رحلة دبلوماسي: ستون عاما في حب مصر(10)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رحلة دبلوماسي: ستون عاما في حب مصر 10


رحلة دبلوماسي.jpg

السفير إبراهيم يسري

(27 سبتمبر، 2019)

مقدمة

بعد اجتماع عقده مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير طنطاوي. تنحى الرئيس مبارك عن منصبه تحت ضغط الجنرالات حيث تم اقناعه بضرورة الاستجابة لمطالب جماهير ثورة 25 يناير 2011. وهناك قناعة أن الجنرالات لم يكونوا على استعداد للخدمة تحت رئاسة جمال مبارك لأسباب تتعلق بشخصيته غير المحببة لهم فضلا عن أنه كمدني سينهي سيطرة العسكر على الحـكم التي دامت دون انقطاع أكثر من ستين عاما.

وأعلن السيد عمر سليمان نائب الرئيس هذا الخبر في كلمة مقتضبة أذيعت على محطات التلفزيون والراديو.

ورحل الرئيس مبارك إلى شرم الشيخ ليمضي حوالي ثلاثة شهور في ذات أوضاع ومزايا رئيس الجمهورية، كما ظل مكتبه بالرئاسة مفتوحا وكان زكريا عزمي رئيس مكتبه يسافر ذهابا وعودة دون اعتراض من أحد، إلى أن بدأ التحقيق معه وفرض إقامة جبرية عليه، ولكن لم يحد مسئول من تحركات وسفر زوجته وولديه، وأشيع أنهم سافروا إلى لندن في طائرة خاصة يحملون عشرات الحقائب ولكنهم عادوا جميعا للقاهر بعد أن شعروا بالاطمئنان من السلطة الجديدة. وظلت زوجته طليقة لم يتعرض لها أحد أبدا.

وأذاع المجلس رسائل مطمئنة للشعب أهمها أن السيادة للشعب وأنه يحكم مؤقتا باسم الشعب وسيسلم له السلطة بعد ستة شهور، وأدي الجنرال الذي أذاع البيان التحية العسكرية لشهداء الثورة واعدا بالقصاص لهم وتعويض عائلاتهم.

وهكذا سادت الفرحة على مشاعر الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير والشعب كله الذي قام بالثورة في شكل نسيج واحد موحد يضم كل الفصائل السياسية والطوائف والنخب السياسية والثقافية. وهلل المتظاهرون في الميدان ثم انصرفوا راضين في انتظار تنفيذ ما وعد به العسكر من نقل السلطة إلى هيئة مدنية ينتخبها الشعب.

وانسقت كغيري من الفصائل السياسية والنخب والثوار إلى ما تخيلناه من مصداقية نوايا العسكر، وتنفسنا الصعداء آملين الخلاص من كابوس الحكم العسكري الذي جثم على صدورنا لستين عاما فخلف فيها الفساد ونشر الفقر وباع ثروات البلاد وأرضها للمليارديرات الجدد.

ولما كان العسكر قد وعدوا بتسليم السلطة للشعب خلال ستة أشهر، طوفت التحرك بين جميع الفصائل والنخب للتشاور حول الاستعدادات والإجراءات اللازمة للانتقال للحكم الديموقراطي، ولكنها ذابت في بحر الأطماع والتطلعات الأنانية.

ولم تنجح محاولاتي حيث وجدت آذانا صماء ونوايا خفية لم أستطع تفسيرها ولا الاقتناع بجدواها بل شعرت بخطورتها على الثورة وإضعافها لصوت وآمال الشهداء وشباب الثوار.

ولم أجد بديلا عن السعي بمفردي لدى العسكر دون معرفة سابقة باستثناء المشير حسين طنطاوي الذي قابلته بالاتحادية في إحدى المناسبات وتبادلت معه حديثا مقتضبا، وكان هدفي إشعارهم بأن الشعب ينتظر رحيل الحكم العسكري وإرساء النظام الديموقراطي كما وعدوا في بياناتهم. وحاولت إشراك النخب معي في هذا الجهد حتى يشعر الجيش باستمرار الضغط الشعبي ولكنها ذابت في الزحام وعليه قدمت

اقتراحي للمجلس العسكري كمواطن من آحاد الناس

بدافع من ثقة ساذجة وبكل حسن النية قمت بمسعى لدى المجلس العسكري كمصري من آحاد الناس لا ينتمي إلى حزب أو جماعة، فوجهت الكتاب التالي الذي سلم باليد إلى مكتب المشير حسين طنطاوي بصفته رئيس المجلس العسكري الحاكم بعد خلع مبارك بأسبوع أي في 20 فبراير 2011:

فخامة المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة

تحية طيبة وبعد

أتشرف بتأكيد أنني أشارك كل المواطنين في الإشادة بموقف الجيش في حماية الشعب والاستجابة لطلباته ولآماله، وأتشرف بأن أورد فيما يلي تصوري الشخصي لخارطة طريق مقترحة لتوقي فشل الثورة.

