حادث مجلس الأمن 22 من أغسطس 1947م

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حادث مجلس الأمن 22 من أغسطس 1947 م

إعداد: أحمد حسن علي

Orabi trial.gif

عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 م، بدأت الجماهير المصرية تتطلع إلى غدٍ جديد، تتمتع فيه بالحرية والاستقلال بعيدًا عن أغلال الاستعمار الإنجليزي، إلا أن مطالبها واجهها- كالعادة- التسويف والتأجيل والمراوغات البريطانية، واستمرار لعبة المفاوضات العبثية، وبدا أن تلك المحاولات تخطاها الزمن، فلا بد من الدخول في لعبة جديدة، وإلا فالكارثة يمكن أن تلحق بالجميع، وتَفَتَّقَ ذهن النقراشي باشا عن حيلة، وهي: قرار قطع المفاوضات مع الإنجليز، وعرض القضية المصرية في مجلس الأمن، وأنه أعلن استجابته لمطالب البلاد، فقد كان المعتاد هو ميدان المفاوضات الثنائية بين مصر وبريطانيا، وتذهب الوفود من الجانبين حاملة اقتراحات وتوصيات، تعد جزءًا يسيرًا مما تتوق إليه أحلام المصريين، فتفشل المفاوضات، وينتهي الأمر بتغيير الوزارة، لكن تعود الوزارة التي تليها إلى الحلقة المفرغة التي لا تنتهي وهكذا دواليك.

ونظرًا للحراك السياسي الذي أشعله الإخوان المسلمون في الشارع المصري والريف، وردهات الجامعة، مستخدمين كل الوسائل من الخطب والمحاضرات، وقيادة المظاهرات التي توجت بمظاهرة كوبري عباس، التي اعتقل فيها مئات الطلبة بقيادة مصطفى مؤمن (الدكتور مهندس مصطفى مؤمن فيما بعد)، فكان لا بد من لعبة جديدة، وقد كان.

واتفق المصريون والبريطانيون بعد اجتماع عقدوه مع الدكتور أوسكار لانج- رئيس مجلس الأمن- على أن تبدأ مناقشة القضية المصرية في 5 من أغسطس 1947 م، وعلى ذلك ذهب الوفد المصري الرسمي بقيادة رئيس الوزراء النقراشي باشا، تحدوه آمال عريضة في أن الدول التي تنادي بالحريات والمساواة بين الأمم ستنتصر ل مصر في طلبها العادل، إلا أن جلسة مجلس الأمن ألقت تلك الأوهام جانبًا.

وبدا التحيز الغربي ضد مصر سافرًا، وبدون حجاب، حتى الدول التي كانت تبدي صداقتها ل مصر لآخر لحظة سارت مع أغلبية المجلس، الذي أجمع على حل وسط بأن تستأنف المفاوضات بين الدولتين، على أن تحيط المجلس علمًا بتطورها، وأوشكت القضية المصرية أن تكون كرة يتقاذفها اللاعبون الكبار في مجلس الأمن.

واستطاع فارس الخوري بك أن يجعل القضية تنظر في موعدها بعد الظهر، وتخصص كاملة للنظر في قضية مصر، وبذلك تجنب المناورات التي كان يحتمل أن تؤدي إلى أخذ أصوات الأعضاء على مسألة التأجيل أو غيرها.

وافتتحت جلسة بعد الظهر في موعدها يوم 22 من أغسطس 1947 م، ولكن حادثًا لم يسبق له مثيل في تاريخ المجلس وقع في مستهلها، ونترك لمراسل جريدة (المصري) الخاص رواية تلك الحادثة: ".. فإن الأستاذ مصطفى مؤمن ما كاد يرى النقراشي باشا يحتل مكانه المعتاد، ليلقي بيانه حتى خرج من مكان المتفرجين إلى مكان الأعضاء والسكرتيرين، فطلب الرئيس منه أن يلزم النظام، ثم دعا الحراس لإخراجه من قاعة المجلس، وكان الأستاذ مؤمن يلبس الطربوش كعادته هنا دائمًا، وقد علمت أن الأستاذ مؤمن كان يريد أن يخطب في أعضاء المجلس باسم الشعب المصري.

