خالد محمد خالد بين العلمانية وعلاقته بالإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
خالد محمد خالد بين العلمانية وعلاقته بالإخوان

إعداد: موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)


المقدمة

ولد يوم الثلاثاء 27 رمضان سنة 1339هـ الموافق 15 يونيو سنة 1920م ميلادية، في " العدوة " إحدى قرى محافظة الشرقية بمصر، في أسرة ريفية متوسطة الحال .

التحق بالمعهد الابتدائي بالزقازيق ثم التحق بالمعهد الثانوي وهو في الخامسة عشر من عمره.

عمل مدرسا سنة 1948م بالتربية والتعليم حتى سنة 1954م. ثم عمل بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر مستشارا بوزارة الثقافة في مشروع الألف كتاب حيث يختار المواد التي يجب أن تترجم وتراجع وتؤلف ويختار كذلك المترجمين والمراجعين والمؤلفين ، فعمل في ذلك الوقت مع نجيب محفوظ وعلى أدهم .

في عام 1958 كان عضوا بالمجلس الأعلى للفنون ، ثم أشرف على لجنة تحقيق التراث في الوزارة .

وظل في عمله حتى رغب في التفرغ للقراءة والتأليف سنة 1976م .واشتهر بكتاباته الإسلامية ، ومن أشهر : "رجال حول الرسول " و" خلفاء الرسول " و"الدولة في الإسلام. "وغيرهم .وتوفى ليلة الجمعة 9 شوال سنة 1416هـ الموافق 29 فبراير سنة 1996 م عن عمر يناهز الستة والسبعين عاماً.


فى صحبة الإخوان المسلمين

وأثناء دراسته الجامعية في الأزهر كان يتردد إلى دار الإخوان المسلمينيستمع لأحاديث الأستاذ حسن البنا مع بعض الإخوان في ذلك الوقت من طلاب الأزهر .

وقد ذكر خالد محمد خالد علاقته بالإخوان أثناء دراسته بالأزهر في كتابه: (قصتي مع الحياة ) تحت عنوان : ( لقائى بالإخوان المسلمين)و آخر تحت عنوان : ( فذكر ..إن نفعت الذكرى ) ، وفى كتابه : "الدولة فى الإسلام " ، ومن خلالهما تبين الكثير عن علاقته بالإخوان المسلمين.

خالد محمد خالد يتردد على دار الإخوان

يقول : " ولقد زرت دارهم في سن مبكرة أيام كانوا يتوارون في شقة بميدان العتبة الخضراء ، زرتهم مرتين أو ثلاث لم يكن لي عليهم أي تعليق ، وبعد سنوات وأنا في منتصف المرحلة التي قضيتها في الجمعية الشرعية أخذت أتردد عليهم في دارهم الجديدة بميدان الحلمية ...كنت أغدو وأروح مع الصديق العزيز سيد سابق .. وكنا كثيرا ما نجد فضيلة المرشد جالسا وسط فنائها يستروح نسمات الأصيل ومعه بعض الإخوان ، فنجالسه ونستمع لحديثه الفيض ودعابته الممتعة ...

وإذا ذهبنا مساء جلسنا معه فى مكتبه ، أو فى الصالة نصغي لمحاضراته .. وكان ذلك قبل أن ينتقل بمحاضراته الأسبوعية إلى الساحة الواسعة للدار ...

صداقته للإخوان ومشاركته فى أعمالهم

يقول فى كتابه ( قصتي مع الحياة ص 268 ) :" و أيامئذ تعرفت بالصديق الفاضل الشيخ محمد الغزالي ... كما تعرفت إلى الشيخ زكريا الزوكة والشيخ عبد المعز عبد الستار والأستاذ أحمد السكري والدكتور إبراهيم حسن والأستاذ توفيق أحمد والأستاذ صالح عشماوي والشيخ أحمد حسن الباقوري والشيخ محمد نايل ."

وزخر درس الثلاثاء بالألوف الكثيرة التى تحرص على حضوره وكنت أنا والشيخ سيد سابق والشيخ أحمد عيسى عاشور من الحريصين على شهوده وأحيانا كان يصحبنا الشيخ عبد اللطيف مشتهرى والشيخ فرحات على حلاوة ، وكنا جميعا مكن وعاظ الجمعية الشرعية ..

ص 271/ ولقد شاركتهم أنا والشيخ سيد سابق فى إحدى تلك الليالي حيث صلينا العشاء ثم ألقى فضيلة المرشد محاضرة ، وأجاب على بعض الأسئلة .. ثم وزعت علينا السندوتشات الخفيفة ...ثم صدر الأمر بالنوم فنام الجميع .. وقبل الفجر بساعة استيقظنا بالأمر أيضا ، وتوضأنا وراح كل منا يتهجد ويصلى حتى جاء الفجر وصدح بآذانه ، فصلينا وراء المرشد وختمنا الصلاة مستغفرين و مسبحين واستمعنا لدرس من الأستاذ ثم صدر الأمر بالانصراف إلى بيوتنا كي يتهيأ كل منا للذهاب إلى وظيفته أو إلى مدرسته ومعهده ...

هذا نموذج لاجتماعيات الأسر التى كان يشهدها الأستاذ ويقضيها مع الإخوان فى بيوت الله عندما لا يكون على سفر قريب أو بعيد .

ثناؤه على الأستاذ حسن البنا

يقول فى كتابه ( قصتي مع الحياة ص 272 ) : " كان إعجابي بالأستاذ البنا يتنامى دوما ، فكل ما فيه يدعو للإعجاب به وبالمودة له : علمه ، وخلقه ، وسمته ، وزهده ، وتواضعه ، وتبتله وجهاده ومثابرته وتفانيه وسحر حديثه وشخصيته كلها الآسرة والمضيئة .

ولكن مع هذا الإعجاب المتنامي به كان ينتابني الحذر ..أكان حذرا منه ؟ أم حذرا عليه ؟ لم أكن يومها أدرى .. كل ما أجده شعور غامض بالحذر ...

وهذا الرجل المتصوف الأواب كان أستاذا فى فن الزعامة .. والزعماء السياسيون الذ1ين عاصرتهم بل وكثيرون من زعماء العالم الذين قرأت عنهم تتقاصر هامتهم عن هامته فى الزعامة التى كان يتناولها بيد أستاذ حاذق قدير .

صحبناه أنا والشيخ سيد سابق إلى مؤتمرين كبيرين فى ليلتين متتاليتين كان المؤتمر الأول بمدينة طنطا وكان الثاني بمدينة المحلى الكبرى وأذكر أنني استشهدت فى كلمتي ببضعة أبيات كنت قد قرأتها فى كتاب المواهب الدنية وتدعو فيها أصوات منبعثة من جوف الأصنام سيدنا عمر إلى الإيمان بالله ورسوله ..

وبعد فراغي من كلمتي أخذت طريقي إلى مقعدي بينما كان الأستاذ المرشد فى طريقه إلى منصة الخطابة فصافحني مبتسما وهو يقول لي أهلا بمستنطق الأصنام ووقف الأستاذ يواجه الجموع أتدرون بلفتة أو بحركة من أذكى منا يبهر بها زعيم جماهيره فقد راح يستعرض مركز مديرية الغربية وشهيرات قراها ـ وأنا لا أعرف أسماء هذه ولا تلك ـ ولكن الأسماء الكثار الكثار التى هتف بأسمائها أنه ذكرها جميعا أو أتى بأكثرها وبعد كل مركز أو قرية كبيرة ينادى عدد غير قليل من الإخوان ... الشيخ فلان معنا والحاج فلان والأخ فلان وكل من يسمع اسمه يقف معلنا حضوره نعم يا فضيلة المرشد ...

لبث هذا الاستعراض للأسماء والبلاد والإخوان قرابة نصف ساعة وهتافات التكبير والحمد تتعالى انبهار بهذه الذاكرة وهذا الوعي وهذه الزعامة الفطنة العلمية الحافظة لق الإخوان على كثرتهم فى أن يكون لهم فى نفس مرشدهم هذه العناية والرعاية وهذا الاهتمام والتقدير وكان يقظا لكل شاردة وواردة ..

ثم يتحدث خالد محمد خالد عن الأيام والليالي والمؤتمرات التي قضاها مع الإخوان ، وكان سعيدا بها مما جعله يطرى الأستاذ البنا من حين لآخر ، فيقول : كل ذكاء الزعامة ويقظتها وشمولها ، كان للأستاذ البنا منه أوفى نصيب .. ولقد كان في الصدارة من الذين يألفون ويؤلفون .. وكانت شمائله تفتح له القلوب الغُلف والآذان الصم .. ولا يقترب منه أحد إلا أحبه .. ولا يحبه إلا هابه ."

عزوفه عن الانضمام للإخوان

يقول : " ولعل هذا الشعور الذي حدد علاقتي بالإخوان كمجرد زائر للدار ومستمع للأستاذ دون أن أرتبط معهم بعضوية أو أي التزام ... بينما أوغل الشيخ سيد سابق حتى أصبح معلما ومفتيا للنظام الخاص ، والشيخ محمد الغزالي عضوا بالهيئة التأسيسية وواحدا من قادة الإخوان وحملة الدعوة ."

الإخوان والسياسة والحكم

يقول فى كتابه ( قصتي مع الحياة ص 268 ) : " هل كان الإخوان يريدون حكما تطاول استبطاؤه ..؟؟ سؤال لابد من وقفة معه حين نصحبكم من يوم بدءوا إلى يوم عرضوا أنفسهم للمحن الحسام ...

لكن السؤال الذى استهللنا به هذا الحديث وهو هل كان الإخوان يريدون حكما تطاول استبطاؤه ؟؟

وأبدى إجابتي مؤكدا أن من حق كل حزب سياسي وكل جماعة مصلحة أن يطلبا الحكم ويسعيا إليه مادام سبيلها لهذا الوسائل النظيفة والمشروعة والإخوان حتى على فرض أنها جماعة إصلاح ديني واجتماعي لاغبر فإن من حقها الوصول إلى الحكم لأن الله ينزع بالسلطان مالا ينزع بالقرآن فكيف وهى تضيف إلى دورها الإصلاحي دورا سياسيا لم تنكره على نفسها عن الناس إذا يهتفون صباح مساء الإسلام دين ودولة ..فمعنى دين أنه مسجد ومعنى دولة أنها حكومة .."

خالد محمد خالد وخصومته الفكرية مع الإخوان

ظلت علاقة الأستاذ خالد محمد خالد بالإخوان ودية حتى استشهاد الأستاذ البنا وبالرغم من حبه للإخوان وتقديره للأستاذ البنا إلا أنه لم ينتظم في صفوف الإخوان لأسباب معينة فى نظره ، ثم ثارت فى ذهنه تساؤلات كثيرة حول النظام الخاص وشخصية الأستاذ البنا وموقفه من النظام الخاص والإخوان بصفة عامة ، وتحولت الصداقة إلى خصومة نتيجة لأفكار الأستاذ خالد عن فصل الدين عن الدولة .

خالد محمد خالد والدعوة إلى فصل الدين عن الدولة

بعد تخرجه من الأزهر بسنوات معدودة ، في سنة 1950م أصدر كتابه ( من هنا نبدأ ) يدعو فيه إلى فصل الدين عن الدولة ، ولا دخل للدين في شئون الحكم والسياسة .

