د. هشام الصولي: اعتقالنا أيقظ الهمَّة في نفوس المصريين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. هشام الصولي: اعتقالنا أيقظ الهمَّة في نفوس المصريين
26-07-2005

كتب- ياسر هادي


مقدمة

الدكتور هشام الصولى فى المؤتمر


- دور أطباء السجون مخزٍ ويجب على النقابة التدخل فورًا

- قتل الجنائيين والاعتداء عليهم أمرٌ روتيني داخل السجون

- المظاهرات كسرت حاجز الخوف لدينا والإصلاح لن يأتي إلا بالضغطِ الشعبي


يتميز الإخوان المسلمون بأنهم يستفيدون من المحن ويتمكَّنون من تحويلها إلى منحٍ وهِباتٍ تكون دافعةً لزيادة النشاط والعمل لديهم، ويُعتبر السجن أحد أهم هذه المحن التي يستفيد منها الإخوان بشكل جيد؛ حيث يعتبرونه فرصةً للوقوف مع النفس للمراجعة وبثِّ النشاط في النفوس.

وفي السطور التالية نحاور الدكتور هشام الصولي أحد الإخوان الذين قضَوا فترةً رهن الاعتقال بعد مظاهرات الإخوان المطالِبة بالإصلاح وإتاحة الحريات، وهو مدير مستشفى الأمل بالإسماعيلية وعضو اللجنة الطبية بالتأمين الصحي، وهذه لم تكن هي المرة الأولى التي يُحبس فيها؛ حيث قضى في السجن 3 سنوات في قضية النقابيين، واستعرض معنا كيفية اعتقاله، وكيف قضى تلك الفترة، والدروس التي استفادها خلال هذه المحنة.

  • نريد في البداية أن تشرح لنا كيف تمَّ القبض عليك..
    • قُبض عليَّ يوم الجمعة الموافق 6 مايو 2005م من أمام مسجد أبو بكر الصديق بالإسماعيلية؛ حيث كانت هناك وقفةٌ أمام المسجد للمطالبة بالإصلاح تحوَّلت بفعل تصرفات الأمن إلى مظاهرة، وعُرضتُ على النيابة التي قررت حبسي 4 أيام على ذمة التحقيق، ثم أعطاني قاضي التحقيق 45 يومًا إلى أن أُخلي سبيلي يوم 13/6/2005م.
  • وكيف كان التعامل معكم خلال تلك الفترة؟
قضيتُ فترة الحبس في سجن المنصورة في الدور الأرضي، وكانت الزنازين دون دورات مياه إطلاقًا.. الأمر الذي سبَّب لنا أذى ماديًّا ومعنويًّا كبيرًا، وكان لا يتم السماح لنا بدخول دورات المياه سوى مرة واحدة، إلى أن نظمنا إضرابًا عن الطعام؛ حيث امتنعنا عن تناول أكل السجن وأعدنا الأطعمة التي تأتي خلال الزيارة؛ مما أدَّى إلى الاستجابة الفورية لمطلب فتح دورات المياه بشكلٍ مستمرٍ، ونقلنا فكرة الإضراب إلى سجنَي دمنهور والزقازيق التي كان نزلاؤهما يواجهون نفس الأزمة.

مئات الأبرياء خلف الأسوار!!

  • وكيف كنت تقضي يومك داخل السجن؟
كنا محبوسين طول اليوم عدا ساعتين نخرج فيهما إلى الحوش أو الصالة التي تخدم 20 زنزانة، وكان موقعنا في الدور الأرضى يتسبب لنا في مشكلات؛ حيث كان الجنائيون ينظفون البطاطين فوق رؤوسنا، كما كانت المياه التي ينظفون بها يوميًا تنزل علينا، وكان اليوم في السجن يبدأ بتدريبات رياضية لمدة نصف ساعة، ثم مدارسة سياسية وعدد من الأنشطة الأخرى التي كنا نشغل بها اليوم بشكلٍ جيدٍ.