وجاء في الكلمة التي استطاع إلقاءها ما يلي: سيدي الرئيس، أتقدم إليكم باسم جميع شعوب الشرق الأوسط، وبالنيابة عن الإخوان المسلمين، نحن نطالب أن تعامل قضيتنا بالعدالة التي أصبحت جديرة بها، فإذا لم يحدث ذلك فإن ألوفًا من الناس سيبذلون حياتهم رخيصةً في الكفاح من أجل حرية بلادهم.

[[ملف:الأستاذ مصطفى مؤمن أمام الأمم المتحدة عام 1947م ممسكا بوثيقة كتبت بدم الإخوان مطالبا بالتحرر من المستعمر الانجليزي .gif|340بك|center|تصغير|

الأستاذ مصطفى مؤمن أمام الأمم المتحدة عام 1947م

]]

ثم قال وهو يلوح بأوراق معه: ونحن نطالب بالحرية، ولكن حارسين من حراس هيئة الأمم المتحدة الذين يرتدون ملابس رسمية زرقاء اللون يصحبهما ضباط الأمن أخرجوه من القاعة، ولكنه ظل يخطب بصوت عالٍ حتى خرج، فساد الذهول أعضاء المجلس، وكانت أنظارهم تتجه إلى المكان الذي خرج منه، بعد أن قام بأول مظاهرة شعبية ساخنة في ساحة المجلس؛ ليذكر أعضاءه بالحقوق المهضومة التي يسكتون على هضمها وهم مرتاحو الضمير، كأنهم لا يقبرون الحريات ويقتلون حقوق الأمم.

ولما أعيد النظام إلى نصابه ألقى النقراشي بيانه، وأكد أن النزاع الحالي يستوجب الاستعجال، وليس من النوع الذي يمكن التسويف والتأجيل فيه.

وبعد أن خرج الأستاذ مصطفى مؤمن من الجلسة، تبعه بعض مندوبي الصحف إلى قاعة الصحافة الواقعة خلف قاعة مجلس الأمن مباشرة، فخطب فيهم قائلاً: "أيها السادة، أريد أن أكرر عليكم ما أبلغته لمجلس الأمن قبل مناقشة المسألة المصرية اليوم، فإني أعلن أولاً أن استئناف المفاوضات سيلقى مقاومة شعب وادي النيل بأسره، وأعلن ثانية أن فصم عرى وحدة وادي النيل ستضر السلام العالمي، وأعلن ثالثًا أن الدول الكبرى تسعى إلى مصالحها الاستعمارية دون النظر إلى مصالح الأمم المهضومة.

الحقوق ستدفع هذه الهيئة إلى المصير نفسه الذي اندفعت إليه عصبة الأمم، أي الموت والاندثار من عالم الوجود، وقد تلقيت من القاهرة اليوم وثيقة كتبها شباب مصر بدمهم، وهم يعربون فيها عن الرأي الذي أبديته لكم الآن تمامًا، وما يجمع شعب وادي النيل عليه هو تطهير جبين البلاد من وصمة الاحتلال البريطاني فورًا، وإنهاء نظام الحكم التعسفي الذي أقاموه لأغراضهم الخاصة في السودان".

وطيرت وكالات الأنباء العالمية هذه الحادثة، بالإضافة إلى موقف مندوبي الدول في مجلس الأمن الدولي نحو قضية مصر وآمال المصريين، وما ترتب عليه من حدوث موجة استياء عامة بين شتى طبقات الشعب ومختلف هيئاته، وخرجت المظاهرات من جامع الأزهر عقب صلاة الجمعة، واستمرت مستعرة إلى ميدان الملكة فريدة.

ولم تجد الحكومة بدًا لإطفاء تلك النار المستعرة من إطلاق النار على المتظاهرين للإرهاب، وظل إطلاق النار بشدة مدة غير قليلة، فتراجع المتظاهرون وخلف إطلاق النار وراءه ثلاثة قتلى و37 جريحًا، وأصيب الأستاذ المرشد حسن البنا في أذنه وخده بحجر، كما أصيب بضربة في يده، وامتد لهيب المظاهرات إلى الأقاليم و الإسكندرية، وقد وصلت أنباء المظاهرات التي حدث في القاهرة إلى الوفود في مجلس الأمن، حينما اجتمعوا في جلسة صباح اليوم، وقد علق "والتر سمارت" على هذه الأنباء بقوله: "إنه يخشى أن تكون الحالة قد تطورت فأصبحت خطيرة للغاية".

وكتب مراسل (الأسوشيتدبرس) في هيئة الأمم تعليقًا على الحادثة يقول: "... فعندما وقف الأستاذ مؤمن في الممر المذكور، بعد أن غادر مكانه في الجزء المخصص للمتفرجين، وبدأ يتحدث بأعلى صوته قبل أن يلقى النقراشي باشا خطابه، قاده الحراس بالقوة وأخرجوه من المجلس، وقد كان مصطفى مؤمن يحضر اجتماعات المجلس على الدوام، وكان يحث المندوبين في خارج المجلس على تأييد وحدة وادي النيل.

وقد حاول الأستاذ مصطفى مؤمن أن يقاوم الحراس، وأن يستمر في حديثه، ولكن ضاعت محاولته هباءً، وقد جره الحراس وكانت تبدو على وجهه الملتحي ملامح الجد- إلى غرفة جلوس الصحفيين، حيث أعاد عليهم ما كان يريد أن يقوله.

ولكن صرح مصطفى مؤمن لمراسل (الأسوشيتدبرس) بعد وقوع حوادث القاهرة بأنه قرأ في الصحف أنباء الاضطرابات في القاهرة، وقال مصطفى مؤمن كذلك: إنه قد أرسل برقية إلى فارس الخوري - رئيس مجلس الأمن- محتجًا فيها على إخراجه من المجلس، مما منعه من عرض وجهة نظره على مجلس الأمن على حد قوله: وهذا هو نص البرقية: "أحتج بشدة على منعي- على الرغم من حق التعبير- من إتمام شرح وجهة نظري أمام مجلس الأمن، ذلك المجلس الذي يسير على سياسة- أو بالأحرى مؤامرة- عصبة الأمم القديمة، وحدة وادي النيل الحر، أو هزيمة السلام العالمي، سوف يحصل شعبنا على حريته بأيديه".

ولم يكتف الأستاذ مصطفى مؤمن بهذه المحاولة الجريئة لعرض وجهة نظر مصر في مجلس الأمن، ولكن حاول مرة ثانية هو والأستاذ أحمد كامل قطب عندما دخلا إلى حجرة الوفود، وحاول الأستاذ كامل قطب أن يلوم النقراشي باشا على تصرفاته إزاء المظاهرة التي قام بها في قاعة المجلس يوم الجمعة الماضي، وبدأ في توبيخ النقراشي باشا لوصفه إياه بأنه مجرم، ورد الصاع صاعين للنقراشي، وقال له: "إن المجرم هو أنت، لا أنا"، ودخل حرس المجلس إلى حجرة الوفود، وأخرجوه، واشتبك معهم، ووقع على الأرض وهو يهتف: "يسقط مجلس الأمن"، وعندئذ تدخل الأستاذ مصطفى مؤمن في الأمر، وهتف هو الآخر: "يسقط مجلس الأمن، إننا نريد أن نحصل على استقلالنا".

ثم التفت الأستاذ مصطفى مؤمن إلى الحرس، وقال لهم: "إنكم لا تستطيعون منعي من حضور اجتماع المجلس".

ثم طالبهم أن يمهدوا له مقابلة السيد فارس الخوري- رئيس المجلس- وصاح: "لا يستطيع أحد أن يمنعني من الدخول"، فأجابه الحراس بأن لديهم تعليمات بمنعه هو وزميله الأستاذ قطب من دخول المجلس، وأخيرًا سمح للأستاذ مؤمن بالدخول، فجلس في مكان الصحفيين، وتمكن الأستاذ قطب هو الآخر من الدخول والجلوس في مكان الصحفيين، فذهب إليه الحراس وتحدثوا إليه، كما تحدثوا إلى الأستاذ مؤمن، ورفض الأستاذ قطب أن يغادر مقعده.

