ذكرى الإسراء والمعراج، للأستاذ حسن البنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
ذكرى الإسراء والمعراج، للأستاذ حسن البنا

للأستاذ حسن البنا

يصدر هذا العدد من جريدة الإخوان المسلمين في اليوم الذي يوافق صبيحة ليلة الإسراء المباركة التي شرف فيها ملكوت السموات والأرض بزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبعد اثنتين وخمسين وثلاثمائة وألف سنة يتردد صدى هذه الذكرى المقدسة في أقطار العالم الإسلامي؛ فتهتز لها نفوس المسلمين فرحًا واستبشارًا.

إن في السيرة النبوية وفي التاريخ الإسلامي حوادث غراء وأيامًا مجيدة، على المسلمين أن يتذكروها، ويتذكروا ما صحبها من الظروف والملابسات؛ لينتفعوا بما في ذلك من العظات والعبر، وليس هناك أشد أثرًا في النفوس من تذكيرها بالحوادث الواقعة، وتجلية آثارها الناصعة أمام أعين الناشئين من أبناء الأمم.

ولست هنا بصدد تفصيل القول في قصة الإسراء والمعراج وحوادثها، واختلاف العلماء فيها؛ فذلك بحث نستوعبه -إن شاء الله تعالى- في مقال خاص، ولكنا نقصد إلى أمرين هامين:

أولهما: أن نقول للمحتفلين بذكرى الإسراء والمعراج من أبناء الإسلام: إن خير ما يحتفل به في مثل هذه الليلة أن يتفقه المسلمون في سيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويتدارسوها بينهم دراسة منتجة عميقة تدفعهم إلى الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، وأما المظاهر اللاهية وقضاء الوقت في العبث والمجون والمطاعم والمشارب فأمر انتهى أوانه، وليس من الدين في شيء، ولم يبق إلا الجد والعمل ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105].

وثانيهما: أن نقول لمن يكبر عليهم أن يتصوروا وقوع هذه الخوارق في ليلة الإسراء والمعراج:

هونوا عليكم، وأربعوا على أنفسكم؛ فإن الأمر أيسر مما تظنون من عدة وجوه، منها:

1-أن الإسراء والمعراج معجزة له صلى الله عليه وسلم، والمعجزة أمر خارق للعادة، وقد وقعت المعجزات له صلى الله عليه وسلم مرارًا في غير هذه الليلة، ووقعت لغيره صلى الله عليه وسلم من الأنبياء؛ فاستعظام خوارق الإسراء والمعراج معناه استعظام لكل ما وقع من ذلك مع تواتره وتوارده، ولا يقال في المعجزة: "كيف كانت؟"؛ فحسبك أنها أمر خارق للعادة.

2-وأن نواميس هذا الكون الصغير ينكشف لنا منها كل يوم غرائب وعجائب، ما كانت عقولنا لتصدقها قبلا لولا أنها تأيدت بالدليل الساطع والبرهان القاطع، يقولون: إن الضوء يقطع في الثانية 18000 ميل أو يزيد، والأرض تسبح في الفضاء بسرعة 107000 كيلومتر في الساعة، والشمس ترسل لنا على الدوام بإشعاعات مغناطيسية تؤثر عن بعد 150مليون كيلومتر على الإبرة المغناطيسية لدرجة لا تشعر بها مشاعرنا، وكل هذه النواميس تعطينا صورة مصغرة عن إمكان حدوث أي شيء يبدو غريبًا أمام عقولنا لأول وهلة.

3-وإن وراء هذا الكون عوالم أخرى لها نواميس أوسع نطاقًا، وأدق إحكامًا مما نتصور، ولا سيما ذلك العالم الروحي الذي أدهشت عجائبه عقول الباحثين وهم لم يزالوا بعد على شاطئ البحث، ولما يخوضوا لُجَّته.

ذكرت بعض المجلات أن أحد المشتغلين بالأبحاث النفسية وهو المسيو "هيوم الإنجليزي" تمكن بقوة تأثيره الروحي في نفسه أن يرتفع بكرسيه إلى عشرين مترًا مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع أي مؤثر آخر في هذا الارتفاع غير قوته النفسية، والغرائب والمدهشات في هذا الباب لا نهاية لها، والعوائق المادية لا تثبت أمام قوى الأرواح؛ فليس ثمة ما يمنع من خضوع الجسم للروح في كل إرادتها إذا قويت إلى الدرجة الكافية من التأثير، فإذا كان هذا يجوز للأرواح العادية؛ فهل يكون شيء من الظواهر على أية صورة من صورها ممتنعًا في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟!

الحق أن وقوع الإسراء والمعراج للنبي صلى الله عليه وسلم أمر لا غرابة فيه، ولا معنى لإنكاره على الصورة التي وردت بها الآيات والأحاديث الصحيحة، والمهم أن تُجْمَع كل الآيات وكل الأحاديث التي تعرضت لهذه المعجزة الرائعة، وتُمحص تمحيصًا دقيقًا تتجلى فيه الحقائق تجليًا لا يدع مجالاً للاختلاف والتضارب في الأقوال، وذلك ما ندعو إليه جمهرة المحققين من علمائنا الأعلام، ونسأل الله تعالى أن يوقفنا للقيام بما يجب علينا من ذلك، وهو ولي التوفيق.


للمزيد عن معجزة الإسراء والمعراج

تاريخ احتفالات الإخوان بالإسراء والمعراج

كتابات الإمام حسن البنا عن الإسراء والمعراج

كتابات الأستاذ محمد مهدي عاكف عن الإسراء والمعراج

كتابات الأستاذ محمد مهدي عاكف عن الإسراء والمعراج

مقالات أخرى عن الإسراء والمعراج

.