وأصدرت لجنة الفتوى بالأزهر منع تداول الكتاب ، وتم تقديم بلاغ للنيابة ، تم التحقيق فيه وأصبحت قضية متداولة في المحاكم ، وانتهت بإصدار المحكمة حكما بالبراءة ، فتسابقت صحف المصري والأهرام و غيرهما إلى الحديث عن الكتاب ومؤلفه وأفسحوا له صفحات للكتابة مما أثار ردود الفعل عليه بنقد الكتاب ، وأخذ الكتاب طريقه للتداول بسرعة رهيبة ، فرد عليه الشيخ محمود شلتوت قبل أن يتولى شيخا للأزهر والأستاذ العلامة محمد فريد وجدي والأستاذ أحمد الشايب ، وغيرهم كثيرون .

وقد انتشر الكتاب بسرعة البرق بمختلف اللغات واهتمت به الصحف الأجنبية وكذلك الإذاعات الأجنبية الناطقة بالعربية ، وذاعت شهرته بدرجة كبيرة ، لدرجة أنه طبع مرات خلال شهرين .

وفى الجانب الآخر وجد الكتاب من يصفق له ويعزره وينصره من الكُتّاب ، مثل : سلامة موسى ومحمد خطاب ، وحفني محمود ، وكامل الشناوي الذي دعاه لمقابلته في جريدة الأهرام .

تحول الصداقة مع الإخوان إلى خصومة

وانقلبت الصداقة بين الكاتب والإخوان إلى خصومة فكرية ، وشنوا عليه هجوما شرسا تطرق إلى الصحف والكتب ، فقد هاجم الإخوان الكتاب نظرا لما ينطوي عليه من الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة ،وهى المقولة التي يحاربها الإخوان دوما ، فالإخوان ينادون بالإسلام دينا ودولة ، فإذا به ينادى بأن الإسلام دينا لا دولة .

وكتب صالح عشماوي مقالات متنوعة ، وقام الشيخ الغزالي بالرد عليه بكتابه " من هنا نعلم " ، وأقذع له في الألفاظ مما أثار الأستاذ خالد ، وتألم ألما شديدا جعله يقول عن الشيخ الغزالي أنه تناسى صداقته القديمة وحمَّل قلمه أوزار عبارات نابية فى حقه، وبادلهم الأستاذ خالد ، فقام بالهجوم على الإخوان ومرشدهم الأستاذ الهضيبى فى الصحف ، وذكر في نقده عدم وجود ديمقراطية لديهم وما فعلهم نظامهم الخاص من جرائم بحق من خالفوهم وخاصموهم في الفكر ، وأخذ يذكر حوادث ـ في وجهة نظره ـ بعضها قام به النظام الخاص بالفعل لأسباب معينة يمكن مناقشتها ، وذكر أحداثا نسبها إليهم خطأ وهم لم يرتكبوها ، وثابتة لآخرين ،و إذا وضعت تلك الحوادث بجانب بعضها تشعر بأن هذا النظام الخاص دموي بالفعل ، وأن الإخوان يستحلون دماء الناس ، وخاصة مخالفيهم ، فليس عندهم حرية رأى ... وهكذا تبنى النتائج على أحداث خاطئة ... وما هكذا يكتب التاريخ ..

رجوعه عن القول بفصل الدين عن الدولة

وظل يفكر فيما دعا إليه فيه من فصل الدين عن الدولة، حتى هداه الله إلى الصواب ، فأدرك خطأه ، وكتب كتابه : (الدولة في الإسلام ) فند فيه ما ذكره حول فصل الدين عن الدولة في كتابه ( من هنا.. نبدأ ) ، و أعلن على الملأ رجوعه عن هذا الرأي، فلم يخجل – وهو الكاتب الكبير – من أن يعلن أنه أخطأ... وراح يصحح ذلك الخطأ بكل قوته.

فلم يترك وسيلة من وسائل إذاعة هذا التصحيح إلا أتاها ، من مقالات، أو تحقيقات صحفية أو إذاعية أو تلفزيونية... ، وراح يدلل على أن الإسلام دين ودولة، وجعل شعار الكتاب : "الإسلام دين ودولة.. حق وقوة.. ثقافة وحضارة.. عبادة وسياسة.."

يقول في كتابه : (الدولة في الإسلام )  : في عام 1950ظهر أول كتاب لي ، وكان عنوانه ( من هنا ... نبدأ ) وكان ينتظم أربعة فصول كان ثالثها بعنوان : ( قومية الحكم )، وفى هذا الفصل ذهبت أقرر أن الإسلام دين لا دولة ، وأنه ليس في حاجة إلى أن يكون دولة ، ولأن الدين علامات تضيء لنا الطريق إلى الله ، وليس قوة سياسية تتحكم في الناس وتأخذهم بالقوة إلى سواء السبيل ، ما على الدين إلا البلاغ ، وليس من حقه أن يقود بالعصا من يريد لهم الهدى وحسن الثواب . ..

وقلت : إن الدين حين يتحول إلى حكومة ، فإن هذه الحكومة الدينية تتحول إلى عبء لا يطاق ، وذهبت أعدد يومئذ ما أسميته : (غرائز الحكومة الدينية )، وزعمت لنفسي القدرة على إقامة البراهين على أنها أعنى الحكومة الدينية في تسعة وتسعين في المائعة من حالاتها جحيم وفوضى ، وأنها إحدى المؤسسات التاريخية التي استنفدت أغراضها ، ولم يعد لها في التاريخ الحديث دور تؤديه . ..

وكان خطئي أنني عمَّمتُ الحديث حتى قلت : إن غرائز الحكومة الدينية تجعلها بعيدة من الدين كل البعد . ولخصت هذه الغرائز في الغموض المطلق ، إذ هي تعتمد في قيامها على سلطة غامضة لا يعرف مأتاها، ولا يدرك مداها ، وصِلة الناس بها يجب أن تقوم على الطاعة العمياء والتسليم الكلى والتفويض المطلق ."

خالد محمد خالد يرفض مهاجمة الإخوان فى عهد عبد الناصر

في الوقت الذي مزق فيه عبد الناصر الإخوان ، بعضهم في السجن تحت التعذيب ، والآخر مطارد ، وسخرعبد الناصر الكُتّاب للنيل منهم رغبة في عرض الدنيا ، كل منهم يكيل التهم والسباب إرضاء لسيده الظالم .

طلبوا من الأستاذ خالد محمد خالد أن ينضم إلى صفوف الكتاب الذين يشرون الدنيا بالآخرة ، وإذا بالرجل يرفض عندما لم يستطع أعظم الرجال أن يرفض ، وكان موقفه من الإخوان المسلمينـ الذين عارضهم قبل الثورة ـ متعاطفا معهم بعد أن نكلت الثورة بهم ، ويرفض مهاجمتهم ونقدهم و يأبى ..

ولم يخضع للإغراء ولا للتهديد قائلاً: " لقد ناقشت الإخوان ونقدت فكرهم وسلوكهم يوم كان بعض قادة الثورة من مجاذيبهم !! ويوم كانوا من القوة بمكان... أما اليوم وهم في المعتقلات والسجون تحت وطأة التعذيب، فقد أوصانا سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم "ألا نجهز علي جريح" .

هجوم خالد محمد خالد على النظام الخاص للإخوان

شن الأستاذ خالد محمد خالد هجوما شرسًا على النظام الخاص للإخوان ، وهو فى نظره المسئول عن كل ما تعرض له الإخوان من محن وابتلاءات ، والإخوان فى نظره من أفضل الدعاة والعاملين للإسلام إلا أن النظام الخاص فى نظره شوه دعوتهم وتاريخهم ، ويحكى علاقته بالنظام الخاص ، فيقول :

وأبادر واعترف أنني سمعت عنه وأنبئت به ،وتمنيت أن أكون أحد أعضائه ومجنديه .. لكن الله سلم .. إذن تمنيت الالتحاق بالنظام الخاص ، وأعجبت بفكرته ...قبل أن تتلوث يداه بالدم الحرام ...

ويذكر أن الأستاذ البنا همّ أن يضم إلى الجهاز الخاص بالتلميح دون تصريح .

ويقول فى ( قصتي مع الحياة ) تحت عنوان : ( فذكر ..إن نفعت الذكرى ) :

سأبدأ حديثي عن التنظيم السري من حيث بدأت أسمع به وأعرف أنباءه .. ولعل ذلك كان عام 1942 ـ 1943 ويومها عرفت طريقة تشكيله ، وأهدافه وغايتهما عرفت اسم قائده والمشرف عليه عبد الرحمن السندي ... كذلك عرفت أن المرشد لم يفاجأ بهذا التنظيم يقتحم عرينه ... بل هو الذى فكر فيه وأنشأه واختار له قائده الأول ثم قائده الثاني عبد الرحمن السندي ..

وكانت حيثيات تشكيله كما أعلن الأستاذ البنا فى حينه :

أولا : شن الحرب على الاستعمار البريطاني ممثلا فى نفوذه وجيشه ..

ثانيا :قتال الذين يخاصمون الدعوة ويحاولون إعاقة سيرها ...

ثالثا : إحياء فريضة الجهاد...

والذي يعنيننا ونحن نشجب هذا التنظيم السري هو البند الثاني : قتال الذين يخاصمون الدعوة ويحاولون تعويق سيرها ..

فلقد أسرف التنظيم فى هذا السبيل إسرافا كان السبب الأوحد فى تدمير الإخوان من الداخل والخارج .. وكان السبب الأول فى فقد الإخوان أثمن ما يملكون حياة الأستاذ المرشد الذى ذهب فى معركة ثأر شرسة وضارية .

ومن أخطاء النظام الخاص فى نظره

النظام الخاص من أخطاء الإخوان

يرى أن موافقة الإخوان على إنشاء النظام الخاص من الأخطاء التى أصابت الجماعة و؟أثرت عليها سلبا أكثر منها إيجابا ، يقول : إذا فمن أين أتى الإخوان وما الذى أذل خطاهم عن الطريق وأطفأ النور الذى كان يسعى بين أيديهم وبأيمانهم؟؟.

من معاصرتي للأحداث فى تلك الحقبة من الزمان أستطيع حصر عوامل التعرية التى أصابت الجماعة فى اثنين لا ثالث لهما

فأولهما : التنظيم السري بسوءاته وحماقاته وجرائمه .

وثانيهما : غياب الإيمان بالديمقراطية واحترامها وبث الولاء لها فى ضمائر الإخوان وفكر الجماعة وسلوك القادة ....

النظام الخاص من أخطاء الأستاذ حسن البنا

ويؤكد أن موافقة الأستاذ البنا على إنشاء النظام الخاص إنما هو من أخطائه التى وافقه فيها الإخوان واختفت عندهم حرية الرأي وأصبح الأمر مجرد أوامر تنفذ لا رأى للفرد فيها ، يقول : "

لقد كان الأستاذ البنا المتفوقة قادرا على الصعود فوق هذه المستويات لو أنه خطا ثلاث خطوات :

أولها : الرفض المطلق لقيام النظام الخاص لاسيما بعد أن أقبل الناس على دعوة الإخوان أفواجا وأسرابا .

ثانيهما : بث الولاء للديمقراطية فى نفوس الشباب بنفس القدر الذى يبث به الولاء للدين ...فالديمقراطية السياسية والاجتماعية هما سياج الدين المنيع وسياج الوطن أيضا ..

ثالثهما : الصبر على المكاره مما يصيبه ويصيب الإخوان معه لاسيما وهو القائل : الزمن جزء من العلاج .

النظام الخاص مسئول عن كل ما أصاب الإخوان من بلاء

يقول : قلت : إن الخطوة الأولى نحو مستقبل رشيد للإخوان يجعلهم يختصكم الغد بتبعاته كانت الرف المطلق لقيام التنظيم السري الذى أسموه النظام الخاص ...فماذا كان هذا النظام أو التنظيم ؟؟

إنه المسئول عن كل ما أصاب الإخوان من بلاء وشقاء .. ومن مخاطر وأهوال ..

ولقد أنشأ جماعة الإخوان 1927 ، ومنذ بدأ وهو ينتقل من نجاح إلى نجاح ويشرف على تربية الإخوان لا سيما الشباب منهم تربية مُثلي ، ولكم هدى الله به عبادا كثيرين حتى كان الهدى وَبْلا تجود به السماء ... فما الذى حمل رجلا هذه صفاته وهذه نجاحاته على أن ينشىء أو يوافق على إنشاء جهاز النظام الخاص بكل احتمالاته المماثلة ، ومخاطره المقبلة ؟

هذا هو اللغز الكبير فى سيرة الإخوان ...

يقول فى كتابه ( قصتي مع الحياة ص 271) : ونمت الجماعة ننمو كبيرا بكل أقسامها ..وكان أسرعها فى النمو وأكثرها نشاطا " النظام الخاص "الذى مهما يطل الحديث فى تبرير وجوده والدفاع عنه فقد كان تنظيما سريا ، يعد أفراده إعداد مسلحا ليوم يعلمه الذين يعدونه ولأمر يعرفونه ولهدف يسيرونه ...

جرائم النظام الخاص ودعوته لفصل الدين عن الدولة

والأغرب من ذلك أن يحمّل الأستاذ خالد النظام الخاص للإخوان مسئولة جنوحه الفكري إلى القول بفصل الدين عن الدولة .

وكأن الإخوان ليسوا مسئولين فقط عن كل ما ارتكبت فى مصر من حوادث مختلفة ، بل هم أيضًا مسئولون عن شطط الأفكار عند الأدباء والمفكرين .

وفى كتابه ( الدولة فى الإسلام ص 11ـ12 ) يقول عن الأسباب التى دفعته للقول بفصل الدين عن الدولة :

" أما العامل الثاني الذى شكل تفكيري و موقفي من الحكومة الدينية فقد كان عاملا موقوتا بزمانه . ولكني جعلت منه قاعدة عامة بنيت عليها حكمي القديم .

ذلك أن الإخوان المسلمين كانوا قد بلغوا خلال الأربعينات من الكثرة والقوة والنجاح مبلغا يكاد يكون منقطع النظير .

كانت دعوته تسرى بين الناس كالضوء وكان الشباب بصفة عامة يقبل عليها إقبال النحل على الزهور !! وذات يوم والجماعة فى أوج مجدها الباهر لا ندرى هل انبثق منها ، أو أقحم عليها أو تسلل إليها ما سمي يومئذ بالتنظيم السري ، وارتكب هذا الجهاز جرائم منكرة وتوسل بالاغتيالات لفرض الدعوة ..الدعوة التى حققت بالإقناع والمنطق ما لم تحققه دعوة أخرى ..

لفتت حوادث الاغتيال الذى مارسها ذلك الجهاز السري انتباه الناس وروعت أفئدتهم وكنت من الذين أقض مضجعهم هذا النذير وقلت لنفسي إذا كان هذا مسلك المتدينين وهم بعيدون عن الحكم فكيف يكون مسلكهم حين يحكمون ؟؟

وتذكرت كلمة المفكر الفرنسي فولتير : إن الذى يقول لك اليوم اعتقد ما أعتقده و إلا لعنك الله سيقول لك غدا اعتقد ما أعتقده و إلا قتلتك .

على أن ذلك الجهاز السري اختصر طريقه آنذاك فتخطى وتجاوز مرحلة اللعن إلى مرحلة اللعن والاغتيال كان هذا هو العامل الثاني الذى جنح بتفكيري من التحذير من قيام أي حكومة دينية باسم الإسلام .

وكان هذا خطأ آخر وقعت فيه ..كان الخطأ الأول مضاهاتي الحكومات الدينية الكنسية بحكم الإسلام وكان الخطأ الثاني تعميم نتائج ما اقترفه الجهاز السري باسم الإسلام .

وفى كلا الخطأين كان هناك خطأ فى المنهج ذاته فقد جعلت ما تأثرت به من قرآتى عن الحكومات الدينية فى المسيحية وما تأثرت به من تحول بعض الشباب المسلم من نساك إلى قتلة جعلت هذا وذاك مصدر لا تفكيري لا موضع تفكيري ."

جرائم النظام الخاص فى نظره

قتل أحمد ماهر فى أوائل 1945

يقول فى كتابه ( قصتي مع الحياة ص 282 ) : كانت أولى جرائم النظام الخاص اغتيال أحمد ماهر باشا ...فى وزارة أحمد ماهر هذه رشح الأستاذ البنا نفسه لمجلس النواب وحصل على نصيب كبير من الأصوات بيد أنه أعيد ت الانتخابات بينه وبين منافسه فنجح منافسه بطريقة لم يشك الإخوان معها في تزوير الانتخابات لصالح المنافس ..

وأسرها النظام الخاص فى نفسه وأصر معها ما كان يجهر به الدكتور ماهر من عداوة للإخوان وتوعد لهم بسوء ، انتظر التنظيم السري الفرصة المواتية التى سرعان ما جاءت تخطر فى زينتها ...

هناك ذهب أربعة من شباب التنظيم السري وانتظروا اجتياز الدكتور ماهر البهو الفرعوني فى طريقة إلى مجلس الشيوخ وتقدم أحدهم متظاهرا بمصافحته فلم بسط أحمد ماهر إليه يمنيه فاجأه برصاصات استقرت فى قلبه وهرب الثلاثة الآخرين وحاول هو لهرب أيضا فأحيط به وعرف اسمه محمود العيسوي محامى تحت التمرين ومن أنصار اللجنة العليا بالحزب الوطني ..

كان التنظيم السري بارعا فى التنكر فهو بعد تدريب أعضائه على كل أفانين الإرهاب يأمر بعضهم أن يلتحق ببعض الأحزاب أو الجماعات حتى إذا اختير يوما لعمل من أعمال الاغتيال أو الإرهاب لم يبد أمام القانون ولا الرأي العام من أعضاء الإخوان ..ناهيك عن أعداء التنظيم السري ذاته ..

ومن هذا النوع كان محمود العيسوي ..فهو عضو فى الإخوان وفدائي من النظام الخاص وقد بقى الناس زمنا طويلا يجهلون عنه هذه الصلة وحين ارتكب جريمته لم يعرف نه إلا أنه شاب متحمس من شباب الحزب الوطني ...

ثم يذكر أنه سأل أحد الإخوان من قادة النظام الخاص بعد قتل أحمد ماهر مباشرة أنتم الذين فعلتموها ؟ فأومأ إليه بالإيجاب ، وكانت على شفتيه ابتسامه المنتصرين .

قتل المستشار الخازندار فى 22مارس 1948

بعد مقتل الدكتور ماهر قتل التنظيم السري للإخوان القاضي " الخازندار " ..

وكانت كل جريرته أنه حكم بالسجن ثلاث سنوات على اثنين من الإخوان ارتكبا عملا إرهابيا ..

وأما جريمة اغتيال المستشار الخازندار لم يستطع التنظيم السري التنصل أو الإنكار .. وعرف الناس مصدر الخطر الوبيل وعرفه كذلك النقراشي باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية .

مسئولية النظام الخاص عن الجرائم التى حدثت فى مصر

وتوالت علميات النسف والترويع ..فى دور السينما وأقسام البوليس والشركات والبيوت وعلى رأسها شركة الإعلانات الشرقية .

وفيما بعد محاولة نسف دار المحكمة بباب الخلق التى كانت ستودي بحياة العشرات لولا أن لطف الله ، وتم العثور على المواد الناسفة قبل انفجارها .. وقال لي من يعرف خفايا التنظيم وخباياه .. إن الذى أمر بوضعها أحد قادته وكان اسمه فى الكشوف المضبوطة ، فأراد أن يخفى الآثار كلها ..

وهو لا شك يعرف أن الانفجار المروع لن يخفى معالم جريمة النظام الخاص وحدها ..بل سيقتل أبرياء كثيرين ، ويهده بيوتا كثيرة فوق رءوس الذين يقطنونها من نساء وأطفال ..

ولكن ماذا يعنيه ؟؟ وماذا يضيره إذا دفع هؤلاء حياتهم ثمنا لنجاته هو من العقاب ..

وألقيت قنبلة من فوق سطح مبنى كلية طب القصر العيني فقتلت اللواء سليم ذكى حكمدار العاصمة .

هنالك رأى النقراشي باشا أن مسئوليته كرئيس للوزراء ووزير الداخلية تدعوه إلى مجابهة الإخوان وأصدر فى ديسمبر 1948 قرارا بحل الجماعة ومصادرة أملاكها .. وعبثا حاول أصدقاؤه صرفه عن هذا القرار فرفض حتى إن أحدهم قال له : هل تعلم أنك بهذا القرار إنما توقع نبأ نعيك ؟

فأجاب أجل أعلم ولكنني لا أستطيع التخلي عن مسئوليتي فأكون خائنا لها.. ولا أستطيع التخلي عن الحكم فأكون جبانا !!.

انقلاب النظام الخاص على دعوة الإخوان نفسها

هل ظلت جنايات النظام الخاص ل جماعة الإخوان المسلمين موجهة للخارج فقط ـ خارج الجماعة والدعوة ؟؟

أم انقلبت على الجماعة نفسها تعيث فيها وتدمر أمكنها ونظامها ومستقبلها لقد كانت آفة النظام كامنة فى تعجله الوصول إلى الحكم ثم فى تعصبه للفكر الإخوانى ونبذ كل ما عداه ثم فى غياب الوعي السياسي الرشيد عن تفكيره وفى مثل هذا المناخ يفرخ العنف ويبيض ويصبح التطرف إلى حد استباحة الدماء شعيرة أو فريضة ...يقول بعض الإخوان أن الأستاذ لم يكن يعلم عن هذا النظام الخاص شيئا ونقول لهم

هذا كلام له خبىء معناه ليست لنا عقول

فليقولوا إن بعض الجرائم فوجىء بها مثل جريمة اغتيال المستشار الخازندار ومحاولة نسف المحكمة بمن فيها أو ما فيهافقد يسيغ العقل ذلك القول ..

فعلى الرغم من أن سيد فايز كان يحاول أن يكون ملتزما ومطيعا فقد ذهب إليه صلاح شادي رقم 2 ليبلغه أوامر المرشد الهضيبى بعدم الإقدام على نسف المحكمة وكان الأستاذ المرشد قد أطلعه بعض الإخوان على خطة النسف لكن سيد فايز المعروف باحترام أوامر قادته تجاهل أوامر المرشد وحاول نسفها لولا أن الله سلم وكشف القدر فى اللحظات السابقة للانفجار تلك الجريمة النكراء !!

وانعكست قتامة التنظيم السري على الإخوان وتحولوا إلى مزق ونثارات ، وأمسى كل فريق عينا للثورة على الفرقاء الآخرين ..!! واستباح النظام الخاص دم بعض قادته وزعمائه .

النظام الخاص للإخوان المسلمين : صورة مشرقة من الجهاد

إن ما ذكره الأستاذ خالد عن النظام الخاص ، إنما كمثل الذى يقول إن الله نهى عن إقامة الصلاة ألم تقرأ قوله تعالى :" ولا تقربوا الصلاة "، دون أن يكمل الآية " وأنتم سكارى " ، والاتهامات التى ألصقت بالنظام الخاص تسقط عندما نضعها فى سياقها ،نعم هناك أخطاء للنظام الخاص لكن ليست بهذه الصورة ، وهناك كثير من الحوادث التى نسبت للنظام الخاص ظلما وزورا ، وبنيت عليه آراء ونتائج خاطئة ، تذهل من يطلع عليها ممن لم يقرأ عن النظام الخاص للإخوان المسلمين ودوره فى الجهاد فى فلسطين والأعمال الفدائية ضد الإنجليز، تكفلت بها الكتب التى رصدت الجهاد فى فلسطين ، مثل كتاب كامل الشريف : الإخوان المسلمون فى حرب فلسطين ، وكتابه أيضا :المقاومة السرية فى قناة السويس ، وكتاب عارف العارف : الفردوس المفقود نكبة فلسطين ، وما ذكره ريتشارد ميتشل فى كتابه :الإخوان المسلمون ،ولم يكن الإخوان وحدهم الذين كونوا تنظيما سريا مسلحا لمقاومة الإنجليز ، ولم يكونوا وحدهم الذين قاموا بحركة اغتيالات سياسية ضد الإنجليز وعملائهم .

لذلك لابد أن نعرج على التنظيمات العسكرية السرية التى نشأت فى مصر وأهدافها وأعمالها ، ومنها التنظيم العسكري السري للإخوان المسلمين حتى تتضح الصورة .

التنظيمات العسكرية السرية فى مصر وأهدافها الوطنية

لقد كان احتلال مصر دافعا للشباب الوطني الذى ـ لا يملك إلا نفسه يضحى بها من أجل وطنه ـ يرى ما ينال وطنه من قيود الذل والاستعباد التى يمارسها الاحتلال مع الشعب الأبي ، لذلك آثار هؤلاء الشباب أن يضحوا بأنفسهم دون أن يروا وطنهم يهان بهذه الصورة ولا يفعلون شيئا ،لذلك سعى هؤلاء الشباب إلى التخلص من المحتل الانجليزى ، فقاموا بعمليات اغتيال ضد الإنجليز و المتعاونين معهم ،وهم أخطر على الوطن من الإنجليز ،وهؤلاء يقدمون للمحتل ما يحب ويشتهى ،ولا يستطيع المحتل أن يحصل على ما يريد إلا عن طريقهم ، ولا يجوز لأحد أن يقدح فى وطنيتهم مهما فعلوا أو اعترض عليهم، وقد قاموا بتلك العمليات فرادى أو مجموعات .

ومن هذا المنطلق الوطني قامت تشكيلات عسكرية سرية تهدف إلى القيام بأعمال قتل واسعة للإنجليز وعملائهم ،وقد عملا كل من أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي على تأسيس تشكيل عسكري سرى للقيام باغتيالات واسعة للإنجليز أطلق عليه (القبضة الحديدية )،ولعله أول تشكيل عسكري سرى أنشىء لأهداف وطنية ،ونظرا لأهدافه التى أنشىء من أجلها ، فكان لابد أن يعتمد على السرية ، فلن يسمح الإنجليز بقيام تنظيم عسكري للقضاء عليهم.

وقام عز الدين عبد القادر من مصر الفتاة بتشكيل كتائب سرية للقيام بعمليات اغتيال ضد الإنجليز وعملائهم المصريين .

و كون السادات جماعة سرية مسلحة تهدف للقيام بعمليات اغتيال للإنجليز وعملائها .

وقام داخل الجيش تنظيم سرى مسلح ، وهو تنظيم الضباط الأحرار ،وكان لابد من السرية حتى لا يتم التخلص منه والتنكيل بأفراده ،وكانت لهم اجتماعات دورية ،وكان من أبرز أعضائه : جمال عبد الناصر ، والسادات ، وعبد اللطيف البغدادي ، وعبد الحكيم عامر، وحسين الشافعي ، وغيرهم .

في عام 1943 اشترك الضباط الأحرار في إنشاء تنظيمات خاصة ، لمهاجمة أفراد قوات الاحتلال البريطاني، في مصر، والاستيلاء على الأسلحة والذخائر من المعسكرات البريطانية، التي كانت منتشرة في ضواحي القاهرة خصوصاً منطقة شارع الهرم.

يقول محمود الصباغ فى كتابه حقيقة النظام الخاص : إن حزب الوفد المصري باعتباره حزبًا وطنيًا علمانيًا قد جمع في قيادته بين المسلمين والمسيحيين كما اشترك شبابه المسلم والمسيحي جنبًا إلى جنب في قضايا الاغتيالات السياسية على نطاق واسع باعتبارها ضرورة لازمة لمناهضة المحتل الإنجليزي وأعوانه، مما يقطع أن القتال المسلح ضد من يغتصب مصر يقوي الوحدة الوطنية ولا يمزقها إذا قادة الإخوان المسلمون ضد المحتل وأعوانه من الخونة.

النظام الخاص للإخوان وأهدافه

وقام الإخوان المسلمين بإنشاء تنظيم سري مدرب ، أطلق عليه : ( النظام الخاص ) من أجل محاربة الإنجليز فى مصر والصهيونية فى فلسطين ،لذلك كان لابد من السرية حتى لا ينكشف أمره ويصبح عرضة للقضاء عليه ،فلن يسمح الإنجليز بقيام أي تنظيم مدرب للقضاء عليهم.وأنشىء النظام الخاص لأهداف ثلاثة :

1. إخراج الإنجليز من مصر بالقوة المسلحة .

2.التصدي العسكري للمخطط الصهيوني فى فلسطين .

3.حماية الدعوة من الاعتداءات التى تتعرض لها من الأحزاب , وما يدبر للقضاء عليها .

والهدف الثالث حماية الدعوة وليس( قتال الذين يخاصمون الدعوة ويحاولون إعاقة سيرها .) كما ذكر الأستاذ خالد .

وهناك فرق كبير بينهما كما بين السماء والأرض ، ولا ندرى من أين أتى الأستاذ خالد بهذا الهدف ؟؟! يبدو إنه استنتاج شخصي منه أخطاء فيه وبنى عليه أخطاء متراكبة تفتقر إلى المنهجية العلمية .

بعد أن اتضح تواطؤ الإنجليز والأمريكان مع الصهاينة على تسليمهم فلسطين ،أدرك الإخوان المسلمون أن المستعمرين لن يعدلوا عن ذلك إلا مكرهين ، وأيقن مرشد الإخوان حسن البنا أن الإنجليز يسلحون عصابات اليهود ، كما أدرك أيضا أن الحكومة المصرية والحكومات العربية أغلبها متخاذلة إن لم يكن بعضها متواطئ مع الإنجليز لذلك قرر المرشد فى إنشاء نظام سرى يواجه به مسئوليات هذا الفهم إزاء التحرك الصهيوني فى فلسطين الاحتلال البريطاني لمصر( 1 )

لماذا السرية فى التنظيمات العسكرية الوطنية ؟؟

ولعلنا نلتمس العذر لمن لا يفهم ضرورة السرية لتنظيم عسكري يهدف لمحاربة الإنجليز والصهيونية فى فلسطين ،يقول السادات فى كتابه: البحث عن الذات : " كان بمصر فى ذلك الوقت خمسة أجهزة سرية هي البوليس السياسي والمباحث الجنائية والمخابرات الحربية للجيش والمخابرات الخاصة بالإنجليز وال C.I.A الأمريكية التى دخلت مصر بعد الحرب العالمية الثانية ..هذا بخلاف جهاز آخر خاص بالملك ويتبع السراي مباشرة ." كلها يهدف إلى القضاء على أي تنظيم ضد الإنجليز أو الملك .(2)

وهناك أخطاء كثيرة رددها كثير ممن النظام الخاص للإخوان ، يقول الأستاذ مصطفى مشهور المرشد العام للإخوان الأسبق وأحد أعضاء النظام الخاص للإخوان  :

" والحقيقة أن معظم الذين كتبوا عن النظام الخاص من الإخوان لم يكن لهم سابق ارتباط بالنظام، وما كتبوه عنه طريقه السماع ، وبسبب ظروف المحن الشديدة التي مرت بالجماعة وبأفرادها،

كتب معظم هؤلاء مذكراتهم بعد مرور عشرات السنين على الأحداث التي ذكروها.. ومن ثم تعرضت هذه الكتابات إلى شيء من عدم الدقة لتعرض الذاكرة إلى النسيان بسبب طول المدة.. وقد تختلف الروايات، وكذا وجهات النظر حول بعض القضايا عند أصحاب هذه المذكرات.

لذلك أحب في هذه المناسبة أن أنبه السادة القراء إلى أنه ليس من الإنصاف أخذ كل ما ذكر في هذه الكتب والمذكرات عن الجماعة أو عن النظام الخاص كقضايا مسلمة للأسباب التي ذكرتها سابقًا.. فالأمر يحتاج إلى قدرة من التوفيق والتبيين.. وربما تعذر ذلك على القارئ لوفاة الكثرة ممن ساهموا في صنع هذا التاريخ رحمهم الله جميعًا. (3 )

قيام التنظيمات العسكرية السرية باغتيالات ضد الإنجليز وعملائهم

إن الدوافع الوطنية ليست حكرا على جماعة من الجماعات ، وليست مباحا لمجموعة ومحرمة على غيرها ، لذلك مارس النظام الخاص للإخوان نشاطه ضمن النشاط العام السائد فى تلك الفترة ، ومن الأنشطة التى مارستها تلك التنظيمات العسكرية السرية الاغتيالات السياسية للإنجليز وعملائهم .

محاولات اغتيال إسماعيل صدقي

وفقد خيم الاكتئاب في جميع أنحاء العالم ومصر ، ومشكلة الاستقلال لا تزال دون حل ،لذلك خاضت عصابات الشباب و استمرت في الشوارع وفى النضال في الصحافة والبرلمان بلا هوادة. وأدى ذلك بالفعل إلى ثلاث محاولات لاغتيال رئيس الوزراء وزير إسماعيل صدقي .( 4)

he world-wide depression struck Egypt, the problem of independence remained unresolved, youth gangs fought each other in the streets, and the struggle in press and parliament continued unabated. Three attempts were indeed made on the life of Prime Minister Isma'il Sidqi in the early.

محاولات اغتيال النحاس

وقامت كتائب عز الدين عبد القادر بالهجوم على رئيس الوزراء النحاس في نوفمبر 1937 بزعمهم خيانته لمصر من خلال التوقيع على المعاهدة الأنجلو مصرية 1936.

وكان عبد القادر من القميص الأخضر المتشدد التابع لمصرالفتاة

الفتاة ورئيسها أحمد حسين ،وقبل ذلك بعامين ودعا حسين لاغتيال رئيس الوزراء ونسيم وإلى شن هجمات على أقسام الشرطة ،وقد ضبطت محاولة اغتيال النحاس يتقرب بها الناشطون الشباب في مصر ، وكانت حكومة النحاس على خلاف مع الملك الشاب فاروق ،وبعد بضعة أسابيع دافع أحمد حسين عن عبد القادر في المحكمة ، بحجة أن الفعل ينطلق من دوافع وطنية ومودة للملك،وكان النحاس بالفعل خارج السلطة ، وكانت النتيجة تم الحكم عليه لمدة عشر سنوات مخففة . ( 5)

in November 1937 for allegedly betraying Egypt by signing the Anglo 'Izz al-Din 'Abd al-Qadir's attack on Prime Minister Nahhas Egyptian Treaty of 1936. 'Abd al-Qadir was a Green Shirt militant from Ahmad Husayn's Young Egypt (Misr al-Fatat )o Two years earlier Husayn had called for the assassination of Prime Minister Nasim and for attacks on police officers. Nahhas seized the occasion for rounding up Young Egypt's activists, but his cabinet, at odds with young King Faruq, fell a few weeks later. Ahmad Husayn defended 'Abd al-Qadir in court, arguing that the deed stemmed from patriotic motives and affection for the king. With Nahhas already out of power, the result was a lenient ten-year sentence.,

وقد كون السادات جماعة سرية مسلحة تهدف للقيام بعمليات اغتيال للإنجليز وعملائها المصريين ،ويعبر السادات عن ذلك بقوله :"وما زلت أذكر كيف كنا ونحن طلبة نخرج إلى الشارع مرتين كل يوم تنتظر ذهاب النحاس إلى بيت الأمة وعودته منه لنراه ونهتف له ونصفق له .كان بطلا أسطوريا ورمزا فريدا للوطنية والفداء والعطاء ..

أما بعد 4فبرايرفقد فقد كل شيء وأصبح فى نظرنا خائنا لمصر وشعبها يحتم علينا واجبنا الوطني أن نزيله من طريقنا ..ولذلك فررنا التخلص منه .....

كنت قد دربت أعضاء الجمعية على استعمال القنابل اليدوية ..وكان الذى سيقوم بالعملية هو حسين توفيق ..وفعلا ألقى القنبلة فى الوقت المناسب ،لكن سائق النحاس فوجىء وهو ينطلق من جاردن سيتي بعربة ترام فى شارع القصر العيني تكاد تصطدم به فأسرع لكي يتحاشاها....فأصابت الشظايا عربة أتوبيس بها فتياتA.I.S.التابعات للقوات المسلحة البريطانية طبعا كنت أنا وبعض أفراد الجمعية السرية فى مواقعنا نرقب العملية فانسحبنا فى هدوء."(6 )

اغتيال مجموعة السادات أمين عثمان وزير المالية لصلته بالإنجليز

وأعقبت ذلك الحادث محاولة فاشلة في ديسمبر 1945 لاغتيال النحاس باشا قام بها وطني شاب هو حسين توفيق، وقد أفلح في يناير 1946 في قتل أمين عمان باشا وزير المالية في زمن الحرب، والذي شاع اتهامه بأنه «عميل للإنجليز»(. واعترف توفيق مقدما باغتياله لعثمان باشا وبمحاولته الفاشلة لاغتيال النحاس، وقد صرح فيما بعد بأسماء زملائه، وكان من بينهم أنور السادات الذي سجن لمدة واحد وثلاثين شهرا ثم أطلق سراحه بعد أن برأته المحكمة .

ومنذ قيام ثورة 1952 دأب السادات على الإعراب عن اعتزازه بالمشاركة في مسئولية هذا الاغتيال وبتنظيمه «لجماعة اغتيال» مهمتها تصفية عدد من الشخصيات الأخرى كانت لها مواقفها الخائنة.

ولقد أشيد بالقضية في مصر بوصفها «قضية اغتيال سياسي» وعادت للظهور في الصفحات الأولى للجرائد عندما استطاع مغتال عثمان باشا الهرب في يونيو 1948 مصحوبا بالتمنيات الطيبة لعدد كبير ممن ساندوه في عمله البطولي. (7) انظر إلى هذا الحد كانت تمجد أعمال الاغتيال لعملاء الإنجليز .

محاولة مجموعة السادات التخلص من أوراق القضية

وبالفعل نجحت مجموعة السادات فى قتله ، فقام حسين توفيق يوم 5 يناير 1946بقتله ثم قبض عليه وكذلك السادات على ذمة التحقيقات فى القضية ،وقد حاولوا التخلص من أوراق القضية ، فقام الطيار حسن عزت محاولاً خطف ملف القضية لكنه فشل وقُبض عليه .

ثم تمكن حسين توفيق من الهرب ، وحكم عليه غيابيا بعشر سنوات ، وتم تبرئة السادات بالرغم من أنه المدبر لقتله .

قيام أحد أفراد الحزب الوطني باغتيال أحمد ماهر

ولما تولى أحمد ماهر منصب رئيس الوزراء سنة 1944 اختلف تفكيره تماما وأعلن انحيازه وانحياز مصر لصالح بريطانيا ، وكان هذا في رأيه لتقوية الجيش المصري وتدريب رجاله واكتسابه الخبرة والمرونة ، فإذا انتصرت انجلترا كان الجيش المصري عنصرًا خطيرًا ضدها وللضغط عليها لكي تعطي مصر الاستقلال ، وإذا انتصرت قوات المحور وقف الجيش المصري ليجعل من الصعوبة عليهم احتلال البلاد، حيث يكبدهم خسائر في الصحراء الحارة لا يمكنهم تحملها.

في 24 فبراير 1945 نجح محمود العيسوى من الحزب الوطني فى قتل رئيس الوزراء أحمد ماهر فى فبراير 1945 لإعلانه الحرب على المحور بالرغم من المعارضة القوية ، تولى تحقيق قضية اغتياله النائب العام محمود منصور باشا بنفسه ، وكان رئيسا للمحكمة العسكرية وحكم على محمود العيسوى رحمه الله بالإعدام.

محاولات اغتيال سليم زكي حكمدار بوليس القاهرة

وقد حاول أبناء الشعب المصري اغتيال سليم زكي حكمدار بوليس القاهرة ثلاث مرات الأولى 23/1/ 1922، والثانية في 23/ 4/ 1922 وهو برتبة يوزباشي، والثالثة في 10/10/ 1931 وهو برتبة قائمقام ، وقد قتل أخيرًا في إحدى المظاهرات سنة 1948، ولم تكن جماعة الإخوان المسلمين قد ظهرت إلى الوجود عند المحاولتين الأوليتين، وكانت هذه الجماعة لا تزال وليدة وكان عمرها ثلاث سنوات، وبالنسبة للحالة الثالثة فلا علاقة للإخوان بها، مما يقطع أن قتل سليم زكي سنة 1948 كان هدفًا وطنيًا وليس خاصًا بالإخوان المسلمينبأي حال من الأحوال.

وكان يتعامل بعنف مع المظاهرات الوطنية المعادية للإنجليز ، وهو بطل مذبحة كوبري عباس فى فبراير1946، ومن هنا فإن قتل سليم زكي كان هدفا وطنيا تسعى إليه جميع الاتجاهات الوطنية ، وليس خاصا بفئة معينة.(8)

ففي الرابع من ديسمبر أدت القلاقل الواسعة النطاق في الجامعة بسبب المحادثات المقترحة بشأن الهدنة في حرب فلسطين إلى خروج البوليس بكامل قوته وعلى رأسه حكمدار القاهرة الذي يبغضه الوطنيون، سليم زكي.

و خلال معركة ساخنة مع الطلاب الذين تمركزوا في فناء كلية الطب وأخذوا يقذفون البوليس بكل ما تطوله أيديهم بما في ذلك المتفجرات، لقي سليم زكي مصرعه عندما أصابته قنبلة قذفت في اتجاهه، و من المتعذر تحديد هوية الفاعل في انتفاض جماهيري كهذا (كل واحد أراد قتله) .(9 )

مشاركة الإخوان فى الأعمال الفدائية ضد الإنجليز وأعوانهم

ولم يكن الإخوان بمعزل عن القضية الوطنية ،لذلك قرروا مواجهة الاحتلال وتكبيده خسائر فى صفوفه وبث الرعب والفزع بين الجنود الإنجليز ، فقد كانت قضية الجلاء ووحدة وادي النيل تأخذ نصيبها من الاهتمام , بل كانت هي قضية البلاد يتصدرها الإخوان ويضغطون على الإنجليز للجلاء وعلى الحكومات المصرية الهزيلة ؛ ليكون لها موقفها الرسمي.

وتحت هذا الضغط أعلن النقراشي أنه ذاهب إلى مجلس الأمن لعرض قضية مصر... وذهب.فى ذلك الوقت من عام 1947 كان قد ظهر جليا أن للإخوان المسلمين نظاما خاصا يقوم بعمليات خاصة.

لم يكن معروفا باسمه ولا بأشخاصه ولكن بأعماله, وربما أيضا بأعمال أتاها آخرون.

لم يكن رجل الشارع ليميز بين هذه وتلك, إنما بدأت تنشر حوادث التفجير والاغتيالات أو محاولاتها.

ومن ذلك اغتيال أمين عثمان بيد حسين توفيق وأنور السادات, وغيرهما ومحاولة اغتيال النحاس باشا بتفجير سيارة أمام منزله بجاردن سيتي بيد رجال الملك...وهكذا.

أعمال الإخوان الفدائية ضد الإنجليز

ورأي إخوان " النظام الخاص " أن يعملوا عملا يبث الخوف في قلوب هؤلاء الجنود العابثين ، لعل هذا الخوف يردعهم عن عبثهم حين يشعرون أن الطريق أمامهم ليس سهلا كما اعتادوا ، وأن هناك من يقف لهم بالمرصاد ، وأن حياتهم ستكون ثمناً لهذا العبث .

وقد قام الإخوان بدورهم بأعمال وطنية ضد الإنجليز ،فكان عندما يأتى الكريسماس – عيد الميلاد عند المسيحيين الغربيين – وفى هذا اليوم اعتاد جنود الجيش الإنجليزي بكل أجناسه أن يحتفلوا به على طريقتهم.

هذه الطريقة كانت تقوم أساسا على السُّكْر والعربدة فى الحانات ودور المجون التى امتلأ بها وسط القاهرة, وكثير منها خصص لجنود " الحليفة" انجلترا فى ذلك الوقت, ثم يخرجون فى صخب شديد ليجتاحوا ما أمامهم.

كانوا ينهبون المحلات ويخطفون النساء ويستبيحون كل شيء.لذلك رأي الإخوان أن يعملوا علي بث الخوف في قلوب الجنود الإنجليز العابثين الذين كانوا يقتلون الأبرياء ويهتكون الأعراض ويحطمون واجهات المحلات يوميا وهم سكارى، فقرر النظام الخاص مقابلة هؤلاء فى شوراع وسط القاهرة في ليلة عيد الميلاد ، وهي لا تقتل أحدا ،ولكن تبث في قلوب الإنجليز الرعب في هذا الوقت. .

وكان التوقيت المحدد للعملية من الساعة العاشرة إلى العاشرة وعشر دقائق ثم الرجوع. وكانت البارات والحانات التي تعج بهم ذات أبواب زجاجية بشدة بحيث تحطمه وتنفذ من خلاله فتنفجر بالداخل وسط الجنود.

وقد قام الإخوان إلقاء القنابل فى الوقت المحدد فيما اشتهر ب(قنابل عيد الميلاد ) ثم تم القبض على محمود نفيس حمدي وصديقي حسين عبد السميع ثم عبد المنعم عبد العال ، وقد كانت ثقة السفير بأن سلطات الأمن تحت قيادة النقراشي تبذل كل ما فى وسعها صحيحة ويعلمه السفير دون شك .

قتل الخازندار فى 22مارس 1948

و صدر الأمر بنقل أحمد بك الخازندار من الإسكندرية ليشغل وظيفة رئيس محكمة استئناف القاهرة.

وقدمت إليه القضيتان . القضية المتهم فيها حسين ونفيس والقضية المتهم فيها عبد العال.

يقول الأستاذ خالد : بعد مقتل الدكتور ماهر قتل التنظيم السري للإخوان القاضي " الخازندار " ..وكانت كل جريرته أنه حكم بالسجن ثلاث سنوات على اثنين من الإخوان ارتكبا عملا إرهابيا ..

وهل إلقاء القنابل على الإنجليز عملا إرهابيا فى رأى الأستاذ خالد ؟! هذه هي تهمتهم التى يحاكمون عليها والتي أصدر عليهم المستشار الخازندار حكما قاسيا . فليراجع التاريخ ليرى ما تهمتهم ؟ وقد سبق أن ذكرنا الدوافع الوطنية وراء اغتيال الخازندار .

يقول محمود الصباغ معلقا على قتل الخازندار:

إن الظروف الملابسة لهذا الحادث كانت تثير الشعور الوطني ضد هذا القاضي من المصريين كافة، وهو ما يبرر أن يفكر بعض المتطرفين منهم في اغتياله إرضاءً لهذا الشعور، حيث تزامن في هذا الوقت ثلاث قضايا نظرت أمام القاضي الخازندار، واحدة منها قضية وطنية هي إلقاء قنابل على الإنجليز في مدينة الإسكندرية، بأيدي مجموعة من شباب حزب مصر الفتاة، فالأمر كما قلت كان هديرًا وطنيًا ضد الإنجليز في هذه الظروف من كافة أحزاب مصر وهيئاتها، ومن بينهم الإخوان المسلمون، وقد أدانت الدائرة التي يرأسها الخازندار بك هؤلاء الشباب بالسجن عشر سنوات في نفس الوقت الذي قضت فيه دائرة يرأسها الخازندار بك على سفاح الإسكندرية الذي راح ضحيته سبعة قتلى، بدوافع جنسية قذرة، نقلتها جميع الصحف إلى الشعب المصري بصورتها الواقعية التي تثير الذعر والاشمئزاز في نفس كل مصري ومصرية، حتى أن جميع أفراد شعب مصر وبدون أي مبالغة تمنوا أن يخلص القضاء المصري سمعة مصر وشرفها وحياءها من هذا الوحش الكاسر الدنيء، وقد عبر الاتهام ممثلا في الأستاذ أنور حبيب وكيل النيابة عن هذه الرغبة الشعبية العارمة بطلب الإعدام، ولكن حكم هذه الدائرة الذي نطق به المستشار الخازندار بك كان مخيبًا لكل الآمال، إذ قضى بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة، الأمر الذي أسعد المتهم أيما سعادة، وهو يسمع هذا الحكم مبتسمًا على النحو الذي نقلته الصحف لجميع أفراد الشعب في هذه الأيام ، وقد أجرى جميع أفراد الشعب مقارنة بين حكم الخازندار بك على الشباب الوطني الذي يلقي قنابل على الإنجليز بالسجن عشر سنوات، وبين حكمه على هذا الوحش الدنيء بالسجن سبع سنوات، وخرج الجميع باستبعاد أن يكون هذا القاضي وطنيًا على أي صورة من الصور، وبل باتهامه بمولاة الإنجليز والقسوة على أعدائهم والرحمة بأعداء الشعب في كل ما يصدر عنه من أحكام.( 10)

يقول أحمد عادل كمال أحد أعضاء النظام الخاص فى كتابه النقط فوق الحروف  :

وتطوع بعضنا لتخليص الحركات التحررية منه فإن أمامنا منطلقا كبيرا وجهادا مريرا طويلا, فإذا سمحنا لهذا السيف أن يظل قائما يقتطع من أطرافنا وأعضائنا فأي خسارة سوف تصيبنا وأي تضحيات من ذواتنا سوف نقدمها على مذبح الحرية بدون مبرر.تلك كانت النظرة عند شباب يتعجل تحرير وطنه.

وقد تناولنا حادث قتل الخازندار بالتفصيل فى مادة : حادث قتل ألخازندار بين الحقيقة والإفتراء "على صفحات الموقع .

أعمال النظام الخاص الفدائية ضد اليهود الصهيونيين المصريين

ثبت بما لا يدعو مجالا للشك التعاون الكامل من قبل اليهود المصريين مع الصهيونيين ، ومد الصهيونية بكل أنواع الدعم المالي والإعلامي مما يعنى أنهم محاربون مثلهم مثل الصهيونيين فى فلسطين ، وانتفت عنهم حقوق المواطنة .

وكان من أهداف الحركة الصهيونية فى مصر كسب الرأي العام إلى جانب الصهيونية .

وحينا تأسست المنظمة الصهيونية فى مصر أعلنت لجنة دعايتها عن عزمها على إنشاء جماعة تحمل اسم " التجمع اليهودي الترويجي والتثقيفي لطلبة المدارس " وفى الوقت الذى تعاظم فيه نفوذ الصهيونيين داخل مصر منذ منتصف الثلاثينيات كانت الحركة الصهيونية فى فلسطين تكثف نشاطها داخل البلاد بصورة ملحوظة ، فمع حلول عام 1936 بدأ موسى شرتوك (موشى شاريت )رئيس الدائرة السياسية فى الوكالة اليهودية بالقدس القيام بزيارات منتظمة إلى القاهرة تزايدات بصورة مكثفة خلال عامى 1943و1944( 11)

وفى عام 1944قرر رؤساء المخابرات فى الهاجاناة توسيع نطاق عمل شبكتهم فى مصر ....ولذلك سعوا إلى وضع أيديهم على شىء من احتياطى الأسلحة الكبير المكدس فى مصر من جانب الحلفاء . ( 12 )

وفي يناير 1945م انعقد المؤتمر الصهيوني الأول ليهود مصر في الإسكندرية بعد الحصول على موافقة السلطات المصرية، وتم انتخاب يعقوب وايزمان رئيسًا للجنة التنفيذية الصهيونية في مصر، والتي ضمت 40عضوًا آخرين من مجلس الطائفة في القاهرة والإسكندرية، وقد اهتم الاتحاد الصهيوني بتوجيهات من قيادته في القدس بتنشيط جمع الأموال للصناديق اليهودية عن طريق اللجان التي تشكلت في القاهرة والإسكندرية، وبالفعل فقد تم جمع مبلغ مائة ألف جنيه مصري عامي 1943 و1944م، وتم نقلها سرًّا إلى المنظمة الصهيونية ومؤسساتها في فلسطين........كل هذا يثبت بلا شك الموقف الحيادى الذى اتخذته السلطات المصرية من النشاط الصهيونى حتى نوفمبر 1947. ( 13)

وهناك أدلة كثيرة تدل على خيانة اليهود المصريين للقضية الفلسطينية و موالتهم الصهيونية مما جعل الإخوان يوجهون إلى مؤسساتهم التجارية ، وقد تناولنا ذلك فى موضوع الإخوان :" النظام الخاص للإخوان المسلمين واليهود المصريين ".على صفحات الموقع .

ولذلك قام الإخوان بعمليات ضد اليهود المصريين لمساندتهم الصهيونية ،خاصة مع اشتداد المعارك فى فلسطين واستفزاز اليهود الصهيونيين بإلقاء القنابل على أحياء القاهرة ،ومن هذه العمليات :

فى20 يونيو1948 نسفت بعض المساكن في حارة اليهود في القاهرة وذلك ردًا على حادث مذبحة "دير ياسين" التي ارتكبها اليهود في فلسطين في 9 إبريل 1948م.

وفي 19 يوليو وقع نسف لمحلي "شيكوريل وأوريكو" وكان ذلك ردًا من مرتكبي هذا الحادث على إلقاء طائرة إسرائيلية في 16 يوليو قذيفة على أحد الأحياء الفقيرة في حي عابدين فهدمتا منازل كثيرة وقتلت عددًا من السكان الآمنين.وفي 12 نوفمبر قام النظام الخاص للإخوان بنسف شركة الإعلانات الشرقية، التي كانت مركز النشاط الصهيوني.

والحقيقة أن هذه الحوادث إنما خطط لها، تنفيذًا لقرار سري من اللجنة العليا لإنقاذ فلسطين برئاسة علوبة باشا، وكان هذا القرار لا يحدد أي موقع من هذه المواقع بالتفصيل، ولكنه كان توجيهًا عامًا، لإشعار يهود العالم أن تصميمهم على إنشاء إسرائيل سيترتب عليه حتمًا خسارتهم الكبيرة، لما كسبوه من توغل اقتصادي واسع في جميع الدول العربية، ولم يكن للعرب من وسيلة ليشعر الأعداء بهذا الخطر الذي يهدد مصالحهم في جميع البلاد العربية إلا بضرب نماذج من شركاتهم ومؤسساتهم في هذه البلاد، لا لتدميرها نهائيًا، ولكن للفت الأنظار بشدة إلى ضخامة حجم الخسائر التي يمكن أن تعود على اليهود في العالم إذا استمروا في عنادهم لاتخاذ وطن قومي في فلسطين.

وقد تركت اللجنة العليا العربية للإخوان المسلمين بصفتها عضوًا فيها أداء هذه الرسالة في خدمة القضية الفلسطينية.

وقد رتب النظام القيام بعمليات كانت أكبرها نسف شركة الإعلانات الشرقية بسيارة ملغومة قادها إلى الموقع المختار الأخ الشهيد علي الخولي، وكان هذا الحادث أكبر حوادث النسف التي شهدتها القاهرة، وكانت الخسارة البشرية فيه بالنسبة لضخامته في حدها الأدنى، حيث اختير وقت الانفجار قبل حضور الموظفين، ولم يمكن معرفة أحد من الفاعلين، ولم يقبض على الأخ علي الخولي الذي ترك السيارة وغادر الموقع في أمان تام، وحدث الانفجار بعد أن ابتعد تمامًا عن آثاره.

وبالمثل فقد وقع انفجار في محلات شيكوريل وكذلك وقع حادث شركة أراضي الدلتا وقيدت جميعها ضد مجهول وكان الفرق بين هاتين الحادثتين وحادث شركة الإعلانات الشرقية هي استخدام ترسيكل بدلا من سيارة في كلا الحادثتين.

وقد أثارت تلك الأعمال ضد اليهود خصومهم بأن تلك الأعمال ضررها أكبر ، إذ إنها تصيب المصريين وتعرض حياتهم للخطر ، ولعل محمود الصباغ يجيب عن هذا التساؤل بقوله :

ولمثل هذا الهدف يمكن أن تقبل قواعد الحرب بعض الخسائر في المواطنين، فقواعد الحرب تقدم خلاصة الرجال في الحروب، ليقتلون ولا يمكن تجنب الخسائر في العمليات العسكرية إذا كان هدفها لصالح الأمة بدعوى أن القيام بها يعرض أمن بعض المواطنين للخطر، ولكن كل الذي يمكن أن يقال هو وجوب بذل قصارى الجهد لكي تكون هذه الخسارة في المواطنين في حدها الأدنى .ويؤكد ميتشل ذلك بقوله :

وفي كل تلك الأحداث كانت الخسائر في الممتلكات عالية كما قتل وجرح عشرات من الناس. .(14)

اغتيال النقراشي فى 28 ديسمبر 1948

وكان السبب المباشر له حل الإخوان ومصادرة ممتلكاتهم والتنكيل بهم وتخاذله فى قضية جلاء الإنجليز وحرب فلسطين،وتنفيذه أوامر الإنجليز وتنفيذ أوامرهم .

وكان نص قرار الحل يتيح له القبض على كل من ينتمي للإخوان ومصادرة ممتلكاتهم دون أي سند قانون غير قانون الأحكام العسكرية الذى طبقه على المدنيين .

وتعامل النقراشي مع الإخوان بحرب شرسة ليس لها مثيل مما دفع النظام الخاص إلى اتخاذ قرار بالدفاع عن النفس ، وحوصر الإمام البنا ومنع من الاتصال بالإخوان ، فتم اغتيال النقراشي دون علمه ، وأصبح النظام الخاص فى تلك الفترة يتخذ قرارته دون الاتصال بالمرشد الذى فقد الاتصال به .

وقد أدان الأستاذ المرشد الحادث وأنه لا يمثل الجماعة ولكنه حادث فردى .

وقد سبق قتل أمين عثمان و محاولات قتل النحاس من قبل السادات وغيره لخيانته للقضية الوطنية فى زعمهم ، والقضية الوطنية ليس حكر على أحد ، هذه سمة من سمات هذا العصر .

محاولة إحراق أوراق السيارة الجيب فى المحكمة فى 13 يناير 1949

تم بالاجتهاد من قادة النظام الخاص فى غياب الجماعة بعد الحل ، وقد أدانها الأستاذ البنا أيضا .

ولم يكن الإخوان بدعا فى ذلك فكما سبق أن ذكرنا أن السادات ومجموعته حاولوا التخلص من أوراق قضية قتل أمين عثمان ، فقام الطيار حسن عزت محاولاً خطف ملف القضية لكنه فشل وقُبض عليه .

محاولة قتل إبراهيم عبد الهادي

حاول أفراد النظام الخاص كما قلنا الدفاع عن النفس ضد إرهاب إبراهيم عبد الهادي ومن يسانده ، فقاموا بمحاولة اغتيال خليفة النقراشي إبراهيم عبد الهادي ، وأخطأوا الأمر أثناء مرور حامد جودة رئيس مجلس النواب وفشلت المحاولة ، وقبض على مرتكبي الحادث من الإخوان .

شهادة تقدير من المحكمة لجهاد النظام الخاص للإخوان

فى قضية السيارة الجيب التى ضبطت بها أوراق ومستندات تخص النظام الخاص للإخوان فى 15 نوفمبر 1948 ، وتم كيل الاتهامات بالتآمر لقلب نظام الحكم والقيام بأعمال إرهابية وترويع المواطنين على نحو ما هو معهود دائما فى الاتهامات التى توجه للإخوان ، وها هو نص حكم المحكمة فى القضية بمثابة شهادة تقدير للإخوان ونظامهم الخاص الذى كالوا له مختلف الاتهامات :

" فالنظام الخاص يرمي إلى إعداد فريق كبير من الشباب إعدادا عسكريا تطبيقا لما دعا إليه مؤسس هذه الجماعة في رسائله المتعددة من أن الأمر أصبح جدا لا هزلا وأن الخطب والأقوال ما عادت تجدي وحيث إن هذا النظر تأيد من وجود كتب عسكرية مما يدرس للجيش تشمل فضلا عن شرح أنواع الأسلحة التدريب على استعمالها واقتناص الدبابات وتدميرها ووضع الألغام ونزعها وكل هذه الأمور لا تتطلبها أعمال فئة إرهابية إنما تستلزمها مقاومة من يستعمل تلك الأسلحة .

وحيث إنه مما يدل على أن النية لدى أفراد هذا النظام الخاص كانت متجهة إلى مقاومة جيش الاحتلال بعض ما ضبط في السيارة من أوراق ومنها أوراق تحض على أعمال الفدائيين أشير فيها إلى أن الصداقة البريطانية المصرية مهزلة وأن الإنجليز يظنون شعوب الشرق مسالمة ساذجة .

ثم تحدث كاتب هذه الأوراق عن التدريب على استعمال زجاجة مولوتوف وعرقلة المواصلات وتعطيل وسائل النقل الميكانيكية و القوات المدرعة .

وانتهى إلى القول في صراحة أنهم إنما يقاومون العدو الغاضب كما جاء في أوراق أخرى ما يدل على هذا الاتجاه طبقا لما أثبتته المحكمة " مفصلا عند استعراض الأوراق المضبوطة " .

وحيث أن أثر هذا التدريب الروحي العسكري قد ظهر عندما قامت مشكلة فلسطين وأرسلت الجماعة الكثير من متطوعيها للقتال إذ شهد أمام المحكمة كل من اللواء أحمد بك المواوي القائد الأول لحملة فلسطين واللواء أحمد فؤاد صادق باشا الذي خلفه بما قام به هؤلاء المتطوعون من أعمال دلت على بسالتهم وحسن مرانهم وسمو روحهم المعنوية وإلمامهم بفنون حرب العصابات . . .

وحيث أن التهمة الأولى الموجهة إلى المتهمين هي أنهم اشتركوا فيما بينهم ومع آخرين لم يعملوا في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جرائم قلب وتغيير دستور الدولة وشكل الحكومة بالقوة وإتلاف سيارات وأسلحة الجيش المصري المعدة للدفاع عن البلاد وتخريب المنشات الحكومية وأقسام ومراكز البوليس ومحطات الإضاءة والمياة وغيرها وتعطيل وسائل النقل العامة بنسف قطارات السكك الحديدية وجسورها وخطوطها ونسف الطرق والكباري العامة وسيارات الأتوبيس وتعطيل القوة الكهربائية المولدة لحركة خطوط ترام القاهرة – وإتلاف الخطوط التلغرافية والتليفونية الحكومية عمدا في زمن الفتنة .

وقتل خيول البوليس عمدا بدون مقتض بطريق التسمم وجرائم أخرى بقصد الاستيلاء على الحكم بالقوة .

وحيث أنه سبق المحكمة أن عرضت لجريمة قلب وتغيير دستور الدولة وشكل الحكومة بالقوة وانتهت إلى القول بأنها لا أساس لها . " ( 15)

هذه بعض الصفحات التى أنجزها النظام الخاص لتحقيق الهدف الذى أنشىء من أجله ، وهو استهداف الصهيونيين فى فلسطين ومصر ، والتى قام بها الإخوان من منطلق دعوتهم التى فرضت عليهم القيام بواجبات الجهاد فى سبيل الله والتى ساء تأويلها لأغراض متنوعة و أهواء شخصية من خصوم الإخوان ، ومع ذلك لا ننفى أن النظام الخاص وقع فى أخطاء ، وهذه هي كل الأعمال الداخلية التى قام بها والتى تم إضافة أضاعفها ظلما وزورا.

والحقيقة أن أخطاء النظام الخاص القليلة والتى سبق عرضها ـ وليس لدى الإخوان ما يخفونه ، أو لا يتنكرون من أعمال قاموا بها ولو كانت خاطئة ـ لا تغض من الجهاد المشرف الذى بذله أفراد النظام الخاص على أرض فلسطين ومصر ، ولا يمكن قبول الصورة التى يشوهون بها النظام الخاص على أنه دموي يستبيح الدماء على نحو ما ذكر الأستاذ خالد محمد خالد .

سادسا :أخطاء خالد محمد خالد فى حديثه عن النظام الخاص .

الغريب أن الأستاذ خالد اعتمد على الذاكرة وحدها بعد عشرات السنين ، والذاكرة قد تصيب وتخطيء وينسى الإنسان ، وقد يسوق أحداثا فى سياق أحداث أخرى بينهما تنافر ولا يمكن اجتماعهما ، وقد يتصور الإنسان البعيد عن الأحداث أشياء يتوهمها حقيقة ، وهى أقرب إلى الخيال ، والأشد خطورة أن يخطىء الإنسان ، وهذا ليس بعيب، لكن الأخطر أن يبنى عليها نتائج وتصورات يعتقد بصوابها وخطأ ما دونها .

والأستاذ خالد نفسه يعترف أنه لم ينضم للإخوان ،فكيف يتحدث عن لنظام الخاص ومعلومات عنه لا يعلمها قادة الإخوان أنفسهم ؟؟

إن النظام الخاص بطبيعة تكوينه تنظيما سريا فوجىء به كثير من قادة الإخوان خاصة بعد القبض على السيارة الجيب فى 15 نوفمبر 1948 ، فكيف عرف الأستاذ خالد قادة النظام الخاص وتكوينه وأهدافه وهو ليس من الإخوان أصلا ؟؟ ، ومن خصائص أفراد النظام الخاص السرية والكتمان حتى إن أفراده لم يكونوا معروفين لقادة الإخوان أنفسهم ، فكيف كان الأستاذ خالد يعرفهم و يصارحونه بأعمالهم على هذا النحو الذى ذكره ؟؟

وقع الأستاذ خالد فى حديثه عن النظام الخاص فى عدة أخطاء تاريخية ، وهى :

1ـ اتهام الإخوان بقتل أحمد ماهر محض افتراء .

يقول : كانت أولى جرائم النظام الخاص اغتيال أحمد ماهر باشا ...فى وزارة أحمد ماهر هذه رشح الأستاذ البنا نفسه لمجلس النواب وحصل على نصيب كبير من الأصوات بيد أنه أعيد ت الانتخابات بينه وبين منافسه فنجح منافسه بطريقة لم يشك الإخوان معها في تزوير الانتخابات لصالح المنافس ..

وأسرها النظام الخاص فى نفسه وأصر معها ما كان يجهر به الدكتور ماهر من عداوة للإخوان وتوعد لهم بسوء ، انتظر التنظيم السري الفرصة المواتية التى سرعان ما جاءت تخطر فى زينتها ...

وقد تلقفت الأقلام اتهام خالد محمد خالد الإخوان بقتل أحمد ماهر، ونسبت هذا الفعل إليهم ظلما وزورا ،وتناقلت الكتب التى تتحامل على الإخوان ذلك محاولة لتأكيد المعلومة بكثرة النقل لها من كتاب لآخر ، وتقدم المبررات المختلفة لتلك النسبةوالغريب أن أسلوبهم فى التعامل مع الإخوان بمنطق عجيب ، فإذا كانت القاعدة المعروفة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، والشعب عند الحكام الظلمة متهم حتى يثبت براءته ، لذلك نجد الإخوان عندهم متهمون حتى يثبتوا براءتهم ، وكالقاعدة الفقهية: الأصل فى الأشياء الإباحة مالم يرد نص بتحريمه ، نجد من يتنطعون يحرمون الأشياء ويطلبون الدليل على إباحتها .. وهكذا تجد من يقلبون الحقائق .

يقول الدكتور عبد العظيم رمضان عن قتل أحمد ماهر :

ويعتبر دور الإخوان فى هذا الحادث ما يثير مناقشات كبيرة فقد أعترف القاتل بانتمائه للحزب الوطني وبناء على هذا الإصرار أطلق سراح البنا والسكري وعابدين وبعض الإخوان الذين اعتقلوا بتهمة الاشتراك فى الاغتيال .

ولكن بعض الآراء تؤكد أن محمود العيسوي كان من الإخوان المسلمين ومن غلاتهم وأنه تستر تحت الحزب الوطني حتي لا يضر جماعته ،فقد روي محمد على أبو طالب أنه سمع من الأستاذ خالد محمد خالد أن الشيخ سيد سابق ,وهو من زعماء الإخوان والتنظيم وقد أفتي بمشروعية اغتيال النقراشي باشا فيما بعد قد أخبره بعد مقتل أحمد ماهر باشا بأن محمود العيسوي كان من صميم الإخوان المسلمين ولم يُكذب خالد محمد خالد أو الشيخ سيد سابق هذا الكلام .

