكي تكون صوت الثوار على الأرض أمام العرب والعالم أجمع

وليس سرا أن الإخوان كانوا أصحاب الدور الأكبر في إنشاء ما يعرف بالمجلس الوطني، ولولاهم لما كان للمشروع أن يمرَّ ويغدو صوتا للثورة في الداخل والخارج، وهم من أجل ذلك مارسوا نكران الذات وقبلوا أن يكونوا في الصفوف الخلفية، بل قبلوا بأن يأخذوا أقل بكثير من حصتهم على الأرض، وفي وعي الجماهير (133)

وقد انطلقت الثورة السورية من حيث لم يتوقع أحد فبرغم قبضة النظام الأمنية جاءت الثورة ، فاندلعت شرارة الثورة في مدينة درعا حيث قام الأمن باعتقال خمسة عشر طفلا على إثر كتابتهم شعارات الحرية على جدار مدرستهم بتاريخ 26 شباط/فبراير 2011 م

وفي خضم ذلك كانت هناك دعوة للتظاهر على الفيسبوك في صفحة لم يكن أحد يعرف من يقف وراءها استجاب لها مجموعة من الناشطين يوم الثلاثاء 15 آذار/مارس عام 2011 وهذه المظاهرة ضمت شخصيات من مناطق مختلفة مثل حمص ودرعا ودمشق وكانت هذه الاحتجاجات ضد الاستبداد والقمع والفساد وكبت الحريات

وعلى إثر اعتقال أطفال درعا والإهانة التي تعرض لها أهاليهم بحسب المعارضة السورية، بينما يرى مؤيدو النظام أنها مؤامرة لتدمير الممانعة العربية ونشر الفوضى في سوريا لمصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى، وقد قام بعض الناشطين من المعارضة بدعوات على الفيس بوك

وذلك في تحد غير مسبوق لحكم بشار الأسد متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة (المعروفة باسم الربيع العربي)، والتي اندلعت في الوطن العربي أواخر عام 2010 وعام 2011، وخصوصاً الثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية. وكانت الاحتجاجات قد انطلقت ضد الرئيس بشار الأسد وعائلته التي تحكم البلاد منذ عام 1971، وحزب البعث السوري تحت سلطة قانون الطوارئ منذ عام 1963.

قاد هذه الاحتجاجات الشبان السوريون الذين طالبوا بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ورفعوا شعار: "الله سوريا حرية وبس" ، لكن قوات الأمن والمخابرات السورية ومليشيات موالية للنظام (عُرفت بالشبيحة) واجهتهم بالرصاص الحي فتحوّل الشعار إلى "إسقاط النظام". في حين أعلنت الحكومة السورية أن هذه الحوادث من تنفيذ متشددين وإرهابيين من شأنهم زعزعة الأمن القومي وإقامة إمارة إسلامية في بعض أجزاء البلاد.

في 18 مارس الانطلاقة الحقيقية للثورة السورية وتحت شعار "جمعة الكرامة" خرجت المظاهرات في مدن درعا ودمشق وحمص ووبانياس وقابلها الأمن بوحشية خصوصاً في درعا، فسقط أربعة قتلى على يد الأمن السوري في تلك المدينة، وتحوَّلت المظاهرات لباقي الأسبوع إلى أحداث دامية في محيط المسجد العمري ومناطق أخرى من المدينة

قالت منظمات حقوقية إنها أدت إلى مقتل 100 محتج بنهاية الأسبوع. في 25 مارس انتشرت المظاهرات للمرَّة الأولى لتعمَّ العشرات من مدن سوريا تحت شعار "جمعة العزة" لتشمل جبلة وحماة واللاذقية ومناطق عدة في دمشق وريفها كالحميدية والمرجة والمزة والقابون والكسوة وداريا والتل ودوما والزبداني، واستمرَّت بعدها بالتوسع والتمدد شيئاً فشيئاً أسبوعاً بعد أسبوع.

في 31 مارس ألقى بشار الأسد خطاباً في أول ظهور علنيٍّ له منذ بدء حركة الاحتجاجات، لكن المظاهرات استمرَّت بالخروج مع ذلك. وتحت الضغط المتزايد أعلن بشار في 7 أبريل عن منح الجنسية للمواطنين الأكراد في سوريا بعد حرمانهم منها لعقود، وفي 14 أبريل شُكلت حكومة جديدة للبلاد عوضاً عن القديمة التي استقالت الشهر الماضي. ثم أعلن بشار الأسد أخيراً في 21 أبريل عن رفع حالة الطوارئ في البلاد بعد 48 عاماً متصلة من فرضها.

مواقف الإخوان خلال الثورة

منذ انطلاق الثورة السورية وبدء الاحتجاجت الفعلية فى مارس 2011 أعلنت الجماعة دعمها لتلك الاحتجاجات والتحركات وطالبت كافة القوى العربية والدولية بالقيام بدورها تجاه تلك التحركات والموقف السورى العنيف منها، وحرصاً من الجماعة على تلك التحركات وعدم وأدها فى مهدها أنشأت الجماعة بمشاركة بعض الشخصيات والقوى السياسية "لجنة المبادرة الوطنية لمساندة الانتفاضة السورية" وكان فى القلب منها الإخوان المسلمين والتى أصدرت عدد من البيانات والتحركات لدعم تلك الثورة

وتقول المبادرة فى أوائل بياناتها الداعمة للثورة:

إننا ومن موقع المسئولية الوطنية، نؤكّد أن استحقاقاتِ التغيير في سورية قد بلغت مداها، وأن يقظةَ الشعوب ستصلُ إلى غايتها، وأن شعبنا لن يتنازلَ عن حقوقه في الحرية والكرامة والشراكة الوطنية، ونؤكّد أنّ الحلولَ الالتفافية والترقيعية لن تنفعَ في قطع الطريق على إرادة جماهير شعبنا، بكلّ مكوّناته الدينية والمذهبية والعرقية..
كما نحمّلُ النظامَ الحاكمَ مسئوليةَ عدم استجابته لمطالب الإصلاح المشروعة، ومسئوليةَ كلّ انتهاكاتِ حقوق الإنسان، كما نحمّلُه مسئوليةَ كلّ قطرة دمٍ تُسفَكُ في محاولاتِ قمع الشعب السوريّ وتطلّعاته التحرّرية..إننا ومن موقع المسئولية الوطنية، نؤكّد أن الحراك الشعبي الذي يجري في سورية، هو حراكٌ وطنيّ شبابيّ محض، وأنه ليس محسوباً على طائفةٍ أو فئةٍ أو حزبٍ أو جماعة.. إنه تحركٌ وطنيّ يشملُ أبناءَ الوطن جميعاً، ولمصلحة أبناء الوطن جميعا..

أيها الإخوة المواطنون.. إنّ من عوامل نجاح هذه الانتفاضة الشعبية المباركة، أن يكونَ خطابها ذا مصداقية. وإنّ في فضاء الإعلام المفتوح اليوم، قوى كثيرة، تحاولُ أن تسيء إلى مشروع شعبنا، عن طريق الأحاديث المضطربة والروايات غير الموثّقة، عن تدخّل قوى وأحزابٍ على خلفياتٍ طائفية، لمصادرة إرادة شعبنا وتشويه انتفاضته.

إنّ سلميةَ الخطاب والنضال لا يجوزُ أن تكونَ موضعَ جدل، في كلّ المراحل، فلا بدّ من الالتزام بالنضال السلميّ، ولا يجوزُ أن يُستجرّ أيّ فريقٍ وطنيّ، على الصعيد الفردي أو الجماعي، لأيّ فعلٍ أو موقفٍ عنيف..(134)

كما أصدرت المبادرة نداء الى قادة العالم مطالبة بتدخلها لوقف عمليات القتل التى تمارسها فرق "الشبيحة" المدعومة من النظام السورى فيقول البيان:

لقد كان الهدف من قتل أكبر عدد من المواطنين في أقصر وقت، هو قطع الطريق على الانتفاضة، وبث الرعب والذعر في نفوس أبناء المجتمع، لكي لا تتوسع دائرة الانتفاضة الشعبية، المطالبة بالحرية والكرامة وبمكافحة الفساد..
ولكي يتخلص النظام من مسئولية الجريمة التي مارسها - وما يزال - ضد المواطنين الأبرياء من أبناء الشعب السوري، والتي تقع في إطار الجرائم ضد الإنسانية، وتطالها القوانين والمحاكم الدولية.. فقد لجأ إلى الحديث عن نظرية (المؤامرة والفتنة)، وابتدع مصطلحاً وهمياً (المندسون)، ليلقيَ على مشجبه كل جرائمه وآثامه، ظناً منه أنه يستطيع بذلك أن يقتل بلا مسئولية ولا حساب..

ويضيف البيان:

إن لجنة المبادرة الوطنية لمساندة الانتفاضة السورية، تؤكّد أن الانتفاضة الشعبية في سورية - كما يعلن شبابها - هي انتفاضة وطنية، بعيدة عن أي موقف طائفي، سلمية بعيدة عن كل فعل عنيف، مطالبة بالحرية والكرامة والعدل، منددة بالفساد والاستبداد..
كما تؤكد أن فرق القتل وأدواته، هي قوات منظمة، تأتمر بأمر النظام وأجهزته، وأن الحديث عمن يسميهم إعلام النظام بالمندسين، هو حديث عن أشباح وهميّين، يريد النظام أن يختبئ وراءهم، وأن يحملهم مسئولية الجرائم وسفك الدماء.إن هذا الأسلوب الماكر والمكشوف، لن يُعفيَ أجهزة النظام من المسئولية الإنسانية والقانونية. ولن ينطليَ بأيّ حال من الأحوال على العقلاء (135)

وتحفيزاً لنضال الشعب السورى فى مواجهة النظام الفاسد وفى الذكرى السادسة والستين للجلاء وجهت جماعة الإخوان بياناً إلى الشعب السورى لتحفيزه على استمرار النضال والمواجهة فتقول فى بيان لها تحت عنوان " كما صنعنا الجلاء الأول.. معاً نصنع الجلاء الثاني":

أيها الإخوة المواطنون.. أيها السوريون جميعاً على اختلاف أديانكم ومذاهبكم وأعراقكم..في الذكرى السادسة والستين ليوم جلائنا العظيم، نتذكر آباءنا العظام الذين صنعوا لنا يوماً للفخر الوطني، نتذكرُ سلطان باشا الأطرش، وفرسان الغوطة الأبرار، والشيخ صالح العلي، وإبراهيم هنانو، ورجال الكتلة الوطنية، بكلّ مجدهم وعظمتهم، ونجدّد العهد لنصنعَ جلاءنا الثاني معاً، كما صنعوا الجلاء الأول من قبل، ونؤكد العهد ثانياً أن نحافظ على ثمرة جهاد المجاهدين، ببناء سورية الغد، وطناً لجميع أبنائه، ودولة للعدل والحرية والكرامة والعزة والفخار.. (136)

وعندما تصاعدت الأحداث وممارسات النظام العنيفة تجاه المتظاهرين دعت جماعة الإخوان المسلمين السورية المجتمع الدولى للتعرف على حقيقة الأوضاع فى سوريا

فتقول فى بيان لها:

  • نحمّلُ النظامَ القائم المسئولية الكاملة عن عمليات التفجير، التي تمت على الأرض السورية، ونؤكّد أنها عمليات مفتعلة، وتحمل بصمات عصاباته.
  • نطالبُ بتحقيق دوليّ شفاف في هذه التفجيرات، ونعتبرُ نكول المجتمع الدوليّ عن القيام بهذه التحقيقات، هروباً من تحمّل المسئولية الإنسانية والسياسية التي يفرضُها القانون الدولي..
  • نتمسّكُ بحقّ شعبنا في الانتصار لمشروعه الثوري، بكل الأساليب المشروعة، وفي مقدمتها التظاهر السلمي، والعصيان المدني. إننا، وإزاءَ تخلّف المجتمع الدوليّ عن مسئوليته في حماية أبناء شعبنا، ومع تمسّكنا بسلمية الثورة، وبوطنية منطلقاتها وآفاقها، نؤكّد على حقّ جميع أبناء شعبنا بالدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
  • كما نؤكّد على ضرورة الاعتراف بالجيش السوريّ الحرّ، كمؤسسة وطنية، وتمكين هذه المؤسسة من القيام بواجبها في حماية الشعب السوري من عصابات الإجرام. ونحمّل إخواننا من العرب والمسلمين مسئولية إمداد هذا الجيش وإسناده، حتى يفتحَ الله على شعبنا بالحق.. صبراً أبناء سورية، فإنّ موعدَكم النصر.. نصرٌ من الله وفتحٌ قريب.. ويومئذ يفرح المؤمنون (137)

وعندما انعقد مؤتمر أصدقاء سورية فى باريس فى يوليو2012 وجهت جماعة الإخوان بياناً للمؤتمر لتضع فيه بعض الحقائق وتحدد المطالب التى ينتظرها الشعب السورى من المؤتمر وأولها هو أن يسفر المؤتمر عن نتائج واقعية توقف المذبحة التى يتعرض لها الشعب السورى

ووصفت المؤتمر بأنه بمثابة مؤتمر لمواجهة عطالة مجلس الأمن ومما جاء فى البيان:

نعتقد - في جماعة الإخوان المسلمين في سورية - أن مبادرة السيد كوفي عنان قد ثبت فشلها. وإنه عندما يستطيع نظام عرف الجميع عنه المراوغة والكذب، أن يعلن في كلّ مرة قبولا زائفا للمبادرات الدولية، ثم يدير ظهره لها، كما هو شأن النظام في التعامل مع الملف اللبنانيّ، والملف العراقيّ، ومبادرة الجامعة العربية، ومبادرة كوفي عنان؛ فإن على الجميع أن يعلموا أن الثورات الشعبية لا يمكنها أن تتلوّن ولا أن تناور. إن الاسترسال في إطار مهمة السيد كوفي عنان، في الوقت الذي أعلن فيه المراقبون لزوم بيوتهم، يعني إعطاء النظام فرصة أكبر للقتل. وهذا ما ينبغي أن يكون حاضرا في أذهان الجميع..

ويضيف البيان:

إن خيبات الأمل المتكررة، التي جناها الشعب السوري من المؤتمرات الدولية المتعدّدة، سيكون لها - لو استرسل أصحاب القرار في تجاهل معاناة هذا الشعب الإنسانية والسياسية - انعكاسات خطيرة على حاضر الشعب السوري ومستقبله. إن الانتصار الحاسم لما يدعمه القانون الدوليّ من ضرورة حماية المدنيين، ومساعدة الشعوب المضطهدة على تحرر إرادتها لتقرير مصيرها، هو المفتاح الأخير لحلّ الأزمة السورية سياسيا..
يتطلّع شعبنا إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، يتساوى أبناؤها أمام قانون مدنيّ عادل، لا يطغى فيها بعض أبنائها على بعض. تحترم فيها حقوق الإنسان، وتكون فيها المواطنة مجردة من كل قيد، مناط الحقوق والواجبات. في عالم حرّ، تقاربت فيه المسافات، وانفتحت آفاقه بعضها على بعض، لن يقبل الشعب السوريّ أن يعيش تحت القيد من جديد (138)

كما دعت الجماعة ورحبت بحركة الانشقاق الداخلى التى أصابت بعض أركان النظام السورى وطالبت كافة أركان النظام بالخروج على الأسد ونظامه فتقول فى تصريح لها:

نرحب في جماعة الإخوان المسلمين بانشقاق الأستاذ رياض حجاب رئيس الوزراء السوري . ونرى في هذا الموقف الشجاع تعبيرا عن وطنية عالية ، وصدق انتماء إلى الوطن وإلى الشعب الذي أنجب لسورية أبناءها ليقوموا بحمايتها ..
ندعو كل رجال الدولة السورية في شتى مواقعهم إلى المسارعة إلى الانحياز إلى شعبهم ، إلى الانحياز إلى دماء الأطفال في سورية ، إلى مستقبل سورية الواحدة ضد بشار الأسد والمجرمين من عصاباته . ونؤكد للجميع أن هذه الثورة لا تستهدف إلا أكابر المجرمين الذين قتلوا وانتهكوا وعاثوا في الأرض الفساد ...
لقد أصبح البقاء في هياكل عصابات الأسد تحت أي عنوان لطخة عار في جبين كل من يقبل به . لطخة عار وطنية ، وثقافية ، واجتماعية ، وعشائرية ، وأسرية ... ندعو كل أحرار سورية إلى أن يغسلوا عن أنفسهم وعن مستقبلهم الوطني إثم هذا العار ...
يا رجال الدولة السورية على اختلاف مواقعكم وخلفياتكم .. تذكروا أنها لم تعد دولة منذ قتل بشار الأسد أول طفل سوري بريء ، تذكروا أنها عصابة مجرمة ترتكب باسمكم كل البشاعات ، فلا تذهبوا مع بشار الأسد إلى المزيد من المجازر .. إن بشار الأسد يخطط لتدمير سورية حضارة وعمرانا وإنسانا .. فكيف تقبلون أن تكونوا شركاء في الجريمة النكراء ؟!! إن صمتكم في هذا الزمن الثوري الذي يسفك فيه الدم السوري بكل قسوة ووحشية هو قبول في الشراكة بالإثم وبتحمل إثم المجزرة الكبرى على مدى التاريخ (139)..

كما كان للجماعة موقف واضح من خطاب بشار والذى طرح فيه مبادرة للحوار مع المعارضة السورية فقالت الجماعة فى تصريح لها:

لم يكن الشعب السوري لينتظر خطاب المدعو بشار الأسد، ولم يكن الشعب السوري ليتوقع من بشار الأسد شيئا، لأنّ بشار الأسد نفسه لم يعد يعني للشعب السوري شيئا.. إلاّ أنه مجرمُ حرب، تجب محاكمته، وإنزال القصاص العادل به، ولأنّ ما يعرضه من حلّ سياسيّ وحوار، إنما هو استمرار في نهج الغطرسة، ومرفوض من قبل أبناء الشعب السوري، ولا يعدل في ميزان الثورة والثوار شيئا.

وبشار الأسد الذي لا يرى في الشعب السوري الثائر على استبداده وفساده، إلا إرهابياً متطرفاً أو عميلاً مرتبطاً، لم يعرف أصلاً الشعب السوري، وإن كان قد ولد على الأرض السورية، وعاش بين السوريين. بشار الأسد -كما أبوه من قبل- لم يرَ في سورية إلا مزرعة، يستدرّ خيراتها، ويستعبدُ أبناءها. بشار الأسد هذا، لا يفهم معنى أن يرفضَ السوريون الأحرار الشرفاء، ما يعرضه من حوار، ولا معنى أن يقولوا له: أنت لم تعدْ تعني لنا شيئا، فاخرج من حياتنا إلى الأبد..

باختصار شديد.. ولأنّ بشار الأسد لم يعُد يعني السوريين في شيء أصلاً، ولأنه لا يمكن أن يكون له أيّ دور في واقع سورية، وفي صناعة مستقبلها، نقول لبشار الأسد: أنت -وليس مبادرتك فقط- لا تعنينا.. وأنّنا سنبقى ملتحمين مع شعبنا وثورته، حتى تحقق أهدافها كاملة في استعادة حريته وكرامته، وبناء دولة المواطنة المدنية الحديثة لكلّ أبنائها. ويسألونك متى هو؟. قل عسى أن يكون قريبا (140)

وحرصاً من الجماعة على وحدة الصف السورى وتبديد بعض المخاوف التى انتابت البعض من دورها المؤثر فى مشهد الحراك السورى سواء سياسياً أو على أرض الواقع طرحت الجماعة ما أطلقت عليه "ميثاق البر والوفاء"

وجاء فيه:

أيها الثوار الأبطال الأحرار.. أنتم صناع الثورة، كان مدادُها من دمائكم، وأنتم مالكو قرارها. وكلّ ما عداكم ومَن سواكم، إنما هو ملحق بكم، منفذ لإرادتكم، فلا تلتفتوا إلى حديث الوهن، يبثه هنا وهناك الواهنون. وإننا في هذا المقام، نعاهدُكم أن نظلّ الأوفياءَ لخياراتكم، الداعمين لقراراتكم، الكتِفَ بالكتِف، والساعدَ بالساعد، والدمَ الدم، والهدْمَ الهدْم.
نعلمُ أيها الثوار الأبطال، أنكم تسمعون تشكيكات كثيرة، يطلقها بعضُ من باع نفسه للشيطان، وبعضُ من لم يلتزم التحققَ مما يسمع وينقل؛ إننا في هذا المقام نجدّد عهدنا مع الذين مضَوْا من إخواننا الشهداء، ونجدّد العهد مع الذين ينتظرون منهم، أنّ بيعتنا مع الله، ثم مع شعبنا، ماضية، لا نقيلُ ولا نستقيلُ، بإذن الله، حتى تنتصرَ إرادة الشعب السوريّ، وتتحققَ أهدافُه، وتزولَ عصابة الظلم، برموزها ومرتكزاتها، وحواشيها وأتباعها، عن وطننا الذي نحبّ ونفدي..
لقد التقينا في فضاء المعارضة السياسية على قاعدة الشورى، وتواثقنا على ميثاقها، وها نحن أولاء - في جماعة الإخوان المسلمين- نجدّد عهدَنا معكم، وندعو كلّ أطراف المعارضة ورجالها، إلى البرّ والوفاء، والنزول على حكم الشورى وقانونها. لا نظنّ إلاّ خيرا، ولا نقولُ إلاّ خيرا، ندركُ في هذا الظرف العصيب التي تمرّ به ثورتنا، أنّ المتربّصين كثر، وأنّ الماكرين يحيطون بها من كلّ اتجاه..
أيها الثوار الأحرار.. وإذ تفترق بالبعض الطرق، فيؤثرون استعجالا أو اختزالا، فإنّ خيارَكم هو خيارُنا، وطريقكم هو طريقنا، بيعة عهد وبرّ، حتى يفتحَ اللهُ بيننا وبين قومنا بالحقّ (141)

وعلى واقع الممارسة السياسية مارست الجماعة العديد من الفعاليات والمؤتمرات لتجميع صف المعارضة السورية شاركت الجماعة بدور فعال فى تأسيس المجلس الوطنى كما سعت الجماعة إلى تأسيس عدد من الجبهات والقوى الفعالة لدعم الثورة السورية منها على سبيل المثال : "الاتحاد الوطني لطلبة سورية الأحرار" بقيادة حسن درويش، و"رابطة علماء بلاد الشام"، و"التيار الديمقراطي الإسلامي المستقل" بقيادة غسان نجار

و"رابطة العلماء السوريين" بقيادة محمد فاروق بطل، و"اتحاد منظمات المجتمع المدني" و"المجلس القبلي السوري العربي" بقيادة سالم المسلط وعبد الإله ملحم، و"مجلس ثوار مدينة حلب وريفها" بقيادة أحمد رمضان، و"هيئة حماية المدنيين" بقيادة نذير حكيم، و"جبهة العمل الوطني" بقيادة أحمد رمضان وعبيدة نحاس.

المبحث الثالث:إخوان سوريا والمقاومة المسلحة

من المؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين لم يكن لها تنظيم مسلح داخل أو خارج سوريا ولكن مع بدء الاشتباكات المسلحة شاركت الجماعة فى بداية تلك العمليات بالدعم اللوجستى والاغاثى، حتى استطاعت تكوين صفوفها وعودة الكثير من أبنائها المهجرين إلى الداخل وأعلنت دعمها وبكل قوة للجهاد المسلح ضد نظام بشار وخاصة بعد العديد من الجرائم التى ارتكبها هذا النظام السفاح

فقالت الجماعة فى أحد بيانتها:

لقد بلغ السيل الزبى، وتجاوزت فرق القتل الأسدية المجرمة، كلّ الخطوط والحدود.. فبعد القصف، والقنص، والقتل، والتدمير، والاعتقال، والانتهاك، والاجتراء على الأعراض، وتعذيب الأطفال والتمثيل بأجسادهم؛ أقدمت العصابات الهمجية يوم الأحد 26/2/2012، على إيقاف مجموعة من الأسر النازحة من حي بابا عمرو، في مدينة حمص، طلباً للنجاة من القصف الوحشي على مدار ثلاثة وعشرين يوماً، ثم حشرت الأسر النازحة في حافلات خاصة بحجة نقلهم إلى أماكن آمنة..

ثم قامت هذه القوات بإنزال الشباب والشيوخ من الحافلات وأقدمت على ذبح خمسة وستين شاباً بالسكاكين وبدم بارد.. كما تذبح الخراف. إننا - وبناء على كل ما مرّ - نعلن أسرة الأسد وفرق الموت التي يديرها وتسانده، عصابات مجرمة مارقة، اختطفت الوطن، فأمعنت فيه تدميراً وإفسادا، فأهلكت الحرث والنسل، مستعينة بقوى الشر من كل مكان..

أيها السوريون جميعا.. لم يترك لكم بشار الأسد خيارا، وليس أمامكم إلا أن تنتزعوا استقلالكم الثاني، كما صنعتم استقلالكم الأول، دون أن تنسوا أن عدونا اليوم هو أشرس وأقسى.. (أذِن للذين يقاتلون بأنهم ظلِموا، وإنّ الله على نصرهم لقدير..) (142)

وبالطبع لم يكن من السهولة بمكان اعلان الجماعة عن إنشائها لكتائب مسلحة داخل سوريا ولكن نظراً لمقتضيات الوضع الداخلى كشف أحد قياديها عن وجود تنظيم مسلح داخل سوريا يقاتل جنبا الى جنب وتحت قيادة "الجيش السورى الحر" فوفقاً لجريدة الشرق الأوسط

فقد كشف الناطق الرسمي باسم جماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا وعضو المجلس الوطني السوري ملهم الدروبي عن "تشكيل الإخوان ومنذ نحو 3 أشهر لكتائب مسلحة في الداخل السوري مهمتها الدفاع عن النفس وتأمين الحماية للمظلومين" مشددا على أن "هذا حق مشروع وواجب شرعي يشرّف الجميع" .

وفي أول حديث رسمي للجماعة عن الموضوع، أوضح الدروبي أن "هذه الكتائب منتشرة في معظم المناطق والمحافظات السورية وخاصة الملتهبة منها" ، مشددا على أن "هذه الكتائب تابعة للجيش الحر وتتعاون وتنسق معه"، وأضاف: "كما الكل يعلم فإن الجيش الحر ليس جيشا نظاميا له قادة ميدانيون بل هو تجمع وتعاون بين كتائب متعددة منتشرة بشكل غير مركزي" .

وبينما رفض الدروبي الحديث عن مصدر السلاح الذي يوزّع على عناصر هذه الكتائب أو طريقة مدّهم به لخصوصيات عسكرية، شدّد وردا على سؤال على أن "الشعب السوري قادر وحده على الدفاع عن نفسه وإسقاط النظام وبالتالي هو ليس بحاجة لعناصر غريبة تقاتل إلى جانبه"

وقال:

"أما موضوع ضبط كل الكتائب المسلحة بعد سقوط النظام، فهو لا شك تحدٍ يواجه الجميع ولا بد أن تكون هناك استراتيجية لهذا الأمر ولكن الشعب السوري هو شعب مسالم وحضاري وسيسلم سلاحه عندما يزول السبب الذي جعله يحمل هذا السلاح" جازما بأن "الشرفاء سيقومون وعندما يحين الوقت بتسليم أسلحتهم".

وكانت صحيفة "تلغراف" البريطانية نشرت مقالا حمل عنوان "الإخوان المسلمون يؤسّسون ميليشيا داخل سوريا". وأشارت الصحيفة إلى أن "جماعة الإخوان أنشأت هذا الجناح العسكري الذي يتمتّع بوجود قوي على الساحة السورية بشكل عام، خصوصا في العاصمة دمشق وفي المناطق الساخنة كحمص وإدلب.

وذكرت الصحيفة أن "الميليشيا التي يُطلق عليها اسم (الرجال المسلّحون للإخوان المسلمين)، تحدّث أحد قادتها ويدعى (أبو حمزة) عن أنها (تشكلت بالتعاون مع أعضاء بالمجلس الوطني السوري المعارض". ونقلت الصحيفة عن أبو حمزة قوله: "لاحظنا انتشار الكثير من المسلّحين في المناطق السورية، فقررنا جمعهم تحت مظلة واحدة".

