رحلتى مع الأخوات المسلمات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رحلتى مع الأخوات المسلمات
من الإمام الشهيد حسن البنا الى سجون عبد الناصر

تقديم

7

السيدة فاطمة عبد الهادي واحدة من مؤسسات قسم الأخوات المسلمات وأبرز قادته كانت ضمن جيل الـتأسيس الاول للعمل النسوى الاسلامى وإذا كان العمل النسوى قد بدأ ولو خجولا بعد سنوات قليلة من تأسيس الجماعة بالإسماعيلية وقبل انتقالها للقاهرة ( وتحديدا فى أبريل 1932 ) وعرف بعضا من النشاط مع الانتقال للعاصمه على السيدة لبيبة احمد فإنه شهد انطلاقته فى أبريل 1944 مع إطلاق أول لجنة للاخوات المسلمات بأمر من مؤسس جماعة الإخوان الشيخ حسن البنا وبإشراف الحاج محمود الجوهري وهى اللجنة التى ضمت اثنتى عشرة أختا برئاسة السيدة آمال الشناوى وكانت وكيلتها السيدة فاطمة عبد الهادي

وفاطمة عبد الهادي زوجة لشخصية بالغة الاهمية رغم عدم شهرتها الشهيد محمد يوسف هواش ولربما كان اهم شخصيات تنظيم 1965 الشهير الذى ينسب للمفكر الشهيد سيد قطب فهو فضلا عن كونه رفيقه سنوات السجن ثم الاعدام يمكن النظر إليه باعتباره عين سيد قطب الى رأى بها جماعة الإخوان واليد التى قادته وهو القادم من خارجها إلى دهاليز الجماعة ودروبها التى كان صعبا التعرف عليها فى حقبة الخمسينيات والشتينيات من القرن السابق زمن الملحمة الدمويه الكبرى إبان حكم عبد الناصر

السيدة فاطمة عبد الهادي شاهدة عصر بكل ما تعنيه الكلمة فهى ممن شاركن فى وضع اللبنات الاولى فى بناء قسم الأخوات المسلمات ذلك العالم الذى مازال بعد ثلاثة ارباع القرن مجهولا فى تاريخ الإخوان المسلمين والحركة الاسلامية عموما ولم يظهر منه إلا القليل من سطحه الساخن بل والمتفجر عبر الحاجة زينب الغزالي

8

التى ملأت الدنيا كرمز للعمل النسائى الاسلامى وشغلت الناس بسيرتها ذائغة الصيت ( أيام من حياتي ) عن التاريخ الحقيقى وغير المكتوب للحركة النسائية الاسلامية الذى يمكننا القول إن شهادة فاطمة عبد الهادي تصلح بداية لكتابته وبخاصة الجانب الاجتماعى منه

وحياة فاطمة عبد الهادي وتاريخها يتقاطع مع اهم المحطات والاحداث والتحولات التاريخية للاخوات وللحركة الاسلامية عموما كما يتصل بأهم الشخصيات المركزية فى تاريخ العمل الاسلامى فى مصر والعالم العربى كانت فاطمة عبد العادى من أقرب الناس الى بيوت قادة الإخوان ورموزهم التاريخية فهى عرفت الامام الشيخ حسن البنا مؤسس الإخوان عن قرب واتصلت بأهله وزوجته وبناته بل وكانت المرأة الوحيدة من غير اهله التى عاشت ساعات اغتياله وكانت حاضرة ساعة غسله وخروج جنازته من بيته كما كانت وثيقة الصلة لنساء آل بيت المستشار حسن الهضيبي المرشد الثانى ونساء بيت الشهيد سيد قطب ابرز مُنظرى الجماعة بعد مؤسسها عاشت معهن محنة اعتقال الرجال وأزمة بيوت الإخوان التى خلت من العائل ثم عاشت معهن محنة الاعتقال مع خمسين من نساء الإخوان فى السجن وكانت شاهدة وفاعلة فى اهم عطاء للنساء فى العمل الحركى الاسلامى

وبحكم رفقة زوجها للشهيد سيد قطب طيلة سنوات الاعتقال التى قضيا معظمها فى مستشفى السجن كان لشهادة فاطمه عبد العادى على اهم مفكرى الحركة الاسلامية فى نصف القرن الاخير اهمية استثنائبة فهى عرفته عن قرب من خلال العلاقة الخاصة بين زوجها وبينه كما لقتربت من حياته الخاصة مرة عبر علاقتها بشقيقاته ومرات باللقاءات المتكررة اثناء زيارتها لزوجها رفيقة فى المعتقل والمستشفى والتى وصلت الى ان صارت موضع ثقته ووسيطهفى مشروع زواج لم يكتمل

ان شهادة فاطمة عبد الهادي على قضية تنظيم 1965 الذى صار العنوان الابرز فى تاريخ العلاقة بين الإخوان والدولة شهادة فريدة واستثنائية ليس فقط لقربها بل واتصالها بكثير من وقائع القضية وتفصيلاتها بل لانها كانت من ابرز ضحاياها فقد عاشت تجربة السجن بنفسها ثم كان زوجها ثالث ثلاثة نفذ فيهم حكم الاعدام

9

تمثل رواية السيدة فاطمة عبد الهادي إحدى الشاهدات المجهولة فى تاريخ الحركة الاسلامية التى سعيت لجمع أهمها والمسكوت فيها ضمن سلسلة تاريخية وتفطى شهادتها فترة مهمة فى تاريخ الحركة الاسلامية تمتد لأكثر من ثلاثة عقود تبدأ من نهاية الحرب العالمية الثانيبة مرورا بقيام ثورة يوليو ونهاية الملكية فى مصر وتتسع فصولها للحقبة الناصرية وسنوات مهمة من بداية حكم الرئيس السادات

واهم ما يميز شهادتها النادرة أنها تقدم روايتها الخاصة جدا حتى وهى تحكى من احداث وواقئع شكلت تاريخ الإخوان بل ومصر كلها فى مرحلة تاريخية بالغة التهقيد وتروى علاقتها باشخاص غيروا مسار التاريخ بعضهم انهى الى الموت شنقا وبعضهم صار رئيسا للجمهورية إنها رواية شاهد عيان وشاهد ملك أحيانا حين تشارك فى الاحداث وهى تلجأ كما فعل آخرون إلى التوسع والمبالغة وربما الخيال أحيانا حتى وهى تحكى مأساتها الخاصة ومعانتها وأسرتها الصعيرة ابنتها وابنها الصغيرين اللذين عاشا محنة اعتقا الام وسجن الاب سنوات طويلة ثم إعدامه

وعلى عكس روايات الاخرين زينب الغزالي مثلا تبدو رواية فاطمة عبد الهادي للصراع الكبير بين الإخوان والثورة أقرب للقبول كشهادة تاريخية فلم يكن ما عاشته فاطمة عبد الهادي بحاجة الى العواطف المتأججة أو الخيال ربما ليقنع القارىء بأنها كانت مأساة كبيرة عاشها الإخوان فى العهد الناصرى

أهم ما فى شهادة فاطمة عبد الهادي انها لم تكن سياسية محضة بل تحكى فصولا مهمة فى التاريخ الاجتماعى لحركة الإخوان المسلمين التى ما زال وجهها السياسى غالبا على وجوهها الاخرى التى تغيب إلا قليلا فى كل الشهادات والمذكرات التى تتناول تاريخ الإخوان إن قراءة مسيرة فاطمة عبد الهادي فى جماعة الإخوان يصلح مفتاحا لفهم ما جرى فى تحولات مهة فى الحياة الاجتماعية فى مصر طوال نصف قرن وبعض هذه التحولات ما زلنا نعيش فصوله التى تكن بدأت وقتها بعد

تضع شهادة السيدة فاطمة عبد الهادي أيدينا على المتاح الاهم لكثير من التحولات المهة فى تاريخ العمل النسائى الاسلامى أو العمل الدعوى المتوجه للمرأة عموما والتى كان أهمها على الاطلاق التحول بحركة الأخوات المسلمات من حركة اجتماعية

10

دعوية إلى حركة سياسية أيديولوجية وهو التحول الذى كان بتأثير تحول أوسع جرى لحركة الإخوان المسلمين عموما سنكشف كيف كانت الأخوات المسلمات فى بداية عملا دعويا اجتماعيا بالأساس يهدف إلى الحض على تحقيق العقيدة الصحيحة والالتزام بمكارم الاخلاق والقيام بأعمال البر ومساعدة الفقراء والمحتاجين وجمع الزكوات وتوزيعها قبل أن ينغمس سريعا فى السياسة ربما بقوة دفع الاحداث الكبرى ومن ضمنها المواجهة مع نظام يوليو وتتحول إلى جزء من حركة ايديولوجية غارقة فى كل معانى السياسة وطقوسها ورموزها

سيتوقف القارىء كثيرا عند قضية الحجاب بكل مالها من رمزية فى الحركة الاسلامية المعاصرة الان بل وفى فضاء التدين والحياة الاجتماعية فى مصر عموما وسيفاجئه كيف كانت تقريبا غائبة حين كانت الأخوات المسلمات حركة دعوية اجتماعية قبل الغرق فى الصراع السياسى والانزلاق لفخ الايديولوجيا الذى تحول معه الحجاب الى ايقونة تختزل كل معانى الفضيلة والايمان لقد كان التحول بالحركة الاسلامية والنسائية منها خاصة لحركة سياسية ايديولوجية بحاجة الى رموز كبرى وكان فى الحجاب ثم الانقاب الان كل المواصفات المطلوبة

ان التعمق فى قراءة هذا التحول يكشف لنا لماذا توارت عن واجهة الحركة الاسلامية فى السبعينيات رموز نسائية بالغة الاهمية والعطاء مثل فاطمة عبد الهادي أو أمال العشماوي مثلا فى حين تصدرتها شخصيات مثل زينب الغزالي لقد كانت الاخيرة عنوانا صارخا لا كتمال تحول الأخوات المسلمات من العمل الدعوى الاجتماعى الى العمل السياسى الصارخ حيث الصراع الايديولوجى وعناوينه ورموزه

واخيرا فما كان لهذه المادة التاريخيه المهمة ان تخرج للنور لولا الطبيعة الخاصة وربما الاستثنائية لشخصية صاحبة الشهادة السيدة فاطمة عبد الهادي التى تحملت على كبر السن مشقة جلسات طويله من الحكى والمراجعة لأحداث ووقائع تاريخية مضى على بعضها ثلاثة ارباع القرن لقد كانت نموذجا للجلد والقوة ورحابة الصدر أيضا فلها الشكر والتقدير وكذلك للاستاذ أحمد عبد المجيد الشكر على

11

كرمه وفضله فى ‘داد هذه الشهادة الاستاذ أحمد عبد المجيد هو زوج ابنة السيدة فاطمة عبد الهادي وهو ايضا رفيق زوجها الاستاذ محمد يوسف هواش فى السجن وكان يمكن ان يكون رفيقه ايضا فى الشهادة لولا لطف الله الذى قدر ألا ينفذ فيه حكم الاعدام ليبقى شاهدا على هذه الملحمة لقد أثرى الاستاذ أحمد عبد المجيد هذه الشهادة وكانت ملاحظاته اهمية كبيرة خصوصا فيما يتصل بتدقيق بعض المعلومات والوقائع

الناشر

12

تقديم

بدأ اهتمام الإمام الشهيد حسن البنا بدعوة النساء مبكرا تقريبا مع بدء تأسيسه لجماعة الإخوان المسلمين بمدينة الإسماعيلية وقبل انتقاله بها للقاهرة كانت البداية بنساء الإخوان من اخواتهم وزوجاتهم وبناتهم ولكن لم يكن هناك فى البداية دعوة خاصة بهن ولا هيكلية داخل الجماعة بل كان مجرد تواصل غير منتظم ولا يتبع قسما بعينه لكن مع تزايد اعداد الاخوات واتساع حضورهن عمل ولائحة منظمة مثل بقية الاقسام الاخرى كالطلاب والعمال

الطريف ان النشاط الدعوى الذى جذب كثيرا من زوجات وبنات الإخوان لم يجذب زوجة الإمام حسن البنا صاحب الدعوة كان الرجل قد تزوج بطريقة تقليدية فاختار ابنة عائلة الصولى وهى إحدى العائلات الكبيرة فى مدينة الإسماعيلية وكانت لها ثقل اجتماعى كبير وكانت زوجته سيدة كريمة الاصل والاخلاق لكنها كانت بعيدة عن نشاط زوجها تماما تفرغت لتربية ابنائها تربية حسنة ولم يكن لها يوما نشاط مع جماعة الإخوان او حتى فى حضور دروس الاخوات وكان الإمام البنا يمازحنى أحيانا فيحكى لى كيف ان زوجته تذهب لشيخ المسجد لتسشيره فى بعض الامور الدينية ولا تسأل زوجها واتذكر ان بدء النشاط الكبير للاخوات كان فى بداية الاربعينيات وهى الفترة نفسها التى تعرفتُ فيها على الإمام البنا والتحقت بجماعة الإخوان لقد كانت فترة ما بعد تهاية الحرب العالمية الثانية والتى تزامنت معها حركة واسعة بين الشعوب الخاضعة للاستعمار والباحثة عن حلم الاستقرل كانت فترة نشاط واسع لكل الشعوب ومنها الشعب المصرى وقد وصلا الحركة الوطنية بكل اطيافها وتلونتها الى عنفوانها وكان صعود الحركات النسوية باختلافها جزءا من هذا السعى نحوا الاستقلال وكانت فترة مناسبة ومؤثرة فى إحداث نقلة واسعة فى نشاط الاخوات داخل جماعة الإخوان التى كانت فى صعود كبير وإذا كان هناك بيت يُنسب له الفضل الاول فى حركة الأخوات المسلمات فهو بيت السيدة أمال العشماوي لقد كان أحد البيوت الثراء والسعة فى جماعة الإخوان المسلمين فوالد امال هو محمد العشماوى باشا وزير المعارف وزوجها هو منير الدلة المستشار بمجلس الدولة وكان بيتا وسيعا وفسيحا وبهمن الامكانيات ما يجعله قادرا فى اى وقت على استقبال الناس والقيام بضيافتهم على افضل وجه وهناك بدأت دروس الاخوات الخاصة وأنشطتهن وكنت ممن يحضر لإقاء الدروس عليهن وكان معنا الاستاذ بهى الخولي العالم والمربى الجليل وكان مسئولا وقتها عن قسم التربية بالجماعة وكانت محضراته مؤثرة وثوية تركز دائما على امور العقيدة والعبادة ونشر الوعى الصحيح عن الاسلام ومما اذكره ان بيت أمال العشماوي كان راقيا وبه علامات الثراء والوجاهة ومنها تماثيل تزين أنحاءه ولما تكلم البهى الخولي عن حرمة التماثيل وحرمة اقتنائها قامت أمال العشماوي فجمعت كل التماثيل والقت بها خارج البيت

ومع دروس العقيدة والاخلاق كان هناك تركيز على الابعاد الاجتماعية من رعاية لبقثراء ومساعدة المحتاجين وجمع الزكاة وإنفاقها فى مصارف الشرعية وكان موضوع الزكاة ومصارفها الشرعية من أهم موضوعات دروس الاخوات وقتها وكان موضوع الزكاة ومصارفها الشرعية من أهم موضوعات دروس الاخوات وقتها وكان من ابرز أنشطتهن فى هذه الفترة نسج الملابس التى كانت تذهب للمتطوعين فى حرب فلسطين وأهلنا فى فلسطين بعدما بدأت حرب العصابات الصهيونية هناك فقد كانت للاخوات يغزلن الملابس الصوفية كمساعدة عينية للمتطوعين وللاجئين

وقد ظهر هذا الدور جليا مع بدء سلسلة المحن والاعتقالات التى تهرضت لها الجماعة فى العصر الملكى أو بعد قيام الثورة لقد كان قسم الأخوات المسلمات من تولى رعاية أسرنا وقت غيابنا فى السجون والمعتقلات فكانت الاخوات يجمعن التبرعات ويدبرن نفقات البيوت التى غاب عائلها وكن يوفرن الحاجات الاساسية لأى أسرة سُجن عائلها أو فر هربا من الاعتقال فقد كان الإخوان المعتقلون أو المسجونون يعانون وقف المرتبات ومصادرة الدخول وقد حكت لى زوجتى السيدة كوثر الساعى كثيرا عما كانت الاخوات

15

يفعلنه لمساعدة اسر المعتقلين والمسجونين وكانت رجمها الله تساعد الاخوات فى العمل بل كانت قد شملت برعايتها اسرة أختى سعاد بعد سجن زوجها وكان يساعدها وضعها الاجتماعى الميسور الذى لم يتأثر كثيرا باعتقالى وسجنى فقد كانت من أسرة ميسورة تعمل بالتجارة طكا كان أخوها الاكبر استاذا جامعيا فى وضع اجتماعى مميز فلم يتأثر وضع اسرتنا ماديا بغيابى رغم التضييق على الارزاق وكانت رحمها الله لا تقصر فى مساعدة الاخوات فى أعمال الخير والنشاط الاجتماعى رغم أنها لم تكن منخرطة كثيرا فى نشاط الاخوات فقد تفرغت للبيت ورعاية الأبناء وكان أهم نشاطها حضور الدروس الدينية وبخاصة التى يلقيها الإمام البنا فى مركز الجماعة والمشاركة فى اعمال الرعاية الاجتماعية واذكر اننى لما نظمت قصيدة تأثيرا بما فعلته زوجتى وبقية الاخوات اثناء محنة السجون والاعتقال وقد سميتها " بيوت فى المحنة " وفيها قلت :

كانت تشجع غيرها فى سجننا

بالصبر توصى واقتسام اللقمة

لما الرواتب والمعونة صودرت

صبر النساء على البلاء وعفت

كانت بستر الله تعبر عيشها

لا تسأل الأغيار خيط الابرة

أذناى قد سمعتا من الخراس

إبـــــــــــان الزيارة مدح أهل الدعوة

ولقد أسر إلى قائد سجنا

حسدا لنجح بيوتنا فى المحنة

تأريخ دور نساؤنا زمن السجون

يحقه التسجيل دون مرية

إن كان قد حمل البلاء رجالنا

فنساؤنا فى أرجح كفة

من حق أجيال ستأتى بعدنا

أن يعرفوا الماضى وأنصع صفحة

ومما يستحق التوقف عنده الان عن هذه الفترة ان الدروس التى كنا نلقيها والنقاشات التى كانت تدور بين الاخوات كانت تركز على الاصول المتعلقة بالعقائد والقيم والاخلاق وقواعد السلوك وأسس بناء الاسرة الصالحة والمجتمع الصالح فيما كان اهتماما قليلا جدا بالشكل والمظاهر حتى فيما يخص المرأة فلم نكن نتكلم وقتها كثيرا عن الاوياء وشكلها كنا نتكلم عن الاحتشام والتزام القصد فى الملابس وتجنب

16

العرى والابتذال وكل ما يتصل بهما لم تكن قضية الحجاب وشكلة ولونه وطوله او قصره تشغلنا كثيرا وقتها فقط كنا نحارب مظاهر العرى والابتذال ولكن لا نتوقف كثيرا عند الشكليات والمظاهر

كانت قضية الحجاب غير حاضرة فى زمننا هذا مثلا كانت اختى سعاد غير محجبة وحين خطبها صلاح شادي لم تكن محجبة وظلت هكذا فترة حتى تحجبت فيما كانت زوجتى كوثر الساعى اسبق منها للحجاب كان يكفى الإيشارب أو غطاء الرأس وكانت الاخوات كلهن محتشمات بعيدات عن التبرج والابتذال اما النقاب فلم نسمع به وقتها أبدا وأستطيع القول إننا لم نشهد حالة نقاب واحدة ولم نسمع بمنقبة أو نر أختا من الاخوات ارتدت النقاب إلا بعد التغيرات التى شهدتها مصر فى خقبة السبعينيات من القرن العشرين مع بداية دخول نمط التدين الوهابى القادم من الخليج والغريب تماما عن نمط التدين فى مصر ولدى الإخوان المسلمين ايضا فلم يكن لدينا فى مصر هذه الحالة من الاهتمام بالشكليات كعنوان للتدين ولم يكن الإمام البنا يهتم كثيرا بالتدين الشكلى ومازلت أذكر واقعة له مع الاخ محمود سليمان وكان أحد إخوان كلية الطب فقد كنت مع الإمام البنا فى المركز العام للجماعة وأثناء خروجنا من المكتب قابلنا الاخ محمود وكان قد أعفى لحيته فبدا شكله غريبا ومختلفا عما كنا ألفناه فلما رآه الامام بادره محمود قائلا : لقد اصبت لسنة فرد عليه الامام : أصبت السنة وضيعت الفرض ! اذهب واحلق لحيتك وتعال معنا أريدك مثل زملائك فى الكلية الذين تدعوهم لا يمكن أن تؤثر فى الناس وانت غريب عنهم لقد كان الإمام البنا يرفض أن نتميز عن الناس بلباس أو هيئة حتى نظل جزءا من المجتمع

كان الاستاذ محمود الجوهري أول رئيس لقسم الاخوات مكلف بمتابعة نشاطهن وربطه بالجماعة وكان ابرز من تولى هذه المسئولية وكانت زوجته أمينة محمد وعرفت بأمينة الجوهري تساعده فى هذا العمل وكان صلة الوصل بين الاخوات وبين الإمام البنا الذى كان كثيرا ما تمنعه أغباؤه ومشغولياته الكثيرة عن الحضور وإلقاء المحاضرات الخاصة للاخوات وكانت الاخوات يعوضن ذلك بحضور الدرس العام للإخوان كل يوم ثلاثاء وهو الدرس الشهير الذى كان يحاضر فيه الإمام البنا فى مقر الجماعة بالحلمية وعرف بحديث الثلاثاء

17

والحق أنه رغم انفراد الأخوات بقسم خاص لهن إلا أن علاقتهن بالاخوة لم تكن متوترة أو متشنجة على النحو الذى يمكن أن نراه الان فى التجمعات الاسلامية إذ لم يكن هناك فصل حاسم وعنيف بين الاخوات وبين الاخوة كان الحياء هو أساس العلاقة الحاكم لها وكان المجتمع بطبيعته محافظا مسلما أو مسيحيا ولم يكن يميل للابتذال وما كانت به ظواهر التحرش أو المعاكسات بل كان مجتمعا ناضجا فى تصوره للعلاقة بين الجنسين أقرب ما يكون للقيم الاخلاقية الاسلامية الحقيقية والعميقة وليست الشكلية أو المفتعلة

أذكر مثلا أننى كنت أدرس مادة الرياضيات لابنة الإمام البنا وفاء كنت أدرس لها المادة فى المدرسة الثانوية با عتبارى مدرس رياضيات وكنت أدرس لها أيضا فى بيتها ولم تكن هناك مشكلة أو حساسية أن أتردد على بيت الإمام البنا وأدرس لابنته وأنا شاب فى بداية الثلاثنيات من عمرى كنت أدخل البيت وأدرس لها وكان الامام ينشغل أحيانا فى عمل مما تزخر به مسئوليتاته الدعوية وما أكثرها وكان إذا حضر وقت الغذاء نادى على وتناولنا الغداء معا لقد كانت الحياة بسيطة بلا تكلف ولا عقد وكانت تربية العائلات ترسخ فينا معانى الفضيلة والاحترام والنخوة كما كنا مشغولين وقتها بهموم اكبر كالدعوة والنشاط فى الحركة الوطنية وما كان يخطر ببالى ولا بال ابناء جيلى الاهتمام بأمور تافهة أو شكلية حتى إننى لا أتذكر شكل وفاء بنت الإمام البنا ولا أتذكر إذا ما كانت وقتها ترتدى غطاء رأس أم لا رغم أننى فكرت أن أتزوج بها وأذكر وقتها أننى فاتحت الإمام البنا بشأن الزواج بها فسألنى إذا ما كنت أطلبها هى بشكل خاص لعاطفة عندى ام مجرد زواج ولما علم أننى فقط أفكر فى الزواج بها لا عتبارات كرم الاصل وطيب الخلق وان ليس فى عاطفتى شىء خاص لها اعتذر بلباقة وقد كان رحمة الله احرص ما يكو على مشاعرنا وقد فهمت وقتها انه ربما كان أحد الاخوة قد سبقنى الى كلبها وهو الامر الذى يبدو أنه وقع فعلا فقد توجها فيما بعد الاخ الكريم الاستاذ سعيد رمضان وكان من اكثر تلامذة الإمام البنا نجابة وقربا منه وحين اكتب هذه الكلمات فلا بد ان اذكر السيدة الكريمة فاطمة عبد الهادي واذكر لها فضلها وجهادها فى دعوة الأخوات المسلمات فهى من أوائل من بدأن الدعوة

18

ونشطن فيها كما كان لها دور كبير فى كل مراحلها سواء فى فترات التأسيس والنشاط الاول أو فى زمن الاعتقالات والسجون وقد كانت ممن دفعن ضريبتها باعتقال زوجها الاستاذ محمد يوسف هواش الذى اعتقل فترات طويلة مع الاستاذ سيد قطب ثم أعدم معه أيضا رحمهما الله رحمة واسعة كما دفعت الضريبة باعتقالها هى نفسها عدة شهور مع عدد من فضليات نساء الإخوان وقد عرفتها اثتاء ترددى على قسم الاخوات لالقاء الدروس والمحاضرات وقد سعيت زمنا للالتزام بهذه المحاضرات لكننى انشغلت فى اعمال واعباء اخرى حالت فيما بعد دون مواظبتى على الحضور فقد كنت مسئولا عن قسم الطلاب ثم رئيسا لقسم الخريجين بالجماعة كما كنت عضوا بالهيئة التأسيسة للجماعة وعضوابمكتب الارشاد ولم أكن أفترق عن الإمام البنا إلا نهاية اليوم لذا تباعدت صلتى بنشاط الاخوات وإن ظللت أتابع أخباره ونشاط الاخوات وقد كانت السيدة فاطمة عبد الهادي من اكثر الاخوات نشاطاوجهادا واعتقد ان شهادة الاخت فاطمة عبد الهادي تمثل إضافة كبيرة لفهم تاريخ الأخوات المسلمات فلم يكتب عنه بشكل موسع من قبل كما ان معظم الاهتمام تنصب على فترة السنينيات وما بعدها وربما تركز على السيدة زينب الغزالي فقط نظرا لدورها فى هذه المرحلة رغم ان السيدة زينب الغزالي لم تكن مع الاخوات وكان لها جمعيتها الخاصة ( السيدات المسلمات ) وكانت علاقتها بالإخوان من خلال زوجها الحاج محمد سالم الذى كان رجلا متدينا نشيطا مع الإخوان لكن نشاط زينب الغزالي ظهر بسبب دورها فى تنظيم 1965 الذى كان يخطط لبناء خلايا سرية لتغيير النظام وكانت قد تعرفت على الشيخ عبد الفتاح إسماعيل والاستاذ عبد العزيز على وكان وزيرا سابقا ثم الاستاذ سيد قطب وبسبب دورها فى هذه المرحلة صارت رمزا وعنوانا للعمل النسوى الاسلامى

ان شهادة السيدة فاطمة عبد الهادي عن الأخوات المسلمات صفحة مشرقة وغنية بالعطاء والاسوة الحسنة وهى صفحة مجهولة تكاد تضيع من تاريخ الحركة الاسلامية فى فجزاها الله خيرا على حفظها والثتاء والتقدير

فريد عبد الخالق

19

قصة تأسيس قسم الأخوات المسلمات والنشاط النسائى الإخوان

ولدت لاسرة تقليدية تحمل سمات وطباع المجتمع المصرى المسلم المتدين بالفطرة كان أبى صعيديا من مركز المراغة بمحافظة سوهاج فى صعيد مصر والصعيد هو موطن القيم والتقاليد المحافظة وقد كان جدى لأبى – الشيخ ابراهيم – رجلا متدينا وكان صديقا حميما للشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر الشريف

كان ابى يعمل موظفا فى وزارة الاوقاف وكان يجلس معنا كل يوم بعد صلاة العصر مباشرة ويحدد لنا حديثا نبويا من صحيح البخارى ويشرحه لنا ثم يكلفنا بحفظه وفهمه ولكن للحق فلم يكن ذلك ليلامس شغف قلوبنا إذ كانت قراءة بى تأمل أو تدبر ولم تكن لتنعكس غلى سلوكنا فلم أكن مثلا أرتدى الحجاب بل كنت مثل بنات جيلى نلبس ملابس قصيرة وكان أقصى ما نفعله أن نضع الإيشارب عند أداء الصلاة وإن كنا نحرص على الالتزام بالأخلاق وعدم الابتذال ولدت فى 27 من سبتمبر عام 1916 وكان مولدى فى مركز التل الكبير التابع فى ذلك الوقت لمحافظة الشرقية حصلت على الابتدائية ثم سافرت من التل الكبير للدراسة فى مدينة الزقازيق وبقيت عاما ونصفا أعيش فيها بعيدة عن أهلى مع أختى الصغيرة وكنت أدرس فى مدرسة اعدادية اسمها " الراقية " لم أوفق فى الشهادة الاعدادية فى الزقازيق فانتقلت الى القاهرة للدراسة قريبا من أهل أمى فى حى السلطان أبو الهلا ولم أشعر بالراحة كثيرا عند الاقارب رغم ترحيبهم بى وحفاوتهم فعدت بعد الاعدادية ودخلت مدرسة المعلمين وتخرجت فيها عام 1937

20

تفوقت فى دراستى بمدرسة المعلمات وحصلت على الترتيب الأول فى الدراسة النظرية ولكننى تراجعت الى المرتبة الرابعة عشرة بسبب المواد العلمية بالدراسة التى لم اكن مستعدة لها وما زلت اذكر مادة التدبير النسوى التىكانت سبب تراجعى حيث طلب منى فى الامتحان إعداد بسكويت بالنشادر إفطارا لخمسة افراد وكفتة سمك غداء لعشرة أفراد ولم أنجح فيها بسبب الوقت

كان أخى سيد أبو النور يدرس بإحدى المدارس الداخلية بحى شبرا ثم كلية الهندسة وقد رفض وقتها أن يسكن عند أقارب زالدتى المقيمين بالقاهرة ولم يجد سكنا وكنت وقتهااعمل بالتدريس فى الإسماعيلية فاقترحت على والدى أن اطلب نقلى الى القاهرة لأكون قريبة من أخى وأراعيه أثناء دراسته على أن تأتى أخواتى البنات فتقيم كل واحدة منهن معنا شهرا بل وأدخلت أختى الصغيرة كامليا إلى المدرسة فى القاهرة لتكون معنا انتقلت الى القاهرة للعمل معلمة بمدرسة فى حى حلمية الزيتون وذات مرة وأثناء رجوعى من عملى قابلت فى الترام سيدة كانت سببا فى تغيير حياتى تماما ففى اثناء جلوسى فى الترام التقيت بالأخت فاطمة البدرى وكانت تبدو عليها سمات الاخلاق والتدين فتقربت منى وتجاذبنا اطراف الحديث فحدثتنى عن التدين والاخلاق والدعوة الى الله والاخذ بيدى الناس الى طريق الحق وغيره من المعانى الجميلة ثم اعطتنى ورقة كانت دعوة لحضور درس دينى كان مكتوب على الورقة قوله الله تعالى (            •         انشرح صدرى لهذه السيدة ولكلامها وارتحت لفكرة حضور هذا الدرس الدينى ولما عرضتها بعد عودتى على اخى السيد ابو النور إذ يشاركنى الارتياح بل ويشجعنى على الحضور ويطلب منى الانضمام الى هؤلاء الاخوات وفيما بعد عرفت أن أخى ابو النور كان قد اصبح من الإخوان المسلمين وكان قريبا من الاخ مصطفي مؤمن والاخ سعيد رمضان أبرز قيادات الحركة الطلابية من شباب الإخوان

انتظرت بشوق موعد الدرس وكان أول درس أحضره فى مقر الأخوات المسلمات

21

فى حى الناصرية للشيخ عبد اللطيف الشعشاعي رحمه الله كان الرجل كفيفا وكانت تحضر معنا زوجته الاخت زينب وكان عدد من يحضرن درسه يتراوح من سبع إلى ثمانى أخوات وكان ممن يحضرن الدرس إضافة للأخت زينب زوجة الشيخ الشعشاعى الاخت أمينة محمد زوجة الاستاذ محمود الجوهري الذى كان حلقة الوصل بين الاخوات والمرشد العام الشيخ حسن البنا والاخت فاطمة البدرى التى زوجناها فيما بعد لأحد الاخوة وكان يعمل محاميا وقد أعدم رحمه الله فيما بعد مع الشهيد الاخ عبد القادر عودة فى اول صدام مع الثورة وقد كان مسئولا عن محمود عبد اللطيف الذى اتهم فى محاولة اغتيال عبد الناصر فى حادثة المنشية والاخت فاطمة توفيق والاخت فاطمة حسين من العباسية

كان الدرس يبدأ بعد العصر فكنا نجلس على مقاعد خشبية نستمع الى الدرس ختى اذان المغرب فنقوم للصلاة وكان اخى ابو النور قد طلب منى قبل الذهاب للدرس ان استعير " إيشاربا " من الجيران حتى ارتديه عند ذهابى الى هناك فوضعته فى حقيبتة يدى ونسيته فلما أقيمت الصلاة قالت الاخت أمينة محمد ( أمينة الجوهرى ) كيف ستقومين للصلاة وتقفين بين يدى الله بهذا الشعر المكشوف وهذه الأرجل العارية