وقد استدل أبو طالب على رأيه بأنه وزارة أحمد ماهر كان فيها وزيران من الحزب الوطني هما : حافظ رمضان باشا رئيس الحزب الوطني وزكي علي باشا وهو من زعماء الحزب منذ نشأته وكان أولي أن يحاسبا على اشتراكهما فى هذا الجرم وهو ما لم يحدث . ( 16)

ويعلق الدكتور محمود عساف على ما نسبة الأستاذ خالد قتل أحمد ماهر للإخوان بقوله :

" وقد نسبت هذه الحادثة إلى الإخوان زورا وبهتانا , حيث أقر محمود العيسوي في التحقيقات أنه من شباب الحزب الوطني , وأنه لا يمت إلى الإخوان بصلة .

كذلك لم تثبت التحقيقات الخاصة بهذه القضية أية صلة للإخوان به .

غير أن الدقة التي نفذت بها هذه العملية جعلت الكثيرين يشكون في أنه من صنع النظام الخاص للإخوان المسلمين ، بل إن بعضا من الإخوان ظن ذلك أيضا , وبخاصة وأن أحمد ماهر هو الذي أسقط الأستاذ الإمام في انتخابات البرلمان عن دائرة الإسماعيلية عن طريق التزوير المتعمد من الحكومة استجابة لطلب الملك والإنجليز .

ويقول الشيخ خالد محمد خالد في مذكراته التي نشرها بجريدة الوفد بتاريخ 15 / 10 / 1992 ما نصه : " كانت أولى جرائم النظام الخاص – اغتيال أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء في الممشى الواقع بين مجلس النواب ومجلس الشيوخ بدار البرلمان.... الخ

ويعلق على ذلك الدكتور محمود عساف بقوله : " جعلت أفكر في كيف يقول خالد محمد خالد هذا الكلام , وهو لم يكن على صلة وثيقة بالإخوان أو تنظيماتهم مثلما أوضح في مذكراته , غير أني أذكر أني كثيرا ما كنت أشاهده يتردد على الأستاذ الإمام ، وهو بملابس جماعة أنصار السنة ويضع على رأسه العمامة ذات العدبة .

سألت الأخ الشيخ سيد سابق ، فقال إنه هو مصدر هذا الهراء الذي نشره خالد محمد خالد ، حيث أن الشيخ سيد علم من أحد الإخوان أنه كان يجمع معلومات عن أحمد ماهر ، وبني على هذه المعلومة أن النظام الخاص للإخوان متورط في هذه الجريمة .

أوضحت للشيخ سيد أن جمع المعلومات شيء وجريمة الاغتيال شيء آخر ، ذلك أننا كنا نجمع معلومات عن جميع الزعماء والمشاهير من رجال السياسة والفكر والأدب والفن , سواء كانوا من أعداء الإخوان أو أنصارهم .

وهذه المعلومات كانت ترد لي لأحتفظ بها في أرشيف , وأعود إليها كلما طلب أحد هؤلاء مقابلة الأستاذ الإمام ، أو اجتمع الإمام به لأية مناسبة من المناسبات , وأذكِّر الإمام بالمعلومات حتى تكون في خليفته وهو يتحدث مع ذلك الشخص .

ثم يقول : ولا عجب في ذلك فقد كان كل الزعماء ضد دخول مصر الحرب إلى جانب الحلفاء , وأنصار هؤلاء الزعماء يغلون من الغضب على أحمد ماهر وسياسته التي يحتمل أن تدمر مصر . هذه كلمة أقولها للتاريخ , والله يشهد على صدق كل كلمة فيها , وفيها البراءة للإخوان المسلمين من تلك الجريمة . "( 17)

والدكتور محمود عساف من أكثر الإخوان معرفة بالنظام الخاص وأسراره ، فهو القائل عن نفسه :

" كنت مستشارا لمجلس إدارة النظام الخاص منذ عام 1945 باعتباري أمينا للمعلومات تابعا للإمام حسن البنا .

وكنا نحضر الاجتماعات وتعرض علينا مشاكل النظام وأعضائه , ونقرّ أساليب التدريب التي تخدم الفصائل التي سوف تتوجه إلىفلسطين ".

ويؤكد ذلك محمود الصباغ بقوله: وإنني أؤكد وأنا هنا في مجال بيان الحقيقة على الرغم مما نشره بعض كبار الإخوان من غير إخوان النظام بالصحف انتفاء كل صلة بين محمود العيسوي وعمله هذا، وبين جماعة الإخوان المسلمينأو نظامهم، وأن محمود العيسوي قد أحل له المفهوم الوطني اغتيال أحمد ماهر باشا سياسيًا، لأنه يصادق أعداء الوطن، أما الإخوان المسلمون فإن شريعتهم لم تحل لهم ذلك، إلا أن يقدم أحمد ماهر باشا فعلا على محاربة الإسلام والمسلمين، بالوقوف مقاتلا في صف أعدائهم وهو فرق كبير بين المفهوم العقائدي الوطني والديني.

ومن هنا فإن النظام الخاص لم ينشأ بعيدا عن الإمام البنا أو عن تصرفاته ، لكن هناك تصرفات من قادة النظام تمت بناء على اجتهادات خاطئة ، أنكرها الإمام البنا كما فى حادث اغتيال الخازاندار كما أوضحنا ذلك فى مادة : حادث اغتيال الخازندار فى الميزان على صفحات الموقع ، أما اغتيال النقراشي فى 28 ديسمبر 1948 ، فقد تم بعد حل الجماعة فى 8 ديسمبر1948 ، وتم مراقبة الإمام البنا ومنعه من الاتصال بالإخوان ، لذلك فوجىء به الإمام البنا ، وكذلك حادث محاولة نسف أوراق المحكمة التى تحوى أوراق قضية السيارة الجيب فى 13 يناير 1949 . .

2ـ يقول : ولقد أنشأ جماعة الإخوان 1927، والصواب سنة 1928.

3 ـ لا يمكن أن يتعرف خالد محمد خالد على النظام الخاص للإخوان بعد إنشائه بثلاث سنوات ويعرف أهدافه ، وهو ليس من الإخوان ، والنظام الخاص كان سريا لأبعد حدّ من السرية ، وقادة الإخوان منهم من لم يعرفوا به ، ويقول  :

" سأبدأ حديثي عن التنظيم السري من حيث بدأت أسمع به وأعرف أنباءه .. ولعل ذلك كان عام 1942 ـ 1943 ويومها عرفت طريقة تشكيله ، وأهدافه وغايتهما عرفت اسم قائده والمشرف عليه عبد الرحمن السندي ..."

كيف ذلك وقادة الإخوان ممن ليسوا في النظام الخاص أنفسهم لم يعرفوا به أصلا إلا بعد القبض على السيارة الجيب فى 15 نوفمبر 1948 ؟!

4 ـ تحريف أهداف النظام الخاص والاستنتاج الخاطىء ، يقول عن الجهاز الخاص : وكانت حيثيات تشكيله كما أعلن الأستاذ البنا فى حينه :

أولا : شن الحرب على الاستعمار البريطاني ممثلا فى نفوذه وجيشه ..

ثانيا :قتال الذين يخاصمون الدعوة ويحاولون إعاقة سيرها ...

ثالثا : إحياء فريضة الجهاد...

والذي يعنيننا ونحن نشجب هذا التنظيم السري هو البند الثاني : قتال الذين يخاصمون الدعوة ويحاولون تعويق سيرها ..

العجيب أن التنظيم كان سريا ، وهو يقول إن الأستاذ البنا أعلن عنه .

ومن ناحية ثانية ، فإن من أهداف النظام الخاص: ( حماية الدعوة من الاعتداءات التى تتعرض لها من الأحزاب , وما يدبر للقضاء عليها .) وفرق كبير بين حماية الدعوة من الاعتداءات وبين قتال الذين يخاصمون الدعوة .

يقول : وتوالت علميات النسف والترويع ..فى دور السينما وأقسام البوليس والشركات والبيوت وعلى رأسها شركة الإعلانات الشرقية ..

هذه الأعمال لم يقم بها النظام الخاص ، بل أنكر على مرتكبيها ،يقول محمود الصباغ من قادة النظام الخاص : حوادث قنابل سينما مترو:

ارتكب هذه الحوادث شباب من أصحاب الاتجاه اليساري وأدانهم فيها القضاء ومنهم المتهم سعد زغلول المحرر بجريدة الجمهورية.

وهي من حوادث الاغتيالات السياسية لأن الوازع عليها سياسي من ناحية هؤلاء الأفراد الذين قصدوا إرباك الأمن بهذه الحوادث، ولم يفكروا في الضحايا الأبرياء من أبناء الشعب الذين جاءوا إلى السينما لقضاء بعض الوقت للترفيه، ولكنها في الحقيقة ليست من الأعمال الوطنية ولا الإسلامية، حيث لا يقبل أي حزب من الأحزاب الوطنية أن يقوم بمثل هذه الحوادث، كما أن الشريعة الإسلامية تمنع الإخوان المسلمينمن مجرد التفكير فيها.

الغريب أن الأستاذ خالد لم يقرأ كتب الإخوان ومذكراتهم ، مثل كتاب محمود عبد الحليم : الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ، وكتب النظام الخاص التى كتبها أفراد النظام الخاص مثل كتاب : أحمد عادل كمال :النقط فوق الحروف ، وكتاب محمود الصباغ : حقيقة النظام الخاص ، وغيرها كثير .

الغريب أنه لم يأخذ عن كتب الإخوان غير كتاب صلاح شادي : صفحات من التاريخ ، الذى حمل فيه حملة شعواء علي عبد الرحمن السندي لخصومة كانت بينهما واختلافهم فى الرأي والتا أسفرت عنها أحداث 1953 ، وتركت رواسبها فى كتاب صلاح شادي ، فقام الأستاذ خالد باقتناصها ليستدل بها على رأيه فى النظام الخاص .

ليته قرأ كتب الإخوان الأخرى إذا لاتضحت الصورة لديه واستطاع هو الوقوف على كثير من التساؤلات التى دارت فى ذهنه حول النظام الخاص وما ارتكبه من جرائم فى نظره .

الهوامش

(1) صلاح شادي : صفحات من التاريخ ، حصاد العمر .

(2) ص 114.

(3)مقدمة كتاب محمود الصباغ حقيقة النظام الخاص .

(4)راجعDonald M.Reid  : Political Assassination In Egypt 1910 -1954 p 625.-

(5)راجعOPCIT ,P629.-

(6) البحث عن الذات ص 115

(7) ميتشل :الإخوان المسلمون ،ترجمة :عبد السلام رضوان ،نسخة الكترونية .

(8 )محمود الصباغ حقيقة النظام الخاص نسخة الكترونية على موقع إخوان ويكي.

(9 ) السابق .

( 10) السابق .

( 11) د/ سهام نصار : الصحافة الإسرائيلية والدعاية الصهيونية فى مصر .ص38، 63، 298 .

(12) د/ سهام نصار : الصحافة الإسرائيلية والدعاية الصهيونية فى مصر ص 63

( 13) د. محمود سعيد عبد الظاهر:يهود مصر : دراسة في الموقف السياسي،.مركز الدراسات الشرقية ،جامعة القاهرة ،2000 هـ/1421م ص 115-116 .

( 14) ريتشارد ميتشل : الإخوان المسلمون ، ترجمة عبد السلام رضوان، نسخة الكترونية على موقع إخوان ويكي .

( 15) راجع : قضية السيارة الجيب نسخة الكترونية على موقع إخوان ويكى .

( 16) د. عبد العظيم رمضان: الإخوان المسلمون والتنظيم السري ، نسخة الكترونية على موقع إخوان ويكي .

(17 ) الدكتور محمود عساف :مع الإمام الشهيد حسن البنا ، نسخة الكترونية على موقع إخوان ويكي .