ويقول، حسام أبو هابل، الذي كان والده الراحل عضوا في "الإخوان المسلمين" في الخمسينات، إنه يجمع بين 40 إلى 50 ألف دولار شهريا لتمويل المسلّحين الإسلاميين في حمص ومدّهم بالسلاح والمساعدات. ويشير أبو هابل إلى أن هؤلاء لم ينضووا في "الجيش السوري الحر" ، وهو الفصيل العسكري الأساسي للمعارضة السورية. وأضاف: "هدفنا أن نبني دولة مدنية لكن بقواعد إسلامية، ونحن نحاول رفع الوعي لناحية الإسلام والجهاد" (143)

ورداً على بعض الشائعات التى حاول أن يروجها البعض بخصوص إنشاء ميلشيات مسلحة للاخوان فى سوريا أكد أحد قياديى الإخوان أن هذه المليشات تعمل تحت قيادة الجيش السورى الحر وليس هناك ميلشيات مستقلة للاخوان، وقال القيادي الشاب محمد سيرميني، المتحدث الرسمي باسم المجلس الوطني السوري، في تصريحات خاصة لمراسل وكالة الأناضول "الإخوان المسلمون هم من يدفعون في اتجاه إيجاد هيكلة واضحة للجيش الحر، بحيث يكون الجيش الوطني لسوريا بعد رحيل بشار، فكيف يتم اتهامهم بالعمل لأنفسهم من خلال ميليشيات خاصة".

وأردف قائلاً

"الإخوان يميلون للوحدة سياسيًا تحت مظلة المجلس الوطني، وعسكريًا تحت قيادة الجيش الحر، وهذه السياسة نرى أنها هي التي ستقود سوريا للنصر" (144)

المبحث الرابع: إخوان سوريا والدعم الإيرانى للنظام السورى

منذ سيطرة حزب البعث السورى على السلطة وتركيز الحزب الحاكم على طائفيته وتوثيق علاقاته القوية بإيران وخاصة بعد الثورة الإيرانية والتى كان لها موقف مؤيد وداعم لنظام بشار الأسد فى حربه الدامية على الاسلاميين وجماعة الإخوان المسلمين عام 1982

مما جعل علاقة الإخوان المسلمين السوريين بإيران يشوبها التوتر المستمر وزادت حدة هذا التوتر مع النظام الإيرانى بدعمه المعلن للنظام السورى خلال الثورة الحالية ولم تكتف إيران بالدعم السياسى واللوجستى فقط بل وتخطت ذلك إلى الدعم البشرى والميدانى سواء من خلال عناصر الحرس الثورى الإيرانى أو حزب الله وكان موقف اخوان سوريا من إيران واضحاً ومباشراً فقد وضوعها فى مصاف النظام السورى، وتقول الجماعة فى أحد بياناتها

وذكر البيان الصادر عن الناطق الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين في سوريا زهير سالم "نعتبر روسيا والصين وإيران شركاء مباشرين في المذبحة البشعة التي تنفذ على شعبنا ليس فقط بدعمهم للنظام وإنما بمشاركتهم التعبوية المباشرة بالسلاح والعتاد في ذبح أبناء شعبنا الأعزل".

واكد البيان "مسؤولية هذه الدول المباشرة عن كل قطرة دم تسفك على الأرض السورية" مشيرا الى ان "المحرقة النازية يمكن أن تتكرر على أيدي النازيين الذين يحكمون سوريا اليوم" ، كما طالب البيان المجتمع الدولي بايقاف "المجزرة بحق الشعب السوري".

واضاف "لقد صمتم على مجازر الأمس لتقع مجزرة اليوم، وصمتكم على مجزرة اليوم يعني أنكم تطلقون يد هذا النازي الفاشي لتنفيذ مجازر الغد المفتوح على شر هؤلاء المجرمين الحاقدين" ، وشدد البيان على ان "عزيمة شعبنا لن تلين، وان نصره قادم بإذن الله" (145)

كما كشفت جماعة الإخوان عن رفضها لعرض إيرانى لوقف معارضة الإخوان لنظام بشار مقابل المشاركة فى الحكومة بأربعة مناصب رفيعة المستوى، فقد قال نائب المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا محمد فاروق طيفور إن إيران حاولت إستمالة الحركة إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد مقابل حصولها على 4 مناصب رفيعة المستوى في الحكومة السورية.

ونقلت صحيفة (واشنطن تايمز)، عن القيادي الإخواني إن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، أرسل 3 مبعوثين إلى اسطنبول في تشرين الأول - أكتوبر بهدف التوصل إلى إتفاق.

وقال طيفور، عضو المجلس الوطني السوري المعارض، إن إيران حاولت إستمالة (الإخوان المسلمين) إلى جانب الرئيس الأسد، مقابل 4 مناصب رفيعة المستوى في الحكومة السورية المقبلة.

وأضاف رفضنا الإلتقاء بهم، وأضاف أخبرناهم (من خلال وسيط تركي) أن إيران تأخذ طرفاً ضد الشعب السوري. وتابع حين تقف إيران إلى جانب الشعب السوري سنكون حينها على استعداد للقاء المبعوثين ونجري محادثات معهم، وقال وإلا لا يمكن أن نلتقي مع الإيرانيين حين يساعدون على قتل شعبنا.

وأوضح أن الوسيط التركي لم يكن مسؤولاً حكومياً، وأشار إلى أنه لا يعلم ما إذا كانت أنقرة على دراية بالموضوع. ولفت إلى أن الوسيط إتصل به 3 مرات في أسبوع واحد في مسعى لترتيب لقاء وجهاً لوجه مع المبعوثين الذين نزلوا في فندق باسطنبول (146)

كما أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بياناً صحفياً للرد على بعض الاشاعات التى أصدرها على لاريجانى فيقول البيان نقلت وسائل إعلام عربية عن صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تصريحات منسوبة إلى رئيس مجلس الشورى الإيراني "علي لاريجاني" بأن إيران أجرت اتّصالات بجماعة الإخوان المسلمين في سورية لتشجيعها على الانخراط في جهود إحلال السلام ودعم الإصلاحات اللازمة في سورية، ونقلت الصحيفة عن لاريجاني قوله بأن هذه الاتصالات جرت في إيران.

وإننا في جماعة الإخوان المسلمين إذ ننفي نفياً قاطعاً إجراءنا أي اتصالاتٍ مع إيران، فإننا نؤكّد ما جاء في تصريح المراقب العام للجماعة المهندس محمد رياض الشقفة لوكالة جيهان في السابع من أيلول الجاري أنّ إيران شريكةٌ في الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد بحقّ السوريين

و كما جاء أيضا في تصريح نائب المراقب العام للجماعة الأستاذ فاروق طيفور في الخامس عشر من أيلول الجاري لموقع "إخوان سيريا" أنّ العرض الذي أبلغت فيه إيران الجماعة استعدادها للتنازل عن مطلبها في استمرار الأسد مقابل التفاهم على المرحلة القادمة قد تمّ عبر وسيط تركيّ غير رسمي، وأبلغت الجماعة الوسيط أنه يجب أن تتوقف إيران عن دعم النظام السوري وتقف مع مطالب الشعب السوري وثورته قبل النظر في أي عرض مقدم .

كما نؤكد أن إيران بدعمها المستمر لنظامَ الأسد هي شريكةٌ في قتل الشعب السوري وفي معاناته، وما تصريحات القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري حول وجود أفراد من فيلق القدس التابع للحرس الثوري في سوريا ولبنان إلا تأكيدا على الدور الإيراني فيما يحدث ، وعلى إيران أن تفهم جيدا أنّ المستقبل لهذه الثورة مهما طالت ، فعليها أن تغير موقفها و تقف في صف الشعب السوري وتنحاز إلى ثورته وتتخلى عن الأسد ونظامه (147)

المبحث الخامس: إخوان سوريا والرد على الشبهات

واجهت جماعة الإخوان المسلمين بسوريا وخاصة فى الفترة الحالية من عمر الثورة السورية العديد من الاتهامات والشبهات التى تستهدف الجماعة ورموزها بدعوى سعيها لفرض ارائها وسياساتها الخاصة على مسار الثورة وهذا مانفته الجماعة جملة وتفصيلاً، فقد اعتبر نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين السورية علي صدر الدين البيانوني أنّ أولوية الأولويات للثورة السورية هي إسقاط نظام الأسد وتغيير موازيين القوى على الأرض بتزويد الثوار بأسلحة نوعية.

وأشار رئيس اللجنة السياسية في جماعة الإخوان السوريين إلى أنّ التدمير الشامل الذي يقوم به النظام بحاجة لإعادة إعمار تمتد لسنوات، ويظهر أنّ المقصود هو شغل السوريين طويلاً بعد سقوط النظام بعلاج جراحهم وإعادة بناء بلدهم.

ورأى أنّ تبرير عدم تسليح الثوار بالخوف من وقوع الأسلحة بقبضة متطرفين، يقابله إدراك الولايات المتحدة بوجود قيادات منضبطة بالجيش الحرّ يمكن تسليمها الأسلحة دون خوف. وذكر أنّ التذّرع بتشتّت المعارضة السورية ينفيه اتّفاق هذه المعارضة على خطوط عامّة تمثّل هدفاً للشعب ولا يمكن توقّع منهم أكثر منها، وهي إسقاط النظام وإقامة دولة ديمقراطية تعددية.

وشدّد نائب المراقب العام للإخوان المسلمين السوريين على أنّ منحنى الثورة السورية في صعود مقابل تراجع النظام، وإدراك داعميه الرئيسيين بروسيا وإيران أنّ سقوطه قادم لا محالة. وأكّد البيانوني أنّ الشعب السوري لن يقبل بعد تنسّمه نسمات الحرّية وما سدّده من ثمن باهظ بالعودة للدكتاتورية مرة أخرى.

واعتبر أنّه لا خوف على سورية من التطرّف لأنّ المسلمين فيها أصحاب تديّن وسطي ومعتدل، وذكر أنّ من يتحدّثون عن مجموعات متطرّفة بين الثوار يقرّون بعدم تجاوز هذه المجموعات نسبة 10% ويشيرون إلى أنّ هدفهم الرئيسي هو إسقاط النظام.

ولفت القيادي الإخواني السوري إلى أنّ تطرّف هذه المجموعات قابل لمعالجته بعد سقوط النظام عبر حوار حرّ يستند للمنطق والأدلّة الشرعية. من جهة أخرى أشار البيانوني إلى أنّ ممثّلين التقاهم لكلّ وزارات خارجية الاتّحاد الأوروبي كالوا الثناء لوثيقة العهد والميثاق التي أصدرتها جماعة الإخوان المسلمين السورية.

وقال إنّ الحديث عن سيطرة الإخوان على الائتلاف الوطني لا سند له لأنّ نسبتهم بالائتلاف لا تتجاوز 10% وهم مستعدّون لخفضها 5% حرصاً على الصالح الوطني (148) كما نفت الجماعة اتهام البعض لها بمحاولة السيطرة على "الائتلاف الوطنى" فقد صرح المراقب العام لإخوان سوريا إنه لا يعرف السر وراء ما وصفه بـ"موسم الهجوم" على الإخوان، معتبراً أن الاتهامات التي كيلت لجماعته مؤخراً "تافهة ولا قيمة لها".

وأشار الشقفة في حديث للوكالة الألمانية أن الهجوم على إخوان سوريا يهدف "لإضعاف الثورة السورية عبر تمزيق المعارضة" ، وأن الشعب السوري "يدرك جيداً من هم الإخوان وماذا قدموا للثورة" .

وتابع مرشد إخوان سوريا:

من يهاجموننا ليسوا من الشخصيات الثورية أو من قيادات المعارضة صاحبة الوزن الحقيقي على الأرض.. إنهم شخصيات تحاول من خلال الهجوم علينا أن تكون شخصيات مهمة ونافذة، ولكننا نقول لهم: القوة تكتسب من الثقل على الأرض بسوريا وبين صفوف الثوار لا عبر التحدث بوسائل الإعلام".

ونفى الشقفة أن يكون للإخوان أي دور في اختيار أو دعم "غسان هيتو" لتولي رئاسة أول حكومة للمعارضة، كما نفى أن يكون للإخوان أي دور في تقديم رئيس الائتلاف "معاذ الخطيب" باستقالته.

وفصّل قائلاً:

لم نرشح هيتو ولسنا سبباً في استقالة الخطيب، والحديث حول ذلك لا أساس له من الصحة، وبالمثل الحديث عن سيطرتنا على كل من المجلس الوطني ثم الائتلاف الوطني لا أساس له من الصحة، فتمثيل الإخوان في كل منهما يقل عن 10 في المئة" (149)

كما نفت جماعة الإخوان المسلمين ما ردده فهد المصري المسئول الإعلامي السابق بالجيش الحر، من مزاعم حول أزمة بين الإخوان والجيش الحر، مؤكدة أن المصري لا يمثل إلا نفسه وأن كل ما ادعاه عار تمامًا عن الصحة.

وقال عمر مشوح رئيس المكتب الإعلامي لإخوان سوريا: في بيان: إنه لا مشكلة بين الجماعة والجيش الحر، مشيرًا إلى أن بيان المصري كاذب لا أصل له، ولا يمثل إلا نفسه، وأن الجماعة على اتصال دائم على مدار الساعة بالجيش الحر.

وأوضح مشوح أن القيادة المشتركة لهيئة الأركان بالجيش الحر أكدت للجماعة في اتصال بينهما، أن المصري لا علاقة له بهيئة أركان الجيش الحر، بعد إقصائه هو وقاسم سعد الدين، وأن المتحدث الإعلامي باسم هيئة أركان الجيش الحر حاليًا هو العقيد الطبيب عبد الحميد زكريا، ورئيسها هو اللواء سليم إدريس وأكد الحر أنه لا علاقة له بهذا البيان.

وفي مداخلة هاتفية مع قناة "الميادين" أوضح مشوح أن الاتهامات التي يسوقها المصري في بيانه، لا أدلة عليها، كاشفًا أن هذه الاتهامات والافتراءات وغيرها حلقة من سلسلة للإساءة للجماعة وسمعتها والنيل منها، تقودها أطراف عديدة، منها النظام ودول عربية إقليمية، قائلا: "أنصح هذه الأسماء بالحفاظ على استقلالية قرارهم والحفاظ عليه دون المساس بالجماعة ورموزها ومشروعها، نحن جزء كبير من الشعب ومحاولات النيل منا لن تأتي لكم بخير" .

وتابع:

"كل ما يجري في النيل من الجماعة هو مخطط فاشل وسخيف يحاول عرقلة مسار الثورة، موضحًا أن كل من يتواطئ مع هذا المخطط سيكون عليه علامة استفهام حول مواقفه البعيدة عن التحالف الوطني".