مواقف طريفة

  • وسط المواقف المؤلمة يمكن أن يحدث شيءٌ طريف.. فهل حدث لكم شيءٌ من هذا القبيل؟
بالفعل فقد قَبَض ضباط أمن الدولة على طارق أحمد العدوي- وهو ناصري معروف- وذلك بتهمة الانضمام :للإخوان ، وهو صاحب مزرعة دواجن في المنصورة، وكان قد جاء ليواسيَ أحد أصدقائه في وفاة الشهيد :طارق الغنام ، فتمَّ القبض عليه لتشابه اسمه مع أحد الإخوان الكبار بالمنصورة، وهذا دليل على الفوضى والإهمال الذي يُعانيه هذا الجهاز، والأطرف أننا خرجنا قبلَه رغم عدم علاقته بالمظاهرات أو بالإخوان إطلاقًا.
ويبدو أنَّ الحكومة أرادت من خلال استمرار حبسه توصيل رسالة للمصريين بعدم مواساة بعضهم، وأذكر أنَّ فتحي قزمان- عضو لجنة الدفاع- قال لطارق العدوي "أوعى الإخوان يضحكوا عليك".
وهناك طُرفةٌ أخرى حدثت مع أحد الصيادلة الذي كان محبوسًا معنا؛ حيث إنه طُرِدَ من عمله في السعودية بسبب الرئيس مبارك، وهو ما شرحه قائلاً: إنه ترك العمل هناك لأنَّ أحد السعوديين سبَّ الرئيس وحين دافع عنه تمَّ طردُه من المدرسة.
  • نرجو أن تحكيَ لنا قصةَ الزيارة التي قامت بها لجنة الأمن القومي والدفاع بمجلس الشعب لسجن المنصورة وشهادتهم بأن السجناء في أفضل حالاتهم ولا توجد أي شكاوى.
ما حدث هو أنَّ إدارة السجن اختارت 4 مساجين فقط لمقابلة أعضاء اللجنة، وكنا نتوقع أن نقابلها نحن، وادَّعوا أنَّ هؤلاء الأربعة هم الذين حصلوا على تصريحٍ من النيابة بمقابلة اللجنة، وجلسوا معهم في غرفة النيابة ولم يدخلوا الزنازين إطلاقًا، وكان بصحبتهم اللواء محمود وجدي- مدير مصلحة السجون- الذي دخل العنابر بمفرده، وحتى الأسئلة التي وجهوها للمساجين الأربعة كانت موجهةً بحيث تكون الردود إيجابيةً؛ مثل: هل تأتي لكَ زيارة؟ هل معاملة الضباط جيدة؟ إلا أنهم لم يتطرقوا إلى حالة السجن المتردية؛ حيث تمَّ وضع كل 5 أفراد في زنزانة واحدة مساحتها 190سم× 275 سم؛ بحيث كان المسجونون ملتصقين، فمَن ينام خلف الباب لا بد أن يستيقظ حتى يتم فتح الباب.
وبصراحة فقد كانت حالتنا- رغم هذه القسوة- أفضل من بعض الأطباء الذين احتُجزوا داخل الأقسام ومراكز الشرطة طول فترة الحبس خارج إطار القانون أو زميلنا الدكتور محمد عبد الرحمن الذي حُبِسَ داخل دورة المياه مع 3 من زملائه لمدة يومين كاملين.. الأمر الذي كان يضطرهم للنوم واقفين، فضلاً عن أنَّ دورة المياه كانت دون أبواب.

الجنائيون في ورطة

  • باعتباركم قضيتم فترة الحبس في سجن المنصورة (المخصص للجنائيين).. فكيف كانت حالة هؤلاء الجنائيين داخل السجن؟
بالفعل فإنَّ سجن المنصورة جنائي لم يدخله سياسيون إلا بعد انتخابات 2000 م، أما عن حالة المسجون الجنائي- أيًّا كانت تهمته- فيكاد يكون معدومَ الحقوق تمامَا؛ حيث يتكرر القتل والاعتداء عليهم بشكلٍ متكرر، كما يتم ترويج المخدرات بينهم علنيًّا، ويعتدون على بعضهم بشكلٍ مستمر دون أي تدخل من إدارة السجن، ورغم أننا لم نختلط بالجنائيين- حيث تمَّ عزلهم بعيدًا عنَّا- إلا أننا كنا نلاحظ المعاملة القاسية التي كانوا يتعرَّضون لها؛ حيث لا يوجد الجنائيون على أجندة إدارة السجن أصلاً.
  • وهل كنتم تتابعون ردود الأفعال على سجنكم بعد المظاهرات الحاشدة التي قادها الإخوان للإصلاح؟
أثناء عرضنا على النيابة كنا نشعر بتفاعل الناس معنا بشكلٍ أسعدنا؛ حيث كان المواطنون في الشارع يبادلوننا الهتاف، كما كان الموظفون في المصالح المجاورة للمحكمة يتعاطفون معنا، كما كانت تأتي لنا تحيات المعارف والجيران الذين نعرفهم أو لا نعرفهم، أما داخل السجون فكان الجنود والمخبرون وصف الضباط يقولون: "إنَّ هذا ليس مكانكم"؛ ولذلك كانت معنوياتنا مرتفعةً للغاية.

