ساري عرابي يكتب: الأمير إذا نسجت أصابع الأعداء ملكه!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ساري عرابي يكتب: الأمير إذا نسجت أصابع الأعداء ملكه!


ساري عرب.jpg

( 21 أكتوبر 2017)


في السابع من أيلول/ سبتمبر الماضي؛ زعمت الإذاعة الإسرائيلية أن أميرًا من البلاط الملكي السعودي قد زار "إسرائيل" سرًّا. في الشهر نفسه ادّعى أرييل كهانا وهو صحفي يعمل في أسبوعية "ماكور ريشون" اليمينية الإسرائيلية، في تغريدة له على موقع تويتر أن ذلك الأمير، ليس إلا وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، وبرفقته وفد رسمي.

وبالرّغم من كل ما يشير إلى علاقات سرّية تجمع دولاً عربية بـ "إسرائيل"، هي في الحدّ الأدنى تفاهمات تسعى أطرافها لإعادة ترتيب المنطقة وفق مصالحها المتخيلة وتصوراتها؛ في استثمار عجول لوجود ترمب في رئاسة الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية في القلب منها.

وبالرّغم من التحركات العلنية التي جمعت أوساطًا سعودية رسمية أو شبه رسمية بمسؤولين إسرائيليين، كما في لقاء الأمير تركي الفصيل بوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني في منتدى دافوس بسويسرا في مطلع هذا العام، أو في زيارة الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي للأراضي المحتلة العام الماضي ولقائه بمسؤولين إسرائيليين، والمملكة التي يفترض أنها لم تزل تُصنّف "إسرائيل" دولة عدو، لا شك أنها ليست سويسرا، فلا يمكن أن تكون زيارة من هذا النوع، قد جاءت بدافع شخصي، كما يمكن أن يقال، أو قيل بالفعل.

وبالرّغم من النشاط المحموم للجان الإلكترونية السعودية التي رّوجت لوسم "سعوديون مع التطبيع" على موقع تويتر، وبالرّغم من مما بدا منعًا، أو خوفًا، من التفاعل مع أحداث المسجد الأقصى، قبل ثلاثة شهور، وتشغيل اللجان الإلكترونية في أثناء ذلك لهجاء الفلسطينيين واتهامهم ببيع أرضهم.

وبالرغم من هجوم تركي الفيصل على حماسا والمقاومة الفلسطينية في مؤتمر للمعارضة الإيرانية العام الماضي، وبالرغم من هجوم عادل الجبير وزير الخارجية السعودي على حماسا في بدايات الأزمة القطرية، وبالرغم من نشر مقالات تدعو للتطبيع، أو تهاجم حماسا والمقاومة الفلسطينية، في الصحافة السعودية، وبالرّغم من حديث نتنياهو المستمر عن تحالفاته العربية السرّية.

بالرغم من كل ذلك، أبى كثيرون تصديق رواية زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لـ"إسرائيل"، فلحجم المملكة الكبير، ومكانتها الدينية، وتحولها نحو المبادرة والهجوم، وسعيها لأخذ موقع قيادي تقاتل فيه بنفسها، واحتياجها لتعزيز صورتها الإيجابية في ظرف باتت تكثر فيه خصوماتها وتدخّلاتها وحروبها، ولحاجة وليّ العهد ذاته إلى تلك الصورة وهو يحثّ خطاه صوب الملك ويحطّم في طريقه الكثيرين، ولأن العلاقة بـ"إسرائيل" لا تستلزم زيارة وليّ العهد بنفسه.. لذلك كلّه أبى هؤلاء الكثيرون تصديق ذلك.

إلا أنّ وكالة الصحافة الفرنسية، أعلنت أخيرًا، أن مسؤولاً إسرائيليًّا قد أعلمها، بأن الأمير السعودي الذي زار "إسرائيل"، هو الأمير محمد بن سلمان فعلاً.. وإذن فالتسريبات، والظروف التي تحفّ الآن طبائع علاقة "إسرائيل" بالمحور العربي الذي تنتمي إليه المملكة، قد باتت ترجّح الاحتمال القائل بأن ذلك الزائر المتخفّي، هو ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.

لكن هل يمكن أن يفعلها الأمير؟!

المعطيات السياسية المتكاثرة لم تعد تترك مجالاً للشكّ، بأنّ محورًا عربيًّا يتشكل، ويسعى للتحالف مع "إسرائيل"، وقد قلنا الشيء الكثير في تحليل الأسباب والدوافع والظروف والغايات التي تصوغ هذا المحور، فلا حاجة لاستدعاء ما بات معروفًا، من المعلومات أو التحليل، إلا أن ما ينبغي التذكير به، هو أن من غايات هذا المحور، استغلال ما بدا له، فرصة قد لا تتكرر لأن يصفي خصومه مرة واحدة، وهم بالتعيين الإسلاميون وبقية الثائرين والمصلحين، ولأن يتصدّى لإيران، هذه الفرصة هي فترة ترمب.

ولأنّ "إسرائيل" كانت دائمًا البوابة الأثيرة لكلّ من أراد أن يطأ أرض السياسة الأميركية، ولأنّها - أي "إسرائيل"- فوق استفادتها البدهية من علاقة كهذه مع العرب، باتت تحتاجها فعلاً، إن لم تكن قد صارت تضطر إليها، نتيجة عوامل تستجد كل لحظة، تستشعر فيها تراجع مكانتها لدى الغرب، وتتخوف من السيولة والفوضى التي تحيط بها، وتتوجس من الحضور الإيراني الذي صار على حدودها، ولأن بعضًا من أطراف المحور ربطتهم علاقات عميقة إن بـ "إسرائيل" كعبد الفتاح السيسي، أو بالقوى المتصهينة في النخبة الأميركية، كالشيخ محمد بن زايد؛ لأجل ذلك كانت أطراف هذا المحور أقرب إلى "إسرائيل" أكثر من أي وقت مضى؟!

لكن ما حاجة الأمير السعوديّ لهذه العلاقة؟!

لا يتّضح أنّ ولي العهد السعودي قد كوّن إيديولوجيا سياسية تجاه الإسلاميين أو المخاطر التي تحيط بالمملكة، وهو الطارئ على السياسة التي لم يكن ذا صلّة بها حتى سنوات قريبة، على خلاف ما يمكن أن يكون حال رفاقه في المحور الجديد.

لكن يبدو أن ثمّة من أقنعه أن السبيل الوحيد المضروب لطموحاته، يمرّ بالإرادة الإسرائيلية، ويبدو أن ثمة تمركزًا هائلاً حول النّفس، يصبغ الأمير بالعجلة، ويدفعه لتحطيم كل التوازنات في طريقه، بإيحاء ممن أقنعه بالسبيل الإسرائيلي، وإذن وبالنّظر لكل ما فعله الأمير لأجل ذاته، وأداره حول نفسه، وبالنظر إلى التوازنات والتقاليد التي حطّمها، لم تعد زيارته لـ "إسرائيل" مستبعدة.

لكن ماذا يجني الأمير من ذلك؟!

الحقّ، لا شيء، حتى لو سلك طريق "إسرائيل" إلى الملك. لكن يبدو أن رؤية الحقيقة صعبة، طالما أنّها محجوبة بالطموحات الجارفة، تلك الطموحات التي تشير إلى غرور مركّب، فالغرور هو الغرور ولكنه من نمط يمكن استثماره وقياده من الطامعين، وهذا الذي حصّل؛ فجُنّد الأمير في غير معركته، ووضع بلاده ومستقبله على طريق لن يقود إلى السلامة، ليس لأنّ الطريق الإسرائيلي لا يمكن أن يقود إلى السلامة فحسب، ولكن لأنّ العالم يمور، وقلب اضطرابه هو منطقتنا، حتى إن نتنياهو نفسه، يخشى من زوال دولته، في حن يعتقد الأمير أن "إسرائيل" هي السبيل إلى المجد الذي لا يزول!

سيكتشف الأمير يومًا أن رهاناته كانت خاطئة، وأن أميرًا عربيًا يمنح مفاتيحه للعدوّ لن يكسب أبدًا، وأن المجد لا يُنال بسلم من خشب العدوّ، وأن الخسارة بالقرب من العدوّ فادحة لا يرجح إزاءها حتى الملك، وأن مجد ساعة في مواجهة العدوّ، ولو بخطبة، كما فعل مرزوق الغانم رئيس البرلمان الكويتي أخيرًا؛ خير في ميزان النهايات من ملك نسجته أصابع الأعداء.

المصدر