تعلمون أن للثورة شرعية ثورية تسقط العقد الاجتماعي السابق وتفتح الباب لعقد اجتماعي جديد بموجب بناء دستوري وقانوني جديد بعد تنحي الرئيس وتولي الجيش السلطة، وحتى لا تتبدد الجهود ويضيع الزخم ويقفز المهرولون على الثورة. أقترح:

عدم طرح تشكيل مجلس رئاسة أو حكومة إنقاذ وطني حرصا على إتمام نقل السلطة للشعب في المدة المحددة في بيانكم وهي ستة شهور.

لا حاجة إلى حوار أو تفاوض بين الشباب والقوي السياسية (لتناحرها وقلة خبرتها) وبين العسكريين لأن أهداف الثورة معروفة ولا خلاف عليها ولا بديل عن تحقيقها، ويتولى الجيش تحقيقها تدريجيا وفق الظروف

يواصل المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة الدولة ويقوم بإعداد بنود العقد الاجتماعي الجديد ويتخذ الخطوات التالية:

  1. -إصدار إعلان بإلغاء جميع التعديلات التي أدخلت على دستور 1971 مع الحفاظ على المواطنة ويتم حل مجلسي الشعب والشوري.
  2. -الغاء حالة الطوارئ وكافة القوانين المقيدة للحريات.
  3. -السماح بتكوين الأحزاب الســــياسية على أسس الثورة الجديدة بالإخطار (تقدم الإخطارات خلال 30 يوما)
  4. – إصدار قانون الحقوق السياسية الذي قدمته القوى السياسية وقانون استقلال القضاء الذي أعده نادي القضاة.
  5. – تشكيل حكومة تكنوقراط غير مسيسة لتسيير الأعمال.
  6. – الحرص على أن تتم كل إجراءات إرساء الديموقراطية وإقامة الحكم المدني خلال الشهور الستة التي حددها الجيش تفاديا لميوعة الموقف السياسي وتصاعد الصراعات خارج صندوق الانتخابات.
  7. – الإعداد لانتخابات برلمانية لمجلسي الشعب والشوري على أساس القائمة النسبية خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة شهور بعد نقل إدارة الانتخابات لوزارة العدل.
  8. – تشكيل حكومة حسب نتيجة الانتخابات بحزب الأغلبية أو ائتلاف عدد من الأحزاب تحدد التوجهات السياسية والاجتماعية والثقافية في إطار توافق وطني.
  9. – ينظر البرلمان الجديد في مشروع الدستور الذي أعده الخبراء الدستوريون ويطرح على الاستفتاء.
  10. – بعد قيام الدستور الجديد تجري انتخابات رئاسية تعددية تعين الرئيس الجديد.
  11. – يتسلم الرئيس الجديد السلطة من رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
  12. – تدخل مصر القرن الواحد والعشرين.

القاهرة في 20 فبراير 2011

ولكن هذا المسعى لم يجد أي تجاوب من الجيش، وبدأت الشكوك تساورني في مدى صدقيتهم وحقيقة نواياهم وسط فرحة كبيرة سادت كل الأوساط السياسية والشعبية. وللتحقق من صدقية هذه المخاوف، عاودت دون جدوى اللقاء مع عدد من الحزبيين والشخصيات الوطنية المستقلة التي عرفتها وشرفت باستقبالها بمكتبي ودعوتها إلى الحديث حول موائد الغذاء والعشـــاء، فأصابني شعور بالمرارة والدهشة معا، وأدركت أنه لم يبق أمامي إلا أن أطرح أفكاري وتحليلاتي بمفردي كمصري يهتم بمستقبل بلاده. ومع ذوبان النخب تسارعت إلى تشكيل جماعات وأحزاب سياسية دون تنظير إيديولوجي ولا خطوط سياسية بل على أسس شخصية وأفكار مبسطة.

ومع ذلك لم أقطع اتصالاتي معها ومع الأحزاب القديمة والجديدة، وكانت مصداقيتي باقية عندها لعدم انحيازي أو انضمامي لحزب أو فصيل.

تأسيس جبهة الضمير الوطني

ولعل هذه الخلفية هي التي قللت من حدة مفاجأتي عندما اقترحت بعض القوي السياسية والنخب المستقلة تشكيل جماعة دون كيان مؤسسي ولا تمويل أو إلزام، تستهدي فقط بالضمير الوطني ومصلحة مصر وعرضوا على رئاستها دون أن أعلم مسار تلك الاتصالات أو أشارك في تشكيلها، وبعد أن أكدت أنني لن أنحاز لأي حزب أو جماعة وأن هدفنا الرئيس والوحيد هو مصلحة الوطن وإرساء الحرية والديموقراطية، قبلت ذلك من واقع المسئولية الوطنية من جهة وحتي أجد مجالا أتحرك فيه في العمل الوطني بعد أن ابتعدت عن جميع الأحزاب والائتلافات التي شكلت بعد قيام الثورة وتغاضيت عن إلماحات بمناصب هامة.

وهكذا فهمت من ترشيحي لرئاسة الجبهة تأكيد هوية الجبهة المستقلة، لذلك اشترطت أن يخلع الحزبيون رداءهم الحزبي عند حضور اجتماعات الجبهة، وألا تتبني الجبهة مطالب حزب بعينه وبالفعل حفلت بيانات الجبهة بنقد الحكومة بل واستصرخت الدكتور مرسي لتباطئه في اتخاذ قرارات هامة، وكانت الاجتماعات والمؤتمرات الصحفية تتم كلها في مكتبي. ولم أدهش عندما تنصلت بعض الشخصيات الوطنية من ترشيحها لعضوية الجبهة وحرصت على إعلان ذلك في وسائل الإعلام، ولكن في النهاية تم فعلا تشكيل الجبهة.

البيان التأسيسي للجبهة

بالفعل أعلن البيان في مؤتمر صحفي بساقية الصاوي وأورد فيما يلي مضمونه حتى تتضح هوية الجبهة الاستقلالية:

….، يصبح لزاما على كل مصري ومصرية أن يسعى بكل السبل والوسائل إلى محاولة إيقاف الاندفاع المحموم… إلى الوصول بالصراع إلى حافة هاوية مخيفة إن سقطت فيها مصر فلن تخرج منها قبل… عقود٠ من هنا جاءت الحاجة إلى تكوين جبهة مصرية تدافع عن حق المصريين في الحياة، وعن حق مصر الثورة في أن تخطو في طريق التقدم والتطور…..

وقد اجتمعت هذه المجموعة من الشخصيات الوطنية على هدف واحد وهو الدفاع عن القيم العليا للثورة المصرية، وتوفير البيئة السياسية والمجتمعية لتحقيقها واستكمالها، وتسعى هذه الجبهة… لأن تكون ممثلة لكل ألوان الطيف السياسي والثقافي والاجتماعي في هذه المرحلة………٠ وعملا من هذه الجبهة على تدعيم كل عوامل اللقاء والتوحد حول الوصول بحلم الثورة المصرية إلى غايته فإنها تفتح أبوابها لكل مصري ومصرية يتطلعون إلى إعمار مصر….، وإلى قوتها لا إلى تفتيتها وإضعافها. وتعتبر هذه الجبهة نفسها نواة لكتلة ضمير وطني تدافع عن استمرارية الثورة… ومن هنا فهي ليست حزبا سياسيا وإن كان من بين أعضائها ممثلون لأحزاب قائمة، ستكون أولويتها الأولى في هذه المرحلة الحفاظ على الدم المصري….. وستجأر بالمعارضة والاحتجاج في وجه السلطة إذا رأت منها انحرافا عن أهداف الثورة.. بقوة دون مهادنة أو مجاملة لسلطة ودون خضوع لمزايدات أو تأثر بضغوط أصحاب الأصوات العالية.

إطلاق وثيقة جبهة “الضمير”

أعلنت جبهة الضمير الوطني، خلال مؤتمر صحفي لها “وثيقة الضمير”….

واحتوى نص الوثيقة على عشرة بنود أوجزها فيما يلي:

  1. أن مصر لكل المصريين، تتساوى حقوقهم وواجباتهم ودماؤهم وأموالهم.. دون تمييز أو إقصاء… لأي سبب.
  2. أن المواطنة هي أساس العلاقة بين المصريين، والاختلاف بين بعضهم البعض، أفراد أو أحزابا أو طوائف، هو تنوع ثراء، لا يجوز النظر إليه باعتباره خطرا يهدد وحدة الشعب.
  3. أن الدعوة للعنف وإثارة الكراهية واستحلال الدماء.. أخلاق غريبة على مجتمعنا، سنعمل بكل طاقتنا لمكافحتها…، كما أن التخوين والتكفير هي أساليب للإقصاء والاستبعاد السياسي لن نقبلها بيننا.
  4. لا يجوز لأي شخص أو فريق أو فئة أو طائفة أو جماعة أو حزب أن يدعي لنفسه أنه يمثل المصريين منفردا.
  5. أن النظام السياسي في البلاد أساسه احترام الإرادة الشعبية عبر صناديق الانتخابات والاستفتاءات، وأن أولوياتنا الآن هي استكمال مؤسسات الدولة.
  6. أن الدعوة لإقصاء فريق أو إسقاط مؤسسة منتخبة بغير الطرق الديمقراطية هو خروج عن السلمية والتفاف على الديمقراطية.
  7. أن الشخص أو الحزب أو الفريق السياسي الذي يفوز بثقة الشعب في انتخابات معينة ولمدة محددة هو مجتهد، يخطئ ويصيب وتحت رقابة الشعب المصرى كله.
  8. أن مؤسسات الدولة أو أبنيتها ودواوينها ملك الشعب، والموظفين بها ضيوف عليها لمهمة محددة، وأمد مؤقت.
  9. أن جيش مصر العظيم، هو درع الوطن وملك الشعب وحامي الأمة، يحرم على أي طرف أن يستدعيه للتدخل في الشأن السياسي أو أن يستثيره للخروج عن الشرعية التي هي إرادة الشعب.
  10. إن كل منا، شخصه أو هيئته، حزبا أو جماعة، حراس على هذا الوطن، أمنه واستقراره ووجوده، نتعاهد بكل مقدساتنا ألا نفرط في ذرة من ثراه أو قطرة من مياهه أو نسمة من عبيره.

ولا أستطيع أن أترك موضوع الجبهة كي أعرض مقابلة لأعضاء الجبهة مع الدكتور محمد مرسي في قصر القبة. وكنت أجلس في أول مقعد على يساره، وطلبت منه في كلمة متلفزة ومسجلة:

المزيد من الحزم وصرامة السلطة.

التواصل مع الجماهير في كل مؤتمرات شعبية وعدم الاكتفاء بالبث التلفزيوني.

خطأ معاقبة الفاسدين من عمد الدولة العميقة بقانون العقوبات، وطلبت تفعيل قانون محاكمة الوزراء الصادر سنة 1958 والذي لم يتم إلغاؤه وقدمت له نص القانون.

التصرف بحنكة وقوة للحفاظ على حصتنا في مياه النيل وقدمت له اقتراحاتي مكتوبة.

الجيش يعزل الرئيس المنتخب ويلغي الشرعية الدستورية

لو أنني لا أشعر بهذا الحب الجارف بمصر ككثيرين من المصريين، لتجاهلت التطورات المؤسفة التي أثبطت عزيمة الثوار وأخرت مصر إلى العصور الوسطي، ودفعني هذا الحب إلى إعلان معارضتي للانقلاب في الصحف والمؤتمرات وعلى شاشات المحطـات التلفزيون.

وهكذا كان يوم 3 يوليو 2013 أكثر الأيام سوادا في حياتي منذ ولدت قبل ما يقرب من 80 عاما، ومن واقع مشاعري بحب مصر، ومرجعيتي القانونية والدستورية، انتابتني موجه شديدة من الحـــــــزن والأسى، مثلي مثل كل المصريين الذين يعتزون بمصريتهم بعيدا عن المنافقين والمتربحين والفاسدين واللصوص والبسطاء والنساء اللائي يحببن الرجل في ملابسه العسكرية والدين يتبنون بحسن نية وفي قصور فكري مقولة المستبد العادل.

واستولي الجيش على السلطة، بفضل ما يتمتع به قادته من القدرة على خداع القوي السياسية إلى حد التظاهر بزهدهم في الحكم عندما تنحى طنطاوي وعنان تكتيكيا، ولكن السيطرة كانت دائماً لهم. وأدرجوها في نصوص دستور ٢٠١٢ التي تؤكد سيطرة المؤسسة العسكرية.

واعتبر الجميع أنه قد تم إرساء الحكم المدني الشرعي ولكنا فوجئنا بأنهم عادوا فأعلنوا بكل صراحة واستخفاف بالشعب الاستيلاء على السلطة في ٣ يوليو، مما يؤكد في حقيقة الأمر أنهم لم يتخلوا عن السلطة يوما واحدا منذ تنحى الرئيس الأسبق مبارك.

وبذلك جردوا ثورة ٢٥ يناير من أهم أهدافها وعدنا مرة أخرى للحكم العسكري مهما حاولوا تحميله بغلالات ديموقراطية. وصنف الساسة والكتاب والأكاديميون والإعلاميون ما حدث في مصر بأنه انقلاب عسكري.

بل وصل الأمر إلى تعليق الاتحاد الإفريقـــي عضوية مصر لتصنيف لجنة الحكماء التي أوفدها ما حدث في مصر بأنه انقلاب عسكري ومن المخجل أن يتم ذلك في منظمة دولية لأول مرة في تاريخها الحديث، ورغم أنها كانت أكبر دولة مؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية بزعامة ناصر وانكروما وهيلاسلاسي.

لهذا كله شعرت بغصة كبيرة من بعض النخب الذين طلبوا تدخل العسكر لتغطية عجزهم عن الفوز عن طريق الصندوق، وأشد ما أحزني أنهم استدرجوا شريحة من الشباب غير المسيس خريج إعلام محطات الفلول يطالبون بحكم العسكر بدافع الكراهية التي غسلت أذهانهم بها محطات وصحف فلول الدولة العميقة. وكأننا ننتمي للعصر الحجري ولم نصل القرن الواحد والعشرين.

وأحزنني أيضا – وإن لم يفاجئني – موقف المؤسستين الدينيتين الأزهر والكنيسة التي أكدت هشاشة رعايـتها للدين ومكارم الأخلاق ونفاقها التاريخي للسلطة.

وقد لا يكتمل هذا الكتاب إذا مضيت فيه دون سرد موجز لأحداث التدهور الديموقراطي التي وقعت مصرنا الحبيبة ضحية لها.