تلك كانت الاخت امينة محمد وشهرتها امينة الجوهرى نسبة الى زوجها فما كان منى إلا أن وضعت الايشارب فوق رأسى ووقفت أصلى بملابسى القصيرة التى كانت علو الركبة كموضة هذه الايام

أخت فى قسم الأخوات المسلمات

كان هذا فى عام 1942 تقريبا ولم يكن عمرى قد تحاوز الخامسة والعشرين وكان هذا اللقاء أول علاقة لى بالأخوات المسلمات وكان سببا فى أن شرح الله صدرى لهم فعند عودتى الى المنزل سألنى أخى ابو النور عن رأيى فى الدرس وفى الاخوات فقلت له إنه ورغم أن المكان كان بسيطا ومتواضعا ولم يكن مهيئا للدرس إلا أن الجلسة كانت مريحة وانشرح صدرى لها وعقدت مقارنة بين هذه الجلسة وجلستنا فى السينما فشعرت كم كانت جلسة طيبة فسعد اخى واستبشر وحمد الله وحتى حين أبديت

22

عدم رضائى عن بعض الامور فى اللقاء وعدم اقتناعى بها قال لى إن الاسلام ليس ملكا لأحد بل لكل المسلمين وهم جميعا مسئولون عنه أمام الله وطلب منى إذا رأيت شيئا لا أرتضيه أن اعمل على إصلاحه أو تغيره وألا أخشى من ذلك

بدأت أنتظم فى حضور هذا الدرس وبدأت علاقتى تتوثق بالأخوات المسلمات وثار الاقبال يزيد يوما بعد يوم حتى ضاق بنا المكان ففكرنا فى الانتقال لمكان اخر غير مقرنا فى حى الناصرية وقد استقر رأينا وقتها على حى المنيرة فقد وجدنا مكانا مناسبا عبارة عن منزل واسع من دورين لأحد البشوت لم تتبق من أسرته إلا ابنة وحيدة على قيد الحياة سكنت هذه الابنة الدور العلوى من البيت وتركت لنا الدور السفلى وكان عبارة عن شقة كبيرة اسفلها بدروم كبير وفناء واسع كانت من الاتساع بخيث قمنا بإعادة تنظيمها بحيث تضم حديقة ومصلى كبير وسكنا للخفير وأعشاشا للدجاج أما بقية المنزل فأصبح دار لنا ( الأخوات المسلمات ) بل لقد فكرنا وقتها فى أن ننشىء فيه مدرسة ودار للأيتام استغلالا للحجرات الكثيرة

حين قررنا الانتقال عرضنا الامر على مسئول الاخوات الاستاذ محمود الجوهري فعرضها بدوره على الشيخ حسن البنا الذى وافق وطلب منا التخطيط لها جيدا وأخذنا بتوجيهاته ونشط العمل بين النساء وزاد عدد الاخوات وعدد المترددات على دروسنا ثم توسع نشاطنا فأقمنا مدرسة أسميناها دار التربية الاسلامية للفتاة بشارع بستان الفاضل بالمنيره وخصصناها للفتيات اليتيمات

كان عددنا ست اخوات كما أسلفت : امينه الجوهرى وفاطمه توفيق وفاطمة البدرى زوجة الشيخ الشعشاعى واخت الاخ محمود سعيد وانا فاطمة عبد الهادي وصرنا فيما بعد قسم الأخوات المسلمات واول من بدأن العمل النسوى المنظم فى الجماعة قبلنا بسنوات كان هناك تجمع للأخوات المسلمات لم نلحق به وكانت رائدته الحاجة لبيبة أحمد رحمها الله ولكنه لم يكن جزءا من تنظين الإخوان بل كان تعاونا بينها وبين الشيخ البنا أما تجمعنا نحن فكان تابعا مباشرة وبشكل منتظم للإخوان وكان مسئولا عنه الاستاذ محمود الجوهري ويتابعه مباشرة المرشد الشيخ حسن البنا

23

وللتاريخ ايضا اقول إن الاخت زينب الغزالي كان لها نشاط فى الدعوة الاسلامية بين السيدات لكنه كان مستقلا عن جماعة الإخوان ولم تنضم اليها إلا متأخرا بعد وفاة الشيخ حسن البنا وأذكر اثناء دخولى الإخوان سنة 1942 أن الاخت زينب كانت أسست جماعة السيدات المسلمات وكان لها نشاط كبير فقلت وقتها للشيخ حسن البنا : لماذا هذا الانقسام فى الدعوة ؟ ولماذا لاتنضم إلينا الاخت زينب الغزالي ؟ فقال لى : والله ياأخت فاطمة نحن عرضنا عليها ذلك وعرضنا أن تكون مسئولة عن قسم الاخوات لكنهااشترطت ان تطلق عليه " السيدات المسلمات " فقلنا لها نحن الإخوان المسلمون وستظل الجماعة كما هى وسيكون هناك قسم للأخوات أنت رئيسته أو المسئولة عنه فرفضت ولم تلحق بالجماعة إلا عام 1965 لم يمض علينا كثير من الوقت حتى توسعت اهتماماتنا الدعوية وصممنا وقتها الا نكتفى بحضور حلقات الدرس فقط بل راينا ان يكون لنا نشاطات اخرى فكنا نذهب يوم الجمعة للشيخ حسن البنا فى دار الإخوان المسلمين وكنا نحضر درسا خاصا بنا يلقيه علينا الشيخ البنا بنفسه وكان الرجل نموذجا فى الخلق والحياء إذ كان يجلس امامنا منحنيا مطاطىء الرأس لا ينظر الى وجوهنا

فى هذه الفترة انضمت الينا حكيمة "ممرضة " اسمها الحاجة زبيدة وكانت تعطينا بعد درس الشيخ حسن البنا درسا فى التمريض ثم نذهب بعدها لمنزل الاخ محمود الجوهري فيأتى إلينا الشيخ سيد سابق ليعلمنا قراءة القرآن قراءة صحيحة

وقد استحوذت على اعجابى فى هذه الفترة فتاه اسمها محاسن حمودة كانت طالبة بالصف الثانى الثانوى بمدرسة المنيرة فاستأذنت فضيلة الشيخ فى ان تحضر معنا خاصة وأنها تتمتع بالنبوغ والذكاء والاجتهاد فى الدعوة فأجاب بالموافقة فانضمت إلينا وكنت قد سعيت فى زواجها فيما بعد فزوجتها الاخ فؤاد الخطيب ابن سفير السعودية فى الهند وقتها وقد اصبح هو الاخر سفيرا فيما بعد وقد توفيت قبل اعوام رحمها الله كانت تأتى أحيانا وفاء بنت المرشد الشيخ حسن البنا وكان طلب منى أن أضمها أما زوجته فكانت تمكث فى المنزل ترعى أباءها ولم يكن لها نشاط

24

دعوى بل لا أكاد أتذكر اسمها وربما لم أعرفه أصلا وإن كانت سيدة فاضلة تقية من اسرة كريمة ومتدينة

مع أمال العشماوي ونساء بيت الهضيبى

بدأنا العمل بنشاط فى الدار الجديدة كما نشطنا ايضا فى المدرسة التىخصصناها للفتايات اليتيمات وكنا نقدم فيها الرعاية الكنلة لهن ولأسرهن واذكر أنه فى عام 1948 وبعد عودة المرشد الشيخ حسن البنا من الحج أنناذهبنا نزوره فى منزله نحن الاخوات الست المشرفا على العمل بين النساء فقاللنا : ستنضم إليكن عضوة جديدة اسمها أمال العشماوي ابنة العشماوى باشا وزير المعارف فأوصيكن بها خيرا وأذكر أننى سألته أثناء الجلسة عما سمعناه من قرار حل الجماعة فكان أن رد بشخرية وقلق " فليحلوها ! فقلت مندهشة وكيف ؟ فاستمر قائلا : وهل سيغلقون الشعب ؟ فليغلقوها ! وهل سيصادرون المصاحف ؟ فليصادروها كل ذلك وانا مندهشة فسألته : وماذا يتبقى لنا ؟! فقال : يا أخت فاطمة إنهم لن يمحوا الايمان من القلوب

بعد هذه الجلسة التحقت بنا الاخت أمال العشماوي فأحدثت نقلة هائلة فى العمل الدعوى بما كانت تتحلى به من أخلاق وقدرات فريدة لإضافة إلى ما أتاحه لها وضعها الاجتماعى المتميز

لقد كانت الاخت أمال العشماوي من خيرة الاخوات اللائى دخلن الدعوة توثقت علاقتنا منذ ان التحقت بنا فى بداية عملتا فى الدار الجديدة بحى المنيرة وصرنا لا تتحرك واحدة منا إلا بصحبة الاخرى وقد كانت رحمها الله ذات خلق رفيع وتواضع جم ولما دخل الإخوان السجو عام 1954 كانت من اكثرنا نشاطا فى جمع الاموال والتبرعات لاجل اسر الإخوان العتقلين ولهذا فقد كانت على رأس المعتقلات فى محنة عام 1965 لكنها كانت نعم الاخت الصابرة المحتسبى وقد اعتنت بى كثيرا لما اصابنى النزيف فى المعتقل وكات تدعولى بالشفاء وهى التى قادت احتجاج الاخوات على استمرار اعتقال وانا انزف واجبرن الضباط على ضرورة نقلى الى

25

مستشفى قصر العينى وودعتنى باكية : مع السلامة يا فاطمة إن شاء الله ربنا سيشفيك وكانت دائما ما تخفف عنى وعن الاخوات المعتقلات , ومما اذكره لها ايضا فى السجن ان الطعام كان سيئا وعافته بعض الاخوات وكن يبكين من الجوع حتى إن الاخت سنية الوشاحى أصيبت بهبوط من قلة الطعام وكان الطعام يأتى إلينا فى جردلين فى كل منهما قول نابت وقد غطى بقشر البصل وبعض الماء وبلا ملاعق فكانت الاستاذى أمال العشماوي وهى ابنة القصور وسليلة الباشوات تخفف عنا وتشجعنا على الاكل فتأكل هذا الطعام الردىء وتقول باستمتاع : الله كله من خيرك يارب

وحين خرجت من المعتقل ضعفت صلتى بكثير من الاخوات اللاتى كن معنا فى المعتقل إلا هى والاخت خالدة الهضيبي وكانت السلطات حددت إقامة أمال العشماوي مع زوجها منير الدلة الذى مات اثناء تحديد إقامته وقد ذهبت لأقدم إليها واجب العزاء وإن لم تعزنى فى أمى أو بعد استشهاد زوجى ولمارأتنى تأثرت كثيرا واعتذرت بأنها لم تكن تعرف المنزل وقد سعدت كثيرا بزيارتى لها ورحبت بى كثيرا

وكانت قد ورثت عن زوجها قطعة أرض فى عزبة المغربى بمحافظة الفيوم وكان بها منزل للخفير اتخذته مسكنا كانت تعيش فيه بمفردها وعندها جاء تكليف ابنى احمد كطبيب جديد فى الفيوم طلب منه الذهاب الى عزبة المغربى ليزور الاخت أمال العشماوي فرحبت به كثيرا وأكرمته وعاد يقول لى لقد وجدتها وقد ارتدت أفرولا اسود تقف وسط الارض مع العمال وتعمل معهم وقد استمرت زياراتى لها واصطحبت معى ذات مرة زوجة ابنى التى رأت فيها نموذجا للكرم والتواضع

وكانت اخر مرة زرتها سنة 1995 بعد عودتى من السعودية وكانت نريضة بالاستسقاء ولما رأتنى أسير مستندة على عصا حاولت القيام ورحبت بى وقالت لى : أهلا أهلا بالحبيبة يومها وجدتها مريضة جدا ولم تلبث أن توفيت بعده بشهور عام 1996

وكانت أمال العشماوي ابنة لعائلة محترمة وعظيمة ولم يكن اخوها الاستاذ حسن العشماوي

26

بأقل منها خلقا بل كان من خيرة الناس واذكر انه كان قد فر الي الكويت من ملاحقة جمال عبد الناصر وكانت معه زوجته الاخت قدرية شقيقة الاخ عبد القادر حلمي ولما علم بزواج ابنتى سمية ارسل لى مبلغ مائة جنيه مساعدة فى تجهيزها وقد كان مبلغا كبيرا أوائل السبعينيات وقد رفضت وقتها فعضب زأصر على ان أقبله منه كعم لسمية او خال ولم استطع إلا القبول به تحت إلحاحه

مباشرة وبمجرد أن النضمت إلينا الاخت أمال عشماوي قمنا بتشكيل مجلس إدارة للدار تولت هى رئاسته واقترحت اقامة مشغل تعمل به الفتيات بعد ان يتعلمن الخياطة وقد طلبت من والدها ان ينتدب مدرسات للحياكة من وزارة المعارف على ان يستخدم ربح هذا المشغل فى الانفاق على الفتيات انفسهن وبالفعل جاء لنا العشماوى باشا بثلاث مدرسات فنون عالية فكنا نقوم بأعمال التطريز والخياطة وكانت هى تأتى وصديقاتها من العائلات الراقية بالأشياء التى كن قد اشترينها من أوروبا مثل المفارش وغيرها لتقوم بتصميم نماذج مثلها واقترحت ايضا ان نقيم معرضا لتسويق منتجاتنا فقد كانت لها أفكار متكيزة

كما اقترحت أن تفتح لنا البدروم الخاص بالفيلا التى تقيم فيها لنقوم بتصنيع بعض أنواع الكريمات والمربى والعطور والمخللات وغيرها مما يسمى بالتربية النسوية بل كانت من فرط تواضعها تشارك فتيات الدار فتعمل معنا بيديها ليس هذا فقط بل فتحت لنا ابواب نادى المعلمين بالجزيرة فكنا نعرض منتجاتنا فيه وكانت تُدر ربحا نستطيع من خلاله الانفاق على الاطفال الايتام واسرهم

كما انضمت الينا ايضا الاخت رئيفة اخت الاخ صلاح شادي واختها دولت هانم زوجة وزير الداخلية ابراهيم باشا عبد الهادى كانت تقوم بإرسال صفائح الزيت والدقيق والسكر وغير ذلك من المواد التموينية بسيارتها ليتم توزيعها على الفقراء

والطريف انه لما صدر قرار حل الجماعة استمر عملنا تحت لافتة الأخوات المسلمات وان ظلت الدار تحت مراقبة البوليس فقام المخبر المكلف بالمراقبة بالتقاط رقم السيارة التى تحمل تلك المواد التموينية وارسلها للمباحث وكانت المفاجأة انها سيارة ابراهيم باشا وزير الداخلية فما كان من المباحث إلا أن رفعت لافتة الأخوات المسلمات وأرسلوا لجنة من جمعية سيدات مصر التى تسلمت الدار التى كانت تابعة فعليا لجماعة الإخوان الصادر قرار بحلها وارادت اللجنة ضم الدار الى الشئون الاجتماعية وجاءت لجنة من السيدات لهذا الغرض فقامت الاخت أمال العشماوي بالاتصال بوالدها وزير المعارف الذى كان يرأس ايضا رابطة الاصلاح الاجتماعى وطلبت منه ضم الدار الى تلك الرابطة حتى يستمر نشاطها ففعل مشكورا وكنت ممن انتدبهن للعمل مديرة لهذه الدار واستمر لمدة تسع سنوات

وكان مما أذكر من واقعة زيارة لجنة جمعية مصر للدار أن مما استرعى انتباه اللجنة وجود حصيرة فى الجمعية كنا نضعها للصلاة ووجود مكان للوضوء وتساءلت إحداهن ساخرة عن سر وجود تلك الحصيرة وميضة الوضوء !

كان نشاط الجمعية فى ذلك الوقت نشر الدعوة بين النساء فى كل مصر وتأسيس فروع لقسم الأخوات المسلمات فى انحاء القطر فسافرنا الى بور سعيد و أسيوط والمنيا وكثير من المحافظات واسسنا فيها فروعا للاخوات المسلمات وكان الإخوان يرتبون لنا برنامجا فى كل مدينة قبل ان نسافر اليها فكنا ننزل فى بيت معين تجتمع فيه السيدات فكنا نعطيهن بعض الدروس ونوجههن الى العمل والقراءة فى كتب معينة وكانت مدة الزيارة تختلف حسب الظروف وكنا نسافر بطريقة تلتزم اداب الشرع فى السفر فتسافر كل اختين مع محرم لواحدة منها والاخرى تكون مرافقة لها وكنا نرتدى وقتها الدروس الدينية فى اسر الاخوات التى كان يتعاقب على التدريس بها الشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق والشيخ عبد البديع صقر والاستاذ فريد عبد الخالق

ومما اذكره عن عملنا فى هذه الدار الجديدة بالمنيرة اننى تعرفت فيها على نساء بيت الاستاذ حسن الهضيبي المرشد الثانى للجماعة وكن جميعا اهل فضل وتقوى وخلق اذكر انه لما انشأنا الدار كانت الاخت سعاد الهضيبى قد عُينت طبيبة فى مستشفى ابو الريش للاطفال القريبة من الدار وذات مرة كانت تمر من طريق الدار فقرأت إعلانا يقول " دار التربية الاسلامية للفتاة " فجاءت وقابلتنى وقالت إن اختها خالدة تميل لهذه الامور ولديها اهتمام بموضوع التربية الاسلامية وانها سترسلها لزيارتى ثم جاءت خالدة الهضيبي التى قالت لى ان اباها ايضا يحب هذا التوجه فى تربية الفتيات ولم يكن الاستاذ حسن الهضيبي قد دخل الإخوان بعد ثم اخبرتنى انها حدثت امها عنى وهى تدعونى على الغداء وذهبت فعلا لتلبية الدعوة وكان الأستاذ الهضيبى من سكان مصر الجديدة وجلس الاستاذ حسن الهضيبي يتحدث إلى حديثا طيبا ومشجعا ومن ساعتها دخلت خالة معنا الاخوات فكانت اول فرد من ال الهضيبى ينضم الى جماعة الإخوان ثم توالى دخولهم بعد ذلك

ومما اذكره ايضا من طرائف هذه الفترة ان الشيخ الفقيه سيد سابق كان يلقى دروسا علينا فى قسم الاخوات وقد حضرت معنا ذات يوم الاخت الدكتورة سعاد الهضيبى وقد كانت متزوجه من الدكتور على ابن الشيخ حسنين مخلوف مفتى الديار ولم يكن معجبا بارتدائها الحجاب فأرادت ان يلتقى بالشيخ سيد سابق لكى ينصحه بطريقة غير مباشرة فدعته الى درس فى منزلها وتكلم فى حضور زوجها عن الحجاب وكان فى كلامه تأثير إيجابى فى قناعة زوجها فسمح لها بارتداء الحجاب

29

الأخوات المسلمات وقضايا الحياة السياسية والاجتماعية

ومما أذكره من وقائع هذه الفترة اننى عملت مسئولة عن الاخوات بالجامعة وقد جاءتنى ذات مرة فتاة شيوعية وقالت لى : اريد ان اسأل الشيخ حسن البنا سؤالا فقلت لها : ماهو لأبلغه له ؟ فقالت : بل اريد ان اسأله بنفسى وقد عرضت الامر على الاستاذ المرشد فقال لى : لامانع أن تأتى فى أثناء الدرس وعندما جاءت قالت له : إن زينب الوكيل وهى زوجة النحاس باشا تقوم بسرقة الزيت والدقيق والمعونة التى تأتى الشعب والإخوان يسكتون عن ذلك ولا يقولون لها شيئا فقال لها الشيخ المرشد : هل هى نصيحة أم فضيحة ؟ لو كان الغرض هو النصيحة فقد قمنا بذلك اما لو كان الغرض الفضيحة والنشر فى الجرائد فنحن لا نفعل ذلك

ومن طريف ما كان يقابلنا فى عملنا بقسم الأخوات المسلمات محاولات اجهزة الامن ان تدس بيننا بعض الجاسوسات لينقلن اخبار نشاطنا اتذكر ان الامام المرشد حسن البنا كان يطلب منا ان نذهب الى الحاجة زينب الغزالي التى كانت ترأس جمعية السيدات المسلمات وينصحنا أن نحضر المحاضرات التىتلقيها بالجمعية حيث يقصدها الكثير من الملتزمات دينيا مما يعطينا الفرصة لنتعرف عليهن وندعوهن عندنا فكنت اذهب والاخت امينة الجوهرى ولكننا كنا نقف بالخارج ولا ندخل نظرا لوجود رجال احيانافكنا نقف فى الشرفة الى ان تنتهى من محاضرتها وتخرج الاخوات اللاتى كثيرا ما كن يأتين من بلاد عربية خارج مصر فكنا نبعث معهن برسائل دعوية بعد أن نعرضها على الإمام الشهيد ليصححها ولما ثقل علينا العمل احتجت لسكرتيرة عملت معنا فترة ثم إذا بالاخت أمال العشماوي

30

تتصل بى هاتفيا وتطلب منى الا أدخل هذه الفتاة الى الدار ثانية إذ علمت انها شيوعية تتظاهر بأنها من الاخوات وأنها اندست بيننا لتتجسس على نشاطنا فلما عادت قلت لها انا لدى امر بألا أدخلك

ومرة اخرى حدث ان كنا فى اجتماع اسرة وبعد خروجنا قامت صاحبة الدار بترتيب الوسائد فوجدت بينها جهاز كاسيت به شريط عليه مادار فى الجلسة فقامت بتكسيره وإلقائه فى الشارع ثم بعد قليل أتت صاحبته تقول انها نسيت بعض اغراضها فكشفت لها الاخت صاحبة الدار انها وقعت على جهاز كاسيت فوبختها وطردتهاوعممنا بين الاخوات انها جاسوسة وليست من الاخوات فلم تعد تتردد علينا ابدا

وحتى بعد خروجنا من السجن ونهاية العصر الناصرى استمروا يدسون علينا الجاسوسات وقد ارسلت لى الحاجة زينب الغزالي فتاة جاسوسة دون ان تعرف حقيقتها كانت فتاة اسمها سلوى وكانت فتاة تبدو عليها الدماثة وطيب المعشر وكانت تترك محاضراتها فى الجامعة وتأتى إلينا فى الدقى وتمكث عندنا طوال النهار فكنت اسالها هل اخبرت والدك بأنك ستتأخرين وأنك لم تذهبى إلى الكلية ؟ فكانت تؤكد انها اخبرت اياها وانه ليس مهما ذهابها للجامعة وهو ما آثار الشك فى نفسى خاصة انها كانت كثيرا ما تفتح حقيبة يدها وتغلقها فانتهزت ذات مرة فرصة دخولها دورة المياه وقمت بفتح حقيبة يدها فوجدت جهاز تسجيل مفتوحا فعرفت انها تقوم بتسجيل حوارتنا وعندما ذهبت الى المنيل جاءت تسأل على سميو ابنتى فقلت لها انت جاسوسة ولست مسلمة ولن تدخلى بيتى وان اردت سمية فهى فى الدقى فاذهبى اليها ولا تأتى الى هنا مرة اخرى وقلت لسمية ان تخبر زوجها الاستاذ احمد ان هذه الفتاة جاسوسة واغريب ان هذه الفتاة نفسها كانت قد ذهبت الى الاخت ام كمال سلام ولكنها اكتشفت امرها وتأكد لها انها جاسوسة مدسوسة عليها ولا اعرف كيف اكتشفتها وللأسف كانت هذه الفتاة طالبة فى الأزهر ورغم ذلك قبلت بأن تحاول أن تستدرجنى وتقوم بتسجيل ما اقوله لتنقل للبوليس المعلومات عن الاخوات لقد كانت المباحث لا تكف عن محاولة الحصول على كل المعلومات عنا حتى إنهم

31

عندما اعتقلونا عام 1965 دسوا علينا إحدى الفتايات كجاسوسة علينا فى قسم مصر القديمة قبل ترحليلنا الى سجن النساء فى القناطر وكانت تنقل لهم كل ما يدور بيننا بل إن الاكثر وقاحة من ذلك ان المباحث حاولت ان تدفعنا للعمل معها جواسيس على الإخوان واذكر بعد اعدام زوجى الشهيد ان المباحث حاولت ان تغرينى للتعاون معهم بنقل اخبار الاخوات الخاصة بالنواحى الاجتماعية فما كان منى إلا أن صرخت فيهم وقلت لهم تريدون منى ان اتجسس على الإخوان بعد ان استشهد زوجى فى سبيل الدعوة والله لا يكون ابدا

الشيخ سيد سابق وسجن مصر

وقد كان الشيخ سيد سابق من اهم الدعاة والمشايخ الذين تعلمنا عليهم فى قسم الاخوات وقد كان فقيها قويا واتهم بأنه أفتى بقتل المستشار الخازندار ثم بقتل النقراشي باشا وسجن فى تلك القضية وكان معه الشيخ عبد اللطيف مكي الذى تزوج بأختى خيرية فيما بعد ولكننى استبع ذلك تماما فقد كان رجلا مؤمنا متسامحا لا يمكن ان يخوض فى دماء المسلمين وقد ظلت تربطنا به علاقات طيبة حتى وفاته رحمه الله

وكانت بين أسرتنا واسرة الشيخ سيد سابق علاقات متيتة فكنت ازورهم فى بيتهم وكنت اعطى دروسا لابنه محمد الذى مازال على صلة بنا وقد اسس دارا للنشر اسماها دار الفتح بدأ بنش فيها كتب والده كما كانت زوجة الشيخ سيد سابق سيدة كريمة وملتزمة دينيا وكانت تربطنى بها علاقة طيبة رغم انها لم تكن معنا فى قسم الأخوات المسلمات

والشيخ سيد سابق هو من وقف وراء اختى ثريا من الاخ محمود الشيخ وكان من عرفنا به وزارنا فى بيت الاهل فى مركز التل الكبير وتولى بنفسه اقناع الوالد وقد كانت اختى ثريا اول من تزوج غى اسرتنا وكان زوجها الاخ محمود الشيخ من اخوان شبرا البلد وكان يعمل موظفا بقسم الجوازات بوزارة الداخلية وكان شقيقه الاخ عبد الجواد من الإخوان ايضا

32

وكنت قد عرفت الشيخ سيد سابق من الدروس التى يأتى ليلقيها علينا فى دار الأخوات المسلمات ثم تعرفت عليه اكثر عندما سُجن مع الإخوان فى سجن مصر فقد كنت احمل الطعام باستمرار هناك ثم عرضت على الاخت زهرة السنانيرى اخت كمال السنانيري والتى قد توفى زوجها ان تعمل معنا فى تلك المهمة وكان امام سجن مصر فى هذه الفترة متعهد تابع للحكومة يحمل الطعام الى السجن يدعى حمزة فكنا نعطيه طعاما مخصوصا للإخوان ليقوم بتوصيله اليهم ثم فكرنا فى تاجير حجرة بجوار لسجن فكانت الاختزهرة تقوم بإعداد الطعام فيها ونحن نحضر لها ما تحتاجه وقد لجأنا لهذا الحل بسبب أن عدد الإخوان المسجونين والمعتقلين كان كبيرا

مأساة أختى وزوجها ثم فرج الله

ولايمكن أن اذكر هذه الفترة دون أن أذكر الاخ عبد اللطيف مكي فقد كان هذا الاخ عضوا فى جوالة الإخوان بالتل الكبير وكان أبوه من نفس بلد والدى ( المراغة بسوهاج ) وكان والد قاضيا وقد تفدم لخطبة شقيقتى خيرية واراد الزواج فباع قطعة ارض ورثها عن ابيه وقام باستئجار محل فى الحلمية بمشاركة بعض الاخوة فكانوا يمرون على بيوت الإخوان ومعهم قائمة بالبضائع التى بالمحل ونقوم نحن باختيار ما نريده منها ثم يمرون مرة اخرى وقد احضروا ما تم اختياره

ولما قامت الحكومة بحل الجماعة عام 1948 وبدات فى اعتقال الإخوان اغلق البوليس المحل الخاص به وقاموا بالاستيلاء على مافيه من بضائع ولما لم يكن له احد سوانا فى القاهرة فقد قمت بالبحث عنه فى كل اقسام الشرطة الى ان عثرت عليه فى قسم الخليفة ورأيت الشيخ سيد سابق الذى سألنى ماذا جاء بك الى هنا ؟ فسألته عن عبد اللطيف مكي فأرسله لى وكان فى حالة سيئة حيث طال شعره واتسحت ملابسه وكان حافى القدمين واخبرنى انهم قد وصلو هنا منذ يومين فقط وانهم قد تعرضوا لأسوأ أنواع المعاملة فسألته عن عددهم فأخبرنى أنهم سبعة أفراد فى بدروم تحت بناء القسم فأعددت لهم الطعام وكنت أملأ الآنية بأنواع الطعام

33

وساعدتنى فى ذلك اختى الصغيرة كامليا ولكنهم بعد ذلك رحلوهم من القسم الى مكان لا نعرفه

قبل اعتقاله كنا قد قمنا بشراء اثاث الشقة التى من المفترض ان يزف فيها على اختى خيرية وكانت الشقة بحى شبرا وكان عبد اللطيف يبيت فى بيت عمه فلما فرشت الشقة كان يبيت فيها ريثما يتم الزواج وليلة من الليالى وبعد الثانية بعد منتصف الليل فوجئنا بالمباحث تأتى بالاخ عبد اللطيف وقد تورم وجهه من الضرب وسألوه عن مكان مبيته فلم يخبرهم خوفا على الشقة ومابها من أثاث وقبل ان يأخذوه اراد ان يشرب فمنعوه من الشرب وذهبوا به فقررت مباشرة ان اذهب الى الشقة لاخذ ما بها من اثاث فاصطحبت اخته دولت معىوقد ساعدنى جيرانه فى نقل الاثاث وكانوا اقباطا طيبين وعند نقل الاثاث لا حظت شيئا ضخما أروق اللون فظننته قنبلة وذهبت والقيتها فى ترعو مجاورة ثم ذهبت الى الاخ محمود الجوهري ليدبر لى مكانا لنضع فيه الاثاث فاقترحت زوجته الحاجة امينه وضعه فى حجرة خالية فى بيتهم

قمت بنقل الاثاث بواسطة سيارة استأجرتها من منطقة العتبة وساعدتنى فى ذلك دولت اخت عبد اللطيف وكانت صغيرة فى الصباح توجهت الى عملى حيث كنت اعمل ناظرة فإذا بالاخت امينة زوجة الاخ محمود الجوهري تانى وتطلب منى ان اخذ العفش فى اسرع وقت لان هناك قرارا قد صدر بضرورة إبلاغ البوليس فى حالة قيام صاحب منزل بإيواء شخض لديه فاقترح محمود الجوهري ان نرسل الاثاث الى ابى فى التل الكبير وبالفعل قمنا بنقل الاثاث سرا فى سيارة ركبت فيه بمفردى ليلا الى التل الكبير وقام الاستاذ محمود الجوهري بأخذى ارقام السيارة للاطمئنان علىّ ودعا الله لى الطريف انه لما خرج الاخ عبد اللطيف وحدثته عن الشىء الغريب الذى وجدته فى شقته واننى ظننته قنبلة فألقيت به فى إحدى الترع ضحك وقال إنه مادة الحبر

وعندما خرج عبد اللطيف من المعتقل لم يجد عملا وكان رأى الاخت أمال العشماوي أن نزوجه لكى يستقر ولما كان من الضرورى ان يجد عملا فقد ذهب الى الحاج راضى السلايمة وكان تاجرا فلسطينيا لديه محل للبقاله وقد تقدمت به السن

34

فقام الاخ عبد اللطيف بإدارة محلاته بدلا عنه وتزوج مباشرة أختى خيرية واستمر فى عمله بمحلات البقالة الى ان قام الاخ سعيد رمضان بافتتاح مجلة الدعوة فعمل معه الاخ عبداللطيف مديرا للمجلة وعندما بدأت الشرطة تلاحق سعيد رمضان سافر الى سوريا وارسل الى الاخ عبد اللطيف ليلحق به فشجعته على السفر لما طلب رأى خاصة وان الاجواء فى تلك الايام كانت ضاغطة على الإخوان

وقد لامتنى اختى خيرية كثيرا على تشجيعى لع على السفر خاصة وانها كانت قد انجبت وقتها ( احمد سيف الاسلام ) وبنتا ( ثريا ) وكانت قلقة من تحمل مسئولية الطفلين وحدها فطمأنتها وقلت سيرجع لك إن شاء الله

فيما بعد مضت الاحداث سريعا واتصل به الاخ عبد البديع صقر عارضا عليه ان يعمل معه فى قطر فانتقل الى هناك ليعمل فى المعهد الدينى ثم رسل الى زوجته لتستعد للسفر اليه ولكن الحكومة قامت وقتها بسحب الجنسية منه ومن عدد من الإخوان فعرض عليه القطريون الجنسية القطرية فرفض وظل بلا جنسية ورفضت وزارة الداخلية طلبه بأن يسمحوا لزوجته وولديه بالسفر