وردًا على مزاعم المصري بسعي الإخوان إلى إسقاط الدولة السورية، أكد مشوح قائلا: منذ بداية الثورة، كنا الأحرص على حماية الشعب والوطن والمؤسسات ونعمل على الحفاظ عليها، مضيفًا: "نحن لا نريد غير إسقاط النظام دون النيل من المؤسسات بل نعمل على حمايتها" (150)

كما أصدرت الجماعة بياناً توضحيياً عن دورها فى الثورة والرد على بعض الإشاعات التى استهدفتها خلال الفترة الأخيرة ونظراً لأهمية هذا البيان ننشره كاملاَ دونما حذف أو تصرف لأنه يعالج العديد من النقاط المثارة حول الإخوان والثورة السورية

بيان وتوضيح من جماعة الإخوان المسلمين في سورية

إلى إخوة الدين والعقيدة.. وإلى شركاء الوطن في سورية الحرة الأبية..

إن تطورات الأحداث من حولنا، والظرف الوطنيّ الحرج الذي تمرّ به ثورة شعبنا، وحملة التشويه والإفك التي تشنّها بعض الأصوات والأقلام على جماعتنا.. توجب علينا هذا البيان والتوضيح، لوضع الحق في نصابه، ولقطع الطريق على دعاة السوء، الذين تفننوا بإلحاق الأذى بهذه الثورة، التي قررنا أن نلتحم بها، من أول يوم انطلقت فيه، وأن نكون من جندها الأوفياء، لنؤديَ ما نستطيع من واجب نصرتها ومساندتها..

طبيعة الهجمة على الجماعة

لقد كانت بداية هذه الهجمة التي يشنها دعاة السوء هؤلاء، هجمة على هذه الثورة وأبطالها، فتناولت أقلامهم المسمومة شعارات الثوار الإيمانية، وأسماء جمعها، والمساجد التي ينطلقون منها، حتى بلغ ببعضهم الكيد والحقد أن يصفوا أمهات الشهداء وأخواتهم وبناتهم المسلمات القانتات، أنهن القادمات من العصر الحجري.

ولم يكن سكوتنا عن هؤلاء ضعفاً أو عجزا، بل على أمل أن يردّهم إلى رشدهم سيل الدماء وأشلاء الشهداء، ولكن هيهات هيهات.. فقد ظلّوا يلوكون أحاديث الكيد عند أوليائهم، تخويفا من الثورة، وتشويهاً لصورتها، وتأليبا عليها، وتخذيلا عن نصرتها، وربما أسهم ذلك في هذا الموقف الدوليّ المتخاذل عن نصرة شعبنا وثورته.

مما يؤكّد أن ما يدّعونه من دعاوى الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ما هي إلاّ دعاوى باطلة، وشعارات رنّانة، فليست الديمقراطية - في فهمهم - إلا أن ينزل شعبنا على إرادتهم، ويدور في فلكهم، ويسلم قياده لهم.

المشروع الإسلامي للجماعة في إطاره الوطني

لقد حملت جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها، عبء المشروع الإسلاميّ لشعبنا في إطاره الوطنيّ، لتستعيد سورية مكانتها، وطنا عزيزا، وشعبا سيدا، ودولة مدنية حديثة، يتساوى فيها المواطنون، على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية والسياسية، دولة تنتمي إلى هذه الأمة الوسط على مدى ألف وخمسمائة عام، حاملة لدعوة الإسلام، حارسة لقيمه، حيث ظلّ الشام موئلَ الفئة الظاهرة، تنفي عن الإسلام تحريف الغالين وانتحال المبطلين.. كما تنتمي إلى دوحة العروبة الباسقة، تجمعنا اللغة والأصول المشتركة، من غير تعصب ولا انغلاق.

وطوال العهد الوطني كانت جماعتنا شريكا وطنيا إيجابيا فعالا. لم يسجّلْ عليها في تاريخها الناصع ضلوعا في مؤامرة، ولا تواطؤا مع مستبد، ولا تحريضا على فتنة، ولا استئثارا بموقع، ولا تهمة واحدة مما يلصقه بها اليوم هؤلاء الخرّاصون المتقوّلون.. بل كانت دائما بقادتها ومؤسسيها، موئلاً للدعوة إلى الخير، وحصنا للإسلام وأهله، ودرعاً لكل أبناء الوطن..

وعند احتلال الصهاينة أرضَ فلسطين، استنفرت الجماعة مع من استنفر من رجال الأمة، للدفاع عن الأرض، وللذود عن الحياض، وقدمت شهداء تحتسبهم عند الله، وظلت قضية فلسطين الهمّ الأول، والشغل الشاغل، إلى أن تم إقصاؤها عن الساحة السورية بالطريقة التي تعلمون..

وكان التأسيس للفقه الوسطيّ المعتدل، الهمَّ الأول للجماعة ولقيادتها، متمسكة بالمبادئ والقواعد والأصول، داعية إلى التجديد فيما يحتاج إلى تجديد، من فقه النوازل والفروع. وحمَلت الجماعة في هذا المضمار عبئا وطنيا كبيرا، وكان الجهد الدعويّ في التأسيس لمدرسة الاعتدال والتيسير والانفتاح، هو السمة البارزة في مشروع الجماعة النهضويّ الوطني الإسلاميّ.

كما حملت الجماعة في برنامجها الاجتماعي، همّ مكافحة العادات البالية، والتصدّي للتعصّب بكل أشكاله وصوره، بما فيه التعصب الطائفيّ. ورفعت راية العلم والتعليم، وعملت على ترسيخ نظرية الإسلام في العدالة الاجتماعية، ودافعت عن حقوق المرأة، وسعت لرفع نير التعصّب والانغلاق عنها، وحضّت على تعليم البنات في المدارس والجامعات.

وعندما طرح مشروع الوحدة بين سورية ومصر، وعلى الرغم من الخلاف التاريخيّ بين الجماعة وبين عبد الناصر، فقد أيّدت الجماعة دولة الوحدة، وحلّت تنظيمها استجابة لاستحقاقاتها. وعندما قام المغامرون بحلّ عُرَى هذه الوحدة، ووقعوا وثيقة الانفصال، كانت الجماعة من القوى الوطنية التي رفضت التوقيع على هذه الوثيقة.

الجماعة وعبء التصدّي لمشروع الاستبداد

ومنذ أن أستأثر حزب البعث بالسلطة في الثامن من آذار/1963، بدأت القوى السياسية تتوارى عن الساحة. ولم يبق إلا بعض الرموز من المعارضين الشرفاء، الذين يأبى علينا إسلامنا ووفاؤنا أن نغمطهم حقهم ودورهم؛ لتبقى الجماعة شبه وحيدة في ساحة المعارضة، خلال نصف قرن.

وحتى نكون أكثر إنصافا، فنحن عندما نستخدم كلمة (الجماعة) في هذا السياق لا نقصد (تنظيم جماعة الإخوان المسلمين) بأفراده المحدودين.. وإنما نقصد الحامل العقديّ والفكريّ والسياسيّ والاجتماعيّ، من أهل العلم والفضل، والشخصيات الوطنية المستقلة، الذين حملوا معاً متعاونين متضامنين، عبء التصدّي لمشروع الاستبداد.

وفي الستينيات، عندما كان شعار البعث المدوّي: (آمنت بالبعث ربا لا شريك له.. وبالعروبة دينا ما له ثاني).. كانت الجماعة تأخذ زمام المبادرة، ويهبّ معها كلّ أبناء سورية، في المدن والبلدات.. للدفاع عن الدين والعقيدة والقيم. وكانت الجماعة تدفع ثمن ذلك من أمنها ومن حياة أبنائها وحرية قياداتها..

وفي السبعينيات، عندما خلا الجوّ لحافظ الأسد، وتفرّغ لتنفيذ مخططاته المريبة على كل الصعد السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.. كانت جماعة الإخوان المسلمين، ومعها الكثرة الكاثرة من أبناء سورية، تتصدّى لمخطّط حافظ الأسد وسياساته الاستبدادية.

وكان الصراع يومها حاميَ الوطيس، وصنف الإسلاميون عموما، وأبناء جماعة الإخوان المسلمين خصوصا، تحت عنوان الثورة المضادّة حسب المفهوم الستاليني، ومضت المعركة إلى غايتها حتى حدث الصدام الكبير..

الجماعة وأحداث الثمانينيات

وكانت ثورتكم الوطنية الأولى في الثمانينيات.. ثورة كل الشعب السوري. ولم تكن ثورة الإخوان المسلمين وحدَهم. لقد زجّ فيها المجتمع السوري كلّ قواه السياسية والمدنية. ولم تكن نقابات الأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين التي شاركت في تلك الثورة، محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.

وتواطأ المجتمع الدولي حينئذ على الجريمة، وأعطى حافظ أسد الغطاء، ليسحق الثورة بكل قسوة، في عصر لم تكن تتوافر فيه وسائل التواصل والإعلام المعينة على كشف الجريمة. لقد كانت تلك الثورة - كما هي اليوم - ثورة الشعب كله، وحُمّلت جماعتنا مسئوليتها فتحملتها بكل شمم وإباء. بينما انفضّ عنها كثيرون.

إن كل الاتهامات والادعاءات التي يسمعها أبناء شعبنا اليوم عن ثورتهم الحالية، سبق أن أطلقها حافظ أسد من قبل عن ثورة الآباء، وفرض على أبنائنا تردادها كل يوم في طابور الصباح. وبدلاً من أن يأخذ على شباب سورية العهد على تحرير الجولان الذي سلمه للعدو بصفقته المشهورة، كان يأخذ منهم العهد على القضاء على (جماعة الإخوان المسلمين). ثم أكّد ذلك بقانون العار رقم (49/1980) الذي أعدم بموجبه عشرات الآلاف من آبائكم وإخوانكم وأعمامكم وأخوالكم..

موقف الجماعة من ثورة الشعب السوري

لقد كانت ثورة آذار 2011 ثورة كلّ الأحرار من شعب سورية، الذين خرجوا يهتفون للحرية والعدل والكرامة، ويعلنون التزامهم بسلمية الثورة ووطنيتها. ولم تكن ثورة حزب أو جماعة. إنها ثورة الدفاع عن حقوق المسحوقين وحرياتهم، على اختلاف خلفياتهم الدينية أو المذهبية أو العرقية.. ثورة العامل والفلاح الذي سُرق عرقه وجهده، والمثقف يفقد حقه في الفرصة الوطنية

لأنه من خلفية لا تروق لضابط الأمن، ثورة المرأة تُحرَمُ من حقها الوطنيّ لأن زيّها في اللباس لا يعجب بعض الذين وضعوا قيما للحداثة وللعلم والعقل، غيرَ التي يقرّرها العلم والعقل. كما هي ثورة التاجر الذي اضطر لسنوات طوالا، أن تشاركه الطفيليات البشرية في جهده، وثورة الفنان والشاعر، والكاتب والصحفيّ والمبدع الذي لم يُسمَح له أن يتنفس إلا من منخري ضابط الأمن..

لقد أعلنا من أول يوم انطلقت فيه هذه الثورة المباركة، أنها ثورتكم، ثورة الشعب السوريّ كلّه، وأننا ملتحقون بها. وإن كانت لنا قوة، فهي لهذه الثورة، ولهؤلاء الثوار، الذين نقف من جميعهم على مسافة واحدة.. نحن منكم وبكم ولكم.. قوتنا من قوتكم، لسنا جسما منفصلا عن هذا الشعب وثورته.

لكننا نصارح شعبنا وبكل شفافية في هذا المقام، أن جماعتنا كانت - وما زالت - في محنة منذ نصف قرن: قتلٌ وسجنٌ وتشريدٌ وتضييقٌ وتقتير.. نعلمُ أن كثيرين منكم حين تضيق بهم السبل، يتوقعون أن يجدونا قريبا منهم، دعماً ومساندة، وذلك هو سعينا، والأحبّ إلى قلوبنا، والأقرب إلى عقولنا

لكن الحقيقة التي ينبغي أن ندركها جميعا، هي أن الحاجة أكبر من الطاقة، وأنّ هذه الجماعة التي تحمل على كاهلها عبء خمسة عقود من المحنة، لا تملك من الإمكانات ما تتحدّث عنه مبالغات بعضهم، ولا تجد من الدعم ما تنسجه أوهام المتوهّمين..

رفض سياسات الإقصاء والاستئصال والاستئثار..

ونحن الذين عانينا خلال نصف قرن، من سياسات الاستئصال والإقصاء.. نبسطُ يدنا بالعهد، لجميع أبناء شعبنا، في ظل هذه الثورة المباركة، أننا لن نقبل أن يكونَ للإقصاء أو الاستئثار مدخل لحياة الناس، في مجتمع العدل الذي نسعى إليه.

وأن الدولة المدنية القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات، لن تكون دولة امتيازات، على أيّ خلفية دينية أو مذهبية أو عرقية. وكلّ الإفك الذي يُفترَى حول نوايانا أو تصرّفاتنا، ما هو إلا من افتراءات أصحاب الامتيازات للاحتفاظ بامتيازاتهم..

رؤية الجماعة لسورية المستقبل

ولقد سبقت جماعتنا إلى توضيح مواقفها من شكل الدولة، وبنيانها وأسسها ومنطلقاتها ومرجعيتها، من خلال ما قدمت في ميثاق الشرف الوطني، وفي مشروعها السياسيّ، حيث أعلنت - انطلاقاً من مرجعيتها الإسلامية - تمسكها ببناء سورية دولة مدنية حديثة تعددية تداولية ديمقراطية، مؤكدة رفضها للدولة (الثيوقراطية) بكلّ أشكالها.

ثم أعادت تأكيد ذلك كله، بالعهد والميثاق الذي أصدرته في ظلال هذه الثورة المباركة. لقد أصدرت جماعتنا هذه الوثائق التاريخية، تعبيرا عن رؤيتها الإسلامية التي تسعى من خلالها إلى بناء مجتمع العدل والمساواة، حيث يكون التعاون الإيجابيّ البناء، هو الطريق إلى الدولة التي يحلم بها جميع الأخيار..

دور الجماعة في الإطار الوطني

ولقد انطلقت هذه الثورة المباركة فالتحم كلّ الشرفاء بها، وسعت إلى عقد مؤتمراتها وهيئاتها، فضممنا سعينا إلى سعي الجميع. ووضعنا ما نملك من إمكانات في خدمة المشروع الوطني، على كل صعيد. ويكفينا للردّ على الذين يدّعون علينا بالاستحواذ والاستئثار، أن يراجعوا أسماء الشخصيات الوطنية التي قامت جماعتنا بترشيحها للمجلس الوطني، حيث تنازلت الجماعة عن كثير من مقاعدها، لشخصيات من الطيف الوطني الواسع، بغية لمّ الشمل وتمتين اللحمة.

ثم كان الائتلافُ الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة، فاستجابت جماعتنا للدعوة إلى المشاركة فيه، دون مساومات أواشتراطات أومحاصصات، لأنها تدركُ انها تشاركُ لتعطيَ وتدعم، لا لتأخذ أو لتستفيد. وإنّ هذا الصخبَ وهذه الضوضاء، عندما يثيرها بعض المشاغبين، إنما هي جزء من نفسية المستبدّ، الذي يغضبُ كلما لاحظ أن الأمورَ لا تسير على هواه. أو الذي يظن أنه خُلِقَ ليأمرَ ويُطاع، وما مفهومُ الشورى والديمقراطية عنده إلا أن يجدَ من يصفقُ له عند كلّ قول، مستقويا بمن يدعمُه أو بمن يركنُ إليه..

إن موقفنا الإيجابي من الانخراط في المشروع الوطني ببعدَيْه الثوريّ والسياسيّ، حسب قدرتنا وطاقتنا، إنما هو تعبيرٌ عن تصميم حاسم، على تقديم كل طاقة وجهد، لدعم المشروع الوطني في أفقه العام. وبينما تتخلّفُ بعض القوى المجتمعية – لأسباب لا تخفى – عن تحمّل مسئولياتها في الفعل الثوريّ والوطنيّ؛ تظلّ تلحّ في السؤال عن حظوظها في شراكة الغد، دون أن يخطرَ على بالها أبدا أن تسألَ عن دورها وواجبها في شراكة اليوم!!

وبالطريقة نفسها، بينما يشغلُ كلّ الوطنيين الشرفاء من قادة الرأي والفكر مكانَهم على مقعد المسئولية الوطنية، ليكون لهم الدور الفاعل أو الداعم، يختارُ بعضُهم أن ينتبذ مقعدا قصيّا، ليعطيَ نفسَه حقّ الأستاذية، التي تغمزُ وتلمز، وتطعنُ وتشكّك، وتخذلُ وتخوّن..

لقد كانت استراتيجية جماعتنا منذ قاربت العمل الوطني في هذه المرحلة، أن تسعى إلى التوافق، وتسير مع الأكثرية، لاسيما وأن الحوارات إنما تدورُ في فضاء قضايا، ليس فيها من الفوارق ما يدعو إلى كلّ هذا الصخب وهذه الضوضاء.. لم يكن لجماعتنا مرشحٌ لرئاسة الحكومة المؤقتة، ولم نكن ضدّ أيّ مرشح، وكنا مستعدّين للتصويت لأيّ مرشح يحقق أكبرَ نسبة من التوافق.

إن موقفنا السياسيّ المنحازَ أصلا للتوافق ولإرادة الأكثرية، في أيّ ملتقى وطني، هو الذي يجعلُ الأمورَ تبدو لمن يحب أن يعاندَ هذه الإرادة، أننا أصحابُ القرار والمتحكمون فيه..

الموقف من القوى الإقليمية والدولية

لقد انطلقت هذه الثورة الشعبية ثورة وطنية، للعدل والحرية والكرامة الإنسانية. ولم تكن جزءاً من أيّ صراع دوليّ أو إقليميّ، ولا تريد أن تكون. وكنا دائما حريصين مع كلّ المخلصين، على تجنيب هذه الثورة جرائرَ الصراعات الدولية. لم نكن نتوقعُ أن تحملَ روسية الاتحادية كلّ هذا الحقد والكراهية على شعبنا!! وما زلنا حريصين على وقف هذا الطوفان الذي تجاوز كل حد..

ولم تكن هذه الثورة ثورة طائفية أو مذهبية. ولم نكن نتوقع من مراجع إيران هذا الحجم من العداوة والبغضاء. أو أن ينغمس معهم في حربهم على شعبنا، أيّ من القوى المحسوبة على دولنا العربية في لبنان أو في العراق ، ولكن - مع الأسف - كان هذا الذي يواجهه شعبنا وثورته، بطريقة تجاوزت كلّ الحدود والتوقعات.

لقد اختار مراجع إيران وأتباعهم في المنطقة موقفهم. وحسموا أمرهم في الانحياز إلى القاتل المستبدّ، بطريقة قطعوا فيها على أنفسهم أيّ طربق للقاء، في الحاضر والمستقبل.إننا مع الشكر العميق لكل من ساند ثورة شعبنا، أو ساعد أهلنا اللاجئين اليوم تحت كل نجم، نجد من حق شعبنا علينا، أن نصارحَه وبكلّ الشفافية والصدق، أننا لسنا محسوبين على أيّ دولة، ولا ندور في غير فلكنا الوطنيّ، ولا نلتزمُ غيرَ الإرادة الوطنية التي هي إرادة هؤلاء الثوار الأبطال، الذين التزمنا أمام الله والناس، أن ندافعَ عنهم وأن نحملَ همّهم وأن نعبّرَ عن تطلّعاتهم..

ندركُ أن لهذه الهجمة الشرسة على جماعتنا أبعادَها الشخصية، وأبعادَها السياسية، كما أنّ لها أبعادَها الدولية والإقليمية. ليس لنا أن نحمّلَ ثورتنا تبعات أيّ قطر أو ربيع عربي. خصوصيتنا السورية نحن أدرى بها. خصوصية موقع قطرنا الإقليمي أكثر أهمية.

طبيعة معركتنا من خلال ما فُرِضَ علينا، من حرب طائفية مقيتة، تقتضي من أصحاب القرار في الدول العربية، أن يعيدوا حساباتهم، فمعركة ربيع سورية سيكون لها ما بعدها. ولا نحبّ أن نعيدَ على مسامعهم لغة بشار الأسد. بل الحقّ - والحق نقول - إن بقيَ بشار الأسد، فسوف يذهبُ من وراء بقائه الكثيرون.

وهذا ما نخافه على أمتنا وعلى شعوبها. نحن وربيعُنا السوريّ، لا نشكلُ تهديدا لأحد، وإنما التهديدُ الحقيقيّ هو في منجل الشرّ الذي استحكمت حلقاته، والذي سبق العاهل الأردنيّ إلى التحذير منه منذ عقد من الزمان..

علاقة الجماعة بالكتائب المسلحة

ليس لنا فصيلٌ مسلح خاص، يتبع لنا كما يزعمُ بعضهم.. ولم نقم بتشكيل أيّ فصيل مسلّح. وإذا كان بعضُ قادة هذه التشكيلات – مع الحب والكرامة – قد سبقوا إلى إعلان مواقف إيجابية من الجماعة ومن فكرها وأهدافها؛ فإن المصلحة الوطنية العليا على الأرض، هي التي تظلّ رائدَنا. ولا صحة لما يُشاعُ عن أن جماعتنا تتخذ قراراتها ومواقفها، حسب ما تُعطى من ولاء.

خطر تقسيم سورية وخطر التطرّف

نخاف على وطننا التقسيم، وعلى شعبنا خطرَ ردّات الفعل المتطرفة. ونرى في تخلّي المجتمع الدوليّ عن مسئولياته، وترك الحبل لروسية وبوارجها وقواها، ولإيران ومشروعها، لتنفردا في الساحة السورية، دفعاً في طريق مشروع التقسيم، الذي اعترفَ به بشار الأسد لأول مرة، في مقابلته مع محطة تركية، والذي جعل منه ورقة إضافية يخوّفُ بها من بجواره من الدول..

كما أن نكوصَ المجتمع الدولي عن مسئولياته، في لجم عنف ووحشية بشار الأسد وعصابته، وإطلاق اليد له ليقصف بصواريخ (السكود) وبالطيران الحربيّ والمروحيّ، وبالمدفعية البعيدة، وبالقنابل العنقودية، وبعبوات الأسلحة الكيميائية.. لن يؤديَ إلى كسر إرادة شعبنا، كما يتصورُ بعضهم، بل سيدفعُ في اتجاه حالة من ردود الفعل المتطرفة، على المستويات القريبة والبعيدة..

الوضع الإنساني للشعب السوري

ونحذرُ من كارثة إنسانية بعيدة المدى، تحلّ بالشعب السوري العزيز الكريم. إن إطلاق يد القاتل الهمجيّ في أديم شعب أعزل، سيدفعُ الملايين من السوريين إلى الهجرة من وطنهم. وسيتسبّبُ في حالات من الأوبئة الصحية، والكوراث الإنسانية، وسيتخرّجُ من هذه المحنة - إن طالت - جيلٌ إنسانيّ تربّى في أحضان الرعب والقتل والدم، وفقد الام والأب والمعيل.. إن صمتَ المجتمع الدوليّ على جرائم هذا النظام، لم يعدْ له تفسيرٌ إلا التواطؤ البيّن الواضح، والموقف العنصريّ المستهين بدماء السورييين، وبكرامتهم وبحقوقهم، وبحاضر أجيالهم ومستقبلها.

لا يمكنُ للمجتمع الدوليّ أن يشطبَ مجتمعا بأسره عن خارطة الوجود الإنسانيّ، من أجل حفنة من المجرمين، تعهّدوا لهذا المجتمع بأداء دور وظيفيّ، في كسر إرادة ملايين البشر، وإخراجهم من خارطة الوجود الإنسانيّ والفعل الحضاري.

الحلّ السياسي

ونحن أيضا مع الحلّ السياسيّ.. الذي تتحدّد أطرافه بكلّ القوى المكونة للشعب السوري، وليس منها - بالتأكيد - أحدٌ يمثل القاتلَ أو مرتكزاته، أو من يمتّ إليه. نحن مع الحلّ السياسيّ الذي يعيدُ بناءَ المجتمع المدنيّ الموحّد، على قاعدة السواء الوطنيّ، فلا أثرة ولا استئثار

ولا مغالبة ولا مكاسرة، لتكونَ الدولة المدنية الحديثة، هي المظلة الجامعة، التي تظللُ هذا المجتمعَ وتصونُه وتحميه.. إن ما يطرحه بعضُهم من حلول سياسية، خارجَ هذا الإطار، ما هي إلا حلولٌ ضالة مضللة، تمنحُ القاتلَ المزيدَ من الفرصة والمزيدَ من الوقت..

الموقف من الحملة على الجماعة

إن جماعتنا إذ تحدد مكانتها كفصيل وطني أساسيّ، على الخارطة الوطنية السورية، لا يمكنُ لأحد أن يقصيَه، أو يتجاوزَه أو يحجّمَه؛ تؤكّدُ أنها ترفضُ وبشدة، هذه الهجمة الشرسة من الكيد والحقد، على قياداتها وسياساتها ومناهجها وأساليبها، التي تتمسكُ دائما بسموّها ونبلها، وحرصها على المصلحة الوطنية العامة.. وتؤكدُ أنها منذ انطلاقة هذه الثورة، قد قرّرت أن تدمجَ مشروعَها بالمشروع الوطنيّ.

وأن تقصرَ برنامجها الخاص على المشترك الوطنيّ العام. وهي في هذه المرحلة الهامة من تاريخ ثورتنا، تعلنُ رفضَها أيّ شكل من أشكال التوظيف الحزبيّ المنغلق، في أيّ بعد من أبعاده، وهو ما تدورُ حوله بعضُ القوى والشخصيات المتضخّمة التي ترى في نفسها واحد الوطن الصحيح والوحيد..

نرفضُ الانشغالَ عن مشروع الثورة ونصرتها، والانجرارَ إلى أيّ صراع طرفيّ وجانبيّ، ونكلُ هؤلاء الذين يفتحون نوافذَ الصراع خوفاً على مصالحهم الشخصية أو الفئوية، إلى وعي شعبنا وثواره، فهم الأقدر دائما على تفهّم الدوافع والبواعث، وتقدير المواقف، وتمييز الخبيث من الطيّب، ومعرفة الحقّ من الباطل..

وأمام واقع متشابك في كل ما فيه.. لا تدّعي جماعتنا العصمة، ولا ننفي عن أنفسنا الخطأ، ونحنُ أولى الناس بالعودة إلى الحقّ إن تبيّن. لكنّ الحق كذلك يقتضينا أن نوضح أنّ الكثيرَ من الاتهامات تنسَبُ إلينا زورا وبهتانا. وأن الكثيرَ من الأخطاء تُحمّل علينا ظلماً وعدوانا. وبعضُها قد يرتكبُها من لا يمتّ إلينا بصلة، ويحسبُ نفسَه أو يحسبه الناسُ علينا، وبعضُها قد يكون خطأ فرديا لأخ، لم يحالفه الصوابُ في قول أو عمل.

ونعلن بهذه المناسبة، أننا منفتحون على كلّ نقدٍ إيجابيّ بنّاء، وأننا مستعدّون للمراجعة وتصحيح ما قد نقعُ فيه من أخطاء، ونأمل أن يكون ما وردَ في هذا البيان، كافياً لإزالة الالتباس، وتوضيح الحقائق، لكلّ من ينشدُ الحقيقة.

أما أولئك الذين يصرّون على الانخراط في هذه الحملة الظالمة، وفي محاولة تشويه صورة الجماعة النقية، فنكلُهم إلى وعي شعبنا وقدرته على تبيّن الحقيقة، وتمييز الغثّ من السمين، متمثلين قول الشاعر العربيّ: يا ناطحَ الجبل العالي ليكلِمَه أشفقْ على الرأسِ لا تُشفقْ على الجبلِ

التعبير عن مواقف الجماعة

وأخيراً فإن جماعتنا كمؤسسة يحكمها نظام خاص بها، تؤكّد أنه إنما يعبر عن مواقفها السياسية قرارات مؤسساتها المختصة، وتصريحات مراقبها العام، ونوابه في مجالات اختصاصهم، والناطق الرسميّ باسم الجماعة ، وما عدا ذلك من المواقف والتصريحات، تبقى تعبيرات فردية، توظّف في سياقاتها..