مظاهرات 30 يونيو 2013

بعد المليونيات الأسبوعية التي استمر تنظيمها بواسطة عمد الدولة العميقة وعدد من النخب خلال عشرة أشهر للمطالبة بانتخابات رئاسية عاجلة، ومما أكد على مظهرية لعبة إرساء الشرعية وانتخاب رئيس الجمهورية أن تجمعت قوى الشر التي تتمثل في رجال ومؤسسات الدولة العميقة وقدراتهم السياسية والمالية الكبيرة وبعض المستفيدين ماديا من النشاط المدني للقوات المسلحة والأحزاب والنخب التي تفتقد قواعد شعبية أو انتخابية، وتحالفت هذه القوى لإسقاط الشرعية التي سدت أمامهم باب التربح والسيطرة. واستخدموا في إذكاء قوة الكراهية للفصيل السياسي الأكبر وهي آلية غير ديموقراطية انساق إليها البسطاء الذين أدخلوا على المسرح السياسي لأول مرة في حياتهم.

فقد أسسوا كيانا مصطنعا أسموه حركة تمرد في 26 أبريل 2013، وهي حركة تبنت تجمع توقيعات المصريين لسحب الثقة من محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. بعد أقل من عام من انتخابه، وأعلنت الحركة زورا وبهتانا عن جمع 22 مليون توقيع لسحب الثقة من مرسي، ودعت هؤلاء الموقعين للتظاهر يوم 30 يونيو، وقد تجاهل مرسي هذه التوقيعات ورفض إجراء الانتخابات المبكرة واصفا إياها بالمطالب العبثية لأن خلع الرئيس له طريقه المبين في الدستور الذي وافق على الشعب.

ومع ذلك اتخذ رئيس الجمهورية موقفا يتسم بالمرونة والرغبة في حماية الشرعية، ولكن ما سمي بالمعارضة رفضت دعوته للحوار وتشكيل لجنة لتعديل الدستور والمصالحة الوطنية، وذلك في خطاب امتد لساعتين ونصف.

و قام محمد البرادعي بإلقاء بيان ما سمي بجبهة الإنقاذ المعارضة، وقال إن خطاب محمد مرسي “عكس عجزًا واضحًا عن الإقرار بالواقع الصعب الذي تعيشه مصر بسبب فشله في إدارة شؤون البلاد منذ أن تولى منصبه قبل عام”. وتمسكت الجبهة بالدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وهنا أصبح الجو مهيأ لعودة حكم العسكر في شكل ما ظهر من تلبية الشعب لنداء المشير السيســــــــي في طلب ما سمي بتفويض له شخصيا للتصرف في تولي شئون البلاد، وهكذا جرت مظاهرات 30 يونيو 2013 في مصر في محافظات عدة، نظمتها أحزاب وحركات معارضة وكان إعداد وتوقيت المظاهرات محددًا مسبقًا منذ أسابيع قبلها.

إرهاصات ضرب الشرعية

وفي أول يوليو تقمص الجيش ثيابا سياسية فأصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانًا في الرابعة عصرًا بتوقيت القاهرة، رحبت فيه بمظاهرات وخروج شعب مصر العظيم يوم 30 يونيو وأصدرت إنذارا لمدة 48 ساعة أكدت فيه أنه من المحتم أن يتلقى الشعب ردًا على حركته، من كل طرف يتحمل قدرًا من المسؤولية. وللعجب، ولكنها أمعنت في إخفاء نواياها فأكد البيان إلى أن القوات المسلحة لن تكون طرفًا في دائرة السياسة أو الحكم. واختفت وراء الزعم بأن الأمن القومي للدولة معرض لخطر شديد إزاء التطورات التي تشهدها.

وفي مرونة سياسية ملحوظة في ليلة يوم الإثنين 2 يوليو دافع مرسي في خطاب طويل عن شرعيته، وتحدث عن مبادرة قدمت إليه من بعض الأحزاب تضمنت عدة نقاط منها تشكيل حكومة كفاءات وتشكيل لجنة مراجعة الدستور ولجنة عليا للمصالحة الوطنية وتعجيل الإجراءات في قانون الانتخابات النيابية واتخاذ إجراءات لتمكين الشباب في السلطة التنفيذية ووضع ميثاق شرف إعلامي، وأعلن مرسي أنه موافق عليها بجميع نصوصها.

بيان وزير الدفاع:

ولكن ذلك لم يتفق مع الخطة المعدة للانقلاب فتأكدت نوايا الانقلاب الذي لم يكن خافيا على أحد (إلا قائد الجيش الثالث)، وبعد اجتماع لقادة القوات المسلحة مع قوى سياسية ودينية وشبابية، في حوالي التاسعة مساءً بتوقيت القاهرة يوم 3 يوليو 2013، أذاع التلفزيون الرسمي بيانًا ألقاه وزير الدفاع، أنهى فيه رئاسة محمد مرسي، وعرض خارطة طريق سياسية للبلاد اتفق عليها المجتمعون، وحضر إعلان 3 يوليو شيخ الأزهر وبابا الأقباط الأرثوذكس تواضروس الثاني، تتضمن تسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا حتى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وبين أن له سلطة إصدار إعلانات دستورية. وتشكيل حكومة كفاءات وطنية، وتشكيل لجنة من التيارات السياسية وخبراء الدستور لمراجعة دستور 2012 الذي عطل مؤقتًا.

وبغض الطرف عن إغراء السلطة والتربح والعنجهية، فليس كل قادة الجيش المشاركين في إزاحة الشرعية ممن يسعون للسلطة أو التربح فمن حق الجيش أن نقرر أن الكثيرين منهم وطنيون يحبون الخير لوطنهم، ولكن التربية العسكرية عزلتهم عن طبيعة الحياة المدنية ولا يقبلون إلا ما تعودوا عليه من الضبط والربط وطاعة الأوامر، وهو منهج يختلف عن إدارة مرافق الدولة بشكل كبير.

ولعلني أستعيد في هذا المجال ما ذكرته تأييدا لهذا التحليل بصرف النظر عن مدى صحته ما شهدته من تغير على أصدقاء الدراسة في الثانوية العامة، ولاحظت تغيرا كبيرا في فكرهم وعاداتهم، كما أسوق هنا من بين عشرات الأحداث في السلك الدبلوماسي من ضباط تقلدوا وظائف السفراء. ومن ذلك أنه في عشاء ودي حضرته في إحدى العواصم الأجنبية كان السفير دبلوماسيا على كفاءة عالية، وكان الملحق العسكري لواء طيب القلب حلو المعشر صادقته بعد انتهاء مهمته، وتحدث السفير بتحفظ عن وضع العسكر بهذه الدولة، إذا بالملحق العسكري يرد في خلط بين الجدية والمزاح أن العسكر يصلحون لكل شيء ولإدارة وضبط أي مرفق أفضل من المدنيين، وضرب مثلا غريبا لا زلت أذكره أنه يصلح كسفير بينما لا يصلح للسفير أن يكون لواءً بالجيش.

وفي حدث آخر ذكرته آنفا أنه جاءنا سفير عسكري وقال بصراحة في أول اجتماع بنا كأعضاء السفارة؛ إن مهمته هي الضبط والربط، وإصدار أمرا إداريا عبقريا يحدد بدقة شديدة اختصاصات وواجبات كل عضو يعفيه من أي مسئولية عن إدارة العلاقات مع الدولة المضيفة لنا، وأثناء مهمته لم يهتم أبدا بالاتصالات الدبلوماسية مع الرسميين بتلك الدولة أو مع السفراء ولم يكتب تقريرا أو برقية حرفية ومتعمقة للقاهرة، كما لم تكلفه الخارجية بالقاهرة بمهام محددة.

وبمرور الوقت العصيب وقبل انتهاء مهمته بشهور انقطع عن حضور دار السفارة وبقي في مقر السكن لشراء احتياجاته التي تجاوزت 6 حاويات، وباتصالاته خرجت الحاويات من الميناء للقاهرة دون جمارك وبلوريات الجيش. وفي حدث آخر وصل السفير الجديد صاحب الرتبة العالية بالجيش، ففاجأ الجميع بالأمر بتنظيم طابور رياضي في الصباح الباكر يوميا، وأصر على ذلك إلى أن وقع مستشار السفارة مغشيا عليه.

ونعود إلى موضوعنا، فقد قفز الجيش على سدة الحكم ودخلت مصر بعد ثورتها العظيمة وأدرجت الميديا العالمية ما يخجل المصريين بإدراجها في عداد الدول التي تغير الحكم فيها بانقلابات عسكرية، وهكذا وبكل أسف وخجل تم إدراج مصر في قائمة الدول التي ما زال حكامها يتولون السلطة بانقلاب غير شرعي وهم:

  1. قابوس بن سعيد، في سلطنة “عمان”.
  2. تيودور اوبيانج في غينيا
  3. ويوري موسوفني في أوغندا
  4. وبليز كومباري في بوركينا فاسو
  5. وعمر حسن البشير في السودان (قبل عزله)
  6. إدريس بيبي، في تشاد
  7. ويحيى جامع في جامبيا.
  8. وفرانك باينيماراما في فيجي.
  9. ومحمد ولد عبد العزيز في موريتانيا.
  10. وأندري راجولينا في مدغشقر.
  11. وميشيل جوتوديا في جمهورية أفريقيا الوسطى
  12. وكانت مصر هي الدولة الثانية عشر في هذا المجال.
  13. وقد نضيف إلى هذه القائمة الانقلاب العسكري الذي قام في تايلاند وتصدى شعبها له

خارطة طريق الجيش

وتبريرا للقفز على السلطة الشرعية المنتخبة أعلن وزير الدفاع خطة وفاق وطني بخارطة مستقبل من عدة نقاط كالتالي:

  1. تشكيل حكومة كفاءات وطنية تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية.
  2. تشكيل لجنة مراجعة التعديلات الدستورية على دستور
  3. مناشدة المحكمة الدستورية العليا اقرار قانون انتخابات مجلس النواب، والبدء في إجراءات الانتخابات.
  4. اتخاذ إجراءات لتمكين ودمج الشباب في مؤسسات الدولة ليكونوا شركاء القرار في السلطة التنفيذية.
  5. تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية تمثل مختلف التوجهات.
  6. وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية. ويجند المطبلين والمزمرين للحكم الجديد.

قطع بث وسائل الإعلام

وفور إعلان بيان وزير الدفاع تم قطع جميع وسائل الإعلام الموالية للرئيس والتي تبث المظاهرات المؤيدة له، كما ألقت قوات الشرطة العسكرية القبض على الإعلاميين الموالين له، وأغلقت مكاتب وأستوديوهات قنوات “الجزيرة مباشر مصر“. وهكذا أطاح الجيش بالرئيس محمد مرسي، واُحتُجِز لفترة قصيرة في القصر الرئاسي مع بقية فريقه بعد أن حدد الجيش المهلة، ثم نُقِل الرئيس إلى الحرس الجمهوري وتزامن ذلك مع اعتقال قيادات جماعة الإخوان المسلمين.

أحداث دار الحرس الجمهوري 2013

و شعر قطاع كبير من المصريين بالذهول والرفض وقامت المظاهرات في جميع أنحاء مصر، وفي يوم الإثنين 8 يوليو وصل المتظاهرون إلى مقر الحرس الجمهورية حيث قوبل المصلون بقوة السلاح دون رحمة مما أسفر عن قتل 51 شخصا على الأقل،، وأصابت أكثر من 435 آخرين، بنيران جنود أطلقت من عدة مباني على أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي المعتصمين قرب مبنى الحرس الجمهوري، وأوضح المعتصمون أن قوات الحرس الجمهوري فتحت النار عليهم أثناء تأدية صلاة الفجر في محاولة لفض الاعتصام.

فض اعتصام رابعة العدوية

تنفيذا لأكبر مأساة في تاريخ مصر منذ 7000 سنة أصدر مجلس الوزراء برئاسة حازم الببلاوي قرارا بتخويل وزير الداخلية بفض الاعتصام الذي قام به عشرات الآلاف من المواطنين رجالا ونساء وأطفالا وشبابا وشيوخا ينتمي غالبيتهم لجماعة الإخوان المسلمين والذي استمر45 يوما رغم حرارة الجو وشهر الصيام، وتحول إلى منتدى سياسي دولي يؤمه الأجانب وتصله الرسائل من الخارج في جو احتفالي مسالم وفعاليات فولكلورية وأهازيج وزغاريد النساء.

وفي يوم أسود على الإنسانية في 14 أغسطس 2013 قامت قوات الشرطة بقيادة وزير الداخلية وقائد الجيش لتقوم بقتل وجرح أعداد غير مسبوقة في تاريخ مصر قديما وحديثا. وجرت محاولات فاشلة للتغطية على هذه المأساة، ولكن بشاعتها ظهرت للعالم كله شعوبا وحـكومات. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تم اعتقال ما يربوا على 41 ألف مواطن مصري لم تستوعبهم السجون ويعيشون في معاناة بشعة لاكتظاظ الزنازين بهم وقلة الرعاية الصحية.

وللحق يجب أن نسجل أن تونس هي أول الدول في إدانة أحداث رابعة، فقد أعلن رئيس الجمهورية التونسية المنصف المرزوقي في بيان رسمي أن “تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي المباشر أمر مرفوض دوليا. وسارع الاتحاد الإفريقي؛ فأدان بشدة ما اعتبره انقلابا عسكريا على “الشرعية الديمقراطية” إضافة إلى طلبه من السلطات “حماية الحرمة الجسديّة والمعنويّة للرّئيس محمد مرسي ولأعضاء الحكومة المصريّة”. وانتهي بتعليق عضوية مصر.

موقف أمريكا والغرب

ولننظر إلى موقف أمريكا المتواطئة في الانقلاب فقد أغرقتنا واشنطن بمجموعة من الإيماءات الغامضة والمتعارضة باستنكار الحدث والترحيب بالحكم الشرعي الجديد. ولكن حقيقة الأمر أيدت التقارير الإعلامية والإيماءات الرسمية الغربية أن الانقلاب تم بعلم مسبق من واشنطن إن لم يكن بإيحاء منها. وكانت الانتقادات لقلب نظام الحكم الشرعي المصري في الدول الغربية موجهة لشعوبهم وليس ضد الانقلاب، لأن تغيير نظام الحكم من وراء صندوق الانتخابات ورضاء الشعب ليست مقبولة لدى المستوى الشعبي في الدول الديموقراطية.

كما نشرت الفايننشال تايمز علم الإدارة الأمريكية قصة مقابلات تمت بين بعض العسكريين ورجال الدولة العميقة وجبهة الإنقاذ في أحد الأندية على ضفاف النيل لإعداد خطة للتخلص من الحكم الشرعي، واستقر الأمر على استمرار تمويل المليونيات إلى أن وصل الأمر إلى حركة غير مسبوقة في تاريخ الانقلابات العسكرية وهو أن يطلب جنرال بالجيش تفويضا شعبيا له شخصيا لمواجهة إرهاب محتمل ثم يوجه إنذارا لرئيس الدولة المنتخب بعدة طلبات وافق عليها الرئيس مرسي لكن الانقلاب أخذ مجراه.

