الفرق بين المراجعتين لصفحة: «سبعون عاما في حضن اللغة العربية 9»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
ط (حمى "سبعون عاما في حضن اللغة العربية 9" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(لا فرق)

مراجعة ١٦:٤٢، ٦ فبراير ٢٠١٠

سبعون عاما في حضن اللغة العربية


الحلقة التاسعة

وقادني الأدب إلى طلخا الثانوية

أ.د/

جابر قميحة



كان أمل والدي أن يراني طبيبًا، ولكن حبي للأدب واللغة العربية دفعني للالتحاق بشعبة "أدبي"، والدراسة بها تكون بعد الانتهاء من السنوات الأربع الأولى من المرحلة الثانوية التي تنتهي بالحصول على شهادة "الثقافة العامة"، ثم يبدأ التخصص في الصف الخامس: إما علمي، وإما أدبي، والمدرستان اللتان تنقلت بينهما في السنوات الأربع - وهما: مدرستا المنزلة، وأحمد ماهر بالمطرية دقهلية - توقفتا عند الصف الرابع، فحاولنا الالتحاق بمدرسة الملك الكامل الثانوية بالمنصورة، أو مدرسة المنصورة الثانوية، ولكن كان الجواب: لا أماكن.


كنا أربعة طلاب من إخوان المنزلة: أحمد عبد العزيز الخريبي، وأحمد صالح العلمي، والسيد زكي الموجي ، وكاتب هذه السطور.

وجاء فرج الله على يد الدكتور (محمد خميس حميدة) - رئيس مكتب إداري المنصورة - الذي يرأس كل مناطق الإخوان في الدقهلية، وقبلنا والحمد لله بمدرسة طلخا الثانوية بمساعدة صديقه المسيحي "عزيز بُقطر" - وكيل المدرسة.

التحقت بالفرقة الخامسة شعبة " أدبي فلسفة " ، أنا وثلاثي المنزلة : أحمد العلمي ، وأحمد عبد العزيز الخريبي ، والسيد الموجي . وأحمد الله سبحانه وتعالى إذ كنت موفقا طيلة العام في كل المواد ، وبخاصة اللغة العربية .


ومن أساتذة اللغة العربية الذين كنت أعتز بهم الأستاذ " محمد النظامي " ، فقد كان ضليعا في اللغة العربية وآدابها ، وكان يتدفق شبابا وحيوية ونشاطا . ومن ملامحه : حسن الأدب ، حسن الإلقاء ، وكان يجمعنا في بعض الأيام بعد الدراسة في محاضرات عامة ، أذكر منها محاضرة ضافية عن الجاحظ .

وأذكر أنه في هذا العام أعلنت وزارة المعارف عن مسابقة أدبية موضوعها "مهيار الديلمي وديوانه"، والديوان من عدة أجزاء ، تحمست لهذه المسابقة وقرأت ديوان مهيار على طوله كما قرأت بعض المراجع عنه وأذكر منها كتاب "مهيار الديلمي وشعره " للأستاذ علي الفلال .


لقد أعجبت بشعر مهيار الديلمي على ما فيه من شعوبية ، ومن أبياته التي أنكر مضمونها الفكري: أتـعـلـمين يا ابنة iiالأعاجم يـهـب يـلـقاه بوجه iiطلق شـتـان رأس يفخر التاج به


كم لأخيك في الهوى من لائم؟ يـنطق عن قلب حسود iiراغم وأرأس تـفـخـر iiبـالعمائم

وإعجابي بشعره بصفة عامة ألهمني مطولتي التي نظمتها بعد أكثر من نصف قرن بعنوان " رسالة إلى بغداد " ، وقد بلغت أربعة وخمسين بيتا ، وصدرتها :: فيا صاحبي أين وجهُ الصباح أسـدّوُا مسارحَ ليلِ iiالعراق وخـلْف الضلوعِ زفيرٌ iiأبَى


وأين غدٌ؟! صفْ لعيني iiغدا أم صـبـغـوا فجرَه أسودا؟ -وقد برد الليل - أن iiيبْردا

وفي هذه قصيدتي قلت : أنـادي: فأين الرشيدُ iiالأبيُّ وأين الجلالُ.. وأين iiالجهادُ؟ وأيـن الحشودُ، وأين البنودُ وأيـن الـنفيرُ، وأين الزئيرُ وأين الحتوفُ، وأين السيوفُ لـقد ذاب "نقفورُ" من iiذعرٍٍِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِه وأيـنَ رجـالٌ وفوا iiبالعهود



وقـد حَرمَ السيفَ أن iiيُغمدا؟ وأيـن الـمنابرُ iiوالمنتدى؟ وأيـن الزحوفُ تُذل iiالعِدا؟ وأين الهتافُ، وأين iiالصدى؟ تـلاحِـق "نقفورَ" أنىَّ iiعَدا؟ وذاب مـن الذعر مَنْ iiجنّدا يرُوعون بالحقَّ قلبَ iiالردى؟


وحزنت كل الحزن حينما تقرر إلغاء المسابقة بعد شهرين من الإعلان عنها ، ولكني حمدت الله فقد كنت قد انتهيت من قراءة ديوان مهيار الديلمي ، وما كتب عنه .

**********

وهناك شخصيات في المحيط الإخواني بالمنصورة تأثرت بهم ، وبمنهجهم في الحياة ، ومن أهمهم الأستاذ صلاح الشربيني :

وهو من كفر الجنينة، مركز المنصورة، كان يعمل مدرسًا للمواد العلمية في المعهد الديني بالمنصورة. كان خفيف الوزن، ذكيًا، حاضر البديهة، قديرًا على الحركة والتصرف، وكان محدثًا بارعًا، قوي الإقناع، يجمع بين الفكر والعاطفة في مزج فائق.

ما جالسناه إلا وشدنا إلى حديثه بصوته الخفيض الهادئ، وكان في إقناعه يستعين بآيات من القرآن الكريم ، وأحاديث من السنة النبوية ، وأمثلة من تاريخ السلف ، وأمثلة من الواقع المعيش . وما وضع حلاً لمشكلة إلا وكان هو أنجع الحلول وأوفاها، وكان يتميز بسماحة الداعية ومرونته.

كنا ذات يوم في بيته (وكان الخميس الأول من أحد الشهور)، فسأل أحد الطلبة زميله:

- ما الذي ستغنيه أم كلثوم الليلة؟

فغضب أحد الإخوة، وقال: عيب يا أخي، أم كلثوم إيه.. وبتاع إيه؟

فاعترض الأستاذ صلاح، وقال:

- لا يا أخي، سيبه يسمع أم كلثوم، يا أخ اسمع أم كلثوم. لكن بجانب ذلك اسمع الشيخ محمد رفعت .

وكان الأستاذ صلاح واسع الصدر، واسع الأفق ، فعنده لكل نقد أو سؤال جوابه الشافي، ومن أمثلة ذلك:

- أنني وجدت منه اهتمامًا خاصًا بعلية القوم، وذوي الغنى والحيثيات لجذبهم للدعوة، وكان يعطي اهتمامًا كبيرًا لشاب من آل الشناوي، وهم من ذوي الجاه والثراء الواسع ، فقلت له:

يا أخ صلاح: إن الله - سبحانه وتعالى - يلوم نبيه قائلاً: ) عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى ( (عبس: 14)، ويقول: ) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ....( (الكهف: 28).

فكان جوابه: هذا صحيح، ولكن الله في عشرات من الآيات تحدث عن المحسنين، وعن الجهاد بالنفس والمال.. ولا يقدر على ذلك إلا الأغنياء، فالدعوة قامت على أكتاف أمثال أبي ذر، وابن مسعود، وبلال بن رباح، وكثير من المجاهيل الذين لم يذكرهم التاريخ قبل إسلامهم، وكذلك على أكتاف أثرياء، مثل: عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، الذي جهز من ماله الخاص جيشًا كاملاً هو جيش العسرة ، واشترى للمسلمين بئر رومة ، وغير ذلك كثير .

ومن طبيعة المجتمع الإسلامي أنه كان يعيش على التكامل، فقد ضم القائد الفذ كخالد بن الوليد، وحافظ القرآن كابن مسعود، والإداري البارع كعمر بن الخطاب، وعالم الأنساب كأبي بكر، وراوي الحديث كأبي هريرة.. تخصصات متعددة تكاملت؛ فصنعت نسيج المجتمع الإسلامي، ولو خلا المجتمع من القادة العسكريين العباقرة لفسد المجتمع . ويصدق ذلك على أصحاب التخصصات الأخرى .