إخوة الدين والعقيدة، وشركاء الوطن في سورية الحرة الأبية.. هذه خطوط عريضة في ملامح الماضي والحاضر والمستقبل.. وعهدنا معكم أننا منكم وبكم ولكم، بنيانٌ مرصوص، لا مكرَ ولا خبابة ولا غدر، بل برّ وقسطٌ وودّ ووفاء. عهدُنا معكم نقتبسُه من قول نبينا صلّى الله عليه وسلم: (إنّ الرائدَ لا يكذبُ أهله). وستمضي ثورة شعبنا حتى النصر العزيز المؤزّر بإذن الله (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد..) (151)

هذه بعض المحطات والمواقف الهامة من تاريخ الثورة السورية ودور اخوان سوريا بها، وبالطبع لم تنتهى بعد هذه الثورة المباركة التى ترتسم فصولها على دماء أطفال ونساء ورجال الشعب السورى الشقيق،ولكن ستستمر تلك الملحمة حتى سقوط نظام بشار الأسد وسيكون ذلك قريبا بإذن الله.

الخاتمة :الإسلاميون وتحديات مابعد الثورات

أسفرت مرحلة مابعد الثورات العربية عن انتشار كبير ومؤثر للإسلاميين عامة والإخوان المسلمين خاصة فقد تولوا السلطة فى بعض تلك الدول مثل "تونس - اليمن" ولهم دور مؤثر وفعال فى دول أخرى "ليبيا - اليمن" وبالتأكيد أمام الإخوان المسلمون فى هذه البلاد العديد من التحديات التى سيبنى عليها نجاح الإسلاميين فى فرض مشروعهم أم فشله وللأبد.

فالثورات العربية في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وكل التحركات الشعبية في بقية الدول أخرى تهدف لهدف رئيسي وهو تغيير بنية ونمط السلطة التي كانت قائمة، وبناء دولة المؤسسات الديمقراطية والحكم الرشيد، وحماية حريات الشعوب وكرامتهم، واستخدام ثرواتهم في برامج تنمية حقيقية.

ولهذا سيكون على الحركات والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التي تسلمت السلطة، أو تلك التي قد تتسلم السلطة ، معالجة عدة تحديات بشكل حكيم، حتى تستطيع استكمال مسار التحول الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة المنشودة، والنهوض بمجتمعاتها التي ما عرفت مشروعا نهضويا مكتملا منذ الاستقلال.

ويواجه الاسلاميون مع وصولهم إلى السلطة أسئلة مهمة على المستويات التالية:

  1. علاقاتهم الداخلية مع الاحزاب والقوى الأخرى الاسلامية وغير الاسلامية
  2. علاقتهم مع الخارج،أي مع القوى الدولية مثل الولايات المتحدة وأوروبا.

كما يواجه الإخوان المسلمون بمصر بشكل خاص تحدي العلاقة مع اسرائيل . والمقصود بهذا التحدي هو اتفاقيات كامب ديفيد من جهة،والمقاومة ضد اسرائيل من جهة ثانية. وما يثير هذه التساؤلات ان الإخوان لم يكن لديهم موقف واضح من هذه الاتفاقيات حتى بعد انتصار ثورتهم في مصر … (152)

واثبتت الأيام الماضية من تولى الإسلاميين للسلطة ان هناك العديد من التحديات التى تواجه الإخوان المسلمين ومنها على سبيل المثال:

العلاقة مع الجماعات الاسلامية الأخرى

تتمثل الجماعات الاسلامية الأخرى فى التيارات الجهادية والتيارات السلفية وتمثل الإشكالية الأولى فى علاقة الإخوان بالسلفيين والتى مرت بمحطات عديدة من التقارب إلى التنافر ففي أعقاب ثورة الـ 25 من يناير وما حققته من انفتاح للإسلاميين على الممارسة السياسية وتم تاسيس عدد من الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية

وقد تجلت نتيجة لذلك حالة توافقية بين الإسلاميين تجاه الكثير من القضايا والأحداث، كما رأينا إزاء الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والحفاظ على المادة الثانية من الدستور، ومعركة هوية مصر الإسلامية، ومليونية الـ 29 من يوليو 2011، والموقف من قضية المبادئ فوق الدستورية، والانتخابات الرئاسية، ووضع الدستور، وغيرها من المواقف الكثيرة.

لكن في الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الثورة لم يوفق الإسلاميون في تشكيل تحالف انتخابي واحد يجمع أحزابهم، بعدما اختار "الحرية والعدالة" تشكيل التحالف الديمقراطي مع عدد من القوى والأحزاب غير الإسلامية

وخاض السلفيون الانتخابات من خلال "تحالف من أجل مصر" ، وهو التحالف المكون من أحزاب (النور، والأصالة، والبناء والتنمية، والإصلاح). لكن بالرغم من ذلك خرجت تصريحات من الجانبين ترغب في اتفاق بين "الدعوة السلفية"، "وجماعة الإخوان" على التزام الآداب الإسلامية في المنافسة الانتخابيةـ

وجاءت الأزمة التي نشبت بين حزب "النور" ومؤسسة الرئاسة على خلفية إقالة الدكتور خالد علم الدين القيادي بالحزب ومستشار الرئيس لشؤون البيئة منتصف فبراير 2013 بمثابة نهاية شبه تفجيرية لفصل آخر من الخلافات بين الإخوان والدعوة السلفية،فلم تكن الإقالة سوى تفجير لفصل جديد من الخلافات بعدما بقيت مكتومة لما يقرب من شهرين

وهذه الأزمة مع طبيعة العلاقات بين الإخوان والسلفيين المشوبه بالانتقاد دائما تشير إلى عودة العلاقات لطبيعتها ماقبل الثورة هذا على صعيد التيار السلفى وهناك تحدى آخر وهو "حركات الإسلام الجهادى" التى بدأت تتصاعد دورها وخاصة مع موجات العنف بسيناء.

وهكذا الأمر بالنسبة لإخوان تونس واليمن فعلى كل منهم وضع آلية للتعامل مع الجماعات الجهادية "كالسلفية الجهادية" بتونس والقاعدة والحوثيين باليمن وغيرها من الجماعات والحركات التى تنتهج العنف.

الجماعات الجهادية

تمثل حركات "الإسلام الجهادي" العنيفة التي وُجدت حتى الآن في مصر وتونس وليبيا بشكل واضح وآلية التعامل معها أحد أهم التحديات التى تواجه مابعد السلطة وتشكل تحديا خطيرا قد يُجهض مسار التحول بأكمله. ولمعالجة هذا التحدي لابد من العمل أولا على رفع أي غطاء شرعي قد يضفيه البعض على الأعمال العنيفة، وإدانة هذه الأعمال، والتصدي لها فكريا وعمليا على أرض الواقع.

إلى جانب العمل على جذب أنصار هذه الحركات والمتعاطفين معهم إلى ساحة العمل السياسي السلمي، ودمجهم في العمل العام بفتح كافة قنوات العمل المجتمعي والدعوي والتنموي ضمن أطر قيمية وقانونية ومؤسسية واضحة ومحددة ومعلنة. تؤكد لنا تجارب التحول الديمقراطي أنه ما من مجتمع استطاع بناء دولة مؤسسات حديثة، بينما هناك قوى تحاول هدم الدولة من أساسها، وتحمل أجندات مناقضة تماما لغالبية القوى الأخرى.

ولهذا فالتراخي مع الأفكار المنادية بتشكيل جيوش جهادية، ومع من يرفع السلاح في وجه المخالفين في الرأي، لن يؤدي -في ظل حالة السيولة القائمة اليوم- إلا إلى عرقلة مسار بناء الدولة الوطنية الحديثة، واستنزاف القدرات الأمنية والعسكرية.

بل إن أفعال هذه الحركات ستؤدي على الأرجح إلى التأثير بالسلب على الأحزاب الإسلامية، إذ سينظر البعض إلى الحركات "الجهادية" على أنها الأذرع الخفية للإسلاميين المعتدلين، بينما سيراها البعض الآخر على أنها النتاج الطبيعي لفشل الإسلاميين وإقحام الدين في السياسة.

وفي الحالتين سيتحمل الإسلاميون بجميع أشكالهم نتاج تلك الأفعال. ومن الخطورة تصور أن وجود - أو الإبقاء على – هذه الحركات بأساليبها العنيفة سيدفع الناس إلى القوى الإسلامية المعتدلة كبديل.

الأمن والجيش والقضاء

من المؤكد أن المؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية والإدارية هي مؤسسات دولة لا تخضع لسيطرة حزب أو تيار بعينه، وحياد هذه المؤسسات ومهنيتها واستقلالها وقوتها تمثل جميعها الضمان الأساسي لمستقبل الدولة ولحريات أفرادها، ومنهم الإسلاميون أنفسهم.

والسعى لإيجاد هذه المنظومة قد تكون تحدياً قوياً أمام الإسلاميين وخاصة مع ارتباط قطاع كبير من هذه المؤسسات بالأنظمة السابقة وفك هذا الإرتباط هو الركيزة الأساسية فى بناء دولة مدنية تقوم على مؤسسات

المطالب الاجتماعية والاقتصادية

وأخيرا هناك تحديات مصدرها المطالب الاجتماعية والاقتصادية المشروعة التي تهدد بتحريك فئات جديدة ضد الأوضاع القائمة، وتصاعد الغضب الشعبي، مما يهدد بموجات جديدة من الثورة، بالإضافة إلى أطفال الشوارع وهى قنبلة موقوتة تجتاح الشارع المصرى بالفعل ويبدو أثرها واضحاً فى تحركات البلطجة والعنف التى انتشرت فى مصر فى الآونة الأخيرة

هذه بعض التحديات التى تواجه الإسلاميين فى الحكم فى مرحلة مابعد الثورة فهل ينجح الاسلاميون فى تجاوزها أم تكون تلك التجربة تجربة قاضية على نموذج جماعات الإسلام السياسي فى الحكم.

