حسن البنا ومنهجه في الدعوة.. رؤية تاريخية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حسن البنا ومنهجه في الدعوة.. رؤية تاريخية

إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين

بقلم: محمد الصياد

الإمام حسن البنا

عندما أنشأ الإمام الشهيد حسن البنا دعوة الإخوان المسلمين لم يتخذ قرار الإنشاء من فراغ أو بمحض المصادفة ، بل كانت هناك خريطة واضحة في ذهنه ، تتضمن أولويات العمل ، وسبل النهضة وبواعث التقدم . فكان رحمه الله قد عكف علي تشخيص الداء الذي تمر به أمتنا الإسلامية ومن ثم توصل إلي أفضل السبل الناجحة التي ارتأي فيها معبرا نحو النهضوية والعودة إلي الحضارة الإسلامية بمفهومها الواسع الذي يعمر الأرض ويهدي الخلائق ويأخذ بأيدي البشر نحو السلم والأمان الاجتماعي والسياسي .

فكان في ذهن الإمام الشهيد رحمه الله مجموعة من المناهج الواضحة التي هي أشبه بالمقدمات الموصلة إلي نتيجة قطعية إذا ما حوفظ عليها وعُمل بها .

تلك المقدمات جعلها الإمام الشهيد واقعا عمليا بدعوته "الإخوان المسلمون" علي أرض الواقع وعمل علي تطبيق تلك المقدمات من خلال هذه الدعوة كي يصل إلي النتيجة المرجوة .

ولا ننسي في هذا المقام أن الإمام الشهيد رحمه الله كان قد جاء في فترة عصيبة أشبه ما تكون بالقرون الوسطي عند النصارى .

ويمكننا أن نلمح إلي حالة الأمة الإسلامية قبل دعوة الإمام الشهيد مباشرة.

فقد تغلبت العناية بالمناقشات اللفظية وتتبع كلمات المؤلفين في المصنفات والشروح والحواشي والتقارير ، علي الروح العلمية الموضوعية ..

وتغلبت روح التقديس للآراء والأفهام التي دونها السابقون والسمو بها عن مستوي النقد وعد الاكتراث بما قد يظهر من آراء جديدة .

وتغلبت نزعة الاشتغال بالفروض والاحتمالات العقلية التي لا تقع وما يتصل بها من أحكام ، وأعرضوا عن تنمية الفقه العملي الذي يحتاج إليه الناس في معاملاتهم وأقضيتهم .

وتغلبت نزعة الاشتغال باختراع الحيل التي يُتخلص بها من الحكم الشرعي.

ولقد تناولت هذه الحيل كثيرا من أبواب الفقه ، ولم يقف عند الحد الذي أثر عن الأئمة من جعلها وسيلة للتخلص من ضرر أو مكروه بل افترضوا حيلا يسقون بها الواجبات .

وتغلبت كذلك روح التعصب المذهبي الشديد حتى وصل الأمر بين أتباع الأئمة إلي المناقشة في صحة الاقتداء بالمخالف في المذهب .

وتغلبت الفكرة القائلة بتحريم غير المذاهب الأربعة فحجروا واسعا ومنعوا رحمة اختص الله بها هذه الأمة .

ويمكن تلخيص أهم وجوه الضعف والتخلف التي عاني منها الفكر الإسلامي قبل مجيء الإمام الشهيد حسن البنا ، بطغيان عنصر الجبرية علي العقل ، وطغيان مذهب وحدة الوجود والحلول والاتحاد علي الوجدان بما يعني ذلك من تسليم كامل بالواقع الحادث وانسحاب الفرد من المجتمع وسقوط الإرادة البشرية ، مع غلبة طابع التقليد في مجال الفقه الإسلامي ، وبدا التقليد في العصبية المذهبية وفي صعوبة الرجوع إلي الأحكام الشرعية الموزعة في كتب الفقه المذهبي وعدم وجود تقنين مستمد من أحكام الشريعة يسهل الرجوع إليه والأخذ عنه (*) .

كذلك أصيبت الأمة بحالة دروشة عامة أشبه بالرهبانية عند النصاري ، وبحالة خبل في ميدان الشريعة بين الفقهاء والعلماء فلم يكن يعني بعضهم إلا الانتصار لرأي معين فلم نجد هؤلاء تكلموا عن سقوط الخلافة وانهيار الحضارة الإسلامية ، وضعف روح المقاومة ، وصيرورة الأمة ذنبا وتابعا لغيرها من الأمم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا .

وفي هذه الأثناء جاء الإمام الشهيد حسن البنا بدعوته الممنهجة وحاول التغلب علي كل ما سبق من ثغرات ومواطن ضعف في جبين الأمة الإسلامية . وأراد أن يسوق الجماهير إلي باريها ، وقنن للجميع أن الإسلام دين ودولة شريعة وأمة ، وجعل منه منهج حياة ، بث هذه النداءات في ميادين طلبة العلم وأروقة العلماء الأزهريين الذين انشغلوا بما ذكرناه آنفا . فاستجاب له الكثير وقام البعض من غفلته . واعتمد الإمام علي تذكيرهم بفقه الأولويات ومقاصد الشريعة ، وهوية الأمة التي تذوب ، بل ومنهجها الذي يُعمل علي تخريبه ، فآتت الدعوة ثمارها .

كل هذا كان واضحا في ذهن الإمام الشهيد البنا رحمه الله ، وكان له منهج واضح يختلف عن المنهج العقيم لأولئك المشايخ ، فأصّل منهجا في علوم الشريعة في التفسير والعقيدة وما أشبه .

هذا المنهج هو ما نسميه بمنهج حسن البنا الدعوي . أراد من خلاله أن يذكر هؤلاء العلماء أن ثمرة العلوم هي عبادة الله وتطبيق منهجه في الأرض الذي هو بدهية من بدهيات استخلافه عز وجل لنا في أرضه . وأن العلوم إذا ظلت في عالم الفكر والتأمل –كالفلسفة- من غير إفادة ملموسة للبشرية من ورائها فلا فائدة منها بل يصير ضررها ربما أكثر .

فما فائدة العلوم إذا لم تذكر الناس بثوابت الشريعة ودعائم الإسلام ؟! وما فائدتها إذا لم تعلم الناس التحرر من الخضوع والاستبداد ، ومقاومة الاستعمار ؟!

وما فائدتها كذلك عندما تسقط الأندلس من أيدي المسلمين سنة 897 من غير أن يتكلم أحد من علماء الأمة علي هذه المعارك وعلي غياب قطعة من أرض الإسلام ، فقد انشغل السيوطي ت:911 ، وقتها بتصنيف كتاب "الكاوي في تاريخ السخاوي" ، وكتاب "تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي" ، وانشغل السخاوي ت: 902 ، بتصنيف كتب يرد فيها علي السيوطي ، وانشغل زكريا الأنصاري بالحواشي والمسائل الفقهية العتيقة ، وهكذا كان حال العلماء عند نزول الكوارث علي الأمة .

وهكذا كان حال العلماء إزاء انهيار الخلافة العثمانية ، لم يبالوا وظلوا منشغلين بالمسائل الثانوية والفرعية .

فأراد الإمام الشهيد رحمه الله أن يذكر العلماء بمهمتهم الأولي والأساسية ، وهي عمارة الأرض وصناعة النهضة وتبليغ الناس ذلك ، والذب عن ديار الإسلام وأن يكونوا في المقدمة في ميادين الجهاد والقتال ، ومقاومة الاستعمار بكل أشكاله وألوانه .

عندما وضع الإمام الشهيد تلك المناهج كان يري كل هذه الثغرات ، ومواطن الضعف . فوضع مناهج منفتحة واثبة ، مغايرة لتلك المناهج العقيمة .

