حامد عسكرية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

حامد عسكرية.. العالم المجاهد الذي نسيناه

من ذاكرة تاريخ الإخوان المسلمين

تمر السنون تلو السنين، والأيام تلاحقها الأيام، وينجلي الليل، ويتنفس الصباح، وتُطوَى الذكريات، غير أن ذكرى الصالحين تظل نسيمًا للعليل، وبلسمًا للمريض، وعِبرةً للسائرين على طريق رب العالمين وموعظة للمتقين.


لقد كان الشيخ عالمًا جليلاً، وواعظًا صادقًا، ومجاهدًا عاملاً، ظل محافظًا على بيعته مع الله والتي اقتطعها على نفسه، فكان من السابقين الصادقين في بيعته مع الإمام الشهيد حسن البنا، وكان صديقًا للإمام قبل نشأةِ الإخوانِ المسلمين، وفي هذا الصدد يقول الأستاذ البنا: "وعمل الزمن عمله فتفرقنا نحن الأربعة، فكان أحمد أفندي السكري بالمحمودية، وكان الشيخ حامد عسكرية بالزقازيق، وكان الشيخ أحمد عبد الحميد بكفر الدوار، وكنت أنا بالإسماعيلية".


وفي الإسماعيلية بايع الإمام البنا ستةُ نفر كانوا بمثابةِ اللبنةِ الأولى لجماعة الإخوان المسلمين، وهم حافظ عبد الحميد "نجار"، وأحمد الحصري "حلاق"، وفؤاد إبراهيم "مكوجي"، وعبد الرحمن حسب الله "سائق"، وإسماعيل عزّ "جنايني" وزكي المغربي "عجلاتي"، فكانوا هم أول من بايع الإمام البنا، وسرعان ما انضمَّ إلى قافلة الصالحين الشيخ حامد عسكرية والشيخ محمد فرغلي، ومنذ اللحظة الأولى وضع الشيخ عسكرية نفسَه في خدمةِ الدعوة وإخوانه، وقد شمَّر عن سواعده في التصدي للمنكرات والحملات التبشيرية.



مولده

وُلِد الشيخ عسكرية في قرية الطيبة بمحافظة الشرقية، وحفظ القرآن صغيرًا، والتحق بالأزهر الشريف، وتخرَّج منه، وعُيِّن واعظًا بالزقازيق، وكما ذكرنا كان صدِيقًا للإمام البنا، وعندما انتقل الإمام إلى الإسماعيلية وعُيِّن بها مدرسًا عام 1927م وأسَّس جماعة الإخوان.. التقى به الشيخ عسكرية وتبَايَعا على العمل لنصرة الإسلام.

يا شباب الإسلام حثوا خطاكم أدركوا الأمةَ التي خدعوها احملوا العبْء وحدكم ليس في ودعوا عصبة الخنوثة سكرى سدَّد الله للمعالي خطاكم


تدركوا عزةَ الشبابِ الأولى فأصاخت لتسمعَ التضليلا الأرض مجالٌ ترونه مستحيلا يؤثرون العناقَ والتقبيلا ورعاكم على العَرِين شبولا

ولقد كتب الإمام البنا يزكِّي الشيخ حامد عسكرية وإخوانَه في رسالة (دعوتنا) تحت عنوان (الإخوان في نفوس أربعة) فقال: "ولَّيت وجهي شطر الأصدقاء والإخوان ممن جمعني وإياهم عهدُ الطلب وصدقُ الودِّ والشعورُ بالواجب، فوجدت استعدادًا حسنًا، وكان أسرعَهم مبادرةً إلى مشاركتي عبءَ التفكيرِ وأكثرهم اقتناعًا بوجوب العمل في إسراع وهمة الإخوة الفضلاء الأستاذ أحمد السكري، والأخ المفضال المرحوم الشيخ حامد عسكرية أسكنه الله فسيح جناته، والأخ الشيخ أحمد عبد الحميد، وكثيرٌ غيرهم، وكان عهدًا وكان موثقًا أن يعملَ كلٌّ منا لهذه الغاية حتى يتحوَّل العرف العام في الأمة إلى وجهة إسلامية صالحة"، وصدق الشاعر الذي قال:


قيَّض الله للمعالي شبابا ورأت مصر مَن سيكتب فيها إخوة أُشرِبوا الكمالَ فما خلقٌ طاهرٌ وقلبٌ نبيلٌ آثروا الله فاستساغوا التفاني


يمنع اليوم ركنها أن تميلا شيخة السوء والسباب الدخيلا يُلفون إلا إليه حثُّوا الرحيلا جانب السوء واحتوى المرذولا وامتطوا نافرَ الصِّعاب ذَلولا



نشاطه الفكري والدعوي

انتقل الشيخ عسكرية من الزقازيق إلى شبراخيت بالبحيرة للعمل بها واعظًا، فأخذ على عاتقه نشرَ دعوة الإخوان بها، وأنشأ بها شعبةً لهم في يونيو 1930، فنشطت هذه الشعبة لنشر الدعوة والتصدِّي للمبشرين، كما أن الشيخ كتب في مجلة (الإخوان المسلمون) الأسبوعية مقالاتٍ يدافع فيها عن السُّنة النبوية وعن الشبهات التي تُثار حولها، ولم تفتر همتُه يومًا ما وتمثَّل بقول الشاعر:


إذا رُمت أن تحظى من الله بالرضا فحافظْ على الأعمال والوقت واتَّخذْ وظن يخلق الله خيرًا ولا تثقْ ولازِمْ كتابَ الله واعملْ بأمرهِ


وتلقى بدنياك النعيمَ المعجَّلا لنفسك تقوى الله حِصنًا ومؤملا بعبد وصاحبْ مَن على الله أقبلا وعقلَك صُنهُ فهْو بالحقِّ أُنزلَ


ولقد اختار مجلس شورى الإخوان الأول المنعقد في عام 1352هـ- 1933م الشيخَ عسكرية عضًوا منتدبًا في أول هيئة مكتب للإرشاد العام للإخوان المسلمين، ثم تم اختيارُه وكيلاً لمجلس الشورى العام، وذلك في المؤتمر الثاني لمجلس الشورى المنعَقِد في يناير 1934.


ولقد قدم الشيخ النفسَ والمالَ في خدمة الدعوة، وكان من المساهمين في إنشاء مطبعةٍ للإخوانِ المسلمين وجريدةٍ لهم مع إخوة آخرين، كما أنه رَأَس اللجنةَ التي وَضعت لائحةَ الزكاةِ داخل جماعة الإخوان المسلمين، وكان ذلك عام 1935 والتي اعتمدها مكتب الإرشاد.


ولقد تميَّز الشيخ حامد عسكرية بخفةِ الروح، وبلاغةِ التعبير، وفصاحةِ المنطق، وجاذبيةٍ تشع أنوار التقى من قسمات وجهه النبيل، ولقد عمل على التقرب من الله بكل الطاعات، فخرج حاجًّا ملبيًا لله في بعثة الإخوان والتي أرسلها الأستاذ حسن البنا عام1936، ونوَّهت لهذه الرحلة جريدة أم القرى كبرى الجرائد السعودية، ولقد انتقل الشيخ واعظًا بمركز شبين الكوم بالمنوفية، وظلَّ الشيخ ثابتًا على دينه حتى توفاه الله.



وفاته

تُوفي الشيخ وهو ما زال في ريعان شبابه في إشراقة شمس الأحد 16 شوال 1356= ديسمبر1937، ولقد دُفن في مسقط رأسه بقرية الطيبة، ولقد حرص الأستاذ حسن البنا على تشييعِ جنازة صديقه ورفيقه حتى واراه التراب، كما حرص الإخوان في كل مكان على تشييع جثمان هذا العالم المجاهد الذي قضى نحبه وهو ثابتٌ على طريق ربه، وبذلك تنطوي صفحة مجاهدٍ ثبَت على شعار دعوته: الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.


إن ثمار غرسك لم تنسك فستظل في قلوبنا، تشع همتك في نفوسنا للعمل لدين الله، وتعطينا الحميةَ والدفعَ للعمل لدعوة الله، وسنظل جنودًا لله، ونسأله أن يثبِّتَنا حتى نلقاه.

عبده مصطفى دسوقي دراسات عليا في التاريخ الحديث- جامعة القاهرة

[email protected]



المراجع:

1- مجلة (الإخوان المسلمون) الأسبوعية (الثلاثينيات).

2- أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين- جمعة أمين عبد العزيز- الكتاب الثاني- دار التوزيع والنشر الإسلامية 2003.

3- رسائل الإمام البنا- دار الدعوة- 1998.

4- مذكرات الدعوة والداعية- الأستاذ حسن البنا- دار التوزيع والنشر الإسلامية (1986).