وبعد بذل مجهود عنيف، تمكن الحرس من إخراجهما معًا إلى مقر الهيئة، وكان الأستاذ قطب يهتف: "إننا نريد استقلالنا، يسقط مجلس الأمن"، وتمكن الأستاذان من العودة إلى قاعة المجلس مرة أخرى بعد إخراجهما بحوالي 20 دقيقة، وعندما طلب إليهما الحراس الخروج مرة ثانية تعالت هتافاتهما: "ليسقط الاستعمار، إننا هنا لنحارب من أجل حرية بلادنا".

واصطحبهما الحرس إلى الباب الرئيسي لمقر إقامة الحرس، ولحق بهم المستر ويليم ستونمان- أحد مساعدي المستر تريجفي لي- وقال للأستاذين مؤمن و قطب: "إنكما تستغلان معاملتنا لكما كرجال متمدينين، بينما تتصرفان تصرفات أطفال، ولن تستطيعا بمثل هذه التصرفات أن تكسبا شيئًا لقضية بلادكما".

ثم أجبرهما الحرس على الدخول إلى سيارة، وقالوا: إن التعليمات صدرت إليهم باصطحابهما إلى وسط مدينة نيويورك، وتركهما هناك، وعدم السماح لهما بدخول مقر هيئة الأمم بعد ذلك.

وكان من المنتظر أن يشكر النقراشي صنيع الأستاذ مصطفى مؤمن وإصراره على إيصال كلمة الشعب المصري داخل المجلس، ولكن الرسالة التي أرسلها الأستاذ مصطفى مؤمن إلى جريدة (المصري) بتاريخ 6/9/1947 م، تكشف قدر المعاناة وحجم التضحيات، وجملة الصعوبات التي لاقها من الصديق والبلد التي من المفترض أنه يتحدث باسمها.

يقول الأستاذ مؤمن: "أنا صائم منذ جئت إلى نيويورك، إن مهمتنا هنا الدعاية، وهي مهمة تستغرق وقت صاحبها على نحو غريب، إن الدعاية سلاح بتار، وخاصة في أمريكا التي يشابه تاريخها تاريخنا إلى حد كبير، فقد ناضل الأمريكيون البريطانيين، ونحن نناضلهم، وعارضوهم في فصل الولايات الجنوبية عن الشمالية، ونحن نعارضهم في فصل جنوب الوادي عن شماله، وكانت صيحة زعيمهم "باتريك هنري" هي صيحتنا الآن: "أعطونا الحرية أو أعطونا الموت".

والدعاية سلاح خصمنا، فلا مناص من أن نشهر نحن أيضًا هذا السلاح "فلا يفل الحديد إلا الحديد".

ولا أظن أن مسافرًا قد أسيئت معاملته كما أسيء إليَّ، فقد حرمت من الحصول على مبلغ العشرين جنيهًا المصرح باستبدالها لكل مسافر إلى الخارج، ولم أستطع الحصول على المبلغ المقرر قانونًا، وهو 75 جنيهًا في الشهر لكل مسافر في استشفاء أو راحة، ويعلم وزير ماليتنا أنه قد خوطب في ذلك مرارًا، فكان جوابه مطالبتي بالشكوى لدى رئيس الحكومة، الذي لم يصرف لي حتى الآن إلا خمسين جنيهًا، وذلك بعد مضي أكثر من شهر، ثم قرر الامتناع عن استبدال أي نقد بعد تلك المرة.

إن مصاريف الدعاية هنا قد كلفتنا الكثير، ومنذ جئت إلى نيويورك وأنا صائم، لا لأن عادتي أن أصوم على سفر، وإنما تقتيرًا على النفس وتوفيرًا لما أنفقه في سبيل الدعاية لقضية البلاد.

ومن الصعوبات الأخرى التي صادفتنا محاربة العدو والصديق لنا، أما العدو فهم البريطانيون الذين سخروا أموالهم ليشهروا بي، ويصفوني بأنني "محرض سياسي" أو "فوضوي" أو "مشاغب محترف"، حتى إن كبيرهم "كادوجان" قد وصفني في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن بأنني قد أحدثت خرقًا في التقاليد الدولية تطبيقًا لمبدأ احتراف الشغب الذي أدين به.

أبناؤنا يحتلون الصدارة

أما الخطوات التي حققناها في برنامج الدعاية فتتلخص فيما يلي:

1- بدأت برنامج الدعاية بالتعرف على الصحفيين، فعقدت مؤتمرًا لهم في هيئة الأمم المتحدة، وألقيت عليهم موضوع قضيتنا بشيء من الإطناب، ووزعت عليهم مطبوعًا كنت قد أعددته لهذا الغرض.

2- أذعت خطابًا من محطة هيئة الأمم عن تضحيات مصر في ظروف الحرب، وسُجِّل هذا الخطاب، وأعيدت إذاعته مرةً أخرى.

3- الاتصال بالهيئات ذات النفوذ في الرأي العام الأمريكي، مثل هيئة الإخاء الدولي التي عقدت مؤتمرًا عالميًّا بصحراء "ألامو جوردو" بمناسبة الذكرى الثانية لإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما، وانتدبنتي ممثلاً عن الشرق الأوسط العربي، وألقيت فيه خطابًا عن قضية البلاد انتهى باتخاذ قرار بمساعدة مصر في نضالها، وبلغ ذلك للسكرتير العام "تريجف لي".

4- كتبت مقالاً في الصحيفة المسماة "أيديتور آندياليليش"، وتعرضت فيه لقضية البلاد بشيء من الإيجاز.

5- توزيع مذكرات عن المفاوضات السابقة وسقوط معاهدتي سنة 1899 م سنة 1926 م.

6- ألقيت عدة محاضرات في الجامعات والحفلات، والحقيقة أن هذه الوسائل لم تحتل المكانة التي كنت أرجوها لها، ولكن ما إن تبين اتجاه مجلس الأمن نحو قضيتنا حتى بدأت أفكر في طرائق أخرى لها طابع العنف والشذوذ، لتحرك هذا الشعب، ولتصور في وقوعها حالة الشعب المصري السوداني الذي يبيت في هذه الأوقات على "حسك السعدان"، كما يقول المثل العربي.

وكان أن اقترن هذا التفكير بوصول مذكرة أو وثيقة قد كتبها بعض شباب الوادي بدمائهم، واتفق أن كان وصولها وقت حدوث مظاهرات القاهرة، فما كان لي من حيلة إلا أن أضع أمام هذا المجلس أو العصابة صورة لحالة الشعب الثائر، واعتبر الحادث لأنه الأول من نوعه مادة صحافية كبرى، فأخذت تكتب عنها الصحف في أولى صفحاتها، وتنشر صورًا عدة، وكان حقًّا ما قاله سعادة سفير مصر للصحافيين: "هذه أول مرة تكتب الصحف الأمريكية عن مصر في صفحاتها الأولى، وبهذه العناوين الكبرى"، شتان بين هذا القول الوطني الحر وما قاله وزير تجارتنا "الممدوح" لمندوب الوكالة الفرنسية: "إنه تظاهر في غير محله، إنه لن يعدو أن يكون عمل فردين يسعيان وراء الإعلان عن نفسيهما".

وعلى كثرة ما سودت "كتيبة الشيطان" الصفحات في ذم الإخوان، لم تمر هذه الحادثة في كافة دراساتهم مرورًا عابرًا، لأنها تفضح مقولاتهم واتهاماتهم، وتنقضها نقضًا، ف المرشد العام على رأس المظاهرة، ويصاب ويجرح، وأحد شباب الإخوان ذو الرابعة والعشرين يقتحم عرين مجلس الأمن، عارضًا قضية مصر في ثقةٍ وثباتٍ لم يسبق له مثيل في تاريخ المجلس.