يقول الدكتور رؤوف شلبي: مناهج جديدة في العقيدة والتفسير والدعوة كانت مدرسة البنا التطبيقية لأهدافه وغاياته التي أعطي عليها العهد والميثاق هي (الإخوان المسلمين) .

فالإخوان المسلمين كانت- وما تزال- الطاقة الفعالة التي أعدها المرحوم حسن البنا كوسيلة لتحقيق أهدافه وغاياته التي لخصها في أن الله غايته والرسول زعيمه والجهاد سبيله ومنية النفس عنده إرضاء الله سبحانه وتعالي ونشر لواء التوحيد والرحمة بين البشر أجمعين.

والشيخ إذ وضح أفكاره وأماله وأهدافه وأعطي العهد علي تنفيذها فانه لم يتحرك في تحقيق هذه الأهداف من فراغ منهجي , ولا جعل نبل القصد وإخلاص النية أساسا للتحرك دون منهج بل وضع الشيخ الإمام الشهيد حسن البنا عدة مناهج.

لقد وضع منهجا جديدا في شرح العقيدة الإسلاميه واني لاعتبر أن كل الأفكار الحديثه في عرض أدلة التوحيد من خلال الأبحاث الكونية والطبيعية إنما كان مصدره منهج الإمام البنا رحمه الله في توضيح العقيدة للناس.

كذلك وضع منهجا جديدا في التفسير ... كان هدفه المباشر أن يتعرف الناس علي مقاصد القران بأسلوب مباشر بعيدا عن الحشو والفضول والزج بمسائل من عدة علوم قد لا يحتاج إليها المسلم في التعبد والسلوك ولعل حصيلة تفسير ((في ظلال القران)) كانت الفيض في معين منهج الشيخ حسن البنا رحمه الله.

كذلك أحيا مناهج الدعوة وأعاد للحركة الإسلاميه سيرتها السلفية:

  • فهو أول من عمد إلي دراسة البيئة المحلية ووضع لها علاج حسب مساحة الاجتماعي لها.
  • وأول من ارتفع فوق كل الخلافات المذهبية والسياسية وجعل العمل للدعوة أسمي من الزج به في متاهات التحرش والجدل.
  • وهو أول من أحيا سيرة المنهج النبوي في بناء الدولة الإسلامية بالتدرج والفهم,والإقناع والقوة لا بالبطش , والثورة, والإكراه.

وبهذه الأهداف والغايات, وبهذه المناهج استحق الشيخ حسن البنا أن يكون بحق هو المرشد للحركة الإسلاميه وأن يكون المجدد المخلص للسلفية الناصعة وأن يكون بحق الإمام الذي يقتدي به في العمل الإسلامي دون تقديس يرفعه عن منزلته العلمية وإمامته في القيادة للحركة الإسلاميه ذلك لأنه وضع الأمة الإسلامية بالفكر والسلوك علي طريق الخلافة الإسلامية ولولا أمور خارجة عن طبيعة المنهج والأهداف لقامت الدولة الإسلامية حسب الخطة لولا أن عواقب الأمور مرجعها لله ,(وما تشاؤن إلا إن يشاء الله) .

بعض الذين سبقوا الشيخ حسن البنا كانوا صائحين منادين بالإصلاح مفزوعين من عمل ثقل الأعداء مبهورين من وطأة استعمار العدو فارتبكوا في منهج العمل , هل هو إصلاح الراعي أو هل هو إصلاح الرعية أو هل هو في اللقاء بالثقافة الغربية نأخذ منها تقدمها لخدمة عقيدتنا..

