زوجة الشهيد "مسعد قطب": رأيت أمارات الشهادة على وجه زوجي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
زوجة الشهيد "مسعد قطب": رأيت أمارات الشهادة على وجه زوجي

[15-11-2003]

مقدمة

حوارات44.jpg

أقول لمن قتلوه: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ﴾ (إبراهيم: 42).

ضع بيدي القيد.. ألهب أضلعي

بالسوط.. ضع عنقي على السكينِ

لن تستطيع حصار فكري ساعةً

أو نزعَ إيماني ونور يقيني

فالنور في قلبي.. وقلبي بيد ربي

وربي ناصري ومعيني

سأعيش معتصمًا بحبل عقيدتي

وأموت مبتسمًا ليحيا ديني

وهكذا رحل الشهيد "مسعد السيد محمد قطب" إلى ربه.. مبتسمًا.. راضيًا بما ناله من أجر الشهادة في سبيل الله.. تاركًا دماءه تزرع الأرض شوكًا تحت أقدام من قتلوه، وتلهب حماس القلوب المتعطشة لرفعة هذا الدين؛ ليصبح هناك ألف ألف "مسعد" يقولون: ربنا الله، ولا يخشون بطش الطغاة الذين انتزعوه من دفء فراشه إلى جحيم عذابهم بمقر أمن الدولة بـ(جابر بن حيان)؛ ليقضوا سهراتهم الرمضانية على نغمات أنّاته، تحت سياطهم، وليتهجدوا علي عبرات زوجته، وهي تشكو بثها وحزنها إلى الله.. ﴿وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: 227) من خلف قضبان المحنة تتحدث زوجة الشهيد "فاطمة أحمد.. 32 عامًا".


نص الحوار

  • سألناها في البداية.. أهي المرة الأولى التي يُعتقل فيها الشهيد "مسعد"؟
المرة الأولى منذ تزوجنا.
  • في رأيك.. ما سبب اعتقاله؟
اعتاد زوجي الصلاة في المسجد، فكان إذا لم يحضر الشيخ يذكر حديثًا عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ويعلق عليه في دقائق معدودة بعد كل صلاة, وفي إحدى المرات، وهو يلقي كلمته دخل عليه أحد رجال أمن الدولة، وسأله عن بياناته, كما كان هناك أحد مرتادي المسجد الذي كان دائم الاختلاف معه حول تفسير بعض الآيات أو التعليق على أحاديث المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وقبل اعتقاله بأيام كان زوجي وصديقان له يزوران جارًا لنا مريضًا، ويقرأون له بعض آيات من القرآن، ويدعون له بالشفاء فدخل عليهم على حين غرة ابن الرجل الذي كان يخالف زوجي آراءه، وثار عليهم، وقال لهم: ماذا تفعلون مع هذا المريض، ونهرهم قائلاً: إن هذه الحلقات لا تتم إلا في المسجد، وبعد هذه الواقعة اعتقل أمن الدولة الرجلين اللَّذَين كانا بصحبة زوجي يعودان المريض, وقام بتعذيبهما بشدة ليُرشدا عن زوجي، ثم أطلقوا سراحهما.. وبعد صلاة التراويح يوم الجمعة 6 رمضان عاد زوجي مُنهكًا، حتى إنه لم يستطع تعليق الستائر كما رجوته, وتوجهنا من فورنا إلى الفراش وظل يقول لي: "سامحيني أنا مقصر في حقك"، وكأنه كان يستشعر ما سيحدث...!!
ففي تمام الثانية والنصف مساءً فوجئنا بطرقاتهم على الباب.. فقام زوجي ليفتح لهم ولم أنهض أنا من فراشي، وعندما دخلوا سألوه هل أنت وحدك؟ فأجابهم: زوجتي بالداخل, فراحوا يأمرونني بارتداء ملابسي والخروج من الغرفة، ثم انطلقوا يفتشون الشقة لما يزيد على الساعة.


