خلل فى رؤيتنا الاستراتيجية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
خلل فى رؤيتنا الاستراتيجية
أزمة دارفور

متأخر جدا، بقدر ما هو مهم للغاية، إعلان مصر معارضتها لانفصال جنوب السودان عن شماله. صحيح أن ثمة مقولة تعتبر أن ما يأتى متأخرا خير من الذى لا يأتى أبدا. إلا أن ما يأتى بعد فوات الآوان قد يستوى مع تمام الغياب.

وأخشى ما أخشاه أن نكون بصدد هذه الحالة الأخيرة، لأن الاستفتاء على مصير الجنوب يفترض أن يتم بعد ثمانية أشهر تقريبا (فى شهر يناير المقبل). والتقارير الإعلامية القادمة من الخرطوم وجوبا يميل أكثرها باتجاه تصويت الأغلبية لصالح الانفصال، الذى تدعو إليه جهات نافذة فى الجنوب، وتؤيده وتشجعه قوى إقليمية ودولية عدة.

لقد أبرزت صحيفة الشرق الأوسط يوم الاثنين (9/5) خبر معارضة مصر لانفصال الجنوب، ضمن تصريحات أدلى بها فى الخرطوم وزير الخارجية المصرى السيد أحمد أبوالغيط، الذى كان فى زيارة للعاصمة السودانية مع مدير المخابرات العامة السيد عمر سليمان.

وفى سياق التقرير المنشور فهمنا أن الزيارة اقتصرت على لقاء الرئيس عمر البشير ورئيس حكومة الجنوب سلفاكير. وكانت بمناسبة فوزهما فى الانتخابات التى تمت مؤخرا.

عندى أربع ملاحظات على الزيارة وما قيل فيها، اثنتان منهما فى الشكل، واثنتان فى الموضوع:

ملاحظتى الأولى فى الشكل لست واثقا من صوابها إذ أثار انتباهى أنها استغرقت عدة ساعات، سارع المسئولان المصريان بعدها بالعودة إلى القاهرة، ذلك أننى أعتقد أن ما بيننا وبين السودان من ملفات يستحق وقتا أطول. سواء ما تعلق منها بتطوير علاقات البلدين أو بتحديات التفتيت، التى يتعرض لها. أو ما تعلق باتفاقية حوص النيل واللغط المثار حولها الآن بعد اعتزام دول المنبع توقيع اتفاقية إطارية للتعاون فيما بينها، لا تشارك فيها مصر والسودان.

أما الملاحظة الثانية فهى أن الصحف المصرية لم تكترث بالزيارة وبما قيل فيها على أهميته. أستثنى جريدة «الشروق» التى نشرت على الصفحة الأولى خبرا تحت عنوان:

أبوالغيط وسليمان يبحثان فى الخرطوم مستقبل السودان ومياه النيل.

رغم أنها لم تبرز فى العنوان رفض مصر للانفصال.

فى الوقت ذاته فى جميع الصحف المصرية أبرزت على صفحاتها الأولى أخبار فوز النادى الأهلى على الاتحاد الليبى وتأهله لدور الثمانية فى دورى أبطال أفريقيا، والانهيار الحاصل فى البورصة وترشيحات الحزب الوطنى لمجلس الشورى.

وهذه الملاحظة إذا صحت فإنها تكشف المدى الذى بلغه انكفاء الإعلام المصرى على شئون الداخل والانصراف عن القضايا الحيوية فى الخارج. وهو الانكفاء الذى يعد صدى لانكفاء السياسة فى مصر.

فيما خص الموضوع، فإننا نرحب بمعارضة مصر لانفصال الجنوب عن الشمال، لكننا لابد أن نسأل: ما الذى فعلته مصر على أرض الواقع لإقناع الجنوبيين بأن لهم مصلحة فى البقاء ضمن إطار السودان الموحد..

ولماذا غبنا عن السودان بجنوبه وشماله طول السنوات الماضية، ثم اكتشفنا قبل ثمانية أشهر من الاستفتاء على حق تقرير المصير،إن انفصال الجنوب له تداعيات كثيرة، بينها أنه يهدد الأمن القومى المصرى، من حيث إنه يضيف إلى مجرى النيل دولة جديدة، عند الحد الأدنى لا يطمأن أى سياستها أو موقفها من مصر، ومن العرب جميعا؟

وأليس فى هذا الاكتشاف المتأخر، تكرار لقصتنا مع دول المنبع، التى أهملناها طويلا حتى شردت وبعدت عنا، ثم اكتشفنا أننا كان يجب أن نخضع علاقتنا معها لتفكير استراتيجى واضح يجنبنا المفاجآت والمآزق؟

الملاحظة الثانية فيما نحن بصدده وثيقة الصلة بالأولى. وهى أن التجربة أثبتت أن ثمة خللا فى صواب الرؤية الاستراتيجية المصرية يحتاج إلى مكاشفة ومعالجة جادة. فنحن نفهم أن الوحدة الوطنية بمفهومها الواسع الذى يحتوى الجميع ويستوعبهم هى حجر الأساس والمنطلق.

وأن العلاقة الوثيقة مع الجيران ــ ليبيا والسودان ــ ركيزة ثانية لا غنى عنها، وأن استقرار العالم العربى لا يتم إلا باتفاق مصر وسوريا والسعودية.

أما استقرار الإقليم فإنه يقوم على تعاون مصر وتركيا وإيران، فى حين أن العدو الاستراتيجى هو الكيان الصهيوني، ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية.

هذه الخريطة إذا صحت وقورنت بالواقع فإنها تكشف الخلل وتحدد عوراته.

أما إذا لم تصح فهى تدل على أننا بحاجة إلى إجماع وطنى حول الرؤية الاستراتيجية للبلد، وتلك مشكلة أخرى مستعصية!