فقد كان هناك ثلاثة مناهج قبل الإمام الشهيد مباشرة :

  • المنهج الأول هو منهج الإصلاح ويعتمد علي ثلاثة أمور : محاربة البدع والكهانة والسحر ، والعمل علي إصلاح التعليم العالي والإفادة من التعليم والفكر الغربي بما يوافق منهجنا ورسالتنا ، ومحاربة قوي الاستعمار . ومن رواد هذا المنهج محمد عبده في مصر ومحمد إقبال في الهند ونهضة العلماء في الجزائر .
  • والمنهج الثاني هو منهج الشيخ رشيد رضا ومدرسة المنار وهو قريب من المنهج الأول إلا أنه قد مسح مسحة حنبلية ومال للوهابية الدعوية بعدما خفت حدتها . وكانت لهذه المدرسة رؤية إصلاحية كذلك .
  • والمنهج الثالث ، منهج قام علي العنف والشدة ورفض كافة أنواع الثقافة الوافدة ، والدعوة للعودة للتراث الإسلامي بحذافيره وعلي رأس هؤلاء الوهابية في الحجاز ، وثمان بن فودي في نيجيريا والسنوسية في غرب إفريقيا وهكذا .

فجاء الإمام الشهيد وسط هذه المناهج المتباينة ليسطر مذهبه وليدمج المذاهب الإصلاحية وينتقل من التنظير المجرد ومخاطبة النخبويين هذا الصنيع الذي مارسه محمد عبده ، إلي التطبيق العملي والنزول للجماهير التي بيدها التغيير ومقاليد الأمور .

كذلك اختلفت المناهج نظريا بين الزعماء السابقين فلم يتركوا من حصيلة للعمل الإسلامي سوي خلافات مذهبيه حول الجماعة الإسلاميه أولي أم الجماعة العربية أولي ... واستغل الاستعمار هذا الخلاف ففرق الأمة الإسلامية حتى صارت دويلات ثم غزاها بالفكر الشيوعي فدخلت نوعيه جديدة في مفهوم الإصلاح الاجتماعي وهو ما سمي بالاشتراكية العربية.

أما الشيخ حسن البنا فقد وضع المناهج بعد إن وضحت الأهداف والغايات وأخذ في تطبيق المناهج.

فكانت حركة الإخوان المسلمين التي أبرزت خصائص الإسلام في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والعسكرية .... فاستحق أن يكون هو أول داعية إسلامي سلك مسلك السلف الصالح .

ومن أهم ما امتازت به رسالة الإخوان أنها رسالة ايجابيه فلطالما نادي المصلحون بضرورة إصلاح حال المسلمين ولكنهم لم يرسموا لذلك طريقا واضح المعالم فكان أشبه شيء بالطبيب الذي شخص الداء ولكنه لا يصف ولا يعرف الدواء .

أما الإخوان المسلمون فكان حينما يعرضون لمشاكل العالم الإسلامي وعلله يحرصون علي ذكر أسبابها, وهي البعد عن الإسلام والتخلي عن تعاليمه والانسياق مع الموجه المادية التحليلية التي يرمينا بها الغرب أما العلاج فهو العودة إلي الإسلام والأخذ بتعاليم القران ثم أدلو بدلوهم في عالم الاقتصاد فأسسوا الصناعات برؤوس أموال أسلاميه ...

وقد أيقن البريطانيون في فزع بالغ مدي ما يمكن أن يؤل إليه أمر هذي الجماعة من تهديد لسياسة الاستعمار الأوروبي علي وجه العموم والاستعمار البريطاني لمصر علي وجه الخصوص.. فلما كانت الحرب العالمية الثانية انتهزها البريطانيون فرصه للعمل علي القضاء علي هذه الجماعة .

ولقد قدم الإمام الشهيد روحه معروفا ووفاء للإسلام والدولة الإسلاميه ولقد أيقظ الشرق الإسلامي كله ووضعه علي طريق الهداية الصحيحة , وعلمه حسن الإخلاص ونبل المقاصد وكان قوة لحركات التحرير الإسلامي في جنوب شرق أسيا فأقض مضاجع الأوروبيين إن في الشرق العربي أو في الشرق الاقصي من بلاد المسلمين.

ومعني الوفاء له ليس بمعني إقامة صنم ,ولا الحزن علي استشهاده فالشهداء عند ربهم لهم مكانتهم ونورهم لكن الوفاء له بنشر فكرته خالصة كما دعا إليها وإبراز منهجه لكي يسير علي الهدي من شاء أن يتخذ لربه سبيلا .

وها نحن نضرب نموذجاً من عرض وأسلوب الإمام الشهيد في دعوته (منهج شرح العقيدة الإسلامية):

اتخذ الإمام الشهيد في شرح العقيدة الإسلاميه منهجا جديدا , لم يلجأ فيه إلي المصطلحات الفنية التي تواضع عليها العلماء المختصون بعلم الكلام كما أنه لم يحاول الخوض في النظريات الفلسفية , أو الأساليب المنطقية التي درج عليها المتكلمون المحترفون حين يعالجون هذه الموضوعات .

ولكن الإمام الشهيد اتخذ له منهجا جديدا في العرض منتسبا إلي السدرة الأولي التي إليها منتهي العلم والإيمان ، عصر النبوة الخاتمة فلجأ إلي القران الكريم والي السنة الشريفة المطهرة كما استعان بسيرة الصدر الأول من المؤمنين السابقين بهذا الدين لأنهم دون شك أصفي الناس فطرة وألينهم قلوبا وأدقهم إدراكا للمقاصد وأعرفهم بمواقع الألفاظ والجمل والتراكيب وأعذبهم تذوقا لدقائق المعاني والمشاعر وهم بهذا كانوا نماذج لأهل هذا الدين الحنيف .


منهج الشيخ حسن البنا في شرحه للعقيدة

ويتكون منهج الشيخ حسن البنا في شرحه للعقيدة من عدة نقاط:

الأولي: تتعلق بعناصر العقيدة الإسلامية فيتكلم عن:

  • الاعتقاد بوجود الواجب لذاته غير المستمد من سواه ووصفه جل وعلا بصفات الكمال كلها نتيجة للنظر في هذا الكون:
ويستدل علي ذلك العنصر بآيات من القران الكريم مثل (هو الله الذي لا اله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمان الرحيم) .
(هو الله الذي لا اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر)
  • نفي صفات المشابهة والنقص عن الخالق سبحانه لأن المادة تتحول والخالق بعيد عن وصف التحول:
ويستدل علي ذلك العنصر بآيات من القران مثل ( فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
(ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله إذا لذهب كل اله بما خلق ) .
  • عدم التعرض للحقيقة والماهية في الذات والصفات من حيث هما مع الاحتراس الدقيق بتقرير المخالفة بين ماهية ذات الله وصفاته المقدسة وماهية المخلوقات وصفاتهم الكثيرة المتغيرة الحادثة:
ويستدل علي ذلك بآيات من القران مثل (ذلكم الله ربكم لا اله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو علي كل شيء وكيل لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) .
وبالحديث الشريف (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا) .
وكان من منهج الإمام الشهيد في التخريج أنه يذكر جميع مصادره الحديثية ثم يعلق هو علي درجة الحديث أو إذا ارتضي هو تعليقا نقله ونوه عليه .
وإذا كان في العرض ما يثير الشبهة سارع الإمام إلي تحقيق المراد منها مثل قوله في التعقيب علي العنصر الثالث( ومن البديهي أن هذا الموقف لا يؤخذ علي الإسلام في شيء ولا يقال أنه حجر علي العقول وانتقاص من حرية الفكر فان العقل البشري وهو عماد العقيدة في الإسلام يقف إلي الآن موقف العجز المطلق أمام حقائق الأشياء جميعا وكل الذي وصل إليه إنما هو الخواص وبعض الآثار أما البسائط المجردة فلم يصل إلي حقيقتها بعد وما كان الإسلام ليكلف الناس مالا تستطيع أن تدركه العقول والأفهام .
  • رسم الطريق إلي معرفة صفات الخالق وإدراك كمالات الالوهيه ومميزاتها وأثارها ،ووسيلة ذلك :
1- النظر في الكون نظرا صحيحا .
2- تحرير العقول والأفكار من الموروثات والأهواء والأغراض حتى تصل إلي الحكم الصائب .
ويستدل علي هذا العنصر من القران الكريم بقوله تعالي (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء ..) (164-البقرة) .
وأيضا (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها...) .
ثم يعلق بقوله: (وهو في هذه الآية يحض علي اكتشاف خصائص النبات وغرائبه والحيوان والجماد ثم يرتب علي ذلك الخشية من الله إشارة إلي ما بين معرفة الكون والعلم به كذلك من صله) .
  • تقوية الصلة بين الوجدان الإنساني والخالق حتي يصل الإنسان بذلك إلي نوع من المعرفة الروحانية هو أعذب وأصدق أنواع المعرفة جميعا:
ويزيد الإمام الشهيد شرحاً وتوضيحاً بقوله (وذلك الوجدان الإنساني أقدر علي كشف المستورات غير المادية من الفكر المحدود ويستثير الخواص النفسية الكامنة في الإنسان لتسمو إلي حظائر الملأ الاعلي ..)
ثم يستدل علي هذا العنصر بآيات من القران الكريم مثل (الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
(وإذا مسكم الضر في البحر ضل ما تدعون إلا إياه) .
  • مطالبة المؤمنين بأن تظهر في أقوالهم وأفعالهم هذه العناصر الايمانيه العقدية ودليله من القران (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ......):
بهذا ا لتصوير التدقيق الشامل المقنع للفطرة وللعقل السليم من أمراض المواريث الاجتماعية والثقافية قدم الإمام الشهيد الاعتقاد في الله تعالي في صورة سهله مقنعه وأبعدها عن التخبط والتحريف والتفلسف بالباطل والجدل الذي يشتري الشهرة ولو علي حساب الحق والحقيقة لا سيما في أقدس العقائد وأمسها بحياة الإنسان في الدنيا والاخره.
وليس هناك شك في أن الذي يتذوق هذه المعاني السلسة السهلة الجميلة ليس في حاجة أبدا أن يحفظ مقالات علماء الكلام أن الواجب في حقه تعالي ثلاث عشرة صفه أو هي عشرون صفه .
يقول الدكتور رؤوف شلبي: وعلي هامش الموضوع وسط عرض منهج الإمام الشهيد في الاعتقاد أتذكر أنني كنت ليلة في مسجد بقرية من قري سومطره الشمالية تسمي اندي راليا لإلقاء درس بين المغرب والعشاء ومن عادة أهل هذي البلاد أن يجتمع الرجال في جانب والسيدات في جانب آخر من المسجد ويفصل بينهما فراغ ,وستاره سميكة فتؤدي السيدات صلاتهن دون أن يراهن أحد من الرجال ويستمعن إلي الدرس الديني دون أن يطلع عليهن أحد من الرجال وبعد أن انتهيت من الدرس خرجت سيده عجوز من تحت الستارة وقالت لي (يا سيدنا الشيخ لقد علمتمونا أن نؤمن بأن لله عشرين صفه ولكنني لم أجد من بينها صفة الرحمة مع أننا يجب أن نقرأ الفاتحة وفيها الرحمة مذكورة مرتين قبل الحمد وبعده فلما لم تعلمونا أن من صفات الله الواجبة لجلاله الرحمة .
وهكذا تتمرد الفطرة البسيطة علي تعقيدات علماء الكلام فقلت لها يا سيدتي إن الصفات العشرين التي حفظوها لك هي أفهام العلماء المتخصصين أما الصفات لله ففي القران الكريم لأن صفات الله لا يخبر بها أحد إلا الله واقرئي قول الله تعالي ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيما تدعوا فله الأسماء الحسني ..)