فصول المأساة

  • لابد أنها كانت من أصعب الساعات في حياتك فكيف انقضت بالتفصيل؟
بعد أن ارتديت ملابسي وخرجت بدأو يبحثون في كل شبر وورقة بالبيت، والذي كان مليئًا بالكتب في المكتبة وتحت الأسِرَّة والدواليب، سواءٌ كتب عامة أو دراسية.. فزوجي رغم حصوله على بكالوريوس التجارة جامعة القاهرة وعمله منذ عام 1988م بنقابة المهندسين.. إلا أنه كان شغوفًا بالعلم، فحصل على ليسانس دار العلوم عام 2001م، وسجل هذا العام بالدراسات العليا, كذلك أنا رغم حصولي على شهادة الدبلوم إلا أنني أدرس بالثانوية العامة حاليًا, كل هذا أرهقهم بشدة، وجعلوا يسخرون من زوجي وكتبه, ويسألونه عن كتب القدس؟ ولماذا يهتم بها؟
فيجيبهم بأنها قضية المسلمين، ويجب أن ينشغل بها الجميع, وعندما وجدوا ورقةً مكتوبًا بها دعاء السحر قالوا له: (هل أنت مسحور أم مشعوذ) وراحوا يقلبون البيت؛ بحثًا عن أدوات السحر والشعوذة، ثم اقتحموا الغرفة الصغيرة التي ينام بها ابن أختي (أبو السعود)، وهو طالب بالصف الخامس الابتدائي، ويعيش معنا لأذاكر له؛ فأنا ليس لديَّ أبناءٌ، وأختي لديها مشاغل كثيرة..
وبعد اقتحامهم الغرفة سألونا لماذا يحيا معنا..؟ وأسئلةً كثيرةً سخيفةً..؟ وراحوا يفتشون أدواته المدرسية ورقةً ورقةً؛ حتي وجدوا مصحفًا مكتوبًا عليه اسم الولد الصغير (أبو السعود) فصاحوا بـ"مسعد": "هل تحفظه القرآن"؟؟ فقلت لهم: "أنا أحفظه". فسألونا بغضب.. "أنت أم زوجتك تحفظونه"؟؟ فأجاب "مسعد" في هدوء: "من كان منا لديه وقت يحفظه".
بعدها وجدوا كشكولاً لي مكتوبًا اسم كتاب "الدعوة ضرورة بشرية وفريضة شرعية" فسألوه عنه فأجبت أنا أنني سمعت اسم هذا الكتاب من الدِّش وكتبته؛ حتى أشتريه، وأن الكشكول يخصني أنا", فأمرني "مسعد" بالصمت؛ خوفًا عليَّ من إيذائهم, ثم ملئوا حقيبتين كبيرتين كتبًا وشرائط, وأمروا زوجي أن يرتدي ملابسه، ويخرج معهم، ولكنه لم يكن لديه ملابس جاهزة.. فقال: إنه سيذهب معهم (بالترينج) واستأذنهم في الوضوء، ثم رحل معهم.. وهو على السلم نظر إليّ نظرةً لن أنساها، وقال: (السلام عليكم يا بطَّة).. فأجبت (وعليكم السلام ورحمة الله.. استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.. استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك).
  • ماذا كان موقف الأهل والجيران؟
بعدها مباشرةً نزلت جارتي تواسيني وتساعدني في ترتيب المنزل، ولكنني أجلت ذلك، واتجهت إلى الصلاة والدعاء، وأيقظت الولد الصغير ليتناول السحور, وعندما علم بما حدث قال: (هم اليهود جاءوا عندنا يا خالتي)!! ولم يكن في نيتي أن أخبر أحدًا من أهله أو أهلي، ولكن جارتي نصحتني وألحَّت عليّ أن أخبرهم؛ حتى يتمكنوا من مساعدته والوصول إلى مكانه, فانتظرت لما بعد صلاة الفجر واتصلت بأخي لأخبره, فأسرع بالمجيء إليّ، وانشغلت أنا بترتيب المنزل...
وعند الظهر اتصل أخو "مسعد" ليدعوه لزيارة أبيه المريض بالقلب فأخبره أخي بما حدث, وبعدها أخبرنا النقابة؛ حتى لا يسجلوه غيابًا في العمل، فوكلت له النقابة محاميًا.. ولكن هذا المحامي كان غائبًا يوم السبت ومرض فجأةً يوم الأحد فلم يبدأ تحركاته سوى يوم الاثنين.


ورحل الشهيد..

  • متى علمتِ بنبأِ استشهاد زوجك.. وكيف؟
يوم الاثنين أخبرنا المحامي أن زوجي بـ(جابر بن حيان)، ويمكننا توصيل ملابس وطعام له، فبدأت بإعداد هذه الأشياء.. وفي نفس الوقت اتصل ضابط من أمن الدولة بصديق زوجي، وقال له: تعالَ استلم "مسعد", فذهب يومي الاثنين والثلاثاء ولم يعره أحدٌ أدنى اهتمام، فقلت له: لا تذهب ثانيةً فلوا أرادوا خروجه لأخرجوه، كما أنه ليس صغيرًا ليذهب أحد لاستلامه, ويوم الأربعاء الساعة الواحدة مساءً فوجئت بمن يطرق عليَّ الباب فسألت (من؟) فقال: (أيوه)..! فلم أفتح. فنادى على جارنا في الدور الأول، وقال له: (لم تفتح)..
فقال لي جارنا: (أنا فلان) فقلت له: (وماذا تريد)؟ دون أن أفتح؛ لأنهم رجال وزوجي ليس موجودًا, فجاءت جارتي من الدور الأعلى، ففتَحت لهم فدخل رجلان من أمن الدولة، وراحوا يسألوني عن عائلتي وعائلته فردًا فردًا، وعناوينهم وأرقام هواتفهم؛ حتى علموا أن له أخًا يُدعى "رجب" يسكن بـ(إمبابة) فأمروني بارتداء ملابسي؛ لأنزل معهم، وأرشدهم إلى بيته، فأصرت جارتي على المجئ معنا، وبالفعل نزلت معهم، وبعد أن كنا اثنين فقط صاروا ثمانية عندما وصلنا إلى آخر الشارع، واستوقفوا سيارة (ميكروباص)، وركبناها جميعًا إلى هناك، فصعدوا هم إليه وأمروني بالبقاء في السيارة، ومن مكاني سمعت صراخ زوجته ودعاءها عليهم, وبعدها أوصلوني لمنزلي، وأخذوا شقيقه ومضوا إلى مقر أمن الدولة بالدقي, وبعد ساعتين فوجئت بزوجته تتصل بي وتقول: "مسعد" مات... وتغلق السماعة!!.
  • خرج الشهيد "مسعد" من مستشفى أم المصريين يوم الخميس في العاشرة صباحًا.. فهل تمكنت من رؤيته قبل خروجه؟
توالت الاتصالات.. وعلم الجميع بما حدث.. وقدمنا بلاغًا للنيابة لإعادة فحص الجثة قبل ذهابنا للمشرحة, وفي المستشفى فوجئت بما يزيد على ثلاثة آلاف من الجيران والأهل والإخوة نساءً ورجالاً من كل الأعمار ينتظرون خروجه، وأمام كل هؤلاء صدر تقرير الطبيب الشرعي بأن الوفاة كانت نتاجًا لسكتة قلبية، فهدد المحامي ضابط أمن الدولة بأنه سيأتي بطبيب من الخارج فتم تغيير سبب الوفاة في لحظتها بهبوط حاد في الدورة الدموية, وأصررْت على رؤية زوجي قبل خروجه فأخذوني أنا وأخاه ووالده إلى باب المشرحة، ثم أخرجوه من الباب الخلفي حيث تجمهر الناس فلحقنا بهم هناك، وأصر الجميع على أن أراه، فكشفوا وجهه ليراه الجميع، وقد بدت آثار التعذيب الشديد عليه فرأسه مهشم تمامًا ومعوج، وعيناه تقريبًا غير موجودتين، وأذنه مقطوعة، ورأسه مفتوح من قمته مرورًا بالعنق إلى الصدر.
وبالرغم من هذا.. ومن سمرة لون زوجي.. إلا أنه كان مُنيرًا وضَّاء الوجه، ليس له أي رائحة منفِّرة، بالرغم من مرورة ثلاثة أيام على استشهاده، لين الجلد والأطراف, فقبلته ودعوت له، وإن كنت أريد الاختلاء به لأودعه حق الوداع وأهنئه بالحور العين، وأوصيه بانتظاري والشفاعة ليّ.
  • كيف سار الأمر بعد أن رآه الجميع علي هذه الحالة؟
راح الجميع يحتسبون.. وكادوا يبطشون برجال أمن الدولة المحيطين بنا.. ولكن الله سلم, وبعدها خرج للصلاة عليه في المسجد المقابل للمستشفى وأم المصلين الأستاذ/ سيد النزيلي، وعلي الرغم من أنها كانت صلاة الظهر وفي يوم عمل امتلأ المسجد والشوارع من حوله بالمصلين الذين بلغ عددهم عدة آلاف، ثم انطلقت الجنازة حاملةً النعش دون غطاء، وأصروا على السير به لمسافة كبيرة، وقد كانوا ينوون السير حتى المقابر وهم يكبرون ويدعون على جهاز أمن الدولة وكل من شارك في ظلم مسلم أو إراقة دمه, وأصر رجال الأمن أن يأخذوا الجثمان في سيارةٍ تابعةٍ لهم، ولكن الإخوة رفضوا بشدة.
كان مقررًا أن يقام العزاء يوم الجمعة بمسجد خالد بن الوليد في الكيت كات، ولكنهم أخذوا والده وأخاه الكبير، وضغطوا عليهما؛ ليقام العزاء بمنزلهم في النهضة، وألا يقام بالجيزة إطلاقًا، وأخبروه أنهم سيتكفلون بكافة النفقات, وبالفعل هذا ما حدث رغم معارضة الإخوة الشديدة لأن ينفقوا هم على العزاء, ولكنهم كانوا يحاولون إرضاءَنا بأي طريقة, ومن حكمة الله أن يقيموه على نفقاتهم ليحضر إليه المرشد العام وآلافٌ من الإخوة؛ ولينطلق الدعاء عليهم أمام سمعهم وبصرهم؛ حتى قال أحدهم للإخوة "حرام عليكم كفاكم دعاءً علينا"...!!


