ربابنة السفينة.. هل يتقدمون لإنقاذها؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٢:٠١، ١١ يونيو ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (حمى "ربابنة السفينة.. هل يتقدمون لإنقاذها؟" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ربابنة السفينة.. هل يتقدمون لإنقاذها؟
توفيق الواعي.jpg

بقلم د. توفيق الواعي

كثرت تساؤلات الناس، وخاصةً في الأزمات عن علماء الأمة ليضيئوا لها الطريق، ويكشفوا عنها الغمة، ويميزوا عنها الخبث.

فقد كثُرت الأزمات، واشتدت الظلمات التي يأخذ بعضها بحُجز بعض؛ حتى إذا أخرج الإنسان يده لم يكد يراها، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، وكان لابد أن ينفلق الإصباح، ويظهر النور الذي تتكسر على محياه الظلمات، ويعلو الحق الذي يندحر بسطوته الباطل، وتنجلي الحقيقة التي يسير على هداها الناس، خاصةً عند ارتفاع الأصوات، وتحير الألباب وكثرة الأسئلة والاستفهامات، التي تتردد على الألسنة وتلوكها الأفواه، وكلها حيرى تنتظر الإجابة وتبغي الإيضاح من العلماء وحملة الهداية وحراس الرسالة في الأمة.

مَن للشعوب عند تفرق السلطات؟ حتى لم ينتظم لهم عقد، ولم تجتمع لهم كلمة، ولم يستقم لهم رأي، أو تظهر وجهة، وتعاليمنا تمقت ذلك وتجرمه ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (آل عمران: 105)، وقد صحب الفرق التنازع والشقاق حتى بغى البعض على البعض، وساعد الأخ الأعداء على أخيه، وتعاليمنا تمنع ذلك ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال: 46)، "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض".

مَن للشعوب عند ضياع العزم، وعجز الساعد، ووهن النفوس، وفقدان الثقة، وظهور الفتن، وانعدام المثل، واستنواق الرواد وأهل التوجيه؟

مَن للشعوب عند بغي القادة على رعيتها، واحتكامهم لشرعة الغاب، وتركهم لشرعة الله، ومجانبتهم للحقيقة، حتى رجعوا بالشعوب إلى عهود الجاهلية الأولى، وعصور الاستعباد والاسترقاق بدون وازع من ضمير أو رادع من شعوب.

مَن للشعوب التي تستباح أرضًا ودمًا وفكرًا وثقافة، وهوية، وتغتصب حضارة وآثارًا، وتنتهك عرضًا، وتسفك دمًا، وتمزق أشلاء هنا وهناك؟ مَن للأمة التي توصم كلها بالإرهاب اليوم، ويلصق بها التطرف بغير حق، ويلمز دينها بالتسلط، وتتهم شريعتها بالعنف؟

وللإجابة عن تلك الأسئلة الحيرى يجب أن يستحضر علماؤنا الأفاضل مسئوليتهم التي كلفهم بها الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز وعلى لسان رسوله الأمين، وقد سار عليها سلفهم الصالح بكل خشية ومسئولية وخوف من الله سبحانه، خشية من كتم الحق وضياع الرسالة واندثار التعاليم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة : 67).

ومن أهم وظائف العلماء التي أمرهم بها الحق سبحانه بيان الحق وإظهاره للناس، وكشف الباطل وصد الناس عنه، وقد حذَّرهم الحق من كتمه أو التراخي في تنفيذه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ* إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة : 159، 160).

كما أمرهم الحق سبحانه أن يكون موقفهم للحق وبالحق خالصًا لله سبحانه خاليًا من عرض الدنيا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (البقرة : 174).

وكل من كتم حقًا من العلماء في أي عصر من العصور، استحق ذلك الوعيد الذي ترتعد له الفرائص، يكتمون تعاليم الرسالة التي أنزلها الله لسبب من أسباب الكتم الكثيرة التي يراها الناس في شتى الأزمات، وشتى الأمكنة، يسكتون عن الحق وهم يعرفونه أو يمالئون به، أو يخافون ويرهبون؛ الأمر الذي نشاهده في مواقف كثيرة، ويتسبب ذلك في ضياع الحق، وضياع الأمة، وموافقة الجهلة من الناس والظلمة من السلطات، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، وكأنهم تحولوا إلى ملعنة، ينصب عليهم اللعن من كل مصدر، ويتوجه إليهم بعد الله من كل لاعن، ممن ظُلموا ولم يجدوا النصير، ممن استبيحوا ولم يسمعوا صوت النذير، من الأمة التي خان نصاحها وأولو الأمر فيها الذين غفلوا عنها، يلعنهم حتى أعداؤهم الذين يدوسونهم بالأقدام.

لهذا فالعلماء ركن ركين في ولاية أمر المسلمين؛ لأنهم يقودونهم بالشريعة الحاكمة التي يدينون بها، فإذا فسدوا أو قصروا كانت كارثة لا ينجي منها إلا بالتوبة والعمل الصالح، والقيام بالواجب الذي كُلِّفوا به، ولا يحق أن يترك العلماء الساحة للسلطات تفعل ما تشاء، ولا للجهال يفتون بما لا يفقهون ويهرفون بما لا يعرفون.

من واجب العلماء اليوم- وقد تأخروا كثيرًا- قيادةُ السفينة التي تحتاج إلى صفٍ متراصٍ، وكلمة سواء، وفكر منقذ، وجمع لشتات الفكر، وسعة في الاجتهاد واليسر، وعلماء الأمة منتشرون في كل حدب وصوب من بلدان المسلمين وغيرها، كما أن منهم مَن تقلد المناصب الرسمية، ويميل حيث ما تميل الكراسي أو السلطان.

كما أن منهم مَن تطبع على مذاهب شتى ومشارب عند فترة زمنية معينة، وتقدمه زمانه، وفاته عصره، وتخطاه فقه النوازل الآنية، وهذا في الحقيقة وأمثاله من الفوارق ينبغي أن يتخطى ويتفاهم حوله، ولا غنى للمسيرة عن عالم من العلماء ولا عن إخوانه الفقهاء، والاحترام والإخلاص وأحوال المسلمين تذيب الحديد، وتكسر الحجب، وتؤلف القلوب، وتجمع الشتات، واستدعاء الشورى الإسلامية في تلاحق الآراء الصحيحة، فيها خير كثير، كما أنه ينبغي أن يكون للعلماء دور في نصح ولاة الأمور وجمع كلمتهم، والتوفيق بينهم وبين شعوبهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، والمحافظة على ثوابت الأمة، وإظهار وجه الإسلام الصبوح، وقوته العاقلة، وجنده الأعزة، وأمته الفاضلة.

وبعد فإن ما ينتظر علماء الأمة من عمل يفوق الحصر، ويكثر عن الذكر، والحق والحق أقول إن اجتماع علماء الأمة الذي لم يتحمله قطر إسلامي هو نصر أكيد وعمل مجيد، وميلاد جديد، يعم خيره، ويكثر بره إن شاء الله، والله الهادي إلى الحق وإلى صراط مستقيم.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى