حركة الإخوان المسلمين بالسودان.. النشأة والتأسيس

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٤:٥٤، ١٧ مايو ٢٠١١ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب'<center><font color="blue"><font size=5>''' نشأة حركة الإخوان المسلمين في السودان''' </font></font></center> '''بقلم: الشيخ ياس...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
نشأة حركة الإخوان المسلمين في السودان

بقلم: الشيخ ياسر عثمان جاد الله .. أمير جماعة الإخوان المسلمين (الإصلاح) بالسودان


مقدمة

التاريخ هو سجل الأحداث الواقعة في مسيرة الحياة لأمة من الأمم أو جماعة من الجماعات أو فرد من الأفراد المؤثرين في حركة الحياة والأحداث.

والتاريخ لا يسجله أحد؛ وإنما يسجل نفسه، ودور الناس هو تسجيل الملاحظات وتحليل الأحداث والربط بين بعضها البعض، أخذا للعظة والاعتبار (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب).

ولأن للتاريخ ودراسته والوقوف عند العبرة في أحداثه أهمية كبيرة في تثبيت القيم وأخذ العبرة؛ اهتم القرآن بقصص الأمم الماضية، والنبوات السابقة لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم، والأحداث العظيمة التي مرت عبر مسيرة البشرية الطويلة من لدن آدم عليه السلام، وحتى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. (نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون..) ( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين).

ولكثرة القصص في القرآن وارتباطها ببيان العقيدة ووحدانية الله تعالى وذكر الأنبياء الكرام وما حدث لهم مع أقوامهم، وذكر عاقبة الخير والشر والشكر و البطر والصبر و الجزع في كل قصة وذكر ماتضمنته بعد الأحداث من بيان أساليب الدعوة، وعاقبة الكفار المعاندين والمؤمنين الصادقين، وبيان نعم الله تعالى على عباده؛ نجد أن مفسري القرآن الكبار من أئمة التفسير كالإمام الطبري والإمام ابن كثير وغيرهم اهتموا بدراسة التاريخ وبرعوا فيه، وصنفوا فيه المصنفات حتى يتمكنوا من معرفة معاني القرآن وتأويل آياته تأويلا صحيحا موافقا للواقع، ثم ضمّنوا ما صح لديهم في مصنفاتهم في التفسير.

وحركة الدعوة وما تواجهه من خصومها الألداء من عداوة تحملهم على محاولة القضاء عليها في مهدها والعمل على إضعافها حتى لا تبلغ غاياتها وتحقق أهدافها؛ هي أولى بدراسة التاريخ وتوثيقه وتحليله وضبطه لأن في ذلك فوائد جمة يحتاجها الدعاة في كل عصر وزمان منها:

1ـ حفظ جهود العاملين المخلصين وتوثيقها لتكون دافعا للأجيال اللاحقة من الدعاة.

2ـ التعرف على فضل الله تعالى في نصر الدعوة والدعاة وتوفيقهم للمواقف الصحيحة، وحمايته للدعوة من كيد الأعداء، ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).

3ـ اكتشاف الأخطاء ومكامن الضعف وأسباب الانحراف؛ حيث لا يدرك ذلك بدون الوقوف على مسيرة الأحداث وتحليلها.

4ـ التعرف على الظروف الواقعية التي أحاطت بالأحداث حتى يحكم عليها وعلى صانعيها حكما عادلا لا يمكن بغير النظر في الظرف الموضوعي للحدث.

ومسيرة الإخوان المسلمين بالسودان مرت بظروف وأوضاع أثرت في مواقفها ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، ولست أدعي أنني عشت هذه الأحداث منذ الأربعينيات وحتى اليوم، ولكن اهتمامي بتأريخها وقراءة ما كُتب فيه ومجالستي لبعض الرواد الأوائل من عاش هذه الأحداث والمواقف ومشاركتي الفاعلة في مرحلة هامة من مراحل تاريخ هذه الجماعة بالسودان (أوائل السبعينيات من القرن الماضي وحتى مطلع هذا القرن) ومعرفتي اللصيقة بالتطورات التي شكلت الجماعة وأجنحتها المختلفة خلال هذه الحقبة المذكورة والتي هي أهم مراحل مسيرتها؛ فإنني أحاول أن أكتب هذه المقالات في (تاريخ حركة الإخوان المسلمين في السودان 1945 ـ 2009م) إسهاما مني في التعريف بهذه الجماعة ومراحل مسيرتها طيلة هذه المدة وأهم التطورات والأوضاع التي حدثت لها، وأقدم رؤيتي وتحليلي لهذه الأحداث بما يخدم إبراز تاريخها مبرأً من التعصب لجناح أو الانحياز لفريق دون الآخر، ولأنصف بعض من ظُلموا بغمض حقهم وإغفال دورهم، وللانتصاف ممن مارسوا التضليل ومحاولة اعتساف التاريخ بمنهج انتقائي موجه لجعل بعض الشخصيات هي التي صنعت الأحداث والتأريخ في الجماعة.

واعتقد أن هذا من حق الأجيال المسلمة بصفة عامة، وأجيال الإخوان في السودان والعالم الإسلامي خاصة مركز الجماعة الذي نشأت فيه في مصر الحبيبة.

وقد أحسنت قيادة الإخوان ممثلة في المرشد العام الأستاذ مهدي عاكف ومكتب الإرشاد بمصر حينما كون لجنة تهتم بكتابة تاريخ الإخوان في جميع أنحاء العالم، و قامت هذه اللجنة بجهد مقدر، أسأل الله تعالى أن يجزل لهم الثواب ويتقبله منهم، وإني لأرجو أن تكون هذه المقالات عونا لهم في هذه المهمة.

والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم.


النشأة و التكوين

اختلفت أقوال المؤرخين حول نشأة حركة الإخوان المسلمين بالسودان و الكيفية التي تكونت بها، وتبعا لهذا الاختلاف تباينت أقوالهم حول متى كانت النشأة؟ فبعضهم يقول كانت نشأة حركة الإخوان المسلميب بالسودان في العام 1945م، وبعضهم يقول في العام 1954م.

والسبب في هذا التباين في نظري يرجع إلى أن البدايات كانت متعددة قبل 1954م، ولكنها في المؤتمر الأول للجماعة عام 1954م تم جمع كل هذه التكوينات والاتفاق على الاجتماع على اسم الإخوان المسلمين.

ومن الحقائق التاريخية الهامة التي لا يجوز لأحد تجاوزها أن الإمام حسن البنا أوفد وفدا إلى السودان في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، وعمل هذا الوفد على تكوين شعبة للإخوان بالسودان، وأوكل إلى الشيخ الأستاذ على طالب الله قيادة هذه المجموعة والعمل عبر مكونات الشعب السوداني الدينية والاجتماعية لبناء جماعة الإخوان المسلمين، وبالفعل تم في عام 1945م العمل باسم جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الشيخ على طالب الله ومركزها في أمدرمان، وركزت على التجمعات الدينية الصوفية التي تشكل خارطة العمل الإسلامي بالسودان في تلك الحقبة، وتكثف التواصل مع القيادات الروحية والاجتماعية حيث كانت الفكرة بناء قاعدة شعبية للجماعة على نمط حركة الإخوان الأم بمصر.

وفي نفس هذه الفترة في نهاية الأربعينيات تكونت في مدرسة حنتوب الثانوية حركة من الطلاب أسموها (حركة التحرير الإسلامي) على رأسها الأستاذ بابكر كرار وآخرين سيأتي ذكرهم بإذن الله، وكانت تهدف إلى مقاومة حركة التغريب التي يقودها الاستعمار الإنجليزي، والتصدي للحركة الشيوعية التي ازدهرت في الوسط الطلابي السوداني، وقد تواصل جهدها وتنامت حركتها بجامعة الخرطوم التي أُعدت لتكون قلعة التغريب، وبالتالي فإن هذه الحركة ركزت على التجمعات الطلابية في المدراس الثانوية والجامعة والمعاهد في تلك الحقبة مما جعل النمط الغالب عليها هو المثقفون.

ومن الحقائق التاريخية التي لا يجوز إغفالها هو أن كلا من التكوينين لم يكونا على علم ببعضهما البعض عند النشأة و التكوين، وإن التكوين الأول بقيادة على طالب الله كان في محيط ومجال واسع وبرعاية مصرية كاملة من قيادة الإخوان في مصر، أما التكوين الآخر (حركة التحرير الإسلامي) فقد كان في محيط محدود، وليست له أي صلة بقيادة خارجية.

غير أن مجموعة حركة التحرير الإسلامي وبعد انتقالها إلى جامعة الخرطوم وتناميها في الجامعة، ودخولها في صراع قوي مع الحركة الشيوعية أبرزها للرأي العام؛ فبادر الشيوعيون بنسبتها إلى جماعة الإخوان المسلمين المصرية واعتبروها جزءا منها، الأمر الذي دفع كثيرا من الشباب المنتمي إليها الى الاقتناع بأنهم جزء من حركة الإخوان المسلمين وتعمق ذلك الإحساس عندهم، وساعد على ذلك تطور الأحداث في العالم الإسلامي عامة وفي فلسطين خاصة، حيث أعلن اليهود في العام 1948م عن قيام دولتهم ووطنهم القومي (إسرائيل) بالقوة والمذابح للشعب الفلسطيني، مما حرك مشاعر المسلمين في العالم الإسلامي عامة وفي مصر على وجه الخصوص، وقامت حركة الإخوان في مصر بقيادة تيار الجهاد لتحرير فلسطين وطرد اليهود، مما عمق ارتباط الأمة وجدانيا بهذه الحركة الإسلامية القوية، وزاد هذا الارتباط والتعاطف حين حُلت الجماعة واغتيل مؤسسها الأستاذ الإمام الشهيد حسن البنا، وهاجر عدد كبير من الإخوان المصريين إلى السودان من مختلف التخصصات، وأسهم ذلك في تركيز الجهود لبناء حركة إخوانية شاملة لكل قطاعات لكل قطاعات المجتمع، وأدى ذلك إلى أول تميز تنظيمي قياده رموز حركة التحرير الإسلامي بقيادة بابكر كرار وميرغني النصري. وتسمت تلك المجموعة باسم الحزب الاشتراكي الإسلامي، وذلك حفاظا على استقلاليتها عن جماعة الإخوان المسلمين.

وفي أطار عملية الدمج بين الحركتين: الحركة الإخوانية الشعبية، والحركة الإخوانية الطلابية، ليكونا حركة الإخوان المسلمين، وقع أول خلاف حول اسم الحركة وتبعيتها لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، والقيادة المناسبة لذلك العمل الكبير، والتحديات الكبيرة التي تقف أمامه ( الوجود الاستعماري، والحركة الشيوعية، و النشاط المأسوني المحموم، حركة وحدة وادي النيل، والحركة الاستقلالية والصراع السياسي بينهما، وبروز الكيان الصهيوني، و الضغوط على الحركة الإسلامية في مصر).

وقد حسم هذا الخلاف في مؤتمر الجماعة الأول في العام 1954م، والذي اعتبر ان اسم الحركة هو الإخوان المسلمين، واعتبرها امتدادا للحركة الإخوانية في مصر مع الاستقلال التنظيمي كتنظيم قطري.