د. عبد الحميد الغزالي يكتب:وقفة.. أمام تحريض ممجوج

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. عبد الحميد الغزالي يكتب: وقفة.. أمام تحريض ممجوج


أحداث الأزهر ببساطة تتلخص في أنَّ مجموعةً من الطلابِ حُرموا من الاشتراكِ في الانتخاباتِ الخاصة باتحادهم، فاجتهدوا وشكَّلوا اتحادًا حرًّا خاصًّا بهم، فقامت إدارةُ الجامعة بفصلِ بعضٍ منهم، فقام عددٌ من زملائهم بالاحتجاجِ على ذلك أمام إدارة الجامعة، وفي داخل أسوارِ الجامعة، واتخذ هذا الاحتجاج، من ضمن ما اتخذه، عرضًا أو مسرحية

واعتذر الطلاب عن هذا العرض، واستنكرت الجماعةُ هذا العرضَ باعتباره أمرًا مرفوضًا شكلاً وموضوعًا؛ لأنه لا يمتُّ لفكرِ الجماعةِ وسلوكها بصلة، وبالرغم من ذلك واستمرارًا للمعالجاتِ الأمنية تمَّ إلقاء القبض على النائبِ الثاني لمرشد الجماعة وستة أساتذة وأحد عشر قياديًّا ومائة وثمانين طالبًا من طلاب جامعة الأزهر، رغم أنَّ ما حدث مشكلة طلابية داخل أسوار الجامعة.

وعلى هذه الخلفية، كتب رئيس تحرير الأهرام الجمعة (15/12/2006م)، العدد (43838) تحت عنوان: "وقفة مع الجماعة المحظورة" ليفتري على الجماعة افتراءاتٍ ظالمةً لا أساسَ لها، ويكيل لها اتهاماتٍ باطلةً لا سندَ لها، فقال إنها قوة سياسية تُداعب العواطفَ الدينيةَ للرأي العام المصري "لأهدافٍ ليست من الدين في شيء"

ثم يُحرِّض تحريضًا سافرًا بالقول "إنَّ أحداث الأزهر لا ينبغي النظر إليها على أنها أعمالٌ تتسم بشيءٍ من التهور من حفنةٍ من الشباب، الذين يعانون شيئًا من الإحباط، وإنما يتعين النظر إليها على أنها تهور.. ينطوي على تهديدِ أمن المجتمع ونظامه.. إذ إنَّ هناك قوى هي التي استنفرته، ونحن نعلم جميعًا، أنَّ هذه القوى لن تترك فرصةً من أجل تحقيق مآربها السياسية" ..

ثم يقفز إلى نتيجةٍ ظالمة، تنمُّ عن جهلٍ فادحٍ وافتراءٍ فاضح، قائلاً: "لقد أصبحتْ جماعة الإخوان المحظورة هي الآفة السياسية الأولى التي تُعانيها الحياة السياسية المصرية، حيث إنها تتربص بالديمقراطية، وتسعى إلى الاستفادة منها.. وهي أخطر على حريةِ التعبير وحرية الصحافة من أي قوةٍ أخرى بما فيها الحكومة.." .

ثم يُفصِّل هذا الإفك المفترى بالقول: "فهم يزعمون أنهم وحدهم المسلمون، وأنهم وحدهم الأكثر فهمًا للدين، وأنهم دون غيرهم الذين يغارون على الدين، ويقولون إنَّ مَن ليس معهم فقد خرج على الدين والملةِ"، ثم يُخوِّف الجميع، بالقول: "إنَّ القضيةَ الآن، كما شهدها الحرم الجامعي، أصبحت قضية مجتمعٍ يخشى على أمنه واستقراره ويخشى أيضًا على نظامه.."!

ثم يُحرِّض بوضوحٍ قائلاً: "نحن جميعًا شركاء في المسئولية لوقفِ خروج هذا التيار المستمر على القانون تحت سمع وبصر الدولة.. فالدولة هي التي أنهت الوجود الشرعي لجماعة الإخوان بذنوبها وجرائمها في الأربعينيات والخمسينيات، وهي التي سمحت لها أن تدخل النظام السياسي من بابِ المعارضة باسمها المحظور، وأن تُعلن تكفيرها رئيس مجلس الوزراء ووزير الثقافة".

أبعد هذا الهراء بل الهذيان، وغيره، المبكي المضحك من كاتبٍ بدرجةِ رئيس تحرير الصحيفة التي كانت قبل عهده الميمون كُبرى الصحف في المنطقة، والذي لا يستحق حقيقةً أي تعليق ولا يستأهل فعلاً أي اعتبار، يخلص الكاتب الهمام إلى القول: "لقد لقيت الدولة من الإخوان الكثيرَ لقاء تسامحها المفرط مع تلك الجماعة (لاحظ أيها القارئ العزيز العبارة السابقة!) من عبثٍ وإثارةٍ وفتنٍ في كل مجالٍ رغم أنها الجماعة التي تشهد العقود الثمانية التي مضت من تاريخها بأنها جماعة سياسية لم تنفع الدين أو المجتمع يومًا"!!

ثم أخيرًا بعد أن حرَّض الدولة والمجتمع ينتقل إلى تحريضِ المجتمع الجامعي في الأزهر فيقول من رسالةِ الأحداث.. "كنتُ أتوقع من علماءِ الأزهر وقفةً تليقُ بهم وبمكانتهم مما حدث.."!

ثم ينتهي من هذا الغثاء باتهامٍ عام قائلاً: "إن هذه الجماعة كانت في ماضيها مصدر إلهام لكل جماعاتِ التطرف في مصر وخارجها"، ويستطرد بالقول: "ويبدو أن التكفير لم يعد سلاحًا كافيًا لنشر عقيدتها فانتقلت إلى مرحلةٍ جديدةٍ أعلنت عن مقدماتها في جامعة الأزهر، فالإخوان يريدون اتحادًا بديلاً للطلاب، وآخر بديلاً للعمال، وغدًا ربما يُفكِّرون في كيانات بديلةٍ لجميع أجهزة الدولة تخضع لمشيئةِ المرشد العام".

ثم يقفز كعادته إلى فريةٍ كُبرى بالقول: "إن مصر لن تخضع لجماعةٍ لطَّخت يديها بدماء المسلمين حصرت أهدافها في سُدةِ الحكم التي تحاول الوصول إليها بستارٍ ديني كاذب"! ثم يتوهم- لكي يغرق القارئ في الضحك- أن هناك قوى داخلية تتربص بالتنميةِ وعملياتِ الإصلاح السياسي والاقتصادي؛ ولذلك "يجب أن نُحاصر الآثار السلبية لهذه الجماعة، ونضعها في حجمها الطبيعي من خلال تطبيقٍ صارمٍ للقانون خاصةً في تلك المرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة التي تريد القوى الكبرى والقوى الإقليمية تحويلها إلى ساحةٍ للحروبِ الدينية والطائفية"!

هذا، ما تمخَّضت به قريحةُ السيد رئيس التحرير ولو كان يقرأ، أو يفهم، ما كتبه بعض صحفيي جريدته، من أمثال سلامة أحمد سلامة، وصلاح حافظ، وفهمي هويدي أو من أمثال الجيل الثاني ضياء رشوان وعمرو الشوبكي أو اطَّلع على التقاريرِ الإستراتيجية التي يصدرها الأهرام سنويًّا، ما وصل إلى هذا المستوى من الكتابة، التي لا يمكن أن تُوصَّف "بالصحفية".

وعادةً لا نردُّ، كإخوان، على الافتراءاتِ الصارخة والاتهامات التي تُلقى جزافًا وبلا أدنى مسئولية والتي تحيق بجماعةِ الإخوان ظُلمًا وعدوانًا، ولكن لأنَّ هذه الافتراءات والاتهامات جاءت في جريدةٍ قوميةٍ كان لها انتشارها ومسئوليتها، وكانت تُوزَّع داخل مصر وخارجها بأعدادٍ تليق بها، كان لا بد من وقفةٍ مع رئيسِ تحريرها.

فما جاء في هذه الوقفة مجموعة من الافتراءات والاتهاماتِ والأباطيل التي لا تمت للجماعة بصلة؛ فإن كان هذا الكاتب لا يعرف أنَّ جماعة الإخوان المسلمين جماعة من المسلمين لا تحتكر أبدًا الحقيقةَ الإسلامية ومعروفة بوسطيتها واعتدالها، تنبذ العنف وترفض الإرهاب طوال تاريخها وتتبنى مشروعًا حضاريًّا- سطرتُ لهذا الكاتب بعض عناصره فيما سبق- لخير مصر والأمة الإسلامية والعالم أجمع

تنادي بحكومةٍ مدنيةٍ ذات مرجعيةٍ إسلامية، ترفض بتاتًا فكر التكفير، فأبناؤها دعاةٌ لا قضاة، لها ثقل، وثقل متزايد في الشارع السياسي المصري والعربي والإسلامي إلخ.. إذا كان هذا الكاتب لا يعرف هذه الحقائق الناصعة عن فكرِ وسلوك الإخوان، فتلك والله مصيبة، وإن كان يعرف فالمصيبة أعظم!

فلتكفَّ يا سيدي أنت وأمثالك عن هذا الهُراء الذي يُدمِّر ولا يبني، ولا يخدم أحدًا ولا هدفًا وكفى إساءةً إلى جماعةٍ مسئولة، وإلى مصر الحبيبة وإلى صحيفةٍ كانت قبل عهدك ملء السمع والبصر وليس في مصر وحدها، بل في العالم أجمع، فهل هدفك لمصلحةِ العامة؟ هل هدفك مصر ومستقبلها؟ هل هدفك مساندة النظام؟ هل هدفك مساندة الحكومة؟

هل هدفك تأييد وزارة الداخلية فيما وصلت إليه؟ أشك تمامًا في ذلك، وإذا كانت هذه أهدافك التي أشكُّ حقيقةً فيها، فأنت يا سيدي فشلت تمامًا في تحقيقها، وإن كان لك أهدافٌ أخرى فليس يا سيدي بإشعال الفتن وتدمير الوطن يتم الحفاظُ على المناصب!

كنتُ قد أحجمتُ عن الكتابةِ لأنَّ الأحداثَ التي تمرُّ بوطني داخليًّا وخارجيًّا لا تحتاجُ إلى مزيدٍ من التحليلِ والتوضيح، لأي مواطن، والمواطن المصري كيِّسٌ فطن، ذو نظرةٍ ثاقبةٍ للأمور، وبصيرة فطرية، ولكني اضطررتُ إلى العودة إلى قلمي كي أرد على هذا الإفكِ المفترى، والله يعلم إذ ذلك كواجبٍ ديني، ولصالح وطني ولصالح أمتي، ولصالح جريدةٍ أحرص على قراءتها ثم أحجمتُ في الفترة الأخيرة، وإنني أنصحك يا سيدي مخلصًا أن تُمارس هذه الهواية الشاذة- ولا أقول المنحرفة- فكرًا وكتابةً في جريدةٍ غير الأهرام..

أخلصك القول، إذا لم تكن تعرف، وأنت بالتأكيد تعرف، فما وصلت إليه الجريدة في عهدك كارثة بكل معنى الكلمة، بسبب كتاباتك وأمثالها ولولا كتابات صحفيين محترمين أمثال سلامة، وحافظ وهويدي ومنصور ورشوان، ولولا صفحة الوفيات والإعلانات ما اشتراها أحدٌ من المواطنين الذين يمولونها من حصيلةِ الضرائب التي يدفعونها، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

المصدر