دراسة: إخوان الأردن يعيدون رسم دورهم السياسي
بقلم:إسلام توفيق
أبرزت دراسة جديدة تحولات ملموسة بالخطاب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن خلال الشهور الأخيرة وتحديدًا في مرحلة مقاطعة الانتخابات النيابية وما بعدها، موضحةً أنّ مواقف الجماعة وتصريحات قياداتها وبياناتها المختلفة باتت تمنح الأولوية والأهمية للشأن الداخلي، ولموضوع الإصلاح السياسي تحديدًا، مقارنةً بسنوات سابقة كانت نسبة الاهتمام بالشأن الداخلي، وبالشأن الإصلاحي منخفضة إلى حد ما.
وأوضحت الدراسة التي أعدها الدكتور محمد أبو رمان، الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية، أن سقف مطالب الجماعة أصبح أكثر وضوحًا وتحديدًا، وأعلى بالحديث عن تداول سلطة وحكومة منتخبة، وتعديلات دستورية، ومحاربة الفساد، والاشتباك مع ما كان يعتبر لسنوات سابقة بمثابة "خطوط حمراء" في المشهد السياسي والإعلامي الأردني.
وأشارت الدراسة التي وصلت (إخوان أون لاين) وحملت اسم "الإخوان المسلمون ما بعد مقاطعة انتخابات 2010: إعادة ترسيم الدور السياسي للحركة"، إلى تطور نوعي في الفكر السياسي لجماعة الإخوان، مع تجاوز النقاش حول القبول بالديمقراطية والمفاهيم التي تدور بفلكها، إلى مفاهيم جديدة على الفكر السياسي التقليدي لدى الجماعة، كما هو الحال في "الملكية الدستورية"، أو التركيز حصريًا على قانون الانتخاب كمحدد للمشاركة والمقاطعة في الانتخابات النيابية، في حوار الحركة مع الحكومة عشية الانتخابات النيابية وبعد إعلانها قرار المقاطعة.
وأكدت أنّ هناك "شروطًا موضوعية" أدت إلى هذه التحولات في الخطاب السياسي للإخوان في مقدمتها وجود اهتمام متزايد لدى أغلب الشعوب العربية بالمعادلات الداخلية، بسبب تدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية والقلق من الفساد وتعثر مشروع الإصلاح السياسي، وهي الظروف التي من المتوقع أن تدفع الحركة، إلى مزيد من الاهتمام والتركيز على الشئون المحلية الداخلية تماهيًا وانسجامًا مع المزاج السياسي الشعبي.
وبحسب الدراسة، فإن الأوساط الرسمية ترى أنّ تزايد الضغط الإخواني السياسي والإعلامي والجماهيري على الساحة الأردنية ليس مرده اهتمامًا حقيقيًّا بـ"المصالحة الداخلية"، إذ يهدف رفع "سقف الخطاب" إلى الضغط على الدولة لإجبارها على فتح حوار مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تمهيدًا لعودة قيادتها إلى الأردن.
وتلتقط الورقة الحديث الصريح غير الملتبس لدى القيادة الإخوانية عن الدور السياسي المطلوب للحركة، ويعكس انتهاء القناعة التاريخية بالمشاركة السياسية التقليدية المحدودة للجماعة، وضرورة تغيير قواعد اللعبة والانتقال نحو "الشراكة" الكاملة، وأن تأخذ الحركة حضورًا سياسيًّا يعكس وزنها الحقيقي في الشارع.
وأبرز ما تمسك به الدراسة، هو تشكيل نواة لـ"تيار مركزي" جديد في الجماعة يتجاوز اختلافات الجناحين الرئيسين ويقوم بدور كبير في تخطيط الرؤية الإستراتيجية المركزية التي تطبخ حاليًا في الدوائر الداخلية، والتي من المتوقع أن يتم تقديمها في شهر مارس المقبل، إلى مجلس شورى الجماعة.