ثم يعرض تطور العقيدة الالهيه من خلال نظرة الدين الوضعي ويفند كل الآراء الوضعية:

كما يقيم الأدلة الفطرية وأدلة البداهة وأدلة الطبيعة والكون ويدعم هذا اللون من الأدلة بآيات من القران الكريم ومن نظام ذلك قوله ( علماء الكون من أعرف الناس بالله وأوثقهم اعتقادا به وكانت العلوم الكونية الطبيعية من الوسائل القريبة إلي معرفة الله والي هذا أشارت الآية الكريمة ((ألم تري أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود .......)) .
  • قصور العقل الإنساني ، وهذا العنصر يجئ في خطوات المنهج ليضع التفكير في الكون في موضعه الطبيعي الذي لا يحضه علي الغلواء وادعاء معرفة المستورات أو إنكارها أو إعادة معرفة كنهها:
وقد أجمع المفكرون أن قصارى ما يصل إليه من معرفة هو بعض المزايا والخصائص أما الحقائق المجردة والماهيات البسيطة فلم تقع في دائرة إدراكه بعد والراسخون في العلم والإيمان أنها لن تقع في إدراكه وأنه كلما حاول بحكم طبيعته الوصول إليها والحصول عليها أفلتت منه وتركت بين يديه بعض خصائصها وصفاتها .
وليس معني قصور العقل الإنساني عن إدراك حقيقة ذات الله وصفاته وقصور الحواس الانسانيه الكلية عن الوصول إلي شيء من ذلك ... ليس معناه العدم والجحود والإنكار وكما سلم العقل الإنساني والحس الإنساني بما لم يدركه من القوي المحيطة به فانه لزاما عليه أن يسلم برب هذي القوي ويسلم وجهه إليه (وأمرنا لنسلم لرب العالمين)

ثم يعرض موقف القران من الأخطاء التي وقعت فيها الشعوب في تصور العقيدة الصحيحة:

  • فتحدث عن قوم نوح من خلال الآيات ألقرانيه الكريمة قال تعالي (وقال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا , ومكروا مكرا كبارا .....) .
  • ويعرض لقوم إبراهيم فيعرض موقف سيدنا إبراهيم من عبادة الأصنام والكواكب , ويذكر أسماء السور التي ورد فيها حديث عن سيدنا إبراهيم يتعلق بمعالجة موضوع العقيدة مثل : محاجة سيدنا إبراهيم لقومه في عبادة الأصنام وكيف انتصر عليهم أروع انتصار في سورة الأنبياء من الآية رقم 51 إلي أخر الايه 71 .

وهكذا كان منهج الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله منهجاً عملياً ، يبث فيه الروح الإسلامية من ينابيعها الأولي صافية من كل شائبة وخلط ، بعيدا عن التفلسف والتخبط والجدال . أراد من هذا المنهج رسم الخريطة الكلية للعقل الجمعي النفعي أعني الذي يعود علي الأمة بالنفع والثمرة ، الذي يتعلم لينطلق يبني الأرض ويعمرها ، ويعتكف لينطلق بروح وثابة متألقة ، وليس الاعتكاف لغاية الاعتكاف ولا التعلم لغاية التعلم ، من غير فائدة تعود علي الأمة . ومن هنا كان منهج الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله في الدعوة .


المراجع

1- طارق البشري ، مقال بعنوان "المسألة القانونية بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي" ، ص1198 ، مجلة الأزهر يوليو 2011م .

2- رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ، العلمية للتراث .

3- الشيخ حسن البنا ومدرسة الإخوان المسلمون ، الدكتور رؤوف شلبي ، ط/ دار الأنصار .

4- صحيح مسلم بشرح النووي ، ط/ الأميرية .

5- مذكرات الإمام الشهيد ، ط/ دار الدعوة .

6- من أعلام العصر ، محمد رجب البيومي ، ط/ الدار المصرية اللبنانية .


Banna banner.jpg

للمزيد عن الإخوان والعقيدة

كتب متعلقة

ملفات ورسائل متعلقة

مقالات متعلقة

مقالات متعلقة

وصلات فيديو