جنازة "الهضيبي" استفتاء جديد على شعبية (الإخوان المسلمون)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
جنازة "الهضيبي" استفتاء جديد على شعبية ( الإخوان المسلمون )
جنازة 5.jpg

بقلم: أ.صلاح عبدالمقصود*

  • جنازة الفقيد الكبير تحوَّلت إلى استفتاء على أكبر حركة شعبية يصفها الإعلام الرسمي بالجماعة المحظورة.
  • مرشد الجماعة المحظورة! شيعه أكثر من ربع مليون من مختلف الأجيال من شباب في عمر الزهور إلى شيوخ تجاوزوا الثمانين!
  • الداعية الهضيبي.. لم ينعزل عن قضايا الأمة، بل رأيناه في الشهور الأخيرة يقود تجمع استاد القاهرة الدولي الذي احتشد فيه مئات الألوف دفاعًا عن فلسطين و العراق ، ورأيناه يقود مظاهرة الأزهر التي شارك فيها عشرات الألوف

في التاسع من شهر يناير شيعت مصر - بشبابها وشيوخها- العالم الفقيه والداعية المجاهد فضيلة المستشار " محمد المأمون الهضيبي "- المرشد العام لـ( الإخوان المسلمون )، والذي لبَّى نداء ربه في ليلة مباركة هي ليلة الجمعة، وتحولت جنازة الفقيد الكبير إلى استفتاء جديد على شعبية حركة ( الإخوان المسلمون )، والتي يصفها الإعلام الرسمي بأنها الجماعة المحظورة.

مرشد الجماعة المحظورة! شيَّعه أكثر من ربع مليون من الشباب الذين هم في عمر الزهور إلى الشيوخ الذين تخطوا سن الثمانين.. المرشد الذي لقى ربه في منتصف ليل الجمعة بعد أن أخلد الناس إلى الراحة، احتشد لتشييع جثمانه- خلال ساعات- مئات الألوف الذين تقاطروا على مسجد رابعة العدوية وميدانها بمدينة نصر للصلاة عليه، والسير خلف جنازته.

الألوف المؤلفة التي ضاق بها المسجد وساحاته من العاشرة صباحًا جاءت دون رغبة في شيء إلا المثوبة من الله، ودون رهبة من أحد، رغم الحصار الذي فرض على مداخل القاهرة ومخارج المحافظات للحيلولة بين الناس وبين المشاركة في تشييع داعية كبير أحب الله فأحبه الناس.

كثير من الناس يعيشون لأنفسهم، فإذا ما ماتوا لم يذكرهم أحد، وقليل منهم يعيشون لدينهم ودعوتهم، فإذا ما ماتوا غابت أجسادهم وبقيت سيرتهم الطيبة، ومن هؤلاء القلة أستاذنا ومرشدنا فضيلة المستشار " محمد المأمون الهضيبي ".

وقديمًا قال الشاعر في الصنف الأول الذي يعيش لنفسه:

هذا الذي إن عاش لا يُعنى به وإن مات لا يحزن عليه أقاربه

أما الذي يعيش لدينه ودعوته، فهو حي بين الناس وإن غادرهم بجسده:

الناس صنفان: موتى في حياتهم وآخرون ببطن الأرض أحياء

لقد رحل المرشد السادس لـ( الإخوان المسلمون ) المستشار " مأمون الهضيبي " بعد حياة حافلة بالجهاد، والعطاء، والدعوة إلى الله، والصبر على طريق الإيمان، والثبات على الموقف، فلم يغيِّر ولم يبدل، ولقي ربه ثابتًا متجردًا، عزيزًا كريمًا، لم يفرط ولم يضيع، بل عاش قابضًا على المبادئ، ومات دون تفريط فيها.

" مأمون الهضيبي "- المرشد السادس للإخوان - مثله مثل والده الإمام الممتحن المستشار " حسن الهضيبي "- المرشد الثاني لـ( الإخوان المسلمون )- الذي قاد الحركة في فترة من أشد الفترات سوادًا، حيث تعرضت حركة الإخوان للسجون والمعتقلات، بل للقتل والتعذيب.

المستشار الهضيبى.jpg

الإمام الممتحن الذي شاهد إخوانه يعلقون على أعواد المشانق من أمثال العالم الأزهري الشيخ " محمد فرغلي "، وصاحب موسوعة التشريع الجنائي في الإسلام الشهيد " عبدالقادر عودة "، و"الداعية الرباني الشهيد " محمد يوسف هوَّاش " وغيرهم فلم يهتز، وأُطلق الرصاص على إخوانه، وهم داخل زنازينهم في سجن (ليمان طرة) ليسقط العشرات من الشهداء والجرحى فلم يهادن، وسجن أولاده وبناته وزوجه بهدف إضعافه أو النيل من يقينه فظل ثابتًا شامخًا كالطود الأشم.

على نفس نهج الإمام الممتحن سار ابنه، فعندما دخل السجن الحربي عام 1965 م لم يهن المستشار "مأمون الهضيبي" ولم يضعف، بل كان رمزًا للثبات، طلبوا منه تأييد النظام فرفض، وضعوه فيما سُمِّي بزنازين الشمال، وقالوا: إن أهل هذه الزنازين ستتم تصفيتهم جسديًا فلم يعبأ.