ضغوط مؤثرة

  • وماذا عن الضغوط التي كانت تمارَس في الخارج حتى يتم الإفراج عنكم؟
لا شك أنَّ هذه الضغوط كانت تؤثر بشكلٍ كبيرٍ على معاملتنا داخل السجن، فمنذ دخلنا كانت إدارة السجن تؤكد على حسن معاملتنا إلا أنَّ السجنَ أصلاً لا يصلح لاحتجاز الآدميين، وكانت أكثر المواقف تأثيرًا وقفة أساتذة جامعة المنصورة الذين طالبوا بالإفراج عن 3 من زملائهم، وهم الدكتور محمد الدسوقي، والدكتور محمد سليمان، والدكتور خالد فتحي؛ حيث تمَّ الإفراج عنهم وحدهم دون باقي المعتقلين، وكنا نلمس أثر تلك الضغوط بسرعة، وأؤكد أنه لو كان الشعب المصري كله مدركًا للظلم الذي تعرَّضنا له لما استطاع أحد أن يحتجزنا.
  • وما التأثير الأهم الذي أثمره الحبس بالنسبة لكم؟
كسَر السجن حاجز الخوف داخلنا؛ حيث كان الكثير منا- خاصةً الذي يُحبسون للمرة الأولى- يهابون السجن، ورغم أننا لم نتعرَّض لما شهده الإخوان في الخمسينيات والستينيات إلا أننا شعرنا بسهولة الثبات والتحمل، كما كان لسجننا أثرٌ في تنمية الوعي داخل المجتمع بأهمية ما فعلناه، كما تشجَّعت فئاتٌ أخرى على تأييدنا بحيث أصبح من السهل أن ينضموا إلينا في مطالبتنا بالحرية، هذا بالإضافة إلى الفوائد الشخصية التي جناها الإخوان داخل السجن، مثل حفظ القرآن أو القراءة.
  • ما تأثير السجن على أسركم؟
أُسَر المعتقلين تنقسم إلى قسمين: الأول هم أهل الإخوان الذين سبق اعتقالهم كما حدث معي، وبالنسبة لهؤلاء لم يكن الأمر جديدًا فلم تكن الصدمة كبيرة، أما الجديد بالنسبة لحالتي فهو القبض على ابني المهندس معاذ الصولي.
أما القسم الثاني فهم عائلات المعتقلين للمرة الأولى، اضطربوا في البداية إلا أنهم اطمئنوا حين قاموا بزيارتهم وعرفوا أننا جميعًا معهم ووجدوا التفاف الإخوان حولهم.

طالبوا بالحقوق

  • وما الدرس الذي خرجتَ به من تلك المنحة؟
أهم ما تيقنت منه أنَّ الإصلاح لن يتم دون ضغوط يقوم بها الشعب، ودون هذه الضغوط فلن يكون هناك أي تقدم في هذا الوطن، ودون هذه الضغوط أيضًا لم نكن سنخرج بهذه السرعة، وكان سيتم تلفيق القضايا لنا وإحالتنا للمحاكم العسكرية، وهذا ما لاحظتُه في مقر أمن الدولة بعد الإفرج عني؛ حيث قالوا لم نكن ننوي الإفراج عنك إلا أن تدخل نقيب الأطباء هو السبب، وبالطبع لم يكن ذلك هو السبب الحقيقي؛ لأن الضغوط المتواصلة هي السبب في ذلك، بدليل أن هناك عددًا من الأطباء لم يخرجوا معنا، وأشير إلى أن حقوقنا لن نحصل عليها إلا بالضغط المتواصل من كافة القوى السياسية.
  • وما الكلمة التي توجهها للناس بعد الإفراج عنك؟
أقول إن العمر والرزق بيد الله تعالى، ويجب أن لا نخشى عليهما من أحد، ولا بد أن نختار لأنفسنا حياةً كريمةً تقتضي منا ألا نرضى بالأمر الواقع، وأن نسعى للتغيير بكل الوسائل القانونية التي لم نستعملها حتى الآن، ولا بد أن نستفيد من كل تلك الوسائل حتى يغيِّر الله تعالى أحوالنا بها.
  • باعتبارك طبيبًا كيف ترى دور أطباء السجون؟
أطباء السجون لهم دور في استكمال وقائع إهانة المعتقلين؛ حيث يكون لهم دورٌ في منعهم من دخول دورات المياه، كما أن انتهاك حقوق المحبوسين احتياطيًّا من جانب الأطباء أصبح واضحًا، ورغم أن الطبيب يقول إن هذا هو المتاح إلا أنه يملك أن يطالب ويعترض على نقص العلاج أو سوء حالة المعتقلين الصحيحة.
وأرى أن الحل هو في أن يكون هناك إشرافٌ صحيٌّ دائمٌ على السجون من جهات خارج السجن، مثل وزارة الصحة ونقابة الأطباء، وأن يتغير القانون حتى تقوم النقابة بدورها، فهل يُعقل أن لا يكون للنقابة حقُّ الضبطية القضائية على العيادات والمستشفيات التابعة للسجون، وإذا سمح القانون بالإشراف على هذه الأماكن فسوف تدخل النقابة مستشفى السجن السيئ الذي يُعتبر مقبرةً لمن يدخله، وهو عبارةٌ عن الدور الثامن في مبنى الباطنة بالقصر العيني.

المصدر