ومن اقدار الله اننى كنت وقتها قد نُقلت للعمل فى مصر القديمة وكنت اجلس ذات يوم مهموة بشأن اختى وكيف اجمع شملها مع زوجها وذهبت ابث شكواى لإحدى الزميلات فسمعتنى حكيمة ( ممرضة ) كانت تعمل معنا وإذا بها تقول لى أنا سأجعلها تسافر للوهلة الاولى ظننتها تسخر منى لكنها اخبرتنى ان وادتها تقوم بتفصيل ملابس لوالدة زكريا محيى الدين وزير الداخلية وانها ستطلب منه هذا الطلب وفعلا قامت السيدة مشكورة برجاء ام زكريا محيى الدين فطبت من ابنها ان يسمح لاختى بالسفر بناءا على طلب والدته وارسل إلى كارت توصية كان له فعل السحر فى موظفى وزارة الداخلية الذين أسرعوا بإنهاء إجراءات سفرها فورا ولكنهم اشترطوا عليها أن تسافر بر عودة لان زوجها بلا جنسية فوافقت

استقر بهم المقام فى قطر وتخرج سيف الاسلام طبيبا وتزوج ابنة الشيخ يوسف القرضاوي كما تخرجت ثريا طبيبة وتزوجت من المستشار محمود عبد العال كما انجبا هناك فاطمة وحسام وإقبال

35

وقد ارسلوا ذات عام إلى والدتى لقضاء الصيف معهم فى لبنان لان خيرية كانت تشتاق لرؤيتها وارسلوا لها تذاكر الطائرة وقضت الصيف معهم حيث كان الاخ عبد اللطيف يخشى ان يقضى الصيف فى مصر فيعتقل

وقد استمر ذلك الوضع حتى عام 1961 حين زار السادات قطر فقدم له عبد اللطيف التماسا ليعيد اليه الجنسية بناء على نصيحة امير قطر وكان عبد اللطيف يعمل مدير التغذية بوزارة المعارف فأشار عليه الامير ان يقدم له الالتماس وقد كان وعادت له الجنسية وبدأوا فى قضاء الصيف مجددا فى مصر بدءا من عام 1962 ولكنه اعتقل مرة اخرى صنة 1965 اثناء قضائه الصيف هنا ولم يطل اعتقاله بفضل الله

37

دور الأخوات المسلمات فى العمل الاسلامى

كنا فى قسم الأخوات المسلمات نهتم كثيرا بمقاومة موجة العرى والابتذال التى كانت قد اجتاحت بعض شرائح المجتمع المصرى خاصة فى المدينة لقد ادت هذه الموجة الى انتشار موضة الملابس القصيرة بين الفتايات والنساء ولم يكن أداء العبادات كالصلاة من الامور الشائعة بين الاجيال الشابة بل كان يحرص عليه كبار السن فقط واذكر من طرائف هذه الفترة اننى كنت انصح الاخوات ان تاخذ الواحدة اذا ركبت المواصلات فى يدها دبوسا فإذا رأت الفتاة او السيدة منكشفة تقوم بوخزها فى جسدها العارى ثم تعتذر لها من الواقعة بداية لفتح حديث توصل لها رسالة من خلاله فى الاحتشام وارتداء اللباس الشرعى وكثيرا ما كان ذلك اول الطريق لجذبهن الى دعوة الأخوات المسلمات

كانت الفتاة بمجرد انضمامها الى الاخوات تفرح وتسعد وتلتحق فورا بأقرب اسرة للاخوات من مكان سكنها وكنا نقوم بفراءة القران الكريم والمأثورات والاذكار ونركز على قيم الاخلاق والعفاف زالادب ومن ثم سرعان ما يتأثر سلوكهن فيلبسن طرحة وثيابا طويلة وقد كان هذا اللباس مصدر استغراب فى بعض الاحيان ومما اذكره فى هذا المقام انه فى اثناء حضورى المحاكمة الاخيرة لزوجى محمد هواش واثناء حديثى الى الاستاذ سيد قطب من خلال القضبان نظر الى احد الضباط واخذ يسخر من ملابسى المحتشمة والطويلة اذ لم يكن ذلك معتادا فى تلك الايام

والحق ان الدعوة ايامنا كانت افضل من هذه الايام رغم اننى لم اعد مُطلعة على نظام

38

الاخوات وإن كان اغلبر الظن ان الامر اصبح شكليات حيث الاهتمام بالشكل اكثر من المضمون اما فى وقتنا فكان هناك اندفاع ايمانى ورغبة فى التضحية حتى اننى كنت اذا كلفت احدى الاخوات بعمل لا يهدأ لها بال او تقر لها عين حتى تقوم بهذا العمل

كانت دروس الاخوات تدور حول الحكمة من خلق الانسان وان الله لم يخلقه سدى بل لغاية ارادها وهى عبادته وكان من مقررات الاسرة دراسة منهاج الاسرة المسلمة وحفظ بعض سور القرآن مثل سورة النور وحفظ المأثورات وقراءة بعض كتب الإخوان وكنا نطلب من الاستاذ محمود الجوهري مسئول قسم الاخوات ان يسمح لنا بالاستعارة من مكتبة كبيرة لدى الإخوان

ورغم الاقبال الكبير من النساء والفتيات على الدعوة الا ان انتشار الدعوة بين الرجال كان اكثر بكثير بل كانوا هم الذين يطلبون منا ان نقوم بتأليف جماعة للاخوات ورعايتهن وكنت اقتنص تى دعوة مثل هذه لنشر الدعوة بين النساء والفتايات حتى لذكر اننى كنت اذا سافرت الى التل الكبير خلال الاجازة لم اكن اضيع وقتا فكنت اقوم بإلقاء الدروس فى صالون المنزل أدعو إليه زوجات الموظفين والفلاحين حتى بعض المسيحيات ممن يعملن فى معسكرات الإنجليز كن يحضرن هذه الدروس

وكنا نهتم كثيرا بتأسيس شُعب للاخوات وأذكر أننى قمت بعمل جفلة للفتايات جعلت الدخول فيها بمقابل مادى وخصصت عائدها لانشاء شُعبة فى التل الكبير وذات مرة وكنا فى شهر رمضان الكريم نظمت حملة تبرعات بين الاخوات تبرعت كل واحدة منهن بما تستطيع وقد افتتحتها بالتبرع بسوارين من الذهب كان ابى قد اشتراهما لى من الإسكندرية وساعدنا بغوائد الحملة فى انشاء شعبة الإخوان فى ياحة بجوار نقطة البوليس فى مدينة التل الكبير

قسم الاخوات وتزويج الإخوان

وكان من انشطتنا فى هذه الفترة تزويج الإخوان من الاخوات او الفتيات المناسبات اذا لم نجد بين الاخوات وكان من فضل الله اننى كنت سببا فى زواج كثير من الإخوان والاخوات كان الإخوان يأتى الواحد منهم إلى الاستاذ محمود الجوهري

39

يطلب منه ان نجد له فى قسم الاخوات الزوجة التى تناسبه فكنت اطلب من الاستاذ الجوهرى معلومات عن هذا الاخ واقوم انا بترشيح الاخت المناسبة له اذكر ان اخى سيد ابو النور جاءنى يوما وقال لى إنه يريد عروسا لابن سفير السعودية بالهند الذى كان يدرس فى مصر وكان اسمه فؤاد الخطيب وكان هذ الشاب معجبا بالإخوان واراد ا يتزوج اختا من الاخوات تكون داعية الى الله وكانت معنا فتاة صغيرة فى الثانوية اسمها محاسن حمودة وهى من اكثر الاخوات ذكاء ونشاطا حتى اننى طلبت من الشيخ حسن البنا ان تنضم الينا فى مسئولية قسم الأخوات المسلمات فرحب وكانت بين الست اخوات اللاتى يحضرن درسه بانتظام لقد كان لديها قبول واستعداد طيب وقد كانت وكيلة مدرستها امرأة مسيحية متعصبة حاولت مرارا مضايقتها بسبب ارتدائها غطاء الراس فكنت اواسيها واصبرها وقد رايت انها الاصلح لهذا الاخ فأرسلنا إلى والدها الذى كان يعمل مدرسا بالسعودية فوافق وارسل الى الاستاذ حسن البنا يطلب منه ان يكون وكيلا عنه فى زواج ابنته

واذكر وقتها ان الاخت محاسن لم يكن عندها ملابس مناسبة للحفل وذلك لكثرة اعباء والدها فقام العريس بشراء كل ما تحتاجه ثم سافر بها السعودية حيث اكملت دراستها وقد اصبح هذا الشاب مثل والده سفيرا وقامت هى بالعمل الدعوى فى كل بلد عمل فيه زوجها فأسست شعبة للإخوان فى باكستان كما أنشأت المنتدى الاسلامى بأمريكا وقد وسع الله عليها وزوجها ولما مرت الايام وعشت فى السعودية كانت تدعونا الى قضاء الصيف فى الفيلا التى تعيش فيها على البحر بمدينة جدة وكانت تجمع لى اولادها كلهم لاتحدث اليهم وقد ظلت على صلة دائمة بالدعوة حتى توفيت رحمها الله

ومما اذكره ايضا فى هذا المقام ان احد الاخوة ارسل لى عن طريق الاخت ام صلاح يخبرنى بأنه يريد أن أختار له زوجه وكنت أعرف فتاة صالحة ولكن لم اكن اعرف اهلها وكانت فى تلك الفترة قد اعيرت هى والاخت فاطمة غيسى الى الكويت للتدريس وقد قمن بترتيب لقائهما عندى بحجة انها تريد السؤال عن التعليم العالى وقد اعجب هذا الاخ واسمه عبد الرحيم عبد الخالق بهذه الاخت واراد ان

40

يعرف اهلها فاعطيته العنوان ولكنها يجد أهلها ملتزمين دينيا مثلها فشجعته على أن يتزوجها وألا يأخذها بأهلها خاصة أنه كان يقول إنه معجب بالفتاة وبتدينها وكان من فضل أن تزوجها وسافر إلى الكويت حيث عمل اماما لاحد المساجد وبقيا هناك الى أن توفاه الله ولما عادت هى الى مصر ارسلت لى وهى تعالج فى احد المستشفيات وقالت لى : مثلما اهديتنى هذا الزوج الصالح اريد ان تهدينى هدية اخرى لابنى عبد الرحيم الذى اسميته على اسم ابيه وقد كان ورشحت له اخت زوج حفيدتى وقدر ان رزقه الله منها الاولاد

لم نكن نشترط ان يتزوج الاخ من اخت من الاخوات كما يشترطون الان لم يكن هناك تشدد بل كانت الفتاة عندما تأتى لدروس الاخوات تعجب بالمناخ السائد فتأتى بصديقتها فيكثر عدد الاخوات وكانت الدروس كثيرة وتجذبهن إلينا فكان هناك دروس يلقيها الشيخ سيد سابق والاستاذ فريد عبد الخالق والشيخ محمد الغزالي والشيخ عبد البديع صقر والشيخ عبد اللطيف الشعشاعي والاستاذ محمود سعيد كما كان الشيخ المرشد الاستاذ حسن البنا ياتينا فى بعض الاحيان ويعطى دروسا للاخوات

نشر الدعوة عبر المسرح

وذات مرة اقترحت على الاخوات فى القسم تنظيم حفل لمدرسة البنات فنظمنا حفلة كبيرو قدمت فيها لأول مرة مرة عملا مسرحيا حيث أخرجت ثلاث مسرحيات هى " قل هو الله أحد " والقرآن الكريم وبلال وكان فى إحدهما مشهد تأتى فيه فتاة لقارئة الفنجان فتقول لها ألم تسمعى بحديث رسول الله صلى عليه وسلم " فتقول لها : ماهو ؟ فترد من أتى عرافا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد وأذكر أن بنات الشيخ أحمد حسن الباقوري ( الذى ترك الإخوان فيما بعد ) كن غير محجبات وكنت كلما حاولت أن أكلمهن فى تغطية الشعر أجد منهن رفضا فأتيت فى مسرحية " قل هو الله أحد " بمشهد تقوم فيه فتاة بدور ابنة شيخ الأزهر ( وقد أدت الدور الاخت محاسن حمودة وكانت أصغرنا سنا ) وكانت الفتاة فى المسرحية ترتدى ملابس انيقة

41

ولكن من غير غطاء للشعر فتدخل بدون حجاب وتأخذ أخت اخرى تحدثها عن ضرورة الحجاب وتتلو عليها ايات الحجاب وتطلب منها التوبة والاستجابة لأمر الله وتتلو عليها قول الله تعالى ( إلا من تاب وءأمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) فتقرر الفتاة المتبرجة التوبة وتسأل عن الأخوات المسلمات وعن موعد لقائهن ومكانه ثم تلتحق بهن

لقد كنت اخذ نصوص تلك المسرحيات من كتب المطالعة المقررة واقوم بإجراء تعديل فيها بحيث تصبح ذات معنى إسلامى وكان من يمثل شخصيات بلال أو عمر او غيرهما من الصحابة بعض اطفال اقاربنا وقد تطور مسرحنا كثيرا ولكته كان مقتصرا على المدارس والاعمال الخيرية وقد علمنا فيما بعد ان الاستاذ عبد الرحمن البنا شقيق المرشد الشيخ حسن البنا كان قد اسس مسرحا هو الاخر ولكن الاخوات لم يكن يشتركن فيه او يشاهدنه

ومن ظريف اهتمامى بالمسرح انه فى نهاية عام 1948 وبعد قرار حل جماعة الإخوان اخرجت مسرحية اسمها " القرآن " وكانت تؤدى فى مدرسة هدى شعراوى وكان الجمهور من الرجال والنساء وكان من الإخوان من اراد الحضور ومنهم احمد فراج الذى صار فيما مذيعا لا كعا قلت له : يا أخ احمد هناك مشهد فى المسرحية سيبهرك فاملك نفسك ولا تردد " الله اكبر ولله الحمد " وكان هذا شعار الإخوان الشهير ولما كانوا يعتقلون الإخوان فقد كانوا يعتقلون كل من يردد فكنا نتحايل على ذلك ونقول " الله اكبر " فقط وكنت قد دعوت الاخت أمال العشماوي والتى ساعدتنى كثيرا فى الاعداد لهذا الحفل حتى إنها اشترت البيانو على نفقتها كما حضر والدها العشماوى باشا ودعا بعض الوزراء للحضور كانت المسرحية متقنة جدا وراقية الاداء ولما وصلنا الى المشهد نزول القرآن وأنيرت الاضواء مسلطة عليه ما كان من الاخ احمد فراج إلا أن تأثر بشدة ووقف وهو يهتف الله اكبر ولله الحمد وتوتر الجو كثيرا بهذا الهتاف المعروف للإخوان المسلمين وقد عاتبنى العشماوى باشا على ذلك بسبب الاحراج الذى تعرض له مع الوزراء فاعتذرت له وقلت إننى نبهت عليه ولكنه لم يلتزم

42

اول لقاء مع الشيخ حسن البنا

كانت اول مرة التقى فيها بالشيخ حسن البنا بعدا دخلت الدعوة بقليل وكنا فى اجتماع للاخوات فى بيت المنيرة الذى اتخذناه مقرا جديدا لنا جاء الاستاذ محمود الجوهري فجأة وقال : إن الشيخ حسن البنا سيأتى اليوم وبعدها دخل علينا الشيخ المرشد مرتديا عباءة حمراء وكان الحياء باديا على وجهه فكان يغض بصره اثناء الدخول وفيا بعد صرت اتردد على بيته وأسرته خاصة بعدها جمعتنى بابنته وفاء صداقة متينة فقد كان الاستاذ حسن البنا رحمه الله يثق فى ثقة كبيرة وكثيرا ما شدد هلى ابنته وفاء ألا تخرج الا معى وفى صحبتى

واتذكر اننى كنت من وقف وراء زواجها من الاخ سعيد رمضان فقد طلب منى الاخ سعيد ذات يوم ان اساعده فى الحصول على زوجة مناسبة له وكان الإمام حسن البنا قد توفى وقتها فقلت له انا سازوجك وفاء ابنة الإمام الشهيد فرحب ولكنه طلب ان يراها اولا قبل ان يتقدم لها فطلبت من وفاء ان تاتى لزيارتى يوما ودبرت لهما الامر ان يجلس هو فى المقهى المواجه لبيتنا ثم اطب من وفاء ان تقف فى النافذة لطلب ما فرأها الاخ سعيد وسٌر بها وابدى موافقته وقال لأخى سيد إنه سيذهب الى الإسماعيلية ليخطبها من خالها الحاج محمد الصولى وقد كان

ولم علمت والدتها بما جرى ارسلت لى معاتبة على سعيى فى تزويج ابنتها واحدا من الإخوان بعد كل ما عانوه بسبب الإخوان من سجن ومطارة بل واغتيال وقال لى : هل سنظل هكذا نحيا فى تشتت ؟ فقلت اخترت لها الخير وقدر الله وتم الزواج

والطريف ان احساس زوجة الإمام الشهيد حسن البنا كان فى محله فسرعان ما وقعت الثورة ووقع الصدام معها وفر الاخ سعيد رمضان من مصر الى السعودية وتنقل فى بلاد الله حتى استقر فى سويسرا واسس هناك المركز الاسلامى وقد انجب منها عددا من الابناء اشهرهم طارق سعيد رمضان المفكر الاسلامى الشاب والمعروف فى اوروبا

ولم تكن زوجة الاستاذ المرشد حسن البنا من الأخوات المسلمات ولم

43

يكن لها نشاط يذكر فى العمل الدعوى ولكنها كانت تتعامل معنا بكرم شديد عندما كنا نذهب اليهاوترحب بنا وتحسن استقبالنا وقد كان بيت الاستاذ البنا اقرب الى البيوت المصرية المحافظة التقليدية وكانت شقته مفروشة بالسجاد وكان لديه من البنات وفاء وسناء ورجاء ثم ابنه سيف الاسلام وحين استشهد كانت زوجته حاملا فى ابنته الاخيرة استشهاد وكانت وفاء كبرى اولاده وكان عمرها اربعة عشر عاما يوم ان تعرفت عليها وكانت محجبة مثل امها وكان من ابرز ما رايته فى بيت الاستاذ المرشد حرصه على الفصل بين غرف البنين وغرف البنات

اذكر ان اخى سيد جاءنى ذات يوم وكانوا قد حددوا إقامة الاستاذ المرشد وقال لى : ستذهبين لبيت المرشد العام فقلت له : كيف سأذهب ؟ فقال : فى وقت متأخر حين ينصرف المخبرون عن البيت وقد اخذنى اخى سيد مساء وأوصلنى الى بيت الاستاذ المرشد وهناك قابلتنى وفاء وقالت فى تعجب أهو أنت ؟ ثم أخذتنى الى حجرتها ونمت معها فى غرفتها الخاصة وقبل الفجر ايقظتنى لنصلى الفجر خلف والدها الذى التفت لى بعد الصلاة وقال : يا أختفاطمة أنت ستخرجين معى الان فخرجنا وانا اسير خلفه وهو يسير امامى وقد حاول ابنه سيف الاسلام ان يتبعنا فنهره وامره بالرجوع وكنا فى الحلمية الجديدة فأوقف سيارة اجرة وركبنا الى منزل الاخ محمود الجوهري وأتذكر اننى لاحظت اثناء دخولنا الحارة ان هناك إخوانا يراقبون البيت من السطح وقال لى الاستاذ المرشد : اذهبى للأخت أمينة بالداخل ولما قابلت امينة زوجة الاستاذ الجوهرى قالت لى : أنت مهمتك انتهت هنا وعلمت أن بالداخل الحاج أمين الحسيني مفتى فلسطين ولكن لم أعلم ما الموضوع الذى دار بينهما

مع نساء آل المرشد فى جنازة من غير مشيعين

اذكر انه يوم 12 فبراير 1949 جاء الينا الاخ عبد اللطيف مكي ( الذى تزوج أختى خيرية ) وأخبرنى بأن الشيخ حسن البنا اغتالوه بالرصاص امام جمعية الشبان المسلمين فى شارع الملكة نازلى فأصبتنى صدمة عنيفة صرت أصرخ معها وأقول : أنا لا أريد الحياة بعد هذا الرجل كنت أقدره كثيرا وأراه شيخا ومرشدا جليلا أكرمنى الله به وكان من شرح صدرى للاسلام

ولكنى سرعان ما استوعبت ما جرى وتمالكت وخرجت مسرعة الى بيته فى حى الحلمية الجديدة الذى كان محاطا بقوات الشرطة ونجحت فى ان اخترق الحصار المضروب على البيت من كل الجهات فدخلت ولم يكن فى البيت من الرجال الا ابوه الشيخ عبد الرحمن البنا كان جميع من فى البيت من النساء فكانت زوجته والتى كانت حاملا وقتها ووضعت بعد وفاته فتاة سميت استشهاد تذكيرا بما جرى لوالدها الشهيد ووجدت كذلك اخواته : فاطمة البنا زوجة الاخ عبد الحكيم عابدين سكرتير الجماعة وفوزية البنا زوجة الاخ عبد الكريم منصور المحامى والذى كان معه فى الحادث وبناته وفاء وسناء وهالة ورجاء وأذكر ان ابنته وفاء كانت منهارة تماما وكانت مستلقية على السرير وتردد فى ذهول قول الله تعالى ( ولوشاء ربُك مافعلوه ) وقد اخذت اواسيها حيث كانت صديقة مقربة لى وكان ابوها دائما يوصيها فيقول لها لا تخرجى الا مع الاخت فاطمة

قامت شقيقة الامام وهى زوجة عبد الحكيم عابدين بتسخين الماء لغسل الشهيد وقام والده بتغسيله وتكفينه ولم يكن هناك من يحمل الشهيد معنا فحملته انا وفاطمة ووالده الشيخ عبد الرحمن وانزلناء حيث كانت سيارة البوليس تنتظر امام البيت واخذوه الى المقابر ومنعوا اى انسان من الخروج وراء النعش الى المقبرة حيث استلمت المباحث النعش وحمله الجنود للمقبرة ودفنوه من غير حضور مشيعين ومن غير تقبل العزاء

45

الزواج من يوسف هواش والتعرف بسيد قطب

تأخر زواجى بالنظر إلى سن الزواج فى هذه الفترة والحق أننى كنت غارقة فى أعباء أسرتى الصغيرة وكنت شديدة الحرص على أن أطمئن أولا على زواج أخوتى البنات وذات مرة وكنت قد قاربت الخامسة والثلاثين من العمر جاءنى أخى سيد ابو النور وقال لى إن الاستاذ محمود الجوهري المسئول عن قسم الأخوات المسلمات فى الجماعة قد أخبره برغبة أحد الاخوة فى الزواج منى ثسألت عم مؤهلاته فقال له إنه يحمل شهادة متوسطة دبلوم صنايع فما كان منى إلا أن رفضت فرد اخى قائلا " أنت ليس معك إلا شهادة كفاءة المعلمات فقلت له ولكننى بعد انضمامى الى الاخوات أصبحت شيئا أخر فقال لى هو أيضا مثلك من الإخوان ثم بدأ يقص علىّ حكايته حتى أطمئن إليه وأخبرنى أنه تعرف على هذا الاخ الذى يطلب يدى من خلال الاسرة التى ينتمى اليها فى الجماعة والتى كانت تضم معه الاخ الدكتور أحمد الملط والحاج راضى سىيمة وهو فلسطينى كان يمتلك محل بقالة كبير ( سوبر ماركت ) وقال لى إننا وأثناء تعرفى على افراد الاسرة كان من بينهم رجل وسيم جميل الخلق ومهذب فقلت فى نفسى إن أختى فاطمة وبعد طول صبرها معى تستحق أن تتزوج من رجل كهذا ثم إذا به يتقدم لك وسألنى أخى مارأيك ؟ فوافقت دون أن أراه وكان هذا الاخ هو محمد يوسف هواش الشهيد الذى أعدم مع الاستاذ سيد قطب فى عام 1965 رحمة الله عليما وعلى جميع الشهداء

كان محمد يوسف هواش من أسرة كريمة وطيبة ينتهى نسبه للخزرج وكانت أسرته ميسورة الحال تعيش وتعمل فى الزراعة فى قرية كفر الحمام فى مركز بسيون

46

بمحافظة الغربية ثم انتقلت الاسرة الى كفر الدوار بمحافظة البحيرة وكان له من الاخوة ستة ذكور هو اكبرهم جميعا ويليه بالترتيب احمد وعبد الحميد ورمضصان وبسيونى والسيد وعبد الفتاح وكانت له اخت وحيدة

حين تقدم محمد يوسف للزواج منى كان اصغر منى بخمس سنوات تقريبا حيث إنه من مواليد 21 أكتوبر عام 1922 وكان حاصلا على شهادة المدارس الثانوية عام 1943 قبل ان ينتقل للقاهرة ويعمل بمصانع الشبراويشى للعطور فى حى مصر القديمة

وقد خطبنى محمد يوسف هواش من اخى سيد ابو النور مدة سنة دون أن أراه وكان كلما قابل أخى فى درس الثلاثاء يقول له : مازلنا على عهدنا وكان السبب فى تأخيره للزواج كما علمت لا حقا هو وجود نزاع بين عائلته وعائلة عمدة بلدتهم فكان لا يريد إتمام الزواج إلا بعد أن يفض هذا الخلاف وقد أصابنى الضيق من طول الخطبة دون أى تقدم فى الارتباط بل ودون أن أراه فقلت لأخى ساخرة وغاضبة ذاتيوم قل لصاحب عهدنا أن يفض عهدنا وقد كان فأبلغه بقرارى فض الخطوبة أو العهد ولكن بعد سفرى إلى فى التل الكبير وصلتنا برقية من أخى سيد يقول فيها احضرى فورا فعقد قرانك يوم الاحد تعجب والدى من برقية اخى وسألنى ما العمل ؟ فقلت له لنسافر وفعلا قام والدى بعمل اجازة وسافرنا الى القاهرة وتم عقد القران والذى اكتفى فيه محمد يوسف هواش بحضور احد اعمامه الذى كان يعمل موجها بوزارة التعليم كل ذلك ولم أكن قد رأيته بعد فقط كنت أثناء خطوبتنا قد سألت حكيمة اسمها كوكب كانت تحضر بعض دروس الاخوات التى كان يلقيها عليهن محمد يوسف هواش أن تصفه لى فأئنت عليه كثيرا

وفى يوم عقد القرآن جاء الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي فى شعبة الإخوان بالمنيل وكان مرتديا عباءة وأخذ ينشد ونحن نردد وراءه " أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم " ثم قال لمحمد هواش تفضل ياعريس وكانت هذه أول مرة أراه فيها فجلسنا فى صالون المنزل ودار بيننا حديث قصير أخبرنى فيه أنه رآنى مرتين قبل أن يخطبنى

47

كانت المرة الاولى التى رآنى فيها عندما أراد البوليس القبض على الاخوين سعيد رمضان ومصطفي مؤمن ووقع الاختيار على منزلنا بباب الخلق ليختبئا فيه حيث كان يتبع الاوقاف وكان ذا حديقة كبيرة ساعتها طلب من أخى سيد أن أذهب مع إخوتى إلى شعبة الإخوان بالجيزة بعد أن نأخذ ما يلزمنا من الملابس لدة اسبوع ونأخذ معنا مفتاح شقة الاخ مصطفى كامل بالجيزة لنقيم فيها لانه كان مسافرا الى بلدتهم فى الاجازة على أن يختبىء الإخوان سعيد رمضان ومصطفي مؤمن فى بيتنا

وذكرنى محمد هواش انه الذى كان فى استقبالنا عند وصولنا الى شقة الجيزة وانه سألنى : كيف أحوالكم ؟ فقلت له بل كيف حالكم أنتم ؟ وقال لى أنه أعجب بى وقتها بسبب هذا الرد الذى يبين اهتمامى بالدعوة وتذكرت ساعتها أننا كنا طوال الاسبوع الذى قضيناه فى هذه الشقة نكتب ورقة بما نحتاجه ونضعها مع النقود أمام الباب ليقوم هو بإحضار كل مانحتاجه

أما المرة الثانية التى قال انه رآنى فيها فكانت عندما مشرفة على رحلة المدرسة إلى مصانع الشبراويشى وقام العاملون بإعداء التلاميذ بعض العطور والهدايا وطلب منى أن أكتب كلمة شكر فى سجل التشريفات بالمصنع وقد وقعت فى نهايتها باسمى ( فاطمة عبد الهادي ) وعندما هممنا بركوب السيارة عائدين إذا بأحد العاملين ينادى بأن هناك مكالمة تليفونية لفاطمة عبد الهادي فتعجبت من ذلك إذ لا أحد يعرف بوجودى فى الرحلة فذهبت ومعى زميلاتى وإذا بشاب يعطينى سماعة الهاتف وكانت على الطرف الاخر الحكيمة كوكب تقول إنها تريد أن تنشىء شعبة للاخوات فى المستشفى فا ستغربت لها كيف عرفت بوجودى فى الرحلة لأعرف بعد ذلك من محمد هواش انه هو نفسه كان الشاب الذى اعطانى سماعة التليفون ولم يكن من العسير ان استنتج انه هو من اتصل بكوكب وطلب منها ان تكلمنى لأعود ويستطيع رؤيتى بوضوح وتأن

وبعد عقد القران حدثت لنا بعض المشاكل حيث تصادف ان قام محمد هواش وقد كان يعمل رئيسا لمكتب الشحن فى مصانع الشبراويشى بتأسيس اتحاد للعمال للدفاع عن حقوق العاملين فطلبوا منه حل هذا الاتحاد فرفض فقاموا بفصله

48

وفى ذات اليوم وقف محمد هواش يتحدث فى حفل زفاف احد الاخوة واطال فى الحديث كعادته فى الخطابة حتى سقط مغشيا عليه فحمله الإخوان الى مستشفى قصر العينى فكانت المفاجأة حيث زارتنا فى بيتنا بعدها مجموعة من مكتب ارشاد ودخل علىّ اخى ليخبرنى ان محمد هواش مصاب بمرض معدى وكان يتوقع ان افسخ العقد كما نصح بذلك الاخوة بل وطلب ان نشرع فى تأجير حجرة لنضع فيها الاثاث الذى اشتريناه وكنت وقتها قد انتهيت من الاستعداد للزواج فأبلغته برفضى الحاسم ان اتخلى عن زوجى فى مرضه على الرغم من اننا لم نزف بعد واصررت على تمسكى به على الرغم من نصائح بعض الاخوة والاخوات حتى ان الاخت أمال العشماوي قالت لى انها مجازفة منى ان اتزوج به بعد ان صار مريضا بمرض معدى

تمسكت بمحمد هواش واعتبرته زوجى وله علىّ كل حقوق الوفاء عل الرغم من ان ما يجمعنا هو العقد فقط وطلبت من اخى اخراجه من مستشفى قصر العينى والذهاب به الى طبيب متخسس فى امراض الصدر وقد كان وقد رافقته الى الطبيب الذى سألناه إن كان تعرض وهو صغير لبرودة شديدة ؟ فقال له محمد انه وهو صغير يتعلم فى مدينة دسوق انضم الى الإخوان المسلمين فى محافظة الغربية مع الاستاذ البهى الخولي وعندما بدأت اعتقالات الإخوان الاولى 1948 اعتقلوه مع الاستاذ الخولى وسجن معه وكان ذلك فى شهر ديسمبر فأدخلوهما زنزانة مليئة بالمياه فكانت السبب فيما أصابه من مرض بالصدر

وقد طلب الطبيب ان يأكل نصف كيلو كبدة يوميا لمدة شهر متواصل قبل الزواج وان يداوم على شرب عصير الطماطم او الفواكه وقد نفذنا تعليماته وأكرمه الله بالشفاء سريعا فتم الزفاف فى نهاية 1853 بعد خطبة استمرت عاما بالكامل وسكنا فى عمارو على النيل بروضة المنيل وكان يقيم فى الطابق الرابع منها أنور السادات عضو مجلس قيادة الثورة وقتها وكان متزوجا بزوجته الثانية السيدة جيهان ولهذا السبب كان بأسفل العمارة كشك حراسة يجلس فيه بعض الحراس والمخبرين

49

واكتشفت ان الدعوة اهم لزوجى من الدنيا

كان زوجى محمد يوسف هواش لا هم له إلا الدعوة التى ينفق لها كل وقته ويضحى لها بالغالى والنفيس وقد أتعبنى كثيرا فى بداية زواجنا بسبب أنه لم يكن يرى أو يفكر او يعمل الا للدعوة أتانى ذات مرة وكنا عروسين جديدين لم يمض على زواجنا إلا القليل وقال لى إن بنات أحد الإخوان يعانين حالة نفسية سيئة سجن ابيهن وطلب منى ان احضرهن للبقاء فى بيتنا عدة ايام حتى تهدأ نفوسهن فاستفزنى ان لم يراع اننى مازلت عروسا جديدة فقلت له بتهكم لا مانع ولكن لنكتب على باب البيت يافطة عيادة نفسية وكانت تلك الكلمة كفيلة بأن يحزن كثيرا ويخاصمنى عليها أسبوعا كاملا

ايضا كان هناك فتى صغير بحى مصر القديمة يتولى محمد هواش امره وينفق على تربيته وكان يعامله كما لو كان ابننا فما أن نجلس لنتناول طعام الغداء حتى يدق جرس الباب فأقوم لأفتح فيدخل الفتى ويجلس مكانى وانتقل أنا لتناول الغداء فى المطبخ حتى إن الشغالة التى كانت تعمل عندنا اعتادت الامر فكانت تطلب منى ان اخذ معى طبقى فى المطبخ وللحق فقد ازعجنى ذلك كثيرا وكنت عروسا تريد ان تعيش وتتمتع بخصوصيتها فطلبت منه ذات مرة الا يأتى الفتى كل يوم وقت الظهر حتى استطيع الغداء معه وحدنا فما كان منه إلا غضب بشدة وسألنى مستنكرا ألست مسلمة ؟ إن هذا شاب يتيم أربيه لله