الداعية الإسكندري الأستاذ " محمد عبدالمنعم "، والذي رافق المستشار " مأمون الهضيبي " في السجن الحربي يقول عنه: عندما قُدم للمحاكمة أمام الدجوى في عام 66 وسأله هذا المأفون الذي يُقال عنه أنه قاضٍ: هل لديك محام أم ستترافع عن نفسك؟

أجاب المستشار "مأمون": بل سأترافع عن نفسي بسؤال أوجهه إليك: لقد كنتَ وأنا معتقلَين أسيرين في غزة في يد الصهاينة إبان العدوان الثلاثي على مصر 1956 م، وجاء بنا العدو إلى الإذاعة الموجهة لمصر كي نهاجم بلدنا حكومة وشعبًا، فأنا رفضت وأنت وافقت، وشتمت بلدك وهاجمت حكومتها، وهنا يهتف والده الإمام "حسن الهضيبي" من قفص المحاكمة، ويقول لابنه "المأمون": أحسنت يا ولدي.. لقد عرفتُ إذن كيف أربي.

واستقبل حكم المحكمة الجائرة باسمًا ساخرًا، تمامًا مثلما استقبله الشهيد " سيد قطب " عندما نُودي عليه من قبل القاضي الظالم ليُعلمه بالحكم، وخرج من باب المحكمة مارًا بإخوانه الذين ينتظرون دورهم لسماع الأحكام، فلما سألوه عن الحكم الذي صدر عليه قال: شهادة في سبيل الله ما كنت أظن أنني سأستحقها، ومثله مثل المجاهدة "زينب الغزالي" التي قالت لإخوانها: أنا أختكم "زينب الغزالي الجبيلي".. خمسة وعشرون عامًا في سبيل الله.

لقد كانت جنازة المستشار " مأمون الهضيبي " تكريمًا لدعوة ( الإخوان المسلمون ) ودعاتها، واستفتاءً على شعبيتها، استفتاءً حقيقيًا لا تزوير فيه ولا تضخيم، وصورة طبيعية لا تحسين فيها ولا تجميل.

كانت تكريمًا للداعية الصادق، والقاضي الفقيه، والعالم الموسوعي، والفارس الذي لا يشق له غبار، والمصلح الاجتماعي الذي كان يقتحم كل المنتديات بلا خوف ولا وجل، ويخالطها بسمت الداعية المعتز بدينه الواثق بشريعته.

وكانت تكريمًا للداعية الذي شاهده الناس وهو يقود أكبر فريق برلماني في مجلس الشعب المصري منافحًا عن الشريعة، مدافعًا عن القيم، رأوه فقيهًا شرعيًا ودستوريًا وقانونيًا، ورأوه سياسيًا محنكًا، ورأوه داعيةً إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ورأوه مجادلاً لمخالفيه بالتي هي أحسن.

وكانت الجنازة تكريمًا لراهب الليل وفارس النهار، القوام الصوام، الذي كانت له مع ربه كل ليلة ساعتين متبتلاً مستغفرًا.

الداعية "الهضيبي" الذي اتخذ المشاركة في العمل العام سبيلاً للدعوة إلى الله، فكنا نراه مرتادًا للنوادي محاضرًا، وللمقاهي - في جولاته الانتخابية - واعظًا ومذكرًا، ولمقرات الأحزاب مشاركًا للتيارات السياسية والحزبية، معبرًا عن دعوة الإسلام ورؤيتها لمختلف القضايا.

الداعية الهضيبي الذي كان دائمًا يحرِّض أبناءه وتلامذته على المشاركة في العمل العام، وخدمة المجتمع، والدفاع عن قضاياه والتصدي لمشكلاته.

كان يؤمن بالدعوة بمفهومها الشامل عبر المساجد، والجامعات، والنوادي، والنقابات، الدعوة في البيت والشارع والمقهى والمتجر.

رفع شعار ( الإسلام هو الحل) لقضايا الأمة ومشكلاتها، وسعى إلى ترجمة الشعار إلى العديد من البرامج في مجالات الشورى والحريات العامة وحقوق المرأة، والسياسة والاقتصاد، والتربية والثقافة، والاجتماع والعمران، والبطالة والبيئة.

كان من أشد الدعاة المتحمسين لدور المرأة المسلمة في الدعوة إلى الله وإصلاح المجتمع، باعتبارها تمثل نصف هذا المجتمع، وتُربِي وترعى النصف الآخر، ودافع عن حقوقها العامة، وترجم هذا الدفاع إلى واقع عملي.

أعطى بعض وقته للرد على المرجفين الذين حاولوا تشويه الإسلام واتهامه بالتخلف والرجعية، فكتب وناظر وألَّف واجتهد ونشر العديد من الدراسات والمقالات التي تكشف حقيقة الإسلام لأبنائه الجاهلين أو أعدائه الحاقدين.

الداعية "الهضيبي"- الذي قاد أكبر جماعة إسلامية في العالم الإسلامي - لم ينعزل عن قضايا الأمة، بل كان في مقدمة المدافعين عنها، رأيناه في الشهور الأخيرة يقود تجمع استاد القاهرة الدولي الذي احتشد فيه مئات الألوف دفاعًا عن فلسطين والعراق، ورأيناه يقود مظاهرة الأزهر التي شارك فيها عشرات الألوف، وكان آخر مواقفه الدفاع عن حق المسلمات في فرنسا في ارتداء الحجاب.

رحم الله المستشار " محمد المأمون الهضيبي "- المرشد العام لـ( الإخوان المسلمون )- الداعية المجاهد، والفقيه المتواضع، والعالم الجليل، الذي ظلَّ طيلة حياته يردد: الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وعوض الدعوة الإسلامية فيه خيرًا.

وكيل نقابة الصحفيين المصرية

المصدر


تعرف معنا على المزيد

روابط داخلية

كتب متعلقة:

أبحاث ومقلات متعلقة:

مؤلفاتة:

متعلقات

روابط خارجية

أبحاث ومقلات متعلقة:

تابع الروابط الخارجية:

تابع الروابط الخارجية:

روابط فيديو: