جمهورية العسكر المصرية.. في البدء كان الفساد! (2-2)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
جمهورية العسكر المصرية .. في البدء كان الفساد! (2-2)


أحمد حسن الشرقاوي

(السبت 19 سبتمبر 2015)

الأسبوع الماضي، حينما كتبت في هذا المكان عن فساد العسكر في جمهورية السيسي بمصر، لم أتوقع أبداً أن يطيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة برجل العسكر القوي الجنرال محمد مدين المعروف باسم توفيق في الجزائر.

والجنرال توفيق لمن لا يعرف هو الرجل الأقوى في الدولة الجزائرية على مدار السنوات الخمس والعشرين الماضية، وهو الذي قاد حربا لا هوادة فيها على الإسلاميين بعد توليه منصب مدير المخابرات الجزائرية بشهور قليلة. ومن حق القارئ الكريم أن يتساءل: ما هي العلاقة بين فساد العسكر في مصر، وإقالة الجنرال توفيق في الجزائر؟! الإجابة كلمة واحدة: الغرب!

رغم معرفة الكثيرين بتفاصيل العلاقة القلقة بين الرئيس الجزائري المريض عبدالعزيز بوتفليقة ومجموعة جنرالات قصر الرئاسة التي تدير الدولة من ناحية، وجنرالات المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية من ناحية أخرى خصوصا بعد ترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية رابعة خلافا لرغبة الجنرال توفيق الذي كان تقديره أن بوتفليقة مريض

وأن وفاته ستمثل فراغا للسلطة وربما يثير صراعا حولها بين فريقين أو أكثر من الجنرالات في مؤسسة الرئاسة أو في الجيش والأجهزة الأمنية، وبالتالي كان يبحث عن خليفة لبوتفليقة يتم تنصيبه وفقا للمبدأ السائد في السياسة الجزائرية منذ عقود وهو: "السياسيون المدنيون في الواجهة.. والعسكريون هم الحكام الفعليون".

بدا لي لحظة سماع الخبر أن من يملكون مفاتيح اللعبة السياسية في الجزائر ومصر خصوصا فرنسا بدأت تقديراتهم تميل إلى أن استمرار الوجه القبيح للعسكر يمكن أن يزيد الغضب الشعبي ويدفع باتجاه ثورات كبرى وشاملة في المنطقة تجلب المزيد من المشاكل خصوصا الهجرة غير الشرعية من بلدان عدد سكانها كبير مثل هذين البلدين (مصر والجزائر).

لم يكن بوتفليقة ومن معه من الجنرالات يجرؤون على إقالة الجنرال توفيق دون موافقة صريحة من فرنسا أو على الأقل حصولهم على ضوء أخضر من فرنسا والغرب، وما كان للجنرال المخضرم توفيق -البالغ من العمر 76 عاما قضى نحو نصفها في أروقة الحكم- أن يستسلم لتلك القرارات دون مقاومة ما لم يكن يعلم علم اليقين أنه لن يتلقى دعما ومساندة من فرنسا والغرب إذا حاول تحدي سلطة بوتفليقة.

الحكام في بلادنا يعرفون توجهات الغرب ويعملون في اتجاهها لا عكسها، تماما كما كان الجنرال عبدالفتاح السيسي يعلم بتوجهات الغرب ضد الحكم المدني المنتخب في مصر وعمل في ذات الاتجاه، بل واعترف أنه أبلغ، أو بالأحرى طمأن، مسؤولين غربيين وأميركيين منذ مارس 2013 وقبل 3 شهور كاملة من الانقلاب أن أيام الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي في الحكم باتت معدودة.

البعض يقول:

إن الغرب يستخدم الجنرالات في بلداننا كعملاء ووكلاء عنه في حكم شعوبنا، وإن الغرب يقوم بجهود ضخمة دون كلل أو ملل للسيطرة على جنرالات العسكر العرب للاستمرار في القيام بهذا الدور. أما الجنرالات العرب فقد باعوا روحهم للشيطان، بتعبير الفيلسوف الألماني الأشهر يوهان جوته في رواية ومسرحية فاوست الشهيرة في الأدب الألماني والغربي بصفة عامة.

المصلحة متبادلة بين الجانبين، والقاسم المشترك بينهما هو الفساد الذي يقوم به العسكر العرب على حساب شعوبهم واستمرار تلك الشعوب ترزخ في وهدة الجهل والتخلف، بينما ينعم الغرب بالرفاهية والديمقراطية ويقدم للعالم نموذجا في الحكم الرشيد والشفافية والمحاسبة ومسؤولية الحكام.

البعض يعتبرها حربا من الغرب على النموذج الذي يمكن أن تقدمه المنطقة العربية والإسلامية مستمدا من الدين الإسلامي في الحكم الرشيد والتكافل والشورى، ويستشهد هذا البعض بما قاله عمدة نيويورك السابق عند الاحتفال بذكرى أحداث 11 سبتمبر مؤخرا

حينما قال:

"إن نموذج الديمقراطية الأميركي هو أفضل ما نقدمه للعالم، الولايات المتحدة لا تقدم للعالم فقط مخترعات ومنتجات صناعية تخدم الإنسانية ورفاهيتها ولكنها تقدم قبل ذلك النموذج الأمثل الذي ابتكرته البشرية في الحكم الديمقراطي ونمط الحياة الغربي".

ولم يتوقف العمدة عند هذه النقطة بل قال بوضوح:

"إن المسلمين الذين قاموا بهذا العمل لم يقدموا إسهاما واحدا في خدمة ورفاهية البشرية، بل قدموا القتل والموت والإرهاب كما حدث في العام 2001 هنا في نيويورك، ولذلك فإن الصينيين المطالبين بالحرية الذين خرجوا في ميدان السلام السماوي ببكين في العام 1989 لم يرفعوا صورة نبي المسلمين محمد (عليه الصلاة والسلام) أو كتابهم المقدس (القرآن الكريم) بل رفعوا صور تمثال الحرية الذي يعد أهم معالم نيويورك والرمز الأبرز للحضارة الأميركية الغربية".

وكلام العمدة السابق ينضح بالطائفية والعنصرية ضد المسلمين. لكن إقالة الجنرال توفيق في الجزائر ربما تشير إلى أن أطرافا في العالم الغربي سواء في فرنسا أو غيرها بدأت تدرك أن استمرار تأييدها للجنرالات الفاسدين في العالم العربي ينذر بانفجار ضخم لشعوب المنطقة لن يستطيع الغرب الوقوف في وجه تلك الشعوب الثائرة أو يؤثر في مسار ثوراتها، كما فعل مع ثورات الربيع العربي ونجحت في ذلك حتى الآن.

الرسالة براجماتية للغاية ومفهومة في سياقها العام. ويبدو لي أن تلك الإقالة في الجزائر تعد رسالة غير سارة من الغرب للعسكر الفاسدين القتلة في مصر. ويبدو أيضا أن بعضهم فهم مغزى تلك الرسالة ويحاول تطويق آثارها عليهم.. فهل ينجحون؟!

المصدر