وهناك واقعة تدل على الحكمة وبراعة التصرف، خلاصتها:

أننا كنا جلوسًا في شعبة "ميت حدر" بالمنصورة، وكان للإخوان سيارة برمائية في شكل قارب، ركنها الأخ صلاح خارج الشعبة. وأخذ بعض الأطفال يعبثون "بكلاكس" السيارة، فإذا خرجنا إليهم ولوْا هاربين.. كانوا قرابة ستة ما بين العاشرة والثانية عشرة، ويظهر عليهم أثر الفاقة والتشرد، وأخذوا يعيدون الكرة: ضرب الكلاكس بصوته المزعج.. نخرج إليهم.. يولون هاربين.

ولم ينفع تهديدنا لهم.. كل ذلك والأخ صلاح، داخل الشعبة مع مجموعة من طلاب الأقاليم . سألنا: إيه الحكاية..؟ فأخبرناه بما يحدث.


والحل؟

- مفيش فايدة.. لابد أن يجلس واحد منا في السيارة.

- تعالوا معي .. وانظروا كيف سأحلها لكم.

وخرجنا مع الأخ صلاح.. وأشار إلى أكبر الأولاد سنًا، وأرثهم هيئة وثيابا، وكان هو الذي يقود الأولاد في عدوانهم.

- تعال، متخافشي.. أنا شايف أنك أجدع ولد في الأولاد.. لذلك ستكون العربية تحت مسؤوليتك أنت.

وأجلسه الأخ صلاح في السيارة. وعدنا إلى الشعبة، ولم نعد نسمع للكلاكس صوتًا.

- شفتم إزاي حلتها لكم في دقيقة ؟.

- لكن يا أخ صلاح، كيف نستعين بولد قذر مثل هذا؟

ابتسم، وقال: أما سمعتم الحكمة الخالدة: "إن الله ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر" ؟.

وكان كريمًا كرمًا حاتميًا، وأذكر في هذا السياق، أننا كنا (قبل التحاقي بمدرسة طلخا بقرابة عامين) نتدرب تدريبًا عسكريًا شاقًا في معسكر على ضفة النيل في طلخا.. للتوجه بعد ذلك لضرب الإنجليز في القناة. كنا قرابة ثمانين أخًا من شُعَب الدقهلية، وختمنا التدريب بعملية بالذخيرة الحية، استغرقت ساعة كاملة.. كانت الساعة الواحدة صباحًا. وأصر الأخ صلاح على أن نتناول طعام الإفطار عنده في قريته"كفر الجنينة" التي تبعد عن طلخا بقرابة ستة أميال، وسيرًا على الأقدام وصلنا مع مطلع الشمس. واستيقظت القرية لإكرام ضيوف الأخ صلاح: القشدة، والعسل، والبيض، والجبن، والخبز الساخن، كل ذلك بكميات كبيرة.. لقد كانت أمتع وجبة تناولناها في حياتنا.

وقد أخبرني أحد الإخوة ممن كانوا ألصق اتصالاً بالأخ صلاح، أنه أراد أن يتنازل عن كل الأرض الزراعية التي يملكها لصالح فلسطين، والقضية الفلسطينية، ولكن الإمام الشهيد رفض هذا العرض.

وقام انقلاب سنة 1952م، وظهرت بوادر محنة الإخوان بعدذلك بعامين فهاجر إلى السعودية، وهناك تزوج، وأنجب، ولقي ربه في أطهر بقعة - يرحمه الله.

ولا أنسى أن من توجيهات الأستاذ صلاح الذي كنا نجتمع معه مرة كل أسبوع على الأقل في بيته : " اعلموا أيها الإخوة أن كلا منكم يجب أن يكون ملما بواقع أمته ، وتاريخ دعوته ، وبالإسلاميات في مفهومها الشامل ، وخير ما تقتنيه ... الكتب ... اقتنوا أيها الإخوة كتبا بقدر ما تستطيعون ، واقرءوا ... واقرءوا كثيرا ؛ حتى يصبح كل منكم يملك سلاحا فكريا في مسار الدعوة" .
ومن توجيهاته " إنك لن تستطيع أن تجذب الآخرين إلى دعوتك إلا بأن تكون قدوة حسنة قولا وفعلا ، وهذا الطابع أقوى من تلال من المواعظ والتوجيهات " .