وتخلص الدراسة إلى أنّ حراكًا سياسيًّا داخليًّا حدث في الأشهر الأخيرة، وشهد تفاهمات وحوارات معمقة تؤشر معطياتها الأولية إلى الحدّ من الخلافات السياسية داخل الجماعة، وترسّم العلاقات بينها، وبين الدولة من جهة، ومع حركة حماس من جهة أخرى، إلاّ أنّ إشكالية الحسم في معضلة "الثنائية الديمغرافية" ما تزال مسألة معقّدة في الحسابات الداخلية والسياسية للجماعة، وإن كان ذلك ليس معلنًا، إلاّ أنّ المشروع الإصلاحي الجديد يحاول تقديم "وصفات توافقية" لهذه المسألة، وما يدور في فلكها من قضايا، مثل الموقف من قرار فك الارتباط، ما يخرج الجماعة من "المنطقة الرمادية" في هذه الموضوعات الدقيقة والحسّاسة.
وأشارت الدراسة إلى أنّ قرار المقاطعة ولّد مقاربات مبدئية للتعامل مع المرحلة المقبلة إلا أنّ المؤتمر الداخلي القيادي الموسّع، والذي عقدته الجماعة بعد الانتخابات النيابية، قد أفضى إلى تشكيل لجان مسئولة عن مراجعة أوراق العمل المقدّمة وصوغ رؤية إستراتيجية للجماعة في مرحلة ما بعد المقاطعة تجيب على أسئلة رئيسة ومركزية مطروحة داخل الجماعة أولاً، وفي علاقتها بالبيئة السياسية المحيطة، وثانيًا تهدف الرؤية الإصلاحية الجديدة إلى إعادة تعريف الحركة الإسلامية لنفسها ضمن المعادلة السياسية الداخلية وطبيعة دورها في المرحلة المقبلة، وإعادة تعريف علاقتها مع الدولة من جهة أخرى، بما يخدم مشروع الإصلاح السياسي.
وبحسب الدراسة، فإن الحوارات الأولية وصلت إلى ضرورة فتح حوار إستراتيجي مع "مطبخ القرار" في الدولة، بهدف الحرص على تقديم الحركة لنفسها بصورة صحيحة، من دون الحاجة إلى وساطات وحلقات متعددة، في محاولة لترسيم القواعد الجديدة التي تحكم العلاقة بينها، وبين الدولة من جهة أخرى.
'وأضافت: "هذا التوجه المعنون بـ"فتح حوار إستراتيجي" مع الدولة، حصل على إقرار من مجلس الشورى، وآل إلى حوارات بين قيادات في الجماعة وأركان في الدولة، بعيدًا عن التسليط الإعلامي المباشر"، مشيرةً إلى أن هناك لقاءات متعددة تم عقدها برئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي، وبوزير التنمية السياسية السابق موسى المعايطه، وبمسئولين آخرين، وبالرئيس المكلف معروف البخيت، وتوّج هذا الخط السياسي الجديد بلقاء استثنائي للمرة الأولى مع الملك خاص فقط بقيادات الجماعة، وقد اتسم (وفقًا لهم) بدرجة كبيرة من الصراحة والوضوح.
في سياق العلاقة مع الدولة، فإنّ الدراسة تحدثت عن وجود أكثر من قراءة ووجهة نظر رسمية في تحديد سياسات التعامل مع الحركة، إلا أنّ المتغير الأهم يتمثل في الظروف الداخلية والخارجية التي تلعب دورًا رئيسًا في ذلك. وترى أنه بالرغم من ارتفاع سقف خطاب الجماعة وتوسيع مساحة تركيزها على الشأن الداخلي، ما يزيد من مواقع اشتباكها مع الدولة، إلاّ أنّه في حال اختارت الدولة المضي في مسار الإصلاح السياسي، فإنّ الجماعة مرشّحة للقيام بأدوار أساسية ومهمة، نظرًا لحجم نفوذها وتمثيلها لألوان وشرائح اجتماعية عريضة.
وخلصت الدراسة إلى أنّ جماعة الإخوان تمر اليوم بمخاض فكري وسياسي يقع جوهره في إعادة ترتيب أولويات الحركة، وموقفها من القضايا الحيوية التي تمسّ المجتمع والدولة على السواء.
- المصدر :دراسة: إخوان الأردن يعيدون رسم دورهم السياسي موقع إخوان أون لاين