وسأكتفي لعرض هذا التصور بتقرير واحد بين عدد كبير من المقالات والتحليلات في الميديا الأمريكية، بتقرير لتوم بئري وميشيل جريجوري. نشر في ٢ أغسطس ٢٠١٣ – أي قبل مذبحة رابعة بـ 12 يوما فقط -أن الدوائر الأمريكية ستعمل مع آخرين لحل الأزمة وصب طاقة جديدة لإنهاء الوضع الدموي الذي أعقب إزاحة الإخوان المسلمين ومرسي بعد يوم من تصريح كيري المحبط بأن الجيش قد استعاد الديموقراطية مما أثارا نقدا شديدا من أنصار الشرعية، وجميع الأحرار في العالم.

ونقل عن كيري أنه يناشد السلطات المصرية بإفساح المجال للاحتجاج السلمي بعد تهديدها بفضه بالقوة، وإن أمريكا ستعمل بقوة شديدة مع آخرين لجمع الأطراف لإيجاد حل سلمي ينمي الديموقراطية.

وبعد ذلك التقي مع الشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجية الإمارات وأنه يبدو أن الاجتماع قد أعطى إشارة لمساعدة الانقلاب في ظل وساطة مزيفة للاتحاد الأوروبي قامت بها كاترين أشتون وزيرة خارجية الإتحاد آنذاك.

وأضاف كيري كاذبا أو مخدوعا أن أعضاء الوزارة المؤقتة يحاولون إيجاد حل سياسي رغم اعتراض جهات الأمن التي تخطط لاستعمال القوة بتشجيع من حركة غاضبة. وواصل فقال إن محمد البرادعي صرح: أن هناك مَن غضب مني ممن يقولون هيا نسحقهم دون أن نحدثهم، الإخوان لا يدركون أن الوقت ليس في صالحهم لا أستطيع أن أمنع ذلك لوقت طويل، ويوضح التقرير أن الإخوان يرون أن تدخل الجيش هو عمل ضد الشرعية. وينظمون مسيرات حول مناطق حساسة، بينما قال التلفزيون الحكومي إن قوات الشرطة ستحاصر وتنهي الاعتصام بالقوة خلال ٤٨ ساعة، وذلك رغم مقتل ما يريد علي٨٠ شخصا أمام الحرس الجمهوري مما ثار قلقا كبيرا بأن ذلك سيسفر عن مزيد من القتلى مما كثف وسارع من الضغوط للعمل على تأجيل هذه الخطوة.

وهكذا وإمعانا في الخداع رددت أوساط أمريكية أن قائد الانقلاب لا يطمع في الرئاسة وأنه يدرك ضرورة حل سياسي وأن الحلل سيأتي بالحوار في الوقت الذي كان يعتقل فيه القياديين من الإخوان المسلمين مع اتهامات بالإرهاب والتآمر مع حماس ولكن الحوار يتعذر دون أن يفرج عنهم حتى يشعرون بالجدية.

ومن الواضح أن الولايات المتحدة لم تكن لتهتم بمن يحكم وكيف ولكنها ترى من مصلحتها الحيوية أن يسود مصر جو من الاستقرار تحت ضغط وقمع أمني وليس على أساس ديموقراطي يعلي حكم الشعب لخوفها على أمن إسرائيل. كما أنها كانت وما تزال تحت تأثير الإسلاموفوبيا التي أشاعها بوش الابن والمحافظون الجدد وأن التخلص من تأثير الإسلام على المصريين أهم كثيرا من إرساء الديموقراطية، كما يحدث الآن في قمع داعش.

لهذا كله انتابتني غصة كبيرة من بعض النخب الذين طلبوا تدخل العسكر لتغطية عجزهم عن الفوز عن طريق الصندوق، وأشد ما أحزنني أنهم استدرجوا شريحة من الشباب غير المسيس خريج إعلام محطات الفلول يطالبون بحكم العسكر بدافع الكراهية التي غسلت أذهانهم بها محطات وصحف الفلول.

وهكذا دارت الأحداث وقام الجيش بالاستيلاء على السلطة والقبض على رئيس الدولة وحل كل المؤسسات المنتخبة، واستخدم في ذلك أقصى درجات العنف الذي أودى بحياة الآلاف من المصريين رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا واعتقال عشرات الألوف للقضاء على أي نشاط سياسي.

وكانت النتيجة انهيار جبهة الضمير بعد اعتقال بعض قادتها واضطرار الباقين لترك البلاد إلى قطر وتركيا وسويسرا ولندن ولم يبق منهم إلا العبد الضعيف رغم ما أبديته من معارضة الانقلاب، حيث كنت أتوقع الاعتقال ولكن يبدو أن تقدمي في السن إلى مشارف 80 عاما وحالتي الصحية بعد عملية القلب المفتوح وعدم انحيازي لأي فصيل، وعدم الشعور بخطورتي على السلطة الجديدة أنجاني من الاعتقال أو توجيه اتهامات.

المصدر