ذكريات عن القاضي الشهيد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
ذكريات عن القاضي الشهيد


القاضي الشهيد عبد القادر عودة

رغم مرور ثلث قرن على آخر مرة رأيت فيها القاضي الشهيد عبد القادر عودة فما زلت أذكر هذا اليوم وهذه الساحة، وهذا المنظر المهيب الذي لا يزال محفورًا في ذاكرتي كأنه الأمس القريب.

التاريخ: 28 فبراير 1954م.. وقتها كنت لا أزال طالبًا في معهد المعلمين قسم فرنسي بحلمية الزيتون، خرجنا مع كل الشعب المصري في هذا اليوم متجهين إلى قصر عابدين.. قصر الجمهورية لنهنئ محمد نجيب بعودته لرئاسة الجمهورية.

وصلنا إلى ميدان الجمهورية، التقى الجميع هناك وامتلأ الميدان، وامتلأت ساحة القصر، سيطرت هتافات واحدة، ورفعت المصاحف: لا شرقية لاغربية.. إسلامية إسلامية.. إسلامية قرآنية.

سيطر الإخوان على الساحة بهتافاتهم، فجأة شقت صفوف أعظم مظاهرة شهدتها مصر طوال تاريخها عربةُ جيب مكشوفة يجلس إلى جوار السائق القاضي الشهيد عبد القادر عودة، يرتدي حلة بنية اللون وطربوشه الأحمر على رأسه، حوله ثلاثة أو أربعة من الشباب يلوحون بمناديل ملوثة بالدماء يهتفون: "دم الشهداء بدم جمال".

وردد كل من في ساحة الميدان، وساحة القصر الهتاف، وكميات ضخمة من المنشورات تُلقى إلى المتظاهرين، ثم تدخل السيارة الجيب القصر ويمسك القاضي الشهيد عبد القادر عودة الميكروفون يُلقي خطابًا ملتهبًا لازلت أذكر منه العبارة التي افتتح بها خطابه "كنت أتمنى أن يمضي هذا اليوم دون سفك دماء ولكن..".

لا أذكر الألفاظ، ولكن أذكر أنَّ القاضي الشهيد أشار إلى تصدي قوات من الجيش لطلاب جامعة القاهرة وطلاب مدارس الجيزة، وأطلقوا عليهم الرصاص عند ميدان قصر النيل "ميدان التحرير الآن" وسقط عدد من الشهداء، هم الذين أشار إليهم الشهيد عبد القادر في خطابه.

أثناء خطاب الشهيد عبد القادر كان الرئيس محمد نجيب يقف في شرفة القصر الجمهوري ومعه آخرون، الرئيس نجيب يخطب في المتظاهرين يعدهم بالحكم النيابي، وبعد أن ينتهي من خطابه يطلب من الجميع أن ينصرفوا.. لكن لا أحد يتحرك.. الهتافات مستمرة "دم الشهداء بدم جمال".

محمد نجيب ينادي على الشهيد عبد القادر عودة يطلب منه أن يصعد إليه، يصعد الشهيد عبد القادر، يلتقي بالرئيس نجيب، نجيب يعانق الشهيد عبد القادر، ويطلب منه أن يخطب في المتظاهرين ويصرفهم.. الشهيد عبد القادر يتحدث إلى المتظاهرين ويطلب منهم: "انصرفوا آمنين" في التوِّ وفي أقل وقت انصرف الجميع في هدوء ونظام أثار الدهشة.

كان جزاء الشهيد عبد القادر أن ألقوا القبض عليه وعلى الأستاذ عمر التلمساني رحمهما الله بعد خمسة أيام من هذه المظاهرة، ووجه له تهمة العمل على قلب نظام الحكم في مظاهرة 28 فبراير.

هناك مَن يقول إن موقف الشهيد عبد القادر عودة في هذا اليوم وقدرته وتأثيره في صرف المتظاهرين هي السبب في حقد عبد الناصر عليه وأسرَّها له في نفسه، حتى كانت محاكمته فأُعدم.

لقد كان موقف القاضي الشهيد ضد ما كان يُريد الطاغية ويتمنى، كان الطاغية قد أصدر قرارًا بحل جماعة الإخوان قبل هذا اليوم بشهرين "يناير 1954"، وقبض على عدة مئات من الإخوان في مقدمتهم الإمام الممتحَن المرشد حسن الهضيبي، وعشرات من قيادات الإخوان، ولم يعتقل الطاغية القاضي الشهيد عبد القادر عودة والأستاذ عمر التلمساني وعدد آخر من قيادات الجماعة؛ كان يظن الطاغية- وخاب ظنه- أنه يستطيع احتواءهم ليشق صف الجماعة في قيادتها بعد أن باءت محاولته الأولى التي دبرها عن طريق بعض من غرَّر بهم من شباب الجماعة الذين اقتحموا منزله، وأرادوا أن يرغموه على الاستقالة فرفض في حزم وحسم، واحتلوا المركز العام بعد ذلك ولكنهم أخلوه.

لقد أراد الطاغية شيئًا بعدم اعتقال القاضي الشهيد وإخوانه الذين لم يعتقلوا وأراد الله شيئًا آخر، فكانت هذه المظاهرة التي لم تشهد مصر أعظم ولا أضخم منها في تاريخها كله، والتي كادت أن تقتلع الشجرة الخبيثة من جذورها، ولكن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

وزُلزل الطاغية في هذا اليوم فعقد العزم على إعداد العدة وتوجيه الضربة القاصمة لكبرى الحركات الإسلامية المعاصرة ليحقق لأسياده حلمهم الكبير، ويسلس له قيادة شعب مصر بعد أن يكون قد تخلص من آخر قوة يمكن أن تعوق تنفيذ المخطط الذي جاء لتنفيذه، وقد كان.. في نفس العام وفي شهر أكتوبر على وجه التحديد كان حادث المنشية "المسرحية" التي دُبرت بليل لتكون المبرر لتصفية جماعة الإخوان المسلمين.

ويكون القاضي الشهيد عبد القادر عودة على رأس الستة الذين عُلقوا على أعواد المشانق، ويتقدم القاضي الشهيد بخطى ثابتة، وقلب مطمئن للقاء ربه متوجهًا إلى الله بالدعاء: "اللهم اجعل دمي لعنةً عليهم" أي على ضباط الانقلاب.

"في ذات العدد من مجلة "الشهاب" الذي قدَّم فيه الإمام الشهيد حسن البنا للإخوان المستشارَ حسن الهضيبي كقاضي مسلم، مجاهد في سبيل التمكين لشرع الله، قدَّم فيه أيضًا القاضي عبد القادر عودة كقاضٍ مسلم، وعالم فقيه، يُجاهد في سبيل إعلاء كلمة الله.

ظل القاضيان: المستشار حسن الهضيبي، والقاضي عبد القادر عودة من جنود الدعوة الأخفياء؛ لأن القانون يحظر على رجال القضاء الانتماء إلى أية هيئة أو حزب.

بعد استشهاد الإمام الشهيد حسن البنا وجد الإخوان في المستشار حسن الهضيبي طلبتهم، فاختاروه مرشدًا لهم خلفًا لإمامهم الشهيد، واختار المرشدُ الجديد المستشار حسن الهضيبي القاضي عبد القادر عودة وكيلاً لجماعة الإخوان ليساعده.

وكان اختيار الرجلين: الهضيبي وعودة ليكونا على رأس جماعة الإخوان في تلك الحقبة قدرًا من أقدار الله، فجاهدا وصبرا، وصدقا ما عاهدا الله عليه حتى لقيا ربهما- نحسبهما كذلك ولا نزكي على الله أحدًا- استمر تعاون الرجلين في قيادة الدعوة حتى وقع الصدام بين الإخوان ورجال الانقلاب.

ففي الوقت الذي استطاع فيه الإمامُ الهضيبي ببصيرته وفراسته أن يكتشف سريعًا وفي أول لقاء حقيقةَ نفسية طاغية العصر جمال عبد الناصر، وما تنطوي عليه من حقد وكراهية للإخوان، ورغبةٍ جامحة في التسلط والاستبداد فلم يحسن به الظن ساعة من نهار، كان الأستاذ عبد القادر حسنَ الظنِّ بالطاغية، فاستثمر الطاغية حُسْنَ الظن هذا فأولى الأستاذ عبد القادر عودة قدرًا من العناية والرعاية المتميزة؛ بهدف احترامه واستقطابه لشق صف الجماعة وتمزيقها، وزين له شيطانه- وخاب ظنه- أن يستبدل المرشد العام الهضيبي بالقاضي عبد القادر عودة.

وبذل الطاغية قصارى جهده ليحقق أوهامه؛ في يناير سنة 1954م أصدر الطاغية قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين، واعتقل أكثر من أربعمائة من قادة الجماعة على رأسهم الإمام الهضيبي، واستثنى الأستاذ عبد القادر عودة من الاعتقال، أكثر من هذا سمح له بزيارة المعتقلين في السجن الحربي، وفي معتقل العامرية، وسمح له أيضًا باللقاء به وبحْث شئون المعتقلين ومستقبل الجماعة معه!

لكن خاب ظن الطاغية وضلَّ سعيه وخسر؛ فقد كانت اتصالات الأستاذ عبد القادر عودة خلال فترة يناير سنة 1954م سواء بالطاغية ورجاله أو بالمعتقلين من الإخوان وسيلةً لإلقاء الضوء على حقيقة الخلاف بين الطاغية والإخوان، فأدرك ما لم يكن يدركه من قبل فانحاز لجماعته ومرشده، ونقل جواسيس الطاغية الموقفَ الجديد للأستاذ [عبد القادر عودة] فحرمه الطاغية من زيارة المعتقلين.

ثم كانت مظاهرة عابدين، التي كان الأستاذ عبد القادر عودة فارسها المغوار الذي استطاع بكلمات قليلة أن يصرف المتظاهرين بعد أن بُحَّ صوت اللواء محمد نجيب في طلب الانصراف فلم ينصرفوا.

وفقد الطاغيةُ الأملَ الذي زيَّنه له شيطانه في الأستاذ عبد القادر فتفجَّر غيظه، ولم تمض أيام حتى اعتقله ضمن أربعة آخرين من الإخوان، ووجه له تهمة العمل على قلب نظام الحكم.

لم ينس الطاغية خيبته وخذلان الأستاذ عبد القادر له في معركته ضد المرشد المستشار الهضيبي حتى كانت مسرحية المنشية، فقدم الأستاذ عبد القادر ليكون ضمن الضحايا الستة الذين أعدمهم الطاغية على أعواد المشانق يوم 6 ديسمبر سنة 1954م، وقدمهم عربونًا لأسياده أعداء الإسلام!

تقبلهم الله جميعًا.. في الشهداء".



للمزيد عن المستشار عبد القادر عودة

كتب متعلقة

مؤلفات الشهيد

تابع أبحاث ومقالات متعلقة

متعلقات

وصلات خارجية

.


للمزيد عن حادثة المنشية ومحكمة الشعب

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

ترجمة لبعض المتهمون في القضية

.

تابع ترجمة لبعض المتهمون في القضية

أحداث في صور

وصلات فيديو

.

أقرأ-أيضًا.png
ملف الإخوان وجمال عبد الناصر