د. رجب عبد الله: للتظاهر آداب وضوابط شرعية
اذهب إلى التنقل
اذهب إلى البحث
د. رجب عبد الله: للتظاهر آداب وضوابط شرعية
04-06-2005
تخرج المظاهرات والمسيرات الشعبية في عدد من الدول العربية والإسلامية؛ بهدف المطالبة بالحرية تارةً، وبهدف النصرة لجزء من الكيان الإسلامي، ومع خروج هذه المظاهرات تظهر بعض الممارسات التي قد يتفق بعضُها مع الشرع وما يخالفه في البعض الآخر.
ما مشروعية التظاهر من حيث المبدأ؟ وما هي ضوابطه الشرعية؟ وهل تشارك المرأة في هذه التظاهرات؟ وهل تخرج المتظاهرات من المساجد؟ وما هو حكم دفع أموال للمتظاهيرين بهدف تكثير السواد؟!
التقينا فضيلة الشيخ الدكتور رجب عبد الله لنطرح عليه هذه التساؤلات وغيرها لنتعرَّف على ضوابط وآداب التظاهر:
- بدايةً.. ما هي مشروعية الخروج في المظاهرات؟ وهل أجاز العلماء تظاهر الشعوب من أجل الحصول على حقوقها، خاصةً إذا كانت هذه الحقوق هي الحرية؟!
- إذا أردنا أن نتحدث عن مشروعية التظاهر ضد الباطل من أجل الحق نجد اتجاهَين للعلماء في هذه المشروعية:
- الاتجاه الأول : يرى أن هذه المظاهرات من أمور العادات وليس من أمور العبادات، والأصل في العادات الحل والجواز ما لم يرد دليل على الحرمة، وأن المظاهرات وسيلةٌ فتأخذ أحكام الوسائل، والأصل في الوسائل الإباحة، فالذي يقصده المسلمون بهذه الوسيلة هو إظهار الحق، ورفض الظلم، وكشف الجرائم، وشحذ همم الناس وألسنتهم وأقلامهم وأيديهم بما يملكون فعله، وبناءً على ذلك لا بأس أن يتجمع المسلمون ويخرجوا في مظاهرات لاستنكار أمر معين، ويعلنوا رفضهم له، ويطالبوا بالتدخل لمنعه إذا كانت هذه الطريقة مجديةً ونافعةً.
- الاتجاه الثاني : يرى أن هذه المظاهرات الأصل فيها الإباحة، غير أنا لا نعدم أدلةً كثيرةً في تراثنا الإسلامي على مشروعية التظاهر، فالتظاهر مع الحق وضد الباطل سنة مشروعة جارية، سنها الله في إظهار الإنكار على الفساد في قوله: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (النور:2)، وسنها في الابتهاج بالأعياد، ووداع الرسول- صلى الله عليه وسلم- للغزاة حين خروجهم والاحتفال بهم حال عودتهم، وفي إظهار القوة كما فعل مع أبي سفيان فألزمَه رؤيةَ قوة المسلمين، وقطع الطريق عليه أن يفكر في إمكان مواجهة القوة الضاربة للإسلام، ومن قبل طلب الرسول- صلى الله عليه وسلم- من الطائفين أن يهرولوا في الطواف إظهارًا لقوة وصحة أجسامهم.
- وقد عاب الله على الذين تعللوا بأنهم مستضعفون لا يقوون على رد الظلم فلم يقبل عللهم، بل توعدهم بالعذاب في الآخرة ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾ (النساء: 97).
- فالمظاهرات نوع مشروع من إنكار المنكر، ولها أهمية كبيرة في إظهار قوة الحق؛ ليرجع الظالمون عن ظلمهم، ويراجعوا أنفسهم.. يقول الرسول الله- صلى الله عليه وسلم-:"من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
- وقد جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشكو جارَه، فقال "اطرح متاعك على الطريق" فطرحه، فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه، فجاء جار السوء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال لرسول الله ما لقيَ من الناس، فقال: وما لقيتَ منهم؟! قال يلعنوني قال: "لقد لعنك الله قبل الناس" قال: إني لا أعود.. فجاء الذي شكاه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال"ارفع متاعك فقد كفيت".. هذا عن الجانب الشرعي، وعلى الجانب القانوني فإن التظاهر السلمي حق كفله الدستور وأجازه القانون، سواء في البلاد الإسلامية أو غيرها.
- من الملاحظ أن عددًا من التظاهرات يخرج من المساجد.. فهل يعد ذلك نوعًا من الزج بالمسجد في أغراض ليست من مهمته؟!
- المسجد في رسالته الأولى لم يكن مقتصرًا على العبادة ولكنه كان لجميع شئون الحياة، فكان المسجد مكانًا لعقد الزواج، وكان مكانًا لتجهيز الجيوش والتدريب وإعداد الخطط الحربية ومدارستها والتدريب عليها، وكان مأوًى لمن لم يجد مكانًا للنوم كأهل الصفَّة، وكان قاعةً للشورى، وكانت تتم فيه البيعةُ للخلافة، وفي المسجد تُلقى الدروس والمواعظ، وفيه يَلتقي الرسول- صلى الله عليه وسلم- بالوفودَ والسفراءَ، ولا شك أن هذه الأشياء تتم بصوت عال، ولم يقل أحد إن البيعة للخلفاء التي كانت تتم في المسجد حرام، ولقد أشاد العلماء بالمظاهرات التي خرجت من الجامع الأزهر إبان الحملة الفرنسية على مصر، وكذلك في ثورة 1919م، فهو نفس الجامع.. فلماذا تحرم الآن؟!
- يلجأ بعض المتظاهرين إلى الجمع بين صلاتين؛ نظرًا لتعذر أداء الصلاة في وقتها لصعوبة الوصول إلى مكان الوضوء أو وجود مكان تصلح فيه الصلاة؟!
- ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ثماني ليال دون خوف أو مرض، ولما سئل ابن عباس- راوي الحديث- عن سبب الجمع قال: أراد أن لا يحرج أمته، وهذا الحديث يقتضي جواز الجمع دون سبب من خوف أو مرض، كما صرح الحديث.
- وقد صح عن غير واحد من الفقهاء أنه أجاز الجمع بلا سبب؛ بشرط أن لا يصبح عادةً للمسلم، وعليه فلا مانع من الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المظاهرات، ويتأكد الجواز عند الخوف من إيقاع كل صلاة في وقتها؛ حيث يصعب في المظاهرات توافر المياه وتوافر الأمن وتوافر المكان الصالح للصلاة، وقد يحدث فيها من الملاحقات والمضايقات ما يجعل في إيقاع كل صلاة في وقتها حرجًا شديدًا.
- هناك من يتجاوز الهدف من التظاهر للقيام بعمليات تخريب وإتلاف للممتلكات العامة والخاصة، فما هي ضوابط وآداب التظاهر؟!
- التظاهر ضد الباطل مع الحق أمر مشروع، وقد يصل إلى حد الوجوب إن كان ذا تأثير على اتخاذ القرار من أصحاب الباطل، ولكنَّ التظاهر لفضح الظلم والعدوان لا يسوغ القيام بأعمال التخريب، وليس من المشروع أن تنقلب العواطف الجياشة إلى اتخاذ سلوك حرمه الشرع؛ لأن الاعتداء الداخلي نوع من الظلم، كما أن موقف الحكومات السلبي لا يبيح القيام بأعمال الشغب، والأَولى في هذا الوقت أن يفكر الناس في خطوات عملية تؤتي ثمارها، ولا تُحدث صدامًا مع الحكومات، ولكن قد يكون هناك نوع من الضغط بأساليب عديدة بعيدًا عن التخريب في المظاهرات، بما يحقق الهدف، ولا يفسد ولا يأتي بضرر.
- هذه المظاهرات وإن كانت مشروعةً لكنَّ هذه المشروعية مقيَّدةٌ بجملة من الضوابط والآداب التي لو لم تراعَ لصارت غير جائزة؛ بسبب ما لحق بها من أشياء محرمة، ومن بين هذه الآداب:
- - خروج النساء متبرجات؛ حيث إن المتبرجة تؤذي نفسها وتؤذي من ينظر إليها.
- - استعمال أصوات وأفعال منافية للآداب الإسلامية أثناء المظاهرة.
- - ظلم الآخرين.. كسد الطريق، وتعطيل مرور الناس.
- - استخدام سباب وشتائم لا تجوز شرعًا.
- - الاختلاط السافر بين الرجال والنساء أثناء المظاهرة.
- - الاعتداء على ممتلكات الأبرياء.. كتحطيم محلاتهم أو نوافذهم، أو إيقاد النار في المرافق العامة ونحو ذلك من المحرمات؛ حيث قضت الشريعة الإسلامية أن "لا ضررَ ولا ضرارَ"، وقضت بحرمة الدماء والأموال إلا بحقها.
- - ومن الآداب والأخلاق التي يجب على المسلم أن يتحلى بها أيضًا عدم استخدام الألفاظ النابية في المظاهرات ولا في غيرها، ولا شك أن المسلمين مأمورون بأن يكونوا قدوةً مع الناس جميعًا، فنحن أمةٌ أُمرنا بعلوِّ الأخلاق في أحلك الأوقات؛ والفحش في القول ليس من أخلاق المسلمين بأي حال، لا في المظاهرات ولا في غيرها.. يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء".. فلا يجوز السب ولا اللعن ولا الكلام عن ذنوبٍ ارتكبها أصحابها بعيدًا عن أعين الناس ما لم يجهروا بها، فالإسلام يدعو إلى الستر ولا يُجيز الجهرَ بالسوء من القول إلا بضوابط وشروط معلومة.. ويقول- صلى الله عليه وسلم-: "من أكبر الكبائر أن يسبَّ الرجل والديه".. قالوا: يا رسول الله، وهل يسب الرجل والديه؟! قال:"نعم.. يسب الرجلُ أبا الرجل فيسب أباه وأُمه".
- يشارك عدد من النساء في كثير من التظاهرات.. فما هو حكم هذه المشاركة؟
- لا مانعَ شرعًا من خروج النساء في المظاهرات لتكثير سواد المسلمين، فالنساء شقائق الرجال، كما أخبر الرسول- صلى الله عليه وسلم- وكما يقول الله تعالى ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾ (آل عمران: 195)، وهذا بشرط عدم وقوع محظور شرعي، كأن تخرج المرأة متبرحةً تفتن من ينظر إليها، وعدم الاختلاط والتزاحم مع الرجال، وأن يغلب على الظن أنهن لن يتعرضن لإساءة من الشرطة؛ لأن درءَ المفاسد مقدم على جلب المصالح، وإن اضطرت للتظاهر وسط الرجال فلتتجنب الاحتكاك ما استطاعت، وعلى الرجال أن يحفظوها ويحافظوا عليها.
- في البلدان المتحضِّرة تخرج أجهزة الأمن مع التظاهرات بهدف تأمينها والحفاظ عليها دون تدخُّل منها، ولكن في بعض البلدان تحدث مواجهات بين الطرفين.. فما هو السلوك الشرعي المطلوب في هذه الحالة؟
- على رجال الأمن أن يذللوا كل الصعاب أمام من يريد التظاهر بشكل سلمي حضاري، ما دام هذا التظاهر لا يجلب الضرر على أحد، ولا يقوم المتظاهرون فيه ببث الفوضى والسلب والنهب لممتلكات الآخرين، وعلى المتظاهرين أن يتعاونوا مع رجال الأمن في هذه المسألة ومساعدتهم للقيام بدورهم، فهم أبناء شعب واحد، وأبناء دين واحد، ولا يجوز بحال من الأحوال أن يتحول رجال الأمن إلى أعداء لهذا الشعب، يرهبونهم بسلطان القوة وقوة السلطان، ولا ينظر المواطنون إلى رجال الشرطة على أنهم أعداء أو محتلون، ومن يتجاوز هذه الحدود- سواء كان من رجال الأمن أو من المتظاهرين- فهو مخطئ؛ حيث إنه تجاوز حدوده التي رسمها له القانون.
- يلجأ البعض إلى استئجار بعض الأفراد للتظاهر؛ وذلك بهدف عمل تظاهرات تفتقد التأييد الشعبي الحقيقي.. فما هو حكم هذا الاستئجار؟!
- الأصل في المتظاهِر أنه يتظاهر من أجل قضية عادلة.. من أجل إحقاق حق أو إبطال باطل.. من أجل أمر بمعروف أو نهي عن منكر.. من أجل الوقوف مع المظلوم في وجه الظالم والوقوف مع الضعيف في وجه القوي، قدوته في ذلك الرسول- صلى الله عليه وسلم- الذي جاء لرفع الظلم والقهر عن الناس جميعًا، وقدوته في ذلك أصحاب النبي وتابعوهم بإحسان إلى يومنا هذا.. فأبو بكر الصديق- رضي الله عنه- يقول بعد توليه الخلافة "يا أيها الناس.. القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له.."، وقدوته عمر بن الخطاب الذي كان يقول "يعجبني من الرجل إذا سيم خطة خسف أن يقول لا بملء فيه".
- فإن تحول المتظاهر من الوقوف مع الحق للوقوف مع الباطل، ومن الدفاع عن المظلوم إلى الدفاع عن الظالم، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، فالذي يفعل ذلك آثم، والذي يعينه على هذا الأمر آثم، بل يجب أن يكون خروج المتظاهر خالصًا لله، وليس رغبةً في دنيا زائلة، ولا رهبًا ممن لا يملك له ضرًّا ولا نفعًا.
المصدر
- مقال:د. رجب عبد الله: للتظاهر آداب وضوابط شرعيةإخوان أون لاين