المراجع

  1. دراسة الإسلاميّون وربيع الثّورات المُمارسة المُنتجة للأفكار ،نواف بن عبد الرحمن القديمي،المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات
  2. أرسطو، السياسيات، طباعة اللجنة الدولية لترجمة الروائع الإنسانية1957
  3. كرين برنتون‮، تشريح الثورة،ترجمة سمير الجلبى، دار كلمة، ص25
  4. روح الثورات والثورة الفرنسية، جوستاف لوبون، ترجمة محمد عادل زعيتر، المطبعة العصرية، ص15
  5. ليون تروتسكى، الثورة الدائمة،ترجمة بشار أبو سمرا، دار الطليعة ص14
  6. العقل والثوره:هيجل و نشاه النظريه الاجتماعيه، هربرت ماركيوز- ترجمة فؤاد زكريا،الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر
  7. د. عبد الوهاب الكيالي وآخرون : موسوعة السياسة ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، ج1 ص 906ـ 911.
  8. التأصيل النظري‮ ‬لمفهوم الثورة والمفاهيم المرتبطة بها‮، وفاء على داود، مجلة الديمقراطية،العدد 49 يناير 2013 مركز الأهرام للدراسات السياسية
  9. محمد عمارة، الإسلام والثورة، دار الشروق، ص15
  10. محمد عمارة، الإسلام والثورة، دار الشروق، ص11
  11. عزمى بشارة، فى الثورة والقابلية للثورة، المركز العربى للأبحاث والدراسات، ص53
  12. عزمى بشارة، المصدر السابق ص56
  13. خليل العنانى، التيارات الإسلامية في عصر الثورات العربية، السياسة الدولية
  14. نواف بن عبد الرحمن القديمي، الإسلاميّون وربيع الثّورات المُمارسة المُنتجة للأفكار،المركز العربى للدراسات والأبحاث،أبريل 2012
  15. جماعة الإخوان المسلمون: قراءه منهجيه لأصولها الفكرية ... بقلم: د.صبري محمد خليل، موقع سودانيل
  16. مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية ، العدد الثانى ،السنة الثانية ،26 من المحرم 1353هـ - 11 مايو 1934م ص 1ـ3. ونشرت ضمن رسائل الإمام البنا طبعة مركز البصائر للدراسات والبحوث 2006 ، ص 44.
  17. مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية ، العدد السادس ،السنة الثانية ،25 من صفر 1353هـ - 8 من يونيو 1934م ص 1ـ3. ونشرت ضمن رسائل الإمام البنا طبعة مركز البصائر للدرات والبحوث 2006 ، ص 47.
  18. مجلة النذير العدد (36) السنة الثانية 17 من رمضان 1358هـ - 31 من أكتوبر 1939م ، ص 3ـ 18، ونشرت ضمن رسائل الإمام البنا طبعة مركز البصائرللدرات والبحوث2006 ، ص162.
  19. مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ، رسالة الجهاد ص 627ـ 628.
  20. رسالة المؤتمر الخامس : مجلة النذير : العدد(35) ، السنة الأولى 17 من ذى الحجة 1357هـ - 7 من نوفمبر 1939، ص 352 .
  21. المصدر السابق ص 353ـ354.
  22. محمد أنور السادات، البحث عن الذات ص 33 ـ 34 ، المكتب المصرى الحديث ، القاهرة .
  23. رسالة المؤتمر الخامس : مجلة النذير : العدد(35) ، السنة الأولى 17 من ذى الحجة 1357هـ - 7 من نوفمبر 1939، ص3ـ34.
  24. معالم المشروع الحضاري في فكر الإمام الشهيد حسن البنا أ.د محمد عمارة
  25. التربية السياسية عند الإخوان المسلمين في الفترة من 1928 إلى 1954م في مصر، عثمان عبد المعز رسلان،دار التوزيع والنشر الاسلامية، ص385.
  26. راجع ، موقع الدكتور يوسف القرضاوى
  27. راجع: الثورة عند سيد قطب ،بقلم: أحمد أحمد جاد، موقع اخوان اون لاين
  28. التربية السياسية عند الإخوان المسلمين في الفترة من 1928 إلى 1954م في مصر دراسة تحليلية تقويمية ، عثمان عبد المعز رسلان ،دار التوزيع والنشر الاسلامية،ص255-258
  29. عمر التلمساني، الدعوة، العدد (30)، السنة السابعة والعشرون، غرة ذي الحجة 1398هـ - نوفمبر 1978م، ص(13).
  30. أرغمت فاروق على التنازل عن العرش مذكرات عبد المنعم عبد الرؤوف، الزهراء للإعلام العربى،ص46
  31. أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون،حسين محمد أحمد حمودة،الزهراء للإعلام العربى، ص35
  32. أرغمت فاروق على التنازل عن العرش مذكرات عبدالمنعم عبدالرؤوف، الزهراء للإعلام العربى،ص64
  33. الإخوان المسلمون، ريتشارد ميتشل، ترجمة عبد السلام رضوان، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1977م، ص 214 وما بعدها
  34. صفحات من التاريخ حصاد العمر، صلاح شادي،الزهراء للإعلام العربى، ص 216
  35. أسرار ثورة 23 يوليو، اللواء جمال حماد، دار العلوم للنشر، القاهرة، الطبعة الثانية، 2010م، 1/ 312 وما بعدها
  36. حصاد العمر،مصدر سابق، ص 220 وما بعدها
  37. أسرار ثورة 23 يوليو، جمال حماد، مصدر سابق،1/ 324
  38. المصدر السابق، ص 326
  39. أرغمت فاروق على التنازل عن العرش، مصدر سابق،ص 70
  40. المصدر السابق، ص 222
  41. أرغمت فاروق على التنازل عن العرش، ص 70 وما بعدها
  42. ابن القرية والكتاب، يوسف القرضاوي، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثانية، 2006م، 1/ 460
  43. أرغمت فاروق على التنازل عن العرش، مرجع سابق، ص 73 وما بعدها، بتصرف
  44. الإخوان المسلمون، ريتشارد ميتشل، مرجع سابق، ص 211
  45. مجلة الدعوة، السنة الثانية، العدد 76، 30 شوال 1371هـ الموافق 29/7/1952م
  46. مجلة الدعوة، السنة الثانية، العدد 78، 12 ذو القعدة 1371 هـ الموافق 12/ 8/ 1952م، ص 15
  47. موقع نادى الفكر العربى، http://goo.gl/Um0HH
  48. ورقة " وضوح الرؤية" ورقة تنظيمية داخلية
  49. ورقة "الإخوان المسلمون والإصلاح السياسى فى مصر بين الإمساك بالفرصة وعدم الغياب عن المشهد (ورقة نقاشية)" ورقة تنظيمية داخلية
  50. جريدة المصرى اليوم، 1/3/2006، «إخوان البرلمان» بدأوا معركة قانون الطوارئ واستقلال القضاء
  51. موقع إخوان اون لاين ،07-03-2006
  52. موقع إخوان اون لاين10-03-2006، للمزيد طالع الاخوان واستقلال القضاء منشور على موقع اخوان ويكى
  53. أضواء على ثورة مصر - 25 يناير، د. محمد عبد الرحمن المرسي، موقع اخوان الدقهلية
  54. بيان من الإخوان حول انتفاضة تونس ومطالب الشعب المصري،موقع اخوان الدقهلية
  55. بيان من الإخوان المسلمين بشأن حالة الاحتقان الشعبى والاستبداد الأمنى فى مصر، موقع اخوان ويكى
  56. راجع الإخوان عصب ثورة 25 يناير]، عامر شماخ ،موقع أنصار بور سعيد
  57. كان أول شهيد للجماعة هو الأخ مصطفى الصاوي، ارتقى يوم جمعة الغضب (82 من يناير 1102م)، على كوبرى قصر النيل، وكان أول من استُشهد على الكوبري
  58. راجع حلقات قناة الجزيرة مع الدكتور أسامة ياسين ضمن برنامج (شاهد على العصر) الذى يقدمه الإعلامى أحمد منصور، الحلقات بعنوان: "شاهد على الثورة المصرية"
  59. راجع حلقات الجزيرة مع الدكتور أسامة ياسين ضمن برنامج "شاهد على العصر"، مرجع سابق
  60. انظر: البيان كاملا على موقع (إخوان ويكى)، متاح على هذا الرابط بيان من الإخوان المسلمين بشأن الانتفاضة المباركة للشعب المصرى 28 يناير 2011م
  61. راجع حلقات قناة الجزيرة ضمن برنامج " شاهد على الثورة المصرية " الذى يقدمه الإعلامى أحمد منصور مع الدكتور صفوت حجازي، متاح على هذا الرابط شاهد على الثورة - د. صفوت حجازي.
  62. بيان من الإخوان المسلمين بشأن الانتفاضة المباركة المستمرة للشعب المصرى حتى يوم الأحد 30 يناير 2011م، موقع اخوان ويكى
  63. يقول الدكتور محمد البلتاجي: "وقع الاعتداء الآثم علينا فى ميدان التحرير يوم الأربعاء 2 من فبراير فى موقعة الجمل، فتقدم الشباب يدافعون عن الميدان، ثم تقدموا للأمام بعد انسحاب الغزاة، فملئوا ميدان عبدالمنعم رياض وصعدوا فوق كوبرى أكتوبر واعتلوا أسطح العمارات حتى لا يتركوا أى فرصة لهجوم آخر يأتيهم غدرًا.. وأضاف البلتاجى -على حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك": "ظهر يوم الخميس 3 من فبراير طلبنى اللواء حسن الروينى قائد المنطقة العسكرية المركزية لمقابلته فى المتحف المصري، فرفضت أن ألتقيه منفردًا، وذهبت إليه بصحبة الدكتور عبدالجليل مصطفي، والدكتور محمد أبوالغار، والدكتور أحمد دراج، وأبو العز الحريري، فأصر الرجل على مقابلتى منفردًا، ورفضت اللقاء إلا فى حضور من معي، وأمام إصراره طلب منى الزملاء أن أجتمع به ثم أخبرهم بما يريد.. وقال البلتاجي: طلب منى الرجل أن يعود الشباب من ميدان عبدالمنعم رياض إلى داخل التحرير، وأن ينزلوا من فوق كوبرى أكتوبر ومن أعلى أسطح العمارات، فقلت له فى حزم: كيف أقنعهم بذلك وقد تعرضوا للقتل والاعتداء أمس دون أن تتحركوا لتدافعوا عنهم؟ ثم هم الآن يؤمنون ظهور إخوانهم فوق الأسطح حتى لا يتكرر العدوان عليهم ثانية، فقال لي: إن ما حدث أمس لن يتكرر وإننا لن نسمح ثانية بالاعتداء على المتظاهرين، قلت له: وما الذى يضمن لهم ذلك؟ إن من حق هؤلاء الشباب أن يدافعوا عن أنفسهم خاصة أن المعتدين ليسوا مجرد بلطجية وإنما هم قوات خاصة للنظام، فقال لي: قلت لك لن يتكرر ما حدث وقد قلنا للمسئولين الكبار اليوم أبعدوا أنصاركم عن الميدان. واستطرد البلتاجي: أكد الرجل إصراره على ضرورة نزول الشباب من فوق العمارات، وهدد بأنه يمكنه أن يستخدم القوة لإجبارهم على النزول، فقلت: لا بد أن يتأكد الشباب أولا أنكم بدأتم فى حمايتهم بالفعل لا بالقول، وطلبت منه أن تصعد الدبابات فوق كوبرى أكتوبر لتأمين ميدان عبدالمنعم رياض فوعد بذلك، وفى المساء مررت بالشباب فى الصفوف الأولى وحكيت لهم ما دار مع اللواء الرويني، فأصروا على البقاء فى مواقعهم ووافقتهم الرأي، واستمروا على ذلك عدة أيام رغم إلحاح القيادة العسكرية وتهديداتها بإنزالهم بالقوة.
  64. المصرى اليوم، الخميس 14 من يونيو 2012، متاح على الرابط التالى «البلتاجى»: لواء فى المخابرات طلب منى إخلاء «التحرير» يوم «موقعة الجمل»
  65. احتجُز على الطريق الزراعى وحده فى هذا اليوم أكثر من (50) ألف مواطن كانوا قادمين من محافظات وجه بحرى إلى التحرير، قامت قوات الأمن والبلطجية بإطلاق النار عليهم مما أدى إلى مقتل اثنين وإصابة العشرات، موقع (إخوان أون لاين)
  66. انظر بيان الجماعة الصادر يوم الجمعة (4 من فبراير 2011)، موقع إخوان ويكى
  67. بيان من الإخوان المسلمين فى اليوم الحادى عشر من الثورة الشعبية المباركة،موقع اخوان ويكى
  68. بيان من الإخوان المسلمين حول جلسة الحوار التى تمت اليوم بين القوى السياسية والوطنية والشبابية ونائب رئيس الجمهورية،موقع اخوان ويكى
  69. بيان صحفى من الإخوان المسلمين فى اليوم الرابع عشر من الثورة الشعبية المباركة، موقع اخوان ويكى
  70. بيان صحفى من الإخوان المسلمين فى اليوم الخامس عشر من الثورة الشعبية المباركة، موقع اخوان ويكى
  71. بيان صحفي من الإخوان المسلمين في اليوم السادس عشر من الثورة الشعبية المباركة بتصرف، موقع اخوان ويكى
  72. بيان صحفي من الإخوان المسلمين تعليقًا على ما جاء في بيان مبارك ونائبه، موقع اخوان ويكى
  73. بيان من الإخوان المسلمين بمناسبة سقوط مبارك ونظامه، موقع اخوان ويكى، للمزيد عن دور الاخوان فى الثورة راجع، عامر الشماخ، الإخوان عصب ثورة 25 يناير
  74. جريدة الأهرام، السبت 20 من جمادى الاولى 1432هــ 23 أبريل 2011 السنة 135 العدد 45428
  75. متاح على موقع كلمتى
  76. تفاصيل الخبر متاحة على هذا الرابط
  77. انظر: الثورة المصرية.. نموذجًا حضاريا، د. نادية مصطفي، مركز الدراسات الحضارية، 2011.
  78. المصرى اليوم، المقال متاح على هذا الرابط
  79. المصرى اليوم، السبت 09 أبريل 2011 ، متاح على هذا الرابط
  80. 6 أبريل: الإخوان والسلفيون لهم دور تاريخى يوم موقعة الجمل، اليوم السابع
  81. حيدر إبراهيم علي ، التيارات الإسلامية وقضية الديموقراطية، مركز دراسات الوحدة العربية،ص228
  82. مستقبل الأصولية في العالم العربي إصدار المركز العربي للمعلومات في بيروت .
  83. الحريات العامة في الدولة الإسلامية لراشد الغنوشي، راجع أيضاً أشواق الحرية الإسلامية : قصة الحركة الإسلامية في تونس للهاشمي الحامدي .
  84. أنظر كتاب الحركة الإسلامية المسلحة في الجزائر ليحي أبو زكريا الصادر عن دار التعارف في بيروت .
  85. الحريات العامة في الدولة الإسلامية لراشد الغنوشي و حركة الاتجاه الإسلامي للغنوشي أيضا .
  86. راجع الحركة الإسلامية في تونس من الثعالبي وإلى الغنوشي،يحي أبو زكريا، من تجربة الحركة الاسلامية فى تونس، الشيخ راشد الغنوشي
  87. أحداث قفصة، هو الاسم الذي أطلق على العملية المسلحة التي قام بها كوموندوس من المعارضين التونسيين ذى توجه عروبي في جانفي 1980 بعده تسربه إلى مدينة قفصة. تمكن المهاجمون من السيطرة على أغلب مراكز المدينة إلا أن دعواتهم للسكان إلى التمرد باءت بالفشل. تمكنت قوات الأمن والجيش التونسي في نهاية المطاف من إعادة السيطرة على المدينة وأسر قائد المجموعة. أدت العملية إلى تأزم حاد في العلاقات بين تونس وليبيا.فقد استيقظ في حدود الساعة الثانية من فجر يوم الأحد 27 يناير 1980 أهالي مدينة قفصة، على اصوات القنابل والصواريخ والرصاص بعد أن اقتحم عشرات المسلحين، مراكز الأمن والحرس الوطنيين وثكنة الجيش بالجهة واستولوا على أسلحة وذخيرة، ثم حثوا الاهالي على الانضمام اليهم عبر مكبرات الصوت، بعد أن أعلموهم بقيام "الثورة الشعبية المسلحة"، لاسقاط نظام بورقيبة.. هذه الأحداث التي انتهت بمقتل وإصابة عدد كبير من العسكريين والمتمردين والمواطنين وإيقاف عدد من المسلحين وإعدام 11 منهم بينهم أحمد المرغني وعبد المجيد السّاكري وعزالدين الشريف المنتمين لفصائل المعارضة التونسية ذات التوجهات القومية العربية،
  88. أحداث أو انتفاضة الخبز، هو الاسم الذي اطلق على الاضطرابات التي عرفتها تونس في يناير 1984 بعد زيادة سعر الخبز وعدد من السلع الأساسية. انطلقت أحداث انتفاضة الخبز لسنة 1984 من مدينة دوز بالجنوب التونسي بمناسبة السوق الأسبوعية في 29 ديسمبر 1983 في شكل مظاهرات أدت إلى المواجهة بين المتظاهرين وقوات النظام العام. انتشرت الظاهرة لتشمل مدينة قبلي و مدينة سوق الأحد المجاورتين في اليوم الموالي متخذة طابعا عنيفا بعد أن اتسعت لتشمل مدينة الحامة. ومع دخول مشروع الزيادة في أسعار العجين ومشتقاته حيز التنفيذ يوم 1 يناير 1984 شملت الحركة الاحتجاجية مناطق الشمال والوسط الغربي في الكاف والقصرين وتالة وبقية مناطق الجنوب في قفصة و قابس ومدنين، مما استدعى دخول الجيش لهذه المناطق بعد أن سجل عجز قوات النظام العام في الحد من توسع الانتفاضة. ومع إعلان وزارة الداخلية يوم 2 يناير عن سقوط قتلى وجرحى في مناطق قبلي والحامة والقصرين وقفصة، دخلت المنطقة الصناعية بقابس في إضراب شامل ومسيرات كبرى شارك في تنظيمها كل من العمال والطلاب. كما التحق طلبة الجامعات والمدارس الثانوية في مدن تونس و صفاقس بالشوارع معبرين عن رفضهم إلغاء الدعم عن العجين ومشتقاته. في يوم 3 يناير بلغت الانتفاضة أوج أحداثها وباتت المواجهة مفتوحة بين المتظاهرين من ناحية وقوات النظام العام والجيش من ناحية أخرى، وأصبح العنف سيد الموقف فأحرقت المحلات والسيارات والمؤسسات والحافلات في شوارع العاصمة وضواحيها وفي كثير من المدن في الساحل وفي الدواخل. لقد نجم عن ذلك إطلاق الرصاص وسقوط مزيد من القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين،و قرر رئيس الدولة احتلال شوارع العاصمة بواسطة الجيش وإعلان حالة الطوارئ ومنع كل تجمع بالطريق العام والساحات العامة يفوق ثلاثة أشخاص هذا علاوة على منع جولان الأشخاص والعربات من الخامسة مساء إلى السادسة صباحا.
  89. العجمى الوريمى، الإسلاميون والسلطة فى تونس، كتاب من قبضة بن على إلى ثورة الياسمين، مركز المسبار للدراساتً145: 177
  90. من الحبيب بورقيبة إلى بن علي : تجفيف الينابيع من 1957 وحتى 1987 م، عبدالباقي خليفة، شبكة الحوار نت الاعلامية
  91. مؤرخون – ثورة تونس الأعنف في تاريخها ، اليوم السابع
  92. عزمي بشارة وجهات نظر بصدد ثورة تونس الشعبية المجيدة موقع الجزيرة نت
  93. جبلاني العبدلي قراءة في عوامل نجاح الثورة التونسية موقع مغرس ومواقع أخرى
  94. محمد جمال عرفة.جمهوريات – فيس بوك وتويتر ويوتيوب تقود ثورة تونس ، موقع اون اسلام
  95. الاحتجاجات والمظاهرات مطالبة بتغير الأوضاع الاقتصادية في تونس ، موقع المعرفة
  96. راجع الثورة التونسية الأسباب .. عوامل النجاح .. النتائج ،د.على عبده محمود،موقع الهيئة العامة للاستعلامات
  97. عصام بدران، رؤية أمريكية: غياب الإسلاميين وراء نجاح ثورة تونس!، موقع إخوان البحيرة
  98. الشاب عمر أولاد أحمد عضو الهيئة التأسيسية في حركة النهضة وهو أول من دعى إلى إجتماع عام بولاية سيدي بوزيد بعد حرق البوعزيزي لنفسه و دعى فيه الأهالي إلى الثورة
  99. د.المولدى الأحمر،الانتخابات التونسية: خفايا فشل القوى الحداثية ومشاكل نجاح حزب النهضة الاسلامى،المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات،ص5
  100. الغنوشي: النظام التونسي يتحمل مسئولية أحداث "بوزيد"، موقع اخوان ويكى
  101. راشد الغنوشي يدعو الشباب التونسي للتعبئة للحفاظ على الثورة، موقع اخوان ويكى
  102. الغنوشي: مطلوب أن تستمر الانتفاضة لسقوط الطاغية ونظامه، موقع اخوان ويكى
  103. لين نويهض، أي دور للاسلاميين في تونس الجديدة
  104. الإعلان عن هيئة تأسيسية جديدة للنهضة موقع الحوار نت
  105. راشد الغنوشي: ثورة تونس عفوية والإسلاميون منفتحون على الجميع موقع الإسلام اليوم
  106. منير السايبي حركة النهضة ومربع الألغام موقع الحوار نت
  107. راجع كتاب: الحـركات الإسلامية الحديثة فى ليبيا ،محمود الناكوع، دار الحكمة لندن
  108. الحاج عبدالله أبوسن أحد مؤسس العمل الاخوانى بليبيا فى حوار له على قاة الحوار اللندنية ، متاح الفيديو على هذا الرابط
  109. راجع كتاب: الحـركات الإسلامية الحديثة فى ليبيا ،محمود الناكوع، دار الحكمة لندن
  110. راجع كتاب: الحـركات الإسلامية الحديثة فى ليبيا ،محمود الناكوع، دار الحكمة لندن
  111. راجع كتاب: الحـركات الإسلامية الحديثة فى ليبيا ،محمود الناكوع، دار الحكمة لندن
  112. مجزرة سجن بوسليم: (تاريخ المجزرة: 29/6/1996 م) تعتبر مجزرة بوسليم إحدى أكبر المجازر الجماعية التي ارتكبها نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا ، حيث راح ضحيتها نحو 1269 معتقل معظمهم من سجناء الرأي. وتعد المجزرة إحدى أبرز القضايا التي ألهبت مشاعر الثورة الليبية التي انطلقت منتصف فبراير - شباط 2011 م.ووقعت المجزرة عندما داهمت قوات خاصة يوم 29 يونيو - حزيران 1996 م سجن أبو سليم الواقع في ضواحي العاصمة طرابلس، وأطلقت النار على السجناء بدعوى تمردهم داخل السجن الذي يعد الأكثر تحصينا وحراسة في ليبيا. ثم قامت تلك القوات بدفن الجثث في باحة السجن وفي مقابر جماعية متفرقة في ضواحي طرابلس وينتمي أغلب السجناء القتلى إلى جماعات إسلامية متعددة المشارب والاتجاهات،.
  113. فوزي بوكتف شخصية وطنية ومناضل تخرج من أمريكا بكالوريوس كمبيوتر سنة 1980م , ورجع إلى ليبيا وعمل في شركة الخليج العربي للنفط وسجن سنة 1984م على خلفية قضية أحمد حواس ومعركة باب العزيزية الشهيرة وبقى في السجن حتى سنة 1992م أي أنه يعتبر من المائة المعروفين الذين بقوا في السجن السياسي بعد 1988م وبعد أحداث 1995م في بنغازي تم القبض عليه بتهمة مساعدة أحد أصدقاءه المطلوبين وبقى في السجن (الكويفية السياسي) لمدة سنتين وأفرج عنه سنة في أكتوبر 1997م وبعد خروجه بأشهر تم القبض عليه مجددا تقريبا في يونيو 1998م في قضية إنشاء تنظيم سياسي معارض للنظام وسجن في طرابلس (سجن بوسليم سئ السمعة) وبقى في السجن حتى مارس 2006م وبعد خروجه من السجن رجع لعمله في شركة الخليج وعند انتفاض الشعب في الثورة المباركة كان المهندس فوزي بشير بوكتف من السباقين في هذه الثورة وكان هو صاحب فكرة تكوين مجلس عسكري استعدادا لمقاومة قوات الطاغية وأسس أول كتيبة للثوار بعد الثورة بقرار من المجلس العسكري والانتقالي وهي كتيبة شهداء 17 فبراير وبعد تعدد كتائب الثوار كان المهندس فوزي بوكتف أحد المؤسسين لتجمع سرايا الثوار (وهو تجمع لكتائب الثوار في المناطق المحررة جعل لها قيادة واحدة) وتم اختياره آمرا للتجمع
  114. لقاء للكاتب مع فيصل الصافى أحد القيادات من اخوان ليبيا وأمين التنظيم والفروع بحزب العدالة والبناء الجناح السياسى للاخوان المسلمين بليبيا
  115. جماعة الإخوان المسلمين – 26 فبراير 2011 م، موقع اخوان ويكى
  116. اخوان ليبيا : القذافي انتهى وسيقتل او يحاكم 27/02/ 2011، موقع اخوان ويكى
  117. إخوان ليبيا: إسقاط نظام القذافي اقترب، موقع اخوان ويكى
  118. بيان جماعة الإخوان المسلمين – ليبيا بخصوص تشكيل حكومة وطنية مؤقتة،27 فبراير 2011 م، موقع اخوان ويكى
  119. تاريخ الإخوان المسلمون في اليمن، ويكيبيديا الإخوان المسلمين، عبده مصطفى دسوقي
  120. الرئيس اليمني علي عبدالله صالح والإخوان المسلمين في اليمن العلاقات والتحديات، محمد النعماني، موقع الحوار المتمدن-العدد: 1819 - 7/2/2007-
  121. التقرير الاستراتيجى اليمنى 2011، القوى الاجتماعية فى ثورة التغيير السلمية.
  122. التقرير الاستراتيجى اليمنى 2011، القوى الاجتماعية فى ثورة التغيير السلمية.
  123. قراءة في مخاضات الأزمة اليمنية : من "الثورة" إلى "الوفاق"، ومن "إسقاط النظام" إلى "تنحي" الرئيس.. تحالفات مبعثرة، ومخاوف مشروعة!!، موقع الغد
  124. تقارير عن ثورة التغيير (3) مواقف الإسلاميين وخنادقهم!، مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث
  125. كاتبة صحافية ورئيسة منظمة صحفيات بلا قيود وناشطة حقوقية يمنية الجنسية وهي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام في العام 2011، وكانت قبل ذلك أديبة وشاعرة. وهي أحد أبرز المدافعات عن حرية الصحافة وحقوق المرأة وحقوق الإنسان في اليمن وبرزت بشكل كبير بعد قيام الثورة الشبابية الشعبية. يلقبها الثوار والمعارضون اليمنيون بأسم أم الثورة والملكة بلقيس الثانية ،وهى أصغر حاصل على جائزة نوبل للسلام منذ تأسيسها،وعضو الهيئة الاستشارية لمنظمة الشفافية الدولية، عضو اللجنة الأممية عالية المستوى لرسم رؤية جديدة للعالم، عضوة مجلس شورى (اللجنة المركزية) لحزب التجمع اليمني للإصلاح اللقاء المشترك الذي يمثل تيار (المعارضة) ويمثل الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين باليمن، وترأس منظمة صحفيات بلا قيود وهي إحدى أهم منظمات المجتمع المدني في اليمن وعضو الشبكة اليمنية لحقوق الإنسان.
  126. forign policy، Laurent Bonnefoy، Yemen's Islamists and the revolution ومتاح ترجمة له بعنوان الإســــلاميون والثـــورة في اليمـــن، جريدة الوطن القطرية
  127. ما بعد الثورة اليمنية: دروس وتحديات، نبيل البكيري، موقع اسلام اون لاين،
  128. تحولات الحركة الإسلامية في اليمن، ناصر علي الطويل، مركز الجزيرة للدراسات
  129. نيكولاس فان دام، الصراع على السلطة فى سوريا، مكتبة مدبولى، ص135
  130. راجع الإخوان المسلمون في سوريا،ممانعة الطائفة وعنف الحركة،مركز المسبار للدراسات والبحوث، عدنان سعد الدين، سنوات المجاز المرعبة،والعديد من الكتب الأخرى التى تتناول تلك الفترة المرعبة فى تاريخ سوريا
  131. إعلان دمشق اسم يطلق على الوثيقة التي وقع عليها عام 2005 م شخصيات بارزة من المجتمع المدني والإسلاميين والليبراليين السوريين, وتدعو إلى إنهاء 35 عاما من حكم أسرة الأسد لسوريا واستبداله بنظام ديمقراطي.ووثيقة إعلان دمشق هي الجامعة لقوى التغيير الوطنية المعارضة في سورية وتتضمن على بنود أساسية ترسم خطوطا عريضة لعملية التغيير الديمقراطي في سوريا, وكيفية إنهاء النظام الأمني الشمولي الذي سيطر على الشعب السوري وقدراته أكثر من أربعين عاما .
  132. جبهة الخلاص الوطني في سورية جبهة سورية معارضة تضم طيفاً من أحزاب وشخصيات معارضة في الداخل والخارج مؤيدة لمشروعها المعروض على مؤتمرها التأسيسي في لندن في 5 حزيران/ يونيو 2006. وتمثل هذه الأحزاب جميع مكونات المجتمع السوري، بما في ذلك القوميين والليبراليين الديمقراطيين واليساريين والإسلاميين (الإخوان المسلمون)، وأحزاب الأقليات الإثنية. أسسها عبد الحليم خدام مع عدد من الشخصيات المعارضة في الخارج. يشار بالذكر إلى أن الإخوان المسلمين قد أعلنوا في نيسان 2009 انسحابهم من الجبهة المعارضة، رداً على ما وصفوه بـ"حملة الافتراءات والاتهامات" التي تشنها أطراف في الجبهة عليهم بعد إعلانهم تعليق أنشطتهم المعارضة.
  133. الإخوان المسلمون والثورة السورية، ياسر الزعاترة، شبكة انا مسلم نقلاً عن الجزيرة
  134. بيان صادر عن لجنة المبادرة الوطنية لمساندة الانتفاضة السورية وموقع من علي صدر الدين البيانوني بتاريخ 23 آذار (مارس) 2011
  135. بيان من المبادرة الوطنية لمساندة الانتفاضة السورية حول حقيقة فرق القتل التي يشكلها النظام السوري (المندسون)، 7 نيسان (أبريل) 2011
  136. بيان صحفي صادر عن جماعة الإخوان المسلمين في سورية كما صنعنا الجلاء الأول.. معاً نصنع الجلاء الثاني.. 17/4/2012، موقع اخوان سوريا
  137. بيان من جماعة الإخوان المسلمين في سورية دعوة المجتمع الدولي إلى مواجهة الحقيقة في سورية.. 12/5/2012، موقع اخوان سوريا
  138. بيان من جماعة الإخوان المسلمين في سورية، مؤتمر أصدقاء سورية.. مؤتمر لمواجهة عطالة مجلس الأمن.. 5/7/2012،موقع اخوان سوريا
  139. تصريح من جماعة الإخوان المسلمين في سورية ترحيب بانشقاق رئيس الوزراء السوري .. ليكن رياض حجاب قدوة رجال الدولة .... 6/8/2012، موقع اخوان سوريا
  140. تصريح من جماعة الإخوان المسلمين في سورية حول خطاب بشار الأسد 6/1/2013، موقع اخوان سوريا
  141. بيان من جماعة الإخوان المسلمين في سورية تجديد ميثاق البر والوفاء 26 ربيع الأول 1434 – 7 شباط 2013، موقع اخوان سوريا
  142. الإخوان المسلمين فى سوريا يعلنون الجهاد على نظام بشار الإخوان المسلمين 27 (فبراير) 2012، موقع المرصد الاسمى لمقاومة التنصير
  143. جريدة الشرق الأوسط، 5 أغسطس 2012 العدد 12304،
  144. إخوان سوريا: نعمل مع الجيش الحر ولم نشكل ميليشيات، موقع الشرق العربى
  145. إخوان سوريا: روسيا والصين وايران مسئولون عن المجزرة، موقع مفكرة الإسلام
  146. الإخوان المسلمون في سورية لـ واشنطن تايمز: رفضنا عرضا إيرانيا عبر تركيا،موقع سوريون نت
  147. بيان صحفي من جماعة الإخوان المسلمين في سورية حول تصريحات علي لاريجاني.. 23/9/2012، موقع اخوان سوريا
  148. البيانوني: أولويتنا إسقاط الأسد.. والحديث عن سيطرة الإخوان على الائتلاف "لا سند له"،7 أبريل 2013
  149. إخوان سوريا : اتهامنا بالسيطرة على "الائتلاف" هدفه تمزيق المعارضة و"النصرة" ليست إرهابية ،الخميس, 4 ابريل 2013
  150. موقع المشرق العربى
  151. بيان وتوضيح من جماعة الإخوان المسلمين في سورية،11 ابريل 2013 ، موقع اخوان سوريا
  152. تحديات الإسلاميين وفرصهم بعد الثورات العربية ،د. طلال عتريسى