وقد اخبرتنى إحدى الاخوات اسمها أم احمد وكانت تعمل عنده ان ملابسه كان يعيرها لغيره من الإخوان بل ويؤثر غيره بالطعام الذى يحبه حتى إذا شعر بالجوع لا يجد سوى قطعة من الجبن يأكلها ويحكد الله بل واذكر اننا بعد عقد القران وقبل زفافنا مباشرة ركبنا معا الاتوبيس لشراء شبكة الفرح فرأيت إحدى أكمام الجاكت الذى يلبسه وهى منحولة من كثرة الاستعمال فقال لى يافاطمة نحن نتاجر مع الله تجارة لن تبور بإذن الله

كان يوسف هواش يقضى يومه كاملا فى العمل مع الإخوان فلا يأتى إلى البيت إلا متأخرا ربما فى الواحدة أو الثانية بعد منتصف الليل وكان يأتى بصحبة الاخ كمال السنانيري الذى كان يسكن بجوارنا وكانت تجمعهما علاقة وطيدة ومحبة رحمة الله عليهما وكان يشفق عليّ من السهر فى انتظار عودته فكان يطلب منى ان اترك له الطعام على المائجة ثم انام على ان يتناول هو العشاء عند عودته من دون ان يوقظنى وكان هذا يضايقنى فكنت اقول له لا يمكن ان تهجر البيت من اجل الإخوان


50


لقد كانت حياتنا شاقة خاصة فى بداية الزواج خطبنى 1952 عاما كاملا دون ان اراه ثم تزوجنا فى نهاية 1953 ومكث معى مدة سنة تقريبا ثم بدأالصدام مع حكومة الثورة فاختفى معظم عام 1954 حيث قضى عشرة اشهر تقريبا هاربا من الملاحقة وحين اعتقلوه دخل السجن ولم يخرج الاعام 1964 مريضا متعبا فبقى معنا فترة بسيطة جدا اعتقل بعدها فى شهر يوليو مع الشهيد سيد قطب واستمر فى السجن الى ان صدر الحكم بإعدامه مع سيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل واعدم فى 29 أغسطس عام 1966 وربما لم تتجاوز حياتنا معا شهورا معدودة فيما قضى معظم حياته إما فى السجن أو هاربا من الاعتقال

لقد كان الشهيد محمد هواش رجل دعوة نذر لها كل حياته تقريبا فكان شديدا فى معاملته معى ربما بحكم نشأته الريفية التى أثرت على نظرته للمرأة فكان يرى أنها يجب أن تنفذ ماتؤمر به دون نقاش وكان يقارن بينى وبين والدته فى معاملتها لوالده لقد كان يرى فى والدته المثال للمرأة المسلمة التى تطيع زوجها وتأتمر بأمره حتى إنه غضب ذات مرة لخروجى لاداء ةاجب العزاء فى إحدى الاخوات وكانت شقيقة زوجة اخة دون انتظار إذنه على الرغم من صلة القرابة التى تجمعنى بها وعلى الرغم من أنه يكن موجودا وقت الوفاة ليأذن لى

سيد قطب الانسان الذى لم يعرفه الناس على خقيقته

ولكن للحق فقد تغيرت معاملته تماما لى بعد خروجه من المعتقل 1964 فقد شعر بمقدار ما عانيناه فى غيابه وتضحياتنا من اجله ورأى كيف كنت أقوم بخدمة الدعوة بإخلاص وتفان ولا اشكو المعاناة التى استمرت قرابة عشر سنوات فكان بعد

51

خروجه من السجن اذا رآنى مهمومة او متعبة يحاول ان يخفف عنى ويواسينى وكان يحنو علىّ ويأخذنى كالطفلة على صدره ويقول لى : هذه الرأس التى ضحت صلحبتها وعملت كل هذا من اجلى لا توضع على وسادة بل مكانها ذراعى وكان يطلب منى ان اسامحه على شدته معى فى اول زواجنا وكان يقول لى كثيرا انه لم يعرف حقيقة معدنى الا بعدما راى تضحياتى معه وعملى من اجل الدعوة

والحق ايضا انه تاثر فى ذلك بالاستاذ سيد قطب خاصة فى الفترة التى صاحبه فيها فى مستشفى طرة حين اطلع على طريقته الراقية فى التعامل مع اخواته البنات اللائى كن يأتين لزيارته فى المستشفى ويبدو انه تغير تماما فى نظرته للمرأة وتعامله معها بفعل الاستاذ سيد قطب الذى كان حنونا ورقيقا للغاية مع اخواته

وقد كانت فترة صحبتهما فى المستشفى التى نقلا اليها من السجن مهمة جدا فى حياة كل منهما ومثلما تأثر بسيد قطب فقد تأثر سيد قطب به وقد أخبرتنى الاخت حميدة قطب أن الكثير من أفكار محمد يوسف هواش قد تسللت الى عقل سيد قطب وقلبه ونقلت عن اخيها الشهيد سيد قطب أنه تأثر بيوسف هواش كثيرا فيما كتبه فى كتابه الشهير | معالم فى الطريق " وهو ما كان سببا فى إعدامه مع الاستاذ سيد قطب رغم أنه لم يكن له حضور مؤثر فى تنظيم 1965

لقد ارتبط زوجى الشهيد محمد هواش بالشهيد سيد قطبارتباطا استثنائيا فقد عاشا معا ما بين السجن ومستشفى السجن عشر سنوات كاملة قبل أن يعدما معا عام 1966 ولم تكن مجرد زمالة سجن فقط بل زمالة ارواح واهتمام مشترك بالاسلام والمسلمين ويجزم الاستاذ أحمد عبد المجيد والذى كان معتقلا معهما أن الشهيد سيد قطب استفاد من الشهيد محمد هواش فى خطه الحركى وفى الإلمام بسيرة أحوال جماعة الإخوان المسلمين والدروس المستفادة منها حيث كانت ملازمة الشهيد سيد للإخوان قبل 1954 قصيرة الى جانب أنه لم يشهد فترة الإمام حسن البنا كما استفاد الشهيد هواش من فكر الشهيد قطب وعلمه ورحلته فى عالم البحث والاطلاع والمعرفة والتجارب فاختلطت التجربتان وظهرت آثارهما فى كتابات الشهيد سيد قطب

52

ويروى الاستاذ أحمد عبد المجيد ان زوجى الشهيد هواش قال له ذات يوم وهم فى طوابير السجن الحربى إن كل باب وكل عبارة فى كتب الاستاذ سيد أعرف متى كتبت وأعرف مناسبتها ومناقشتها حتى وصلت بصورتها التى ظهرت بها

وللتاريخ أقول إن سيد قطب لم يكن متطرفا أو متشددا كما يصفه الكثيرون فقد كنت أراه عندما كنا نذهب لزيارة زوجى الشهيد محمد هواش فى مصحة ليمان طرة وكانا رفيقين بها وكنت اذهب مع امى ومعى سمية واحمد فكان الاستاذ سيد قطب يأخذ الاولاد ليتنزه بهم فى حديقة المصحة ليترك لنا الفرصة للحديث انا وزوجى وكنت اشعر بأنه إنسان بسيط جدا ومتواضع وهذا ما خرجت به معرفة عشر سنوات متواصلة كانت مع زوجى الشهيد فى سريرين متجاورين فى المصحة

واذكر عندما خرج من المعتقل عام 1964 اننى ذهبت لزيارته ولم يكن زوجى محمد هواش قد خرج بعد من السجن ودار بيننا حديث طويل كان فيه أننى سألته لماذا لم تتزوج ؟ فأخبرنى أن والدته كانت قد أوصته قبل وفاتها بشقيقتيه امينه وحميدة وأكد لى أنه ما إن يطمئن عليهما ويوجهما سيتزوج إن شاء الله وقد زوجهما بالفعل ولكنه لم يتزوج بيبب استشهاده

وكنت قد رشحت له الاخت فاطمة عيسى التى تزوجت فيمابعد الاخ المهندس فوزى نجم والذى كان معتقلا وكانت الاخت فاطمه عيسى واحدة من عشر اخوات تزوجن من الإخوان اثناء اعتقالهم وأذكر منهن الاخت امينة قطب التى تزوجت من الاخ كمال السنانيري والاخت مديحة بنت أخت الشهيد سيد قطب

53

فى بداية عام 1954 بدأت نذر التوتر بين الإخوان المسلمين وحكومة ثورة يوليو ثم بدأت عملية الاعتقالات الواسعة للإخوان وذات يوم داهمت شقتنا قوة كبيرة من المباحث اخذت تفتش الشقة وتعبث بمحتوياتها لم يكن محمد هواش موجودا وقتها داخل الشقة بل كان خارج البيت وتصادف انه وأثناء دخوله البيت سأل أحد المخبرين على باب العمارة وعلم أن المباحث فى شقتنا وتبحث عنه مهرب على الفور وظل مختفيا عن الانظار طيلة عشرة أشهر كاملة

فى هذه الفترة بدأ كثير من الإخوان فى الهرب بعيدا عن بيوتهم بل أخذ بعضهم فى الهرب خارج البلاد بعدما توسعت الاعتقالات وبدأت المحاكمات الظلمة وكان ممن نجحوا فى الفرار خارج مصر الاخ حسن العشماوي شقيق الاخت امال وابن العشماوى باشا وقد سافر سرا إلى ليبيا ومنها إلى الكويت وتبعه فى ذلك الكثير من الإخوان وقد كنت وقتها احاول الهروب من رقابة المباحث لأقابل زوجى محمد هواش الذى كان مختفيا ويغير أماكن اقامته بانتظام وذات مرة قابلته امام قسم البوليس فى حى المنيل وقلت له لماذا لم تسافر كما فعل الكثيرون من الإخوان ؟ ماذا تنتظر ؟ هل تنتظر حتى تُعتقل وتُسجن مع الاخرين ؟ فأجابنى بثبات والله لن أسافر ولن أترك الاطفال الذين تركهم أباؤهم وسجنوا ظلما او سافروا هربا من الظلم وقال لى إنه سيبقى ليرعى بيوت الإخوان المعتقلين او المطاردين الذين اضطروا للهرب

كنت اقابل زوجى من وقت لأخر وبطرق صعبة أقضى فيها معظم اليوم فى الهرب من رقابة الامن وكان يرسل لى بين وقت وآخر لأقابله إما فى الشارع فى محطة

54

اتوبيس او فى بيت احد من الإخوان حيث تكون هناك فرصة افضل للبقاء معه اطول فترة ممكنة

لقد ظل زوجى محمد هواش هاربا من المباحث نحو عشرة اشهر وطيلة هذه الشهور كان ينتقل بين عدة اماكن وكان يتصل بى عن طريق بعض الإخوان ذات يوم جاءتنى الاخت سنية الوشاحى وقالت لى إن الاستاذ عندنا ويريد ان يطمئنك عليه فتحايلت على المخبرين واختفيت منهم حتى تمكنت من الوصول لبيت الاخت سنية وقابلته هناك وبقيت معه معظم اليوم ومرة اخرى جاءتنى اخت اسمها ام صلاح وكانت بطلة وشجاعة ومن اهم الاخوات معنا رغم انها لم تنل قسطا من التعليم كانت تسكن بمصر القديمة وطلبت منى ارتداء حلق وإيشارب وعد ارتداء الطرحة وذلك للتمويه على المخبرين كما طلبت منى أن أحضر معى ابنتنا سمية وقد قضيت وقتا طويلا أضلل المخبر الذى يتبعنى ولم انجح ورغم ذلك ذهبنا إلى بيتها وقابلت زوجى وقضيت معه وقتا طويلا وعلى الرغم من أن المخبر تبعنى الى البيت فلم يحدث شىء وكان الاغلب أنه ينتبه إلى وجود زوجى فى المنزل

فى فترة عشرة الشهور هذه كنت حاملا فى ابنى احمد وقد قابلته مرة اخرى وانا على وشك الولادة به كانت السلطات قد قامت بنقلى من وظيفة ناظرة الى وظيفة مدرسة بكوبرى القبة وكنت اترك ابنتى عند والدى او عند بعض الاصدقاء إذا غاب الوالدان وعند عودتى من العمل ذات مرة من كوبرى القبة الى محطة مصر التى استقل منها اتوبيس رقم "1 " الذى يذهب الى المنيل وجدت زحاما شديد وارتباكا فى السير حيث كانوا ينقلون تمثال رمسيس الى ميدان المحطة فى نفس الوقت الذى ينصبون تمثال نهضة مصر عند جامعة القاهرة فتسبب ذلك فى ازمة سير وطال وقت الانتظار وكانت تشاركنى السير تلك المسافة الطويلة زميلة لى تدعى إحسان وكانت حاملا مثلى ايضا وكنا غير قادرين على السير كل ذلك وكان هناك مخبر يلاحفنا فجأة وأثناء سيرنا وجدت زوجى فى مواجهتى وقال لى امشى عكس الاتجاه وقابلينى عند المحطة وقد لاحظت زميلى ما اعترانى من تغير فتهربت منها وقلت لها إنه بسبب الزحام ثم تظاهرت برغبتى فى السير قليلا وكانت هى تقف والمخبر

55

بجانبها فاخذت أمشى وعندما التقينا انا وزوجى تكلم معى قليلا ثم طلب منى أن اخبر اهله فى البلد عندما اضع المولود واستمر وقوفنا فى المحطة حتى جاء الاتوبي مزدحما وركب كل الناس وصعدت فوجدته قد صعد من الدرجة الاولى وجلس فى المقعد الذى يلى الدرجة الاولى مباشرة وكان المخبر قد صعد من الدرجة الاولى ووقف على الباب أى كان فى مواجهة محمد مباشرة وعندما صعدت نهض لى زوجى فجلست مكانه ولم اره بعد ذلك حتة قبض عليه فى احد المساجد وذلك بعد إنجابى احمد وكانت اول مرة اراه بعدها حين زوته فى مصحة طرة

وقد عانيت كثيرا من مضايقات المباحث وحصارها لى اثناء محاولاتها القبض على زوجى بل ووصل بهم الامر ذات يوم ان فكروا فى أخذى رهينة لإجباره على تسليم نفسه كنت وقتها أقوم بمهمة إعداد الطعام للمعتقلين من الإخوان وكلنت دائما معى اختى كامليا وابنتى سمية لا تفارقنى وكان يقوم بحمل الطعام عنا الى السجن اليهم رجل طيب اسمه احمد لم يكن من الإخوان ولكنه كان لا يتأخر عنا بخدماته العظيمة وفوجئت ذات مرة ونحن عائدات الى المنزل بأربعة رجال أحاطوا بنا على باب بيتنا مثلما تحيط الشبمة بصيدها ونادى احدهم على مخبر الحراسة الخاص بأنور السادات ليحضر تاكسى فرفض الرجل فصرخت فيه بصوت عال لمن يحضر التاكسى ؟ قال لتركبى فيه فقلت له بل تركب فيه امك او اختك اما انا فلا فقال بل ستركبين رغما عنك فخرجت عن شعورى وصرخت بأعلى صوتى وقلت : إن الظفر الذى يطير من قدمى يساوى رئيس جمهوريتك الذى يهين الإخوان انتم تضعون لافتة " ارفع راسك يا أخى فقد مضى عهد الاستعباد " ونحن فى أذل العهود خرجت تماما عن ارادتى وناديت بأعلى صوتى أنزل يا أنور السادات يا رئيس المؤتمر الاسلامى أجر امرأة جارة لك

وإذا بأنور السادات ينزل من السلم ويسأل عما يحدث فقلت له انظر بنفسك تهان النساء فى عهدكم الاسود وكررت الجملة عليه مرتين وللحق فقد كان فى الرجل مروءة وبدا عليه الاستياء مما رآه فطلب منهم عدم التعرض لى ونادى على أحد الضباط وقال له ماذا تريد الست وافعله

56

وكانت الحاجة نعيمة زوجة الامام حسن الهضيبي المرشد الثانى العام للإخوان المسلمين جارتنا فى المنيل وكانت قد الحت علىّ عندما اختفى زوجى محمد لأقيم معها وكانت الحكومة قد اعتقلت كل رجال الإخوان بمن فيهم الاستاذ الهضيبى وابنه اسامه الذى لم تكن له علاقة بالإخوان والذى كان يضحك ويقول لم اكن اصلى وتعلمت الصلاة فى السجن

كنت دائما أرفض دعوة الحاجة نعيمة للإقامة عنده وأفضل أن أبقى فى بيتى ولكن عندما جرت محاولة خطفى وتدخل السادات وسألنى الضابط أين تريدين الذهاب ؟ قلت له أذهب الى بيت سيدكم وتاج رأسكم مرشد الإخوان وعند ذهابنا الى هناك وفى الطريق اراد المخبر ان يحمل عنى ابنتى لأنى كنت حاملا فى ابنى احمد ومتعبة ولكنى رفضت حيث خفت أن يخطفها

وصلنا الى بيت المرشد وفتحت لنا الشغالة ( زهرة ) ثم جاءت السيدة نعيمة وابنتها علية واستقبلتانى بترحاب وأخذتا تهدئانى وفجأة وفى الساعة الثانية ليلا وجدنا جرقا عنيقا على الباب ثم اقتحمه نحو اثنى عشر رجلا ففزعت السيدة نعيمة وظلت تتساءل ماذا يحدث ؟ ماذا يحدث ؟ وقالت بأسى وأسف هل يدخل عينا رجال الامن وكل رجالنا فى السجون ؟ ثم استجمعتنفسها وصاحت معنفة أكبرهم هل من الرجولة وحُسن التربية أن تأتى باثنى عشر رجلا من اجل مطارة امرأة ضعيفة فى بداية زواجها ؟ فقال لها بخجل انت لاتعلمين ماذا قالت ؟ واخبرها بما قلته من سب للنظام والرئيس فكان رد السيدة نعيمة وهل تجاوزت الواقع او الحقيقة فيما قالت ؟ ثم امرت الشغالةبفتح الابواب لقوات الامن حتة يروا إذا كنا نخبىء عندنا رجال وأحس الضباط بالحرج فلم يكن امامهم إلا الخروج واحدا بعد الاخر وقد جاءوا معتقدين بأن زوجى وعدد من الإخوان مختبئون فى بيت المرشد

مع امينة وحميدة قطب

وفى بيت الاستاذ حسن الهضيبي كانت بداية معرفتى بالاخوات امينة وحميدة قطب شقيقتى الشهيد سيد قطب فذات يوم من الايام التى قضيتها هناك جاءت الخادمة

57

واخبرتنى بوجود ضيوف يرغبون فى مقابلتى وقالت هناك أختان جديدتان قد انضمتا إلينا فذهبت لأتعرف عليهما وكنت حذرة فى بداية معرفتى بهما أما أول معرفتى بالشهيد نفسه فكانت فى السجن أثناء زياراتى لزوجى محمد كان ملازما له

والحقيقة انهما كانت غاية فى الرقى والادب ويبدو عليهما انهما من بيت نبيل وأصيل ورغم انهما لم يكملا تعليمهما إلا أن مستواها فى الثقافة والادب كان لا يبارى وكانت امينة لها نفسية شاعرة ومرهفة وكانت راقية ورقيقة ولديها طول بال وهدوء غريب وكثيرا ما جاءت لمواساتى بعد استشهاد زوجى مع اخيها الشهيد سيد وكانت تقرض الشعر خاصة عند استشهاد زوجهاالاستاذ كمال السنانيري عام 1981 وقد اهدتنى يوما نسخة من أحد دواوينها كتبت فيها إهداء راقيا قالت فيه " الى من سبقتنى فى ساحة الجهاد " وكانت كثيرا ما تسألنى كيف صبرت لنصبر مثلك

ومما اذكره للاخت امينة قطب أنه لما صدر حكم الاعدام على اخيها الشهيد طلبوا منها أن تحثه وتقنعه بالاعتذار لينال العفو لكنها رفضت بحزم اما الاخت حميدة التى تزوجت فيما بعد الاخ الدكتور حمدى مسعود فقد كانت نعم الاخت تضحية وجهادا كما دخلت السجن الحربى فى قضية تنظيم 1965 وحكم عليها بالسجن مدة عشر سنوات وما زلت اذكر كيف كانت تعد معنا الطعام وتذهب معنا للسجن الحربى لإطعام مسجونى الإخوان فى قضايا 1954 كما اذكر اننا كنا معا اثناء مجزرة ليمان طره التى قتل فيها كثير من الإخوانزكنا امام السجن نبحث عن طريقة لتوصيل الطعام لما بدأ إطلاق الرصاص فأخذنا فى الفرار بعيدا عن الاسجن وأخذت المباحث تطاردنا أنا وهى وقد كان لها ذكاء ونجابة أكرمنا الله بها لنهرب من المطاردة ولم تنجب امينة او حميدة ذرية لهما وقد توفيت امينة قبل اعوام فيما تعيش حميدة مع زوجها فى فرنسا امد الله فى عمرها

كما كانت لهما اخت ثالثة كبرى اسمها نفيسة دخلت هى كذلك السجن الحربى وهى ام رفعت الذى قتل تحت وطأة التعذيب فى المعتقل وأم الدكتور عزمى بكر الذى تسلم جثة الاستاذ كمال السنانيري عام بعد مقتله فى السجن عام 1981 تحت التعذيب فى السجن

58

وقد مكثت فى بيت المرشد الاستاذ حسن الهضيبي مع زوجته وبناته شهرا واربعة ايام قررت بعدها الرجوع لشقتى ولكنى رفضت العودة الى نفس العمارة التى كنت اسكن فيها والتى كان يسكن فيها السادات فأوصيت شغالة كانت تعمل عندى اسمها أم عزت بنقل الاثاث الى الشقة التى كنا نسكنها من قبل فى المنيل انا واخى سيد ابو النور

كانت اختى كاميليا قد انتهت من دراستها وعُينت مدرسة فى القناطر الخيرية وجاءت لقضاء الاجازة معى يومى الخميس والجمعة وفى منتصف الليل فوجئنا بجرس الباب يرن برعونة وحين قلت من الباب ؟ سمعت من يقول لى افتحى وإلا كسرت الباب وإذا برجل بوليس وقد وضع مسدسه فى صدرى ودفعتى الى الحائط فقلتله بتهكم لقد تم تفتيشنا مئات المرات فكان جوابه ستظلين تفتشين وتفتشين ثم سألنى عن مكان حجرة النوم ودخل ثم سأل اين الدولاب ؟ فقلت له انتظر لأخذ المرتب حتى لا تسرقوه كما سرق بعضكم من قبل بيوت الإخوان فقال أنت ظويلة اللسان

كان يقوم بالتفتيش وهو يصفر بفمه وكان من المعتاد ان من يأتون فى حملات التفتيش يكون عددهم اثنين من الضباط وثلاثة من المخبرين مع البواب أما خذا الضابط فكان بمفرده ثم سألنى فجأة هل ستستمرين مع زوجك هذا ؟ فلم أرد فأخذ يصول ويجول فى صالة المنزل مستمرا فى الصفير ثم خرج لقد كانت اختى ترتعش من الخوف خاصة بعد ان علمنا من بعض الاخوات ان بعض هؤلاء الضباط قد ذهبوا الى بيوت الإخوان وهمفى حالة سكر شديدوسرقوا هذه البيوت

59

رحلة معاناة الاخوات .. وأسر بدون عائل

اعتقلت المباحث زوجى محمد من احد المساجد بعد عشرة شهور من الفرار ودخل السجن ليقضى فترة الخمسة والخمست عاما التى حكم عليه بها وهناك بدأت علاقته بالاستاذ سد قطب التى بدأت فى سجن طرة واستمرت فى مصحة السجن بعدما نقل الاثنان مرضى للعلاج بها واستمرا معا ما بين السجن والمستشفى نحو عشر سنوات كاملة

بعد القبض على زوجى بقليل وضعت ابنى احمد وسمته اختى كاميليا احمد جهاد محمد يوسف هواش ثم اصبح من الصعب على التنقل به وبسمية فطلبت من اختى خيريه زوجة الاخ عبد اللطيف مكي ان تبقى معى خاصة بعد سفر زوجها الى قطر حتى استطيع ان اترك سمية معها ثم طلبت من الادارة التعليمية نقلى الى مدرسة قريبة من بيتى فنقلونى الى مدرسة لرعاية الاحداث بمصر القديمة اصبحت فيها مسئولة عن الصف الرابع بعدما كنت ناظرة فى مدرستى السابقة وكانت مدرسة تضم اكثر الطلاب جنوحا وشراسة

فى بداية عملى كنت ما أكاد أنتهى من كتابة العنوان على السبورة والتفت حتى لا أجد أحدا من الطلاب الذين يتسللون هربا من الفصل ذهبت أشكو إلى الناظرة وكان اسمها سكينة وكانت تعلم أننى ناظرة من ملف خدمتى فنصحتنى ببعض طرق التعامل معهم وقد حاولت التقرب الى الطلاب والتفنن فى الوصول الى قلوبهم فتغيرت الصورة سريعا بعد ذلك وارتبط معظم هؤلاء الطلاب بى وانصلح حال كثير كمهك بعد أن كانوا جانحين واذكر انه فى يوم من الايام رن جرس الباب ففتحته واذا

60

بواحد من هؤلاء الطلاب وقد سلم علىّ وقال لى ان معه رسالة من الاستاذ فسألته أى أستاذ ؟ فقال زوجك وتعجبت ما صلته بزوجى السجين ؟ وكيف عرف عنوان المنزل ؟ فإذا به يخبرنى أنه عمل بعد تخرجه فى مصحة سجن طرة وهى المصحة التى نقل اليها زوجى محمد بعد مرضه فى السجن وقد ظل يأتينى برسائل منه ما زلت احتفظ بها كلها

كانت قد مرت نحو ثلاث سنوات على سجن زوجى حين رأيت ناظرة المدرسة ذات يوم حزينة كان زوجى محمد وقتها مريضا بمصحة سجن طرة فأصابنى القلق وسألتها عن سبب حزنها فأخبرتنى بأنه ينبغى علىّ الى الادارة التعليمية فذهبت بسرعة وهناك رايت عددا من المخبرين وكنت اعرف البعض منهم كما كان هناك عدد من الضباط الذين طلب منى احدهم التوقيع على تعهد بعدم إثارة الشغب والفوضى وعندما اكدت له بأننى لا أثير شغبا أو فوضى قال لى : أين زوجك الان ؟ قلت فى لسجن قال لى هل سرق أو قتل ؟ قلت لا بل لأنه من الإخوان المسلمين قال لذلك انت ستوقعين على إقرار لنفس السبب فقلت له فلتتركنى أكتب عبارة ثم اوقع بعدها قال ماهى ؟ قلت مع ملاحزة اننى ملتزمة بكل ذلك فسكت الضابط ثم اخبرنى أن تعليمات عليا كانت تريد فصلى ولكن الوزير قال بعدأن أرى ملف خدمتها ولما وجد أنه كله امتياز قال إذا فصلت هذه السيدة فسأقدم استقالتى ثم سألنى الضابط هل بعد هذا تريدين ان تتسبى له فى مشاكل ؟ ثم اشار الى بمكان لكتابة تلك العبارة وكانت تحت توفيعى مباشرة وبعد سنوات ظويلة وعند احالتى على المعاش ذهبت استلم ملفى فوجدت هذا الجزء قد مُزق منه

بعد اسبوعين فقط تصادف اننى توجهت الى ناظرة ناظرة المدرسة لأخبرها بانصرافى من العمل فوجدتها تبكى فا عتقدت انها تبكى لطارىء عندها او لمشاكل مع زوجها الذى كان دائم الشجار معها ولكن تبين لى انها تبكى مت اجلى إذ وصلت اشارة تليفونية بنقلى الى محافظة كفر الشيخ وضرورة ذهابى لمكان عملى الجديد فيها فى اليوم نفسه على الرعم من انها تبعد عن القاهرة نحو مائتى كيلو متر وبالرغم من محاولتى الصمود والتماسك فقد خذلتنى طاقتى ووجدتنى ابكى

61

بحرقة هذه المرة احسست بهموم الدنيا كلها تطبق غلىّ وشعرت بالظلم الصارخ الذى أذوقه ليل ونهار كان احمد ابنى قد فرب السنتين واخته قاربت ثلاث سنوات ولم يجلس اى منهما مع ابيه بعد كان سيد قد اعتقل هو الاخر ولما خرج ترك شقته واقام معنا هو وزوجته والاولاده وكانت اختى خيرية قد منعوا زوجها الشيخ عبد اللطيف مكي من العودة من قطر التى سافر للعمل بها فجاءت هى واولادها للسكن معنا ثم اشفقن علينا ابى فقدم استقالته من عمله واتى هو وأمى ليبقوا معنا فى الشقة التى اصبحت مزدحمة ازدحم هذا كله علىُ وأحسست بالظلم وأخذت فى بكاء حار ومرير مرارة الظلم امتنعت عن الطعام فور سماعى خبر نقلى واصابنى الاعياء والمرض وعندما كشف علىُ الطبيب قال إنى لست مريضة ولكنه إعياء بسبب امتناعى عن تناول الطعام فأمسك أخى سيد بابنى الرضيع ورفعه عاليا وهو يقول حرام عليكم هذا الطفل الصغير ثم اخذ الممرض بجمع اوراق الملف وخرجوا جميعا مسرعينفى امر نقلى الواجب تنفيذه فا قترحت على اخى سيد ابو النور ان نرسل الى كفر الشيخ طلبا تلغرافيا بإجازة لمدة ثلاثة أيام ريثما استعيد عافيتى وفعلا أرسلنا بذلك برقية وعند ذهابى الى كفر الشيخ بعد ثلاثة ايام فوجئت بمذكرة من موظف فى شئون العاملين بالقاهرة تزعم أننى أثير الشغب وأرفض تنفيذ أمر النقل لكن رئيس القسم كان رجلا محترما ولم يأخذ بها بل طلب منى بعد أن اطلع على ملف خدمتى القيام بأعمال إدارة المدرسة لأن الناظرة المسئولة نقلت الى القاهرة فوافقت جاء موظف من شئون العاملين وسألنى عن حكايتى فقلت له إننى زوجة احد اعضاء جماعة الإخوان المسلمين وقلت له عن اسم زوجى فقام الرجل بتمزيق المذكرة المكتوبة ضدى والقاها فى سلة المهملات وقال لقد كنت صديقا لمحمد يوسف هواش وهو رجل طيب وكم اكلنا معا فى بيت السيدة ام محمد وقال انا رهن إشارتك فيما تطلبين

كنت قد سافرت بدون اولادى فأحسست بالحزن الشديد والجزع عليهم فارسلت الى اخى سيد ابو النور وطلبت منه أت يذهب للضابط صالح داود المسئول عن الإخوان

62

فى جهاز المباحث ويطلب منه أن يعيدنى لأولادى لانى أدعو عليه يوميا فى الفجر ثم أرسلت له خطابا قلت له إن دموعى تتساقط على الخطاب لأننى مظلومة فردنى لأولادى لأننى ساقف بهذا الخطاب وأسألك أمام الله يوم القيامة فأرسل لأخى سيد يقول له قل لفاطمة ألا تدعو على وربنا يسهل إن شاء الله وتوعود لأولادها مكثت بعملى فى محافظة كفر الشيخ ثلاث سنوات قضيت السنة الاولى منها بعيدة عن اولادى الذين الحتهم بحضانة الاسقفية على النيل بالمنيل فى السنة الثانية اخذتهم معى وظلوا سنة كاملة معى بكفر الشيخ بعدها طلبت عمل انتداب للقاهرة اجدده كل ثلاثة اشهر فقد رفضت ان يتربى ابنائى هناك وكنت قد كتبت طلب اجازة من العمل واخذ مساره فى كفر الشيخ ولكنهم طلبوا موافقة المحافظ فأخذته وذهبت الى المحافظ وكان اسمه احمد حمدى عبيد فاخبرونى انه غير متواجد فى مكتبه وطلبوا منى انتظاره فجلست انتظره حتى سمعت اصوات عالية فوفغت ارقب ما يخدث فإ بمجموعة من الناس تلتف حول شهص ما إن رآنى حتى اتجه إلى وسألنى هل انت فاطمة محمد عبد الهادى ؟ قلت نعم فقال لأحد مرافقيه وكان ضابطا يا محمد انظر ماذا تريد ويأصعد الى مكتبى وسأنتظر الطلب قلت للضابط إننى تقدمت بطلب انتداب فقال أين هو ؟ فأعطيته له فأخذه ومزقه مما أثار استنكارى فإذا به يكلمنى بهدوء واحترام قائلا إن المحافظ سيوافق لك على طلبك وأقترح أن تكتبى له طلب نقل وليس انتداب

وفعلا كتبنا الطلب وصعد هو به ثم نزل واخبرنى ان المحافظ قد وقع على الطلب ولكن يىيدنى ان اصعد اليه فأصابنى الخوف وظننت انهم سيعتقلونى خاصة بعد ترك كل من حوله وجاء لى خصيصا ولكن صعدت وخرج المحافظ من مكتبه للترحيب بى وتعجبت من هذه المقابلة التى خشيت ان تكون تمثيلية ثم احضر فمجانا من القهوة واعطانى كارت توصية موجها الى محافظ القاهرة وطلب منى عدم ابرازه لأى شخص اخر

رجعت الى القاهرة وقصصت ما جرى على اخى سيد فاستبشر خيرا وقال لى إنه يعرف أحد الإخوان وهو يعمل مسئولا عن مكتب المحاقظ وإنه سيتصل به تلقونيا

63

حتى يسهل لى لقاء المحافظ وبالفعل استأذن هذا الاخ المحافظ فى مقابلتى والذى بدوره قابلنى بنفس ترحاب محافظ كفر الشيخ فاعطيته الكارت فوعد بتذليل أى عقبة تواجهنى

نقلونى من كفر الشيخ ففضلت ان اكون قريبة من منطقة المنيل حيث سكنى والاولادى لكن مدير شئون العاملين بالمنطقة رفض وقال لى إنه لا يوجد مكان شاغر لى فى المنطقة فأشار علىّ اخى سيد أن أعود للسيد المحافظ وأذكر له ماحدث وبالفعل قابلته فإذا به يتصل بالمدير العام ويقول له مهددا الكرسى الذى تجلس عليه يمكن ان تتركه فى دقيقة واحدة

فأرسلوا إلىّ يسألونى أين تريدين أن تعملى ؟ فقلت أكون بجوار أولادى وبيتى فذهبت الى مدرسة عمرو بن العاص بمصر القديمة ثم منها الى مدرسة الظافر وكانت مدرسة جديدة كانوا قد جمعوا لها طلبة من كل المدارس المحيطة بها وكان أغلبهم من الطلاب الجانحين

تحريض زوجات المعتقلين على طلب الطلاق

لم تكن هذه كل تفاصيل معاناتى اثناء سجن زوجى كما لم اكن وحدى من عانيت بل الاف النساء من الأخوات المسلمات ومن زوجات المسلمين الذين كان النظام الحاكم بعد ثورة يوليو يريد ان يكن عنصر ضعف يستغله فى كسر ارادة الإخوان فى السجون

بعد حملة الاعتقالات والمحاكمات الظالمة التى طالت الإخوان 1954 حدثت زوبعة فى بيوت الإخوان وبدأت الضغوط على زوجاتهم ممن لم يكن من الاخوات او لم يكن اهلهن من الإخوان المسلمين وذلك لدفعهن الى الانفصال وطلب الطلاق بحجة طول الاحكام التى صدرت ضدهم والتى وصلت لخمسة عشر عاما وحتى خمسة وعشرين عاما اتذكر ان الاستاذ كمال السنانيري كان من جيراننا فى المنيل وعقب الحكم عليه بالسجن سعى اهل زوجته لتطليقها منه فذهبنا اليهم وكانت معى الاخت امينة الجوهرى زوجة الاستاذ محمود الجوهري وحاولنا اثنائهم عن هذا

64

ولكنهم اصروا على الطلاق فطلقها الرجل مجبورا وكان من فضل الله عليه ان ابدله خيرا منها بعد ذلك حيث زوجه الاستاذ سيد قطب اخته امينة وهو لم يزل بالسجن واستمرا عاقدين الى ان من الله عليه بالخروج من السجن 1974 فتم زفافهما وظلا على وفائهما حتى مات الرجل شهيدا من التعذيب عام 1981

حين بدأت وقائعطلب النساء الطلاق من ازواجهن أرسل لى زوجى محمد هواش وكان قد حكم عيه بالسجن مدة خمسة وخمسين عاما فى ثلاث قضايا اتهم فيها وقال لى لك مطلق الحرية فى البقاء معى او الطلاق تاثرت كثيرا بذلك رغم نبل مقصده ورغبته فى أن يترك لى قرارى وعاتبته على ذلك وقلت له لم أطلب الطلاق قبل الانجاب فكيف أطلبه الان بعد أن انجبت منك طفلين ؟

شعر زوجى بأننى حزنت من كلامه فاعتذر كثيرا وفى الزيارة الثانية احضر لى مصحفا شريفا كتب فى بطن غلافه إهداء رقيقا قال فيه : " إليك يازوجتى إليك ياشريكة الجهاد إليك ي أخت العقيدة إليك يا سكن النفس وأم الولد إليك ياريحانة القلب إليك هذا الكتاب الكريم الذى جمع الله بيننا على شريعته زوجين وضمنا به أخوين وجندنا به صف المؤمنين جنديين إليك أيتها الحبيبة هذا الكتاب العزيز تقديرا وحبا ووفاء من زوجك عسى الله أن يأتيك به وأن يجمعنا فى ظله وتحت رايته وسلام عليك ورحمة الله وبركاته والحمد لله رب العامين 12 من شوار 1383 هجرية "

جمع التبرعات لمواجهة تجويع الإخوان

ومما يستحق الذكر أيضا من وقائع هذه الفترة أنه لما بدأ الصدام بين حكومة الثورة يوليو وجماعة الإخوان ودأت اعتقالات الإخوان ودرت محاكمات واسعة لهم فى عام 1954 واجهت الجماعة ازمة كبيرة تمثلت فى مئات الاسر التى صارت من دون عائل فقد اعتقل الالاف من الإخوان المسلمين وهرب المئات منهم خارج مصر وخلف الجميع أسرا لا عائل لها فأصبحت إعالة هذه الاسر ورعايتها هى اهم اعمال قسم الأخوات المسلمات الذى قام بدور كبير فى هذه المرحلة من عمر الدعوة

65

لقد قسمنا انفسنا فى قسم الأخوات المسلمات وقتها الى مناطق لجمع التبرعات وغيصالها لبيوت الإخوان المعتقلين او الهاربين من السلطات كان لكل منطقة مندوبة لتلقى التبرعات من اهل المنطقة من محبى الإخوان او الميسورين المتعاطفين معهم كما كانت كل مندوبة تعد كذلك كشفا بأسماء المعتقلين وعناوينهم وعدد افرادهم ثم تأتى كل المندوبات بهذه البيانات حيث نبدأ فى تقسيم هذه المعونات وتوزيعها وفق البيانات والاحتياجات وكنت انا المسئولة عن تنظيم هؤلاء المندوبات

ومن افضل الاخوات اللاتى بذلن جهدا فى إعانة الإخوان ورعايتهن الاخت ام صلاح من منطقة مصر القديمة كما كان هناك اخ كريم يعمل طبيبا كان يجمع التبرعات من معارفه واقاربه واصدقائه ويأتى لزيارتنا فى البيت وكأنه يعالج والدى ثم يترك لنا ماتيسر من الاموال والتبرعات اما الاخت أمال العشماوي فلا يمكن ان اوفيها حقها اذا ما تحدثت عن دورها فى رعاية اسر الإخوان فمن خلال علاقاتها الواسعة وصلاتها القوية كانت الاخوات يدخلن بيوت البشوات والميسورين ويحصلن على الدعم والتبرعات خاصة وان الجميع كان يثق فى هذه السيدة الفاضلة وكذلك الاخت عليه بنت الاستاذ المرشد حسن الهضيبي فقد كانت متزوجة من الدكتور على مرعى ابن الشيخ حسنين مخلوف مفتى الديار المصرية وكان لها معارف من علية القوم سواء داخل مصر ام خارجها فكانت تساعدنا فى جمع الاموال والتبرعات لمصلحة فقراء الإخوان ومحتاجيهم

وحين اعتقلتنا السلطات عام 1965 كانت تهمتنا تمويل الإخوان وهو ما يقصدون به الانفاق على أسرهم ورعايتهم وكان معى فى التحقيقات الاختان أمال العشماوي وفاطمة توفيق وأذكر يومها أن اخى سيد قال ساخرا من تهمة تمويل الإخوان كانت مولت نفسها لقد كانت ظروفى المادية غاية السوء فى هذه الاثناء فقد كنت اتقاضى مرتبا اربعة عشر جنيها ونصف الجنيه فظللت اتقاضى هذا المبلغ طيلة ثلاث سنوات تاثرت فيها ماديا إلى أن اكتشفت الادارة التعليمية هذا الخطأ بعد ذلك فأعطونى الفرق فى المرتب وأجريت به وقتها عملية اللوز لابنى احمد وابنتى سمية

67

شهادة على مذبحة ليمان طره

كان زوجى يعالج فى مستشفى طرة حين قام ضباط السجن بالمذبحة المروعة فى حق مساجين الإخوان المسلمين ومن ثم فقد كان شاهدا على هذه الوجشية التى تعامل بها النظام مع الإخوان ورغم مرضه وخطورة الكتابة عن هذه المذبحة فضلا عن عدم وجود اوراق يكتب عليها الا ان محمد هواش اصر على ان يدون كل مارآه او سمعه من انباء المذبحة التى تمت على بعد امتار من سريره

لم يجد محمد هواش من لورق مايسجل عليه شهادته فكان يكتب على الورق الذى تٌلف فيه الجبنة بعدما يجففه فترة ليكون بالإمكان الكتابة عليه فكان يدون على هذا الورق ما يسمعه وما تسمح به الظروف ثم يرسلها لنا عبر شخص يعمل فى مستشفى السجن

وحين كانت تصلنى الاوراق التى دون عليها محمد هواش شهادته كنت مع الاخت حميدة قطب واختى خيرية نعيد كتابتها وتقوم الاخت حميدة قطب واختى خيرية نعيد كتابتها وتقوم الاخت حميدة بتوصيلها لمن يرسلها الى مختلف البلاد العربية مثل الأردن والسعودية وغيرهما حتى يعرف الرأى العام العربى والدولى ما يحدث للإخوان فى سجون جمال عبد الناصر

والطريف اننى كنت احتفظ بتلك الخاطابات فى زهرية فى بيتى وظلت فترة طويلة منسية وعندما خرجت من المعتقل وجتها فلم أعلن عنها خوفا من أن تفتش عنها السلطات خاصة وأنهم سألوا عنها أخى سيد أكثر من مرة وقد احتفظت بها فترة ولكن الاخ اسعد سيد احمد زوج الاخت سيدة كان قد أسس دار الانصار للنشر

68

وطلب الرسائل لإعادة نشرها ولكننى رفضت فى الأول ثم أعطيته جزءا منها نشره ولا أظن أن ما نشره كان كل رسائل الشهيد فهناك جزء منها وقع فى يد المباحث فى بعض المرات التى اقتحمت فيها منزلنا كما أننى أخفيت اثنتين منها مرة ولا أعرف مكانهما إلى اليوم

ويمكن مطالعة نصوص يوميات محمد يوسف هواش او شهادنه على مذبحة ليمان طرة كما عاينها فى نهاية هذا الكتاب

ومما ينبغى الاشارة إليه أن كثيرا من هذه الخطابات كانت تحوى مراسلات من الإخوان فى المعتقل الى ذويهم من الابناء والزوجات وكانت فيها متابعة احوال الاسر ومحاولة حل مشاكل ابنائهم الدراسية والاجتماعية وللحق فإن الاخت سيدة زوجة الاخ اسعد سيد احمد كانت من الاخوات صاحبات الجهد الكبير معنا فى متابعة اخوال اسر الإخوان ورعايتها وحل مشكلاتها وكذلك الاخت فاطمة عيسى والاخت عيدة والاخت فوزية محمد ابراهيم زوجة اخى سيد ابو النور رحمهما الله والاخت هدى محمد ابراهيم والدة الاخ الدكتور احمد الصفتى لقد كُن يتحملن المشاق والتعب من اجل متابعة اسر الإخوان ورعايتها حتى كُن يتحملن المشاق والتعب من أجل متابعة اسر الإخوان ورعايتها ختى كُن يسافرن بين المدن والحافظات المختلفة رسائل معتقل لأهله

ومن أكثر ما وثُق صلتنا أنا وزوجى ووثق صلته بأولاده رغم غيابه فى السجن ما يزيد عن عشر سنوات الرسائل التى لم تنقطع بيننا رغم أسوار السجن ومعاناته لقد كانت الرسائل فرصة لنصل ما قطعته السجون واقامت دونه أسواراباردة وقاسية كما كانت وسيلة يشرح لى فيها الشهيد افكاره وآراءه ويبث فيها مشاعره التى كانت تعبر عن قلب كبير لقد حرص الشهيد يوسف هواش على سُنة الكتابة كلما ساعدته الظروف رغم صعوبة السجن والتضييق عليه داخله وكنت أبادله الرسائل أحيانا ولكنه كان أكثر انتظاما منى واكن قلمه اكثر تدفقا وبلاغة كما يكشف ما تبقى من الرسائل ( مرفق نصوص بعضها فى نهاية هذا الكتاب ) كما كانت بينه وبين ابنتنا

69

سمية وابننا احمد مراسلات تكشف حنانه ومحبته لأبنائه وحرصه على أن بنقل لهم أفكاره مع عواطفه

وفد سعيت للاحتفاظ بهذه الرسائل ما أمكن وفى أماكن مختلفة من بيتى أحيانا فى مزهرية الورود أو بين الكتب او فى بعض الادراج البعيدة عن العيون المتلصصة والايدى التى كثيرا ما كانت تعبث ببيتنا ومما حفظته من الضياع رسالة أرسلها زوجى الشهيد لابنته الطفلة سمية فى يوم ميلادها هذا نصها :

بسم الله الرحمن الرحيم

سمية ابنتى وفلذة كبدى وروح الفؤاد

سلام الله عليك يابنيتى حيث انت الان وحلمنا إذا قدر الله لك أن تكبرى وتقرئى هذه النصيحة الخالصة لوجه الله المهداة لأحب خلقه إلى وأكثرهم معزة عندى أمك المؤمنة الصادقة الحبيبة جاءتنى بليمان طرة بهذا المصحف الشريف ورغبت فى أن أقدمه اليك فى عيد ميلادك كما يقولون وأصار حكم يابنيتى بأنى لا أعترف بهذا العيد ولا أقره لأنى لا أجده ذكرا له فى هذا المصحف ولا فى سنة من أنزل عليه وعلينا

وكل ما ليس فى هذا المصحف ولا فى سنة الذى أنزل عليه ( صلى الله عليه وسلم ) فهو جاهلية هذا عيد الميلاد وذاك عيد الام وعيد الثورة ثم عيد الدستور وشم النسيم كل ذلك وكل امر الناس اليوم جاهلية وما كان لأبيك يا سمية الذى سلم وجهه ودينه وكل أمره لله أن يتورط فى جاهلية قومه إلا أن يشاء ربه شيئا ( وسع ربنا كل شىء علما ) هذا من ناحية

ومن ناحية أخرى فإنى أرجو يا سمية أن تشعرى أنه ليس هناك أمر من أمور هذه الدنيا يستحق أن يحتفل به لذلك ومن هذه الامور وعلى رأسها ميلاد الانسان نفسه فالشأن فيه نوقوف على مابعده والعبرة بما تكون عليه حياة المولود من قُربه من الله تعالى أو بُعده عنه سبحانه ولقد تجلت هذه الحقيقة وشع نورها من القلب الربانى الخالص قلب الخليفة الراشد الهادى والمهدى ترجمان القرآن ولسان الصادقين سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه يوم وقف ممسكا بلحيته الشريفة وهو يرتعد من الله فرقا ويمتقع وجهه الكريم خوفا فيقول ليت عمر لم تلده امه

70

أدرك عمر الحبيب أن ميلاده بداية تنتهى به الى يوم الحسابر يوم يسأل فيه الصادقون عن حقيقة صدقهم ( ليسئل الصادقين عن صدقهم ) والصادقون فى أعلى مراتب البشر كيف بغيرهم ؟ هذا هو عمر بإيمانه ومعرفته ولكن الناس اليوم يختلفون بالحياة أى حياة وصدق الله العظيم ( •  ••                          على أنى مع هذا لا أجد مانعا من أن أقدم إليك هذا المصحف فى مناسبة خليقة بالاحتفال والتعظيم ذلك خو شهر رمضان المعظم الذى أنزل فيه هذا الكتاب وهنا ممتلىء النفس ومفعم القلب ومستجمع العبارة ولا أجد ما أقوله إلا وصية أبى وأبيك ابراهيم وقد حكاها الله تعالى فى قوله (       •           والاسلام ياسميتى الحبيبة إسلام النفس والوجه والامر كله أمرالدنيا والاخرة لله رب العالمين وهذا الحق مجبول ومقطور عليه الانسان من اول الخلق بل فى فطرة الوجود كله سمائه وارضه وما بينهما كل شىء شاء الله بعد وفى هذا الكتاب الكريم يابنيتى تفصيل هذا الحق وتفصيل كل شىء فدونك ياسمية ووصية ابينا ابراهيم الأواء الحكيم وسنة نبينا المصطفى الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه واذكرى أباك وأمك ياسمية بالدعاء الصالح والسلام عليك يا ابنتى ورحمته وبركاته

ليمان طره فى السادس والعشرين من رمضان سنة 1376 هجرية

أبوك

كما كانت سمية ترد على رسائل ابيها رغم صغر سنها وكانت هذه الردود مما يدخل الفرحة عليه فى سجنه وقد احتفظت ببعضها بعدما اخذتها منه خشية ان تضيع او تصادر فى سجنه ومما احتفظت به رسالة اليه من سمية هذا نصها

بسم الله الرحمن الرحيم

ابى العزيز

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابى إنى اكتب لك هذا الخطاب بعد ان صليت العشاء ابى إن الله اعطانى

71

نعمة عزيزة على جدا أحسن من أى شىء فى الدنيا دى كلها هى الصلاة وطاعة امى إنى أحب أن أقول لك إنى عندما أقابل الله خمس مرات أدعو وأنا ساجدة أن يا أبى يُفرج عليك الله وتيجى معانا البيت ونعيش فى سرور وأحب أن أقول لك إن أمى عملت طرحة جميلة للصلاة وطويلة والجميع يسلمون عليك

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

5 جمادى الاولى 1383

23 سبتمبر 1963

ابنتك

سمية محمد

بسم الله الرحمن الرحيم

والدى العزيز محمد يوسف هواش

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد وصلتنا خطابات كثيرة وجميلة وكانت منك ومن أبلة حميدة التركى ومن عمى سيد

عمى سيد لما أخبرنا بنجاحه كان عمى زوروا امتحانه بمدة

لقد وصل يا والدى خطاب سيف له وأعجب به وشكره أنا بصحة حيدة ومبسوط ونكون سعداء لما تكون معنا وأنت وحشتنى

ياترى الهدية إيه أنا فى شوق كبير لرؤياها وانا محضر مفاجأة سارة لك

ياترى من معك من الإخوان المحبين الذين يعرفونى بلغهم سلامى يابابا لما انتهى من خطابك سأكمل درسا فى كتاب القرآن الكريم والموضوع لا إله إلا الله

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابنك احمد جهاد محمد يوسف هواش

12 / 7 / 1964

عفو طبى ولكن إلى أجل

فى عام 1964 خرج زوجى محمد يوسف هواش من السجن بعفو طبى كان هو والاستاذ سيد قطب معا فى عنبر واحد بمصحة سجن طرة وكان مفترضا أن يخرجا معا لكنهم فرقوا بينهما فى الإفراج فأفرجوا عن سيد قطب قبله بشهر ليصنعوا فرقة بينهم بعدما رأوا قوة أخوتهما وتقاربهما فكريا ونفسيا ورغم فرحتى بالافراج إلا أننى كنت قلقة وقلت للاستاذ سيد قطب ثم لزوجى لما خرج ان الافراج عنهما يبدو غريبا وغنهم ربما يدبرون لهما مصيبة جديدة ونصحت وقتها بالا ينشط فى أى عمل لحين ما تتضح الصورة لكن مضت الاقدار كما هى مقدرة

ورغم قلقى فقد كانت فرصة جميلة لأن يجتمع شمل العائلة لأول مرة كان زوجى قد ترك ابنتنا سمية بعد ولادتها مباشرة ولم ير ابننا احمد الذى ولد وأبوه سجينا وكان زوجى قد أثرت فيه سنوات السجن فبدا متعبا ولكن كانت لديه رغبة عارمة فى ان يعوضناهما عانيناه اثناء سجنه كان يتدفق محبة ويقبض علينا حنانا كان دائم الاعتذار لى عما قاسيته بسببه وعن طريقته القاسية فى التعامل معى فى اول زواجنا

وفى عام 1965 ذهبنا الى بلده لزيارة اهله والاطمئنان عليهم ولكى يعرف ابناؤنا بلد ابيهم ولم يمض يوم واحد حتى كانت قوات الامن تقتحم علينا بيت اهله فى صبيحة اليوم الثانى لزيارتنا واخذوه مرة اخرى الى المعتقل ولم يمض على خروجه إلا شهور معدودة بعد عشر سنوات قضاها ظلما فى السجون وعند خروجه مع البوليس سألنى عن مصحف يحمله معه ولم يكن لدى إلا مصحف كنت قد أهديته لابننا احمد عام 1955 حين كان عمره سبعة اشهر وكنت قد كتبت فيه إهداء لابننا احمد قلت فيه

" الى ابنى الحبيب احمد اتقدم اليك بمن لا يخلق بمصحف فى وقت أنت فيه فى سن سبعة اشهر لا تفقه من هذه الدنيا الدنية شيئا وعند كبرك ياولدى يا احمد خذ هذا الدستور موعظة واسلك منه سبيلا فهو الذى ينير لك الطريق الشائك ويهديك سبيل الرشاد ولكن لا حظ انك إذا تمسكت بهذا الكتاب فكن محتملا لما ستلاقيه من اهل الباطل الذين يكونون دائما للحق بالمرصاد وإن والدك موجود الان فى سجن طرة فى مصحتها كل ذلك فى سبيل دعوة الحق وقد حكم عليه بخمسة وخمسين عاما اشغال شاقة فى ثلاث قضايا خلاصة الكلام لا تنس ان تتمسك بالحق اينما كنت ولا بد لذلك من احتمال الاذى فى سبيل نصرة الحق جعلك الله ذخرا للاسلام والمسلمين ياابنى الحبيت والدتك فاطمة عبد الهادي "

73

العجب انه لما طلب هذا المصحف وشعر بخوفى من ضياعه لما يحمله من قيمة ولما فيه من اهداء لابننا احمد مر عليه عشر سنوات قال لى لا تخافى إن شاء الله سيعود لك مرة أخرى مهما كانت الظروف

كان ذلك يوم 20 من فبراير 1965 حيث ذهب مع المباحث الذين اقتادوه مباشرة للسجن ومضى الزمان سريعا فحوكم زوجى وأعدم ومرت السنون وتزوجت ابنتى سمية من الاخ أحمد عبد المجيد الذى كان رفيقا لوالدها فى السجن وكان حكم عليه بالاعدام ولكن أوقف تنفيذ الحكم وقدر الله لهما أن يسافرا للعمل بالسعودية وان الحقبهما لاداء العمرة وابقى معهما فى مكة المكرمة ثم أفاجأ ذات يوم بالمصحف على منضدة بالبيت نظرت إليه فوجته المصحف نفسه الذى أخذه زوجى معه الى السجن وعليه الإهداء والتوقيع فتعجبت وسألت الاخ أحمد عبد المجيد زوج ابنتى من اين لك هذا المصحف ؟ فأخبرنى بقصة عجيبة لهذا المصحف حيث فى مدينة الرياض يصلى فى السجد الكبير بها فجاء اليه واعطاه المصحف وقال له إن الشهيبد محمد يوسف هواش حين اخذ لينفذ فيه الاعدام اودع هذا المصحف امانة لدى أحد الاخوة فلما خرج هذا الاخ من السجن ترك البلد وهاجر الى سويسرا وأعطاء أمانة لأخ يهيش فى المانيا ونقله الاخير لثالث كان فى رحلة لاوروبا وكان فى طريق غودته الى السعودية ولما علم هذا الاخ بوجود الاخ احمد عقبد المجيد وصلة نسبه بنا ذهب اليه فى المسجد ورد اليه الامانة التى وصلت الينا بعد عشرين سنة تقريبا

75

الأخوات المسلمات فى السجن خمسون اختا وراء القضبان

اعتقلوا زوجى من قريته وفرقوا بيننا ثانية ولم يمضى على احتماع شمل بيتنا إلا عدة اشهر بعد عشر سنوات قضاها فى المعتقل غادرنا قرية قرية اهل زوجى ورجعنا الى بيتنا فوجدت ازمة اخرى با نتظارنا حيث سحب ضباط الجوازات جواز سفر اختى خيرية وابنائها وزودها الاخ عبد اللطيف مكي وقادوه الى السجن لم يكن باستطاعتى ان اذهب معها لضباط الجوازات فطلبت من والدتى ان تبقى بدلا منى

ولاختى خيرية قصة ظويلة هى وزوجها واسرتها مع ظلم النظام وبطشه وتعنته فقد سافر زوجها فى الخمسينيات للعمل مع الاخ سعيد رمضان فى اصدار مجلة " المسلمون " وكانت تصدر فى سوريا مع بدء مطاردة جمال عبد الناصر للإخوان ونتيجة لذلك صدر حكم غيابى عليه وهو فى سوريا بالسجن خمس سنوات واسقطوا عنه الجنسية فى اليوم نفسه الذى اسقطوا فيه الجنسية عن الملك فاروق

ثم استطعنا عبر وساطة من زكريا محيى الدين ان تسافر خيرية واولادها الى زوجها الذى كان قد انتقل للعمل فى قطر مع الشيخ يوسف القرضاوى واستقرت اموره هناك ولكنهم اشترطوا عليها ان يكون السفر بلا عودة

وفى عام 1961 توفى والدى رحمه الله ورفضت السلطات دخول اختى خيرية وزوجها الشيخ عبد اللطيف مكي للبلاد وكانت فى شوق للقاء الوالدة فسافرت لهم والتقت بهم فى لبنان

وفى زيارة لأنور السادات الى قطر البقاه الشيخ عبد اللطيف مكي وقدم له التماسا

76

لإعادة الجنسية فوافق السادات واعيدت له الجنسية وسمح لهم بالنزول الى مصر عام 1965 فاعتقلوا زوجها وسحبوا من الاسرة كلها جوازات السفر وقد بقى الشيخ عبد اللطيف مكي فى السجن لمدة سنة حيث نفذت الاحكام فى حق الشهداء عام 1966

وذات يوم وبعد الثانية من منتصف الليل طرق على الباب مجموعة من المخبرين كان معهم أحد الضباط ولم يكن هناك سوى اولادى الصغار وكنا وحدنا فى البيت قالوا لى : نريدك فى كلمتين فقط فقلت لهم بسخرية زوجى من أجل كلمتين قضى عشر سنوات وقلت لهم إذا ذهبت فأين أترك ابنائى ؟ فقال لى الضابط خليهم معك فرفضت وطلبت أن اذهب بهم الى امى فى المنيل أعددت نفسى لأمر لا أعرفه وأثناء استعدادى للخروج دخلت الى المطبخ لأطفىء الموقد الذى كان مشتعلا لإنضاج طعام كنت اعده فإذا بالضابط يصاب بالفزع ويظن أنى سأتى بسكين

ذهبت بالأولاد إلى اختى وكانت اختى تقيم معها وقلت لأمى اذهبى بالأولاد أنت واختى الى شقتى واتركوا هذه الشقة المفروشة لاننا لن نخرج فى الوقت الحالى وكنت اصرخ عاليا انصر الحق واهزم الباطل يارب وانتابتنى رعشة شديدة اخذت بكل اوصال جسمى وكان اخى سيد ابو النور قد وصل لتوه وهم يأخذونى معهم فقال لى ما هذا يافاطمة ؟ أين الصبر وأين الايمان وأين العزيمة ماذا تفعلين ؟ فلما رأوه يتكلم هكذا اعتقلوه هو ايضا معى ذهبوا بنا الى سجن مصر القديمة ووضعونى فى حجرة لا تزيد عن حجم سرير صغير تزدحم بها ثمانى سيدات من الأخوات المسلمات اتذكر منهن الاستاذة عيمة زوجة المرشد وابنته خالدة الهضيبي والاخت ام صلاح من مصر القديمة كان من المفترض أن ينقلونا الى سجن النساء فى القناطر ولكن قبل أن تأتى العربات ازدادت الرعشة التى أخذت أوصالى وأصبت بنزيف فأخذتنى الاستاذة نعيمة ( أو أبلة نعيمة كما كنا نناديها ) بيم رجليها إذ لم يكن هناك مكان يتسع لى وقالت سأقرأ عليك آية من اخر سورة آل عمران حتى يهدأ جسدك وأخذت نقرأ قول الله تعالى :

77

(    •• • ••                     •                     وفى المساء أتوا بسيارة ترحيلات كبيرة كبيرة نقلتنا إلى سجن النساء فى القتاطر وكانت رحلة غاية فى الصعوبة والمشقة ومن أكثر ما أثار الأسى فيها امرأة عجوز كانت معنا ولم تكن تسطيع الوقوف فضلا عن الصعود السيارة فحملوها حملا ولما رآها الضابط الوقح قال لها أمال ( إذن) كيف كنت تحملين المفرقعات ؟

اعتقال الامهات والزوجات والبنات

حين وصلنا الى سجن النساء وجدنا أن المباحث قامت باعتقال عشرات الاخوات من معظم انحاء البلاد تقريبا بل واعتقلت امهات أو شقيقات بعض الإخوان ولم يكن لهن اى صلة بالجماعة هذا غير بعض الاخوات اللاتى تم اتهامهن رسميا فى القضية التى عرفت بتنظيم 1965 مثل الاخت زينب الغزالي والاختين امينة وحميدة شقيقتى الاستاذ سيد قطب ابرز المتهمين بتهمة محاولة قلب نظام الحكم

كان معنا فى سجن القناطر كل نساء عائلة المرشد الاستاذ حسن الهضيبي تقريبا كانت معه زوجته أبلة نعيمة خطاب وكان عمرها نحو سبعين عاما وقد مكثت فى سجن القناطر حوالى ستة اشهر ثم رحلت الى السجن الحربى وتم التحقيق معها ولم يرحموا سنها ولا صحتها وعاشت معنا فى معتق سجن النساء بالقناطر فترا عصيبة

كما اعتقلت معنا أخت فضيلته السيدة بهية اسماعيل الهضيبى وكانت قد جاوزت السبعين عاما هى الاخرى وكنا وكل الإخوان نناديها باسم عمتى بهية احتراما لها ولم يكن لها نشاط يذكر مع الأخوات المسلمات ولكنهم اعتقلوها نكاية فى شقيقها لقد قبضوا عليها وهى تساعد زوجها فى زراعة الارض بقريتها عرب جهينة بمحافظة القليوبية

78

كما اعتقلوا ابنته الاخت هالدة الهضيبى وكان عمرها اربعين وهى زودة الاخ المهندس احمد ثابت ووالده صفوان ثابت رجل الاعمال المعروف الان كما اعتقلوا ابنته الثانية علية الهضيبى التى كانت مازالت عروسا وكان اعتقالها بسبب صدلقتها بالاخت غادة عمار زوجة الطيار يخيى حسين وقد أدخلتا شمن القضية وسجنتا معا فى السجن الحربى

لقداهتقلوا نساء بيت الاستاذ الهضيبى بتهمة انهن كن ينشطن فى رعاية عائلات الإخوانية

وفى المعتقل كانت معنا كل الاخوات المسئولات عن العمل النسائى فى الجماعة تقريبا لقد اعتقلوا معنا الاخت أمال العشماوي بنت العشماوى باشا وزوجة الاخ منير الدلة وكان لها نشاط بارز فى إعالة الاسر الفقيرة والمحتاجة من الإخوان والاخت أمينة زوجة الاخ محمود الجوهري مسئول الأخوات المسلمات وقد أخذوها من معتقل سجن النساء فى القناطر الى السجن الحربى للتحقيق معها ثم أعيدت لنا

كان من بين المعتقلات الاخت ام معاذ زوجة الاخ عباس السيسى من الإسكندرية وزوجة الاستاذ سيد نزيلى من كرداسة بالجيزة ولم يكن مضى على عرسها إلا يزم واحد وسمى زوجها بعريس كرداسة والاخت حرم الدكتور مرسى مصطفى من امبابة بالجيزة والاخت ام احمد فاطمة عبيد من القاهرة وزوجة الاخ يوسف القرش من المنصرة وزوجة الشهيد محمد عواد من الشرقية وزوجة الشهيد محمد عواد من الشرقية وزوجة الاستاذ أحمد عادل كمال من القاهرة وبنات الشيخ محمد عبد المقصود العزبى من المنصورة وكانت من مهازل النظام المجرم اعتقاله لسيدات فوق الستين وفوق السبعين من العمر مثل والدة الاخ احمد عيد من مصر الجديدة وقد كان عمرها فوق السبعين ولم يكن لها اى ذنب الا ان ابنها كان قد قضى عشر سنوات فى السجن ثم اعيد اعتقاله مرة اخرى

79

وكذلك السيدة عالية السيد حسن والدة الاخ جوه شعبان كان قد قضى عشر سنوات فى السجن وكانت قد جاوزت الخامسة والستين وليس لها علاقة بالإخوان وقد اعتقلوها لانها اعترضت على اعتقال زوجة ابنها الاخت زينب السيد حسنين سلام التى كان لديها اربعة اطغال اصغرهم طفل رضيع لم يتجاوز الاربعين يوما ومازالت فى فترة النفاس فما كان من الضباط الا اعتقلوها مع زوجة ابنها ورضيعها واخذهم من بيتهم فى منتصف الليل

ومن السيدات كبيرات السن اللائى اعتقلن معنا السيدة والدة الاخ محمد عبد الرؤف كامل اثتاء زيارتها لابنها حاملة امتعة له ولباقى المعتقلين الذين لا عائل لهم ووالدة الاخ اللواء كمال عبد الرازق واخت اسمها ام وجدى ربما كانت من اخوات الإسكندرية

اعتقلوا ايضا الاخت سنية الوشاحى من طنطا ووالدة الاخ الطبيب عبد الفتاح شوقى وكان لها ابن اسمه سعد شوقى مات شهيدا فى مذبحة طره عام 1957 والاخت ام عنانى والدة الاخ عنانى من اخوان بين السرايات فى الجيزة والاخت رئيفة شاكر شقيقة الاخ صلاح شادي والاخت فاطمة توفيق وكثير من الاخوات اللاتى اعتقلن معنا كن شابات مثل زوجة الاخ الطوخى وزجة الاخ سعد الجزار من منطقة طره والمعادى والاخت تحية زوجة طه ابو ليل من منطقة حلوان وزودة الاخ على معروف من منطقة العباسية وقد تركت ستة من الابناء وحدهم دون أهل ولا عائل مدة ستى أشهر وزوجة الاخ على محمد البحيرى وقد اعتقلوها ومعها وليدها الذى لم يتجاوز اربعين يوما وزوجة الاخ سعد عفيفى من طرة ووالدة الاخوين ماجد زطاهر سالم وكانت ناظرة مدرسة فى مرطز السنطة بمحافظة الغربية زكان ابنها ماجد 19 سنة اصغر معتقل

وكانت معنا الاخت قدريه شرف زوجة الاخ رشاد عبد العزيز الذى كان مسئولا عن قسم الاخوات بالإسكندرية والاخت مفيدة البكرى مسئولة الاخوات فى حى بين السرايات واخت اسمها صفية شقيقة احد الاخوة المعتقلين وكان اسمه عبد المنعم

80

والاخت اسماءمحمود زوجة الاخ محمود نفيس والاخت انعام شاكر زوجة الاخ على البدرى والتى اعتقلت وهى حامل ووضعت بعد شهرين من الاعتقال ولدها احمد وهى فى السجن

وقد بلغت بهم القسوة انهم فى مستشفى السجن لم يهتموا بها ولم يصرفوا لها اى دواء الا اربعة اقراض اسبرين فما كان منها الا ان القت بها فى وجوههم قائلة " يلعن أبو دواكم " فقاموا بحملة تاديب لها ولجميع المعتقلات ثم اعيدت الى العنبر وليس معها ملابس لوليدها ولا طعام ولم تتلق اية رعاية اربغة اشهر قضتها فى السجن بعد الولادة خاصة الفترة التى قضتها بعد الولادة

لم يتوقف الاعتقال على دوجات الإخوان وامهاتهم وشقيقاتهم بل ذهبت الوحشية مداها باعتقال الفتيات الصغيرات فاعتقلوا معنا الاخت نجاة عوض شقيقة الاخ محمد فريد عوض الذى أمضى 15 عاما ولم يداهن الحكومة وسنتين بعدها ثم افرج عنه سنة 1971 والاخت زينب الكاشف وهى من اخوات الإسكندرية والتى كان لها دزر بارز فى جمع التبرعات لأسر الإخوان المحتاجين وقد قضت معنا عدة شهور ثم خرجت م المعتقل اوائل 1966 وهى التى تزوجت فيما بعد بالاخ سعد سرور الشاعر والزجال المعروف بين الإخوان وكانت معنا من بين المعتقلات فتاة صغيرة اسمها الاخت سميرة وكانت قد حاولت ان تلحق بأخيها الذى اعتقلوه لتعطيه الطعام فتبعته الى القطار فقبضوا عليها واعتقلوها معه فى القطار نفسه وقد قضت معنا فى معتقل سجن النساء بالقناطرستة اشهر كاملة

وكان من اقسى ما تعرضنا له ما رايناه من وفاة الاخت امتثال احدى الاخوات من أسيوط والتى قبضوا عليها وهى خامل بتوأمين فى شهرها التاسع واخذوا ينقلونها من قسم الى قسم الى اخر ثم اخذوها فى سيارات الترحيلات الى سجن النساء بالقناطر فجاءها مخاض الولادة واشتد عليها النزيف فى دورة مياه عنبر السجن وسقطت مغشيا عليها فنزل التوأمان ولم تنزل المشيمة وتأخرت سارة الاسعاف ففارقت الحياة قبل ان تصل للمستشفى كما مات توأمها وداخل السجن وضعت زوجة الاخ الطوخى وسالنى ماذا اسمى ابنى فقلت لها

81

" احمد جهاد " وما إن سمع الضابط بالاسم حتى سبها سبا مقذعا وهددا بالا يحضر لها مياها ساخنة وأن يعيدها الى السجن مرة أخرى بدلا من المستشفى أما ما يدمى القلب فكانت تلك الاخت التى كان لديها أربعة أطفال أصغرهم طفل رضيع كانت قد جاءت بخدعة من ضباط البوليس بعد أن أوهمها أحدهم بأن زوجها الذى اعتقلوه فى انتظارها بسيارة البوليس فنزلت معهم وأغلقت الباب على اطفالها انتظارا لأن تعود إليهم لكنهافوجئت بأنهم أخذوها قسرا ودون أن يسمحوا لها برؤية أطفالها أو إحضار من يجلس معهم بل ورفضوا أن تصطحب معها رضيعها

لقد كانت فى حال يرثى لها من كثرة الصراخ والهلع على اطفالها خاصة الرضيع وكنا نحاول أن نواسيها وندخل عليها الهجوء والسكينة وأذكر أن الأخت زوجة الظوخى كان قد جف منها لبن الرضاعة بسبب ما لاقته فى مستشفى السجن أثناء الولادة فطلبت الاستاذه نعيمة من الاخت التى فارقت رضيعها بأن تتولى إرضاع الرضيع احمد الطوخى ( عادل ) وكان هذا من صور التكافل والتعاون بين الاخوات فى محنتهن

الأخوات المسلمات فى السجون

كنا نعيش فى السجن فى ظروف أقل ما يقال عنها إنها غير إنسانية ولا يطيقها البشر كنا نلقى معاملة سيئة وتتلقى الشتائم والسباب النابى باستمرار كان الطعام عبارة عن جردلين من الفول السيىء يعلوها قشر بصل ومعهما الخبز الناشف كانوا يعطوننا " قروانة " لنأكل فيها جون مملاعق فكانت الاخت أمال العشماوي تقول لنا : اصنعن " فتة " من مياه الفول وقشرن فوقها حبات الفول ثم كُلن منها وأتذكر أنه كانت معنا أم لأحد الإخوان من الإسكندرية وكانت كبيرة فى السن وقد اعتقلوها دون أن تأخذ ظقم أسنانها فكانت لا تستطيع مضغ الطعام الناشف ومما أذكره من ايام المعتقل أنه كانت بيننا أخوات متعلمات وأخوات لا يجدن قراءة الفاتحة فقررنا أن نستغل فترة الاعتقال على ما فيها من معاناة لتعليم هؤلاء الاخوات ولما كانت إدارة السجن قد صادرت منا المصاحف وأى كتاب تقع عليه العينغفد قامت الاخت فاطمى توفيق بتعليم هؤلاء الاخوات القارءة والكتابة على الحائط اما نحن المتعلمات فكنا نقومبتلاوة سورة يس كل يوم بعد صلاة العصر حتى نصل عند قوله تعالى (                           فنقف وندعو اللهم فرج عن الإخوان اللهم فرج عن الاخوات يارب انصر الاسلام واهله واهلك اعداء الاسلام ثن نكمل الاية (          وكانت الاخت فاطمة توفيق هى من تؤمنا فى الصلاة فقد كانت خريجة كلية اللغة العربية وتجيد قراءة القرآن الكريم وكان القرآن هو زادنا وسلوانا فى هذا السجن وذات مرة دخل علينا الضباط ونحن نقرأ وندعو وكان عددنا نحو خمسين من الاخوات فكالوا لنا السباب وقالوا هل تدعين علينا ؟ فقالت لهم الاستاذة نعيمة خطاب زوجة مرشدنا الاستاذ الهضيبى نحن ندعو على الظالمين

بعدها بفترة بسيطة سمحوا لنا بدخول المصاحف فأحضروا لنا ثلاثة مصاحف غير المصاحف التى كانت معنا كما سمحوا لنا بإرسال خطابات إلى أهلنا ليرسلوا لنا بالنقود ولكنهم لم يكونوا يعطوننا النقود بل يعطوننا كوبونات نشترى بها كانتين السجن

وكانت السجانة المسئولة عنا اسمها اصلاح وبعد ان تعرفت علينا وبدأت تُحسن معاملتنا لمارأته من سلوك الاخوات وأخلاقهن كانت تتعجب وتقول إنهم أعطوها دروسا لمدة شهرين لتستطيع التعامل معنا إذ أخبرونا أننا همد ومتوحشات نقوم بحمل النتفجرات والاسلحة والقنابل وإن عليها أن تحدر منا ولكن بعد أن عرفت الحقيقة تبدل الحال حتى إن الاستاذة نعيمة أرسلتها ذات مرة لتطمئن لها على الاخت عليه الهضيبى لانها كانت حاملا اثناء وجوده فى السجن لحربى كنا فى سجن النساء بالقناطر معزولات تماما عن بقية السجن فكنا جميعا عن المسجونات السياسات ولم يكن معنا سجينات جنائيات وكانوا حريصين تماما على عدم اتصالنا بأحد فى السجن غير السجانات حتى إنهم قاموا بسد الفتحات التى يدخل منها الضوء لدرجة أننى عندما خرجت الى المستشفى قصر العينى للعلاج من

83

النزيف وضعونى فى سيارة تتبعها الدراجات البخارية وكأننى شخصية مهمة ولأننى كنت قد عزلت عن الحياة فترة طويلة لا أرى فيها النور فقد أصابتنى الدوخة وكدت أقع بسبب عدم سيطرتى على نفسى ولما رأيت غرابا يطير فى السماء فرحت كثيرا إذ لم اكن ارى منظر السماء مطلقا فى السجن الى قصر العينى بصعوبة وقبل الموت نزفا

كنت قد اصبت بنزيف دموى بمجرد دخولى المعتقل وكانت تعالجنى طبيبة نصرانية متعصبة اسمها إيفا وذات يوم جاءت لتقوم بالكشف الطبى فرأتنى أصلى فما كان منها إلا أن أبدت استهجانها وقررت ألا تعالجنى وتركتنى وذهبت دون علاج وقد أدى ذلك الى تجلط دم النزيف ولما رات الاخت أمال العشماوي ذلك صرخت وقالت لابد من فعل شىء فتجمعت هى والاخت خالدة الهضيبي ومعها عدد من الاخوات يطرقن على الباب بشدة حتى جاء الضابط فأخبرته الاخت أمال العشماوي با متناع الطبيبة " إيفا " عن علاجى وذلك لانها راتنى أصلى وحذرته من أننى سأموت من كثرة النزيف قسألها هل هى زوجة هواش ؟ قالت نعم فجاء لى بطبيب آخر وقد كان هذا الضابط على معرفة بعم زوجى الذى كان مفتشا بمصلحة السجون ولكان الطبيب سيىء الخلق لم يدخل لعلاجى واتهمنى دون ان يرانى بشىء وقح فما كان منى الا ان رفضت علاجه وطلبت نقلى لقصر العينى وقوبل هذا الطلب بالرفض

كنت استغرب رفضهم خروج امرأة ضعيفة ومريضة توشك على الموت للعلاج ولكننى بعد خروجى علمت من زوجى محمد يوسف هواش ان سبب هذا الرفض هو انهم ارادوا إقحام اسمى فى القضية وكانوايعذبونهىليقول اى معلومة عنى يمكن ان تكون مبررا لإدخالى فى القضية ونقلى للسجن الحربى استمر رغض نقلى للعلاج بمستشفى قصر العينى فترة ساءت فيها حالتى وتدهورت مع استمرار النزيف ثم مع الخوف من ان يؤدى الامر الى وفاتى سمحوا بنقلى الى المستشفى للعلاج ولكنهم اشترطوا ألا أرى أولادى وهناك تلقبت العلاج وأجريت

84

لى جراحة عاجلة لا ستئصال الرحم ومكثت على سريرى ممنوعة من الحركة رغم حاجتى الطبية لذلك إلى ان تدخل الطبيب وطلب من العسكرى المكلف بحراستى السماح لى بأن أمشى فليلا فى الحجرة ليزيد ذلك من سرعة شفائى ولكن بمجرد محاولتى السير أغشى علىّ ويبدو أن الجندى نفسه الذى حاول إغاثتى سقط مغشيا عليه هو الآخر إذ ما إن بدأت فى الافاقة حتى رأيته ممدا وهم يحاولون إسعافه ومما أذكره أثناء سيرى والقيود الحديدية فى يدى وحولى جنود الحراس فى ردهات مستشفى قصر العينى ان سيد كانت تشتغل عاملة عندى فى المدرسة ما إن راتنى فى حالتى هذه حتى اقبلت على صائحة ياحببتى يافاطمه يابنتى ياست فاطمه اسم الله عليك واخذت تبكى فما كان من جندى الحراسة الا ان نهرها وامرها ان تذهب بعيد

واثناء علاجى فى مستشفى قصر العينى صدر قرار الافراج عنى فى شهر فبراير ولكننى لم استطع الخروج من المستشفى لان العملية الجراحية كانت ملوثة وكان من الخطر خروجى فبقيت حتى اخر مارس وكان من قدر الله ان اخرج فى هذا التوقيت لأتمكن من حضور الجلسة الاخيرة فى محاكمات الإخوان التى كانت قد بدأت وأوشكت أن تنتهى ونحن فى المعتقل

مأساة عائلة كل رجالها معتقلون

لم تكن عائلتى أقل سوءا من حالتنا وأنا فى السجن فلقد اعتقلونى وزوجى فتركت ورائى طفلين صغيرين ( سمية واحمد جهاد ) برعاية أمى وأخوتى لكن الامور أخذت تسير إلى الاسوأ فقد اعتقلوا كل رجال العائلة ولم يعد خارج السجن رجل واحد يمكن أن نعتمد عليه اسررنا فبعد اعتقال زوجى محمد يوسف هواش اعتقلونى واخى سيد ابو النور وكذلك الاخ عبد اللطيف مكي زوج اختى خيرية والاخ محمود الشيخ زوج اختى ثريا والاخ مفيد ابراهيم وكان حكم عليه بالسجن خمس سنوات ثم اعتقلوا الاخ فؤاد الصفطى زوج الاخت هدى ابراهيم التى هى شقيقة الاخ مفيد وشقيقة زودة اخى ( الاخت فوزية ابراهيم ) وهكذا لم يعد فى بيوت عائلتنا رجل واحد يمكن أن يتحمل المسئولية ويتابع شئون النساء والاطفال

85

ثم تفاقمت الامور بوفاة امى ونحن بالمعتق لتترك بناتها واحفادها فى حزن مقيم ولما يكن هناك رجل واحد من العائلة خارج السجن فقد قام الجيران بواجب الدفن والعزاء ومواساة نساء العائلة التى كان كل رجالها فى السجن وحرصا على حالتى النفسية فقد تكتمت اخواتى خبر وفاة امى عنى حتى خرجت من السجن وكان من معاناة هذه الفترة انهم قطعوا عنى مرتبى بمجرد اعتقالى وكذلك مرتب اخى سيد ابو النور لتعانى العائلة ضيقا لا حدود له حتى كادت تطرد من السكن لعجزها عن دفع الايجار وظل ذلك حتى فرد الله عنها واعادوا صرف نصف رواتبنا انا واخى لتعيش العائلة منه ولم تكن المعاناة النفسية خصوصا للاطفال باقل من المعاناة المادية فقد كانت سمية ابنتى واخوا احمد يعيشان حالة نفسية صعبة فكان زملاؤهم الاطفال فى المدرسة يوجهون لهما الاهانات بسبب ما كانت تنشرع الصحف ويبثه التلفيزيون من ان اباهما كان يسعى لاغتيال جمال عبد الناصر وكانت سمية الاكبر سنا علىقدر المسئولية وتحملت واخوها مرارة الفراق وسجن الام والاب كما تولت اخواتى وبخاصة خيرية امرهما وحاولت اخراجهما من الجو النفسى الخانق وبث روح الثقة واليقين فيهما

87

وقائع محاكمات تنظييم 1965 واعدام سيد قطب

كان محمد هواش كريما الى اقصى حد وكان معتدا بنفسه وبأهله كثير التعلق بهم اذكر ان احد اعمامه زارنا ذات مرة وقد جاء حاملا معه من الخير الكثير ( زبد وجبن وطيور ... ) على عادة كرام اهل الريف فى الزيارة حيث يحضرون اجود ما لديهم ولم اكن قد اعددت من الغداء ما يليق به فغضب محمد منى كثيرا واعتبرها اهانة ألا نكرم عمه ونحسن استقباله وقد تكلف مشقة الطريق وكان يحترم اهله ويقدرهم كثيرا

والحق ان عائلته كانت من العائلات الكريمة لها عزبة فى كفر الدوار تعرف ( عزبة هواش ) ولم يقصروا يوما فى حقنا سواء فى حياة ابنهم او بعد استشهاده فقد اوصى الحاج يوسف هواش قبل وفاته ( توفى سنة 1987 ) لى ولأولادى سمية واحمد بثلاثة افدنة ثم زادوها الى خمسة افدنة يرسلون إلينا بإيجارها سنويا وقد حذرت احمد من بيع ارضه حتى يكون وسط اهله ومرتبطا بهم ولم تنقطع عنا زيارتهم ابدا ومازال اخوه احمد يرسل الينا بالفواكه والارز والفول والغلال ما يكفينا العام ويفيض

لقد كان محمد هواش رجلا ربانيا صاحب ايمان راسخ وكانت لديه قدرة على التأمل والتفكير فى ملكوت الله كان يقول لى أثناء سجنه يجلس فى زنزانته ويتأمل صوت العصافير ويفكر كيف تذكُر الله وتناجيه وكثيرا ما كنت استيقظ فى جوف الليل فأراه يصلى ويبكى بتأثر وخشوع وكانت هذه عادته منذ اول يوم زواجنا الى يوم اعتقاله وكنت احيانا اغضب منه واشكوه لأخى سيد وكان مقربا اليه فيقول لى اخى

88

إن مجمد يُحلق فى السماء بأخلاقه وسمو فكره وأنت فى الارض فهو مع الملائكة وأنت تعيشين مع البشر وقد كان أخى سيد شديد الحب له وقد كان رحمه الله شفافا له روح نورانيه وكان رقيق القلب ذا طاقة ايمانية متدفقة وكان كثير التدبر والتفكر ويروى بعض من سُجنوا معه أن أقرب فصول السنة إليه كان الخريف لأن تساقط اوراق الشجر فيه كان يذكره بنهاية الاجل

وكان من شفافية قلبه انه كان كثير الرؤى ويروى عنه رفيقه فى السجن ثم زوج ابنته الاستاذ أحمد عبد المجيد انه اخبره انه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم عدة مرات وانه راى سيدنا يوسف عليه السلام فى ليمان طره وكان الاستاذ سيد قطب يشرع فى تفسير سورة يوسف ب " الظلال " وقال له سيدنا يوسف سيدا أن السورة فيها ماتبحث عنه ( وفسرها بأنها الحاكمية )

وكذلك رأى المسيح عليه السلام وفى إحدى الليالى قص على الاخ أحمد عبد المجيد أنه رأى فى غفوة سريعة أثناء سجوده ليلا أن ابواب الزنازين تفتح لهم ويخرجون منهاثم يدخل فيها رجال المباحث بدلا منهم وهو ما تحقق بعد حرب 67 بأيام وتصاعد الازمة بين عبد الناصر والمشير عامر واعتقال أنصار المشير فى الجيش والمباحث ثم ترحيل الإخوان الى السجون المدنية حتى يتسع المكان لهم حيث راى بعض الاخوة فعلا بعض رجال المباحث ممن كانوا يباشرون التعذيب فى نفس السجن يدخلون الزنازين رهن الاعتقال بدلا منهم كما اعتقل حمزة البسيونى فى سجن القلعة وشمس بدران فى السجن الحربى بعد ترحيل الاحوان منه

ومن الرؤى التى قصها على الاخ أحمد عبد المجيد ايضا انه راى نفسه يسير فى طابور يتقدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده الخلفاء الراشدين اربعة وهو فى اخر الطابور حتى وصلوا الى شاطىء البحر وهناك كان ابو جهل الذى طعنه بسيف غى بطنه

كما راى نفسه فى جمع من الصحابة يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم

89

ولما جاء دوره للبيعة قال : يارسول الله هل غيرنا من بعدك ؟ هل بدلنا ؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم " لا بل أمناء أمناء أمناء " وقبل استشهادهرايت له أنا أيضا أكثر من رؤيا مبشرة فذات مرة رايت أننى فى بيتنا باتل الكبير واسأل أخى سيد عن زوجى محمد فيقول لى إنه يغتسل وتكررت هذه الرؤيا ثلاث مرات وعندما قصصت تلم قال لى الاستاذ سيد قطب إن معناها أنه سيتشهد وكان ذلك خلال المحاكمة الاخيرة كما رأيت رؤيا أخرى وفيها كان محمد واقفا فوق عامود نرتفع وأمامه ابنى احمد وهو يشير بأصبعه فى جهة ما والتفت لأرى إلا ما يشير فإذا بطابور من الإخوان يسير فى نفس الاتجاه الذى يشير اليه الشهيد وإذا بالقمر بدرا وكان ذلك بعد صدور الحكم الاعدام وبعد استشهاده رايته فى المنام ضخما عاريا ويطير فوق سهول خضراء رحمه الله رحمة واسعة واسأل الله أن يلحقنا بهم وألا يحرمنا أجرهم ولا يفتنا بعدهم

الحكم بالاعدام

بدأت الاعتقالات الإخوان فى يوليو 1965 وكانت تشمل كل من سبق اعتقاله من الإخوان خاصة فى ازمة 1954 وقد تأخر اعتقال الاستاذ سيد قطب إلى أغسطس فيما كانوا قد اعتقلوا شقيقه الاستاذ محمد قطب فى يوليو وجرت التحقيقات فى سجن القلعة الرهيب وقد اعلن قرار الاتهام فى يوم 3 فبراير 1966 فى مؤتمر عقده وزير العدل وكانت القضية جنايات رقم 12 / 1965 امن دولة عليا ووجه الاتهام التقليدى للإخوان بمحاولة قلب نظام الحكم وزادوا عليه تهمة محاولة اعتيال رئيس الجمهورية

وقد صدرت الاحكام فى يوم 21 أغسطس 1966 فى مبنى محكمة امن الدولة العليا بمبنى قيادة الثورة بالجزيرة وكانت تقضى بالاشغال الشاقة من عشر الى خمس عشرة سنة كما حكمت بالاعدام على سبعة ومنهم زوجى وهم بالترتيب سيد قطب محمد يوسف هواش عبد الفتاح إسماعيل

90

على عبده عشماوي أحمد عبد المجيد عبد السميع صبرى عرفة الكومى مجدى عبد العزيز حين صدرت الاحكام بالاعدام فى حق زوجى والإخوان الستة وفيهم الاستاذ سيد قطب سألت الاستاذ سيد قطب هل سينفذون بالفعل تلك الاحكام ؟ فقال والله يا أخت فاطمة إن كنا أهلا للشهادة فسينفذون الحكم وإن لم نكن أهلا للشهادة فلن ينفذوا الحكم كان هذا داخل الجلسة وهو فى قفص الاتهام

وقبل ايام من موعد تنفيذ الحكم حضر احد الضباط للبيت فلم يجدنى فطلب من ابنى التوقيع على ورقة ولم يكن احمد قد تجاوز الحادية عشر فرفض التوقيع ونادى على زوجة خاله التى وقعت على الورقة التى كانت إخطارا بالزيارة فأخذت الاولاد وذهبنا لتراه

وعند زيارتى لهوالتى سبقت تنفيذ الاعدام نقلونا الى خيمة وأتوا به وقد تورم وجهه من شدة الضرب ثم القوا به فى الخيمة امامنا وهو يقول مش عارف اندم على ايه " ماذا فعلت لأندم عليه " واخبرتى أنهم كانوا يريدون منه ان يبدى ندمه على ما فعل ليعلنوا ذلك على الناس ويستغلوه اعلاميا ومن يدرى فربما نفذوا فيه الحكم ايضا بعد اعلانه الندم لكنه رفض ذلك رغم التعذيب والاهانة

ولما رأى ابننا احمد اخذه فى حضنه فبكى الولد وشكى له ان الناس وزملاءه فى المدرسة والشارع يعيرونهبابيه ويقولون إنه الذى حاول قتل جمال عبد الناصر وانفعل الولد ولم يكن قد جاوز الحادية عشر من عمره وقال لابيه أنا مش قادر أعيش بسبب الناس فقال له ابوه يابنى إن الموازين الان مقلوبة ولن تستقيم إلا فى الاخرة

كان متأثرا جدا فى هذه الزيارة وعندما رأيته فى هذه الحالة طلبت من الضابط أن يسمح لى بإحضار الطعام الذى أخذوه منا عند دخولنا فقال لى محمد لماذا أتعبت نفسك " ثم أنى صائم وهل تعتقدين أنهم سيسمحون لنا بأخذ هذا الطعام معنا لنفطر عليه؟ ثم هون علىُ فقال يا فاطمة ان هذخ الدنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة وإلا ماسقى منها الكافر شربة ماء فهونى عليك وقال لى لا ترهقى نفسك

91

كان معنا فى هذه الزيارة ابن عمه الشيخ طوسون هواش وكان شيخا أزهريا زميلا وصيقا للشيخ محمد سيد طنطاوى الذى اصبح مفتيا ثم شيخا للازهر فتأثر كثيرا من المشهد واحتضنه وبكى بشدة فما كان منى إلا أن نزعته منه بحدة وغيرت موضوع الكلام فقلت لزوجى هنىء ابن عمك بخطبته لابنة عمك ( وكان طوسون ينتظر الزواج ) وقبل أن يأخذوه منا قال لى أوصيك بسمية واحمد فقلت له معاتبة أتوصينى بأولادى ؟ توكل على الله والله لن يخزيك ابدا وفى الصباح أعدموه كان الاعدام يوم 29 أغسطس من عام 1966 فى حق الشهداء الثلاثة سيد قطب ومحمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل وأوقف التنفيذ فى حق الاربعة الباقين وقد علمت أنهم لما أحضروا الشهداء الثلاثة للإعدام جاءوا بشيخ ليحضر التنفيذ فقال للاستاذ سيد قطب قل لا إله إلا الله محمد رسول الله فرد عليه الشهيد ساخرا حتى أنت جئت تكمل المسرحية نحن يأخى نُعدم بسبب لا إله إلا الله وأنت تأكل الخبز بلا إله إلا الله

فى انتظار الخبر المشئوم

خرجنا من السجن الى بيت عمه كان قد شدد على ابن عمه الشيخ ظوسون بأن يأتى بنا إلى منزله وألا يتركنا نذهب لبيتنا لم أكن أرغب فى البقاء مع أحد ولكنى رضيت حتى لا يغضب منى أحد وبعدها طلبت الذهاب إلى منزلى وانصرف

كنت قد كتبت تلغرافات لجمال عبد الناصر باسم ابنته سمية واببنه احمد وباسمى واسم والده ووالدته نلتمس فيها أن يخفف عنه الحكم بالاعدام وفى نفس اليوم لما رجعت الى المنزل وجدت أخاه الحاج احمد ينتظرنا وأبلغنا بأنه أرسل هو الاخر تلغرافات يلتمس فيها تخفيف الحكم وكان قد ارسل بها من الإسكندرية القريبة من قريتهم فى كفر الدوار وقد أراد الحاج محمد أن يرجع فى اليوم نفسه لكننى رفضت أن يسافر فى اليوم نفسه وكان الرجل يستحى أن يبيت عندنا فى غياب أخيه فقلت له إننى لست وحدى وإن معى اولادى وأعددت له غرفة خاصة للنوم

92

فى الصباح استيقظت وكان اول ما فعلته ان اخذت الصحف من امام باب الشقة وكان اول ما صدمنى الخبر المشئوم تنفيذ الاعدام فى سيد قطب ومحمد يوسف هواش وعبد الفتاح عبد اسماعيل

تزل الخبر علىّ كالصاعقة ولكن الله الهمنى الصبر والذكر فأخذت أردد لا حول ولا قوة إلا بالله إنا لله وإنا إليه راجعون لا إله إلا الله محمد رسول الله وظللت أذكر الله وكان فى ذلك الخير إذ تماسكت ولم أصرخ وعندما استيقظ أخوه الحاج احمد لم أقل له مباشرة ولما طلبت أن يسافر الححت عليه فى البقاء لتناول الافطار أو شرب كوب شاى قبل السفر ولما دخلت المطبخ أخذت أحدث نفسى مذهولة وأقول فعلها المجرمون وعلا صوتى دون أن أشعر فسمعنى أخوه الحاج أحمد وسألنى ماذا حدث ؟ فقلت له البقاء لله فأخذ يبكى بحرقة على أخيه الاكبر والغريب أننى أخذت أواسيه ولم أبك إذ يبدو أن دموعى كانت قد جفت من كثرة ما لاقيت

لم يمضى الكثير من الوقت حتى علمت زوجة اخى سيد الخبر فجاءتنى ومعها اختى ثريا واختى الصغيرة كاميليا كما اتت الاستاذة نعيمة والاخت عليه من نساء بيت الاستاذ الهضيبى وكانت المفارقة ان المخبر الرابض على الباب حاول ان يمنعهن من الدخول لان هناك ثلاثة اشخاص بالداخل وقد كانت لدى المسكين تعليمات بعد السماح له بوجود اكثر من ثلاثة اشخاص

وقد ألهانى الخبر المفجع عن أن أسأل عن الاخوات امينة وحميدة قطب أو أذهب إليهن لاواسيهن فى الشهيد سيد قطب الذى اعدم هو وزوجى فى اليوم نفسه

وحين استرجع ثباتى فى هذه المحنة العنيفة وغيرها من المحن أتذكر تربية امى لنا وأنها كانت صاحبة الفضل فى نتخلق بأخلاق الثبات والصبر عند الشائد والمصائب لم تكن امى متعلمة لكنها كانت عميقة التدين والايمان بالله وكانت تقول لوالدى رحمهما الله سأدخل الجنة قبلك إن شاء الله فقد كانت تسعى فى الخير ومساعدة المحتاجين وتعلمنا ذلك وتشدد علينا فيه وفد كانت ابنة لاسرة معروفة بالتدين والعبادة حتى ان والدها توفى وهو ساجد فى الصلاة وقد رايت لها يوما رؤيا اظنها تدل على حسن الخاتمة لها ان شاء الله

93

كذلك كان والدى من متدينة معروفة بعمل الخير حتى انها اشتهرت بعلاج الفلاحين الفقراء ومساعدتهم وقد كان بيتنادائما مفتوحا للناس وكان ابى يجمعنا يوميا بعد صلاة العصر او المغرب ويطلب منى ان أقرأ حديثا نبويا من البخارى ثم يوقوم بشرحه لنا كان جدى ازهريا وزميلا للشيخ المراغى شيخ الأزهر الاسبق وقد اطلق على ابى اسم محمد عبد اهادى اسما مركبا وكذلك فعلنا مع ابنى احمد إذ اسميناه احمد جهاد وقد قامت شقيقتى كاميليا بتسجيل اسمه مركبا ليصبح احمد جهاد محمد يوسف هواش وكان ابوه وقت ميلاده مسجونا

95

ما بعد الاعدام حتى بداية انفراجة السادات

فى اليوم التالى لإعدام زوجى الشهيد جاءتى أحد رجال البوليس مطاطىء الرأس وهو يكاد يجهش بالبكاء وسألنى هل هذ منزل محمد يوسف هواش ؟ قلت له نعم فلما علم أننى زوجته قال لى إنهم يطلبوننى فى قسم مصر القديمة فأخذت معى زوجة أخى وذهبنا لقسم الشرطة وهناك أعطونى ورقة وقلما وقال لى الضابط اكتبى ما أمليه عليك فكتبت " اتعهد أنا زوجة محمد يوسف هواش بالا أقيم سرادق عزاء لزوجى الذى أعدم أمس ؟ وما أن كتبت اسم زوجى حتى انهمرت دموعى بغزارة وتاثر الضابط كثيرا وقال لى ياست فاطمة إن من فى باطن الارض اليوم أفضل كثيرا ممن على ظهرها

رجعت الى منزلى وبقيت فيه أياما شعرت فيها بالوحدة القاسية بعما خلا المنزل من زوجى الذى استشهد ومن أمى التى ماتت وانا بالمعتقل ولمارها وعشت أسوأ أيام الحزن والاسى وفى اليوم الخامس خرجت إلى العمل وتوجهت إلى المنطقة التعليمية بمجمع التحرير لاستلام عملى استقبلتى أحد الموظفين بالترحاب وحاول أن يخفف عنى فدعا الله لى بالنصر أنا وأولادى ثم قال بعد أن مهد للخبر السىء الذى يحمله لى لقد نقلوك خارج القاهرة إلى منطقة بنها التعليمية سألته واين يذهب اولادى ؟ لم يعد معى أحد فلقد ماتت أمى وذهبت اختى الى بيتها ولم يعد هناك من يراعى اولادى فى غيابى قررت الاستسلام وعدم الدخول فى نقاش وقررت القبول بالأمر الواقع هذه المرة فا ستخرجت مفتاحا لاحمد واخر لسمية حتى يستطيعا دخول الشقة فى حالة

96

عدم وجودى ولما كان الخوف ينتابنى على صغيرى احمد طلبت من مدرسزميلى اسمه الاستاذ حلمى ان يعطيه درسا خصوصيا مع بعض الطلاب الذين كان يدرس لهم فى بيته وقد كان هذا مخرجا لكى لا يبقى فى الشارع بعد خروجه من المدرسة الى ان اعود من من عملى فى مدينة بنها

كنت اخرج من العمل سريعا فأركب الموصلات وانتقل بينها حتى أصل الى محطة الغمراوى ثم اخذ ابنى وارجع للبيت وأتابعهم فى دروسهم ومذاكرتهم وقد اكرمنى الله فيهم فأحسنت تربيتهم وتعليمهم حتى تخرجوا من كلية الطب وصاروا اطباء متميزين بين ابناء جيلهم

اذكر انه عقب استشهاد زوجى بأيام اننى جئت افتح اذاعة القران الكريم فكان اول ما سمعته قوله صلى الله عليه وسلم " أيها امرأة مات عنها زوجها فحبست نفسها على عيالها فأنا وهى كهاتين فى الجنة " فا ستبشرت خيرا واعتبرتها رسالة لى شخصيا وقلت بتأثر أنا معك يارسول الله أنا معك ياحبيبى يا محمد

ورغم أنهم اعدموا زوجى ونقلونى من عملى ظلما لى خارج القاهرة لم تتركنى المباحث وشأنى فخصصت لى مراقبة أمنية تتبعنى كظلى ولكن الله دائما كريم معى إذ فوجئت يوما برسالة من محافظ بنها فى ذلك الوقت ولما ذهبت اليه سالنى هل تعرفين عبد اللطيف مكي ؟ فقلت له إنه زوج اختى فأخبرنى أنه عمل معه فى قطر وتعرف عليه عن قرب وان الحاج مكى كان كريما معه وقد له خدمات كثيرة وقد وعدنى الرحل برد الجميل وإعادتى لأولادى سريعا بل وعدنى بأنه سيقدم مذكرة للمباحث بشأنى

تضييق ومنع من السفر

كانت حالتى النفسية قد ساءت بعد استشهاد زوجى ووفاة امى وانا فى المعتقل فتوسط لى الاخ عبد اللطيف مكي زوج اختى لدى أمير قطر لكى أعمل هناك فرحب الرجل وطلب منه ان انتقل للعمل لديهم إذ كانوا يءسسون تعليما للبنات وأخبره أنه ينوى أن يعيننى مديرة بتعليم البنات ثم أرسلوا لى بالفعل عقد عمل أخذته

97

وذهبت به الى الضابط صالح داود المسئول بأمن الدولة فكلمته عن حالنا بعد اعدام زوجى وقلت له إن حالتى النفسية وحالة أولادى تستدعى أن نقوم بتغيير المكان لقد اصبحت لا استطيع دخول حجرته التى كان ينام فيها وكذلك اولادى وأننى لهذا سأقبل هذا العقج وسأسافر الى قطر فوافق ولم يبد أى اعتراض

وفى هذه الاثناء كانت وزارة التعليم قد اعتمدت عقود العمل وحولتها اعارات ونشرت اسماء المعارين ولم اكن اعرف ذلك وبدأت أستعد للسفر إلى أن جاء اليوم الذى يسبق السفر ففوجئت بمخبر يطرق الباب ويخبرنى أن أحد ضباط المباحث لا أتذكر اسمه يريدنى فذهبت اليه وسألنى هل تريدين الهروب ؟ فقلت أهرب من ماذا ؟ قال تهربين منا فقلت لست أنا من تهرب فقال أنت ستسافرين الى قطر ؟ فقلت أن معى عقدا للعمل فقال أنت ممنوعة من السفر فسألته ومن منعنى ؟ فقال انت ممنوعة من فوق فقلت ساهرة من فوق ؟ من ربنا ؟ فقال انت ممنوعة ولا تجادلى فقررت الذهاب الى وزير الداخلية زكريا محى الدين ولكن مدير مكتبه منعنى من الدخول وقال تكلمت عشر ساعات فلن ادخلك ولو كان فى دخولك فائدة لا دخلتك ولكنخ لن يجدى

لم يكن لدى فى ذلك الوقت ما يكفى من المال للحج ولكننى رأيت فى منامى أننى أقف بعرفة واستيقظت وأنا على ثقة بأن الله سيرزقنى الحج وكان رجل الاعمال الاخ عبد العظيم لقمة يقدم رحلات حج لمن ليس فى استطاعته الحج وأشار على الاستاذ أحمد عبد المجيد زوج بنتى أن اذهب معه للحج وترددن لاننى كنت لا أعرف هل يقبل الحج بهذه الطريقة أم لابد أن تكون من مال الحاج وبعدما أفتانا الاستاذة بجواز ذلك سافرت للحج كانوا قد منعونى من السفر قلم افكر فى اعادة الكرة معهم ثانية طوال عهد جمال عبد الناصر وحتى بعد سنوات من تولى السادات الحكم وكان أن تزوجت ابنتى سمية عام 1976 ولم تزل طالبة فى السنة الثانية من كلية الطب وبعد زواجهما شعر زوجها با حتمال أن تحدث اعتقالات للإخوان وكان ذلك عام 1977 فسافر الى السعودية

98

واستقر هناك للعمل وقد عرضوا على فكرة السفر معهما فقلت لنفسى عندما اصل لسن المعاش سوف اذهب للحج

ولما سافرت الى الحج وانا هناك حاول زوج ابنتى الاستاذ احمد أن يبقينى معهما بعدما لم يبق أحد معى فى مصر فرفضت وظلا يحاولان اقناعى بالبقاء فوافقت فى النهاية وظللت هناك أربع عشرة سنة فى مكة بجوار الحرم الشريف وكنت أقضى فيه شهر رمضان من كل عام وأقوم بأداء العمرة فى العشر الاواخر كما اديت الحج والعمرة عن زوجى عدة مرات

ورغم ذلك فإن بعد العسر يسرا

اما عن قصة زواج ابنتى سمية فقد كان اول من تقدم للزواج منها طالب فى كلية كان مع والدها الشهيد فى زنزانته وقد صار استاذ كبيرا وقياديا فى الإخوان وقد ارسل إلىّوهو مازال فى السجن يطلب يدها وكانت سمية مازالت قى الصف الاول الاعدادى وقد قال إنه طلبها من ابيها وإنه أبدى موافقته غفلت له إن ذلك سابق لاوانه وعندما تكبر سنتحدث فى الامر

وعندما حصلت سمية على الثانوية العامة بتفوق ارادت دخول كلية الطب فوجدت احدى الاخوات تأتينى لتقول لى ان الاخ يقول لك لا تُخلى سمية كلية الطب فلم يعجبنى ذلك وقلت أيشترط علىُ من الان ؟ ورفضت هذه الزيجة

ثم حين وصلت سمية الى السنة الثانية بكلية الطب جاءتنى سيدة اسمها ايمان تربطها صلة قرابة مع عائلة سيد قطب ( والدها هو شقيق زوج شقيقة الشهيد سيد قطب) وأخبرتنى أن هناكأخا من الإخوان الذين كانوا مع الشهيد فى قضية 1965 أفرج عنه مؤخرا ويريد الزواج وأنهم رشحوا له سمية خاصة وأنه كان من أكثر المقربين لوالدها الشهيد وكان من المفترض ان يعدم معه ولكن الاعدام لم ينفذ فى حقه وبالفعل ذهبنا عند بيت الاخت ايمان فى الدقى وعندما رآها رحب بها كثيرا وحدث بينهما القبول فتزوجت سمية من الاخ أحمد عبد المجيد عبد السميع الذى كان رفيقا لوالدها فى السجن وكان سيعدم معه فى القضية نفسها

اكرمنى الله فى ابنائى واكرمهم الله بفضله وبفضل عمل ابيهم الصالح فتخرجت سمية طبيبة وزرقها ثلاثة اولاد وبنتين وتخرج احمد طبيبا وحصل على الزمالة البريطانية فى الجراحة وهو مفيم الان فى انجلترا وقد رزقه الله ولدين وبنتين واحسب ان هذا من كرم الله علينا بقضله ومنته وجزاء اوفى لوالدهما الشهيج الذى ضحى بحياته من اجل دعوته

101

ملحق ( 1 )

بعض رسائل يوسف هواش إلى زوجته فاطمة عبد الهادي

الرسالة الاولى

بسم الله الرحمن الرحيم

زوجتى الحبيبة

السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته

وبعد

كل شىء بقدر وما من أمر إلا وله عند الله حكمة والامر كله لله من قبل ومن بعد لقد نسيت نفسى وفكرت فيك ورقٌ قلبى لك وتحرك كل ما فى نفسى من الأسى لحالك وانطلقت جوارحى كلها مع لسانى فى مناجاة الله رب العالمين أستغيثه وأسأله الرحمة لى ولك وكنت فى حالة اشبه بحالة المتصوفين اقول " يارب هنا الحرمان من اجل دعوتك وهذا الاسى كله فى سبيلك اللهم إنك أنى لم أخرج من بيتى إلا ابتغاء مرضاتك وهذه زوجتى تعانى فيك ما أعانى وهى وأخواتنا واخواننا جنودك فى الارض وعبادك فى الدنيا اللهم إننا رضينا بك واحتسبنا عندك وأملنا فى رحمتك فكن اللهم لنا وخذ بأيدينا حتى نظل على عهدك ووعدك " واستمر لسانى وقلبى وكل جارحة فى بدنى فى هذا النجاء الجميل وما إن فرغت حتى وحجت حلاوة الصبر تنساب فى قلبى ووجدتنى ساكنا راضيا واخذت امظر الى الله أسأله فى حرارة ان تفيض عليك السكينة وان يلهمك الصبر

ان كل الم وكل مشقة وكل عناء إنما هو رصيد فأرجو الله ان يدخره لنا ليوم

102

لا ينفع فيه مال و بنون اننا نتاجر مع الله فبيننا وبينه قائمة حساب كل ما ينقص هنا يزيد هنا لك نسأل ان يكتبنا فى الصابرين وان يجعلنا فى اللذين جاهدوا فيه وصبروا ابتغاء وجهه وبعد فراقك مباشرة جلست مع الاستاذ سيد ووصفت له حالة احمد فخشى ان تكون حالة دفتريا وامر بأن اكتب هذه الرسالة وأشدد عليك فيها بعرض احمد على الدكتور إن لم تكونى قد عرضته فعلا لأن تأخير فى هذا المرض له حساب وإذا وصلك الرسول قبل عرض احمد على الدكتور فاطلبى منه ينتظر حتى تعرضيه وعرفيه بالنتيجة واكتبى لى ايضا عن حالة سمية وحالة احمد الان

فكرت انك ستتركين الزيتون والجبنة بالباب كما ذكرت وكذلك كتبت طلبا للدكتور يصرح بإدخاله واعتماده لديه فعلا ولما ارسلنا الى الباب لإحضارها قالوا انك اخذتها معك ولذلك يمكن ارسالها غدا مرة ثانية ان شاء الله على ان تصل للباب فى الساعة العاشرة صباحا وسنرسل نحن الطلب المعتمد من الدكتور فى نفس الموعد فإذا لم يكن ادخالها لاى سبب فيمكن ان يعود بها الرسول من غير ان يتعب نفسه طويلا وعند حضور الرسول يقول لمن بالباب ان المصحة بها طلب معتمد بهذه الاشياء باسك محمد يوسف هواش ويقول لهم إن الاعتماد تم اثناء وجود الذين ابلغوه بهذا يجب إبلاغ السجون بسرعة بأن الجماعة لم يفرج عنهم حتى تطمئن القلوب ونزول الفرقة فى الراى وتصح الثقة فى الله والتوكل عليه وحدخ سلامى وتحياتى للجميع

نسيت ان اسالك عن حسين شعبان فقد كانت فاطمة ابلغتنى فى زيارتها انك فلت لها ان حسين شعبان يسلم علينا احنا الثلاثة او الثالوث كما ذكرت فهل هذا صحيح وهل عثر عليه هنا ؟ وان كان هذا صحيحا فأين كجكزد يونس ؟ افيدونى عن موعد انتهاء اجازته الصيفية الان وقعت على حوالة بمبلغ 10 جنيهات وقرأت خطابك بأنك تعجلت فى ارسال هذا المبلغ المبلغ القديم لم ينفد ثم ان الكانتين مغلق الان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ارجو ان تحضرى احمد وسمية معك فى الزيارة القادمة ان شاء الله ان كانت صحتهما تسمح وارجوان تسمح ان شاء الله

103

الرسالة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

زوجتى الحبيبة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد

لم تكف جلستنا القصيرة ولم تردعنى شوقى اليك ولم تخفف حنينيى لزوجتى بل إنى الان اكثر شوقا واشد حنينا وسأظل كذلك ان شاء الله وان يجمعنى بك ايام العمر هذه مشاعرى الحقيقية وليس كلاما من قبيل " تحلف لى أصدقك أشوف أمورك أستعجب " وإتى لارجو الله تعالى أن لاأكون ممن " يقولون مالا يفعلون " فاحب أن أحدثك عنها قليلا غير أنى أرجو أن يكون حديثى هذا بريئا خالصا يحمل طابع المودة والتفاهمولا يهدف الى الخناق ولا حتى العتاب

مما لاشك فيه ان هناك خلافا فى وجهتى نظرنا تجاه بعض المشاكل وفى تقجيرنا لبعض الامور وقد سبب لنا هذا متاعب كثيرة وسبب لى انا بالذات الاما كبيرة تتجدد مع الايام والظروف وتزيدها طبيعتى المرهفة الحساسية الشديدة التأثر ولقد كانت الظروف الاخيرة فرصة قاسية لتجددها بشكل عنيف ولا تسألنى عن الليالى العديدة التى قضيتها مسهد الجفن مؤرق الاغصاب وكم كانت طويلة ومرت الساعات التى انتحيت فيها ركن المصحف الضيق الخالى تتابع غلى 1هنى الصور المؤلمة التى يوحيها الظرف ولقد كانت بشعة تلك الصورة التى تخيلك فيها واقفة فى طابور عسكرى تتفرسك الاعين الخائنة وتعبث بك الايدى الملوثة وهى تشرح لم اوضاع ضرب النار ولقد تبعث هذه الصورة كلها مربوطة بموضوعها الاصلى الذى اختلفت فيه وجهتا نظرنا ومن البديهى ان تحضرنى كلما فكرت فى هذا الموضوع كل الامور الاخرى التى على شاكلته والتى كان لك فيها مسلك يشابه مسلكك فيه

ومن هنا يمكن ان تتصورى تلك الالام التى قاسيتها والتى كان من الطبيعى ان تتضح على وجهى فى شكل ؟ تكشير خفيف " وكان من نتيجة ذلك ان تتألمى أنت وأن أتلم أنا لألمك بل إن ألمى لألمك يرجح كل هذه الالام التى أحدثك عنها ولو أضيف إليها أضعافا أضعلفا إن دموعك يازوجتى هى فى حسى حبات من الجمر تحرق فؤادى وتفرى كبدى وإن تنهاتك لهى أحمى على من نار السموم وهذا

104

ايضا ليس من قبيل " تحلف لى أصدقك اشوف امورك استعجب " إننى لا أقصد إيلامك بهذا الكلام ولا أهدف إلى العتاب كما قلت ولا أطلب إليك تصرفا ما بناء عليه وإنما أنا زوجك اشكو إليك حالى وأبسط لك نفسى كما هى وأشركك فى مشاعرى وما يعترينى

فليس هناك معى ظهير وليس من هو أحق بها منك اليس كذلك يافاطمة ؟ ألست زوجتى ؟ على انى بعد هذا كله موقن تمام اليقين وواثق كل الثقة من ان فرصة ما تتاح لنا لكى نلتقى فيها سيكون من شأنها ان نلتقى فى وجهتىّ نظرنا وتقديرنا للامور وستزول كل هذه الاثار وسنكون بعده ان شاء الله من اسعد الناس وكل ما أرجوه الان وألح على الله فيه ان يعيننى على ان انسى كل شىء وان اترك الامور حتى تتاح لنا هذه الفرصة ان شاء الله ولعل فرج الله يكون قريبا كى اسعد بك يا أعز الناس وكى اريحك واستريح فى كنف مودتك وأُنس عشرتك ألحى على الله معى فى الدعاء يافاطمة وساعدينى على ذلك

يازوجتى الحبيبة المحبوبة يا أعز الناس لعل خطابى هذا لا يقع من نفسك الا خيث أردت ولعله يصور لكى نفسى الان وهى صافية مملوءة بالعطق عليك والحنين اليك ولعله ينقل اليك حفق قلبى وهو يطوف بك وانت فى فراشك مع فراخك الزغب الصغار فقد بلغت الثانية عشر ولا أدرى ولا أسمع حولى إلا غطيط الناشئين وشخيرهم إن قلبى الان برفقتك انت فى حنانزاشفاق انه يمسح على اجسامكم بأنامله ويبسط عليكم أغطيتكم كأخلص ما يكون الزوج وأبر وأحن ما يكون الاب ومرة اخرى ارجو ان يقع خطابى هذا من نفسك حيث اردت

فقد اردت ان اريحك بعدما سمعت منك أن كتابتى تعجبك وحمدت الله تعالى ان جعل لى لو حاجة واحدة تعجبك فهو مكسب على كل حال اردت ان يريحك هذا الخطاب برغم ما به من صراحة والضوح بل إن هذه الصراحة ستكون هى الوسيلة الاولى لراحتنا ان شاء الله بعد ان تبينت ان الغموض والسكون هما السبب فى كل ما لا قينا من مشاكل إننى لو هيأت معك كل موضوع فى أوانه أولا بأول لكان حالى غير ما هو الان

اننى لا اشك فى اخلاصك واخلاقك وقبولك للنصح ولكنى انا الذى لم اقم بحقك فى قول الله تعالى " فعظوهن " ولقد عزمت على ان اصارحك بكل ما فى نفسى اولا بأول لذلك أهدى وأخق هذا الخطاب هو اولى خطوات هذه الطريقة

105

يازوجتى يانصف الحيت وبقية النفس كيف انت الان ؟ وكيف متاعبك التى حدثتنى عنها اثناء الزيارة ؟ متاعب البيت والاولاد بجانب مجهودك الاخر المشكور ان شاء الله لقد تأثرت بالغ التأثر ووددت لو أن لى قوة فأحمل عنك متاعبك كلها ولكن الحول والقوة لله رب العالمين وهو كفايننا وحسبنا لقد وقفت اودعك يا فاطمة وداع المشفق المحب وقفت اشيعك بنظرتين نظرة اليك فيها كل ما عرفت النفس البشرية من العطف والحنان والتقدير ونظرة الى السماء استعين بالله لك فيها وأسأله الرعاية والحماية والإيواء لك ولاولادك إننى أستودعك الله الذى لا تضيع عنده الودائع واستحلفه فيك وهو ولينا فى الدنيا والاخرة وهو المولى ونعم الوكيل مما انسانى الشياطين فى زيارتنا ان اسلك عن الولد الكبير وان استوضح بعض الامور التى بلغتنى عنه وان ابلغه عزمى على الثبات معه حتى النهاية ابلغيه ذلكثم وداعا يا اعز الناس السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته

زوجك

الرسالة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن والاه ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

هذه رسالتك الاخيرة بين يدى قرتها فى حزن بالغ واسى عميق والحزن والاسى غير الغضب والحنين فإن الاول لا يقطع رحما ولا يفسد مودة وإنى لحريص جد حريص على رحمى فيك ومودتى لك وهما نعمتان انعم الله بهما علىّ غير أنى لا أكتمك أنى أغضب فى اول الامر وقفزت الى نفسى ذكريات كنت احب ان بعض عليها الزمن وتطويها الايام والاحداث ولهذا ترددت كثيرا بين أن أكتب لك كلاما شديدا يحمل ثورة الغضب وبين أن اصمت فى تجمل كما يصمت الحزين الأسى ولكننى رأيتنى مخطئا فى الحالتين

ففى الحالة الاولى قسوة عليك وأنا الذى احبك ولا أطيق إيلامك

وفى الحالة الثانية إهمال لك وإهدار لحقك علىّ فى التوجيه والذكى

واخيرا استقرت نفسى ورضيت أن أكتب هذه العبارات التى تقرئينها وهى كما

106

تصرين اقرب الى العتاب والتذكرة منها الى التعنيف والتانيب وارجوا ان اكون من الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس اسمعى يافاطمة انى كنت وما زلت اعتقد انك قطعة من نفسى وبضعة من قلبى وروحى فهمّا عن القرآن وإحساسا بالفطرة التى فطر الله الناس عليها فأنت بهذا اعوز الاحباب على الاطلاق لا قبل ولا بعد اشكرك واعذرك فى الوقت نفسه فإن القلوب بين يدى الله يضع فيها من الحب ما يشاء لمن يشاء وله الحكمة البالغة الا انى اذكر فقط هذه واحدة ولا احب ان تخاطبى فيها احد ولا تذكريها لغيرى فإن الكلام فيها يفسد ولا يصلح

اما الثانية فهو سؤال توجهت به مرة الى نفسى هل اصبح حفى عند زوجتى التى احبها كل هذا الحب هو مجرد العلم بالشىء فقط ؟ ولكنى اعود فأقر أنه سؤال لا أصل له فى الواقع فقد أحبت عنه من قبل أجابتى عنه زوجتى الحبيبة أجابتنى عنه اجابات عملية

وما موضوع الاستمرار فى العمل حتى الان رغم انفى إلا إحدى الاجابات العملية او لعلك تقولين ما هذا العبث ؟ فلو فُرض واطعتك وقعدت عن العمل من يوم تنازعنا فمن اين كنا ناكل أنا واولادك ؟ الا نحمد الله ان جعل زوجة عاملة تكد وتتعب لتنفق على نفسها وعلى اولادك بل وعليك انت نفسك الا تعقل يارجل ؟ أكاد اسمع هذه الكلمات تتمتم بها شفاهك الجميلة او لعلى اكون واهما على كل حال غفر الله لنا ذلك يازوجتى غفر الله لك كل شىء حتى هذه الكلمات لو قلتها فإنى الان لا أحب أن أبغض أو أشاحن أحدا من الناس فما بالك أنت؟ ولكنى اتجمل بالصبر واحتسب على ما أكره وأوكل له الامر يقضى فيه بحكمه وهو أحكم الحاكمين على أنى بعدهذا كله لا أبخسك حقك ولا أنسى لك فضلك وإنى لذاكر لك رعايتك لى ولاولادى ما حييت وارجوالا اكون ممن ينسى معروفا لإساءة ولا ممن يغض عن فضل لغلطه

إذن استخرجى بطاقة شخصية كما شئت واعملى ما أحييت وأفرضى أنى لست موجودا أو شرابة خُرج كما يقولون أما أنا فسأظل على دعائى لك واستغفارى الذى لا ينقطع فى سجود ولا قيام اقول من كل قلبى غفر الله لم يا اعز الاحباب على الاطلاق لا قبل ولا بعد

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

107

الرسالة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وانتم بخير وعافية ولعل مولودكم الجديد السعيد يكون قد جاء قد جاء وبعد

فإن أية فرصة تلوح أغتنمها للاتصال بك إذ هى فضل من الله اشكره عليه وهى مجال طيب اصدقك فيه الحديث وابادلك النجاء وانقل اليك المشاعر وأحب الامانى وان هذه الفرصة التى تحمل إليك هذه الرسالة قد جاءت عفوا إلا أنها كانت ضرورية للغاية وترجع شرورتها إلى أهمية الموضوع الذى أحدثك فيه والمعانى التى ملأت جوانب نفسى منذ لا ح فى الافق نور هذا اليوم المجيد وأخذت الايام الايام تقترب بنا رويدا نحو هذا العيد المبارك عيد الفطر اعاده الله علينا بما يحب لنا ويرضى

ما معنى ؟ وما حقيقة خذا النسك الوضاء الشفاف ؟ الذى يفهمه الناس أنه فرصة لملء البطون بالطيب من الطعام والشراب ومجال للزينة والخيلاء بما يزهو ويغلو من الثياب فإذا حسنت أفهامهم وارتفعت مشاعرهم فهى مناسبة كريمة لتبادل التهانى وإزالة الخصومات ثم هو مجال للتبريك على ام جاءهم العيد وهم موفورو الصحة طيبو العيش لم ينقص منهم احد ولم تصبهم مصيبة فيكون الجواب وانت طيب او كل عام وانتم بخير ةالجواب وانت بالصحة والسلامة اما إذا اصابتهم مصيبة فى نفس او مال فلا عيد ولا تهنئة ولا فرح بل حزن وغم ومواساة فإن مشاعرهم وعواطفهم إنما تنبع من حياتهم التى يحبونها وترد الى متاع هذه الدنيا التى يعيشون لها ويهتمون بها فإذا سلمت لهم عيدوا وفرحوا واذا اصابهم فيها ما يكرهون فلا عيد ولا فرح ولا تهنئة هذه حال الناس اليوم فهل كان هذا حال المؤمنين يوم آمنوا بالله ورسوله ؟ انا اشعر والان اكثر من اى وقت مضى انه لا كان العيد فى نفوس احبابنا وابنائنا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلك احتفالا كريما يشكرون فيه على ان من الله عليهم بهذا الدين ورضى لهم هذا الاسلام وأراهم منسككم وحقق فيهم دعوة ابيهم ابراهيم عليه السلام (       •        •                  •     ولقد كان العيد يأتى عليهم وقد ابتلاهم الله تعالى بالجوع والخوف ونقص الاموال

108

والانفس والثمرات كان يأتى وقد استشهد منهم الاعزة وفقدوا الاحبة واصيبوا فى الازواج والاباء والابناء فما كان كل ذلك ليطفىء من بهجة العيد فى نفوسهم بل عل العكس كانوا بهذا كله اكثر سعادة واعمق شكرا واكثر فرحا بالعيد بل كان هذا هو المعنى الحقيقى للعيد كان البذل والاداء والتضحية والتوفيق لهذا كله كان هو المناسبة الحقيقية لان يشكروا الله ويفرحوا بفضله ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )

بل ان شعيرة العيد نفسها جاءت فى شكل يؤكد هذا المعنى جاءت عقب الاداء المادى والمعنوى فكان عيد الفطر عقب الصيام وكان عيد الاضحى عقب الحج ( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشكرون ) فنحن بهذا المعنى احق الناس بالاحتفال بالعيد واجدرهم بالفرح بفضل الله والاحساس به وشكر الله فى هذا اليوم الكريم نحن الذين نتذوق جمال هذا الدين ونحس من اعماقنا أنه فضل الله ونعمته على عباده وانه من علينا به من علينا اولا يوم نزل هذا الدين وبعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم وقال لنا وهو ربنا ( اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا ) ومن علينا ثانيا يوم ان ردنا الى فهم هذا الدينوتذوقه من جديد بعد ان طال علينا الامد وكادت تقسو قلوبنا وكدنا نضيع فى الضالين

نحن الان نتذوق هذا الدين ونشعر به ونجده فى خلجتنا غضا طريا كيوم نزل حيا تنبض به قلوبنا وممزوجة به دمؤنا ونحن الان نؤمن برسالة هذا الدين ونرضاها لنا والتى اتمها ابونا ابراهيم على ربه وسأله إياها محققا بهذا الدين وهذا النبى ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) ثم نحن الان الذين نحمل الامانة وتقوم بالعبء ونرفع الراية ونسير فى الطريق الذى سار فيه اباؤنا واسلافنا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن بهذا كله يافاطمة احق الناس بالعيد واجدرهم بالفرح به واولادهم ولهذا كله فإنى ادعوك يا زوجتى الى الاحساس بهذه المعانى كلها افرحى واشكرى الله وخذى زينتك وكلى الطيب من الطعام وشاركى اهلك واولادك فرحهم وسرورهم واقبلى التهنئة من المؤمنين والمؤمنات فنحن فى فضل من الله ونعمة اما انا فصادق الاحساس بفضل الله شاكر لأنعمه راض من ربى كل الرضى مطمئن به لا أياس منه فى بلاء ولا أركن فى عطاء أرى فى فير لبس واشعر فى غير شك ان الله اختارنى فيمن اختار لاكون من عباده

109

( الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله أولئك هم الصادقون ) وليس بعد ذلك فضل وليس وراءه منة الا ان يريدنى الله فيه ويثبتنى عليه ويتقبله منة وهذا وهذا هو معنى العيد عندى ( ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن اكثر الناس لا يشكرون ) علمنا الان انه تقررت الزيارة فى اول وثانى ايام العيد اى لكل منا زيارة واحدة فى اول يوم والثانية فى اليوم الثانى وهذه فرصة طيبة يمكن ان يزورنى فيها من ارادة وزيادة فى الفرصة فأعطكم عددا من الاسماء يمكن زيارتى به علاوة على اسمى وهى رمضان حامد – من سجن القتاطر والمغاورى عبد الغفار بدوى –حكمه عشر سنوات وهو من المنزلة ومحمد محمد الشرقاوى – حكمه خمس سنوات وهو من كفر الشيخ والكل موجودون فى المصحة طبعا تحياتى الى اخى الاستاذ سيد ولعل الاخت فوزية تكون الان فى صحة جيدة وان كنت لا اعلم ان كان الوضع قد تم ام لا واذا احب ال بسيونى ان يزورونى فلا مانع التموين يجب ان يصلنا بسرعة تحيتى للوالدين والإخوان والاخوات جميعا الحذاء وصل وشكرا كنت احب ان اقترح عليك شيئا وهو ان تقضى العيد فى البلد فإن ذلك قد يسرّى من قلب والدتى المسكينة وان رؤيتها سمية واحمد لمما يخفف عنها والامر لله ولك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الرسالة الخامسة

بسم الله الرحمن الرحيم

رحمة الله وبركاته وطيباته لكم فى الدنيا والاخرة اهل بيت كريم مؤسس على التقوى من اول يوم متجها الى ربه وخالقه منذ كان فى ضمير اصحابه ونية صادقة فى ضمير اهله وعزائم مؤسسيه مبتغيا بها رضا الله ومتق فيه عذابه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ( يأيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا )

والسلام الزكى الرفراف عليكم يافطمتى الحنون الودود وعلى كل اهلنا وعشيرتنا واخواننا واخواتنا واخص فى هذه المرة ضيفتنا الجديدة الانسة هناء بارك الله لنا فيها وجعلها لابويها شكر القلب وقرة العين وجمعها الله بحبه على اخوتها سمية واحمد وايمن واقام الجميع نواة طيبة مباركة لجيل مسلم يؤمن بالكتاب كله ويرثه ويعيش به ويموت عليه

110

يافاطمة اننا فى هذه رجلان رجل امن بها لأنه لقيها واعجب بها ولكنه ما يزال يربطها بأسباب الارض ويغقلها على الحوادث والاحداث واسباب الارض تذهب وتجىء وتقوى وتضعف وتظهر وتختفى والحوادث فى تقلب وتداول تسر ساعة وتسىء ساعة وتبعث الامل حينا وتثير القنوط والياس احيانا هذا الرجل تذبذيُه اكثر من سباته وقلقه أدوم من اطمئنانه يرضى مرة ويسخط مرات انه مؤشر حيث تتجه اسباب الارض وحيث تتقلب الاحداث وهذا يخشى عليه امن ان يقترب لا قدر الله من حمى قوله تعالى (  ••          •                  هذااحد الرجلين ورجل اخر سمع بهذه الدعوة فامن بها فى قلبه وتذوقها بوجدانه واقبل عليها بكليته واعارها سمعه وحواسه كلها ثم اعطاها نفسه وولده وماله ففُتح له الباب ونودى من قبل الاحباب فأقبل واقبل واقبل واخذ يمشى بها وتمشى به ثم هرول ثم سبق حتى وصل بها الى الله جل جلاله فوجده سبحانه بها او وجدها به تعالى وهناك ارجعها الى الله كما ترجع اليه كل الامور وعلم علم اليقين انها قدر من اقدار الله وامر من اموره فاتفق القدران واتحد الامران قصار بها خليفةالله فى ارضه وقامت به دعوة لله فى خلقه وتحقق القول والوعد الاعلى (        •              •                    هذا الرجل بهذا الايمان وبهذه المعرفة لا يربط دعوته بأسباب الارض ولا يعلقها على الحوادث لانه خليفة وعبد للذى يصنع الاسباب ويقلب الحوادث عز شأنه إنه بهذه الخلافة وبهذه العبودية يصنع السبب بإذن ربه وتجرة الحوادذ على يديه بامر الذى استخلفه فإذا جاء السبب جاء بقدر ولحكمه وغذا امتنع امتنع بقدر وبحكمه وفى الحالة الاولى شكر وعمل فى غير بطر ولا خيلاء وفى الحالة الثانية تسليم وانابة ومحاولة متكررة وبحث دائم فى غير يأس ولا قنوط وهو فى كلا الحالين موفور الاجر مجزى الجزاء الاوفى (                              اما نتيجة العمل اما النصر فذلك امره الى الله ياتى به ان شاء متى شاء واين

111

(              ) (• •     •          هذا الرجل يظل ابدا ثابت القلب والقدم مستنير الطريق مهدى الفطرة لا تلتوى به السبل ولا تقف به الظلمات (      •                إن العمل والصبر هو مطلوب الله منا أما الاجر والنصر فهو مطلبنا من الله والله صادق لا يخلف وعده كريم يعطى بغير حساب فليكن همنا بالعمل والصبر ولن تقف العقبات امامنا إذا صحت العزائم وخلصت النيات والعمل ميادينه متعددة واسبابه كثيرة وفرصة لا تنقطع ففى النفس عمل وفى الاهل عمل وفى الناس عمل ولن يضل من وضع همه فى يد الله واستعان به واهتدى بنوره (    •   •     ونحن نسأل الله بوجهه الكريم وعزه القديم فى ضراعة الخائف ولهفة المستغيث ان نكون ذلك الرجل الثانى والامل فى وجه نير لا ينطفىء والطمع فى رحمته لا بدائية إلا الخوف من مكره وعذابه

يا حبيبتى الجميلة انا لاادرى ما الذى دعانى الى ان ابعث لك بهذا الحديث فى رسالة لم تكن مخصصة له ولم يكن الا خاطر طرقنى وانا على وشك الكتابة اليك لعلها خيرة الله لى فيما يختاره دائما

كنت اود ان احدثك طويلا عن الزهرات اليانعة والحديث عنهم يطول ويطيب يهتز بالشوق ويموج بالحب والحنين اليك واليهم جميعا فاسألى الله على ان يعيننى على ان يكون ذلك فى رسالة إن شاء الله

انا بخير والحمد لله والاشياء كلها وصلت وهى جميلة ورائعة فيها ذوقك وجمالك وفيها حبك ووفائك يازينة الوفاء والحب وكنت احب ان اريحك من طلباتى الكثيرة بعد ان شعرت أننى أثقلت عليك واضفت لأعبائك الكبيرة عبئى ولكن اسألك فى حياء أن تحضرى لى كشكولا له سلك ملفوف وشكرا لك يازوجتى الوفية الزيارة لم تحتسب والموعد كما هو 22 / 5 وكنت احب ان أُضمن رسالتى هذه أسفى العميق وألمى الشديد لما لاقيته من متاعب يومى العيد أنت وأمك العزيزة فى سبيل الزيارة ولكنى أحسبنى فى غنى عن هذا وانت سيدة العارفين بزوجك وبقلبه وعاطفته

112

لقد حدثت امك وامى من السلك عن حبى لها وشكرى وتقديرى واظنها راضية عنى شكرا لكم جميعا وتحية وسلاما ولعل الاخت فوزية قد ابلت وعوفيت بالشفاء الكلمة التالية موجهة لاخينا الاكبر يا أخى الحبيب أين أنتم وماشأنكم وما الذى تفعلون ؟ هل انتم موجودون وإلى أى مدى ؟ أما فى خلدكم يوما أننا نسأل أنفسنا – لاننا لا نجد من نسأله – هذه الاسئلة ؟ ألم تعالجوا قبل ذلك مشاعر وعاطفة الاخ المسجون وتلهفه على معرفة أخبار دعوته واخوانه ؟ إننا نعرف يقينا أنكم فى سجن من السجن الذى نعيش فيه فليكن وهذ أدعى وأوجب أن نعرف أخباركم كما نحب ان نعرف اخبار السجون الاخرى لا تريد ولاكن نريد فقط ان نعرف انكم موجودون وسائرون ولو ببطء او حتى واقفون ولكن لم تموتوا نريد ان نعرف حقيقتكم كما هى فهذا يريح إننا فرع من شجرة لم تقطع بعد وما يزال يحن الى جذعه وأصله اتصلوا بنا بأى شكل وعلى أى شىء حتى لو كان هذا الشىء هو الامر ألا نتصل بكم والله يتولانا وإياكم ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الرسالة السادسة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأرجوا أن تُقبلى ولدينا العزيزين سمية واحمد

لقد سررت بهذا كثيرا خصوصا وأن سمية تعرفت علىّ واطمأنت معى عن ذى قبل فأحمد الله أما الولداحمد فما زال غريبا بعض الشىء وأرجوا أن يُحييه الله حياة طيبة بالعبادة لله والبر لوالديه وإن كانت صحته فى حاجة الى عناية خاصة

لونه اصفر وعنقه ارفع من العادى وهذه حالة توجب فحصه ويظهر أنى شغلت به أكثر من اللازم لأنى فى ليلة الجنعة رأيتكم وكأنى معكم فى سفر وقد حل بك الجهد وأنت تحملين سمية واحمد فحملت عنك احمد وحاولت أن أعطيه نقود " فكه " فلم أستطع أن اعطيه ولم يسطع هو أن يأخذ ووقع قرش تعريفة من القرشين الفكة التى كنت اريد أن أعدها له فى يده

والمهم أنى تعلقت به فى الرؤيا ضممته الىصدرى فى عطف وحنان وأحطته

113

بذراعى ولف هو ذراعيه حول عنقى نهايته فى سبيله يهون كل شىء ولعله يقبل ويتقبل

1 – الرجل الذى كُلف بإحضار الاشياء لصلاح كُشف أمره وفُتش بالبوابة وضبط متلبسا بكل ما كان معه وكان كثيرا جدا الى حد يزرى بتصرفاتنا ويدل على اننا لن نتعظ بكل ما حدث ولم نتقدم خطوة واحدة نحو المرات والحكمة وعليه فالرجل كريم النفس طيب القلب وله منا جزيل الشكر ولكن متى ينفع الشكر من قصير اليد له الله فنرجوا الاتى :

• الاتصال بأم صلاح فى حذر وتعريفها بالأمر

• منتظر مراقبتكم كلكم فى مصر القديمة فيجب الاحتياط

• الخطاب الوارد من الواحات ليس موجها لنا وإنما هو لإحد الإخوان الموجودين بالواحات فلا ندرى كيف سمحتم لأطلاعنا عليه نرجو أن يكون ذلك بإذن أصحابه وهو مرسل لكم لرده لهم وقد عرفنا محتوياته ولم نفطن أنه ليس موجها الينا إلا بعد الانتهاء من قراءته

• وخطاب أخر موقع عليه من احد الإخوان هنا فلعله جاء خطأ ولم نستكع إرساله الان لضخامة " الشيلة "

تحياتى لكم جميعا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الرسالة السابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

إنما هى لذة المناجاة التى لا توصف وحبال النداء الذى لا يكيف فإذا احسوا هذه اللذة فلا يبقى لهم لذات اخرى يتشوقون اليها واذا شاهدوا هذا الحمال فسيغمرهم نوره وبهاؤه فلا تبقى لهم اوهام يتوهمون بها جمالا سواء

ايتها الحبيبة زوجتى وأعز الناس علىّ هذا ما أرجوه لى ولك والله يؤتى فضله من يشاء وهو ذو الفضل العظيم اصبرى واحتسبى وكافحى واقرئى القرآن واعبدى ربك فالعاقبة دائما للمتقين وسلام عليكم

يوجد معنا هنا الاخ إمام سيد إمام من بين السرايات له اخت انت تعريفينها اسمها الانسة هانم السيد امام البكرى وهى التى كانت تقوم بالتدريس فى مدرسة " بين السرايات

114

التى كان يشرف عليها الإخوان وهى الان تعمل بشركة ادوية بباب اللوق والمهم هذه الاخت خُطبت اخيرا الان إجراءات خطوبتها لأحد أقاربها وقد بلغ أخاها هنا أن هناك خلافا فى الرأى بين والده ووالدته حول هذه الخطوبة فالوالد موافق بينما الام لا توافق وهو يخشى ان يكون هناك ما يبرر عدم موافقة الام ويخشى ان تكون اخته كذلك غير موافقة نظرا لان رأى الام يكون موافقا فى الغالب لرأى ابنتها

والمرجوا منك الان ان تقابلى هذه الاخت على انفراد وتعرفى رايها ثم تقابلى بعد ذلك والدتها لمعرفة الاسباب التى تدعوها الى عدم الموافقة وبعد ذلك تقومين بتقديم النصيحة الواجبة على المؤمنين وقد يكون من المفيد ان للأخ هما راّيا وهو ان الخطيب محمدود الدخل لدرجة لا تكفى لإعاشة اخته فى مستوى يليق بها وقد يدعوهذا الى ان تستمر اخته فى عملها بعد الزواج وهذ ما يعلرضه بشدة ولا يوافق عليه إطلاقا " زى حلاتى كده " وهو يحب لأخته ان تجد زوجا كريما يحفظها من البهدلة فى الطرقات ويوفر لها الاستقرار فى بيتها كريمة عزيزة

نرجو دراسة هذا الامر دراسة دقيقة ومعرغة كل الظروف المحيطة به وإبلاغ رغبة الاخلأخته وتقديم النصيحة لها بما ترين انه الحق والخير ثم إفادتنا فى خطاب مغلق مع زيارة الاخ محمد جاد مصر القديمة " أم مجدى " الاسبوع القادم إن شاء الله مع توصيتها بالاحتراس وهى تسلم الخطاب لزوجها فلا تسلمه إلا بعد الاطمئنان من غفلة الحراس

نسيت فى لزيارة أن أوسيك بدراسة حالة كمال السنانيري وأنور عداد من مصر القديمة وشخص اخر اسمه مصطفى ستخبرك به اخت عبد الرحيم ( انظرى الخلف ) ماذا تم فى موضوع ابنه عبد القادر الوراد التى قلت لك إنها ضعيفة فى مادة الانجليزى "

ارجو عمل اللزم فى حدود الممكن وبمقدار ما تسمح به ظروفكم ولك الشكر

115

ملحق ( 2 )

رسائل يوسف هواش من سجن طره وفيها شهادته على المجزرة

يحسُن ألا ننسى علاقة المؤامرة الغادرة بالنشاط الشيوعة فالذى حدث قبل اول خيط من خيوطها أن الإخوان ضبطوا كراسات ومنشورات شيوعية يوزعها الشيعيون المحكوم عليهم والذين وضعوا فى عنبر الإخوان ليكونوا عيونا عليهم وسلموا المضبوطات الى مدير الليمان وفيها دعوة سافرة الى الشيوعية كما انهم كانوا يقومون بالدعاية الشفوية الى الالحاد ويضحكون على السذج من النزلاء لتفى فكرة وجود إله لهذا الكون مثل أن يعرضوا عليهم مشاهدات تناسب سذاجتهم كأن يقولوا لهم: خذ قطعة جبن عفنة واتركها أياما يخرج نها دود والبيضة تخرج الكتكوت فهذه هى الحياة تظهر بدون حاجة لو جود إله ... وهكذا

وكان الرد على ضبط الكراسات والمنشورات الشيوغية هو منع الإخوان من اقامة الصلاة والاختلاط بالنزلاء لما رأوه من انتشار الصلاة ويقظة العقيدة ومعنى هذا هو الوقوف فى وجه الدعوة الشيوعية التى تمهد لها الادارة ( أدارة السجن ) بمعرفة الدولة طبعا يمثلها فى هذا الضابط " عبد العال سلومة " رجل المباحث العامة

فيحسُن أن يكون هذا معروفا جيدا وفيه التعليل الكافى للمؤامرة الغادرة

• هناك خيط أخر هو أن الضابط عبدالله ماهر الذى تولى اكبر دور فى

116

المؤامرة على اتصال باليهود المجونين وعلى علاقة بيوتهم وتأتى له سيارة اليهود ليركبها ومايزال يواصل ببعض النزلاء ليشهدوا بأن الإخوان كلفوهم باستحضار بارود لصنع قنابل وقد رفض النزلاء بشدة الاشتراك فى المؤامرة وفى حماسة لذلك وإن كان قليل منهم ربما يخضع للإراء ( والله من وراءهم محيط )

  • والمهم هو معرفة هذا الخيط كذلك

الإخوان الجرحى يحاطون برقابة دائمة التفتيش عليهم ولكن الله تعالى يجعل افئدة من الناس تهوى إليهم ويذلل لهم كل صعب وروحهم عجيبة جدا منهم من يامل فيرجو الله أن تكتب له الشهادة فيوصى بدقته مع أخ من إخوانه الشهداء ( مثل الجريح صلاح يوصى أن يدفن مع اخيه محمد وقد شقى وقد يرحل ومنهم من يكتب قصائد

وهم يحاولن تجويعنا حتى المرضى منا وذلك بمنع الكانتين عن الإخوان حتى لا يشتروا مواد غذائية كبقية النزلاء ويقتصروا على طعام السجن الردىء الثذر القليل ولكن الله سبحانه وتعالى لن يجيعنا فهو يطعمنا ويسفينا من فضله ومن حب الخلق ورضاهم وتطوعهم

إنما يحسن أن يعرف كيف يدبرون ويمكرون هؤلاء الذين يستنكرون اعتقال بعض الناس فى الأردن مثلا أو تحديد إقامتهم

• ربما يرحل عشرة من الجرحى تماثلوا للشفاء وقد يتأخرون لظهور حالة تيفويد فى واحد منهك وهو يأخذ علاجه كاملا والحمد لله لان الاطباء يقومون بواجبهم فى وسط النار وهذا من فضل الله

• إنهم يشنعون بالفرنسيين المستعمرين فى الجزائر لانهم عذبوا بعض الافراد مدة سبع وخمسين ساعة فيحسن أن تثار ذكريات تعذيب خمسة الاف فى السجن الحربى لمدة عام ونصف وبأقسى الوسائل التى يذكرونها عن التعذيب فى الجزائر للمقارنة وهذا من فضل الله

• وهم ينددون باعتقال المدعى العام الأردنى وتحديد إقامة اللواء " المعايطة " فيحسُن أن تثار قصة المذبحة الغادرة وقتل الإخوان العزل وهم فى السجن وداخل الزنازين وبوحشية لم يعرفها التاريخ

117

ويحسن التفصيل والاعادة والتكرار فى ذكريات المجازر الرهيبة القديمة والجديدة واخرها قتل الجرحى ثم عزف الموسيقى فى الطوابير المنتصرة الطوابير التى جرت كالارانب فى صحراء سيناء وفى قطاع غزة ثم تظهر بطولتها مع العزل داخل الزنازين كذلك عمليات التعذيب والتجويع للمرضى والجرحى بلغتنا اخبار غير متيقنة عن الذين رحلوا فقد تلقاهم صفان من الحراس من باب السجن الى باب الزنزانه وفتشوهم عرايا ونهبوا كل ما كان معهم ومن يوم وصولهم لم يخرجوا من الزنازين الا الى دورة المياه وقد وقعت عليهم بعض العقوبات التهديدية اثناء الدخول ولكن بعد ذلك هدأ كل شىء ولعل الحالة تتحسن وممنوع عليهم شراء شىء من الكانتين

هذه المذبحة الوحشية التى دبرها الفجار لقتل الإخوان إذ شاء الله تعالى أن تظهر فيها بطولات فذة تبشر وتطمئن على الرغم من فداحة التضحية وجسامتها

وقد سبقت المذبحة الوحشية الغادرة هذه المفدمات

1- إنه فى يوم الاربعاء 22 / 5 مُنعت صلاة العصر بصورة غاية فى الاستفزاز

2 – وفى يوم الخميس 23 / 5 منع الكرة الذى الذى كان مرخصا به وبنفس الطريقة

3 – وفى يوم الجمعة 24 / ظلت الزنازين مغلقة على الإخوان حتى صلاة الجمعة تقريبا

4 – وفى يوم السبت 25 / 5 حدثت مشادة بين الضباط عبد العال سلومة وثلاثة من الإخوان بغير داع سوى خطة الاستفزاز المدبرة

5 – وفى يوم الاحد 26 / 5 قال هذا الضابط نفسه بتصريحات عجيبة " فيه أوامر عليا بجر الإخوان لمعركة نخلص فيها على ثلاثين اربعين ....." وكرر مثل هذه التصريحات بصورة استفزازية مثيرة ولأكثر من أخ من الاخوات

6 – وفى يوم الاثنين 27 / 5 قال هذا الضابط نفسه وهو ضابط العنبر " إن أخر التعليمات التى عنده أن الاخ الذى يضبط ببدلة نمده على رجليه ونأخذ البدلة "

118

7 – وفى خلال هذا الاسبوع كان هناك ضابط اخر ( عبد الله ماهر ) يحتك بالإخوان بغير مناسبة ويحاول استفزازهم بأى طريقة وهذا الضابط على اتصال وثيق باليهود المسجونين بنفس عنبر الإخوان وهو يحمل إليهم الطعام الخاص الاتى من ممنازلهم ببده ويقال إن له علاقة بأخت أحدهم وهو الذى اصطدم بأهالى الإخوان فى الزيارة وأودعهم نقطة طره ثم المعادى واصطدم بالإخوان وأودع ثلاثة عشر منهم فى التأديب بالحديد من الخلف مدعيا أنهم أهانوه وذلك بعد تصريحات علنية له بأنه سوف يحرق للإخوان حرقا

8 – وفى يوم 29 / 5 شرح الإخوان للمدير هذه الاستفزازات فوعدهم خيرا

9 – وفى يوم الخميس 30 / 5 منعت الزيارات الخاصة بالإخوان بدون مبرر

10 – وفى يوم الجمعة 31 / 5 حدث مثل ما حدث يوم الجمعه الذى قبله اغلقت الزنازين حتى الصلاة

ثم كان يوم السبت 1 / 6 / 1957 الذى وقعت فيه المدبحة الغادرة بعد كل الترتيبات المقصودة وهذا تفصيل ماحدث

راى الإخوان ان يتخلصوا من هذه الحالة التى لا تراعى فيها الادارة اى قانون من قوانين السجون فكتبوا طلبا للإدارة لطلب النيابة للتحقيق فيما يجرى معهم وقالو فيه

إنهم اودعوا هذا المكان فى ظروف استثنائية وذلك باعتراف خصمهم فى مجلس الثورة الذى اصدر فى اخر جلساته قرارا بشأن تلاقى كل ما حدث فى تلك الظروف الاستثنائية وذلك فى وقت قريب وفوض رئيس الجمهورية فى ذلك حتى لا يتأخر الامر أربعة أشهر كما كان مفروضا وقتها أن تجرى الانتخابات وحددوا ما يطلبون فى : اعتبارهم مسجونين سياسين على أكثر تقدير وذكروا الاستفزازات المستمرة وتساءلوا : لحساب من هذا ؟ وطالبوا بحضور النيابة وهو حق طبيعى لكل مسجون وفى انتظار ذلك قرروا : رفض العمل بالجبل كأول مظهر لا عتبارهم مساجين سياسين

119

وسلمت الشكوى بهذا المعنى لكاتب العنبر لباخذ خط سيرها الروتينى الهادىء كما يقع من النزلاء العاديين

وانتظر الإخوان داخل الزنازين

وبعد حوالى ثلث ساعة طلبت الادارة اربعة منهم هم : الحاج احمد السيسى وحسن دوج وعبد الحميد خطاب والحاج عبدالرزاق امان الدين واودعوهم التأديب وبعد نصف ساعة اخرى جاء الضابط محمد صبحى والملازمان عبد لعال سلومة ويونس مرعى واخذوا فى اخراج الإخوان بالقوة بحجة مقابلة المدير ونزل الإخوان ليعودوا مسرعين لانهم وجدوا قوات من الكتيبة مزوده بالشوم

واسرع المدير بالحضور وطلب الاجتماع بالإخوان فوقفوا على سور الدور الذى يسكنون فيه ووقف المدير فى ( 1 ) وشرحوا له وجهة نظرهم فى ادب كامل وبعد ساعة جاء المدير مصرا على ان يدخل الإخوان الزنازين بعد ان كان طلبه الاول هو خروجهم الى الجبل

وكان واضحا للإخوان انها خديعة ليتمكن من اخذهم زنزانة زنزانة وهم منفردون فطالبوا المدير بحضور النيابة لضمان عدم الاعتداء عليهم وهم بعد ان لا يمانعون فى الدخول

وانصرف المدير وبقى المامور الاول وبعض الضباط للتفاهم مع الإخوان وطال الجدل والإخوان يلحون فى طلب النيابة ثم اخذ الشر يفصح فى عيون الضباط وكلماتهم فرأى الإخوان من باب الاحتياط ان يعلنوا الخطة السلمية الكاملة فأعلنوا انهم مضربون عن الطعام وكتبوا هذا تحريرا وسلموه بالطريق الرسمى

وهنا راى المتأمرون ان حجتهم ستسقط وهى أن الإخوان فى حالة هياج وتمرد لان الاضراب وسيلة عن الطعام وسيلة سلمية وليست تمردا ولا هياجا وعندئذ ثارت ثائرة المتامرين

120

وفجأة اقتحمت العنبر قوات ضخمة من جنود الكتيبة والسجانة وعلى رأسها مدير السجن والبكباشى زغلول شلبى والضابط عبد اللطيف رشدى واحمد زكى وعبد القادر جمعة وكان منهم يحملون الشوم ومثلهم بالبنادق والمدافع الرشاشة

وتوزعت القوى المسلحة على دور (1 ) ( 3 ) ( 4 ) واتجهت قوة الشوم الى دور ( 3 ) حيث الإخوان فى حماية الرصاص من اعلى دور ( 4 ) ومن اسفل دور ( 1 ) وابتدأ الهجوم من جميع الجهات وقد اصيب فى اللحظات الاولى عدد كبير من الإخوان بالرصلص وكان من الانتحار ان يظلوا خارج الزنازين فدخلوا

وهنا وقعن احداث عجيبة تشهد كيف يخلق الايمان بطولات لا تكاد تصدق بطولات الصحابة الاوائل رضوان الله عليهم فقد ارادت قوة الشوم اقتحام الطرقات لقتل الإخوان داخل الزنازين ورغم حماية الرصاص للقوة فقد اصطدم بها الإخوان المدافعون عن انفسهم بأيديهم فاضطرت للانسحاب امام صلابة الارادة والبطولة الخارقة

وفى الوقت ذاته كان الرصاص يدوى ويتساقط القتلى من الإخوان وقوة الشوم تحاول الكر عليهم كلما اشتد اطلاق الرصاص

وكان الاخ يتلقى عن اخوانه يحميهم بجسمه حتى يسقط قتيلا او جريحا فمثلا يقفز الشهيدأحمد حامد قرقر والشهيد عثمان عيد وينام كل مهما فوق اخوانخ ليكون لهم فداء ويقوم الشهيد احمد حامد ليضرب بيديه المجردتين فى وجوه المهاجمين فيرتدوا ويتقدم الشهيد مصطفى حامد وهو مصاب يترنح ليضع على اخوانه الواح خشب كانت رفا للكتب ليقيهم من الشوم

ثم تنسحب قوة الشوم مهزومة وتترك مكانها لحملة المدافع فتضرب الابواب المغلقة من الداخل حتى يثقبها الرصاص وتصيب الإخوان ثم يصعد الانذال ليضربوا كل الإخوان من الشراعات ويتساقط الشهداء والجرحى تحت ازيز الرصاص وهم يضربون اروع امثلة الشجاعة العزلاء والفداء هذه هى المذبحة مصغرة تشهد بالغذر والتدبير كما تشهد بالبطولة للشهداءفأما

121

بعد المذبحة فإن الانذال كانوا يترصدون للجرخى وهم محمولون على نقالات الاسعاف ليقضوا عليهم بالشوم وهو مالا يقع فى الجروب

ثم يجىء صلاح دسوقى ( أركان حرب الداخليه ) ليقول للمدير مدير السجن امام وكيل النيابة المحقق

- انا كنت عاوزهم يموتوا كلهم

- ولما استنكر وكيل النيابة قوله قال له

- - ياستاذ انت تكمل تحقيقات بس وفى الاخر حا يجيلى واشوفه

- والان

- عمليات التضييق الخانقة تحيط بالإخوان من كل جانب وقد سلب الجرحى احذيتهم وملابسهم الداخلية

- اما الذين رحلوا الى سجن القناطر الخيرية فقد عُذبوا ثلاثة ايام وذلك غير سرقة ونهب متاعهم ونقودهم وادواتهم وكتبهم وملابسهم وقد طاف الجنود الانذال حول الليمان بعد المعركة بالموسيقى مل صباح

اسماء الجرحى

  1. ابراهيم عرفة
  2. رضوان محمد احمد
  3. صلاح الانور
  4. حسن صالخ
  5. احمد عبد العزيز
  6. مصطفى على
  7. اسماعيل عيد
  8. محمد عبد الحميد البتاجى
  9. محيى عطية
  10. الحسينى
  11. مجد الدين زهدى
  12. عبد الحكيم شحاته
  13. عبد الحكيم الفيومى
  14. فكرى حسين كريم
  15. عبد العظيم دوح
  16. هاشم محمد متولى
  17. حسن على حسن
  18. مصطفى عارف
  19. احمد رمزى
  20. صابر سالم
  21. عباس فتح الله – شفى ورحل
  22. سيد عبد الحليم – شفى ورحل

هذه هى خطوات الماساة الوحسية التى ارتكبت فى طرة يوم 1 يونيو 1957 فى العنبر الخاص بالإخوان

1 – فى يوم الابعاء 22 من مايو 1957 منع الإخوان من صلاة الجماعة فى فناء عنبرهم حيث كان يصلى معهم عشرات من معتادى الاحرام الذين فشل فيهم كل اصلاح فأصلح الله تعالى حالهم على ايدى الإخوان وكان منع الصلاة بصورة استفزازية واضحة اذ حضرت مجموعة من الضباط فى الوقتصلاة العصر وفضوا الصلاة بالقوة وفى شكل مقصود به الاهانة والاستفزاز

2 – واختار الإخوان خطة مسالمةوتركوا الصلاة المشتركة واكتفوا بصلاة الجماعة بينهم فى الدور الخاص بهم من العنبر ولكن هذه الصلاة منعت كذلك فسالموا مرة اخرى واكتفوا بصلاة الجماعة داخل الزنازين فمنعت ايضا بقظاظة

123

3 – حدث بعد ذلك فى زيارة اخوان شبرا ان جاء الضابط واحتك بالاهالى الزائرين من الرجال وشتم السيدات شتيمة قذرة ( ش ) فردوه واوقفوه عند حده فاستدار وشتم الإخوان بحجة ان الاهالى يعطونهم طعاما ولم يقبل ما عرضه الإخوان من ارجاء الكلام الى مابعدالزيارة لان الهدف هو الاستفزاز وعندما قال له اخ ان هؤلاء اللاتى شتمتهن لسن " ش " ولكنهم اشرف من فى البلد اعتبر ذلك اهانة فادعى ان الإخوان تهجموا عليه وعندئذ وضعت الاصفاد فى ايدى بعضهم ووضعوا فى التأديب

4 – بعد هذا رغب الإخوان فى المسالمة لذلك فذهب اثنان منهم لمقابلة المدير وابلغاه خبر هذه الاستفزازات وطلبا تفسيرا لها وانهم راغبون فى التفاهم مع الادارة وقالوا نحن لسنا خصوما لادارة السجن وهى ليست خصما لنا ونحن نعتبر ان الادارة تريد فقط تنفيذ الاوامر وانها ليست هى التى جاءت بنا الى هنا ومن اجل هذا نحب ان تيسر الامولا فوعدهم خيرا بوضع حد لما يشكون منه

5 – كان التنفيذ العملى لهذا الوعد هو ذهاب احد الضباط فى صباح اليوم التالى ومعه قوة من مائة سجان بالعصى الغليظة للتفتيش ولكن حدث ان كان شاويش العنبر قد فتح الزنازين كلها للإخوان وكانت خطة الضابط هى ان يستفرد بهم زنزانة زنزانة فراى ان غرضه قد فات عليه فشتم الشاويش ورجع فى انتظار تحقيق هدفه والاشتباك بالإخوان فى فرصة احسن واستمر الاستفزاز

6 - وفى هذه الاثناء فلتت كلمات من بعض الضباط اذ قالوا لبعض الإخوان احنا حندبر لكم حركة ندفعكم اليها دفعا علشان نقتل اكبر عدد منكم

7 – ارسلت برقية للنيابة للشكوى من سوء معاملة الادارة والهوف من اصطدام مدبر وطلب حضور النيابة سريعا للتحقيق وكان هذا يوم الخميس 30 مايو

8- الجمعة لم تحضر النيابة واستمر الإخوان فى دورهم الخاص بالعنبر احضور

124

النيابة لانهم كانو يتوقعون تبدير الاحتكاك بهم وهم فى الجبل وهى الحالة التى تستدعى اطلاق النار عليهم بحجة الفرار لان النار لا تطلق على النزلاء وهم داخر العنابر فاختاروا البقاء فى العنابر وانتظار التحقيق وطلب معاملتهم بصفتهم سجناء سياسيين وكانت كل تصرفاتهم قائمة على اساس تجنب الاصطدام وانتظار تدخل النيابة

9 ظلت الحالة هادئة تماما من ناحية ادارة السجن ومن ناحية الإخوان انفسهم فلم يقع اى احتكاك وكانوا فى هذه الفترة يدبرون خطة الجريمة المذبحة فجمعوا النزلاء من انحاء الليمان وادخلوهم الزنازين حتى لايصاب احد الا اولئك الذين يراد تذبيحهم

وكانت الحركة الثانية هى حضور جنود الكتيبة بمدافعهم الرشاشة والبدء باطلاق التيران حيث لم يكن مع الإخوان شىء يدافعون به عن انقسهم فدخلو الزنازين وكانوا لم يدخلوها من قبل حتى لا يستفردوا بهم ثلاثة ثلاثة ويقتلوهم

وكان الامر يمكن إنهاؤه عند هذا الحد لو كان الغرض هو انهاء الموقف ولكن الجنود دخلوا عليهم الزنازين وضربوهم بالرصاص فى رؤسهم وفى بطونهم ولم يضرب احد فى ظهره لان الإخوان العزل اخذوا يهاجمون بايديهم حاملى الرشاشات الذين دخلوا عليهم الزنازين

10 وانتهت المعركة بقتل ستة عشر ( 16 ( شهيدا وجرح ثمانية وعشرين _ 28 _ جروحا خطيرة

وعند نقل الجرحى للاسعاف كانوا يضربونهم وهم محمولون على النقالات ليقضوا عليهم مما يدل على نية القتل العمد فبلغ عجج الشهداء ( 21 )

11 – بعد ذلك صب الانذال الماء فوق الشهداء وادخلوا الإخوان الاحياء ليناموا فوق الدماء وقد نزعوا ملابسهم كلها والبسوهم بدلة السجن على اللحم وسرقوا ملابسهم الخاصة واطعمتهم وادويتهم كذلك وكل مالهم وحطموا الباقى

125

12- وفى الليل جعلوا يخرجونهم فى الظلام عشرة عشرة ويطلبون منهم ان يهتفوا بحياة عبج الناصر ولما امتنعوا فلم يهتف منهم احد كان جزاؤهم الضرب وهم فى طريقهم الى دورة المياه

13 – فى ليلة 5 يونيو رحل الإخوان الى سجن القناطر

14 – طلبت ادارة السجن ترحيل الجرحى من الإخوان الى المصحة فى الليلة الثانية ولكن القسم الطبى لم يرد هذا الطلب ولا ندرى متى يتم هذا

15 – ورغم هذا فإن الروح المعنوية للإخوان عالية جدا وقد ارتفعت والحمد لله الى مستوى القمة بشكل عجيب جدا وكانت ضخامة التضحية مما يعلق قلوبهم بالله وحده فلا يهمهم ماذا ينوى الجلادون ان يفعلوا بهم ولكن يهمهم ان تعلموا انتم وتطمئنوا الى انهم لم يكونوا متهورين ولا معتدين ولا جبناء وانهم احتملوا الاستفزاز واستمروا وآثروا المسالمة ولكن المكر السيى كان يدبر لهم

16 – التحقيق الذى تجريه النيابة يبدوا الى انه طبيعى اثبت ان الرصاص قد خرق ابواب الزنازين وهذا يدل على ان القتل قد حدث داخل الزنازين رغم اخراجهم الجثث منها للتمويه وان الحادثة قد حدثت خارجها وقد جاءت الادارة بقطع حديد واخشاب وقالت إن الإخوان قد استعملوها وهذا كذب طبعا فو كان أى سلاح بأيدى الإخوان لتغير وجه الاعتداء

17 – وقد اشاعوا انها كانت تمردا بالليمان وهو غير صحيح كذلك لان النزلاء دخلوا زنازينهم للمحافظة على حياتهم فلم يكن هناك هياج ولكن كانت مذبحة


الجرحى

  1. عبد العظيم دوح
  2. ابراهيم عرفة
  3. احمد رمزى
  4. مجد الدين زهدى
  5. احمد عبد العزيز
  6. محيى الدين عطية
  7. مصطفى المصيلحى
  8. الحسينى سلطان
  9. عبد الرحمن الفيومى
  10. مصطفى مصطفى على
  11. صلاح عبد الخالق الانور
  12. محمد عبد لحميد البلتاجى
  13. فكرى حسين
  14. هاشم متولى
  15. مصطفى سعد
  16. عباس فتح الله