خيركم لأهله...

  • اثنا عشر عامًا من الزواج تحمل الكثير من الذكريات.. فكيف بدأت رحلتكما معًا؟
اثنا عشر عامًا كلها ود ورحمة وسكن، بدأتها عندما تقدم لخطبتي وأشاد الجميع به، فاستخرت عليه، ودائمًا أراه في الرؤية أجمل من الحقيقة، ونجلس معًا يطعم كل منا الآخر من أطاييب رزق الله في أماكن جميلة، فتزوجنا بفضل الله عام 1991م وكان عقدنا يوم الأربعاء والبناء يوم الخميس.. وعندما جلسنا لتناول العشاء بعد العقد لم يكن يسمح لي أن أمد يدي للطعام بل يطعمني هو ويَعِدُني أن هذا سيكون حالي معه دائمًا, وقد كان صادق الوعد.
  • عدم الإنجاب ابتلاءٌ كبيرٌ مر بحياتكما.. فكيف واجهتماه؟
رغم حبنا الكبير للأطفال لم نُرزق بهم, فعرضت على زوجي الزواج كثيرًا، ولكنه أبى بشدة، وأخبرني أنه يكتفي بي، ورغم ظروفنا المادية لم يبخل عليّ بشيء، وألَحَّ عليّ في إجراء عملية جراحية مكلِّفة، رغم أن نسبة نجاحها كانت ضئيلة جدًا, وبفضل الله كان كل منا يكتفي بالآخر ويشكر الله عليه، فقد كان نعم الزوج، وكنت أشعر أنني طفلته.. فكان لا يخرج إلا معي.. ويد كل منا في يد الآخر كعروسين جديدين, كان يحب أن يصلي الوتر قبل النوم.. فإذا ألححت عليه لينام ينام إلى جواري؛ حتى أغفوَ ثم يقوم إلى صلاته, كان- رحمه الله- لا يحب النوم على الأرض في حين كنت أفضله أنا.. فإذا وجدني غافيةً على الأرض نام إلى جواري، وآثرني على نفسه, ماذا أقول عنه؟؟
لقد بلغ من رقته معي أنه إذا ذهب إلى أحد أصدقائه وذاق طعامًا أو فاكهةً لابد أن يأتيني بجزء منه, وإذا حضر إليَّ أخواتي أو صديقاتي يُعدُّ لهم الطعام والشراب.. بل إنه لم يكن يأنف إذا رآني مُرهَقة أن يغسل الأطباق.. أو يُعد الطعام.. أو يذهب إلى السوق.. أو حتى يجمع الغسيل من على الأحبال ويطبقه.
كان- رحمه الله- كريمًا مع أهلي, فمنذ الأسبوع الأول من زواجنا وأخي الأصغر يعيش معنا، لم يتذمَّر يومًا منه أو يُسمعه كلمةً لا يحبها, حقًا لقد كان خيرَ الناس لأهله أشهد بها أمام الله.
  • هل كان لاهتمامك بالدراسة آثارٌ سلبية على حياتكما؟
بالعكس تمامًا.. فستتعجبين إذا عرفت قصة الدراسة هذه.. فقد كان "مسعد" يحب دائمًا أن يفاجئني.. فمثلاً يعلم أني أحب طعامًا ما فيتصل بي، ويقول لا تعدي العشاء فسأعد لك مفاجأةً.. طرحت أختي ذات مرة أن نشتري غسالة (فول أتوماتيك) فلم يرحب بالفكرة، ولم أدر إلا وهو داخل عليَّ بها ذات يوم, كذلك موضوع الدراسة كان فكرةً عابرةً على لساني ونسيتها، وفي يوم وجدته قد ذهب وأعد الأوراق، وطلب مني الخروج معه وإذا به يأخذني لأُنهي الإجراءات وظل يستحثني على مواصلة الدراسة, وعندما شعرت أنها مضيعة للوقت راح يجدد نيتي ويذكرني بحديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- "اطلبوا العلم ولو في الصين", ومن المفارقات المضحكة أنه في بداية زواجنا قال لي: "اذهبي حيث شئت... المهم أنني عندما أعود إلى المنزل أجدك بانتظاري".
ولكني عندما شُغلت بالدراسة، وصرت أعود إلى المنزل في مواعيد مختلفة صرت أجده هو بانتظاري فاتحًا ذراعيه، مُرحبًا ومُعدًا الطعام.. يواسني من إرهاقي.. ويسألني عن حالي, وكذلك كان هناك يومٌ أقوم فيه بتحفيظ القرآن للنساء الأميَّات في المسجد.. فأعود متأخرةً لأجده لم يذق أي طعام حتَّى أعودَ ونأكل معًا... وبفضل الله أولاً ثم زوجي حصلت على مجموع 83% في الصف الثاني الثانوي.
  • ذهب الشهيد "مسعد" للعمرة العام الماضي.. فما ذكرياتك عن هذه الفترة؟
سبحان الله!! هذه العمرة كانت منحة ربانية له.. فلم تكن أحوالنا المالية تسمح بذلك, ولكن النقابة رشحته ليكون مرشدًا لرحلة العمرة التي تنظمها في هذا العام, ورزقه الله قبلها بالمنحة السنوية.. فمكنه ذلك من السفر وتوفير نفقات الإقامة, وعندما عاد وعدني أن نسافر معًا هذا العام, وادخرنا المنحة حتى نُكمل عليها ومازالت معي.. وكان دائمًا يقول لي: "لقد كنتِ معي في العمرة.. فلقد شاهدت- وأنا أسعى بين الصفا والمروة- رجلاً وزوجته.. يجري وينتظرها حتى تصل إليه هرولةً, ثم يجري وينتظرها, وهكذا فيمسك بيدها، ويكملان السعي.. فتذكرتك معي، وكل منا تعانق يده يد الآخر".
  • إذا أردت وصف زوجك.. فبماذا تصفينه؟
كنت دائمًا أقول له: إنه أشبه بأبي بكر الصديق- رضي الله عنه- حلمًا وخلقًا وجودًا ورقةً وتبتلاً وعبادةً, حتى إنني- بعد استشهاده- استرجعت، وحاولت أن أقول الدعاء: "اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها".. ولكن لم أستطع.. فليس هناك اليوم من هو خير من زوجي, وبعدها فكرت أن يكون هذا الخلف بأن أصبح زوجته في الجنة.. فدعوت وهذه نيتي.
  • هل من كلمة أخيرة تقولينها؟
أقول لمن ظلموا زوجي ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ (إبراهيم: 42،43).

نقلاً عن جريدة (آفاق عربية)

المصدر