وطلب منا الأستاذ صلاح أن نقتني مجلدا كبيرا عن " سيرة عمر بن الخطاب " لعلي الطنطاوي وشقيقه ناجي ، كما طلب منا اقتناء " تفسير المنار " .

وبناء على توجيهات الأستاذ صلاح ، وحبي للقراءة بطبيعتي كنت أوجه أغلب مصروفاتي على شراء الكتب ، وكنت زبونا دائما لمكتبة الخطيب في ميدان المحطة بالمنصورة . كانت الكتب رخيصة : فأذكر أنني اشتريت كتاب الطنطاويين بعشرين قرشا ، واشتريت تفسير المنار وهو من عدة مجلدات ب 180 قرشا .

وهناك حادثة عابرة أذكرها وهي : أنني التقيت على باب مكتبة الخطيب بشيخ معمم عرفني بنفسه قائلا : " أنا الأديب محمود أبورية تلميذ مصطفى صادق الرافعي ، وأنا أراسله وهو يراسلني ، وفي القريب تسمع عني الكثير والكثير" .

فسقط الرجل من عيني إذ قدم نفسه لي ب " الأديب " . وكان ما كان من هذا الرجل بعد موت مصطفى صادق الرافعي، من هجومه على السنة ، وهجومه على سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه بكتاب نتن ساقط ، أراد به أن يحقق من الشهرة أقصى درجاتها ، فكتب كتابه ( شيخ المضيرة : أبو هريرة ) والمضيرة نوع من الطعام كان أبو هريرة يحبه . وفي الكتاب – بل كل الكتاب – طعن في الصحابي الجليل ، بل في الإسلام ورسوله ، كما سنرى .

ومن عبارات أبي رية في الكتاب – ونحن ننقلها بالنص :

1-" عاش ( ابو هريرة ) مجردا من القيم والمبادىء : فعندما نشب القتال بين علي ومعاوية في صفين كان أبو هريرة يأكل على مائدة معاوية الفاخرة ، ويصلي وراء علي ، واذا احتدم القتال لزم الجبل "

2-" وأبو هريرة لا يصلح لخوض غمرات الحروب وحمل السيوف بل كان جبانا رعديدا " ص 72.

3-" وهو كذاب يحلف باليمين الغموس " (ص72)

4-" وهو مصاب بمركب النقص ، فهو من أجل ذلك يسعي ليستكمل هذا النقص ويخلع عن نفسه إزار الخمول والضعة ، ليستبدل به لبدة الأسد "!! (ص227)

5-" وهو مهين ، استخفه أشره ، ونم عليه أصله وطبعه ، فخرج على حدود الأدب والوقار " !! ( ص 241- 242) .

وأحمد الله إذ مكنني من نقض كل ما أفرزه وقاءه هذا الرجل ،في عدد من المقالات .

وممن تأثرت بهم أيضا في هذا العام الأستاذ علي فودة نيل : فقد كان خطيبا متدفقا ، جهوري الصوت .

وفي هذا المقام أيضا أذكر بالخير الأخ الطالب مختار الجميعي الذي عرفني بالأستاذ صلاح الشربيني ، ووثق الصلة بيني وبينه . وبهذه المناسبة أذكر أنني كنت وكيل الإخوان في مدرسة طلخا الثانوية ، وكان رئيس الإخوان الطالب عبد الكريم سليم (ابن تمي الأمديد بالدقهلية) .

ومن طلاب الإخوان اللامعين في المدرسة : أحمد شحاتة ، والسيد الدمناوي (وهما من مدينة شربين) . وعبد الغني غنيم وشقيقه حسن (وهما من مدينة نبروه) . وعادل غنيم (وهو من قرية نشا) . وعبد الحليم خفاجة (وهو من مدينة بيلا) . ومن طلاب المعهد الديني بالمنصورة : توفيق الواعي ، وعبد المنعم الشيخ ، ومحمود حجر.

وأحمد الله أننا أدينا رسالتنا الإخوانية على وجه طيب في مدرسة طلخا . وأدينا الامتحان النهائي في مدينة المنصورة . وأحمد الله سبحانه وتعالى إذ وفقني ونجحت نجاحا طيبا بمجموع طيب ، وأعتز بأنني حصلت على الدرجة النهائية في الفلسفة ، والدرجة القريبة من النهائية في اللغة العربية .

وبذلك انتهت مرحلة كاملة على خير ما أحب وأرضى ، ولم يبق إلا التوجه إلى الجامعة ، مما سنعرضه في حلقات قادمة ، بمشيئة الله .


  • طلخا هي إحدى مراكز محافظة الدقهلية. ومدينة طلخا هي توأم مدينة المنصورة المقابلة لها على الضفة الغربية لفرع دمياط من النيل. وتعتبر طلخا هي أهم مدن محافظة الدقهلية بعد مدينة المنصورة (عاصمة المحافظة)، ويعتبرها البعض امتدادا للمنصورة حيث أن الفاصل بينهما هو جسر طلخا..
تذييل :

تلقيت بالبريد الضوئي من الطالب أحمد أبو مسلم الرسالة الآتية ( بعد الديباجة ):

" أستاذنا .... أشرت سيادتكم في الحلقة السابعة من حلقات ( سبعون عاما في حضن اللغة العربية ) إلى موضوع التعبير الذي كتب فيه الأستاذ حسن البنا رحمه الله ، فزدت من شوقنا إلى قراءة ما كتبه في هذا الموضوع ، فيا ليتك تنشر محتواه كله ، في حلقة من الحلقات ، وجزاك الله عنا وعن المسلمين وعن اللغة العربية كل خير ... " .

وردا على ابننا الحبيب أقول : لقد أسعدتني باهتمامك واشتياقك لما كتبه الإمام الشهيد . ورأس الموضوع هو "اشرح أعظم آمالك بعد إتمام دراستك ، وبين الوسائل التي تعدها لتحقيقها " . كان ذلك سنة 1927 م والإمام في السنة النهائية من دار العلوم .
وعالج الإمام الشهيد هذا الموضوع معالجة فكرية أدبية بأسلوب طيب جدا ، وما كتبه منشور في ( مذكرات الدعوة والداعية ) . دار الزهراء طبعة 1410ه  1990م

من صفحة 72 إلى 74 .


وإلى أن ترجع لما كتبه الإمام في مصدره ... أقدم خلاصة لما كتبه : " أعتقد أن خير النفوس تلك النفس الطيبة التي ترى سعادتها في إسعاد الناس وإرشادهم ، وتستمد سرورها من إدخال السرور عليهم ، وذود المكروه عنهم ، وتعد التضحية في سبيل الإصلاح العام ربحا وغنيمة ، والجهاد في الحق والهداية راحة ولذة ...


وأعتقد أن العمل الذي لا يعدو نفعه صاحبه ، ولا تتجاوز فائدته عامله قاصر ضئيل ...


وأعتقد أن أجل غاية يجب أن يرمي الإنسان إليها ، وأعظم ربح يربحه أن يحوز رضا الله عنه ...


وإن أعظم آمالي بعد إتمام حياتي الدراسية أملان :


خاص : وهو إسعاد أسرتي وقرابتي ، والوفاء لذلك الصديق المحبوب ما استطعت...


وعام : وهو أن أكون مرشدا ومعلما ...


وقد أعددت لتحقيق الأمل الأول : معرفة بالجميل ، وتقديرا للإحسان .


ولتحقيق الثاني من الوسائل الخلقية : الثبات والتضحية .


ومن الوسائل العملية درسا طويلا ، وتعرفا بالذين يعتنقون هذا المبدأ ، ويعطفون على أهله. وجسما تعود الخشونة على نحافته . ونفسا بعتها لله صفقة رائجة ، وتجارة بمشيئة الله منجية .


ذلك عهد بيني وبين ربي ، أسجله على نفسي ، وأشهد عليه أستاذي ، في وحدة لا يؤثر فيها إلا الضمير ، وليل لا يطّلع عليه إلا اللطيف الخبير " ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما " . الفتح 10

المصدر:رابطة أدباء الشام